• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

الفرض الكفائي والفرض العيني

الفرض الكفائي والفرض العيني
د. مصطفى عطية جمعة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/3/2016 ميلادي - 12/6/1437 هجري

الزيارات: 101501

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الفرض الكفائي والفرض العيني


يدور التعريف للفرضين: الكفائي والعيني، حول طلب الوجوب، إذا طلب الفعل الواجب من كل واحد (شخص مكلف) بخصوصه فهو فرض العين، وإن كان المقصود بالوجوب إيقاع الفعل (فعل المطلوب) بقطع النظر عن الفاعل فهو فرض الكفاية، ففعلُ البعض فيه يسقط الإثم عن الباقين وهو واجب أيضا على الجميع، بخلاف فرض العين الذي يجب إيقاعه على كل عين [1]، وهذا التعريف ينظر إلى الفعل: فإذا كان الفعل مطلوبا من كل شخص أن يفعله مثل الصلوات الخمس وصيام رمضان وحسن الخلق والسلوك الصالح فهذا فرض العين، لأن كل مسلم مطالب بهذه العبادات والسلوكيات والقيم، أما إذا كان الفعل المطلوب متجها إلى الجماعة المسلمة ككل، بأن يطلب منهم التفقه في الدين أو تكوين جيش للدفاع عن الجماعة، فإن القصد هنا أن يُنجَزَ العمل، حتى لا تنال الجماعة كلها ذنب التقصير والقعود عن إتيان ذلك، فإن تطوع نفرٌ يرون في أنفسهم القدرة على هذا الفعل، وقاموا به، فهم يسقطون الإثم عن أنفسهم وعن الجماعة أيضاً، كما جاء في تعريف آخر: فإن فرض العين هو ما طلب الشارع فعله من كل مكلف بعينه، أما فرض الكفاية: فهو ما طلب الشارع حصوله من غير تعيين فاعله[2].

 

ففعل فرض العين، لا يجزئ قيام فرد من أفراد المكلفين به عن شخص آخر، مثل الصلاة والحج والوفاء بالعقود..، أما فرض الكفاية، إذا قام به بعض المكلفين سقط الإثم والحرج عن باقي الجماعة، وإذا لم يقم به أي فرد منهم، فقد نال أفراد الجماعة الإثم جميعا، لأنهم أهملوا الواجب، ومثال ذلك: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصلاة على الموتى، وإنقاذ الغريق، والقضاء والإفتاء... إلخ [3].

 

وهناك فريق من الأصوليِّين يرى عدم وجود فارقٍ بيْن الفرض العيني والفرض الكفائي؛ أبرزهم الآمدي الذي يذكر في كتابه الإحكام: إنه "لا فرق عند أصحابنا بين واجب العين والواجب على الكفاية من جهة الوجوب؛ لشمول حدِّ الواجب لهما، خلافًا لبعض الناس"[4]، ويقول ابن برهان البغدادي في كتابه: "الوصول إلى الأصول": إنَّه "لا فرق بين فرْض العين، الواجب العيني، وفرض الكفاية، الواجب الكفائي؛ خلافًا لبعض العلماء"[5]، ويستدل أصحاب هذه الوجهة على ذلك بأنَّ الواجب العيني والواجب الكفائي قدِ استويا من جهة الوجوب لشمول حدّ الواجب لهما، فوجب أن يستوِيا من جهة الحقيقة، فإنَّه يتعرَّض للعقاب بترْك كلِّ واحد منهما[6]، وهذا يجعل كلا الواجبين (الفرضين) على سبيل الإلزام لكل فرد في الجماعة المسلمة، لأن كلمة الوجوب – في رأيهم – لم تقيّد بأشخاص.

 

وقد ذكر الآمدي أنَّ هذا الرَّأْي قال به أصحاب الشَّافعية، وأنَّ الَّذي خالف في هذا بعضُ العلماء. إلا أنَّ جمهور علماء الأصول على غير هذا؛ إذ يرى الجمهور وجود فرقٍ بيْن الواجب العيني والواجب الكفائي، فالأخير (الكفاية) يقصد به عددا من الواجبات مطلوب للشارع أن توجد في الأمة أيًا كان من يفعلها، وليس المطلوب أن يقوم كل فرد بفعلها، أو فعل معين بفعلها، فالمصلحة تتحقق بوجودها من بعض المكلفين، ولا تتوقف على قيام كل مكلف بها[7].أي أنَّ الواجب العيني يتوجَّه الخطاب فيه إلى كلّ مكلَّف بذاته، في حين يتوجَّه الخطاب في الواجب الكفائي إلى جماعة المكلَّفين الذين ينهضون وينوبون عن الأمة. كما في قوله تعالى: " كُتِبَ عليكمُ القتالُ "[8]، " كُتِبَ عليكمُ الصيامُ " [9]، فالأول فرض كفائي، ينهض به كل قادر على حمل السلاح والجهاد، والثاني عيني لكل مكلف توافرت به شروط التكليف الشرعية، وما يحدد ذلك هو المقصد الشرعي المتوخى، مع الأخذ في الاعتبار، أن الفروض الكفائية تصبح عينية في مواقف بعينها، فإذا تعرض بلد مسلم إلى هجوم العدو، فإن الجهاد يصبح فرضا عينيا على كل قادر على حمل السلاح، وهذه حالات تقدر بقدرها.

 

فالمعوّلُ هنا على " صيغة الخطاب " وسياقه ودلالته، فإذا كان مقصوداً به كل مسلم فهذا فرض العين، أما لو كان عاما للجماعة المسلمة، فهو على فرض الكفاية، فالأمر في صيغة العيني موجه لجميع المكلفين، أي لكل واحد على حدة، أما في الكفائي فهو مختلف فيه، فالبعض يرى أنه موجه للجميع لكن يسقط بفعل البعض، أو موجه إلى بعض غير معين (مبهم)، أو هو متوجه إلى المجموع من حيث هو مجموع أي الهيئة الاجتماعية في المجتمع، والراجح في ذلك أنه متوجه إلى الجميع، ويسقط بفعل البعض، وينال الثواب الجميع، في حالة حرصهم على القيام بحفز من يندب نفسه لفرض الكفاية ومساعدته، فلو فعلوه جميعا أثيبوا ثواب الفرض، ولو تركوه جميعا، عوقبوا عقاب الفرض[10].

 

والاحتمال الثاني (الموجه إلى مبهم) باطل، لأنه يؤدي إلى ترك الواجب، فكل واحد سيقول لست أنا المخاطب ٍ، ولأن المكلف لابد أن يعلم أنه مخاطب، فإذا كانت دلالة الخطاب على مبهم (غير معينٍ شخصَه)، فإن المكلف لا يعلم أنه مخاطب، فيكون معذورا، لذا فإن الراجح هو الخطاب الموجه إلى مجموع الأمة وليس إلى الجميع حتى لا يفهم أنه من خطاب العين لا يسقط إلا بفعله أو بنسخه[11].

 

يقول القرافي في "الفروق" في شرح قاعدة: "الفعل على قسمين: ما تتكرَّر مصلحتُه، وما لا تتكرَّر": "هذه القاعدة هي سرّ ما يشرع على الكفاية، وما يُشْرَع على الأعيان: تكرار المصلحة وعدم تكرارها، فمَن علِم ذلك، علم ما هو الَّذي يكون على الكفاية، وما هو الذي يكون على الأعيان في الشَّريعة"[12].

 

فرأي القرافي يضع قاعدة أخرى في الفرق بين الكفائي والعيني، وهي تستند إلى تكرار الفعل المطلوب (الواجب)، فهناك أفعال مطلوب تكرارها دائماً، من الأفراد، بشكل يومي مثل الصلاة، أو سنوي كالصوم والزكاة، أو في العمر مثل الحج لمن استطاع إليه سبيلا، وهناك أفعال مطلوب القيام بها، دون تكرار هذا الأمر، فإذا كان هناك حريق في منزل في حيٍ، فعلى الجماعة المسلمة نجدة أهل البيت، إما بحضور فريق الإطفاء – إن وجد – أو تطوع عدد من القادرين على الفعل، وهذا حادث لا يتكرر، ولكنه واجب لإنقاذ الضحايا، والأمثلة كثيرة.

 

وهو ما يؤكده ابن النجَّار في شرحه للكوكب المنير": "والفرق بين فرض العين - الواجب العيني - وفرض الكفاية - الواجب الكفائي -: أنَّ فرض العيْن ما تكرَّرت مصلحتُه بتكرُّره كالصَّلوات الخمس وغيرها، فإنَّ مصلحتَها الخضوع لله، وتعظيمه، ومناجاته، والتذلُّل والمثول بين يديه، وهذه الآداب تتكرَّر كلَّما كرّرت الصَّلاة، وفرض الكفاية ما لا تتكرَّر مصلحتُه بتكرُّره كإنْجاء الغريق وغسْل الميِّت ودفنه ونحوها، فهُما متبايِنان تبايُن النَّوعَين"[13]، وهذا ما يعلل له الإسْنوي بأن تسْمية فرْض الكفاية بهذا الاسم لأنَّ البعض فيه يكفي في سقوط الإثم عن الباقين مع كونه واجبًا على الجميع "[14].

 

ويستدلُّ أصحاب هذه الوجهة - وهم جُمهور الأصوليِّين - بأدلَّة عديدة منها ما أشار إليه ابن النجَّار في نصِّه السَّابق من أنَّ الواجب العيني تُكرَّر مصلحته بتكرّره دون الواجب الكفائي، ومنها أنَّ الواجب العيْني لا يسقط عن المكلَّف بفعل غيره له، على حين يسقط الواجب الكفائي بذلك؛ مثل الجهاد والأذان والصَّلاة على الموْتَى، وغير ذلك من الواجِبات الكفائيَّة[15].

 

ولا شك أن رأْي الجمهور في وجود فروق بين الواجب العيْني والواجب الكفائي هو ما يتبناه الباحث؛ فالواجب العيْني تتكرَّر مصلحته بتكرُّره دون الواجب الكفائي، ففي الواجب العيْني مثل أداء الصَّلوات وملازمة الصِّدق فإنَّ المصلحة في ذلك متكرّرة أي الحصول على الثواب، وهي من شيم المسلم وسلوكياته، أمَّا الواجب الكفائي فلا تتكرَّر فيه المصلحة بتكرُّر وجوده وتحقُّقها[16]، فمصلحة الواجب العيني تعود إلى فاعله، فلا يغني فعل البعض لرفع الإثم عن الكل، أما الواجب الكفائي فمصلحته عامة، ينوب فيه البعض عن الكل. وهذا لا يعني أن الواجب العيني لا يفيد المجتمع، بل إن الالتزام به إفادة لعموم المجتمع، وسبيل لفعل الواجب الكفائي.

 

وحسب شروط التكليف العائدة إلى الفعل، فإن القيام بالفروض يتوقف على القدرة والاستطاعة، وتعني القدرة على العلم والعمل معا، فلا معنى أن يتطوع شخص ما بالقيام بأعباء فرضٍ للكفاية وهو عاجز، والعجز يكون علميا بالجهل أو عمليا بعدم القدرة على التنفيذ، وهذا يستلزم أن يقف كل فرد مع نفسه، متعرفا ملكاته وقدراته، وهناك دور لولي الأمر أو المؤسسات الرسمية في ذلك، بأن تكتشف هؤلاء وترعاهم، وتوفر لهم الإمكانية، فهناك فروض للكفاية تحتاج إلى إمكانات وتكاليف مادية وبشرية، لا يقوم بها فرد أو حتى أفراد.

 

وهو ما أشار إليه ابن تيمية، حيث يقول: " فمن استقرأ ما جاء به الكتاب والسنة تبين له أن التكليف مشروط بالقدرة على العلم والعمل، فمن كان عاجزا عن أحدهما، سقط عنه ما يعجزه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها"[17].

 

وقد نظر الإمام الشاطبي إلى الكفائي والعيني نظرة مختلفة، حيث ربطها بالمقاصد الشرعية، فجعلها على ضربين: مقاصد أصلية، ومقاصد تابعة. فالضرب الأول (الأصلية): لا حظَّ فيها للمكلف، وهي الضروريات المعتبرة في كل ملة، والتي لا تقوم الملة إلا بها كالعبادات وما شابه، أما الضرب الثاني (التابعة): فهي التي روعي فيها حظ المكلف في الدنيا ليحصل له ما جبل عليه من نيل الشهوات والاستمتاع بالمباحات، وسد الخلّات، فحكمة الله سبحانه، اقتضت أن قيام الدين والدنيا إنما يصلح بدواعٍ من قبل الإنسان تحمله على اكتساب ما يحتاجه، كشهوة الطعام، تحرّكه ليسعى في الرزق، وشهوة النساء تحرّكه للزواج وغير ذلك، وقد جاءت هذه المقاصد التابعة للأصلية، لأن المكلَّف يحتاج إلى إشباع رغباته وحاجاته وغرائزه، وهذا لن يتم إلا في ضوء ما حددته الشريعة من سبل وقوانين، أساسها القيام بالمقاصد الأصلية، ثم الالتزام بحدود الشرع في استيفاء المقاصد التابعة، التي تتفاوت من عبد إلى آخر في درجات تحقيقها، وكل هذا من أجل نيل السعادة الأبدية في الجنات العلا، فقد ربط الشارع هذه المقاصد بعمارة الدنيا للآخرة، وجعل الاكتساب لهذه الحظوظ مباحا لا ممنوعا، لكن بأسس وطرائق شرعية [18].

 

وقد قسم الشاطبي المقاصد الأصلية إلى ضروريات عينية وضروريات كفائية، فالعينية تقع على عاتق كل مكلف في نفسه، (ترتبط بالكليات الخمس)، فهو مأمور بحفظ دينه اعتقادا وعملا، وبحفظ نفسه قياما بضرورية حياته، وبحفظ عقله حفاظا على موارد التكليف الشرعيّ، وحفظ نسله، وحفظ ماله، استعانة على إقامة تلك الأوجه الأربعة، والدليل على ذلك: أنه لو فرض اختيار العبد خلاف هذه الأمور، لتم الحجر عليه، ومُنِع عن تحقيق خياراته. أما الضروريات الكفائية فهي منوطة بالغير أن يقوم بها على العموم في جماعة المكلفين، لتستقيم الأحوال العامة التي لا تقوم الخاصة إلا بها، وهذا القسم مكمل للأول، حيث يلحقه في كونه ضروريا، فالعيني لا يقوم إلا بالكفائي في هذا الجانب؛ فالكفائي قيام بمصالح عامة لجميع الخلق[19].

 

أما عن مستويات الفروض، فهي لا تقف عند مستوى واحد، بل تختلف في الفعل وثوابه، وقد عبر عن ذلك ابن تيمية ذاكرا أن التفاضل في الواجبات يتضمن تفاضلا في الثواب، ويكون التفاضل أيضا في الأمكنة والأزمنة والأشخاص وفي الخبر والإنشاء..، [20] فليس الأمر بالإيمان ورسوله، كالأمر بأخذ الزينة عند كل مسجد، أو كالأمر بالإنفاق على الحامل وإيتائها أجرها إذا أرضعت[21] والحكمة في التفاضل أنه إذا عُرفَ بين الأعمال تفاضلا وتفاوتا وأنها على درجات ومراتب، كان طلب الأفضل أكمل من طلب المفضول، والطالب إذا كان حكيما يكون طلبه للأفضل آكد [22]، وهذا ما يكون سبيلا لتنافس المتنافسين في الخير، فالأمر مرهون بالرغبة في الثواب الأكبر، ومن أراده، فعليه أن يتخير الأعمال، ويفاضل فيما بينها، ومن ثم يختار الأفضل ثوابا، وقد يكون أشق في أدائه.

 

كذلك، فإنَّ الواجب العيْني لا يسقط عن المكلَّف بفعل غيرِه له، دون الواجب الكفائي، وقد أشار إلى ذلك العديد من العلماء منهم العز بن عبد السَّلام حين ذكر أنَّه "لا يسقط فرض العين إلاَّ بفعل المكلَّف به، ويسقط فرْض الكفاية بفعل القائمين به، دون من كُلِّف به في ابتداء الأمر"[23]، وينال الثواب من ندب نفسه للقيام بفرض الكفاية على أن يؤديه على الوجه المطلوب، فهو نائب هنا عن الأمة، وبذلك يكون قد أسقط الإثم عن باقي المتخلفين من الأمة[24]. ذلك أن حقوق الله لها ارتباط بالحياة الاجتماعية للناس، لأنها إما تتعلق بالواجبات العبادية أو بالمصلحة العامة للأمة، فأداء حقوق الله وفرائضه، له ارتباط بالصالح العام للأمة كلها، بل ويتوقف كيان المجتمع عليها من منظور الإسلام، ومن ثم فإن النهوض بها وأداءها واجب لحفظ مصالح الأمة وكيانها. وعندما يدرك المسلم أن قيامه بواجباته العينية المحددة والكفائية (حسب قدراته) إنما هي أمور ربانية، يرضي بها ربه، وينال ثوابه، إن أحسن القصد، وأخلص النية، وإن تقاعس فهو معاقب. فهو يربط حياة المسلم في الدنيا بنيل مرضاة الله، والفوز بجناته، وهذا نابع من قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [25]، ذلك أن " خاصية الواجب الذم، وترتّبَ العقاب على الترك، والثواب عند الامتثال، فإن لم يقصد الامتثال، وكان الفعل مما يفتقر إلى النية، لم يخرج عن العهدة إلا بها كالصلاة والصوم..، وإن لم يفتقر إلى النية كأداء الديون ورد الغصوب خرج عن العهدة بدونها، لكن لا يثاب إلا إذا قصد التقرب به " [26]. فركن النية، وربط الفعل بالربانية، إنما هو مدار الأمر في الإسلام، وعليه تُبنَى الأمةُ الإسلامية، وتكون حركة المسلم وأعماله – إن ضبط نيته وأخلص قصده – وسيلة لبناء الفرد، كفرد، والمجتمع الذي يحيا فيه؟

 

والقيام بالفروض يقاس بتحقيقها، بغض النظر عن نية العبد، فهي أمر قلبي، بين العبد وربه، ولكن على العبد أن يؤدي ما عليه خاصة ما تعلق بعلاقته مع العباد، مثل سداد الديون، ورد ما اغتصبه دون حق، وتنفيذ أحكام القضاء، أما لو أسبق العبد نيته في هذه الأفعال- التي سيفعلها رغما عنها – فهو مثاب من الله.

 

ومن هنا، فإن كلا الواجبين: العيني والكفائي متساويان في الوجوب والإلزام، وإن اختلف ثواب كل واجب على حدة، حسب الفعل المطلوب وأهميته، لأن الشارع طلب حصوله، ورتّب عليهما العقاب على تركهما، فلو لم يكن للفرض الكفائي أهمية كبيرة ما طلب الشارع من الجميع القيام به ولا حتّم على الكافة إيجاده، ولا جعل على أفراد الأمة كلها الإثم على تركه، ومن ثم لم تبق للمفاضلة بين الواجب الكفائي والعيني فائدة، لأن كل منهما جزء من أحكام الشريعة ومصالح قصدها الشارع الحكيم من جراء فعلها، ويكون الفرق بينهما " أن المقصود في فرض الكفاية تحصيل المصلحة التي تضمنها، من أي شخص حصلت كان هو المطلوب، وفي فرض العين تعبد الأعيان بفعله "[27].

 

أمر آخر، فإن الفرض العيني والكفائي مترابطان، فالقائم بفرض العين يحتاج إلى غيره من أبناء الجماعة المسلمة كي يعينه ويحقق له أمورا كفائية مثل الفتيا في الدين، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى حد قول الشاطبي: " لا يقوم العيني إلا بالكفائي، وذلك أن الكفائي قيام بمصالح عامة لجميع الخلق..، لأنه لم يؤمر إذ ذاك بخاصة نفسه فقط وإلا صار عينيا، بل بإقامة الوجود، وحقيقته أنه خليفة الله في عباده، على حسب قدرته وما هيّئ له من ذلك، فإن الواحد لا يقدر على إصلاح نفسه، والقيام بجميع أهله، فضلا عن أن يقوم بقبيلة.. فجعل الله الخلق خلائف في إقامة الضروريات العامة حتى قام الملك في الأرض "[28] فالواجب الكفائي يحفظ وجود المجتمع المسلم بالجهاد وضمان استقراره بإقامة العدل عن طريق القضاء، ونشر الأمن ودفع للفتن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وتحقق هذه المقاصد التي تخدمها الفروض الكفائية يوجد المجتمع المستقر الآمن الذي يستطيع فيه الفرد أداء واجباته العينية والامتثال للأوامر والنواهي الإلهية، " لأن الفروض العامة أو التضامنية، من الوجهة العملية، يتوقف عليها التمكن من أداء الفروض العينية (الفردية)، فما لم يكن هناك دفاع وجهاد، وما لم تظهر دولة إسلامية آمنة ذات سلطان، وما لم يتحقق العدل بالقضاء وفق أحكام الشريعة الإلهية، وهكذا، فإن أداء الفرد للفرض العيني، من عبادة أو زكاة أو نحو ذلك، قد يصبح متعذرا، بل إن حياة الفرد نفسه أو تمكنه من الحياة في حرية قد لا تكون ممكنة، وبقاء الدين نفسه يمكن أن يكون عرضة للخطر، فالفروض الكفائية أو التضامنية لها إذن هذه الأهمية العظمى، فيما يتعلق بحياة الأمة الإسلامية والدين [29].

 

هذا وسيناقش الباحث في المبحث الثاني أهمية تحقيق الفروض الكفائية لإسقاط الإثم عن عامة المسلمين وخاصتهم.



[1] التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، جمال الدين أبي محمد عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي، تحقيق: محمد حسن هيتو، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1401هـ، 1981م، ص74.

[2] أصول الفقه، ما لا يسع الفقيه جهله، د. عياض بن نامي السلمي، دار التدمرية، الرياض، ط1، 1426هـ، 2005م، ص37.

[3] علم أصول الفقه، عبد الوهاب خلاف، م س، ص108، 109.

[4] الإحكام في أصول الأحكام: الآمدي (علي بن محمد.... أبو الحسن) (551- 631هـ)، تحقيق: د. سيد الجميلي، طبعة: دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى لسنة 1404 هـ.: 1/ 99.

[5] الوصول إلى الأصول: ابن برهان البغدادي (أحمد بن علي ت 518هـ)، طبعة مكتبة المعارف، بالرياض، المملكة العربية السعودية، 1403هـ. مج 1/ ص81.

[6] الإحكام في أصول الإحكام 1/ 99، 100، وانظر أيضا: الوصول إلى الأصول 1/ 81، 82.

[7] أصول الفقه، خلاف، م س، ص109.

[8] البقرة، 216.

[9] البقرة، 183.

[10] انظر تفصيلا: ما لا يسع الفقيه جهله، م س، ص38، 39.

[11] ما لا يسع الفقيه جهله، م س، ص266، 267.

[12] الفروق: القرافي (أحمد بن إدريس ت 684هـ)، طبعة عالم الكتب، بيروت، د. ت، انظر فيه: 1/ 116.

[13] شرح الكوكب المنير 1/ 374، 375.

[14] التمهيد: الإسنوي، ص 74

[15]راجع للمزيد: شرح الكوكب المنير 1/ 373، 374، والفروق للقرافي 1/ 116، والتمهيد للإسنوي ص 74.

[16] الحكم التكليفي في الشَّريعة الإسلاميَّة: الدكتور محمد أبو الفتوح البيانوني، طبعة دار القلم، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى لسنة 1409م، ص 102.

[17] مجموع الفتاوى، ابن تيمية ( ت 728هـ )، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن قاسم وابنه، مكتبة النهضة الحديثة بمكة المكرمة، 1404هـ، ج1 / 68.

[18] انظر: الموافقات في أصول الشريعة، للشاطبي، م س، ج2، ص150، 152، 153.

[19] السابق، ص151.

[20] مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج17، ص58.

[21] السابق، ج17، ص61.

[22] السابق، ج17، ص61.

[23] قواعد الأحكام في مصالح الأنام: العز بن عبدالسلام (عبدالعزيز بن عبدالسلام السلمي ت 660هـ)، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، د. ت. 1ج، ص44، 45.

[24] معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة، محمد بن حسين بن حسن الجيزاني (رسالة دكتوراه )، منشورات دار ابن الجوزي، الرياض، ط1، 1416هـ، 1996م، ص300.

[25] سورة الأنعام، الآية 162.

[26] المجموع المذهب في قواعد المذهب، للإمام الحافظ الأصولي أبي سعيد خليل بن كيكلدي العلائي الشافعي، ت 761هـ، تحقيق ودراسة: د. محمد عبد الغفار الشريف، نشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إدارة الإفتاء والبحوث، الكويت، ط1، 1414هـ، 1994م، ج1، ص236.

[27] المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، عبد القادر بن بدران الدمشقي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1401هـ، ج1 ص229.

[28] الموافقات في أصول الشريعة، الشاطبي، م س، ج2، ص151.

[29] النظريات السياسية الإسلامية، محمد ضياء الدين الريس، دار التراث القاهرة، ط7، 1979م ص 310.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تعريفات الفرض

مختارات من الشبكة

  • فروض الكفايات ودورها في نهضة المجتمعات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قاعدة مبسطة في صياغة وقبول أو رفض الفرض الصفري والفرض البديل(مقالة - موقع الدكتور أحمد إبراهيم خضر)
  • الواجب الكفائي (فرض الكفاية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الواجب في اللغة والاصطلاح والفرق بينه وبين الفرض(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صيام الفرض أو النفل في الشتاء غنيمة باردة لمن يسرها الله له(مقالة - ملفات خاصة)
  • حكم القنوت للنازلة في صلاة الفرض(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
  • جهر المنفرد والمسبوق في صلاة الفرض الجهرية(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
  • الفرق بين الفرض والواجب عند المالكية(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • حكم صيام يوم السبت من غير الفرض(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الفرق بين الفرض والواجب وأثر ذلك في الفروع (PDF)(كتاب - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب