• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الآداب والأخلاق
علامة باركود

تبسيط المقال في فتنة الجدال: تفسيرا وتوجيها

تبسيط المقال في فتنة الجدال: تفسيرا وتوجيها
خلود محمد آل عمار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/3/2016 ميلادي - 21/5/1437 هجري

الزيارات: 6474

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تبسيط المقال في فتنة الجدال

تفسيرًا وتوجيهًا

 

الحمدُ لله الذي آتانا من الخير أكملَه وأوفره، ومن العيش أكرمَه وأيسره، مُنزلِ القرآن هدى، ومكمِّل كلِم نبيِّه بالجوامع الفصيحة رُشدا، ما كانت الدُّنيا قبلهما إلَّا في حُلْكة دهماء، ولا ذوو الألباب دونهما إلَّا في خبطٍ خبط عشواء، استشرفَت الشياطينُ بني آدم استشراف الدُّهم في ليلٍ خاسفٍ أبصارَ العباد، فما استناروا بنورٍ ولا استبصرَت ألبابُهم لحقٍّ ولا أبصارُهم لرشاد، حتى إذا ما غدَت معيشتُهم في التباد، دعاهم داعي السَّماء بالقُرآن المُنزل على لسان حبيبه: أنْ آمِنوا بربِّكم تُبصروا فلاحَ الطَّريق، وأنِ اسلُكوا الصِّراطَ مُستقيمًا تبلغوا جنان الرَّفيق، فحقَّ القولُ أن مَلأ الله بذلك الأرضَ نورا، حتى ما تُرك بيتُ مدرٍ ولا وبرٍ إلَّا وبلغَته من فضل ربِّها بركةً وحُبورا، فسُبحان باعث النبيِّ رحمةً لمن أراد أن يستبصر وأراد سُرورا، بصلاةٍ وسلامٍ تامَّين عليه وعلى آله وصحبه ومن اتَّبع هداه أصالةً وبكورا.

 

أما بعد:

فقد كثُر الخِصام، حتى ما عاد للعقل مُقام، وغدَت جلاوزة الجهل في لُجَج من الوهْم تمور، فمنذ عُمِّرَت الأرضُ وأُعطي الإنسانُ عقلَه، والأفهامُ في اضطرابٍ إلَّا ما شاء الرَّحمنُ من إتيانه الهدى أهلَه، فليست صنوفُ العلم للإنسان بأجدى على قلبٍ خاوٍ، وليس الحقُّ بمؤتٍ كرامةً لذي فكرٍ هاوٍ، كالمنزِل لا يُقامُ جُدُرُه إلَّا بعِماد، وعمادُ العقول تأسيسُها على الإيمان بمعاد، فلا النَّفسُ تَستكين لحقٍّ دون أن يكون الله بداهة، ولا الرُّوح تستبين الغاية دون أن تكون القيامةُ يقينًا، أساسات ومبادئ منها تفرُّعاتُ العلمُ تكون.

 

إنَّ المُؤمن ليتيقَّن أنَّ استقرار نفسه قائمٌ على سلامة اعتقاداته في أمور الدِّين والدُّنيا، بغضِّ النَّظر عن كونها مسألة قُبولٍ نفسيٍّ تجاه فكرةٍ معيَّنة واعتقاد صحَّتها، فإنَّه لا يُعتمَدُ الارتياحُ لشيءٍ ما دلالةً على سلامته، بل العبرةُ أن يُسلم للحقيقة موافقتها للعلم والفِطرة، فكم من مضلٍّ استراح لضلالته حتى ظنَّها الهداية؛ مصداقًا لقوله عز وجلَّ: ﴿ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 37].

 

إنَّ يقين المُؤمن بقدسيَّة الله وتوحيدِه، وكمال استيعابه لدُرَره ومكنونه؛ بسلامة خاطره، وصفاء ذِهنه - ليُجلِّي الحكمة في قلبه ومنطوقِه، فذلك من أُسُس تحقيقها، وعين النَّهل من مَعينها؛ قال الله عز وجلَّ: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269].

 

قال محمد أبو زهرة في تفسيره[1]: (اللُّب معناه العقل، ولكنَّه لا يُستعمل في القرآن إلَّا في العقول السليمة المُدرِكة التي تخلَّصَت وسلِمَت من شوائب الهوى، ومعايبِ اللذَّات، وقد ختَم الله سبحانه وتعالى الآيةَ بذلك الختام الحكيم؛ للإشارة إلى أنَّ الله سبحانه الذي يعطي حكمتَه مَن يشاء، لا يُعطيها إلَّا للذين خلَّصوا قلوبَهم من المفاسد والملاذِّ الأرضية، ولم يجعلوها حاكمةً على قلوبهم، متحكِّمةً في تفكيرهم).

 

على ضوء ذلك تُشكَّل رُؤية المُؤمن إجمالًا، ومسألةُ ثباتها في مدى سلامة مَبادئ صاحبها وتعاطيه مع الحياة، فلا يُضاهيها شيءٌ ضررًا بقدر الولوج في الجدل من غير حاجة، والخوض في مُعتركات البشَر؛ من آراءٍ لا تخلو من لوثاتٍ عقليَّة تستدعي أن يُعزِّز المُؤمن حيالها من رُؤيته، مُستمسكًا بأشُدِّه على كتاب ربِّه وطريق نبيِّه، من غير زيغٍ ولا ضلالٍ من غُلوٍّ.

 

إنَّ كفالة سلامة الفِكر في مدى الوعي المُجتمعي في سَنِّ القوانين المُجرِّمة لكلِّ ضالٍّ، وعينُ الضَّلال معلومة فيما خالف الفِطَر والشريعةَ قولًا وفعلًا، وما القولُ بهيِّن، إن المُجتمع الذي يتَعامى عن الآراء المُناهضة والمُناقضة للشَّرع والعُرف بحجَّة حريَّة التعبير والاعتقاد، إمَّا علْمنةً أو تهوينًا من شأنها - لتُنشئ جيلًا لا يفطن لأدنى أساسيَّات العيش السَّليم، فما العيشُ إلَّا بما تحتويه العُقول، فإن سُمِّمَت بمُدخلات السُّوء، فقد عقمَت مُخرجاتُه بلا شك، ولن يَطول الضَّررُ حينئذٍ مُحيطَه البيئي فحسب، بل سيتعدَّاه إلى كلِّ ذي فكرٍ غضٍّ؛ فوسائل الإعلام الجديد الآن قد فتحَت سُبُلًا من تبادُل للأفكار غزيرٍ.

 

إنَّ الطَّامة حين يُتحدَّثُ عنها، ففي الحرِّية المزعومِ كفالتُها لكلِّ ذي رأيٍ بتعبيره، وعدم ربط حفظ المُجتمع بتقنين تلك الآراء وتقييدها بما يَضمن سلامتَه، فقد جرَّت ويلاتُها إلى ما خالف الفطرةَ عُرفًا وشرعًا؛ من علمنة المُجتمعات، وكفالة الآراء الشخصيَّة من الإذن بالمثليَّة وما شابهها من سَنِّ الأهواء قوانين تحت شعار الحُريَّة.

 

إنَّ المسألة تتعدَّى حُرِّية التعبير إلى تهديد الأمن الفكريِّ المستور وراءه بحجَّة تثقيف الشباب، وإعطائه حريَّةَ القرار، إنَّ القضيَّة العُظمى في عُقولٍ غضَّة، غرَّها زُخرُفُ القول حتى اضمحلَّت أُسُسُ الدِّين فيها.

 

ينبغي أن يَنشَأ الشَّباب فَطِنِينَ لما يجب لهم وعليهم، وأن تُمنع التبعيَّةُ من غير قناعة، ولا يُنكَر في هذا الجانب أهميَّةُ بناء وتكوين القُدوة؛ إنَّما القصدُ في ردِّ التبعيَّة ما يعقبها من تقديسٍ للأشخاص مذمومٍ، فلو يرى النَّاظرُ كم من تابعٍ قد شذَّ من أدنى خطيَّة لمن كان يراه جبلًا، فامتنع عن الاستِماع الحسَن والأخذ بما وافق العقلَ والشَّرع، ليؤكِّد أنَّ عين بليَّته في سوء تقديره في الاتِّباع.

 

لا نطلبُ بناء الفِكر الذَّاتي مُضاهاةً لفلانٍ وفُلان، أو تنزُّهًا من الاستفادة ممَّن لهم قدم علمٍ وفضيلة؛ بل حفظًا من مَزالق العصر الحاليَّة في تأسيس الأفراد على بُعد النَّظر في رؤياهم، والتقدير على أمرٍ من العدل، ونأيًا عن الشَّطط؛ فما طامَّةُ الشُّعوب إلَّا في تطرُّفها تقليدًا واتِّباعًا، حتى لينظر للدين أو أيٍّ من العلوم الأخرى على أنَّه متمثلٌ في أهلها، وهذا عينُ البليَّة، فكم من جَمهرةٍ كفَّرَت أُختَها لنقد قدوتها، مُدَّعين أنَّ ذلك نقدٌ للعِلم ذاته، ومُتناسين أنْ لا قُدسيَّة في القول إلَّا لله ولرسوله، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هلَك المتنطِّعون - قالها ثلاثًا))[2]، قال النوويُّ في شرح مسلم: "أي: المتعمِّقون، الغالون، المجاوِزون الحدودَ في أقوالهم وأفعالهم"[3].

 

إنَّ سُلوك التنزيه المُبالغ ليُعزِّزُ من شقِّ الصُّفوف بنأي كُلٍّ برأيه عُجبًا وعنادًا، ومن تدمير العُقول بسدِّ سُبُل التفكير السَّليم فيها، وتحسين نظرتها للذَّات والحياة، فكم من نماذج رأتها الجماهيرُ ذات علمٍ، غافلين عن التدقيق والمُراجعة ومعرفةِ تاريخ أصحابها، مُخلِّفةً إثر ذلك شخوصًا ما أثَّرَت على المجتمعات عربية وإسلاميَّة إلَّا سلبًا بدوافع سوءٍ يضمِرونها خلفَ ستار العلم والدِّين، دون أن يجِدوا من جماهيرهم مراجعةً لما ينفثون، وتدقيقًا لِما يقولون، وما آفَةُ الشُّعوب إلَّا جُهَّالُها.

 

إنَّ المُصيبة فيمن خوَت عُقولُهم حتى نمَّى الهوى حُبَّ الظُّهور، فلمَّا أُتيحَت أبوابُ الشُّهرة في كثيرٍ من الوسائل العصريَّة، وجدنا مَن هبَّ بالسُّوء منهم متستِّرًا بالجهل ليرقى فوق أكتاف العلماء والمُصلحين، إنَّ النَّقص المُدوي في نُفوس الكثير ممَّن أُسِّسوا على قدرٍ من الكَبْت وسوء التوفيق للعلم، أو عاشوا بين أكناف المُندسِّين من المُتشكِّكين أو متصيِّدي الزلَّات - لَينفِثونَ السُّمَّ تحت رداء الجدَل، وما وُفِّق إلَّا الذين فَطِنوا أنَّ بركة العلم لا تُؤتى لهاوٍ جدالًا، فتنزَّهوا عن خوض غماره.

 

لا تزالُ بليَّةُ الجدال العقيم تَؤُزُّ المُتعالمين نحو المُصلحين لجَذبهم والوقوعِ في براثنهم، علمًا أنَّه ما أُوتي الجدلَ أحدٌ فجالسهم إلَّا تشبَّه بهم، وما تنزَّهَ صالحو السَّلَف بفعلهم حين ذمُّوا مجالسةَ المبتدعين والضالِّين، وسدِّ آذانهم؛ إلَّا رحمةً للذَّات وحفظًا للديانة، وقد صدَق من قال: "إذا أراد الله بقومٍ شرًّا، ألزمهم الجدلَ، ومنعهم العمَل"، وما أصدق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما ضَلَّ قوم بعد هدًى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدلَ))[4].

 

إنَّ الجدل المُلازم لكثيرٍ من المجتمعات، لَيُعرِّي عقولًا ما فتئَت تَقتاتُ من وهمِ المعرفة ما يُضخِّم الأنا فيها، فيتلجلج العقلُ على غرورٍ منه بادِّعاء أهليَّته للحُكم والقضاء وتصنيف العباد، وما ذلك إلَّا خواءٌ آتاه الله عُقولًا فضحَت جهلها برشق الكلام هملًا، فحُرِمَت المنطقَ والرَّشاد، فما آفةُ العُقولِ إلَّا استعجالُها، ولا الألسنِ إلَّا خوضُها في الجدال، ولا القُلوبِ إلَّا محقها البركة، بخوضها بالنَّوايا.

 

إنَّ العقول لا تُصنَّفُ بالأحكام هملًا؛ فللحقائق بيِّنة، ولا يُرفعُ من قدْر فكرٍ واعتقادٍ دون دراسة وتبيين، فالعلمُ بأدلَّته، والحقُّ بما وافَق العقل والنَّقل، لا نقيض ولا تضاد، فلا يُؤتى ذلك إلَّا لمن فتَح الله على بصَره بالعلم، فنوَّر بصيرتَه، مُدركًا أنَّه ما يُؤتى التَّوفيق وبركة الهدى إلَّا لمن أحسن نيَّته، وزكَّى همَّتَه، وطهَّر سيرتَه بالعلم بالله ورسوله.

 

كم من نفوسٍ طيِّبة تغوصُ في الجدل بغرَض الوعظ والنَّصيحة، وما فقهَت أنَّ الهدى لِمن أصلح يقينَه وذاته مع الله، فالدلالةُ على البيِّنة لا تُعمى إلَّا على من أُعمي قلبه، ومن أعمى قلبه فقد قال الله فيه: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23].

 

إنَّ الجدل لا يُذمُّ لذاته بقدْر نتائجه وعواقبه لمن أبعد النَّظر وتفطَّن لحقائق النُّفوس وتقلُّبات شخصيَّاتها، فكم من جدالٍ أعقب تبيانًا لحقٍّ وإذعانًا لرشاد، قال المناوي[5] شرحًا لحديث ((الجدال في القرآن كفر)): "أي: الجِدال المؤدِّي إلى مِراءٍ ووقوع في شكٍّ، أمَّا التنازع في الأحكام، فجائز إجماعًا، إنَّما المحذور جدال لا يَرجِع إلى علم، ولا يُقضى فيه بضرسٍ قاطع، وليس فيه اتِّباع للبرهان، ولا تأول على النصفة، بل يَخبط خبطَ عشواء، غير فارق بين حقٍّ وباطل".

 

إنَّ الفارق الأساسيَّ بين المُجادلين يكمنُ في نوعيَّاتهم؛ فمُجادلٌ بجهلٍ ساعٍ لإبراز نفسه تضخيمًا لذاته، ومُجادلٌ يتحيَّن الفُرَص للتعريف بأفكاره، لا سيَّما عند النُّخبة تسريعًا لشُهرته، ومجادلٌ بغرَض الاستنقاص وتصيُّد الزلَّات، وآخر باحثٌ عن الحقِّ؛ وهذا نادر، وما خبيئةُ النَّفس بظاهرةٍ إلَّا باثنتين كما رُوي عن عثمان بن عفَّان رضي الله عنه حين قال: "ما أسرَّ أحدٌ سريرة إلَّا أظهرها الله عزَّ وجلَّ على صفحات وجهه، وفلتاتِ لسانه"[6].

 

إنَّ مصير المُجادل على سبيلٍ من الحقِّ وطُهر النيَّة أن يُردَّ إلى رُشده فيلجأ للعُزلة، وما تلك إلَّا نتيجة حتميَّة لمن أدرك بأمِّ عينه أنَّ مُحصِّلة الخوض مع من عُرِفوا ببلبلة الكلام حُبًّا فيه، دون سابق نيَّةٍ من تبيان حقٍّ - لن تكون إلَّا ضياع عُمرٍ، وسلْب عافية، إنَّ الحقيقة لا تَخفى إلَّا على مَن تكبَّر عليها، ومَن أرادها سعى لها سعيَها بخُلُقِ الطَّالب المُجدِّ، لا النَّاعِق بشراسةِ الشيطان.

 

إنَّ المسألة المهمة أخيرًا أنْ نعيَ الفارق بين الجدل غير معلوم النواتِج، وبين الأخذ على يد المضلِّ بالنُّصح، أو الاضطرار للخوض معه فضحًا لعقليَّته، وتبيانًا لحقيقته أمام تابعيه؛ وذلك لا يُؤتى إلَّا لمن تأصَّل علمًا، ومن أُوتي من فضل ربِّه حكمةً تَضمنُ ألَّا يجرَّ جدالُه لما لا يُحمد، روى ابن عساكر عن الحسن بن عبدالعزيز الجروي قال: سمعتُ الشافعي يقول: "ما ناظرتُ أحدًا أحببتُ أن يخطئ، إلَّا صاحب بِدعة؛ فإنِّي أحبُّ أن يَنكشف أمرُه للناس"[7].

 

ختامًا؛ يَبقى الله هو الملجأ الأوَّل، والمهرب الأخير، وما بينهما لُججٌ وانتكاسات تتجلَّى حقائقها لكلِّ مستبصرٍ بالنُّورين: كتاب الله وسنَّة رسوله، وتَبقى التذكِرةُ الأصيلة بأنَّ ما هذه الحياةُ - كما قيل - إلَّا عقيدة وجهاد، وما المرءُ إلَّا بما يحملُ عقلُه، وينطقُ لسانه، فإمَّا حياة تُقامُ بجهادٍ على بصيرةٍ من الوعي، وإمَّا مماتٌ يعقبنا على ذِكرٍ حسن، وعملٍ جارٍ.

 

هذا، وصلَّى الله وسلم على النبيِّ المُبجَّل والمُعلِّم الأول مُحمِّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه إلى يوم البعث ومَن والاه.



[1] أبو زهرة، محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد: "زهرة التفاسير"، دار الفكر العربي، (ج 2 / ص 1011).

[2] رواه مسلم، كتاب العلم، باب هلك المتنطعون، (4/ 2055)، ح رقم (3253).

[3] النووي، يحيى بن شرف أبو زكريا: "صحيح مسلم بشرح النووي"، ط 1، 1349 هـ، 1930 م، الطبعة المصرية القديمة (16/ 220).

[4] رواه الترمذي، أبواب تفسير القرآن، (5/ 378)، ح رقم (3253).

[5] "فيض القدير شرح الجامع الصغير"؛ لزين الدين محمد المدعو بعبدالرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثمَّ المناوي القاهري، المكتبة التجارية الكبرى - مصر، ط1، 1356، (3/ 354).

[6] "الآداب الشرعية، والمنح المرعية"؛ لمحمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبدالله، شمس الدين المقدسي الراميني ثم الصالحي الحنبلي، عالم الكتب (1/ 136).

[7] "تبيين كذب المفتري، فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري"؛ لثقة الدين أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله، المعروف بابن عساكر، دار الكتاب العربي - بيروت، ط 3، 1404، ص (340).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المقال الأخير
  • في نهاية المقال
  • أنواع المقال
  • معالم المقال الناجح
  • تخمة الجدال

مختارات من الشبكة

  • ابتكارات نحوية لجميع المراحل المدرسية: ابتدائي - إعدادي - ثانوي: تبسيط النحو في جداول وبراويز (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تبسيط السيرة النبوية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التبسيط المفيد في أحكام التجويد (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تبسيط العقيدة الإسلامية (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • فتن قد لا يلتفت إليها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من الفتن: فتنة شماعة (المسألة خلافية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أعظم فتنة مقبلة فتنة المسيح الأعور الدجال (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أعظم فتنة في الأرض (فتنة الدجال) وأربعة عشر سببا للنجاة منه(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • الفتنة الكبرى {ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عيد الفطر المبارك 1436هـ (فتن السراء وفتن الضراء)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب