• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تحريم صرف شيء من مخلوقات الله لغيره سبحانه وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الله يخلف على المنفق في سبيله ويعوضه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الحذر من عداوة الشيطان
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    حث النساء على تغطية الصدور ولو في البيوت
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    حكم صيام عشر ذي الحجة
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    إمام دار الهجرة (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    يوم عرفة وطريق الفلاح (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    العشر مش مجرد أيام... هي فرص عمر
    محمد أبو عطية
  •  
    الدرس الثاني والعشرون: تعدد طرق الخير
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الموازنة بين الميثاق المأخوذ من الأنبياء عليهم ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    أفضل أيام الدنيا: العشر المباركات (خطبة)
    وضاح سيف الجبزي
  •  
    دلالة القرآن الكريم على أن الأنبياء عليهم السلام ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    عظيم الأجر في الأيام العشر
    خميس النقيب
  •  
    فضل التبكير إلى الصلوات (1)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أحب الأعمال في أحب الأيام (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    مدى مشروعية طاعة المعقود عليها للعاقد في طلب ...
    محمد عبدالرحمن صادق
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

استقم كما أمرت

استقم كما أمرت
نورا عبدالغني عيتاني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/1/2016 ميلادي - 7/4/1437 هجري

الزيارات: 9747

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

استقم كما أمرت


الحمد لله، وبعد:

فاقتضت حكمة الله تعالى حين خلق الإنسان واستخلفه في أرضه، أن يسعى هذا الإنسان في الأرض جاهدًا، ويعمل فيها بهمة عالية، مقرونة بتوكل وتسليم وطاعة، ليكون جديرًا بحَمل الأمانة العظيمة التي أشفقت من حملها السموات والأرض والجبال، كما بين الله تعالى في قوله: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]؛ فالإنسان بطبعه ظلومٌ جهول،وهو ظالمٌ لنفسه قبل كل شيء؛ إذ إنه يجهل كنهها، ومع هذا يصر على التكبر والاعتداد بالنفس والبعد بها عن الحقائق الساطعة التي أراده الله أن يستدل بها، والإشارات الواضحة التي أراده الله أن يتبعها لكي يصل إلى شط الأمان، ويحقق الغاية الكبرى على أحسن وجه.


وغالبًا ما يغتر هذا الإنسان الجهول، الذي يجهل حتمًا الغاية الأساسية من خلقه ووجوده، بعقله الذي ميزه الله به عن سائر المخلوقات، فيظن أنه قادرٌ على السير به وحده بعيدًا عن أي إرشاد أو قيادة، فيسير وحده متذبذبًا، مشتتًا، معرضًا نفسه لكل أسباب الفتن والضلال والانحراف عن السبيل الآمن والطريق القويم الذي اختاره الله له، وأرشده إلى اتباعه في شرعته الواضحة الكاملة، النضَّاحة بالحكمة والعلم المطلق الذي لا يحيط به شيء، وبذا يضل الإنسان، ويفسد في الأرض بظلمه وبجهله الذي يصور له أنه صاحب المشيئة التامة والقدرة المطلقة، والعلم الواسع الذي بوسعه أن يحيط بكل شيء!


وحقيقة الأمر: أن هذا الإنسان مهما بلغ شأنه، ومهما لامس بعلومه حدود اللامعقول، لا يملك آلية التحكم في شيء، ولا القدرة على تعلم أي شيء والاستفادة منه إلا بمشيئة الخالق العظيم، الحكيم العليم، وهو جاهلٌ لتلك الحقيقة للأسف، مع أنه إن تأمل قليلًا وتدبر في آيات هذا الكون الساحر والعجيب وخلقه، بل ولو أنه تأمل فقط في نفسه المعتد بها، لو أنه فقط تأمل خلقها، لعرف الإجابة دون أي شك، ولوصل إلى الإجابة القاطعة، والحقيقة المؤكدة التي لا لبس فيها ولا غموض، ألا وهي أن في الكون قوة أقوى وأعظم من كل هذا العلم العجيب، قوة تسبق العلم وتحتويه وتتحكم به، فتخفيه أو تعلنه قدر ما شاءت وحينما شاءت، وبأي مكان شاءت، وتلك القوة بالطبع هي قوة الله الذي لا حول ولا قوة ولا قدرة حقيقية إلا به؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ﴾ [البقرة: 255].


من هذا المنطلق - ومن الضرورة بمكان - فإن الله هو القادر الأوحد على وضع المنهج الأكمل والأسلم والأمثل الذي يضمن فلاح الإنسان وسلامته، ووصوله نحو غايته، وهذا بالطبعأمر مفروغ منه، فمن البديهي والمنطقي جدًّا أن يكون صاحب الشيء، أو مالكه، هو الأعلم بخصائصه وأسراره؛ لأنه هو الأكثر اطلاعًا عليه، والأكثر قربًا منه، فكيف بصانع هذا الشيء؟! وكيف بمن خلقه وسوَّاه وركَّبه في الصورة التي شاء لها أن تكون؟! لكن الإنسان يصر مع هذا كله على جهله واغتراره، ويصر على الإعراض عن المنهج الإلهي الفطري، وبالتالي فهو يصر على إفساد الحياة، وتدمير نظامها المعقد المحبوك بكل دقة وإحكام من لدن عليم خبير، عبر تخطي قوانين هذا النظام الفطري الطبيعي المتوازن، متمثلًا بتدمير الإنسان وخصائصه الإنسانية الفطرية التي فطره الله عليها، والتي من المحال أن تتبدل دون أن تأتي بنتائج مروعة وفساد في الأرض بالغ الأثر! ولا يخفى على ذي لب وبصيرة أن ذاك التفلت، بل والانفلات الخطير، من كل القيود الدينية، والشرائع الروحانية، لن يؤدي إلا إلى مزيد من التدهور والفساد وفقدان التوازن في الأرض، ونقصان كل مقومات العيش السليم والحياة الطبيعية فيها، وهذا ما نراه حاصلًا فعليًّا، وممثلًا على أرض الواقع، بالحروب وبالمجاعات المتفشية وانتشار الأمراض والأوبئة العجيبة والغريبة التي لم نكن نسمع بها من قبل، كالسرطان والسيدا.. إلخ، إذًا، فإن كل هذا الفساد والاختلال في الموازين سببه عائد إلى البُعد عن الشِّرعة والميزان العادل والقويم الذي وضعه الله، وراجع إلى الطغيان أو التخسير فيه.


وهنا يطرح السؤال الكبير نفسه: كيف السبيل إلى إعادة الميزان إلى توازنه الطبيعي، وإعادة الحياة إلى رشدها وصلاحها؟ والإجابة: انطلاقًا مما سبق، وبناءً عليه، هذا الأمر لا يتحقق إلا بالعودة إلى الله، خالق الفطرة السوية ومسويها، واللجوء إلى شرعته القويمة لتحسين الفطرة وإعادتها إلى طبيعتها التي كانت عليها، وعليه، فإن الإجابة قابعة حتمًا في كتاب الله بكل وضوح في قوله جل من قائل: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30]، وبقوله أيضًا: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [هود: 112]، والاستقامة تعني الالتزام بأوامر الله ونواهيه، وعدم تخطيها، ولعل من أجمل تعاريف الاستقامة ما جاء في قول الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال: "الاستقامة: أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعلب"، فتستقيم على ما أمرك الله به في كتابه الكريم وسنة نبيه الأمين، بغير زيادة ولا نقصان؛ أي: بلا طغيان ولا تخسير، وتطبق بذلك قوله جل من قائل: ﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن: 7 - 9].

 

وفي حصيلة الأمر، وما هو محقق في الواقع الذي نعيشه: أن الإنسان الجهول الظلوم، الذي لا يستقيم على أمر الله، لا يمكن له أن يحمل الأمانة، ولا أن يكون الخليفة الذي أراد الله له أن يكون، وأن يصلح في الأرض؛ لأنه ببساطة لم يسِرْ كما أراد الله، وبالتالي فإنه واقع حتمًا في مشيئة الله وشريعته، وإن ذلك القانون الذي يحاول جاهدًا الخروج عليه - وعبثًا يحاول - لا شك أنه سيسري عليه ابتداءً وانتهاءً؛ لأنه محكوم به قبل أن يولد ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾ [الروم: 30]، فلا مجال هنا لأي تبديل أو تغيير، هذا هو الأصل والصواب والوجهة التي ينبغي أن نوجه نحوها وجوهنا؛ لذا فالأولى بالإنسان أن يتبع هذا القانون بملء إرادته؛ لأنه الأصلح له والأنسب، ولأنه يكفل له الفلاح والسعادة في الدارين، ويهيئ له الدرب للخروج من ظلمات الجهل، بطرقه المتعددة المتشعبة، إلى منبع النور الأوحد الذي لا يخبو ولا ينضب؛ قال تعالى: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16].

 

لو أمعنَّا التدبر في هذه الآية، أو في غيرها من الآيات التي تتحدث عن القرآن وما جاء به من نور - لوجدنا أن الوصول إلى هذا النور يتطلب شرطًا أساسيًّا لا يمكن أن تتحقق الهداية دونه، وفي هذا الشرط خاصة يكمن سر النجاة والفلاح، ويتلقى فيض الأنوار.

 

وهذا السر حقيقةً يكمن في ثبوت الإيمان ورسوخه في القلب حد اليقين، والتسليم الكامل لكل ما جاء في الكتاب المبين الذي نزل به الروح الأمين على قلب النبي الصادق ليكون من المؤمنين، ولنكون على أثره كذلك، إذًا فشرط تحقيق الهداية بالقرآن يحتاج للإيمان بالله والتسليم المطلق له، واتباع منهجه الذي ارتضاه، وهذا الشرط - أي: ثبوت الإيمان - يستلزم تعريض القلب المباشر لكلام الله، وجعله يتلقى فيوض الحكمة الربانية بتجرد عن كل هوًى أو رأي خاص مسبق أو لاحق لا يواكب منهج القرآن أو لا يراعي فهم النبي (صلى الله عليه وسلم) وسنته.


ولله الحكمة البالغة، فالله عز وجل كان قادرًا أن ينزل الكتاب علينا جميعًا، مباشرةً دون إرسال رسول، لكن الحكمة الربانية اقتضت أن يكون هناك رسول تنطبق عليه مواصفات العبد المخلص المتجرد، القابل قلبه للإيمان، ليكون نموذجًا يحتذي به كل مسلم لم يدخل الإيمان قلبه بعد، فيصل إلى الهداية بعد تدبر القرآن وسلوك طريق الرسول عليه الصلاة والسلام وسنته المهداة التي لا ينطق فيها عن الهوى؛ إذ إنها هي الأخرى من الوحي أيضًا.


إذًا، لا يمكن أن يكون القرآن لنا نورًا وضياءً وطريقًا للهداية إلا حين يصبح فهمنا له كفهم الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام، كما فهَّمه الله وعلَّمه، ففهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) ومنهجه التطبيقي الذي يترجم منهج القرآن ويوضح ما خفي من آياته عن أفهامنا، هو السبيل الذي أراد الله لنا أن نسلكه، وينهانا الله تعالى في كتابه الكريم عن سلوك سبيل أخرى غيره محذرًا في قوله: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153].


لكن في واقع الأمر هذا لا يحصل، وذلك الفهم لا يتحقق إلا عند قلة من الناس الذين قدر الله لهم الهداية والإيمان الثابت؛ لأنهم سلَّموا لأوامره تسليمًا، واتبعوا منهج رسوله، والسبب في ذلك أن أكثر الناس يتبعون الهوى فيضلون، ويفضلون السير متفرقين، كل حسب رأيه وفهمه وهواه، فتتعدد الطرق، وتتضارب الآراء وتتناقض، ويقع الخلاف، وينتشر الضلال والمضلون، ويتسللون عبر منافذ الثغرات التي فتحتها التعددات المتناقضة والأفهام المتشرذمة غير المحصورة ضمن شروط أو حدود، فيعم الفساد.


ولعل أخطر ما نشهده في أيامنا هذه ظهور بعض المضلين الجاهلين الذين يسمون أنفسهم بالمفكرين الإسلاميين المجددين، والمفسرين القرآنيين المجتهدين، ممن يفتون بالرأي على غير علم، وأغلب هؤلاء من القرآنيين، الذين ينكرون السنة، ويحتجون بالقرآن وحده بحسب أفهامهم الضيقة التي لا تتجاوز دائرة أهوائهم، وحدود عقولهم وأفكارهم الفاسدة الملوثة بعفن الأهواء والشبهات، وهم في الحقيقة أبعدُ ما يكونون عن منهج القرآن! ولعل أكثر ما يجذب الناس للسير خلف دعاة الفكر الضال المشوب، والتنوير المزيف المكذوب، هو دعواهم للتجديد والتطوير والاجتهاد الحر، والإتيان بتفاسير جديدة، وفتاوى عصرية متجددة تلائم العصر وتواكبه - بحسب زعمهم - وتغريرهم الناس بتسييد العقل، كما يفعل الغربيون الضالون، وجعله المسؤول الوحيد المخول للحكم على النصوص والتشريعات، وتبين الصحيح منها أو الفاسد، بغض النظر عن أي علوم أو دراسات سابقة ثابتة، ضاربين بالعلم الصحيح والتراث الثمين عرض الحائط، ظانين أن من شأن هذا أن يبني حضارةً، ويؤسس لتقدم يضاهي تقدم الغرب ونهضته المادية، ناسين أو متناسين أن الحضارة لا تبنى بالعقل وحده، وأنها تحتاج إلى تضافر العناصر المتكاملة الثلاثة وتلاقحها فيما بينها لكي تنمو وتتوازن: الجسم والعقل والروح، والعنصر الأخير خاصة هو ما كانت ولا زالت تفتقر إليه حضارة الغرب منذ صعودها، وهو العنصر نفسه الذي سيؤدي فقدانه حتمًا - عاجلًا أم آجلًا - إلى انحلالها وتفتتها وضياعها، كما أنه العنصر نفسه الذي أدى فقدانه واضمحلاله - أو لنقُلْ: نُدْرته - عندنا إلى سقوطنا تلك السقطة الرهيبة، وسقوط حضارتنا التي شهدت لها العصور والأجيال، فما بُعدنا عن الحضارة وتخلفنا إلا بسبب تهاوننا وبعدنا عن فهم القرآن الصحيح، وجرينا خلف العقل والمادة فقط، فكان العقاب أن فقدنا الاثنين: الروح والعقل، وصرنا مجردين من كل شيء إلا القشور والتقليد! هربنا من الاتباع السليم وتركنا الاستفادة من تراثنا المفيد خشية التكرار الأعمى والتقليد، فوقعنا في فخ التقليد الأعمى لكل ما هو ضار وبغيض لمجرد كونه نتاج فكر جديد، وبتنا في الحضيض!

 

فلا يمكن أن يتحول فهمنا للقرآن إلى هداية وفعل حضاري، إلا حين نعود إلى المنهج الصحيح، والثوابت الأصيلة التي ارتضاها الله لنا، والتي حثنا في كثير من آياته على اتباعها والتمسك بها، فإننا حين نتبع القرآن وفق المنهج الصحيح، منهج الرسول النموذجي، ندرك أنه نزل ناموسًا للحياة بأسرها نسير عليه ونستدل به؛ لأنه دليلنا لتحقيق التوازن في شتى الأمور، ففيه قوانين لنشر العدل المطلق، وإحقاق الحق، ودحض الباطل، وإرساء الأمن، وتحقيق العدالة الاجتماعية عن طريق التكافل والتعاون بين المؤمنين، والتناصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنع الظلم، ونصرة المظلومين، وإصلاح الأرض وتعميرها، وإقامة الوزن بالقسط كما أراد الله، دون طغيان أو تخسير، فنحفظ بهذا الميزان الذي وضعه الله في الأرض حين رفع السماء بغير عمد.

 

ولا يكفي الإيمان الواقر في القلب للوصول بالمسلم نحو الغاية الكبرى، بل ينبغي عليه تصديق إيمانه بالعمل وبالواقع المعيش، عبر حمل هم الدعوة ونشرها وتبليغها وإيصالها إلى كل الناس، ولا ينبغي للمسلم المستقيم أن ينعزل للعبادة في المسجد، ويعتزل الحياة وشؤونها والبناء فيها، بل عليه الإصلاح قدر المستطاع، وعلى شتى الأصعدة، انطلاقًا من أسس دينه ومقوماته وأعمدته، وعليه، تبقى العبادة هي الجوهر والأساس الذي إن صلح صلحت معه كل المقاصد الأخرى، فإن أصلح المسلم قلبه بالعبادة والإيمان صلح جسده، وبالتالي صلحت معه الدنيا بأكملها؛ لأنه إنما يسعى ويجدُّ بهذا الجسد الذي يترأسه القلب، ويحدد صلاح أعماله أو فسادها، كما هو مبيَّنٌ في قول رسولنا الكريم: ((ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب))؛ [أخرجه البخاري في الصحيح].

 

والسؤال: كيف يمكن تحقيق هذا على أرض الواقع؟ كيف يمكن أن يتحول فهمنا للقرآن إلى هداية وفعل حضاري؟ وبمعنًى آخر: كيف يمكن للإسلام أن يصبح مؤثرًا فعليًّا وحضاريًّا بين الأمم والشعوب، وهو الذي يفوق الحضارة في تعريفها وحقيقتها سعةً وشموليةً وكمالًا؟

والإجابة: يمكن تحقيق ذلك عبر التجسيد الحي للإسلام في جسد المجتمع المتحرك، وعبر تمثيل المسلمين الصحيح لقِيَمِ دينهم القويم وتعاليمه السامية في مجتمع حقيقي منتج فاعل في شتى الميادين، دينيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وتربويًّا وفكريًّا، صناعيًّا وتجاريًّا وعلميًّا وفنيًّا - وأعني بهذا الفن الإسلامي الأصيل المعنى بالجمال والإبداع الذي لا يتخطى حدود الدين، بل يستمد منه ومن قيمه جماليته وروعته - وإلى ما هنالك من ميادين متعددة ومتشعبة يحتاجها المجتمع الإسلامي المتوازن المتكامل لكي يحيا وينتج ويبهر ويجذب أنظار الأمم والحضارات الأخرى إليه، فتعجب وتثني وتتأثر وتتغير وتتشرب من قيمه الأخلاقية السمحة ومبادئه الروحانية السامية التي لا تنفصل عن الإبداع والتميز والابتكار والكشف بأي شكل من الأشكال، بل تتسق معها وتتكامل لتنتج منهجًا قويمًا للحياة، متكاملًا شاملًا، يفوق الحضارة ويحتويها، منهجًا متوازنًا متسقًا، جوهره الروح، وساعده العقل، وقوامه الإنسان، وغايته الأولى والأخيرة مرضاة الرحمن، وتحقيق إرادته ومشيئته، بجعل الأرض مكانًا أفضل للعيش والسعي الدؤوب في مسالك الخير ومدارج التعارف والتآلف والائتلاف، وتبادل الخبرات والعلوم والمنافع ضمن أطر سليمة بينة لا لبس فيها ولا تدليس.

 

وبهذا نكون مجتمعًا يفسر قوله تعالى بوضوح: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143].

 

نسأل الله أن يجعلنا من أهل ذاك المجتمع الإسلامي الحقيقي الحي المفتقد، الذي طال زمن انتظاره، وأن يجعلنا من أبنائه، والساعين دومًا لجعله يكبر ويتوسع ويتمدد حتى يملأ الدنيا بأسرها حضارةً ورقيًّا؛ فاللهم هيئ لنا ذلك الجيل وأولئك الشباب الخلص الأتقياء الأنقياء الأقوياء الأذكياء، الذين ستعود النهضة بإذن الله لتُبنى على سواعدهم وعقولهم وأفئدتهم معًا، فتعيد لنا معها أمجاد الإسلام الذي إن ولَّى أتباعُه المستقيمون عن هداه ولَّى!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فاستقم كما أمرت
  • فاستقم كما أمرت ومن تاب معك
  • لا وجود له
  • فاستقم كما أمرت

مختارات من الشبكة

  • فاستقم كما أمرت (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عيد الفطر {فاستقم كما أمرت}(مقالة - ملفات خاصة)
  • تأملات في قوله تعالى: ( فاستقم كما أمرت )(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • خطبة: {فاستقم كما أمرت}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • { فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا }(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فاستقم كما أمرت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فاستقم كما أمرت (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاستقامة (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • تفسير قوله تعالى: { فاستقم كما أمرت }(محاضرة - موقع الشيخ د. عبدالله بن وكيل الشيخ)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 6/12/1446هـ - الساعة: 0:46
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب