• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / سيرة نبوية
علامة باركود

السيرة النبوية في كتابات المستشرقين الإسبان

السيرة النبوية في كتابات المستشرقين الإسبان
د. عبدالعزيز شاكر حمدان الكبيسي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/12/2015 ميلادي - 15/3/1437 هجري

الزيارات: 27748

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

السيرة النبوية

في كتابات المستشرقين الإسبان [1]

 

بحث مقدم لندوة السيرة النبوية في الكتابات الإسبانية

التي تنعقد في رحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية

جامعة سيدي محمد بن عبدالله - مدينة فاس - المملكة المغربية

21 - 24 أبريل 2008

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

فقد كانت إسبانيا سبَّاقة إلى الاحتكاك بالمسلمين، والاستفادة من حضارتهم وثقافتهم، ومن هنا ظهر الاستشراق فيها قبل أن يَظهر في غيرها من الدول الأوربية.

 

لقد كان المستشرقون الإسبان من السابقين الأوائل في التعامل مع الدراسات الإسلامية؛ ولهذا عُدُّوا من مؤسسي مدرسة الاستشراق الأوربية، ولكن على الرغم من هذا السبق، فإنه يندر أن نجد كتبًا قد صنَّفها أولئك المستشرقون عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والمتتبع لتلك الكتابات سيُدرك عن قرب صدق هذا الاستنتاج.

 

وقد رأيت من المناسب أن يكون موضوع مشاركتي في هذه الندوة الميمونة، والملتقى العلمي الكريم بعنوان:

"السيرة النبوية في كتابات المستشرقين الإسبان"


وأحببت من خلال هذه المشاركة تتبُّع تلك الكتابات التي دوَّنها المستشرقون الإسبان، والتعريفَ بها، وبسِيَر أصحابها، وبيان ما تضمنته هذه الكتابات من جوانبَ مشرقة ومضيئة، وما عليها من مَآخذَ وسلبيات.

 

وقد عَنيتُ بالكتابات الإسبانية - في بحثي هذا - ما دونته أقلام المستشرقين الإسبان دون التعرض لما قاموا بترجمته أو تحقيقه أو نشره.

 

وقد اقتضت طبيعة البحث تقسيمه إلى تمهيد وفصلين وخاتمة:

خصصتُ التمهيد للتعريف بالمدرسة الإسبانية في الاستشراق.

 

وأما الفصل الأول فقد استعرضت فيه إسهامات المستشرقين الإسبان في خدمة السيرة النبوية من خلال التصنيف فيها؛ وذلك بذكر أسمائهم، ونبذ مختصرة عن نشأتهم، وبيان أهم مصنفاتهم العامة، وما وقفت عليه من تصانيفَ لهم في السيرة النبوية.

 

وأما الفصل الثاني فقد خصصته لعرض نموذج من تلك الكتابات، وتقويمه، وبيان ما له وما عليه.

وخصصت الخاتمة للحديث عن أهم النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث.

 

ولا بد من الإشارة في هذا المقام إلى أنني حاولت في هذه الدراسة حصر كل ما أسهم به المستشرقون الإسبان في التصنيف في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في حدود ما وقفت عليه، من خلال البحث والتتبع والاستقراء.


داعيًا المولى عز وجل أن يوفقنا جميعًا لما فيه خدمة دينه، وإعلاء كلمته، والذَّود عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وسيرته، إنه نعم المولى ونعم المجيب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


تمهيد

في التعريف بالمدرسة الاستشراقية الإسبانية

يعد الاستشراق الإسباني أولَ استشراق أوربي ولد على أرض شبه جزيرة أيبيريا، قبل أن يُعرف مصطلح الاستشراق بدلالته المعروفة اليوم، ومن المعروف أن العرب فتَحوا شبه جزيرة أيبريا في أوائل القرن الثامن الميلادي، ومنذ اللحظة الأولى لهذا الفتح بدأت عملية تحول كبيرة في مجتمع هذه البلاد، وفي أوضاعها الدينية والثقافية.


وقد اعتنق معظم أهلها الإسلام، ولم يمض أقل من نصف قرن حتى تأسست في إسبانيا دولةٌ دينها الإسلام ولغتها العربية، ومع هذا فقد بقيَت في المجتمع الجديد أقلية احتفظَت بديانتها المسيحية، ووُلدت في أقصى الشمال نواة لمقاومة مسيحية لم تلبث أن اتسعت دائرتها، وتولَّدت عنها دويلات دار بينها وبين الأندلس الإسلامية صراعٌ طويل، استمر على مدى ثمانية قرون، ورافق هذا الصراعَ السياسي والعسكري صراعٌ فكري، مثَّله من جانب المسيحية عدد من رجال الكنيسة ممن عاشوا في وسطٍ إسلامي، وأتقنوا اللغة العربية.


وهكذا بدأ حوار ديني لم ينقطع طوال تلك القرون، وهو حوار تسلَّح فيه عدد كبير من رجال الكنيسة بمحاولةٍ لمعرفة عقيدة الإسلام على نحوٍ موضوعي، معتدلٍ أحيانًا، وبصورة تهجُّم متحيز أحيانًا أخرى، غير أنه كان عليهم في الحالتين أن يكونوا على معرفة واسعة بالعربية؛ بحيث لا تقتصر معرفتها على رجال الكنيسة، وبدأ يتدفق على الأندلس طلابٌ نصارى من جميع أنحاء أوربا؛ بما فيها إنكلترا وأسكتلندا، وفَتحت قرطبة أبوابها على مِصراعيها أمام طلبة العلم والمعرفة من مختلِف أرجاء أوربا، فنهلوا من معارفها، وتعلَّم الكثير منهم اللغة العربية، وقاموا بتدريس كتب العرب في جامعتهم؛ كمؤلَّفات ابن سينا، وابن رشد، وصارت تدرَّس في تلك الجامعات حتى نهاية القرن الخامس عشر، وكان أولئك الطلاب يُناقشون مع المسلمين قضايا إسلاميةً متعمقة.


ومن هنا بدَت الحاجة ماسَّة إلى معاجمَ مزدوجة، تعد أول ما عُرف في أوربا من هذا النوع، وكان أولها "المعجم العربي اللاتيني" الذي يَرجع تصنيفُه إلى القرن العاشر الميلادي.


ويرى بعضُ مَن كتب عن الاستشراق أن الأجيال المتعاقبة من المسيحيين الذين عرَفوا الثقافة العربية، وجرى الحوار بينهم وبين مسلمي الأندلس - هي التي تمثل نواة الاستشراق المبكرة.


وبعد الصراع المرير بين الإسبان ومسلِمي الأندلس، قامت السلطات في إسبانيا بإنشاء محاكم التفتيش (Inquisition) وتحريم الإسلام على المسلمين، وفُرِضَ عليهم تركُه، كما حُرِّم عليهم استخدام اللغة العربية، والأسماء العربية، وارتداء اللباس العربي، ومن يخالف ذلك كان يُحرق حيًّا بعد أن يعذَّب أشد العذاب!


وكانت محاكم التفتيش تُصدِر أحكامًا بحرق المسلمين على أعواد الحطب، وهم أحياء في ساحات مدينة غرناطة أمام الناس، كما صدَر مرسوم آخر بإحراق جميع الكتب الإسلامية والعربية، وقد أُحرِقت آلاف الكتب في ساحة الرملة بغرناطة، ثم تتابع حرق الكتب في جميع المدن والقرى!


لقد نشأ الاستشراق الإسباني في أحضان حركة عدائية لكل ما هو عربيٌّ ومسلم، وكان هدفه التحقير والانتقام والتشويه، وقد وصف المستعرب الإسباني خوان غويتسولو في كتابه "في الاستشراق الإسباني" نماذجَ من هذا النوع الذين يكتبون عن الإسلام والمسلمين بقوله: إنهم "إنما يكتبون ويتصرفون وينطقون باسم المسيحية في مواجهة حضارة متدنِّية، وفي أفضل الأحوال فإن استحضار الماضي المجيد الذي عرَفه العالم الإسلامي يدفعهم إلى التفجُّع على نحوٍ متحذلِق على الانحطاط الحاليِّ، وعلى عجزه الطبيعي عن هضم التقدم الأوربي".


ووصف غويتسولو دراسات المستشرقين الإسبان للغات الإسلامية بأنهم يَدرسونها كما لو كانت "لغات حضارات منقرِضة، ومقطوعة عن اللغات الحاليَّة التي هي وَريثها الشرعي، حاكمين عليها بذلك بأن تشكل عدَمًا، أو ما هو أقل من العدم".


واختلط الدافع الديني بدافع استعماري سياسي، حينما بدأَت حركات الاحتلال الأوربي للعالم الإسلامي، وطمعَت إسبانيا في المناطق المجاورة لها، فجنَّدَت مستشرقيها لإعداد الدراسات لمعرفة مواصفات السكان وطبائعهم، وتجارتهم وزراعتهم، وكذلك معرفة اللغات واللهجات المحلية، وقد أنشأت الحكومة الإسبانية العديد من المراكز لتعليم العربية والعامية المغربية، وقد تجاوزت الخمسين مدرسة.


ولا تزال إسبانيا تحتفظ بالكثير من المخطوطات العربية في مكتباتها الكبرى؛ كمكتبة الإسكوريال ومكتبة مدريد الوطنية، ومكتبة جمعية الأبحاث الوطنية.


ودامت القطيعة بين الإسلام والغرب حتى منتصف القرن الثامن عشر عندما قام كارلوس الثالث ملك إسبانيا باستقدام الراهب اللبناني الماروني ميخائيل الغزيري؛ لكي يقوم بفهرسة المخطوطات العربية في خزانة الإسكوريال.


والواقع أن الثقافة العربية الإسلامية والتربية والتعليم انتشرت في إسبانيا المسلمة إلى درجةٍ جعلَت دوزي المؤرخ المشهور يقول: إن أغلب الناس في الأندلس أصبحوا قادرين على القراءة والكتابة، بل يمكننا أن نقول: إن كل فرد تقريبًا كان يعرف القراءة والكتابة.


وقد انتقلت الثقافة العربية إلى المستعربين الإسبان، "وهم الإسبان النصارى الذين أقاموا في البلاد الإسلامية، وعاشوا تحت ظل الحكم الإسلامي"؛ فقد سرَت إليهم العادات الإسلامية، وتعلموا اللغة العربية، وكتبوا بها، وصنَّف بعضهم كتبًا باللغة العربية، بل قاموا باقتناء مكتبات عربية.


ويعد خوسيه كوندي صاحب كتاب "تاريخ الحكم العربي لإسبانيا" أولَ كاتب إسباني حاول أن يقدم عرضًا متكاملًا لتاريخ المسلمين في الأندلس، وكتابه هذا له فضل الريادة؛ إذ هو أول مؤلف أوربي يقدم عرضًا متكاملًا لتاريخ الأندلس الإسلامية، يعتمد فيه صاحبُه على مصادرَ أصيلة مما اطلع عليه من مخطوطات مكتبة الإسكوريال.


وأول ما يَلفِت النظر في كتابات كوندي هو التقدير الكبير للحضارة الأندلسية، والصورة المشرقة التي يقدمها للوجود العربي في إسبانيا إلى حد الإلحاح على المقارنة بين ما بلَغَته بلاده في ظل الحكم الإسلامي من تقدم وازدهار، وما آلت إليه في أيامه من تخلف حضاري وثقافي.


وجاء من بعد كوندي، باسكوال دي جايانجوس (1809 - 1897) الذي شغل كرسيَّ الدراسات العربية في جامعة مدريد، ومن أهم منجزاته كانت الترجمة الإنجليزية التي قام بها لقسم كبير من "نفح الطِّيب" للمقري، وقد نشر هذه الترجمة في مجلدين كبيرين بعنوان "تاريخ الأسر الحاكمة في إسبانيا".


وكان من أبرز تلاميذه فرانسيسكو كوديرا (1836 - 1917) الذي أعطى الاستشراقَ الإسباني دفعة قوية إلى الأمام.


ويعد كوديرا مؤسسَ الاستشراق الإسباني الحديث، وقد أدى به إتقانُه للعربية إلى شغل كرسي هذه اللغة في جامعتَي غرناطة، ثم سرقسطة، ثم أصبح أستاذًا للعربية في جامعة مدريد، وكان كوديرا يرى أنه لا سبيل لدراسة التاريخ الإسلامي لإسبانيا إلا بعد نشر التراث الأندلسي بعد تحقيقه على نحوٍ علمي، ولم تكن في إسبانيا آنذاك مطابعُ عربية، أو عُمال مهَرة قادرون على صفِّ الحروف، فقام هو بنفسه بصياغة الحروف العربية، واتخذ من داره مطبعة، ومن تلاميذه عمالًا.


وهكذا استطاع أن يخرج المجلدات العشرة من "المكتبة العربية الإسبانية"bibliothecaarabico-hispana التي تضم كتب ابن الفرَضي وابن بَشكُوال وابن الأبَّار وابن خير، وقد تخرَّج على يديه عدد كبير ممن واصلوا مسيرته؛ منهم خوليان ريبيرا تاراجو (1858 - 1934)، وميجل أسين بلاسيوس (1871 - 1944).


ولعل أعظم منجزات ريبيرا وبلاسيوس رعايتهما لعدد كبير من المستشرقين الإسبان، وقد كان في طليعتهم: إميليو جرسيه جومز الذي قُدِّر له أن يصبح شيخَ الاستشراق في إسبانيا طوال القرن العشرين.


ومن هنا فقد كان للاستشراق الإسباني فضلٌ كبير في تفجير الاهتمام الأوربي لدراسة الشرق الإسلامي، وضرورة العناية بالتراث الأندلسي الذي يعد حلقة طبيعية بين الثقافة العربية والإسبانية أولًا، ثم الغربية بعد ذلك.


والاستشراق الإسباني له خصوصية يتميز بها عن باقي أشكال الاستشراق الأوربي؛ لأنه يتحدث عن حضارة عاشت وازدهرت على أرضه، متمثلة في الأندلس التي ظل وجودها مستمرًّا في شبه الجزيرة الإيبيرية ما يقارب عشَرة قرون.

 

من أجل ذلك كانت رؤية الاستشراق الإسباني للحضارة الإسلامية رؤيةً من الداخل، حتى إن كثيرًا من الدارسين والمؤرخين الإسبان يَعدُّون الحضارة الأندلسية جزءًا من تراثهم القومي.

 

ويمكن تلخيص أهم خصائص المدرسة الإسبانية في الاستشراق فيما يأتي:

أولًا: التركيز على ما تبقى من الإنتاج الفكري الضخم الذي تركه المسلمون في إسبانيا بعد خروجهم من الأندلس.


ثانيًا: الدراسة العلمية القائمة على الوثائق والآثار.


ثالثًا: عُمق التحليل، والسلاسة في العرض.


رابعًا: التخصص في مجال الحضارة العربية الإسلامية، دون تطرق إلى مجالات الاستشراق الأخرى.


خامسًا: الشمولية في الدراسة أكثر من التخصصية.


سادسًا: التذبذب مدًّا وجزرًا؛ تبعًا للظروف السياسية والدينية التي مرت بها إسبانيا[2].


الفصل الأول

المستشرقون الإسبان

الذين صنفوا في السيرة النبوية

يعد المستشرقون الإسبان من السابقين الأوائل في التعامل مع الدراسات العربية والإسلامية، ويصنِّفهم البعض على أنهم من مؤسسي مدرسة الاستشراق في أوربا، ولكن على الرغم من هذا السبق في التعامل والتأسيس، فإنه يندر وجود كتب صنَّفها المستشرقون الإسبان عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والمتتبع للكتابات الإسبانية التي تؤرخ لتلك السيرة المطهرة يدرك صدق هذا الاستنتاج، وسيجد أسماء قليلة خاضت غمار هذا الميدان.

 

ويَذكر بعض الباحثين [3] أن بداية اهتمام الإسبان بالسيرة والسنة النبوية المطهرة يعود إلى القرن التاسع الميلادي، وأن أول من أدخل هذه العلوم إلى إسبانيا السوريُّ صعصعة بن سلامالمتوفَّى سنة 807 م.

 

وسأذكر فيما يأتي أسماء المستشرقين الإسبان الذين صنَّفوا كتبًا أو رسائلَ في السيرة النبوية، مرتِّبًا ذِكرهم على حسب حروف المعجم مع التعريف بحياة كل واحد منهم:

1- آسين بلاثيوس: M Asin palacios, p.

مستشرق إسباني، ولد في سرقسطة، وتخرج في معهدها الديني، ونال درجة الدكتوراه من جامعة مدريد عام 1896م، ونشر رسالته عن العقيدة والأخلاق والتصوف لدى الإمام الغزالي عام 1901م.

 

وخلَف المستشرق الإسباني كوديرا على كرسي العربية بجامعة مدريد عام 1903م، وعيِّن رئيسًا للمجمع اللغوي عام 1943م، وحرَّر مجلة الأندلس، وقد انتُخب عضوًا في عدد من المجامع العلمية، منها المجمع العلمي العربي بدمشق.

 

وقد اشتهر بلاثيوس بدراسة حركة التفاعل الثقافي بين المسيحية والإسلام، وتخصص في الفلسفة والتصوف، وله مصنفات كثيرة، ومن تلك المصنفات في السيرة النبوية: "الوحي في الإسلام"، و"قصة المعراج والكوميديا الإلهية"[4].

 

2- بسكوال دي جاينجوس Pascual de Gayangos:

مستشرق إسباني، ولد في إشبيلية، وكان أبوه حاكم المكسيك العسكري، وقد تلقى العربية على يد (دي ساسي) في باريس، والأب أرتيفاس في جامعة مدريد.


عين مترجمًا في وزارة الخارجية عام 1833م، ثم أمينًا للمخطوطات العربية في المكتبة الملكية، ثم بعد ذلك رحل إلى لندن.


وعندما عاد من لندن عين أولَ أستاذ للغة العربية في جامعة مدريد عام 1843م، وانتخب عضوًا في مجمع التاريخ، توفي عام 1897م.


من آثاره: "تاريخ المسلمين في إسبانيا" وغيره.


وله في السيرة النبوية: قصيدة مديح محمد، وهي من الشعر الإسباني في القرن الرابع عشر[5].


3- جارثيا دي ليناريس Garcia de linares:

وهو مستشرق إسباني، عاش في بدايات القرن المنصرم، وقد صنف كتابًا في السيرة النبوية بعنوان: "مؤسس الإسلام".

 

وقد طُبع هذا الكتاب في مدريد عام 1928م.

 

4- كاستريو ماركيث Castrillo Marguez:

مستشرق إسباني، ولد في مدريد عام 1931م، نال درجة الدكتوراه من كلية الآداب والفلسفة بجامعة مدريد عام 1958م.


وقد عمل بتدريس اللغة العربية بجامعة كومبلوتنس عام 1959م.


من كتاباته في تاريخ السيرة النبوية: "السيرة ملاحظات حول تاريخها في العصر الوسيط"، وقد نُشرت في مجلة جامعة مدريد، الجزء 28، برقم 69[6].

 

5- لافوانتي إي القنطرا ميجيل lafueente Y Alcntr:

مستشرق إسباني، ولد عام 1817، تعلم في المعهد الديني في ليون وسانتياجو، صنف تاريخ غرناطة في أربعة أجزاء، وله في السيرة النبوية: كتاب بعنوان "حياة محمد" طبع عام 1963م[7].


توفي في هافانا بكوبا عام 1850م.

 

6- مارثوس كيسادا Martos Quesada.:

مستشرق إسباني، ولد في هويلما سنة 1943م، وحصل على الليسانس من كلية الآداب والفلسفة بجامعة غرناطة عام 1977م، ثم نال درجة الماجستير عن رسالة بعنوان "العلاقات الإسبانية المغربية في العصر الوسيط".


وقد عمل مساعدًا في تدريس اللغة والأدب العربي في جامعة غرناطة بإسبانيا، ثم أخيرًا أمينًا للمركز الثقافي الإسباني في الجزائر.


ومن مصنفاته في السيرة النبوية: تقريظ السيرة "كراسات تاريخ الإسلام، عام 1976م"[8].

 

7- رباج: وهو مستشرق إسباني، لم أقف على ترجمة له، وقد ذكر نجيب العقيقي أن له كتابًا في السيرة النبوية بعنوان "محمد"[9].


الفصل الثاني

نماذج من الكتابات الإسبانية في السيرة النبوية

إن المتتبع لكتابات المستشرقين في السيرة النبوية يجد شحًّا كبيرًا في هذا المجال من الدراسات - كما أشرنا إلى ذلك سابقًا - على الرغم من ترعرُع ونشوء أولئك المستشرقين في بيئة كانت في فترة من الزمن بيئة عربية إسلامية، تحفل بالآثار التاريخية التي تذكِّر بالدين الإسلامي.

 

ونادرًا ما تجد كتابًا جامعًا شاملًا لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، إلا إذا كان مترجمًا عن اللغة الفرنسية أو الإنكليزية.

 

وسأعرض في هذا الفصل نموذجًا من تلك الكتابات، وأبيِّن ما فيها من جوانبَ مشرقة ونقاط مضيئة، وما فيها من سلبيات، وإساءة إلى شخص النبي صلى الله عليه وسلم.

 

وذلك النموذج هو كتاب:

"محمد.. حياته والقرآن" لمونتيرو فايدال Montero Vidal

ويقع هذا الكتاب في مجلدين، ونُشر عام 1926، تناول فيه مونتيرو فايدال سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، كما تحدَّث فيه عن القرآن الكريم أيضًا.

 

وقد ورَد في هذا الكتاب كثيرٌ من الأكاذيب والمغالطات التي حاول من خلالها مونتيرو أن يحطَّ من قدر النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

 

وقد تخبط فيه مصنفه خبط عشواء، وخلَط الافتراء بالحقيقة، والسمَّ بالدسم، وساق جملة من الافتراءات والأكاذيب، ومن تلك الافتراءات والأكاذيب التي أوردها في كتابه:

أولًا - فيما يتعلق بمعجزة الإسراء والمعراج:

يقول الكاتب في المجلد الأول ص 255:

"كاد حدث الإسراء والمعراج يقضي على دعوة الرسول، فكان أبو بكر هو المنقِذَ للرسول من صخب قريش واستهوائها".

 

ثم يضيف قائلًا:

"بفضل أبي بكر - كما قلنا - وتعقُّل الرسول عندما حذف هذه القصة - يعني: قصة الإسراء والمعراج - من القرآن الكريم، وقد عدَّها رؤيا رآها، بفضل كل هذا استطاع تفاديَ الخطر".

 

وهذه الفِرْية واضحةُ البطلان، ولا يُسلِّم بها أحد من العقلاء، وهي أتفهُ من أن يُرد عليها، ولكننا نقول:

الإسراء ثابت في كتاب الله تعالى، يعرف ذلك كلُّ مَن نظر في سُورِه وآياته، وإن هناك سورة تحمل اسم هذا الحدث، وهي سورة الإسراء التي صدَّرها الله سبحانه وتعالى بقوله الكريم: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].

 

ولم يذكر القرآن الكريم أن الإسراء كان رؤيا منامية، بل بين أنه رحلة حقيقية في اليقظة، أُسري فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم - روحًا وجسدًا - إلى المسجد الأقصى بفلسطين.

 

وأما المعراج من المسجد الأقصى إلى السموات العلا فقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى ذلك في سورة النجم عندما قال عز وجل: ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ [النجم: 1 - 18].

 

وثبت في الأخبار المتواترة الصحيحة التي تفيد العلم الضروري اليقيني، وقد نقلها جمع عن جمع يحيل العقل اتفاقهم على الكذب.

 

ثانيًا - فيما يتعلق بتآمر المشركين على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة:

يتحدث مونتيرو عن ذلك التآمر، وإجماع كفار قريش على قتل النبي صلى الله عليه وسلم، وينسب فشل كفار قريش في تلك المهمة إلى انتشار الخبر بين أهل مكة، ثم يُضيف بسخرية وتهكُّم:

"وهناك من يقول: إنه أتاه الخبر من السماء، فنُجِّي بفضل العناية الربانية".

 

وللرد على ذلك التهكم، يقول ابن القيم:

"فلما رأى المشركون أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تجهزوا وخرجوا، وحملوا وساقوا الذراريَّ والأطفال والأموال إلى الأوس والخزرج، وعرَفوا أن الدار دار منَعة، وأن القوم أهلُ حلقة وشوكة وبأس، فخافوا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ولحوقه بهم، فيشتد عليهم أمرُه، فاجتمعوا في دار الندوة، ولم يتخلف أحد من أهل الرأي والحِجَا منهم ليتشاوروا في أمره، وحضَرهم وليهم وشيخهم إبليسُ في صورة شيخ كبير من أهل نجد، مشتملٍ الصمَّاء في كسائه، فتذاكروا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار كل أحد منهم برأي والشيخ يرده ولا يرضاه، إلى أن قال أبو جهل: قد فرَق لي فيه رأيٌ ما أراكم قد وقعتم عليه، قالوا: ما هو؟ قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة من قريش غلامًا نهدًا جلدًا، ثم نعطيه سيفًا صارمًا، فيضربونه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه في القبائل، فلا تدري بنو عبدمناف بعد ذلك كيف تصنع، ولا يُمكنها معاداة القبائل كلها، ونَسوق إليهم ديته! قال الشيخ: لله دَر الفتى! هذا واللهِ الرأي.

 

قال: فتفرقوا على ذلك واجتمعوا عليه، فجاءه جبريلُ بالوحي من عند ربه تبارك وتعالى، فأخبره بذلك، وأمَره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة.

 

وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر نصفَ النهار - في ساعة لم يكن يأتيه فيها - متقنعًا، فقال له: ((اخرج من عندك)) فقال: إنما هم أهلك يا رسول الله، فقال: ((إن الله قد أذن لي في الخروج))، فقال أبو بكر: الصحابة يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم))، فقال أبو بكر: فخُذ بأبي وأمي إحدى راحلتيَّ هاتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بالثَّمَن)).

 

وأمر عليًّا أن يَبيت في مضجعه تلك الليلة، واجتمع أولئك النفر من قريش يتطلعون من صير الباب ويرصدونه، ويريدون بياته، ويأتمرون أيهم يكون أشقاها! فخرَج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، فأخذ حَفْنة من البطحاء فجعل يذرُّه على رؤوسهم وهم لا يرَونه، وهو يتلو: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [يس: 9]، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر..."[10].

 

ورحم الله الإمام البوصيري إذ يقول في قصيدته المشهورة "البردة":

وقاية الله أغنت عن مضاعَفةٍ ♦♦♦ من الدروع وعن عالٍ من الأطمِ

 

ثالثًا - فيما يتعلق بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم:

يتحدث مونتيرو عن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ويبين أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج من زينب لافتتانه بها.

 

ولعل مونتيرو قد اتكأ على ما ذُكر في بعض كتب التفسير[11] عندما ذكَرت أن السبب في طلاق زينب أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى زينب فجأة وهي في ثياب المنزل، فأعجبته، ووقع في قلبه حبُّها، فتكلم بكلام يُفهم منه ذلك - إذ سَمعه زيدٌ فبادر إلى طلاقها؛ تحقيقًا لرغبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن زيدًا شاوَره في طلاقها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاه عن ذلك، لكن في قلبه ضد هذا، وأنه كان راغبًا في طلاق زيد لها ليتزوجها، وفوق ذلك فقد أقر الله رسوله على ما فعل، بل عاتبه لِمَ يخفي هذا، والله سيبديه.

 

وللرد على هذا الزعم والادعاء نقول:

لقد مضت سنة الله تعالى في خلقه أن ما رسخ في النفوس بحكم العادة لا يَسهُل التخلص منه، وقد كانت عادة التبني لا تزال قائمة في نفوس الناس، وليس من السهولة بمكان التغلبُ على الآثار المترتبة عليها، ومن أهم هذه الآثار أن الأبَ لا يتزوج امرأةَ مَن تبنَّاه بعد وفاته أو طلاقه لزوجته، فاختار الله تعالى لهذه المهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره بالزواج من زينب بنت جحش بعد طلاقها من زيد بن حارثة رضي الله عنه، الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبنَّاه قبل الإسلام.

 

وبعد أن تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب رضي الله عنها أثار هذا الزواجُ أحاديثَ همزٍ ولمز وأقاويلَ كثيرة من قبل المشركين والمنافقين؛ فقد قالوا: تزوج محمدٌ حليلة ابنه زيدٍ بعد أن طلقها، كما أنَّ للمستشرقين ومن شايعهم في العصر الحاضر - ومنهم مونتيرو - أحاديثَ في هذا الموضوع، واتخذوا من هذه الحادثة ذريعة للطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعلوا منها مادة للنَّيل منه عليه الصلاة والسلام، ووصَفوه بأشياء يَنبو عنها القلم.


يقول الله تعالى: ﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴾ [الأحزاب: 37].


إن السبب في طلاق زيدٍ لزينب - ومِن ثمَّ زواج النبي صلى الله عليه وسلم منها - هو ما كان بين زيد وبين زينب من خلافات، وأنه لم يكن بينهما وئامٌ يؤمَّل معه أن تبقى الحياة الزوجية بينهما، فطلقها بمحضِ اختياره ورغبته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاه عن ذلك، وقد كان الله عز وجل قد أعلَم نبيه صلى الله عليه وسلم أن زيدًا سيطلقها، وأنه ستكون زوجة له، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يُخفي هذا، ويخشى من مقولة الناس أنه تزوج مطلقةَ مَن كان يُدعى إليه، فعاتبه ربُّه على ذلك[12].


قال القرطبي: "وهذا القول أحسنُ ما قيل في تأويل هذه الآية، وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسِّرين والعلماء الراسخين؛ كالزُّهري والقاضي بكر بن العلاء القشيري والقاضي أبي بكر بن العربي، وغيرهم، فأما ما رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم هوى زينبَ امرأة زيد وربما أطلق بعض المُجَّان لفظ (عشق)، فهذا إنما صدَر عن جاهلٍ بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا، أو مستخِفٍّ بحرمته[13].


وفي المجلد الثاني من كتابه يتحدث مونتيرو عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وحلمه، وتواضعه ومعاملاته مع أزواجه وبناته، وحفيدَيه الحسن والحسين رضي الله عنهما، وأطفال الصحابة.

 

وقد كان مونتيرو موضوعيًّا إلى حد ما في كثير من الأمور التي عرَضها عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم[14].

 

يقول ص 234:

"كان محمد يجلس على الأرض، وكان يُصلح ويرفو ثوبه بيديه، وكان يُشعل النار ويكنس بيته، ويقضي حوائجه بنفسه... كانت الألوان المفضلة لديه الأبيض والأخضر، وكان لا يلبس الأحمر والأصفر إلا أثناء الحروب، كان يَرتدي أجمل اللباس يوم الجمعة، وكان دائمًا يتصدق بملابسه القديمة".

 

وفي ص 234 يقول: كان النبي لا يأكل حتى يسمي الله، وكان يأكل بيده اليمنى ويحث أصحابه على ذلك، ويوصيهم بعدم ترك الطعام، ولعق الصحن في الأخير.

 

وكان محمد صلى الله عليه وسلم يحب المساكين والفقراء، ويحسن إليهم، وخاصة أهل الصُّفة.

فقد كان ينادي أحدهم للأكل معه، ويرسل الآخرين إلى أصحابه.

 

كان أيضًا يحسن إلى الأطفال الصغار؛ "استقبله ذات يوم عبدالله بن جعفر وحفيداه الحسن والحسين، فحملهم على الجمل حتى دخلوا المدينة... وكان يصلي فجلس الحسين على ظهره، فانتظر حتى نزل الصبي".

 

وبالإضافة إلى هذا يذكر مونتيرو ص 239: سؤال النبي عن أهله كل يوم، وكان يقول: ((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي))، وكان لا يفرِّق بين أحد من أصحابه، فلم يميز يومًا بين عربي وعجمي، ولا أبيض ولا أسود، ولا ضعيف ولا قوي، ولا فقير ولا غني، فكان ميزانه عادلًا لا يغلبه إلا الحق.

 

إن كتاب مونتيرو فايدال فيه مجموعة من المعلومات المفيدة، استقاها الكاتب من منابعَ أصلية، ولكنه لم ينسَ قط هدفه من وراء كتابة هذه السيرة، ألا وهي النَّيل من الإسلام والمسلمين[15].

 

ويمكن القول: إنه من خلال مطالعاتي للكتابات الإسبانية في السيرة النبوية، وما كُتب عنها، يلاحظ في تلك الكتابات جملة من الأخطاء المنهجية والموضوعية، ويمكن تلخيصها في النقاط الآتية:

1 - الانتقائية في اختيار المصادر ونقل الروايات عنها، فلا يعتمدون منها إلا على ما يُساير أهدافهم.

 

2 - التحيز السافر الذي ينمُّ عن روح العداء والحقد المتأصل على الإسلام في أغلب الكتابات.

 

3 - تضخيم بعض الحوادث والمبالغة فيها، والتقليل من شأن حوادث أخرى.

 

4 - إطلاق الأحكام الخطرة في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وفي حق الإسلام وشريعته، وتاريخه وحضارته، دون أي دليل.

 

5 - الإسراف في استخدام المنهج المادي ومَعاييره في بحث حياة النبي صلى الله عليه وسلم والأحداث المتعلقة بها، وعدم ذكر كثير من المعجزات المادية للنبي صلى الله عليه وسلم.

 

6 - تأويل الأحداث والوقائع، وتحليلها بطريقة غير موضوعية.

 

7 - الاعتماد في جمع المعلومات على مصادر غير علمية، وتجاهل المصادر الصحيحة، والاستدلال بالروايات الواهية الساقطة، وإغفال الروايات الصحيحة الثابتة.

 

8 - المبالغة في الشك والافتراض، والنفي الكيفي، واعتماد الضعيف الشاذ.

 

9 - إسقاط الرؤية الوضعيَّة العَلمانيَّة، والتأثيرات البيئيَّة المعاصرة على الوقائع التاريخية.

 

10 - ردُّ معطيات السيرة النبوية إلى أصول نصرانية أو يهودية.

 

11 - التستر بالموضوعية من خلال التظاهر بالموضوعية في الكتابة، والتطوع بذكر بعض الجوانب الإيجابية المتعلقة بالإسلام وحضارته، مما قد يُعطي انطباعًا لدى القارئ بأن الباحث موضوعي ملتزم بالخضوع لما يَفرضه المنهج العلمي الصحيح، لكن النظر الثاقب والقراءة المتفحصة لدراسات هؤلاء، تكشف عن كثير من الأوهام والأباطيل.

 

12 - مجافاة المنهج العلمي؛ وذلك بإهمال المبادئ الأولية لهذا المنهج، والانطلاق من مزاعمَ باطلة في دراسة الإسلام؛ مثل: بشرية القرآن، وعدم صدق النبي صلى الله عليه وسلم في نبوته.

 

13 - التمويه والتلبيس في البحث؛ وذلك بالخلط بين الحق والباطل، وزرع الشكوك بدعوى الالتزام بالمنهج التاريخي الاجتماعي، والاستدلال بالأدلة على غير ما تدل عليه، وتحليل أحداث التاريخ الإسلامي تحليلًا مُراوغًا، يخدم الأغراض والأهداف المرسومة.

 

ومع هذا كله، فإننا نجد عباراتٍ رائعة قالها بعض المستشرقين الإسبان في حق النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها تلك المقولة الرائعة - التي أختم بها بحثي - للمستشرق الإسباني (جان ليك) في كتابه "العرب"[16]:

"وحياة محمد [صلى الله عليه وسلم] التاريخية لا يمكن أن توصف بأحسن مما وصفها الله بألفاظ قليلة، بيَّن بها سبب بعث النبي محمد [صلى الله عليه وسلم]: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وقد برهن بنفسه على أن لديه أعظمَ الرحمات لكل ضعيف، ولكل محتاج إلى المساعدة، كان محمد [صلى الله عليه وسلم] رحمة حقيقة لليتامى والفقراء وابن السبيل، والمنكوبين والضعفاء، والعمَّال وأصحاب الكد والعناء، وإني بلهفة وشوق أصلِّي عليه وعلى أتباعه"!

 

وفي نهاية المطاف أقول:

إن معظم الكتابات الغربية - ومنها الكتابات الإسبانية - التي تناولت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم قد تلوثت بفيروس مناخ المواجهة بين الشرق والغرب، وانتمت إلى نظامٍ من المعرفة، محكوم بعلاقات القوة والمصالح الدنيوية التي كثيرًا ما تتخذ الدين مظلة إيديولوجية لها، وتتخذ ذلك ذريعة لتدجين الآخر واحتوائه، والسيطرة عليه وتقرير مصيره.


وحريٌّ بهذه المعرفة - إذا ما أريدَ لها أن تُسهم في الارتقاء بمستواها النوعي، والمشاركة في تعزيز التفاهم بين الأمم والشعوب - أن تطهِّر نفسها بشتى الوسائل من فيروس القوة والمصالح الدنيوية والنزعات الإيديولوجية المختلفة التي تحفزها.


وعندها يصبح الوصول إلى الحقيقة هو الهدف الأسمى للمعرفة التي ينبغي أن تتخذ سبيلًا لنشر المحبة والسلام بين الأمم والشعوب، وليس لتأجيج نار العداوة والبغضاء والكراهية التي تستعرُ هذه الأيام في بعض دوائر الغرب تجاه ما يسمى بخطر الإسلام.


وأخيرًا أرجو أن أكون قد وُفِّقت للصواب فيما عرضتُه، مقرًّا بأن ما دونته في هذه الدراسة عن جهود المستشرقين الإسبان في التصنيف في السيرة النبوية يعد غيضًا من فيض، ودُرة من عِقد، أحببت أن أسهم بها في هذه الندوة الميمونة، ومعترفًا بأن ما تركتُه أعظم مما كتبته، ولكن - كما قيل -: ما لا يدرك كله لا يُترك جله.

 

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 

قائمة المصادر والمراجع

1- القرآن الكريم.

2 - الاستشراق بين الحقيقة الاستشراق بين الحقيقة والتضليل: مدخل علمي لدراسة الاستشراق؛ لإسماعيل محمد، الطبعة الثالثة دار الكلمة للنشر، القاهرة: 2000 م.

3- الإسلام في تصورات الاستشراق الإسباني؛ للدكتور محمد عبدالواحد العسري، مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، الرياض 1424 هـ - 2003 م.

4- تعقيبات على الاستشراق؛ لإدوارد سعيد، ترجمة وتحرير صبحي الحديدي، الطبعة الأولى، عمَّان، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1996.

5- تفسير الرازي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1421هـ - 2000م.

6- تفسير القرآن العظيم؛ لابن كثير الدمشقي، دار الفكر - بيروت - 1401هـ

7- جامع البيان عن تأويل آي القرآن؛ لمحمد بن جرير الطبري، دار الفكر - بيروت - 1405هـ.

8- الجامع لأحكام القرآن؛ للقرطبي، دار الشَّعب - القاهرة - مصر، دون تاريخ.

9- دراسات إسبانية للسيرة النبوية؛ لمحمد برادة، بحث مقدم لندوة العناية بالسنة والسيرة التي نظَّمها مجمع طباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة.

10- زاد المعاد في هدي خير العباد؛ لابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرناؤوط - عبدالقادر الأرناؤوط، الطبعة: الرابعة عشرة، مؤسسة الرسالة - مكتبة المنار الإسلامية - بيروت - الكويت - 1407 - 1986.

11- صحيح البخاري، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، الطبعة: الثالثة، دار ابن كثير، اليمامة - بيروت - 1407 - 1987.

12- العرب؛ للمستشرق الإسباني جان ليك.

13- الكشَّاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل؛ للزمخشري، تحقيق: عبدالرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان.

14- المستشرقون؛ لنجيب العقيقي، الطبعة الرابعة، دار المعارف، القاهرة.

15- موسوعة ويكيبيديا الإلكترونية على شبكة المعلومات الدولية.

16- موقع مركز المدينة المنوَّرة لدراسات وبحوث الاستشراق.



[1] إعداد: الدكتور عبدالعزيز شاكر حمدان الكبيسي - الأستاذ المشارك بكلية الشريعة والقانون - جامعة الإمارات العربية المتحدة.

[2] انظر: موسوعة ويكيبيديا الإلكترونية، تعقيبات على الاستشراق؛ لإدوارد سعيد، الاستشراق بين الحقيقة والتضليل: مدخل علمي لدراسة الاستشراق؛ لإسماعيل محمد.

[3] محمد برادة في بحثه "دراسات إسبانية"، 8.

[4] انظر: المستشرقون؛ لنجيب العقيقي: 2/ 194 - 196، موقع مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث المستشرقين.

[5] انظر المصدر السابق: 2/ 184.

[6] انظر المصدر السابق: 2/ 242، 243.

[7] المصدر السابق: 2/ 183، 3/ 546.

[8] انظر المصدر السابق: 2/ 261.

[9] المصدر السابق: 3/ 546.

[10] زاد المعاد في هدي خير العباد: 3/ 50 - 51.

[11] انظر: جامع البيان: 22/ 12، تفسير الرازي 13/ 184، الكشاف للزمخشري: 3/ 262.

[12] انظر: جامع البيان للطبري: 22/ 11، تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/ 489، صحيح البخاري: حديث رقم 4787.

[13] الجامع لأحكام القرآن: 14/ 191.

[14] انظر دراسات إسبانية: 30.

[15] انظر دراسات إسبانية: 29 - 32.

[16] ص 43.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مزايا السيرة النبوية
  • تهذيب السيرة النبوية (2)
  • السيرة النبوية وأثرها في بناء المشروع الحضاري للأمة
  • السيرة النبوية ومكانتها في الإسلام
  • السيرة النبوية والاستشراق
  • أهمية دراسة السيرة النبوية من الناحية الإستراتيجية
  • التأسي بالنموذج والتواصل الحي مع السيرة النبوية
  • السيرة ومنهج التغيير
  • منطق العربية في ظلال السيرة النبوية
  • أهمية وفوائد دراسة السيرة وعلم التاريخ
  • سيرته صلى الله عليه وسلم في أمر اللباس
  • لنتعلم من الرسول صلى الله عليه وسلم
  • طعن المستشرقين في رواة الأحاديث
  • التراجم: نماذج من المستشرقين المنصرين (1)

مختارات من الشبكة

  • شبكة السنة تتيح الاستماع لأحاديث السيرة النبوية(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • المختصر في السيرة النبوية من المولد إلى البعثة النبوية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أثر السنة النبوية في إصلاح الواقع الاجتماعي: نماذج عملية تطبيقية في السيرة النبوية (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • منازل السنة النبوية في مناهج السيرة النبوية (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تاريخ الكتابات الإيطالية في السيرة النبوية خلال النصف الأول من القرن العشرين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مختصر السيرة النبوية لابن شيخ الحزاميين(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الأسرة والسيرة النبوية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • السيرة النبوية الكاملة الشاملة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شبهات المستشرقين حول السيرة النبوية (القائلين بها، أدلتهم، تفنيدها) دراسة نقدية(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • جهود المستشرقين الألمان في التصنيف في السيرة النبوية (WORD)(كتاب - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب