• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

أصنام المشركين.. هل ستحمى باسم الآثار؟

فهد بن سعد أباحسين

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/2/2010 ميلادي - 25/2/1431 هجري

الزيارات: 18317

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أصنام المشركين.. هل ستُحمَى باسم الآثار؟


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحْبه أجمعين.

 

أمَّا بعدُ:

نعيش في هذه الأيام دعوةً محمومة للمحافظة على الآثار وترْميمها.

 

والسؤال الذي يَطرح نفسَه: إذا وجدْنا صنَم هُبَلَ الذي عبَده كفَّار قريش، والتماثيلَ التي عبَدَها قومُ نوح - وَدًّا وسُواعًا ويَغوث ويَعوق ونَسْرًا - إذا وَجَدْنا العِجْل الذي عبَدَه قومُ موسى، إذا وجدْنا قبرَ اللاتِ والعُزَّى، فهل سنُحافظ عليها ونُرمِّمها ونبنيها بناءً على الطريقة القديمة، ونجعلها مزاراتٍ، ونُنْفق عليها الأموالَ كما صَنع كفارُ قريش؟ هل سنضع كل ذلك باسم المحافظة على الآثار؟ أم سنهدمها كما هدَمَها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم؟!

 

ثم قَلِّبِ الطرفَ في هذه الدعوة - الدعوة إلى المحافظة على الآثار - لتَرَى قومًا جَعَلوا ظاهرَ هذه الدعوةِ المحافظةَ على الآثار، وباطنَها تعظيمَ أماكنِ الأنبياءِ والصالحين بالأبنية والزخرفة وترميمها، (وهذه الدَّعْوة مِن أعظم وسائلِ الشِّرْك، ومِنْ أعْظم أسباب عِبادة الأنبياء والصالحين)؛ انظر فتاوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز (1 / 391).

 

وإذا عُبدَت بيوتُ الأنبياءِ والصالحين؛ فما الفرْق بينها وبين قبْر اللاَّت؟ أليس اللاتُ قبْرَ رجُلٍ صالح؟! فهل يجوز بقاء هذه الأوثان، سواء كان بيتًا أو قبةً أو حَجرًا أو صَنمًا، سُمِّيَتْ آثارًا أو أصنامًا أو غيره؟!

 

والمؤمن الموحِّد المتَّبع للنبي صلى الله عليه وسلم يسأل نفسَه:

هل حَفِظَ لنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم قُبُورَ الأنبياء أو بيوتهم أو أماكنهم؟! أين قبرُ نوحٍ وإبراهيم وموسى عليهم السلام؟! لماذا لم تَحْفَظ لنا الشريعةُ أماكنَ بيوتِ الأنبياءِ والصالحين؟! أين بيوت الصالحين مِن قومِ عيسى عليه السلام، وغيرِه من الأنبياء؟! أين أماكن عِبادتِهم؟! وهل أَرْشَدَ النبيُّ إلى زيارة المساجد التي صلَّى فيها الصالحون دون غيرها، كما فضَّل المسجدَ الحرامَ، والمسجدَ النبويَّ، والمسجدَ الأقصى؟!

 

وتعجب أشدَّ العجب حينما تَرى بعضَ المنتسِبين لِلعِلم يَدْعُون إلى إحياء هذه الأماكن، مع أنها غير محفوظة في سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، فما الداعي للبحث عن هذه الأماكن، فضلًا عن إحيائها؟!

 

وقد كنتُ كتبتُ ردًّا على د. عبد الوهاب أبو سليمان، وطُبع بعنوان: "تصحيح المفاهيم حول إحياء أماكن الأنبياء والصالحين"، وهو موجود في الشبكة العنكبوتية، وبيَّنْتُ فيه خطورةَ الغُلُوِّ في آثار الصالحين، كما بَيَّنْتُ أن بعض الآثار والأماكن مشكوكٌ في صحَّتها تاريخيًّا؛ كمكان مولد النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، كما بيَّنتُ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَحْفَظ لنا بيتًا أو قبرًا لأحد الأنبياء عليهم السلام، أو الصالحين.

 

ولما رأيتُ تَجَدُّدَ هذه الدعوة، وهي بوابةٌ خطيرة لعودة الجاهلية، وشِرْك كفارِ قريش - لما رأيتُ ذلك، نقلْتُ فتاوى اللجنة الدائمة في حكم زيارة هذه الآثار، وفي حكم ترميمها وتسهيل الوصول إليها، كما نقلْتُ فتاوى اللجنة الدائمة بهدْم المساجد السبعة، وهي أربع فتاوى كما يلي:

الفتوى الأولى:

فتوى رقم (....) وتاريخ 29 / 11 / 1415هـ.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بَعدَه.

 

وبعدُ:

فقد اطَّلعتِ اللجنةُ الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي/ عبد الله بن عبد الرحمن، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (4574)، وتاريخ 3 / 11 / 1415هـ، وقد سأل المستفتي سؤالًا هذا نصه:

(لي أخ يقوم بتزوير الحجَّاج والمعتمرين إذا قدموا إلينا في المدينة المنوَّرة على بعض المزارات، وبعضُها غيرُ شرعي؛ كالمساجد السبعة، وبئر عثمان، وبئر الدود، وتربة الشفاء، ومسجد العريض، وبعض الأماكن الأخرى كمسجد القبلتين، ويأخُذ مقابلَ ذلك أجرةً مالية، يَشترطها قبْل إركاب الحُجَّاج معه، أو يتَّفق مع المسؤول عن حملة الحجاج في ذلك، فهل عمله ذلك جائز شرعًا؟ وهل ما يأخذ مِن أجرة تَجُوز له؟ أفْتُونا عن ذلك مفصلًا، ولكم الأجر والمثوبة).

 

بعد دراسة اللجنة للاستفتاء، أجابت بأن هذا العمل الذي يقوم به أخوك - وهو الذهاب بالحجاج والمعتمرين إلى أماكن في المدينة لا تجوز زيارتها كالمساجد السبعة وما ذكر معها - هو عمل محرَّم، وما يأخذ في مقابله من المال كسبٌ حرام، وعليك مُناصحتُه بترْك هذا العمل، فإن لم يمتثل، فأَبلِغ عنه هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ للأخذ على يده، وبالله التوفيق.

 

وصلى الله على نبيِّنا محمد وآله وصحبه وسلَّم.

 

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.

 

ملاحظة: وقَّع على هذه الفتوى:

الرئيس/ عبد العزيز بن باز، عضو/ عبد الله بن عبد الرحمن الغديان، عضو/ بكر بن عبد الله أبو زيد، عضو/ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، عضو/ صالح بن فوزان الفوزان.

 

الفتوى الثانية:

فتوى رقم (19592)، وتاريخ 16 / 4 / 1418هـ.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بَعدَه.

 

وبعدُ:

فقد اطَّلعتِ اللجنةُ الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العامِّ مِن فضيلة قاضي البدع، بخطابه رقم (239)، وتاريخ 25 / 3 / 1418هـ، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامَّة لهيئة كبار العلماء برقم (1854)، وتاريخ 30 / 3 / 1418هـ، وقد سأل فضيلتُه سؤالًا هذا نصُّه: (يُوجَد في مدينة البدع بمنطقة تبوك آثارٌ قديمة، ومساكنُ منحوتة في الجبال، ويَذكُر بعضُ الناس أن هذه مساكن قوم شعيب عليه السلام، والسؤال:

هل ثبتَ أن هذه هي مساكنُ قوم شُعيب عليه السلام، أو لم يَثبُت ذلك؟ وما حُكم زيارة تلك الآثار لمن كان قصْده الفرجة والاطلاع؟ ولمن كان قصْده الاعتبار والاتعاظ؟).

 

وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بما يلي:

اشتُهر عند الإخباريِّين أن منازل مَدْيَنَ الذين بُعث فيهم نبيُّ اللهِ شعيب عليه الصلاة والسلام هي في الجهة الشمالية الغربية من جزيرة العرب، والتي تُسمَّى الآن (البدع) وما حولها، والله أعلمُ بحقيقة الحال، وإذا صحَّ ذلك فإنه لا يجوز زيارة هذه الأماكن لقصْد الفرجة والاطلاع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا مرَّ بالحجر وهي منازل ثمود قال: ((لا تدخلوا مساكن الذين ظَلموا أنفسَهم؛ أن يُصيبَكم ما أصابهم، إلا أن تكُونوا باكين، ثم قَنَّع رأسَه وأسرع السير حتى أجاز الوادي))؛ رواه البخاري في صحيحه، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

 

وفي رواية له أيضًا: ((لا تَدخُلوا على هؤلاء المعذَّبين إلا أن تكونوا باكين أن يُصيبَكم مثلُ ما أصابهم)).

 

قال ابن القيم رحمه الله تعالى في أثناء ذكْره للفوائد والأحكام المستنبَطة مِن غزوة تبوك: "ومنها: أنَّ مَن مرَّ بديار المغضوب عليهم والمعذَّبين، لَم يَنْبَغِ له أن يَدخُلها، ولا يقيم بها، بل يسرع السير، ويتقنَّع بثوبه حتى يجاوزها، ولا يَدخل عليهم إلا باكيًا معتبرًا، ومِن هذا إسراع النبيِّ صلى الله عليه وسلم السيرَ في وادي مُحسّر بين منى ومزدلفة، فإنه المكان الذي أَهْلَكَ اللهُ فيه الفيلَ وأصحابَه"؛ "زاد المعاد" (3 / 560).

 

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في صدد شرحِه للحديث السابق: "وهذا يَتناول مساكنَ ثمود وغيرِهم ممن هو كَصِفَتِهم، وإنْ كان السبب وَرَدَ فيهم"؛ "فتح الباري" (6 / 380).

 

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبيِّنا محمد وآله وصحبه وسلَّم.

 

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.

 

ملاحظة: وقَّع على هذه الفتوى:

الرئيس/ عبد العزيز بن باز، عضو/ عبد الله بن عبد الرحمن الغديان، عضو/ بكر بن عبد الله أبو زيد، عضو/ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، عضو/ صالح بن فوزان الفوزان.

 

الفتوى الثالثة:

فتوى رقم (19729)، وتاريخ 27/ 6/ 1418هـ.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعده.

 

وبعد:

فقد اطَّلعتِ اللجنةُ الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما وَرَدَ إلى سماحة المفتي العامِّ مِن المستفتي/ محمد إلياس عبد الغني، والمُحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (1873)، وتاريخ 30/ 3/ 1418هـ، وقد سأل المستفتي سؤالًا هذا نصُّه: "أرجو مِن فضيلتكم التكرُّم بالإجابة على السؤال التالي:

أولًا: ما حكْم الشريعة الإسلامية فيمَن يأتي المدينة المنوَّرة ليصلي في المسجد النبوي الشريف، ثم يذهب إلى مسجد قباء ومسجد القبلتين، ومسجد الجمعة ومساجد المصلى - مسجد الغمامة، ومسجد الصديق، ومسجد علي، رضي الله عنهما - وغيرها من المساجد الأثرية، وبعد دخوله فيها يُصلي ركعتي التحية، فهل يجوز ذلك أو لا؟

 

ثانيًا: بَعدما يَصِل الزائرُ إلى المسجد النبوي الشريف، هل له أن يَنتَهز الفرصةَ للذهاب إلى المساجد الأثرية بالمدينة المنورة بنيَّة الاطلاع والتأمُّل في تاريخ السَّلَف الصالح، والدراسة التطبيقية للمعلومات التي قرأها في كتب التفسير والحديث والتاريخ تجاه الغزوات ومساكن القبائل من الأنصار؟ أرجو الإفادة.

 

وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بما يلي:

إن الجواب على هذين السؤالين يقتضي البيان في التفصيل الآتي:

أولًا: باستقراء المساجد الموجودة في مدينة النبي صلَّى الله عليه وسلم المدينة المنورة حرسَها الله تعالى - تبيَّن أنها على أنواع هي:

النوع الأول: مسجد في مدينة النبي صلَّى الله عليه وسلم: ثبتت له فضيلة بخصوصه، وهما مسجدان لا غير:

أحدهما: مسجد النبي صلَّى الله عليه وسلم، وهو داخلٌ مِن باب أَوْلى في قول الله تعالى: ﴿ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 108]، وهو ثاني المساجد الثلاثة التي تُشَدُّ إليها الرحال، كما ثبتت السُّنَّة بذلك، وثبت أيضًا في السُّنَّة الصحيحة الصريحة: أن صلاةً فيه خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام.

 

ثانيهما: مسجد قباء، وقد نزل فيه قول الله تعالى: ﴿ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى... ﴾ [التوبة: 108] الآية، وفي حديث أُسيد بن ظهير الأنصاري رضي الله عنه، عن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال: ((صلاةٌ في مسجد قباء كعُمرة))؛ رواه الترمذي وابن ماجه وغيرُهما.

 

وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: ((مَن تَطهَّر في بيته، ثم أتى مسجد قباء فصلَّى فيه صلاةً، كان له أجر عُمرةٍ))؛ رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وغيرُهم، وهذا لفظ ابن ماجه.

 

النوع الثاني: مساجد المسلمين العامة في مدينة النبي صلَّى الله عليه وسلم: فهذه لها ما لعموم المساجد، ولا يثبت لها فضل يخصُّها.

 

النوع الثالث: مسجد بُني في جهةٍ كان النبي صلَّى الله عليه وسلم صلَّى فيها، أو أنه هو عين المكان الذي صلى فيه تلك الصلاة؛ مثل مسجد بني سالم، ومصلى العيد، فهذه لم يَثبت لها فضيلة تخصُّها، ولم يَرِدْ ترغيبٌ في قصْدها وصلاة ركعتين فيها.

 

النوع الرابع: مساجد بدعيَّة محدثة نُسبت إلى عصر النبي صلَّى الله عليه وسلم، وعصرِ الخلفاء الراشدين، واتُّخِذت مزارًا؛ مثل المساجد السبعة، ومسجد في جبل أحد، وغيرها، فهذه مساجد لا أصل لها في الشرع المطهَّر، ولا يجوز قصْدُها لعبادة ولا لغيرها، بل هو بدعة ظاهرة.

 

والأصل الشرعي: ألَّا نعبد إلا الله، وألَّا نعبد الله إلا بما شرع على لسان نبيِّه ورسوله محمد صلَّى الله عليه وسلم، وإنه بالرجوع إلى كتاب الله، وسُنَّة رسوله محمد صلَّى الله عليه وسلم، وكلام سَلَفِ الأمَّة الذين تَلقَّوا هذا الدين عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، وبلَّغوه لنا عنه وحذَّرونا من البدع؛ امتثالًا لأمر البشير النذير عليه الصلاة والسلام؛ حيث يقول في الحديث الصحيح: ((مَن عمِل عملًا ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ))، وفي لفظ: ((مَن أحدَث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ))، وقال عليه الصلاة السلام: ((عليكم بِسُنَّتي، وسُنَّة الخلفاء الراشدين مِن بَعدي، عضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومُحْدَثاتِ الأمور؛ فإن كلَّ محدَثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))، وقال: ((اقْتَدُوا باللذَيْنِ مِن بعدي: أبي بكر وعمر)).

 

وقال عليه الصلاة والسلام عندما طَلَب منه بعضُ الصحابة أن يجعل لهم شجرةً يَتبرَّكون بها ويُعلِّقون بها أسلحتَهم، قال: ((الله أكبر، إنها السنن، قُلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ [الأعراف: 138]، وقال صلَّى الله عليه وسلم: ((افتَرَقَت اليهودُ على إحدى وسبعين فرقة، وافتَرَقَت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمَّة على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلُّها في النار إلا واحدة))، قيل: مَن هي يا رسول الله؟ قال: ((مَن كان على مِثْل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)).

 

ونقل ابن وضاح (ص9) في كتابه "البدع والنهي عنها" بسنده، عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ أن عمرو بن عتبة وأصحابًا له بَنَوْا مسجدًا بظهر الكوفة، فأمَر عبد الله بذلك المسجد فهُدِم، ثم بلَغَه أنهم يجتمعون في ناحية من مسجد الكوفة يُسبِّحون تسبيحًا معلومًا، ويُهلِّلون تهليلاً ويكبِّرون، قال: فلبس برنسًا ثم انطلق، فجلس إليهم، فلمَّا عَرف ما يقولون، رفع البرنس عن رأسه، ثم قال: أنا أبو عبد الرحمن، ثم قال: لقد فَضَلْتُم أصحابَ محمد عِلمًا، أو لقد جئتم ببدعة ظلمًا... إلخ.

 

وحذَّر هو وغيرُه من الابتداع وحثُّوا الناسَ على اتباع مَن سَلَفَ، وثبت أن عمر رضي الله عنه قطع الشجرة التي بايع النبيَّ صلَّى الله عليه وسلم أصحابُه بيعة الرضوان تحتها، لما رأى بعضَ الناس رضي الله عنه يَذهبون إليها، ولما رأى الناسَ يَذهبون مذهبًا سأل عنهم، فقيل له: يَذهبون يُصَلُّون في مكان صلى فيه النبي صلَّى الله عليه وسلم وهو في طريق الحج، غضب، وقال: إنما هلك مَن كان قبلكم بتتبُّع آثار أنبيائهم، اهـ.

 

ومعلومٌ أن الهدف من بناء المساجد جمْع الناس فيها للعبادة، وهو اجتماع مقصود في الشريعة، ووجودُ المساجد السبعة في مكان واحد لا يُحقِّق هذا الغرض، بل هو مدعاة للافتراق المُنَافي لمقاصِد الشريعة، وهي لم تُبْنَ للاجتماع؛ لأنها متقاربة جدًّا، وإنما بُنيَت للتبرُّك بالصلاة فيها والدعاء، وهذا ابتداعٌ واضح، أمَّا أصل هذه المساجد بهذه التسمية - أي: المساجد السبعة - فليس له سندٌ تاريخي على الإطلاق، وإنما ذَكَرَ ابن زبالة مسجد الفتح، وهو رجل كذاب، رماه بذلك أئمَّة الحديث، مات في آخر المائة الثانية، ثم جاء بعده ابن شبه المؤرخ وذكره، ومعلوم أن المؤرخين لا يَهتمُّون بالسَّند وصحَّته، وإنما ينقلون ما يبلغهم، ويجعلون العُهدة على مَن حدَّثَهم، كما قال ذلك الحافظ الإمام ابن جرير في "تاريخه"، أمَّا الثبوت الشرعي لهذه التسمية أو لمسجد واحد منها، فلم يُعرَف بسند صحيح، وقد اعتنَى الصحابة بنقل أقوال الرسول عليه السلام وأفعاله، بل نقلوا كلَّ شيء رأوا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلم يفعله، حتى قضاء الحاجة، ونقلوا إتيانَ النبي صلَّى الله عليه وسلم لمسجد قباء كل أسبوع، وصلاته على شهداء أحد قبل وفاته كالمودِّع لهم، إلى غير ذلك ممَّا أمتلأت به كتب السُّنَّة.

 

أمَّا هذه المساجد فقد بَحَثَ الحفَّاظ والمؤرِّخون عن أصول تسميتها، فقال العلَّامة السمهودي رحمه الله: لم أقِفْ في ذلك كله على أصل، وقال بعد كلام آخر: مع أني لم أقف على أصل في هذه التسمية، ولا في نسبة المسجدين المتقدِّمين في كلام المطري.

 

أمَّا شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله فيقول: والمقصود هنا أن الصحابة والتابعين لهم بإحسان، لم يَبْنُوا قط على شيء من آثار الأنبياء، مثل مكان نزل فيه أو صلى فيه أو فعل فيه شيئًا من ذلك، لم يكونوا يقصدون بناء مسجد لأجل آثار الأنبياء والصالحين، بل إن أئمَّتهم كعمر بن الخطاب وغيرِه، يَنْهَوْن عن قصد الصلاة في مكان صلى فيه رسول الله صلَّى الله عليه وسلم اتفاقًا لا قصدًا، وذكر أن عُمر وسائر الصحابة من الخلفاء الراشدين عثمان وعلي وسائر العشرة وغيرهم، مثل ابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب - لا يقصدون الصلاة في تلك الآثار، ثم ذكر شيخ الإسلام أن في المدينة مساجد كثيرة، وأنه ليس في قصْدها فضيلةٌ سوى مسجد قباء، وأن ما أُحدث في الإسلام من المساجد والمشاهد على القبور والآثار من البدع المحدَثة في الإسلام، مِن فِعْل مَن لم يَعرف شريعة الإسلام، وما بعث الله به محمدًا صلَّى الله عليه وسلم؛ من كمال التوحيد وإخلاص الدين لله، وسد أبواب الشِّرْك التي يَفتحها الشيطان لبني آدم. اهـ.

 

وقد ذكر الشاطبي في كتابه "الاعتصام": أن عمر رضي الله عنه لما رأى أناسًا يذهبون للصلاة في موضع صلى فيه الرسول صلَّى الله عليه وسلم قال: إنما هلك مَن كان قبلكم بهذا؛ يتبعون آثارَ أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبِيَعًا.

وقال أيضًا: قال ابن وضاح: وقد كان مالكٌ يَكْره كلَّ بدعة وإن كانت في خير؛ لئلاَّ يتَّخذ سُنَّة ما ليس بسُنَّة، أو يعد مشروعًا ما ليس معروفًا. اهـ.

وقال الشاطبي أيضًا رحمه الله: وسُئل ابن كنانة عن الآثار التي تركوا في المدينة فقال: أثبت ما عندنا قباء... إلخ.

 

وقد ثبت أن عمر رضي الله عنه قطع الشجرة التي رأى الناس يذهبون للصلاة عندها؛ خوفًا عليهم من الفتنة، وقد ذكر عمر بن شبه في "أخبار المدينة" وبَعده العينيُّ في "شرح البخاري" مساجد كثيرة، ولكن لم يذكروا المساجد السبعة بهذا الاسم.

 

وبهذا العرض الموجز يُعلم أنه لم يَثبت بالنقل وجود مساجد سبعة، بل ولا ما يسمى بمسجد الفتح، والذي اعتنَى به أبو الهيجاء وزير العبيديين المعروفِ مذهبُهم، وحيث إنَّ هذه المساجد صارت مقصودة من كثيرٍ من الناس لزيارتها والصلاة فيها والتبرُّك بها، ويُضَلَّل بسببها كثير من الوافدين لزيارة مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فقصْدُها بدعة ظاهرة، وإبقاؤها يَتعارَض مع مقاصد الشريعة وأوامر المبعوث بإخلاص العبادة لله، وتقضي بإزالتها سُنَّةُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم؛ حيث قال: ((مَن عمل عملًا ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ))، فتجب إزالتها درءًا للفتنة، وسدًّا لذريعة الشرك، وحفاظًا على عقيدة المسلمين الصافية، وحماية جناب التوحيد؛ اقتداءً بالخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ حيث قطع شجرة الحديبية لما رأى الناس يذهبون إليها؛ خوفًا عليهم من الفتنة، وبيَّن أن الأمم السابقة هلكت بتتبُّعها آثار الأنبياء التي لم يؤمروا بها؛ لأن ذلك تشريع لم يأذن به الله. انتهى.

 

ثانيًا: وممَّا تقدَّم يُعلم أن توجُّه الناس إلى هذه المساجد السبعة وغيرها من المساجد المحدثة لمعرفة الآثار، أو للتعبد والتمسح بجدرانها ومحاربها، والتبرك بها - بدعة، ونوع من أنواع الشرك، شبيهٌ بعمل الكفار في الجاهلية الأولى بأصنامهم، فيجب على كل مسلم ناصحٍ لنفسِه ترْك هذا العمل، ونصْح إخوانه المسلمين بترْكه.

 

ثالثًا: وبهذا يُعلم أن ما يقوم به بعض ضعفاء النفوس من التغرير بالحجاج والزوار، وحملهم بالأجرة إلى هذه الأماكن البدعية، كالمساجد السبعة - هو عمل محرم، وما يأخذ في مقابله من كسب حرامٌ، فيتعيَّن على فاعله ترْكه؛ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، والله الموفق.

 

وصلى الله على نبيِّنا محمد وآله وصحبه وسلَّم.

 

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.

 

ملاحظة/ وقَّع على هذه الفتوى:

الرئيس/ عبد العزيز بن باز، عضو/ عبد الله بن عبد الرحمن الغديان، عضو/ بكر بن عبد الله أبو زيد، عضو/ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، عضو/ صالح بن فوزان الفوزان.

 

الفتوى الرابعة:

اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ردَّتْ على أحد الكتَّاب في جريدة الرياض في هذا الشأن، حيث قالت اللجنة:

"الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهداه.

 

أما بعد:

فقد نشرت جريدة الرياض في عددها الصادر 21/ 10/ 1412هـ مقالًا بقلم: س ر، تحت عنوان: "ترميم بيت الشيخ محمد بن عبد الوهاب بحريملاء"، وذكر أن الإدارة العامة للآثار والمتاحف أولتِ اهتمامًا بالغًا بمنزل مجدِّد الدعوة السلفية الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في حي غيلان بحريملاء، حيث تمتْ صيانتُه، وأُعيد ترميمُه بمادة طينية تُشبه مادة البناء الأصلية... إلى أن قال: وتم تعيين حارس خاصٍّ لهذا البيت... إلخ".

 

وقد اطَّلعَت اللجنةُ الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية على المقال المذكور، ورأت أن هذا العمل لا يجوز، وأنه وسيلة للغلوِّ في الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأشباهِه من علماء الحق، والتبرُّك بآثارهم، والشِّرْك بهم، ورأت أن الواجب هدمُه، وجعل مكانه توسعة للطريق؛ سدًّا لذرائع الشرك والغلوِّ، وحسمًا لوسائل ذلك، وطلبت من الجهة المختصة القيام بذلك فورًا، ولإعلان الحقيقة والتحذير من هذا العمل المنكر جرى تحريره.

 

الفتوى الخامسة:

ردَّ سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله على أحد الكتَّاب، وهو صالح جمال، حيث قال سماحته رحمه الله:

"فألفيتُ الكاتب المذكور يدْعو في مقاله المنوَّه عنه إلى تعظيم الآثار الإسلامية، والعناية بها؛ يخشى أن تندثر ويجهلها الناس.

 

ويمضي الكاتب فيقول: "والذين يَزُورُونَ الآن بيت شكسبير في بريطانيا، ومسكن بتهوفن في ألمانيا، لا يزورونها بدافع التعبُّد والتأليه، ولكن بروح التقدير والإعجاب لما قدَّمه الشاعر الإنجليزي والموسيقي الألماني لبلادهما وقومهما مما يستحق التقدير، فأين هذه البيوت التافهة من بيت محمد، ودار الأرقم بن أبي الأرقم، وغار ثور، وغار حراء، وموقع بيعة الرضوان وصُلح الحديبية؟!

 

إلى أن قال: ومنذ سنوات قليلة عمدتْ مصر إلى تسجيل تاريخ (أبو الهول) ومجد الفراعنة، وراحت ترسلها أصواتًا تحدث وتصوِّر مفاخر الآباء والأجداد، وجاء السوَّاح من كل مكان يستمعون إلى ذلك الكلام الفارغ، إذا ما قيست بمجد الإسلام، وتاريخ الإسلام، ورجال الإسلام في مختلف المجالات.

 

ويريد الكاتب من هذا الكلام أن المسلمين أَوْلى بتعظيم الآثار الإسلامية كغار حراء وغار ثور، وما ذكره الكاتب معهما آنفًا من تعظيم الإنجليز والألمان للفنانين المذكورين، ومن تعظيم المصريين لآثار الفراعنة.

 

ثم يقترح الكاتب أن تقوم وزارة الحج والأوقاف بالتعاون مع وزارة المعارف على صيانة هذه الآثار والاستفادة منها، بالوسائل التالية:

1- كتابة تاريخ هذه الآثار بأسلوب عصري، معبِّرٍ عما تحمله هذه الآثار من ذكريات الإسلام ومجده عبر القرون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

2- رسم خريطة أو خرائط لمواقع الآثار في كل من مكة والمدينة المنورة.

3- إعادة بناء ما تهدَّم من هذه الآثار على شكْل يُغاير الأشكال القديمة، وتحلية البناء بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية على لوحة كبرى، يُسجَّل بها تاريخٌ موجز للأثر وذكرياته بمختلف اللغات.

4- إصلاح الطرق إلى هذه الآثار، وخاصة منها الجبلية كغار ثور، وغار حراء، وتسهيل الصعود إليها بمصاعد كهربائية، كالتي يصعد بها إلى جبال الأرز في لبنان مثلًا مقابل أجر معقول.

5- تعيين قيِّم أو مرشد لكل أثرٍ مِن طلَبة العِلم، يتولى شرح تاريخ الأثر للزائرين، والمعاني السامية التي يمكن استلهامُها منه بعيدًا عن الخرافات والبدع، أو الاستعانة بتسجيل ذلك على شريط يُدار كلما لزمت الحاجة إليه.

6- إدراج تاريخ هذه الآثار ضمن المقررات المدرسية على مختلف المراحل. انتهى نقل المقصود من كلام صالح جمال.

 

ثم قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله:

ولما كان تعظيم الآثار الإسلامية بالوسائل التي ذكرها الكاتب يخالف الأدلةَ الشرعية، وما درج عليه سلفُ الأمة وأئمَّتها من عهد الصحابة رضي الله عنهم إلى أن مضَت القرون المفضلة، ويترتب عليه مشابهة الكفار في تعظيم آثار عظمائهم، وغلوُّ الجهَّال في هذه الآثار، [وإنفاق الأموال في غير وجهها؛ ظنًّا من المنفق أن زيارة هذه الآثار] من الأمور الشرعية، وهي في الحقيقة من البدع المحدَثة، ومن وسائل الشِّرْك، ومن مشابهة اليهود والنصارى في تعظيم آثار أنبيائهم وصالحيهم، واتخاذها معابد ومزارات؛ رأيتُ أن أعلِّق على هذا المقال بما يوضح الحق، ويكشف اللبس، بالأدلة الشرعية والآثار السلفية، وأن أفصِّل القول فيما يحتاج إلى تفصيل؛ لأن التفصيل في مقام الاشتباه مِن أهمِّ المهمَّات، ومن خير الوسائل لإيضاح الحق؛ عملًا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الدِّين النصيحة))، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم))، فأقول والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله:

 

قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَن أحدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رَدٌّ))؛ أخرجه الشيخان، وفي لفظ لمسلم: ((مَن عمِل عملًا ليس عليه أمرُنا، فهو ردٌّ))، وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يومَ الجمعة: ((أما بعد، فإن خير الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدْي هدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدَثاتُها، وكلَّ بدعة ضلالةٌ))، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

 

وهذه الآثار التي ذكرها الكاتب، كغار حراء، وغار ثور، وبيت النبي صلى الله عليه وسلم، ودار الأرقم بن أبي الأرقم، ومحل بيعة الرضوان، وأشباهها - إذا عظِّمتْ، وعُبِّدت طرقُها، وعُملتْ لها المصاعد واللوحات، لا تُزار كما تزار آثار الفراعنة، وآثار عظماء الكفرة؛ وإنما تزار للتعبُّد والتقرُّب إلى الله بذلك، وبذلك نكُون بهذه الإجراءات قد أحدثْنا في الدين ما ليس منه، وشرعْنا للناس ما لم يأذن به الله، وهذا هو نفس المنكر الذي حذَّر الله عز وجل منه في قوله سبحانه: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾ [الشورى: 21].

 

وحذَّر منه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((مَن أَحدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ))، وبقوله صلى الله عليه وسلم: ((لَتتبعُنَّ سننَ مَن كان قبلكم حذْوَ القذَّة بالقذَّة، حتى لو دخلوا جُحر ضبٍّ لدخلتموه))، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: ((فمَن؟!))؛ متَّفق على صحَّته، ولو كان تعظيم الآثار بالوسائل التي ذكرها الكاتب وأشباهها مما يحبُّه الله ورسوله، لأمر به صلى الله عليه وسلم أو فعَله، أو فعَله أصحابه الكرام رضي الله عنهم.

 

فلما لم يقع شيء من ذلك، عُلم أنه ليس مِن الدين؛ بل هو من المحدَثات التي حذر منها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وحذَّر منها أصحابه رضي الله عنهم، وقد ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أنكر تتبُّع آثار الأنبياء، وأمر بقطع الشجرة التي بُويِعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم تحتها في الحديبية، لما قيل له: إن بعض الناس يقصدها؛ حماية لجناب التوحيد، وحسمًا لوسائل الشرك والبدع والخرافات الجاهلية.

 

ثم نقل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله كلامَ العلماء في ذلك، إلى أن قال: وكلام أهل العلم في هذا الباب كثير، لا نحب أن نطيل على القارئ بنقله، ولعل فيما نقلناه كفاية ومقنعًا لطالب الحق.

 

إذا عرفتَ ما تَقدَّم من الأدلة الشرعية وكلام أهل العِلم في هذا الباب، علمتَ أن ما دعا إليه الكاتب المذكور من تعظيم الآثار الإسلامية كغار ثور، ومحل بيعة الرضوان وأشباهها، وتعمير ما تهدم منها، والدعوة إلى تعبيد الطرق إليها، واتخاذ المصاعد لما كان مرتفعًا منها كالغارين المذكورين، واتخاذ الجميع مزاراتٍ، ووضع لوحات عليها، وتعيين مرشدين للزائرين؛ كل ذلك مخالف للشريعة الإسلامية التي جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وسد ذرائع الشرك والبدع، وحسم الوسائل المفضية إليها.

 

وعرفتَ أيضًا أن البدع وذرائع الشِّرْك يجب النهي عنها، ولو حسُن قصدُ فاعلِها أو الداعي إليها؛ لما تفضي إليه من الفساد العظيم، وتغيير معالم الدين، وإحداث معابد ومزارات وعبادات لم يشرعها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله عز وجل: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، فكل شيء لم يكن مشروعًا في عهده صلى الله عليه وسلم، وعهد أصحابه رضي الله عنهم، لا يمكن أن يكون مشروعًا بعد ذلك، ولو فُتح هذا الباب لفسَدَ أمرُ الدين، ودخل فيه ما ليس منه، وأشبه المسلمون في ذلك ما كان عليه اليهودُ والنصارى من التلاعُب بالأديان، وتغييرِها على حسب أهوائهم واستحساناتهم وأغراضهم المتنوعة؛ ولهذا قال الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة في زمانه رحمه الله كلمة عظيمة، وافقَهُ عليها أهل العلم قاطبة، وهي قوله: "لن يُصلح آخرَ هذه الأمَّة إلا ما أَصلَح أولها"، ومراده بذلك أن الذي [أصلح أولَها هو التمسكُ بكتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، والسير على تعاليمهما، والحذر مما خالفهما، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا هذا الأمر الذي] صلح به أولُها.

 

 

ولقد صدق في ذلك رحمه الله؛ فإن الناس لما غيَّروا وبدَّلوا، واعتنقوا البدع، وأحدثوا الطرق المختلفة، تفرَّقوا في دينهم، والتبس عليهم أمرُهم، وصار كل حزب بما لديهم فرحون، وطمع فيهم الأعداء، واستغلُّوا فرصة الاختلاف، وضعف الدين، واختلاف المقاصد، وتعصُّبَ كلِّ طائفة لما أحدثتْه من الطرق المضلَّة، والبدع المنكرة، حتى آلت حال المسلمين إلى ما هو معلوم الآن من الضعف والاختلاف وتداعي الأمم عليهم... إلخ كلام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.

 

كما أنني أُحيل القارئ لفتوى الشيخ العلَّامة محمد بن إبراهيم رحمه الله على الاستفتاء الذي وجَّهتْه جريدة الندوة، في عددها الصادر 20 رمضان 1383هـ. "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (1/151).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أعداء الإسلام وعلم الآثار
  • العهد مع المشركين
  • فقر المشرك

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شبهة: عدم عبادة أصنام وأحجار بذاتها إلا لأنها رموز إلى أقوام ورجال صالحين(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • أصنام في بلاد الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • معركة سومنات في الهند(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • من الذي هدم العزى؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حال العرب قبل الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخليل عليه السلام (10) {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة}(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • واجنبني وبني أن نعبد الأصنام (2)(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • واجنبني وبني أن نعبد الأصنام (1)(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • { واجنبني وبني أن نعبد الأصنام }(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
3- شكر وثناء
عمار - السعودية 23-02-2010 03:32 PM
جزاكم الله خيراً وبارك فيكم ..... وبانتظار جديدكم
2- بارك الله فيك
جود 13-02-2010 11:49 AM
نعم أخي لا فض الله فاك قد كتبت شيئا كثيرا ما خالج صدري ، فبارك الله فيك
ليت أصحاب العقول يفقهون ، فيعملون .
1- تحطيم الأصنام
رجع الصدى - الجزائر 10-02-2010 06:11 PM
عن أبي الهياج الأسدي  قال : لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن لا أدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا إلا سويته)
شرح العقيدة الطحاوية بتحقيق الشيخ الألباني رحمه الله
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب