القروض الربوية

القروض الربوية

الربا في اللغة: الزيادة، ورَبا الشيء يربو ربوًا ورباءً: زاد ونما، وأربيته: نميته، وفي التنزيل: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾ [البقرة: 276]، ورَبا الشيء يربو: ازداد؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [الروم: 39]؛ أي: هو لا يزيد[1].

الربا في الاصطلاح الشرعي:

هو كلُّ زيادةٍ مشروطةٍ في العقد خاليةٍ عن عوض مشروع[2]، أو هو عقدٌ على عوض مخصوص غير معلوم التماثُل في مِعيار الشرع حالةَ العقد، أو مع تأخُّر في البدَلين أو أحدهما[3]، أو هو فضلٌ خالٍ عن عوض شُرِط لأحد العاقدَيْن[4].

الحكم الشرعي للربا:

ذهَب الفقهاء إلى أنَّ الربا محرَّم، واستدلُّوا على حُرمته بالقُرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة؛ أمَّا القرآن الكريم فقوله تعالى: ﴿ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275]، وقوله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ﴾ [البقرة: 275].

وأمَّا السُّنَّة فحديث عبدالله بن مسعود - رضِي الله عنه - قال: "إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لعَن آكِل الربا ومُوكله وشاهدَيْه وكاتبَه"[5].

ومن أواخِر ما نزَل في تحريم الربا قولُه تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278، 279]، وهذه الآية من أواخِر ما نزَل في تحريم الربا؛ كمَّا صرَّح بذلك أهل التفسير[6].

ومن السُّنَّة ما رواه أبو هريرة - رضِي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((اجتَنِبوا السبع الموبقات))، قالوا: يا رسول الله، وما هنَّ؟ قال: ((الشِّرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولِّي يومَ الزحف، وقذف المحصنات الغافلات))[7].

وبعد هذا التوضيح للحُكم الشرعي للربا بنصوصٍ من الكتاب والسُّنَّة النبويَّة، فهل يُعقل أنْ يَسأل عنه المسلمون اليوم؟

وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلميَّة والإفتاء بحرمة القروض الربويَّة بموجب فتواها رقم 13/ 269.

وأعلنت المصارف العراقيَّة الحكوميَّة مُوافقتها على منْح القروض المصرفيَّة إلى المواطنين الذين يرومون بناءَ مساكن لهم وبفائدة قدرها 8 بالمائة، والناس يتساءلون عن حلِّ ذلك، ومع أنَّ الموضوع قديم وقد أشبعه العلماء بحثًا وأفاضوا فيه، وانتهوا إلى عدم جواز هذه القروض الربويَّة بأدلَّة من الكتاب والسُّنَّة المطهَّرة تناولتُ بعضها في المقدمة - إلا أنَّ الموضوع تجدَّد في العراق بموافقة هذه المصارف على منْح القروض!

الذي شدَّني لهذا الموضوع رُؤيتي لكثيرٍ من المسلمين وهم يتهافَتُون على تلك المصارف، وقد بذَل كثيرٌ من العلماء والمشايخ في العراق جهدَهم لبَيان حُرمة هذه القُروض وتوعية الناس بذلك، إلا أنَّ أحد المشايخ (وهو رجلٌ فاضل - هكذا نحسبه ولا نُزكِّي على الله أحدًا) أفتى بحلِّ هذه القروض للضرورة!

وانتشرت هذه الفتوى انتشارًا كبيرًا، بل سرتْ مَسرى النار في الهشيم، وتشبَّث بها الكثيرون، وقالوا: إنَّ الشيخ فلانًا أفتى بكذا، وأراد بعض أهل العلم معرفة المسوِّغات الشرعيَّة التي استدلَّ بها صاحبنا، فتبيَّن بعد اتِّصالهم به أنَّه استند على قاعدة (الضرورات تُبِيح المحظورات).

والضرورة كلمةٌ لا ضابطَ لها عند بُسَطاء الناس، ولكنَّ الفقهاء قالوا: الضرورة تُقدَّر بقدرها، وقد أباح الشارع الحكيم أكْل الميتة للمضطر، والسؤال هنا: مَن هو المضطر؟

المضطرُّ مَن خشي على نفسه الهلاكَ، أمَّا اليوم فالناس يتساهَلون في كلِّ شيء، ويردُّون كثيرًا من الحالات إلى الضرورة، حتى إذا تأخَّرت وجبةُ طعامه أو قيلولته ساعة من الزمن عدَّها ضرورةً، ناهيك عن غير شيءٍ.

ولو عُدنا لموضوعنا، فما هي الضرورة التي بها يقْتَرِض المسلم قرضًا ربويًّا لبناء مسكن وهو يسكُن في عقار مُؤجَّر يدفع إيجاره من راتبه الشهري، وحتى لو لم يستطع دفع إيجاره؟

قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبين ذلك أمورٌ مُشتبِهات، لا يدري كثيرٌ من الناس أمِن الحلال هي أم من الحرام؟ فمَن تركها استَبرَأ لدِينه وعِرضه، وقد سلم، ومَن واقع شيئًا منها يُوشك أنْ يُواقِع الحرام، كما أنَّه مَن يرعى حول الحمى يُوشك أنْ يُواقِعه، ألا وإنَّ لكلِّ ملك حمى، ألا وإنَّ حمى الله محارمه))[8].

وفي خضمِّ ذلك حاوَل بعضُ أهل العلم مُراجعةَ ذلك الشيخ لسحْب فتواه، وإعلانها على الملأ ليعرف الناس بذلك، ولكنَّه - غفر الله له - احتجَّ عليهم بقوله: إنَّه استند في فتواه على فتوى للعلامة المعروف الدكتور علي قرداغي، بحلِّ هذه القروض إذا كانت لغرَض الإسكان!

وتردَّدت في بغداد كثيرًا الفتوى المزعومة للقرداغي، واتَّصلت شخصيًّا بفضيلة الدكتور القرداغي بواسطة موقع التواصُل الاجتماعي (الفيسبوك)، وأجاب بالنص: "أخي الكريم، هذا الكلام غير صحيح، وإنِّي من أشدِّ المعارضين للقُروض البنكيَّة منذُ أربعين سنة"!

هذا ما أردْتُ توضيحَه للناس، وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله، وآخِر دَعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين.