• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

شرح العقيدة الواسطية (25)

شرح العقيدة الواسطية (25)
الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/2/2016 ميلادي - 4/5/1437 هجري

الزيارات: 10976

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شرح العقيدة الواسطية (25)

 

فَصْلٌ: وَمِنَ الإِيمَانِ بِاللهِ وَكُتُبِهِ: الإِيمَانُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ، وَأَنَّ اللهَ تَكَلَّمَ بِهِ حَقِيقَةً، وَأَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم هُوَ كَلامُ اللهِ حَقِيقَةً لا كَلامُ غَيْرِهِ.


وَلا يَجُوزُ إِطْلاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ كَلامِ اللهِ أَوْ عِبَارَةٌ عَنْهُ، بَلْ إِذَا قَرَأَهَ النَّاسُ أَوْ كَتَبُوهُ بِذَلِكَ فِي الْمَصَاحِفِ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ كَلامَ اللهِ تَعَالَى حَقِيقَةً؛ فَإِنَّ الْكَلامَ إِنَّمَا يُضَافُ حَقِيقَةً إِلَى مَنْ قَالَهُ مُبْتَدِئًا لا إِلَى مَنْ قَالَهُ مُبَلِّغًا مُؤَدِّيًا، وَهُوَ كَلامُ اللهِ حُرُوفُهُ وَمَعانِيهِ، لَيْسَ كَلامَ اللهِ الْحُرُوفَ دُونَ الْمَعَانِي وَلا الْمَعَانِيَ دُونَ الْحُرُوفِ.

 

وَمِنَ الإِيمَانِ بِاللهِ وَكُتُبِهِ: الإِيمَانُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللهِ:

الآن يفصِّل في مسألة كلام الله؛ لأنها من المسائل العظيمة الجليلة، التي هي مِن أوائل ما وقَع فيها الانحرافُ في مسائل الصفات؛ فإن أول من عُرِفَ عنه الانحراف في الصفات هو الجعد بن دِرْهَم؛ فقد نفى أن يكون الله كلم موسى تكليمًا، واتخذ إبراهيم خليلاً، فأنكر صفة الكلام، وأنكر صفةَ الخُلَّة، وتَلقَّفَها عن الجعدِ الجهمُ.

 

ولهذا فابنُ القيم لما بدأ في نَظمِه في الكافية الشافية (النونية) بدأ يتغزل، والشعراء إذا بدَؤوا أشعارهم يتغزلون بمحبوباتهم:

بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ ♦♦♦ مُتَيَّمٌ إِثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ

وقال:

لِخَوْلَةَ أَطْلالٌ بِبَرْقَةِ ثَهْمَدِ ♦♦♦ تَلُوحُ كَبَاقِي الْوَشْمِ فِي ظَاهِرِ الْيَدِ

ومنهم من يبدأ بالأطلال يتوجد عليها.

 

وابن القيم سلَك هذا المسلَك، فتغزَّل - وظنَّه كثيرٌ مِن الشُّراح أنه يتغزَّل بامرأةٍ على عادة الشعراء وهو يتغزل - ولكنه يتغزل بالعقيدة؛ حيث يقول:

حُكْمُ الْمَحَبَّةِ ثَابِتُ الأَرْكَانِ
مَا لِلصَّدُودِ بَفَصْلِ ذَاكَ يَدَانِ
أَنَّى وَقَاضِي الْحُسْنِ نَفَّذَ حُكْمَهَا
فَلِذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ الْخَصْمَانِ
وَأَتَتْ شُهُودُ الْوَصْلِ تَشْهَدُ أَنَّهُ
حَقٌّ جَرَى فِي مَجْلِسِ الإِحْسَانِ

 

صَوَّر العقيدة كأنها محبوبة معشوقة، وهذا من الخيال الخصب عند ابن القيم؛ ولهذا بدأ بهذا الإجمال العام، ثم بدأ بشعائر الإسلام، ثم بدأها بالحج وشعائره.

وَرَقَتْ إِلَى أَعْلَى الصَّفَا فَتَيَمَّمَتْ ♦♦♦ دَارًا هُنَالِكَ لِلْمُحِبِّ الْعَانِي

وفي بعض النُّسَخ: "للمُحثِّ العاني". إلى أن قال - الذي بيَّن أنه يتغزل بالعقيدة الصحيحة -:

إِنْ كُنْتِ كَاذِبَةَ الَّذِي حَدَّثْتِنِي
فَعَلَيْكِ إِثْمُ الْكَاذِبِ الْفَتَّانِ
جَهْمِ بْنِ صَفْوَانٍ وَشِيعَتِهِ الأُلَى
جَحَدُوا صِفَاتِ الْوَاحِدِ الدَّيَّانِ

 

إلى أن قال:

وَلأَجْلِ ذَا ضَحَّى بِجَعْدٍ خَالِدُ الْ
قَسْرِيُّ يَوْمَ ذَبَائِحِ الْقُرْبَانِ
إِذْ قَالَ: إِبْرَاهِيمُ لَيْسَ خَلِيلَهُ
كَلا وَلا مُوسَى الْكَلِيمَ الدَّانِي
شَكَرَ الضَّحِيَّةَ كُلُّ صَاحِبِ سُنَّةٍ
للهِ دَرُّكِ مِنْ أَخِي قُرْبَانِ

 

فأول المسائل التي وقع فيها الانحرافُ في صفات الله فيها: مسألة كلام الله، وتطوَّرَ ذلك إلى أن أنكَرَته الجهمية، ثم تلقَّفَها عن الجهميةِ المعتزلةُ، وامتحَنوا الناس في عهد المأمون بها، ووقَف لها فُحولُ وأساطينُ السُّنة، وساداتُ الناس فيها وأئمتها، وما موقف الإمام أحمد في هذه الفتنة ببعيد.

 

وأُولى مسائل العقيدة التي حصَل فيها انحرافٌ مسألة كلام الله، وإنكار صفاته الذي هو مذهبٌ خبيث أُثِرَ عن الجعد، وتحمَّلَه عن الجعدِ ونشَرَه الجهمُ، فنُسِبَ إليه، وتحمَّله عن الجهم المعتزلة، فنُسِبَ إِليهما مذهبُ الجهمية والمعتزلة.

 

وأما أُولى مسائل العقيدة انحرافًا فهي مسألة صاحب الذنب التي هي مفصل الافتراق بين أهل السُّنة وبين الوعيدية وبين المرجئة، ثم مسألة القدر لما أنكر مَعبد بن خالدٍ الجهني قدَرَ الله على خلقِه، فحَكَم عليه التابعون - ومنهم الأوزاعيُّ - بقتله، فقتَله عبدالملك بن مروان.

 

من الإيمان بالله وكتبه الإيمانُ بأن القرآنَ كلامُه؛ لأن الإيمان بالله إيمان بذاته، وأسمائه، وصفاته، ومن صفات الله أنه متكلم يتكلم، وكلامه أنواع: نداء، ونجاء، وقيل، وقول، وحديث.

 

وكذلك الإيمان بكتبه؛ لأن كتبه التي تَكلَّم بها وأنزلها على الأمم هي مِن كلامِه سبحانه؛ إذ مقتضى الإيمان بالكتب أن تؤمن بصفة الله الكلام، وأن تؤمن بصفة الله العلو؛ لأنَّ كتبه مُنزَّلة من السماء.

 

الإِيمَانُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ:

الإيمان بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، هذا هو مذهب السلف في القرآن أنه كلام الله؛ أي: صفة الله الذي أضافه له؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 6]، وقوله: ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾ [المائدة: 41]؛ مِن بعدِ ما سمعوه، من بعدِ ما عقَلوه.

 

المعتزلة قالوا: إنه منزل؛ لكنه - مثل إنزال الحديد - مخلوق، ولهذا أضاف أهل السنة: منزَّلٌ غيرُ مخلوق. وممن يقول: إن القرآن مخلوق الجهميةُ والمعتزلة والماتوريدية، وحقيقة قول الأشاعرة لأن الذي معنا - عند الأشاعرة - هو مخلوق ليس عينَ كلام الله تعالى، وهو قول الخوارج، وهو قول الإمامية؛ لأن الإماميةَ والخوارجَ بعد القرن الثالث معتزلة، هذا في تأريخ الفرق؛ فالخوارج في أواخر القرن الثاني وأول الثالث، وكذلك الإمامية في أول الثالث - أضحَوْا معتزلة، مع أن متقدِّمي الروافض ممثِّلةٌ مشبِّهة: هشام بن الحكم، وهشام بن سالم الجواليقي.

 

مِنْهُ بَدَأَ:

أو يُقال: بدَا؛ كلاهما رسمان صحيحان، فمنه بدأ؛ أي: إن القرآن ابْتُدِئ من الله، فالله ابتدأ الكلام به، ومنه بدا بالألف بدون همز فإن القرآن ظهَر من الله، بمعنى أنه كلام تكلم به.

 

وَإِلَيْهِ يَعُودُ:

هذا من اعتقاد أهل السنة أن القرآن يعود إلى الله في آخر الزمان كما جاءت بذلك الأخبارُ الصادقة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((يُسْرَى عَلَى الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ، فَيَفْتَحُ النَّاسُ مَصَاحِفَهُمْ، فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ، لَيْسَ فِيهَا مِنْ كَلامِ اللهِ شَيْءٌ؛ قَدْ أُسْرِيَ بِالْقُرْآنِ))[1]؛ أي: رجع إلى صاحبه، إلى المتكلم به. وذلك لما أهمله الناس، وتركوا الهداية منه، وتركوا قراءته فإنه يرجع إلى صاحبه، وإليه يعود.

 

وَأَنَّ اللهَ تَكَلَّمَ بِهِ حَقِيقَةً:

تكلم الله به حقيقة، وأما كيف تكلم به؟ فلا نعلم، لكن نعلم ونؤمن ونوقن بأن الله تكلم به حقيقة، ومقابل الحقيقة ليس مجازًا تأويلاً كما يسميه المتكلمون، قالوا: إن تكلم الله مجازًا. إضافة الكلام إلى الله من جهة المجاز، لكن أهل السنة يقولون: تكلم به حقيقة. ولا يَعلمون كيفية التكلُّم به.

 

وهذا القيد له فائدة أن القرآن أنزل على محمد، لم يُنزل على عيسى، ولا موسى، ولا داود، ولا إبراهيم عليهم السَّلام، وإنما أُنزل عليهم كتبٌ غير القرآن، ونحن نعلم من كتب الله تفصيلاً بأسمائها خمسة، وهي: القرآن على محمد، والإنجيل على عيسى، والتوراة على موسى، والزبور على داود، وصحف إبراهيم على إبراهيم.

 

هُوَ كَلامُ اللهِ حَقِيقَةً لا كَلامُ غَيْرِهِ:

هذا الكلام - أي: هذا القرآن الذي أنزله الله على محمد - هو كلام الله الذي تكلم الله به، سمعه جبريل من الله، وسمعه محمد من جبريل، لا كلام غيره. والأشاعرة يقولون: إنه كلام جبريل، أو كلام محمد، أو كلام الهواء، أو اللطيفة. إذًا نؤمن بأن هذا القرآن الذي أنزله على رسوله ونقرؤه نحن هو كلام الله حقيقة.

 

وَلا يَجُوزُ إِطْلاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ كَلامِ اللهِ أَوْ عِبَارَةٌ عَنْهُ:

يُشير الشيخ بهذا إلى مذهبَيِ الأشاعرة والكلابية الذين قالوا: إن هذا القرآن الذي معنا عبارة عن كلام الله. وقالت الكلابية: إن هذا القرآن الذي معنا نقرؤه هو حكايةٌ عن كلام الله؛ وذلك لأن كلام الله – في اعتقادهم الفاسد - هو ذلك المعنى النفسي الذي قام بالله ولم يسمعه منه أحد، وهذا القرآن وقبله الإنجيل والتوراة والزبور هي عبارة - كما هو قول الأشاعرة - أو حكاية - كما تقول الكلابية - عن كلام الله.

 

وقوله: بالعبارة والحكاية بدعةٌ ابتدعها هؤلاء، وخُصُّوا بها عن عامة الجهمية والمعتزلة والمعطلة، ومؤدى هذه البدعة أن الذي معنا ليس هو عينَ كلام الله، وإنما الذي معنا كلامٌ مخلوق؛ لأن كلام الخالق معنى نفسي قام بالله تعالى ولم يقم بغيره.

 

بَلْ إِذَا قَرَأَهَ النَّاسُ أَوْ كَتَبُوهُ بِذَلِكَ فِي الْمَصَاحِفِ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ كَلامَ اللهِ تَعَالَى حَقِيقَةً؛ فَإِنَّ الْكَلامَ إِنَّمَا يُضَافُ حَقِيقَةً إِلَى مَنْ قَالَهُ مُبْتَدِئًا لا إِلَى مَنْ قَالَهُ مُبَلِّغًا مُؤَدِّيًا:

إن الشيخ لخَّص لنا في هذين السطرين اعتقادَ أهل السُّنة في كلام الله القرآن، أن هذا القرآن - إذا قرأه الناس القارئون، أو رتله المرتلون، أو سمعه السامعون، أو كتبه النُّساخ، أو طبَعه الطابعون - لم يخرج عن كونه كلامَ الله؛ لأن المقروء كلام الله، والقارئ هو الإنسان، والمتلو كلام الله، والتالي هو المرتل، والمكتوب هو كلام الله، والكاتب والحبر والجلد والورق مخلوق، والمحفوظ كلام الله والحافظ هو الإنسان وطالب العلم والمؤمن، وقد يحفظ القرآنَ غيرُ المؤمن؛ ولهذا ذُكِرَ عن بعض المستشرقين حِفظُهم للقرآن، وعن بعض النصارى في لبنان وغيرها حفظهم للقرآن؛ ليجودوا ألسنتهم من ناحية العربية، أخبرني أحد الدكاترة أن أستاذهم الذي درسهم في (كمبرج) قديمًا يقال له: (يوسف شخب) - وهو مستشرق يهودي، مجَريُّ الأصل - أخبرني هذا أنه كان يحفظ القرآن، ويحفظ المسند "مسند الإمام أحمد"، ويحفظ الأم للشافعي، وهو يهودي خبيث مستشرق، كما ذكر الله عمن قبلنا أنهم كالحمير تَحمل أسفارًا، فالعلم على ظهورها وهي ما تستفيد؛ ولهذا يقول القائل:

وَمِنَ الْعَجَائِبِ وَالْعَجَائِبُ جَمَّةٌ
قُرْبُ الشِّتَاءِ وَمَا إِلَيْهِ وُصُولُ
كَالْعِيسِ فِي الْبَيْدَاءِ يَقْتُلُهَا الظَّمَا
وَالْمَاءُ فَوْقَ ظُهُورِهَا مَحْمُولُ

 

الماء على ظهورها ولم تَستفِد منه، والله تعالى وصَفَ في آية الجمعة مَن قبلَنا - ممن أوتوا العلم - بأنهم كالحمير تحمل أسفارًا، أسفار العلم، وكتب العلم على ظهورها، وهي لم تستفد منه.

 

هذا القرآن كيفما تصرَّف فهو كلامُ الله، أما فِعل المخلوق - مِن حفظه، وقراءته، وترتيله، وصوته، وكتابته، وإسماعه - فهذا فِعله هو؛ ولهذا فإن القارئين مختلفون، فهذا يقرأ بصوت حسن، وهذا بصوت أحسن، وهذا يجود وهذا أقلُّ تجويدًا، والمقروء شيء واحد، لكن الأصوات، والأداء، والترتيل اختلف باختلاف المخلوقين، الكتابة هذا يكتبه بقلم لين، وهذا بقلم أقل جودة، وهذا يطبع أحسنَ طباعة، والمطبوع والمكتوب شيءٌ واحد، لكن الكتابة والنفس مختلفة، فالقرآن كيفما تصرف - حفظًا في الصدور، أو قراءةً بالألسن، أو كتابةً بالأسطُر - هو كلام الله عينًا.

 

ثم إن الكلام إنما يُضاف إلى مَن قاله ابتداء، لا إلى من قاله مبلغًا مؤديًا؛ لأن الله قال: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الحاقة: 40 - 42]، وقال: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ﴾ [التكوير: 19، 20]، والمراد بالرسول الكريم في سورة التكوير جبريل؛ لأنه هو الموصوف بأنه ذو قوةٍ عند ذي العرش، مَكينٌ؛ أي: متمكن، له منزلته وقدره، والرسول في سورة الحاقة هو محمَّد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه الذي اتُّهِمَ بأنه شاعر، وأتى الناسَ بشِعر.

 

أضاف الله القول هنا في آية الحاقة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وأضافه في التكوير إلى جبريل، وهذه تُسمى إضافة البيان والتبليغ والأداء؛ أضافه الله إليهما قولاً لهما؛ لأنهما المؤدِّيان، المبلِّغان عن الله، وحقيقة الإضافة لمن قاله مبتدئًا فيقال: هذا كلام الله. فلو أني وقفت وألقيت أبياتًا نحو:

لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ ابْنَنَا لا مُكَذَّبٌ
لَدَيْنَا وَلا يُعْنَى بِقَوْلِ الأَبَاطِلِ
حَلِيمٌ رَشِيدٌ عَادِلٌ غَيْرُ طَائِشٍ
يُوَالِي إِلَهًا لَيْسَ عَنْهُ بِغَافِلِ
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ
ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ

 

ثم قلتُ: أنا الذي قلتُ هذه القصيدة - فسوف أُكَذَّب لأني لم أقلها، بل ألقيتها أداء، أما القائل الأول فهو أبو طالب؛ هو الذي أنشأها، فالقول يُنسَب لمن قاله ابتِداءً لا لِمَن قاله أداء وتبليغًا.

 

وَهُوَ كَلامُ اللهِ حُرُوفُهُ وَمَعانِيهِ، لَيْسَ كَلامَ اللهِ الْحُرُوفَ دُونَ الْمَعَانِي، وَلا الْمَعَانِيَ دُونَ الْحُرُوفِ:

(وهو) الضمير يعود إلى القرآن هو كلام الله، حروفه مِن الله، ومعانيه من الله؛ لأنه مرَّ علينا أن القرآن حرفٌ وصوت، وأن الحروف مجموعها كلمات، والكلمات مجموعها آيات، والآيات مجموعها سُور، وهذه الكلمات لها مَعانٍ ومَضامينُ ودلالات، فالقرآن كلام الله الحروف والمعاني جميعًا، وقد نسب الكلامَ إلى الله حرفًا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم لما قال: ((اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّ لَكُمْ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهُ حَسَنَةٌ إِلَى عَشَرَةِ أَضْعَافِهَا، لا أَقُولُ: ﴿ الم ﴾ [البقرة: 1] حَرْفٌ. وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ))[2]؛ فالقرآن حروفه ومعانيه كلها من الله، ليس كلام الله الحروف دون المعاني كما تقوله يراجع التسجيل، ولا المعاني دون الحروف كما تقوله الأشاعرة والكلابية الذين قالوا: إن كلام الله المعنى دون الحرف. فكلام الله هو مجموع هذه المعاني والحروف.



[1] رواه الطبراني في مجمع الزوائد (1/ 330)، وقال الحافظ ابن حجر: سنده صحيح، لكنه موقوف؛ فتح الباري (13/ 16).

[2] رواه الترمذي (2910)، والحاكم (1/ 555)، وصححه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • شرح العقيدة الواسطية (20)
  • شرح العقيدة الواسطية (21)
  • شرح العقيدة الواسطية (23)
  • شرح العقيدة الواسطية (24)
  • شرح العقيدة الواسطية (26)
  • شرح العقيدة الواسطية (27)
  • شرح العقيدة الواسطية (28)
  • شرح العقيدة الواسطية (29)

مختارات من الشبكة

  • عناية العلماء بالعقيدة الواسطية(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • العناية بشروح كتب الحديث والسنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فوائد من شرح العقيدة الواسطية للشيخ سعد بن ناصر الشثري(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح العقيدة الواسطية(محاضرة - موقع د. زياد بن حمد العامر)
  • شرح العقيدة الواسطية (39)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح العقيدة الواسطية (38)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح العقيدة الواسطية (37)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح العقيدة الواسطية (36)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح العقيدة الواسطية (35)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح العقيدة الواسطية (34)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب