• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { قل آمنا بالله وما ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    ذكر الله حياة القلوب
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تحريم جعل الله عرضة للأيمان
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    ما مر بي بؤس قط
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    بين الخوف والرجاء
    إبراهيم الدميجي
  •  
    البخاري والدولة الأموية والعباسية: دراسة علمية في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    من محاسن الدين الإسلامي وجود بدائل لكل عمل صالح ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون ...
    الشيخ حسن حفني
  •  
    أمران من عقائد النصارى أبطلهما القرآن بسهولة ويسر ...
    د. محمد أحمد صبري النبتيتي
  •  
    استحباب أن يقدم المسلم صدقة بين يدي صلاته ودعائه
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    البر بالوالدين: وصية ربانية لا تتغير عبر الزمان ...
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    حجية خبر الآحاد (PDF)
    مجاهد أحمد قايد دومه
  •  
    الخرقي وكتابه: "المختصر في الفقه" (PDF)
    نورة بنت إبراهيم بن محمد التويجري
  •  
    وقفات مع بداية العام الدراسي (خطبة)
    خالد سعد الشهري
  •  
    من أقوال السلف في البخل والشح
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    د. حسام العيسوي سنيد
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

الاغتراف في ذم الإسراف (خطبة)

الاغتراف في ذم الإسراف (خطبة)
الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/4/2021 ميلادي - 20/8/1442 هجري

الزيارات: 9569

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الاغتراف في ذم الإسراف

 

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، ﴿ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ ﴾ [البقرة: 223]، وَاعلَمُوا أَنَّ الإِسرَافَ سَبَبٌ مِن أَسبَابِ الضَّلالِ وَعَدَمِ الهِدَايَةِ، وَهُوَ طَرِيقٌ لِلهَلاكِ وَالخَسَارَةِ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ إِنَّ اللهَ لا يَهدِي مَن هُوَ مُسرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ [غافر: 28]، وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَن هُوَ مُسرِفٌ مُرتَابٌ ﴾ [غافر: 34]، وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلمُسرِفِينَ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ ﴾ [يونس: 12]، وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ ثُمَّ صَدَقنَاهُمُ الوَعدَ فَأَنجَينَاهُم وَمَن نَشَاءُ وَأَهلَكنَا المُسرِفِينَ ﴾[الأنبياء: 9].

 

وَالإِسرَافُ مِن صِفَاتِ شِرارِ الخَلقِ، قَالَ - سُبحَانَهُ - عَن فِرعَونَ: ﴿ وَإِنَّ فِرعَونَ لَعَالٍ في الأَرضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ المُسرِفِين ﴾ [يونس: 83]، وَقَالَ عَن قَومِ لُوطٍ: ﴿ إِنَّكُم لَتَأتُونَ الرِّجَالَ شَهوَةً مِن دُونِ النِّسَاءِ بَل أَنتُم قَومٌ مُسرِفُونَ ﴾ [الأعراف: 81]، وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلى اللهِ وَأَنَّ المُسرِفِينَ هُم أَصحَابُ النَّارِ ﴾ [غافر: 43].

 

وَإِنَّه إِذَا تَعَوَّدَ قَومٌ عَلَى الإِسرَافِ وَتَمَادَوا فِيهِ، تَمَكَّنَ مِن نُفُوسِهِم وَغَلَبَ عَلَى طِبَاعِهِم، وَجَرَّهُم إِلى طَلَبِ شَهَوَاتٍ غَرِيبَةٍ لا تُقِرُّهَا عُقُولٌ زَاكِيَةٌ وَلا تَقبَلُهَا فِطَرٌ سَلِيمَةٌ، وَلا تَهَشُّ لِمِثلِهَا نُفُوسٌ طَيِّبَةٌ ولا تَشتَاقُ إِلَيهَا أَذوَاقٌ رَفِيعَةٌ، وَانظُرُوا إِلى قَومِ لُوطٍ حِينَ استَرسَلُوا مَعَ الشَّهَوَاتِ المُعتَادَةِ، وَأَخَذُوا مِنهَا مَا رَاق لَهُم وَلم يَقِفُوا فِيهَا عِندَ حَدٍّ، لَقَد أَدَّى بِهِم ذَلِكَ إِلى أَن وَقَعُوا في فَاحِشَةٍ مَا سَبَقَهُم بها أَحَدٌ مِنَ العَالَمِينَ، قَالَ - تَعَالى – عَنهُم: ﴿ وَلُوطًا إِذ قَالَ لِقَومِهِ أَتَأتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِن أَحَدٍ مِنَ العَالَمِينَ. إِنَّكُم لَتَأتُونَ الرِّجَالَ شَهوَةً مِنَ دُونِ النِّسَاءِ بَل أَنتُم قَومٌ مُسرِفُونَ ﴾ [الأعراف: 81].

 

وَإِنَّهُ حِينَ يُذكَرُ الإِسرَافُ وَيُذَمُّ وَيُحَذَّرُ النَّاسُ مِنهُ، تَتَّجِهُ العُقُولُ إِلى صُوَرٍ مِنهُ في المَآكِلِ وَالمَشَارِبِ، وَالمُبَالَغَةِ في تَفصِيلِ الثِّيَابِ وَالمُغَالاةِ في شِرَاءِ المَلابِسِ، وَالتَّنَافُسِ في المَرَاكِبِ وَفَخَامَتِهَا وَالبُيُوتِ وَعِمَارَتِهَا، وَهَذَا وَإِن كَانَ هُوَ أَكثَرَ مَا عِندَ النَّاسِ، فَإِنَّ لِلإِسرَافِ صُوَرًا وَمَظَاهِرَ وَأَشكَالاً وَأَلوَانًا، وَكُلَّمَا ابتَعَدَ النَّاسُ عَمَّا جَاءَهُم مِن عِندِ اللهِ وَازدَادُوا بِالدُّنيَا تَعَلُّقًا، تَنَوَّعَ إِسرَافُهُم وَتَلَوَّنَ، وَوَقَعُوا فِيهِ كِبَارًا وَصِغَارًا، وَأَلِفُوهُ رِجَالاً وَنِسَاءً، مِن سَهَرٍ في اللَّيلِ طَوِيلٍ، وَنَومٍ في النَّهَارِ كَثِيرٍ، وَاستِهلاكٍ لِلمِيَاهِ وَمَصَادِرِ الطَّاقَةِ فَوقَ الحَاجَةِ، وَعُكُوفٍ عَلَى أَجهِزَةِ اللَّهوِ وَالبَاطِلِ سَاعَاتٍ طِوَالاً، وَشِرَاءٍ لِمَا يَحتَاجُونَ وَمَا لا يَحتَاجُونَ إِلَيهِ، وَتَقلِيدٍ لِلآخَرِينَ في تَوفِيرِ مَا يَشتَهُونَ وَمَا لا يَشتَهُونَ، إِلى أَن تَصِلَ بِهِمُ الحَالُ إِلى الإِسرَافِ بِبَذلِ المَالِ في إِيقَادِ الحُرُوبِ وَبِنَاءِ أَمَاكِنِ اللَّهوِ وَدَعمِ بَرَامِجِ المُجُونِ، وَإِطفَاءِ نُورِ الحَقِّ وَإِزهَاقِ النُّفُوسِ وَتَجوِيعِ البُطُونِ.

 

وَإِذَا كَانَ الكُفرُ بِاللهِ وَالشِّركُ وَالإِلحَادُ وَإِزهَاقُ النُّفُوسِ، هُوَ شَرّ أَنوَاعِ الإِسرَافِ وَأَخطَرَهَا وَأَسوَأَهَا عَاقِبَةً، فَإِنَّ إِنفَاقَ الحَسَنَاتِ وَاكتِسَابَ السَّيِّئَاتِ يَأتي بَعدَهُ في المَرتَبَةٍ، في أَلوَانٍ مِنَ المَعَاصِي وَالمُخَالَفَاتِ انتَشَرَت في زَمَانِنَا وَكَثُرَت، بِتَركِ الصَّلَوَاتِ، وَهَجرِ الجُمَعِ وَالجَمَاعَاتِ، وَعُقُوقِ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ، وَقَطِيعَةِ الأَرحَامِ وَصَرمِ القَرَابَاتِ، وَالتَّشَاحُنِ بَينَ الإِخوَةِ وَالأَخَوَاتِ، وَالتَّظَالُمِ بَينَ الأَزوَاجِ وَالزَّوجَاتِ، وَالتَّعَدِّي عَلَى حُقُوقِ الآخَرِينَ، وَأَكلِ أَموَالِ اليَتَامى وَالقَاصِرِينَ، وَهَضمِ الجِيرَانِ وَالأَصدِقَاءِ وَالأَصحَابِ، فَيَا للهِ مِمَّن يُسرِفُ في تَوزِيعِ حَسَنَاتِهِ أَو تَحَمُّلِ سَيِّئَاتِ غَيرِهِ مَعَ سَيِّئَاتِهِ، وَصَدَقَ النَّاصِحُ الشَّفِيقُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - إِذ قَالَ فِيمَا رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ: " أَتَدرُونَ مِنَ المُفلِسُ؟!" قَالُوا: المُفلِسُ فِينَا مَن لا دِرهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ. فَقَالُ: "المُفلِسُ مِن أُمَّتي مَن يَأتي يَومَ القِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأتي قَد شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعطَى هَذَا مِن حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِن حَسَنَاتِهِ، فَإِن فَنِيَت حَسَنَاتُهُ قَبلَ أَن يُقضَى مَا عَلَيهِ أُخِذَ مِن خَطَايَاهُم فَطُرِحَت عَلَيهِ ثم طُرِحَ في النَّارِ" هَذَا لِمَن لَهُ صَلاةٌ وَصِيَامٌ وَزَكَاةٌ وَعَمَلٌ صَالِحٌ، فَكَيفَ بِمَن هُوَ جَامِعٌ في إِسرَافِهِ بَينَ مَعصِيَةِ رَبِّهِ وَالإِسَاءَةِ إِلى خَلقِهِ، مَعَ التَّكَبُّرِ عَلَى مَن يَأمُرُهُ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَاهُ عَنِ المُنكَرِ، وَإِصرَارِهِ عَلَى أَخطَائِهِ وَمُضيِهِ في اللَّجَاجَةِ وَالعِنَادِ؟!

 

وَمُسرِفُونَ آخَرُونَ يَعُجُّ بِهِم مُجتَمَعُنَا في القَدِيمِ وَالحَدِيثِ، إِنَّهُم أُولَئِكَ الَّذِينَ جَمَعُوا بَينَ البُخلِ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ وَبَينَ مُرَاءَاةِ الخَلقِ، فَلا يُخرِجُونَ زَكَاةً عَلَى وَجهِهَا، وَلا يَضَعُونَ صَدَقَةً في مَوضِعِهَا، وَلا يُفُرِّجُونَ كُربَةً لِوَجهِ اللهِ وَابتِغَاءً لِمَا عِندَهُ، وَلا يُحسِنُونَ إِلى فَقِيرٍ أَو مُحتَاجٍ حَاجَةً حَقِيقِيَّةً، فَإِذَا جَاءَ مَقَامٌ فِيهِ مَدحٌ لَهُم وَثَنَاءٌ عَلَيهِم مِنَ النَّاسِ، أَو ذِكرٌ عِندَ القَبِيلَةِ أَو تَزَيُّنٌ أَمَامَ العَشِيرَةِ، أَو شُهرَةٌ لَهُم بِتَسجِيلٍ وَتَصوِيرٍ وَنَشرٍ في وَسَائِلِ الإِعلامِ أَو أَجهِزَةِ التَّوَاصُلِ، مُدُّوا أَيدِيَهُم وَتَكَثَّرُوا بما لم يُعطَوا، وَعَصَرُوا أَنفُسَهُم عَصرًا لِيَكسِبُوا مَدحًا وَفَخرًا، فَخَرَجُوا بِذَلِكَ مُفلِسِينَ مِنَ المَالِ وَالأَجرِ، مَخدُوعِينَ بِالثَّنَاءِ وَالذِّكرِ، وَمِثلُهُم بَعضُ الشَّبَابِ وَالشَّابَّاتِ مِن رُوَادِ المَقَاهِي وَالاستِرَاحَاتِ، مِمَّن يُسرِفُونَ أَمَامَ زُمَلائِهِم في شِرَاءِ مَشرُوبَاتٍ وَمَأكُولاتٍ، لا تُكَلِّفُ في إِعدَادِهَا كَثِيرًا، لَكِنَّ حُبَّ الإِسرَافِ وَالتَّشَبُّعِ بِالمَظَاهِرِ الجَوفَاءِ، فَتَحَ لِعَبِيدِ المَالِ وَالطَّمَّاعِينَ طَرِيقَةً جَدِيدَةً يَنهَبُونَ بِهَا أُولَئِكَ السُّفَهَاءَ الضُّعَفَاءَ، فَسَمَّوا هَذِهِ المَأكُولاتِ وَالمَشرُوبَاتِ بِأَسمَاءٍ غَرِيبَةٍ، وَضَاعَفُوا أَسعَارَهَا وَبَالَغُوا في أَثمَانِهَا، لِعِلمِهِم أَنَّ هَؤُلاءِ الغَافِلِينَ لا تُهِمُّهُم حَقِيقَتُهَا في الوَاقِعِ، بِقَدرِ مَا تَحمِلُهُ مِن أَسمَاءٍ غَرِيبَةٍ، فَيَدفَعُونَ لِشِرَائِهَا مَا يُطِيقُونَ وَمَا لا يُطِيقُونَ، لِيَتَجَمَّلُوا بِصُورَةٍ يَنشُرُونَهَا أَو مَقطَعٍ يَبُثُّونَهُ، لا تَلبَثُ الأَيَّامُ أَن تُذهِبَ لَذَّتَهُ وَتُبقِيَ عَلَيهِم حَسرَتَهُ، أَلا فَلنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنَكُنْ مِن عِبَادِ الرَّحمَنِ الَّذِينَ وَصَفَهُم بِقَولِهِ: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لم يُسرِفُوا وَلم يَقتُرُوا وَكَانَ بَينَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ وَلْنَأتَمِرْ بِأَمرِهِ - تَعَالى - وَأَمرِ رَسُولِهِ، فَقَد قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ يَا بَني آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَلا تُسرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفِينَ ﴾  وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " كُلُوا وَاشرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالبَسُوا مَا لم يُخَالِطْهُ إِسرَافٌ وَلا مَخِيلَةٌ"؛ رَوَاهُ أَحمَدُ وَالنَّسَائيُّ وَابنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.

 

وَإِذَا كَانَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَد نَهَى عَنِ الإِسرَافِ حتى فِيمَا هُوَ مِنَ الضَّرُورَاتِ أَوِ العِبَادَاتِ الَّتي يُؤجَرُ عَلَيهَا الإِنسَانُ، فَكَيفَ بِالمُبَاحَاتِ أَوِ القُشُورِ، فَضلاً عَنِ المُحَرَّمَاتِ وَالمَكرُوهَاتِ؟! أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ وَآتِ ذَا القُربى حَقَّهُ وَالمِسكِينَ وَابنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبذِيرًا * إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا * وَإِمَّا تُعرِضَنَّ عَنهُمُ ابتِغَاءَ رَحمَةٍ مِن رَبِّكَ تَرجُوهَا فَقُلْ لَهُم قَولاً مَيسُورًا * وَلا تَجعَلْ يَدَكَ مَغلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبسُطْهَا كُلَّ البَسطِ فَتَقعُدَ مَلُومًا مَحسُورًا ﴾ [الإسراء: 26 – 29].

 

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، ﴿ وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، كَم مِن نِعمَةٍ صَارَت لإِلفِ النَّاسِ لَهَا صَغِيرَةً في العُيُونِ مَعَ أَنَّهَا عَظِيمَةٌ وَجَلِيلَةٌ وَغَالِيَةٌ، مِن ذَلِكُم نِعمَةُ المَاءِ، مَصدَرُ الحَيَاةِ وَالنَّمَاءِ وَأَصلُ الطَّهَارَةِ، قَالَ - تَعَالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ ﴾ [الأنبياء: 30]، وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا -: ﴿ أَلَم تَرَ أَنَّ اللهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ في الأَرضِ ثُمَّ يُخرِجُ بِهِ زَرعًا مُختَلِفًا أَلوَانُهُ ﴾ [الزمر: 21]، وَقَالَ – سُبحَانَهُ -: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُم مِنهُ شَرَابٌ وَمِنهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرعَ وَالزَّيتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 11].

 

وَإِنَّ تَعَوُّدَنا عَلَى وُجُودِ هَذِهِ النِّعمَةِ بَينَ أَيدِينَا لَيلاً وَنَهَارًا، وَتَوَفُّرَهَا في كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ وَبِأَيسَرِ الأَثمَانِ، إِنَّ ذَلِكَ قَد أَنسَى كَثِيرًا مِنَّا قِيمَتَهَا وَزَهَّدَنَا فِيهَا، فَلَم يُخَيَّلْ لأَحَدِنَا كَيفَ سَيَكُونُ حَالُهُ لَو فَقَدَ هَذِهِ النِّعمَةَ، أَو كَيفَ سَيَستَفِيدُ مِنَ المَاءِ لَو أَصبَحَ كُلُّهُ مِلحًا أُجَاجًا، وَكَم سَيَبذُلُ حِينَئِذٍ لِيَنَالَ مِنهُ قَطرَةً وَاحِدَةً عَذبَةً، تَبُلُّ عَطَشَهُ وَتَرُدُّ رُوحَهُ، قَالَ – تَعَالى -: ﴿ قُلْ أَرَأَيتُم إِنْ أَصبَحَ مَاؤُكُم غَورًا فَمَن يَأتِيكُم بِمَاءٍ مَعِينٍ ﴾ [الملك: 30]، وَقَالَ – تَعَالى -: ﴿ أَفَرَأَيتُمُ المَاءَ الَّذِي تَشرَبُونَ * أَأَنتُم أَنزَلتُمُوهُ مِنَ المُزنِ أَم نَحنُ المُنزِلُونَ * لَو نَشَاءُ جَعَلنَاهُ أُجَاجًا فَلَولا تَشكُرُونَ ﴾ [الواقعة: 68 – 70].

 

إنَّ شُكرَ اللهِ - تَعَالى - على نِعمَةِ الماءِ لا يَنبَغِي أَن يَقتَصِرَ عَلَى الشُّكرِ بِاللِّسَانِ فَحَسبُ، بَل يَجِبُ أَن يَتعدَّاهُ إِلى الشُّكرِ العَمَلِيِّ، بِحُسنِ التَّصرُّفِ فِيهِ وَالاقتِصَادِ في استِعمالِهِ، وَيَكفِي أَن نَتَصَوَّرَ في حَثِّ دِينِنَا عَلَى الاقتِصَادِ في المَاءِ، مَا وَرَدَ عَن إِمَامِنَا وَقُدوَتِنَا - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – مِن أَنَّهُ كَانَ يَغتَسِلُ بِالقَلِيلِ وَيَتَوَضَّأُ بِالنَّزرِ اليَسيرِ، فَعَن أَنسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: " كَانَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ بِالمُدِّ، وَيَغتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلى خَمسَةِ أَمدَادٍ ؛" رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. وَالمُدُّ هُوَ مِلءُ اليَدَينِ المُتَوَسِّطَتَينِ. وَإِذَا كَانَ الاقتِصَادُ في استِعمَالِ المَاءِ في العِبَادَةِ مَطلُوبًا وَعَمَلًا مَرغُوبًا، فَالاقتِصَادُ في غَيرِ العِبَادَةِ أَولَى وَأَحرَى، وَإِن كَانَ الَّذِي يُغرَفُ مِنهُ نَهرًا أَو بَحرًا.

 

فاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ، وَاحذَرُوا جَمِيعَ صُوَرِ التَّبذِيرِ وَالإِسرَافِ، فَإِنَّه إِساءَةٌ وَضَلالٌ وَانحِرَافٌ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التحذير من الإسراف ( خطبة )
  • الحذر من الإسراف والتبذير (خطبة)
  • أضرار الإسراف والتبذير، وفضائل التدبير (خطبة)
  • التحذير من الإسراف والتبذير (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • مع بداية العام الدراسي (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البر بالوالدين: وصية ربانية لا تتغير عبر الزمان (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع بداية العام الدراسي (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نعمة الماء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وليس أخو علم كمن هو جاهل (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بر الوالدين (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • بركة الرزق (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: كيف نتعامل مع الشخصية الغامضة؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الكفارات الثلاث (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما تركتهن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • 51 خريجا ينالون شهاداتهم من المدرسة الإسلامية الأقدم في تتارستان
  • بعد ست سنوات من البناء.. افتتاح مسجد أوبليتشاني في توميسلافغراد
  • مدينة نازران تستضيف المسابقة الدولية الثانية للقرآن الكريم في إنغوشيا
  • الشعر والمقالات محاور مسابقة "المسجد في حياتي 2025" في بلغاريا
  • كوبريس تستعد لافتتاح مسجد رافنو بعد 85 عاما من الانتظار
  • 57 متسابقا يشاركون في المسابقة الرابعة عشرة لحفظ القرآن في بلغاريا
  • طلاب هارفارد المسلمون يحصلون على مصلى جديد ودائم بحلول هذا الخريف
  • المعرض الرابع للمسلمين الصم بمدينة دالاس الأمريكية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 2/3/1447هـ - الساعة: 0:16
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب