• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

يوم العزة والكرامة (خطبة)

يوم العزة والكرامة (خطبة)
أحمد أحمد سلطان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/3/2016 ميلادي - 28/5/1437 هجري

الزيارات: 20084

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

يوم العزة والكرامة


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

 

وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

 

أما بعد: أيها الأحبة الكرام:

إننا اليوم نريد أن نتحدث عن يوم العزة والكرامة، إنه اليوم الذي يصطفي فيه الحق جل وعلا أُناسا ويختارهم شهداء، وهذه كرامه وأي كرامه واسمع إلي ما قاله ابن كثير إن أرواح الشهداء كما جاء في صحيح مسلم في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش فاطلع عليهم ربك اطلاعه فقال: ماذا تبغون؟ فقالوا يا ربنا وأي شيء نبغي وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك؟ ثم عاد عليهم بمثل هذا فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا قالوا نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل في سبيلك حتى نقتل فيك مرة أخرى لما يرون من ثواب الشهادة - فيقول الرب جل جلاله " إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون " مسلم.

 

وعن أنس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من نفس تموت لها عند الله خير يَسُرُّها أن ترجع إلى الدنيا الا الشهيد فانه يسره ان يرجع الى الدنيا فيقتل مرة أخرى مما يرى من فضل الشهادة). وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما إن أبا جابر وهو عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري قتل يوم أحد شهيداً فقال جابر كما روى الإمام البخاري: لما قتل أبي جعلت أبكي وأكشف الثوب عن وجهه فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهوني والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تبكه - أو ما تبكيه - ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع) البخاري.

 

وقال سعيد بن جبير: لما دخل الشهداء الجنة ورأوا ما فيها من الكرامة قالوا يا ليت إخواننا الذين في الدنيا يعلمون ما عرفناه من الكرامة فإذا شهدوا القتال باشروها بأنفسهم حتى يستشهدوا فيصيبوا ما أصابنا من الخير.

 

نعم أيها الأحبة لقد ذهب الشهداء إلى جنة إلى كرامة إلى رضوان من الله إلى مساكن طيبة إلى حور مقصورات في الخيام أنتم أيها الشهداء إلى السعادة أنتم إلى الطمأنينة أنتم إلى حيث اللواذ بجلال الله وجماله أنتم تحت ظل عرش الله يوم القيامة.

 

وكما أكرمهم الله في القرآن الكريم وفي مقاعدهم بعد الشهادة فقد أكرمهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث إضافة إلى أنه عليه الصلاة والسلام لم يغسلهم حيث قال في شهداء أحد: زملوهم بكلومهم ودمائهم فإنهم يبعثون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دما اللون لون الدم والريح ريح المسك) النسائي.

 

فهل من بعد هذه الكرامة من كرامة وهل من بعدها من بشارة.

 

والشهيد الذي غادَرَ هذه الدنيا ليس بميتٍ يُحسَب في عداد الأموات، بل هو حيٌّ يعيشُ حياةً برزخيَّة يعلمها الله تعالى؛ ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 169 - 171].

 

فالله تعالى يخبرُنا أنهم ليسوا أمواتًا، وينهانا أنْ نحسبهم كذلك، ويؤكد لنا أنهم أحياء عنده، وأنهم يُرزَقون، ثم هم فرحون بما آتاهم الله من الفضل والمكانة، ويستبشرون بِمَن لم يلحق بهم بعدُ.

 

إنَّ الشهادة في سبيل الله درجةٌ عالية لا يهبها الله إلا لمن يستحقُّها؛ فهي اختيار من العليِّ الأعلى للصفوة من البشَر؛ ليعيشوا مع الملأ الأعلى؛ ﴿ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ﴾ [آل عمران: 140].

 

إنها اصطفاء وانتقاء للأفذاذ من البشر ليكونوا في صُحبة الأنبياء؛ ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].

 

وإليكم هذه الفضائل التي يحوزُها الشهيدُ؛ فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((للشهيد عند الله ستُّ خِصال: يغفر له في أوَّل دفعة، ويرى مقعده من الجنَّة، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزَع الأكبر، ويُوضَع على رأسه تاجُ الوقار، الياقوتة منها خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويُزوَّج اثنتين وسبعين زوجةً من الحور العين، ويشفَعُ في سبعين من أقاربه))؛ أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.

 

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما يجدُ الشهيد من مسِّ القتل إلا كما يجدُ أحدكم من مسِّ القرصة))؛ أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.

 

وإذا قُتِل الشهيدُ لم ينقطعْ عمله الصالح، بل يزيدُ ويتضاعف؛ فعند الترمذي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((كلُّ ميتٍ يُختَم على عمله إلا الذي مات مُرابِطًا في سبيل الله؛ فإنَّه يُنمَى له عملُه إلى يوم القيامة، ويأمنُ من فتنة القبر)).

 

وهذه نماذج لسلف الأمة في حب الجهاد:

حب الجهاد في سبيل الله بين الأب وابنه اذ يقول الابن لأبيه "لو كان غير الجنة لآثرتك به"، فعنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبَانَ حَدَّثَهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ إِلَى بَدْرٍ أَرَادَ سَعْدَ بْنَ خَيْثَمَةَ وَأَبُوهُ جَمِيعًا الْخُرُوجَ مَعَهُ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ أَنْ يَخْرُجَ أَحَدُهُمَا فَاسْتَهَمَا "، فَقَالَ خَيْثَمَةُ بْنُ الْحَارِثِ لابْنِهِ سَعْدٍ: إِنَّهُ لا بُدَّ لأَحَدِنَا مِنْ أَنْ يُقِيمَ فَأَقِمْ مَعَ نِسَائِكَ، فَقَالَ سَعْدٌ: لَوْ كَانَ غَيْرُ الْجَنَّةِ لآثَرْتُكَ بِهِ أَنِّي أَرْجُو الشَّهَادَةَ فِي وَجْهِي هَذَا، فَاسْتَهَمَا فَخَرَجَ سَهْمُ سَعْدٍ فَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْرٍ، فَقَتَلَهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وَدٍّ.

 

وهذا أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ كما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:" غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ لَئِنْ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ يَعْنِي أَصْحَابَهُ وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ الْجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ قَالَ سَعْدٌ فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ قَالَ أَنَسٌ فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلَّا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ قَالَ أَنَسٌ كُنَّا نُرَى أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾ [الأحزاب: 23] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ." (البخاري ومسلم)؛ يلخص الإمام ابن حجر مظاهر الهمة العالية عند أنس بن النضر فيقول:" وفي قصة أنس بن النضر من الفوائد: جواز بذل النفس في الجهاد، وفضل الوفاء بالعهد ولو شق على النفس حتى يصل إلى إهلاكها، وأن طلب الشهادة في الجهاد لا يتناوله النهي عن الإلقاء إلى التهلكة. وفيه فضيلة ظاهرة لأنس بن النضر وما كان عليه من صحة الإيمان وكثرة التوقي والتورع وقوة اليقين. قال الزين بن المنير: من أبلغ الكلام وأفصحه قول أنس بن النضر في حق المسلمين " أعتذر إليك " وفي حق المشركين " أبرأ إليك " فأشار إلى أنه لم يرض الأمرين جميعا مع تغايرهما في المعنى." ا.ه (فتح الباري).

 

تلمح القوم الوجود وفهموا المقصود، فأجمعوا الرحيل قبل الرحيل، وصاحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملأ الأعلى، أما تسمعون قول الصحابي الجليل أنس بن النضر يقول لـسعد بن معاذ: والله يا سعد! إني لأشم رائحة الجنة من دون أحد. وهذا شم حسي! يا ابن النضر طهرت أنوفكم فاشتاقت إلى ما عند الله عز وجل، ونحن زكمت أنوفنا بالدنيا وبعطر الكاسيات العاريات، فلم يبق فيها مكان لشم رائحة الجنة. خذني إلى بيتي أرح خدي على عتباته وأبوس مقبض بابه خذني إلى وطن أموت مشرداً إن لم أكحل ناظري بترابه.

 

وهذا عمرو بن الجموح من صحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم- الصحابي الذي لقي ربه مبتسمًا عمرو بن الجموح هو واحد من زعماء المدينة في الجاهلية والإسلام، وسيد من أشراف بني سلمة، وكان مصاهرًا لعبدالله بن عمرو بن حرام والد جابر بن عبد الله؛ فقد كان زوجًا لأخته: "هند بنت عمرو". أنزل الله عذره من السماء في عدم الجهاد لأنه كان أعرج ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ﴾ [النور: 61] ومع ذلك لم يتخلف عن الجهاد لعلو همته فأراد أن يكون عَلمًا في مجال الجهاد! وقد رغب أبناؤه الأربعةُ أن يقنعوه بأنه من المعذورين؛ لعَرجه الشديد، فلما وجدوه مُصرًّا على الخروج، في غزوة بدر.. منعه أبناؤه لكبر سنه.. وشدة عرجه وعرَضوا على الرسول رغبتَهم، فأمره بالمكث في المدينة.

 

وبعد أن ردَّه الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن غزوة بدر، إلا أنه يأتي يوم أحد ملحًّا على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - علَّه يأذن له قائلاً: "يا رسول الله، إن بني يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك إلى الجهاد، قال: إن الله قد عذرك.. فقال.. يا رسول الله.. والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة... ولما وجد الرسول - عليه أفضل الصلاة والسلام - رغبته في الخروج للجهاد شديدة، أذن له صلى الله عليه وسلم بالخروج، فحمل السلاحَ، وخرج فرِحًا مسرورًا، ودعا ربه بصدق وضراعة قائلاً: "اللهم ارزقني الشهادة، ولا تردَّني إلى أهلي".وقد استجاب المولى - عز وجل - دعوتَه؛ إذ أنه بعد أن طهَّر الأرض من كثيرٍ من المشركين، إذا بسيف من سيوف المشركين يُسكت جسده الطاهرَ، لما وصلوا إلى ساحة القتال..بعد أن انطلق يضرب بسيفه جيش الظلام.. ويقاتل عباد الأصنام.. كثرت عليه السيوف فقتل. ليقال له ولرفاقه: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 27 - 30].

 

فدفنه النبي عليه الصلاة والسلام.. وبعد ست وأربعين سنة.. نزل بمقبرة شهداء أحد.. سيل شديد.. غطّى أرض القبور.. فسارع المسلمون إلى نقل رُفات الشهداء.. وكان جابر بن عبدالله بن حرام من جملة الحاضرين، لنقْلِ رفات والده عبد الله وزوجِ عمَّته: عمرو بن الجموح، فوجدوا شهداءَ أُحدٍ: "ليِّنةً أجسادُهم، تتثنَّى أطرافُهم"، ونظر جابر إلى والده وزوجِ عمَّته، فوجدهما كأنهما نائمان، ولا تُفارق الابتسامةُ شفاههما؛ اغتباطًا بلقاء الله. لم تأكل الأرض من جسدهما شيئاً.. فتأمل كيف ختم الله له بالخير.. بل انظر كيف أظهر الله كرامته في الدنيا قبل الآخرة.. لعلو همته في خدمة دينه ووطنه.

 

وهذا حنظلةُ بنُ أبي عامر -رضي الله عنه- الشَّابُّ الصَّالحُ التقي تزوَّجَ جميلةَ بنتَ عبد الله -رضي الله عنها- ودخل بها في الليلة التي في صبيحتها غزوةُ أُحد. في تلك الليلة التي دخل فيها بزوجته طرَقَ سمعَهُ نداءُ الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- بالاجتماع في الصفوف لملاقاة العدُو، فيخرُجُ من عندها وهو جُنبٌ من أهله -رضي الله عنه-. استوى في الصفوف مع المؤمنين وقاتل -رضي الله عنه- حتى استُشهدَ وهو عريسٌ صاحبُ ليلة واحدة لم تكتمل!. هذا الصحابيُّ الجليلُ من الرجال الذين يحبُّهم الله -تعالى-، ويضحكُ إليهم، ويستبشرُ بهم؛ لأنَّهم رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه! هذا الرَّجُلُ غسَّلتهُ الملائكة عليهم السلام، قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لمَّا أرادَ الصحابةُ تغسيله: "إن صاحبكم تغسله الملائكة فاسألوا صاحبته"، فقالت: خرج وهو جنب لما سمعَ الهائعة أي النداء للجهاد رواه الألباني في أحكام الجنائز. إنَّ هذا المثالَ الفريدَ درسٌ للذين عاهدوا فما صدقوا، ولَمَّا فُتحت عليهم الدنيا أخلدوا إلى لذَّاتها، ورَضُوا بأن يكونُوا مع الخوالف في جنباتها. إنَّهُ لهم درسٌ فريد، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون!.

 

ورُوي أن جعفر بن أبي طالب أخذ اللواء بيمينه -في سرية مؤتة- فقُطِعت، فأخذه بشماله، فقطعت، فاحتضنه بعضديه حتى قُتل، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء، ويقال: إن رجلًا من الروم ضربه يومئذ ضربة فقطعه نصفين.. فلما قُتل جعفر أخذ عبد الله بن رواحة الراية، ثم تقدم بها وهو على فرسه، فجعل يستنزل نفسه، ويتردد بعض التردد، ثم قال- كما جاء في سيرة ابن هشام-:

أقسمتُ يا نفس لَتنزِلنهْ
لتنزلن أو لتُكرَهِنَّهْ
أن أجلب الناس وشدُّوا الرنَّهْ
ما لي أراكِ تكرهين الجنهْ؟

 

حتى النساء كانت عندهم همة عالية في الجهاد عباد الله: لم يقتصر علو الهمة في الجهاد على الرجال؛ بل امتد ليشمل النساء.

 

فهذه صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم.. عجوز قد جاوز عمرها الستين سنة.. فلما اجتمع الكفار من قريش وغيرها.. وتآمروا على غزو المدينة.. حفر المسلمون خندقاً في جهة من جهات المدينة.. وكانت الجبال تحيط ببقية الجهات..وكان عدد المسلمين قليلاً.. فاستنفرهم النبي صلى الله عليه وسلم للرباط أمام الخندق لصدّ من يتسلل إليهم من الكفار..أما النساء والصبيان فقد جمعهم النبي صلى الله عليه وسلم في حصن منيع.. ولم يترك عندهم من يحرسهم.. لقلة المسلمين وكثرة الكفار..وبينما النبي صلى الله عليه وسلم منشغل مع أصحابه في القتال عند الخندق.. تسلل جمع من اليهود حتى وصلوا إلى الحصن.. ثم لم يجرؤا على الدخول خشية من وجود أحد من المسلمين.. فاصطفوا خارج الحصن.. وأرسلوا واحداً منهم يستطلع لهم الأمر.. فجعل هذا اليهودي يطوف بالحصن.. حتى وجد فرجة فدخل منها.. وجعل يبحث وينظر.. فرأته صفية رضي الله عنها.. ففزعت وقالت في نفسها:هذا اليهودي يطوف بالحصن.. وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا مَن وراءنا من يهود.. وقد شغل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.. وإن صرخت فزعت النساء والصبيان.. وعلم اليهودي أن لا رجال في الحصن..فتناولت سكيناً.. ثم أخذت عموداً من خشب..ونزلت من الحصن إليه وتحينت منه التفاتة.. فضربته بالعمود على أم رأسه.. حتى قتلته.. فلله درّ صفية.. تلك العابدة التقية..

 

وهذه أم عمارة نسيبة بنت كعب كانت في أحد خير من كثير من الرجال اليوم، فهذه الفاضلة المجاهدة الأنصارية، شهدت ليلة العقبة وشهدت أحداً والحديبية ويوم حنين ويوم اليمامة، وجاهدت وفعلت الأفاعيل، وقطعت يدها وهي تجاهد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان)، وكان يراها وهي تقاتل أشد القتال، وهي حاجزة ثوبها على وسطها، حتى جُرحت ثلاثة عشر جرحاً، وكانت تقول: إني لأنظر لـابن قمئة وهو يضربها على عاتقها، وكان أعظم جراحها، فداوته سنة، وهو الذي ضرب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم: إلى حمراء الأسد، وشدت عليها ثيابها فما استطاعت من نزف الدم رضي الله عنها. قالت أم عمارة: رأيتني وقد انكشف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فما بقي إلا في نفر ما يتمون عشرة، وأنا وأبنائي وزوجي بين يديه نذب عنه، والناس يمرون به منهزمين، ورآني ولا ترس معي، فرأى رجلاً مولياً معه ترس، فقال: ألق ترسك إلى من يقاتل، فألقى ترسه فأخذته فجعلت أتترس به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: فأقبل رجل على فرس فضربني، فتترست له فلم يصنع سيفه شيئاً فولى، فأضرب عرقوب فرسه فوقع على ظهره، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصيح: يا ابن أم عمارة أمك.. أمك؛ قالت: فعاونني عليه حتى أوردته شعوب. يعني: قالت: أعانني ابني على قتل هذا الكافر حتى قتله معي. وجرحت يوم أحد اثني عشر جرحاً، وجرحت يوم اليمامة أحد عشر جرحاً، وقطعت يدها وقدمت المدينة وبها الجراحات. فلله درها من امرأة!! ليت رجالنا تعلمنا منها.

 

جهاد أسماء بنت يزيد بن السكن قتلت أسماء بنت يزيد بن السكن تسعة من الروم في يوم اليرموك، وهي من المبايعات المجاهدات، قتلت بعمود خبائها يوم اليرموك تسعة من الروم، قالوا: وكان ذلك اليوم يوم عرسها، فلما قتلوا زوجها قلعت عمود الخباء ثم قتلت تسعة من الروم، في صبيحة عرسها. نسأل الله تبارك وتعالى أن يرزق الناس بمثلهن.

 

 

حتى الأطفال كانت عندهم همة عالية في الجهاد فلم يقتصر علو الهمة في الجهاد على الرجال والنساء؛ بل امتد ليشمل الأحداث والصبية؛ فقد بلغ علو الهمة منتهاه عند الصبيان والغلمان الذين تربوا في مدرسة الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ حيث إن أحدهم يضحي بنفسه في سبيل الله ويسلك كل السبل والوسائل من أجل إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لهم في الاشتراك في الحروب والغزوات؛ فعن سعد بن أبي وقاص قال:" رأيت أخي عمير بن أبي وقاص - قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، للخروج إلى بدر - يتوارى فقلت: ما لك يا أخي؟ فقال: إني أخاف أن يراني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيستصغرني فيردني وأنا أحب الخروج لعل الله يرزقني الشهادة. قال فعرض على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فاستصغره فقال ارجع، فبكى عمير فأجازه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال سعد: فكنت أعقد له حمائل سيفه من صغره فقتل ببدر وهو بن ست عشرة سنة، قتله عمرو بن عبد ود." (الطبقات الكبرى لابن سعد).

 

وهذا موقف يسجله التاريخ، موقف يظهر فيه شجاعة معاذ بن عفراء.ومعاذ بن عمرو بن الجموح وقصة مقتل أبي جهل بن هشام المخزومي:

كان الدافع من حرص الأنصاريين الشابين على قتل أبي جهل ما سمعاه من أنه كان يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا تبلغ محبة شباب الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم بذل النفس في سبيل الانتقام ممن تعرض له بالأذى.

 

قال عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -: بينما أنا واقف في الصف يوم بدر، فنظرت عن يميني وشمالي، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، تمنيت لو كنت بين أضلع منهما (أضلع:أقوى وأعظم وأشد)، فغمزني (غمزني يعنى: قرصني.) أحدهما فقال: يا عم هل تعرف أبا جهل؟ قال: قلت: نعم، وما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أُخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، قال: فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال لي مثلها.

 

قال: فلم أنشب (أنشب: ألبث.) أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه، قال: فابتدراه بسيفيهما حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه، فقال: «أيكما قتله؟» فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال: «هل مسحتما سيفيكما؟» قالا: لا. فنظر في السيفين فقال: «كلاكما قتله»، وقضى بسَلَبِه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، وكانا معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح(البخاري، كتاب المغازي).

 

وهذا ما أورده ابنُ الجوزي في صفة الصفوة وابنُ النحاس في مشارع الأشواق عن رجل من الصالحين اسمه أبو قدامة الشامي.. وكان رجلاً قد حبب إليه الجهاد والغزو في سبيل الله، فلا يسمع بغزوة في سبيل الله ولا بقتال بين المسلمين والكفار إلا وسارع وقاتل مع المسلمين فيه، فجلس مرة في الحرم المدني فسأله سائل فقال: يا أبا قدامة أنت رجل قد حبب إليك الجهاد والغزو في سبيل الله فحدثنا بأعجب ما رأيت من أمر الجهاد والغزو فقال أبو قدامة: إني محدثكم عن ذلك: خرجت مرة مع أصحاب لي لقتال الصليبيين على بعض الثغور (والثغور هي مراكز عسكرية تجعل على حدود البلاد الإسلامية لصد الكفار عنها) فمررت في طريقي بمدينة الرقة (مدينةٍ في العراق على نهر الفرات) واشتريت منها جملاً أحمل عليه سلاحي، ووعظت الناس في مساجدها وحثثتهم على الجهاد والإنفاق في سبيل الله، فلما جن علي الليل اكتريت منزلاً أبيت فيه، فلما ذهب بعض الليل فإذا بالباب يطرق عليّ، فلما فتحت الباب فإذا بامرأة متحصنة قد تلفعت بجلبابها، فقلت: ما تريدين؟ قالت: أنت أبو قدامة؟ قلت: نعم، قالت: أنت الذي جمعت المال اليوم للثغور؟ قلت: نعم، فدفعت إلي رقعة وخرقة مشدودة وانصرفت باكية، فنظرت إلى الرقعة فإذا فيها: إنك دعوتنا إلى الجهاد ولا قدرة لي على ذلك فقطعت أحسن ما فيَّ وهما ضفيرتاي وأنفذتهما إليك لتجعلهما قيد فرسك لعل الله يرى شعري قيد فرسك في سبيله فيغفر لي، قال أبو قدامة: فعجبت والله من حرصها وبذلها، وشدة شوقها إلى المغفرة والجنة. فلما أصبحنا خرجت أنا وأصحابي من الرقة، فلما بلغنا حصن مسلمة بن عبد الملك فإذا بفارس يصيح وراءنا وينادي يقول: يا أبا قدامة يا أبا قدامة، قف عليَّ يرحمك الله، قال أبو قدامة: فقلت لأصحابي: تقدموا عني وأنا أنظر خبر هذا الفارس، فلما رجعت إليه، بدأني بالكلام وقال: الحمد لله الذي لم يحرمني صحبتك ولم يردني خائباً، فقلت له ما تريد: قال أريد الخروج معكم للقتال. فقلت له: أسفر عن وجهك أنظر إليك فإن كنت كبيراً يلزمك القتال قبلتك، وإن كنت صغيراً لا يلزمك الجهاد رددتك. فقال: فكشف اللثام عن وجهه فإذا بوجه مثل القمر وإذا هو غلام عمره سبع عشرة سنة فقلت له: يا بني؟ عندك والد؟ قال: أبي قد قتله الصليبيون وأنا خارج أقاتل الذين قتلوا أبي. قلت: أعندك والدة؟ قال: نعم، قلت: ارجع إلى أمك فأحسن صحبتها فإن الجنة تحت قدمها فقال: أما تعرف أمي؟ قلت: لا، قال: أمي هي صاحبة الوديعة، قلت: أي وديعة؟ قال: هي صاحبة الشكال، قلت: أي شكال؟ قال: سبحان الله ما أسرع ما نسيت!! أما تذكر المرأة التي أتتك البارحة وأعطتك الكيس والشكال؟؟ قلت: بلى، قال: هي أمي، أمرتني أن أخرج إلى الجهاد، وأقسمت عليَّ أن لا أرجع.. وإنها قالت لي: يا بني إذا لقيت الكفار فلا تولهم الدبر، وهَب نفسك لله واطلب مجاورة الله، ومساكنة أبيك وأخوالك في الجنة، فإذا رزقك الله الشهادة فاشفع فيَّ ثم ضمتني إلى صدرها، ورفعت رأسها إلى السماء، وقالت: إلهي وسيدي ومولاي، هذا ولدي، وريحانةُ قلبي، وثمرةُ فؤادي، سلمته إليك فقربه من أبيه.. سألتك بالله ألا تحرمني الغزو معك في سبيل الله، أنا إن شاء الله الشهيد ابن الشهيد، فإني حافظ لكتاب الله، عارف بالفروسية والرمي، فلا تحقرَنِّي لصغر سني.. قال أبو قدامة: فلما سمعت ذلك منه أخذته معنا، فوالله ما رأينا أنشط منه، إن ركبنا فهو أسرعنا، وإن نزلنا فهو أنشطنا، وهو في كل أحواله لا يفتر لسانه عن ذكر الله تعالى أبداً... إذ رأيت قصراً يتلألأ أنواراً لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وإذا شُرفاته من الدرّ والياقوت والجوهر، وأبوابه من ذهب، وإذا ستور مرخية على شرفاته، وإذا جوار يرفعن الستور، وجوههن كالأقمار..

 

تقدم يرحمك الله فإذا في أعلى القصر غرفة من الذهب الأحمر عليها سرير من الزبرجد الأخضر، قوائمه من الفضة البيضاء، عليه جارية وجهها كأنه الشمس، لولا أن الله ثبت علي بصري لذهب وذهب عقلي من حسن الغرفة وبهاء الجارية.. فلما رأتني الجارية قالت: مرحباً بولي الله وحبيبه.. أنا لك وأنت لي فلما اقتربت منها قالت:... فجالت الأبطال، ورميت النبال، وجردت السيوف، وتكسرت الجماجم، وتطايرت الأيدي والأرجل.. واشتد علينا القتال حتى اشتغل كلٌ بنفسه، وقال كل خليل كنت آمله.. فالتفت أبو قدامة إلى مصدر الصوت فإذا الجسد جسد الغلام وإذا الرماح قد تسابقت إليه، والخيلُ قد وطئت عليه فمزقت اللحمان، وأدمت اللسان وفرقت الأعضاء، وكسرت العظام.. وإذا هو يتيم ملقى في الصحراء قال أبو قدامة: فأقبلت إليه، وانطرحت بين يديه، وصرخت: هاأنا أبو قدامة.. هاأنا أبو قدامة.. فقال: الحمد لله الذي أحياني إلى أن أوصي إليك، فاسمع وصيتي قال أبو قدامة: فبكيت والله على محاسنه وجماله، ورحمةً بأمه، وأخذت طرف ثوبي أمسح الدم عن وجهه فقال: تمسح الدم عن وجهي بثوبك!! بل امسح الدم بثوبي لا بثوبك، فثوبي أحق بالوسخ من ثوبك.. قال أبو قدامة: فبكيت والله ولم أحر جواباً.. فقال: يا عم، أقسمت عليك إذا أنا مت أن ترجع إلى الرقة، ثم تبشر أمي بأن الله قد تقبل هديتها إليه، وأن ولدها قد قتل في سبيل الله مقبلاً غير مدبر، وأن الله إن كتبني في الشهداء فإني سأوصل سلامها إلى أبي وأخوالي في الجنة،.. ثم قال: يا عم إني أخاف ألا تصدق أمي كلامك فخذ معك بعض ثيابي التي فيها الدم، فإن أمي إذا رأتها صدقت أني مقتول، وأن الموعد الجنة إن شاء الله.. يا عم: إنك إذا أتيت إلى بيتنا ستجد أختاً لي صغيرة عمرها تسع سنوات.. ما دخلت المنزل إلا استبشرت وفرحت، ولا خرجت إلا بكت وحزنت، وقد فجعت بمقتل أبي عام أول وفجعت بمقتلي اليوم، وإنها قالت لي عندما رأت علي ثياب السفر: يا أخي لا تبطئ علينا وعجل الرجوع إلينا، فإذا رأيتها فطيب صدرها بكلمات.. ثم تحامل الغلام على نفسه وقال: يا عمّ صدقت الرؤيا ورب الكعبة، والله إني لأرى المرضية الآن عند رأسي وأشم ريحها..ثم انتفض وشهق شهقتين، ثم مات.. قال أبو قدامة: فلما دفناه لم يكن عندي هم أعظم من أن أرجعَ إلى الرقة وأبلغَ رسالته لأمه.. قدمت هذه المرأة الصالحة كل ذلك في سبيل أن تدخل الدار التي اشتد شوقها إليها، وقدم ولدُها نفسَه رخيصةً لله، وتناسى لذاتِه وشبابه، فليت شعري ماذا قدم للجنة المفرطون أمثالُنا؟!

رحم الله فتى هذب الدين شبابه
ومضى يزجي إلى العلياء في عزم ركابه
مخبتاً لله صير الزاد كتابه
وارداً من منهل الهادي ومن نبع الصحابة
إن طلبت الجود منه فهو دوماً كالسحابة
أو نشدت العزم فيه فهو ضرغام بغابة
جاذبته النفس للشر فلم يبد استجابة
متقٍ لله تعلو من يلاقيه المهابة
رقّ منه القلب لكن زاد في الدين صلابة
بلسم للأرض يمحو عن محياها الكآبة
ثابت الخطو فلم تُطف الأعاصير شهابه
جرّبته صولة الدهر فألفت ذا نجابة
إن يقم يوماً خطيباً يُسمعُ الصمَّ خطابَه
أو يسر في الدرب يوماً أبصر الأعمى جنابه
مسلم يكفيه فخراً
أن للدين انتسابه

 

كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يتمنون الشهادة في سبيله لما لها من هذه المكانة العظيمة فلا يعلمون عنها سوى الطريق الموصل لما أعدّ الله لهم من الجنات.

 

فنسأل الله أن يكتب لنا الشهادة في سبيله مع الذين أنعم الله عليهم وحسن أولئك رفيقاً.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • زكاة ثمرة النخل (خطبة)
  • وقد خاب من حمل ظلما (خطبة)
  • التبذير طريق إلى التدمير (خطبة)
  • فضل الصلاة (خطبة)
  • التفكر في طريق الآخرة (خطبة)
  • مرض الرياء (خطبة)
  • فرح الله بالتائب (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • أيام الله المعظمة: يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • يوم عرفة يوم من أيام الله (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • حديث: طعام أول يوم حق، وطعام يوم الثاني سنة، وطعام يوم الثالث سمعة(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • يوم من أيام الله عزوجل (خصوصية يوم عرفة)(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • يوم من أيام الله عزوجل (تحقيق الدعوة يوم عرفة)(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • يوم من أيام الله عزوجل (أنه يوم الدعاء)(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • تفسير: (والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • يوم الحمد ( يوم من أيامنا )(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفة عرفة يوم الجمعة وفضائلها العشر(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب