• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع / قضايا المجتمع / في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
علامة باركود

قوارب المغفرة

قوارب المغفرة
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/2/2016 ميلادي - 5/5/1437 هجري

الزيارات: 16743

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قوارب المغفرة [1]

عبد الله بن عبده العواضي

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].


أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


أيها الناس، جاء في الحديث الصحيح عند الترمذي في سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وعند أحمد في مسنده عن أبي ذر رضي الله عنه، وعند الطبراني في معاجمه الثلاثة عن ابن عباس رضي الله عنهما قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله: (يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عَنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرة).


عباد الله، هذا حديث عظيم يُلقي على النفوس ظلالَ الطمأنينة والسكينة، ويكسو القلوب ألبسة الإجلال والبهجة، ويغرس فيها دوحات الإعظام والمحبة لربنا الكريم سبحانه وتعالى.


كما أنه يفتح للمسلم أبواب الأمل والتفاؤل، ويغلق عنه منافذ اليأس والقنوط، ويرشده إلى الطريق القويم حينما يزيغ عنه في ظلمات الخطايا والانحراف، ويهديه الدواءَ إذا أسقمه الداء، ويعطيه قوارب النجاة عندما تتقاذفه أمواجُ الشبهات والشهوات، ويعيده إلى دار الأمان والعز، بعد أن تاه عنه في طرقات الضياع والذل.


لقد تجلّت في هذا الحديث- معشر المسلمين- صفاتٌ من صفات الله تعالى البالغةِ في الحسن الغاية، وفي الكمال النهاية.


ففيه بيان صفة علم الله تعالى؛ فهو - جل وعلا - العالم العليم العلاّم الذي أحاط بكل شيء علمًا، فلا يغيب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، يعلم ما كان وما يكون لو كان كيف يكون، ويعلم الأشياء دقيقها وجليلها، وظاهرها وخفيها، قال تعالى: ﴿ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [سبأ: 3].


فمن علمه تعالى: أنه يعلم أعمال عباده: طاعاتها ومعاصيها، قال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [المجادلة: 6].


وبناء على هذا العلم المحيط بكل شيء: دعا عباده المذنبين إلى الاستغفار والتوبة من الذنوب التي أحاط بها علمًا؛ ليغفرها لهم فضلاً منه وكرمًا.


وفي الحديث بيان صفة رحمة الله تعالى التي لولاها لهلكَ عبادُه أجمعون، فهو الرحيم الرحمن الذي وسعت رحمته كلَّ شيء، فبها خلَقهم، وبها رزقهم، وبها أرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، وبها أسبلَ عليهم النعم، ودفع عنهم النقم، وبها أدخل صالحيهم الجنة، ونجّاهم من النار، فسبحانه من إله رحيم، رحم عباده وهو قادر عزيز!.


فلذلك دعاهم في هذا الحديث إلى استغفاره؛ حتى يغفر لهم خطاياهم التي لو لم تُغفر لأهلكتْهم، فاللهم هب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.


وفي الحديث الكريم بيان صفة حلم الله تعالى، الذي يحلم على عباده المذنبين عن قدرة وكرم، لا عن ضعف وعجز، فلم يعاجلهم بالعقوبة، بل أمهلهم؛ لعلهم أن يتوبوا ويرجعوا عن غيهم، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ﴾ [فاطر: 45].


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله تعالى؛ إنهم يجعلون له نداً، ويجعلون له ولداً، وهو مع ذلك يرزقهم، ويعافيهم ويعطيهم)![2].


فمن حلمه: أنه دعا عباده - إذا عصوا- أن يستغفروه ويتوبوا إليه.


وفي الحديث: بيان صفة مغفرة الله ذنوبَ عباده، فهو عز وتعالى الغافر الغفور الغفار، يغفر ذنوب المذبين، ويستر على عباده العاصين؛ ولذلك يخبرهم بهذه الصفة العظيمة فيقول: ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحجر: 49]. ويدعو المسرفين على أنفسهم بالخطايا أن يتركوها، ويدعوا القنوط من غفرانه، ويقبلوا تائبين إليه منيبين وسيغفر لهم، فقال: ﴿ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [الزمر: 53، 54]؛ فلهذا دعاهم في هذا الحديث إلى الرجاء والدعاء والاستغفار والتوحيد؛ لكي يسدل على معاصيهم ثوب المغفرة والستر.


وفي الحديث كذلك: بيان صفة الوحدانية لله الواحد الأحد، فالله سبحانه المعبود الحق الواحد لا شريك له، فمن لقي الله تعالى موحداً غير مشرك بالله في الأقوال أو الأفعال نال مغفرة لذنوبه، ونجا من النار، ودخل الجنة.


أيها الأحبة الكرام، إن هذا النص الكريم يتحدث عن قضية مهمة، ألا وهي قضية الذنوب، وسبل التخلص منها.


إن الذنوب نار تحرق صاحبها عاجلاً أو آجلاً، وداء يمرض الروح أو يميتها، الذنوب أخرجت آدم وحواء من الجنة فهبطا إلى الأرض بعد حياة الرغد، والذنوب طردت إبليسَ إلى لعنة الله، والذنوب هي التي تجلب الشقاء والتعاسة، والكدر والحزن، وتسلب عن العبد معيةَ ربه وتوفيقه وحمايته، والذنوب تورث العزيز ذلاً، والعمر محقًا وخسراً، والذنوب ما حلّت قلبًا إلا ضيقت سروره، وسوّدت بياض أيامه، وقطعته عن أسباب راحته ونعيمه، والذنوب هي التي تجلب لأهلها الكوارث والجوائح، والمصائب والمعاطب، والنقم والبلايا.


كم من نفس كانت بالطاعة عالية، فأصبحت بالمعصية دانية، وكانت بالصلاح في فسحة ونعيم، فأضحت بالخطيئة في ضيق وجحيم، وكانت ببُعدها عن الخطايا قريبة من رب البرايا، فلما عصت ابتعدت عن الرحمن، واقتربت من الشيطان، فسبحان الله! كيف يرضى العاقل لنفسه ذلَّ المعصية، ولا يرضى لها عزَّ الطاعة، وكيف يستضيف بالخطيئة الضيقَ والعناء، ويطرد بهجر الطاعة السرورَ والهناء، وكيف يسعى جاهداً لسلوك أسباب العذاب في العاجل والآجل بالمعصية، ولا يسلك طرق السلامة في الدنيا والآخرة بالطاعة!.


فيا من غرق في لجج الخطايا اعلم أن هناك يداً تمتد إليك لتنقذك فلا تردها، ويامن أحرقته نيران المعاصي، إن هناك وسائل إطفاء تعرض عليك فاقبلها، ويامن ضلّ في دياجي الذنوب، إن هناك نوراً يناديك ليخرجك من الظلمات إلى النور ويهديك إلى صراط مستقيم فأحسن استقباله، ويامن تدنس بعصيان خالقه، إن هناك مغتسلاً طهوراً ينتظرك ليطهرك فأسرع إليه، ويامن ما زال في سجن مخالفة ربه، إن هناك سبلاً كثيرة لإطلاق سراحك فاقبل زيارتها لك، ويامن تعاني آلام الخطيئة، إن هناك دواء مجانيًا يقدم لك فخذه قبل أن يهلكك المرض.


فتعال - يا عبد الله - إلى كرم الله ولطفه، ورحمته وحلمه، وهو يناديك لتقبل عليه تائبًا ليبقل عليك غفوراً رحيمًا، فيقول لك: "يا ابن آدم"، إنه نداء كريم يصل الحاضر بالماضي، ويربط الابن بأبيه، ويذكّر الفرعَ بالأصل، ولقد أضاف الولد إلى الوالد لعل إنسان اليوم يتذكر إنسان الأمس، ويقيس حاله على حاله.


فآدم عليه السلام في ظلِّ الطاعة كان في نعمة سابغة: ﴿ وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 35].فلما حصلت المعصية بالأكل من الشجرة كانت النتيجة: ﴿ فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ [البقرة: 36]. لكن آدم عليه السلام حينما عرف كيد الشيطان الرجيم، وجاءه عتاب الرحمن الكريم استغفر ربه وتاب إليه، فقبل الله تعالى الرحيم توبته وتوبة زوجته، وغفر لهما حوبتهما، قال تعالى: ﴿ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف:22، 23]، وقال: ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 37]. فكذلك أنت - يا ابن آدم - فما دمت على الطاعة فأنت في نعمة، فإذا عصيت فاتك من النعم بقدر معصيتك، فإذا أردت رضا الله عنك فتب كما تاب أبوك، تنلْ ما ناله من توبة الله عليه.


أيها المسلمون، لقد تضمن هذا النص القدسي الكريم ثلاثة أسباب من أسباب مغفرة الذنوب:

السبب الأول- الدعاء، (يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي). فالدعاء بوابة العبد إلى السماء، تُستنزل به النعماء، ويُستدفع به البلاء، يطلب به العبدُ حوائجه، ويزيل به مواجعه، فعبره تتحقق- بمشيئة الله- الآمال، وتذهب الآلام، والدعاء طريق إلى راحة النفس واطمئنانها، وسرور القلب وسكونه، وهو باب مفتوح يلجه المخلوق إلى خالقه الذي يحب من ولج هذا الباب وفتح، واستمر فيه وألح، وهذا برهان على كرم الله وجوده، ورحمته بعبيده؛ ولذلك أمرهم به، ووعدهم الإجابة عليه فقال: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، وقال: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].


فيا من له حاجة من حاجات الدنيا، أو حاجة من حاجات الآخرة، لا تذل نفسك على أبواب المخلوقين مثلك؛ فهذا باب دعاء الخالق أمامك مفتوح فأقبل عليه.


غير أن الدعاء الذي يُرجى قبوله - معشر المسلمين - يحتاج إلى قوة توجّهٍ إلى الله وحده، وحضور قلب، واستمرار تضرع، وأكل حلال، وغير ذلك من شروط الدعاء وآدابه.


عباد الله، من أهمّ ما يدعو به المسلم: الدعاء بمغفرة ذنوبه التي إذا غُفرت له سعد في الدنيا والآخرة؛ ولذلك جاء الحث الشرعي على الدعاء بالمغفرة في مواطن كثيرة في العبادات، ومن ذلك في الصلاة: في دعاء الاستفتاح، وفي السجود، وفي الجلسة بين السجدتين، وقبل التسليم.


ولابد أن يكون مع الدعاء رجاء، وهو الأمل المخالف لليأس، فيدعو المسلم ربه وهو آمل بأن الله يجيبه فيغفر له، وأن حاجته لا يقضيها إلا الله تعالى على أيدي من يشاء من عباده.


فيا أيها المسلم، مهما كثرت ذنوبك، ومهما عظمت خطاياك ادع الله بالمغفرة لها ولا تيأس من غفران الله، ولا تجعل الشيطان ينتصر عليك مرتين: الأولى عند الوقوع في المعصية، والثانية: عند إرادة دعاء الله بالمغفرة لها، حيث يزين للعبد بأن معاصيه كثيرة، فاعصه، ولا تسمع نصحه الخادع.


عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، وليعظم الرغبة؛ فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه)[3].


فادعُ-أيها المذنب، وكلنا كذلك-؛ فعفو الله أعظم من الذنوب.


واليوم قل:

يا ربِّ إن عظُمتْ ذنوبي كثرة
فلقد علمتُ بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن
فمن الذي يدعو ويرجو المجرم؟!
أدعوك ربِّ كما أَمرت تضرّعًا
فإذا رددتَ يدي فمن ذا يرحم؟
مالي إليك وسيلةٌ إلا الرجا
وجميلُ ظني ثم إنيَ مسلم


وقل كذلك:

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلتَ ذا عفو عن الذنب لم تزل
تجود وتعفو مِنَّةً وتكرُّما

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله الرحمن الرحيم، الغفور الحليم، والصلاة والسلام على النبي الكريم، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

أيها المسلمون، والسبب الثاني الذي ذكره الحديث من أسباب المغفرة: الاستغفار، فقال: (يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عَنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي). إن الاستغفار عبادة عظيمة من أعظم العبادات التي تقال به العثرات، وتغفر به الزلات، أمر الله تعالى به فقال: ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 199]، وأثنى على أهله فقال: ﴿ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾ [آل عمران: 17]. لكن لابد أن ينبعث الاستغفار من قلب منيب، ولسان صادق، تكف به الجوارح عن الآثام، وتقبل على الطاعات خاشعة مخبتة، قائلة: أستغفر الله، من القلب ومن اللسان، وتصدق ذلك الجوارح. ومن أكمل صيغ الاستغفار ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كدعاء سيد الاستغفار، وهو: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك، ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)[4].


وقوله عليه الصلاة والسلام: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني؛ إنك أنت الغفور الرحيم )[5].


وقوله صلى الله عليه وسلم: (أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه)[6].


إن على المسلم الحريص على غفران ذنوبه أن يلهج لسانه دائمًا بالاستغفار، وأن يكون له في ليله ونهاره استغفار كثير؛ فعل ساعة مغفرة تدركه وهو على ذلك.


عباد الله، والسبب الثالث من أسباب المغفرة في هذا الحديث القدسي: لقاء الله تعالى بالتوحيد، من غير إشراك، (يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرة).


فانظروا إلى كرم الله تعالى! كيف يتفضل على عباده الموحدين. فتوحيد الله تعالى، وعدم الإشراك به هو السبب الأعظم لنجاة العبد بين يدي ربه، فمن كان أكثر توحيداً كان أكثر مغفرة، ومن كان أكثر شركًا كان أبعد عن المغفرة. والشرك بالله تعالى يكون في الاعتقادات، وفي الأقوال، وفي أعمال الجوارح.


فمن توجه بتعظيمه وإجلاله وعبادته، وتقربه رغبةً ورهبة ومحبة لله، وغير ذلك من أنواع التوحيد-اعتقاداً وعملاً-؛ فهو الموحد، ومن عبد غير الله تعالى، أو عمل العمل لغير الله، وعظم غير الله تعالى تعظيمًا لا يكون إلا لله، أو رغب فيه أو رهب منه، وانحرف في ذلك عن شرع الله في الحب والتعظيم والرغبة والرهبة ونحو ذلك مما لا يكون إلا لله؛ فصرفه لغير الله فهو المشرك. قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48] أيها الفضلاء، ألا هلْ من حرصٍ كبير على التوبة النصوح، والاستغفار الصادق، والتوحيد الخالص؛ حتى يُظفر بغفران الخطايا، فيا سعد من لقي الله تعالى وقد محيت سيئاته في الدنيا قبل الآخرة.


ألا وإن من فضل الله تعالى: أن جعل للذنوب في الدنيا كفارات كثيرة-غير ما ذكر-، فمن ذلك: الوضوء الكامل، والصلاة التامة، والصيام المقبول، والصدقة المخلصة، والحج المبرور، والجهاد في سبيل الله، والأذكار في الليل والنهار، وغير ذلك.


فيا أيها المسلم، كما أن الذنوب كثيرة في الليل والنهار، فاجعل لنفسك كفارات كثيرة في ليلك ونهارك، فالسعيد من إذا أذنب استغفر وتاب وأناب قبل يوم المآب. قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135].


هذا وصلوا على البشير النذير...

 


[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في 12/ 4/ 1437هـ، 22/ 1/ 2016م.
[2] رواه مسلم.
[3] متفق عليه.
[4] رواه البخاري.
[5] رواه أبو داود والترمذي، وهو صحيح.
[6] متفق عليه.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قوارب عائمة بين بين!
  • المغفرة والتوبة
  • أصل كلمة غفر

مختارات من الشبكة

  • قوارب النجاة في لجج الحياة وتفسير قوله تعالى (واستعينوا بالصبر والصلاة)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • غرق قوارب هاربة من ميانمار إلى بنجلاديش(مقالة - المسلمون في العالم)
  • قوارب النجاة(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • أسباب المغفرة في رمضان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المغفرة والعشر الأواخر من رمضان (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • الدعاء في شهر رجب ( فرصة ثمينة للتقرب إلى الله وطلب المغفرة )(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسباب المغفرة والعتق من النار(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • العفو والصفح عن الناس من أسباب المغفرة (بطاقة دعوية)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • حسن الكلام من موجبات المغفرة (بطاقة دعوية)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • قيام ليلة القدري ثوابها المغفرة والعتق من النار (بطاقة دعوية)(مقالة - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب