• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / شبهات فكرية وعقدية
علامة باركود

عفوا يا حضرة المثقف.. المسجد الأقصى ليس في الطائف!

عفوا يا حضرة المثقف.. المسجد الأقصى ليس في الطائف!
د. محمد إبراهيم العشماوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/12/2015 ميلادي - 16/3/1437 هجري

الزيارات: 23158

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عفوًا يا حضرة المثقف..

المسجد الأقصى ليس في الطائف!

 

كانت كلمة (المثقف) تعني - قديمًا - ذلك الرجل الذي يحمل عقلًا كبيرًا، وفكرًا مستنيرًا، ويجمع أطرافًا متنوعة من علوم وفنون شتى، وكانت له - بحكم تكوينه العقلي وثقافته المتنوعة - نظرة خاصة في تقدير الأمور، تختلف عن نظرات العامة من غير المثقفين، ولكنها - في كل الأحوال - لم تكن تخرج عن مقررات العقول، ولم تكن تنِدُّ عن الأصول المتعارف عليها بين الناس!

 

ولقد كان المثقفون في كل أمة هم عنوانَ نهضتها، ودليلَ حضارتها، وسرَّ تميُّزها بين الأمم!

 

واليوم يعاني كثير من المثقفين من أزمات نفسية معقَّدة، جعلت من الصعب عليهم أن يقوموا بدورهم في بناء الفكر، وتصحيح الوعي، وترميم العقول، وأصبحوا اليوم عبئًا على الأمم، وكلًّا على الشعوب!

 

ولعل السبب الرئيس - فيما يبدو لي - أن بعض هؤلاء ليسوا حملةَ رسالة، وإنما هم طلَّابُ منافع، وأصحاب توجهات، ولهم أمانيُّ وتطلعات ربما حُرموا من نيل بعضها، فهم يريدون أن يوجهوا ثقافة الشعوب إلى ما يصلون به إلى تحقيق أمانيهم، وبعضهم قد خبَتْ عنه أضواء الشهرة، وراح طيَّ النسيان، فأراد أن يقول للناس: أنا حي لم أمت، فيهدم حقائق التاريخ، ويكذِّب ضروريات العلم، وينتهي الأمر به إلى تزييف الوعي، وتضليل العقول، وغايته بهذا الفعل الساقط المتردي أن ينتقم لمشاعره الجريحة ممن لم يقدروه حقَّ قدره، وأن يسترد كرامته المسلوبة؛ بأن يَلفت الأنظار إليه عَنْوة بعد أن غابت عنه الأضواء، وارتفع عنه من كان دونه، ممن لا يستحق - في نظره - أن يكون شيئًا مذكورًا، وفي مثل هؤلاء المأزومين نفسيًّا يقول الشاعر:

أتَهْدِمُ أمَّةً لتَشيدَ فردًا ♦♦♦ على أنقاضِها، بئس البناءُ!

 

وهذا حال أغلب المثقفين في العالم، لا فرق بين شرقيه وغربيه، ولا عربيه وعجميه، لا سيما بعد سقوط الأنظمة، وانهيار الدول، وكثرة الإغراءات والمطامع، وتنافس الناس عليها، وتغايرهم فيها تغايُر التيوس؛ فقد أصبحوا أداة في أيدي الحكام والمنظمات الدولية وأجهزة الاستخبارات، مثلما أصبح الإعلام وغيره من أجهزة الدولة، ومثلما كان المستشرقون قديمًا طلائع الاستعمار!

 

ولست أريد أن أذهب بعيدًا، ولا أنا ممن يحب أن يتكلم كثيرًا في أحوال الناس إلا بقدر الضرورة، كما أنني لست أحب الردود العلمية على الآراء والأفكار، وأراها مرعًى خصيبًا لحظوظ النفس الأمَّارة بالسوء، وإظهارها بمظهر البطل المدافع عن الإسلام، فيكتسب بذلك جاهًا في القلوب، مع أن أمثال هذه الردود من فروض الكفايات على أحسن الأحوال؛ وذلك لأنها معترك يُكثر الناسُ مِن خوضه، حتى من كان منهم لا يُحسن حمل السلاح!

 

ولولا أن بعض الأفاضل استحثَّني على الرد، ووجدت في نفسي نشاطًا لذلك، ما فعلت، والأمر أقلُّ من أن يُهتمَّ لأجله، أو يَتداعى الناس له؛ فهو من التفاهة بمنزلة من قال للناس: إن الشمس تشرُقُ من المغرب، وإن الكعبة ليست في مكة، وإنه لا يوجد بلد يسمى أمريكا!

 

وهذه آفة المسلمين التي نريد أن نقضي عليها، أنهم كلما سمعوا هَيْعة طاروا إليها، حتى ولو كانت كالحَمْل الكاذب، وفي هذا فرح الأعداء باستخفاف عقول المسلمين، وشغلهم عن واجبات الأوقات، وصرفهم عن أولويات دينهم ودنياهم!

 

فالذي يقول: إن المسجد الأقصى ليس بفلسطين، وإنه وقت وقوع الإسراء لم يكن اسمه المسجد الأقصى ولا بيت المقدس، وإنما كان اسمه إيلياء، وإن المسجد الأقصى الذي وقع إليه الإسراء كان بالطائف - مكذِّب للقرآن وللسنة، وللإجماع وللغة، وللعقل وللتاريخ!

 

فإن كان يعتقد صحة ما قال حقًّا، فعلى نفسه جنى، ودِينَه أضاع!

 

وإن لم يكن يعتقد صحته، فهذا شأن آخر، ﴿ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [القصص: 69]!

 

القرآن يسميه المسجد الأقصى، ويحدد مكانه بفلسطين!

 

فأول من سماه المسجد الأقصى، وحدد مكانه بأنه في فلسطين من أرض الشام: القرآن الكريم؛ قال تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].

 

فإن قال: ليس في الآية تحديد لموضعه بأنه مسجد بيت المقدس بفلسطين؟

 

قلنا: هذا كلام العامِّي الجاهل، الذي لا يفهم لغة القرآن، والذي لا يعلم أن تعريف الشيء قد يكون بالنص، وقد يكون بالوصف، وقد يكون صراحة، وقد يكون بالإشارة المفهِمة، ولا يمكن لمثقف أَلِف قراءة: "ألف ليلة وليلة"، وأَدْمَن: "كَلِيلة ودِمْنة"، وهامَ مع: "هامْلِتْ"، واعتزل مع "عَزازيِل" - أن يفهم من لغة القرآن ما يفهمه العرب الأقحاح!

 

فلقد فهم جميع المفسرين قاطبة أن المراد بالمسجد الأقصى: مسجد بيت المقدس، بفلسطين، ونصوا على ذلك بالحرف والكلمة، وها هي قائمة بأسمائهم مرتبة على الوفَيَات:

1 - مقاتل بن سليمان (توفي: 150 هـ): تفسيره (2/ 513).

2 - يحيى بن سلام القيرواني (توفي: 200 هـ): تفسيره (1/ 101).

3 - عبدالرزاق بن همام الصنعاني (توفي: 216 هـ): تفسيره (1/ 365).

4 - محمد بن جرير الطبري (توفي: 310 هـ) جامع البيان، تحقيق: شاكر (17/ 333).

5 - أبو الليث السمرقندي (توفي: 373 هـ): بحر العلوم (2/ 300).

6 - أبو إسحاق الثعلبي (توفي: 427 هـ): الكشف والبيان عن تفسير القرآن (6/ 55).

7 - أبو الحسن الماوردي (توفي: 450 هـ): النكت والعيون (3/ 226)

8 - أبو الحسن الواحدي (توفي: 468 هـ): التفسير الوسيط (3/ 94).

9 - أبو المظفر السمعاني (توفي: 489 هـ): تفسير السمعاني (3/ 214).

10 - أبو محمد البغوي (510 هـ): معالم التنزيل (3/ 105).

11 - جار الله الزمخشري (توفي: 538 هـ) في معرض تحقيقه لمسألة لغوية: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (1/ 610).

12 - أبو محمد ابن عطية (توفي: 548 هـ): المحرَّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (3/ 434).

13 - أبو الفرج ابن الجوزي (توفي: 597 هـ): زاد المسير في علم التفسير (3/ 8).

14 - الفخر الرازي (توفي: 606 هـ): مفاتيح الغيب = التفسير الكبير (20/ 117).

15 - القرطبي (توفي: 671 هـ): الجامع لأحكام القرآن (10/ 210 - 212).

16 - القاضي البيضاوي (توفي: 685 هـ): أنوار التنزيل وأسرار التأويل (3/ 247).

17 - النسفي (توفي: 710 هـ): مدارك التنزيل وحقائق التأويل (2/ 245).

18 - ابن جُزَيٍّ الكلبيُّ (ت: 741 هـ): التسهيل لعلوم التنزيل (1/ 440).

19 - الخازن (توفي: 741 هـ): لباب التأويل في معاني التنزيل (3/ 109).

20 - الحافظ ابن كثير (توفي: 744 هـ): تفسير القرآن العظيم/ دار الفكر (3/ 7).

21 - أبو حيان الأندلسي (توفي: 745 هـ): البحر المحيط (7/ 10).

22 - ابن عادل (توفي: 775 هـ): اللباب في علوم الكتاب (12/ 196).

23 - البقاعي (توفي: 885 هـ): نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (11/ 289).

 

وأكتفي بهذا القدر من المفسرين، فغيرهم ممن جاء بعدهم ناقل عنهم، ومردِّد لما قالوه،ولنا مع هذه النقول وقفتان:

الأولى: أن بعضهم نقل الاتفاق، وحكى التواتر على أن المراد: المسجد الأقصى ببيت المقدس، قال الفخر الرازي: اتفقوا على أن المراد منه بيت المقدس،وكذا قال ابن عادل في اللباب.

 

وقال ابن عطية: ووقع الإسراء في جميع مصنفات الحديث، وروي عن الصحابة في كل أقطار الإسلام؛ فهو من المتواتر بهذا الوجه، وذكر النقاش ممن رواه عشرين صحابيًّا؛ فروى جمهور الصحابة، وتلقى جُلُّ العلماء منهم: أن الإسراءَ كان بشخصه صلى الله عليه وسلم، وأنه ركب البُرَاق من مكة، ووصل إلى بيت المقدس، وصلى فيه.

 

الثانية: أن بعض المفسرين لم يَكْتفِ بالقول بأن المسجد الأقصى هو مسجد بيت المقدس، بل حدَّد موضعه، ووصف مكانه، مع كونه معلومًا بالضرورة دينيًّا وتاريخيًّا وجغرافيًّا، وكذا المسجد الحرام!

 

وكأنه يعلم أننا سنُبتلى في زماننا هذا بمن تختلط عليهم مواقع الأرض، وتلتبس عليهم معالم الجغرافيا، فلا يفرقون بين شرق وغرب، ولا شمال وجنوب، ولا يعرفون أين تقع مقدسات المسلمين!

 

قال ابن جرير: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن الله عزَّ وجلَّ أخبر أنه أسرى بعبده من المسجد الحرام،والمسجد الحرام هو الذي يتعارفه الناس بينهم إذا ذكروه، وقوله: ﴿ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ﴾ [الإسراء: 1] يعني: مسجد بيت المقدس، وقيل له: الأقصى؛ لأنه أبعد المساجد التي تزار، ويُبتغَى في زيارته الفضل بعد المسجد الحرام،فتأويل الكلام: تنزيهًا لله، وتبرئة له مما نحله المشركون من الإشراك والأنداد والصاحبة، وما يجلُّ عنه جلَّ جلاله، الذي سار بعبده ليلًا من بيته الحرام إلى بيته الأقصى.

 

وقال أبو الليث السمرقندي: ﴿ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ [الإسراء: 1]: من الحرم، من بيت أم هانئ بنت أبي طالب، ﴿ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ﴾ [الإسراء: 1] أي: الأبعد،يعني: إلى مسجد إيلياء، وهو بيت المقدس، ﴿ الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾ [الإسراء: 1] بالماء والأشجار، وهو المدائن التي حوله، مثل: دمشق والأردن وفلسطين.

 

وقال أبو الحسن الماوردي: وقوله تعالى: ﴿ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ﴾ [الإسراء: 1] يعني بيت المقدس، وهو مسجد سليمان بن داود عليهما السلام، وسمي الأقصى؛ لبُعْد ما بينه وبين المسجد الحرام،ثم قال تعالى: ﴿ الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾ [الإسراء: 1] فيه قولان: أحدهما: يعني بالثمار ومجاري الأنهار،الثاني: بمن جعل حوله من الأنبياء والصالحين؛ ولهذا جعله مقدسًا.

 

وقال ابن جُزَيٍّ الكلبي: يعني بالمسجدِ الحرام: مسجدَ مكة المحيط بالكعبة، وقد روى في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: بينما أنا نائم في الحِجْر إذ جاءني جبريل، وقيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء في بيته؛ فالمسجد الحرام على هذا: مكة؛ أي: بلد المسجد الحرام،وأما المسجد الأقصى فهو بيت المقدس الذي بإيلياء، وسُمِّي الأقصى؛ لأنه لم يكن وراءه حينئذ مسجد، ويحتمل أن يريد بالأقصى الأبعد، فيكون المقصد إظهار العجب في الإسراء إلى هذا الموضع البعيد في ليلة.

 

وقال ابن كثير: ﴿ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ [الإسراء: 1] وهو مسجد مكة، ﴿ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ﴾ [الإسراء: 1] وهو بيت المقدس الذي بإيلياء، معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل عليه السلام؛ ولهذا جمعوا له هناك كلهم، فأمَّهم في محلَّتهم ودارهم؛ فدلَّ على أنه هو الإمام الأعظم، والرئيس المقدَّم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.

 

وقال البقاعي: ﴿ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ [الإسراء: 1]؛ أي: من الكعبة المشرفة مسجد إبراهيم عليه السلام، قيل: كان نائمًا في الحطيم، وقيل: في الحِجْر، وقيل: في بيت أم هانئ - وهو قول الجمهور، فالمراد بالمسجد حينئذ الحرم؛ لأنه فناء المسجد، ﴿ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ﴾ [الإسراء: 1]؛ أي: الذي هو أبعد المساجد حينئذ، وأبعد المسجدين الأعظمين مطلقًا من مكة المشرفة، بينهما أربعون ليلة، فصلى بالأنبياء كلهم: إبراهيم وموسى ومن سواهما - على جميعهم أفضل الصلاة والسلام، ورأى من آياتنا ما قدرناه له، ورجع إلى بين أظهركم، إلى المسجد الأقرب منكم في ذلك الجزء اليسير من الليل، وأنتم تضربون أكباد الإبل في هذه المسافة شهرًا ذهابًا وشهرًا إيابًا.

 

والخلاصة: أن القرآن أفاد أن الإسراء وقع من المسجد الحرام الذي يتعارفه الناس بمكة المكرمة، إلى المسجد الأقصى بإيلياء، أو ببيت المقدس، أو بأُورَى شَلَّمْ - كلها أسماءٌ لمسمًّى واحد، هو هذا المكان، كما سيأتي تقريره - وأن القرآن هو الذي سماه المسجد الأقصى، وليس القصي؛ أي: الأبعد عن مسجد مكة، والذي ليس وراءه مسجد، ولا يتحقق هذا الوصف في الطائف، ولا في غيرها من البلاد المجاورة لمكة، كما لا يتحقق وصف البركة حوله، لا فيه - لا سيما المعنوية منها - على وجه الأرض، في ذلك الزمان، في بقعة غير مكة، سوى بيت المقدس بفلسطين؛ لكونها معاهد الأنبياء والمرسلين، ومشاهد الأولياء والصالحين، وكيف يتم الإعجاز إذا وقع الإسراء إلى الطائف وبينها وبين مكة أقل من مسيرة ليلة؛ فإنها يمكن المجيء إليها والرجوع منها في ليلة بسير الخيل والإبل، فأين هذا من مسيرة شهرين ذهابًا وإيابًا؟!

 

ولو كان كذلك، لكان تصديرُ السورة بالتسبيح المفيد لتنزيه الله عن المطاعن لغوًا من الكلام؛ تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا!

 

السنَّة النبوية تسميه المسجد الأقصى تارة، وبيت المقدس تارة، وتحدِّد موضعه بفلسطين:

فأما تسميته بالمسجد الأقصى فقد وقع في بعض الأحاديث والآثار، ومن ذلك:

ما أخرجه ابن عرفة في جزئه المشهور، وأبو نعيم في الدلائل، وابن عساكر في تاريخه من طريق أبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثم اندفعنا حتى انتهينا إلى المسجد الأقصى، فنزلت، فربطت الدابة بالحلقة التي في باب المسجد، التي كانت الأنبياء عليهم السلام تربط بها، ثم دخلت المسجد، فعرفت النبيين من بين قائم وراكع وساجد)).

 

وأخرج أحمد وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والضياء في المختارة - بسند صحيح - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى قام يصلي، ثم التفتَ فإذا النبيُّون أجمعون يصلُّون معه.

 

وأخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)).

 

وأخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)).

 

وأخرج البخاري ومسلم عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ مسجدٍ وُضِع أول؟ قال: ((المسجد الحرام))، قلت: ثم أي؟ قال: ((المسجد الأقصى))، قلت: كم بينهما؟ قال: ((أربعون سنةً))، قلت: ثم أي؟ قال: ((حيثما أدركَتْك الصلاة، فصلِّ؛ فكلها مسجدٌ)).

 

ومما جاء في تسميته ببيت المقدس: ما أخرجه ابن أبي شيبة وابن مردويه من طريق ثابت عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أُتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل، فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرَفه، فركبته حتى أتيت بيت المقدس، فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت ركعتين)).

 

وأخرج النسائي وابن مردويه من طريق يزيد بن أبي مالك، عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أُتيت ليلة أسرى بي بدابة فوق الحمار ودون البغل، خَطْوُها عند منتهى طرَفها، كانت تسخَّر للأنبياء قبلي، فركبتُه ومعي جبريل، فسِرْت، فقال: انزل فصلِّ، ففعلت، فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بطيبة، وإليها المهاجر إن شاء الله،ثم قال: انزل فصلِّ، ففعلت، فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بطور سيناء، حيث كلم الله موسى،ثم قال: انزل فصلِّ، فصليت، فقال: أتدري أين صليت؟ صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى، ثم دخلت بيت المقدس، فجمع لي الأنبياء عليهم السلام، فقدمني جبريل، فصليت بهم)).

 

وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن يزيد بن أبي مالك، عن أنس رضي الله عنه قال: فلما بلغ بيت المقدس أتى إلى الحجر الذي ثمة، فغمزه جبريل عليه السلام بإصبعه، فثقبه، ثم ربطها، ثم صعد)).

 

وأخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طريق عبدالرحمن بن هاشم بن عتبة عن أنس رضي الله عنه قال: حتى انتهى إلى بيت المقدس، فعرض عليه الماء والخمر واللبن، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن، فقال له جبريل عليه السلام: ((أصبتَ الفطرة)).

 

وأخرج البزار وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل، وصححه، عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: ((ثم بلغنا أرضًا بدت لنا قصورها، فقال: انزل، فنزلت، ثم قال: صلِّ، فصليت، ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ فقلت: الله أعلم،فقال: صليت ببيت لحم، حيث ولد عيسى المسيح ابن مريم)).

 

وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه من طريق محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن أبيه عبدالرحمن عن أبيه أبي ليلى وفيه: ثم انطلقا حتى أتيا بيت المقدس.

 

وأخرج الحارث بن أبي أسامة والبزار والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل وابن عساكر من طريق علقمة رضي الله عنه، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثم مضينا حتى أتينا بيت المقدس)).

 

وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أم هانئ رضي الله عنها قالت: ((ثم انطلق حتى أتى بي إلى بيت المقدس)).

 

وأخرج أبو يعلى وابن عساكر عن أم هانئ رضي الله عنها قالت: ((حتى انتهينا إلى بيت المقدس)).

 

وأخرج الترمذي والبزار والحاكم، وصححه، وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما كان ليلة أسري بي، أتى جبريل الصخرة التي ببيت المقدس، فوضع أصبعه فيها، فخرقها، فشد بها البراق)).

 

وأخرج أحمد وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني ليلة أسري بي وضعت قدمي حيث توضع أقدام الأنبياء عليهم السلام من بيت المقدس)).

 

وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن عبدالله بن عمر وأم سلمة وعائشة وأم هانئ وابن عباس رضي الله عنهما، دخل حديث بعضهم في بعض، قالوا: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة من شِعب أبي طالب إلى بيت المقدس،وفيه: وخرج العباس رضي الله عنه حتى إذا بلغ ذا طوى، فجعل يصرخ: يا محمد، يا محمد، فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لبيك لبيك))،فقال: ابن أخي، أعييتَ قومك منذ الليلة، فأين كنت؟ قال: ((أتيت من بيت المقدس))،قال: في ليلتك؟ قال: ((نعم)).

 

وأخرج مسلم والنسائي وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد رأيتني في الحِجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربًا ما كربت مثله قط، فرفعه الله لي أنظر إليه، ما سألوني عن شيء إلا أنبأتهم به)).

 

وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن مردويه وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، ثم جاء من ليلته، فحدثهم بمسيره وبعلامة بيت المقدس وبعيرهم، فقال ناس: نحن لا نصدق محمدًا بما يقول، فارتدوا كفارًا، فضرب الله رقابهم مع أبي جهل.

 

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والنسائي والبزار والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والضياء في المختارة وابن عساكر بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني أسري بي الليلة))، قالوا: إلى أين؟ قال: ((إلى بيت المقدس))،قالوا: إيليا؟ قال: ((نعم))،قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانَيْنا؟! قال: ((نعم)).

 

وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما كذبتني قريش لما أسري بي إلى بيت المقدس، قمت في الحِجر، فجَلَا الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه)).

 

وأخرج الواسطي من طريق أبي حذيفة مؤذن بيت المقدس عن جدته أنها رأت صفيةَ زوج النبي رضي الله عنها وكعبًا رضي الله عنه يقول لها: يا أم المؤمنين، صلِّي ها هنا؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالنبيين عليهم السلام حين أسري به ها هنا، وأومأ أبو حذيفة بيده على القبلة القصوى في دبر الصخرة.

 

وأخرج الواسطي عن الوليد بن مسلم رضي الله عنه قال: حدثني بعض أشياخنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على بيت المقدس ليلة أسري به، فإذا عن يمين المسجد وعن يساره نوران ساطعان، فقلت: ((يا جبريل، ما هذان النوران؟ قال: أما هذا الذي عن يمينك فإنه محراب أخيك داود - عليه السلام -وأما هذا الذي عن يسارك فعلى قبر أختك مريم)).

 

ومما اجتمعت فيه التسميتان:

ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾ [الإسراء: 1] الآية.

 

قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فحمله على البراق، فسار به إلى بيت المقدس.

 

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله بالمدينة عن ليلة أسري به من مكة إلى المسجد الأقصى، وفيه: ((حتى أتيت بيت المقدس، فأوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء عليهم السلام توثقها بها)).

 

وأخرج البزار وأبو يعلى وابن جرير ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة وابن أبي حاتم وابن عدي وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1]، وفيه: ثم سار حتى أتى بيت المقدس، فنزل، فربط فرسه إلى صخرة، ثم دخل، فصلى مع الملائكة عليهم السلام.

 

وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما أُسرِي بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى، أصبَح يحدِّث الناس بذلك، فارتد ناسٌ ممن كانوا آمنوا به وصدَّقوه،وسعوا بذلك إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا: هل لك في صاحبك؛ يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس؟ قال: أوَقال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن قال ذلك لقد صدق!

 

ولنا مع هذه الأحاديث والآثار وقفة تأملية؛ فإن من الملاحظ أن بعضها حدد - بكل دقة - مكان هذا المسجد، وذكر بعض المعالم الهادية إليه؛ فإن المتجه إلى الطائف لا يمر بطيبة، ولا بطور سيناء، وإنما هذا طريق المتجه إلى بيت المقدس، حيث تقع إلى الشرق من مصر، التي شرفها الله وباركها بمرور موكب سيد العالمين!

 

ثم أين يوجد بيت لحم الذي ولد فيه عيسى عليه السلام؟ وأين يوجد محراب داود وقبر مريم؟ وأين توجد الصخرة المقدسة التي كان يربط فيها الأنبياء دوابهم؟

 

وأين كانت معاهد الأنبياء والمرسلين، ولا نعلم نبيًّا خرج من الطائف، إلا أن يكون مسيلِمة الكذاب؟!

وهل عرف في أي عصر من عصور التاريخ أن الطائف كانت تسمى بإيلياء؟

 

وأين هذا الأقصى المزعوم بالطائف؟ ألا يوجد له أثر إلى الآن؟ أم طمسته عوامل التعرية؟! ولو كان موجودًا في مكان قريب يسهل الوصول إليه، وليس واقعًا تحت سلطة الاحتلال، لأمكن لجميع المسلمين أن يشدوا الرحال إليه ابتغاء الأجر فيه؟! ولم يتحرقوا شوقًا إلى تحريره، وينالوا فضل الشهادة في سبيله؟!

 

أم ترى المسلمين كلهم على ضلال، وقد برئت منهم عقولهم حتى آمنوا بأسطورة لا وجود لها إلا في خيالهم؟

 

أم ترى القرآن خدعهم طيلة هذه القرون بوهم الإسراء والمعراج، كما خدعهم نبيهم، وما هي إلا فزعة في جوف الليل فزعها إلى الطائف، ثم عاد؟ سبحانك هذا بهتان عظيم!

 

اللهم إنا نبرأ إليك من ضلال عقولنا، ونعوذ بك من شرور نفوسنا، ونسألك أن تعصمنا من الفتن!

 

المسجد الأقصى وبيت المقدس في لغة العرب:

أما المسجد الأقصى فهي تسمية القرآن والسنة لهذا المكان المبارك، كما قدمنا ذكره، لم يسمها بشرٌ، وهي ليست تسمية حادثة، كما يزعم المثقف، وكذلك التسمية ببيت المقدس وقعت في كلام النبوة، وفي كلام الصحابة في العصر الأول، وليست حادثة بعد، ولكن هل هذا المكان هو الموجود حاليًّا بفلسطين أم هو مكان آخر، كما يزعم المثقف؟!

 

لنرَ ماذا قال أهل اللسان العربي، الذي نزل به القرآن، ونفهم منه ما يفهمه العرب، لا ما يفهمه الهنود والأعاجم!

 

قال عياض (توفي: 544 هـ) في مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 59): إيلياء بكسر أوله ممدود بيت المقدس، وقيل: معناه بيت الله، وحكى أبو عبيد البكري أنه يقال بالقصر أيضًا، ولغة ثالثة: إلياء، بحذف الياء الأولى وسكون اللام، وهو الأقصى أيضًا؛قال الله تعالى: ﴿ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ﴾ [الإسراء: 1]،وجاء في الحديث: مسجد الأقصى، على الإضافة.

 

قلت: رواه الخطابي في غريب الحديث (1/ 132) بلفظ: ومسجد بيت المقدس.

 

وقال الأزدي (توفي: 488 هـ) في تفسير غريب ما في الصحيحين (ص: 275): مسجد إيليا: هو المسجد الأقصى الذي ببيت المقدس.

 

وقال الخليل بن أحمد (توفي: 170 هـ) في العين (8/ 357): وإيلياء: هي مدينة بيت المقدس.

 

وقال الحميري (توفي: 900 هـ) في الروض المعطار في خبر الأقطار (ص: 556): المقدس: بإيليا، وكورة إيليا من فلسطين.

 

فقد أفادت هذه النصوص أن إيلياء هي مدينة بيت المقدس، أو التي يوجد بها بيت المقدس، وبيت المقدس، ويقال له: البيت المقدس، هو المسجد الأقصى، أو الذي به المسجد الأقصى، وإيلياء تاريخيًّا هي فلسطين، أو جزء من فلسطين، وليست مكانًا آخر من العالم!

 

ولا يخفى أن كلمة بيت المقدس عربية، وأما اشتقاقها، فقال ابن دريد (توفي: 321 هـ) في جمهرة اللغة (2/ 646): والتقديس: التطهير...وقال قوم: بل التقديس البركة، وبه سميت الشام الأرض المقدسة...واشتقاق بيت المقدس من التقديس، وهو التطهير أيضًا.

 

وأما إيلياء بالمد وإيليا بالقصر فهما أعجميان معربان، قال الأزهري (توفي: 370 هـ) في تهذيب اللغة (15/ 332): إيلياء: وإيلياء: مدينة بيت المقدس، ومنهم من يقصر فيقول: إيليا، وكأنهما روميان.

 

ونقل ابن بري (توفي: 582 هـ): في التعريب والمعرب وهو المعروف بحاشية ابن بري (ص: 37) عن أبي منصور قال: إيلياء بيت المقدس أيضًا، وهو معرب.

 

ومن أسمائها أورى شلم، وهي لفظة عبرانية، وتعريبها: أورسلم.

 

روى إبراهيم الحربي (توفي: 285 هـ) في غريب الحديث (2/ 789) من طريق ضمرة، عن ابن عطاءٍ، عن أبيه، في بعض الكتب: "أبشري أورى شلم براكب الحمار"، يريد بيت المقدس، قال الأعشى:

وقَدْ طُفْتُ للمالِ آفاقَه ♦♦♦ عُمَانَ فحِمْصَ فأُورَى شَلَم

 

وقال أبو نصرٍ: وأورى شلم، قال: هذا بالعبرانية.

 

وقال الجوهري (توفي: 393 هـ) في الصحاح (5/ 1961): [شلَّم] شلَّم، على وزن بقَّم: موضع بالشام، ويقال: هو اسم مدينة بيت المقدس بالعبرانية،وهو لا ينصرف للعجمة ووزن الفعل.

 

وقال المجد ابن الأثير (توفي: 606 هـ) في النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 80) تعليقًا على بيت الأعشى:

والمشهور أُورَى شلَّم بالتشديد، فخففه للضرورة، وهو اسم بيت المقدس،ورواه بعضهم بالسين المهملة وكسر اللام كأنه عربه، وقال: معناه بالعبرانية: بيت السلام،وروي عن كعب: أن الجنة في السماء السابعة بميزان بيت المقدس والصخرة، ولو وقع حجر منها وقع على الصخرة؛ ولذلك دعيت أورسلم، ودعيت الجنة دار السلام.

 

ومن أسمائها: فلسطين.

 

قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 471): فِلَسْطين هي بكسر الفاء وفتح اللام: الكورة المعروفة فيما بين الأردنِّ وديار مصر، وأم بلادها بيت المقدس.

 

ومن أسمائها - وهو غريب -: صِهْيَوْن!

 

قال الفيروزابادي (توفي: 817 هـ) في القاموس المحيط (ص: 1304): وصِهْيَوْن، كبِرْذَوْنٍ: بيت المقدس، أو موضع به، زاد الزبيدي (توفي: 1205 هـ) في تاج العروس (38/ 452): وإليه أضيف أحد أبوابها، وهو مشرفٌ على الخندق المسمى بوادي النار، (أو الروم)، عن أبي عمروٍ أيضًا، وأنشد للأعشى:

وإنْ أَحْلبَتْ صِهْيَوْنُ يومًا عليكما ♦♦♦ فإنَّ رَحَى الحربِ الدَّكوكِ رَحَاكُما

 

وقال أبو سعد السمعاني (توفي: 569 هـ) في الأنساب (12/ 389) في نسبة (المقدسي): بفتح الميم وسكون القاف وكسر الدال والسين المهملتين، هذه النسبة إلى بيت المقدس، وهي البلدة المشهورة التي ذكرها الله تعالى في القرآن في غير موضع، وفيها المسجد الأقصى، وقبة الصخرة، والمواضع الشريفة، وكان إليها قبلة المسلمين سبعة عشر شهرًا أول ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، كثر بها الأئمة والمحدثون قديمًا وحديثًا، واستولى عليها الإفرنج سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، وهي في يدهم إلى الساعة - ردها الله تعالى إلى المسلمين!

 

ولنا مع هذه النقول وقفة؛ فإن هذه المدينة كثرت أساميها، العربية منها والأعجمية، وقد عرفها العرب بأساميها جميعًا، وإن اشتهر بينهم تسميتها بإيلياء، وببيت المقدس، وبالمسجد الأقصى، وبفِلَسْطين، وبأورشلم على قلة، كما وقع في شعر الأعشى، وبصِهْيَوْن على ندرة، وتسميتها بالمسجد الأقصى وقعت في القرآن والسنة، وتسميتها ببيت المقدس وقعت في السنة، وكل هذه الأسامي عندهم تشير إلى مكان واحد، هو المعروف حاليًّا للجاهل فضلًا عن العالم، وللأمي فضلًا عن المتعلم، وهو مسرَى رسولنا الكريم، وقبلة المسلمين الأولى التي دنسها اليهود، وانتزعوها عَنْوَة من بلاد الإسلام!

 

وأما ما زعمه المثقف، وسبقه إليه كاتبون مرجفون منذ سنوات لِهَوًى في نفوسهم، من أن الواقدي ذكر أن المسجد الأقصى في الطائف أو في طريق الطائف - فهاكَ كلامَ الواقدي بنصه؛ ليتبين مدى سخف استدلالهم وتحريفهم للكلم عن مواضعه،قال الواقدي (توفي: 207 هـ) في كتابه المغازي (3/958): وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليالٍ خلون من ذي القعدة، فأقام بالجعرانة ثلاث عشرة، فلما أراد الانصراف إلى المدينة خرج من الجعرانة ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة بقيت من ذي القعدة ليلًا، فأحرم من المسجد الأقصى الذي تحت الوادي بالعدوة القصوى، وكان مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان بالجعرانة، فأما هذا المسجد الأدنى، فبناه رجلٌ من قريشٍ، واتخذ ذلك الحائط عنده.

 

فهل يستطيع عاقل أن يفهم من هذا الكلام أن مراد الواقدي المسجد الأقصى الذي وقع إليه الإسراء، مع أن الواقدي يتكلم عن سنة ثمان من الهجرة، والإسراء وقع قبيل الهجرة!

 

وهل لو سمى الناس عدة مساجد بمسجد مكة أو مسجد المدينة، في عدة بلاد، يمكن أن يقال: إن مسجد مكة أو مسجد المدينة يقع في تلك البلاد؛ لمجرد المشاركة في الاسم أو في الوصف؟ أم ينصرف الذهن إلى العلم المشهور دون غيره؟!

 

وغاية ما في نص الواقدي وصف أحد المسجدين بالأقصى؛ لوقوعه في أقصى الوادي بالعدوة القصوى، والآخر بالأدنى؛ لوقوعه في أدناه، كما هو صريح كلامه.

 

ويؤكد هذا ما رواه الأزرقي (توفي: 250 هـ) في أخبار مكة (2/207) عن محمد بن طارقٍ، قال: اتفقت أنا ومجاهدٌ بالجعرانة، فأخبرني أن "المسجد الأقصى الذي من وراء الوادي بالعدوة القصوى مصلَّى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ما كان بالجعرانة"، قال: فأما هذا المسجد الأدنى فإنما بناه رجلٌ من قريشٍ، واتخذ ذلك الحائط.

 

فلم يوصف المسجد الأقصى المذكور بأمر من الأمور سوى أنه كان مصلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت إحرامه، وأنه هو الذي اتخذه النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، كما تفيده المقابلة بينه وبين المسجد الأدنى بأنه بناه رجل من قريش!

 

ولو كان هو المسجد الأقصى الذي وقع إليه الإسراء، لوقعت الإشارة إليه بذلك، أو لاكتفى بذكره بالأقصى، دون تفصيل لمعنى الأقصى؛ لكونه مشهورًا، فلما لم يقع شيء من ذلك، علمنا أنه أراد مسجدًا آخرَ غير المسجد الأقصى المبارك بفلسطين!

 

وبعد، فلو وقع التواتر وحده - وقد وقع - على أن هذا المكان هو المكان الفلاني، لكان كافيًا في اعتقاد ذلك، موجبًا للعلم به، فكيف وقد وقع النص عليه في كلام أحكم الحاكمين، ثم في حديث سيد المرسلين، وقامت عليه شواهد التاريخ، ودلائل اللغة؟!

 

أم ترانا نكذِّب كل هذا، وننكِر عقولنا التي في رؤوسنا، ونصدِّق رواية مثقف لا خطام لها ولا زمام؟!

 

فيا أيها المثقف الذي يريد أن يغيِّر وجه الثقافة العربية!

 

حسبنا من هذه الثقافة التي تهدِم ولا تبني، وتُفسِد ولا تصلح، وتبعَث في القلوب الحيرةَ والاضطراب، بدلًا من أن تملأها بنور الحق واليقين!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الاعتداء على المسجد الأقصى
  • المسجد الأقصى (قصيدة)
  • جنود المسجد الأقصى (قصيدة)
  • حريق المسجد الأقصى عام 1969م

مختارات من الشبكة

  • عفوا، لقد نفد رصيدكم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العفو العام والعفو الخاص(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • عفوا أرفض المساواة(مقالة - ملفات خاصة)
  • تفسير: (ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: (فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عفوا.. الوضع صامت(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • عفوا سراييفو (قصيدة)(مقالة - موقع أ. محمود مفلح)
  • عفوا أنا أقوى مما تتصور(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 


تعليقات الزوار
1- أحسنت أحسنت
أبو عمر الرياض 29-12-2015 04:47 AM

تحقيق بديع، يؤكد أن قول هذا المثقف ينطبق عليه قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "الرد على الإخنائي" (ص/386):"فلا نقل مصدق ولا بحث محقق، بل هذيان مزوق يروج على هذا وأمثاله".بحثك هذا أظهر أن العلم لا بد فيه من نقل مصدق ونظر محقق، وأما النقول الضعيفة لا سيما المكذوبة فلا يعتمد عليها، وكذلك النظريات الفاسدة والعقليات الجهلية الباطلة لا يحتج بها. [مقتبس من قول ابن تيمية في مجموعة الرسائل والمسائل (3/ 52)] فجزاك الله خيراً.
قوله تعالى: ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ [الإسراء: 1]. قد وردت آيات أشارت إلى أن المراد بتلك الأرض: الشام، كقوله تعالى:{وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71] ،قال السمعاني في "تفسيره"(3/ 392):"لأنه مشهور أنه خرج وامرأته - يعني: إبراهيم - إلى حران، ثم من حران إلى الشام، وأما لوط فإنه ابن أخي إبراهيم، وكان خرج معه". وقوله: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} [الأنبياء: 81] قال المفسرون :"أرض الشام، حيث كان مقره، فيذهب على الريح شرقاً وغرباً، ويكون مأواها ورجوعها إلى الأرض المباركة".ولذا قال العلامة الشنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان" (3/ 10):" فإن المراد بتلك الأرض: الشام. والمراد بأنه بارك فيها: أنه أكثر فيها البركة والخير بالخصب والأشجار والثمار والمياه. كما عليه جمهور العلماء. وقال بعض العلماء: المراد بأنه بارك فيها أنه بعث الأنبياء منها. وقيل غير ذلك. والعلم عند الله تعالى".

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب