• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / شبهات فكرية وعقدية
علامة باركود

شبهة إنكار الوحي

شبهة إنكار الوحي
ياسر تاج الدين حامد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/11/2015 ميلادي - 16/2/1437 هجري

الزيارات: 65432

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شبهة إنكار الوحي


من أجل هذا فقد اهتم المشككون في الإسلام بمعالجة موضوع الوحي في حياة محمد صلى الله عليه وسلم، وصاروا يبذلون جهدًا فكريًّا شاقًّا من أجل التلبيس في حقيقته، والخلط بينه وبين الإلهام، وحديث النفس، بل وحتى الصرع أيضًا؛ وذلك لعلمهم بأن موضوع (الوحي) هو منبع يقين المسلمين وإيمانهم بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله، فلئن أتيح تشكيكهم بحقيقته، أمكن تكفيرهم بكل ما قد يتفرع عنه من عقائد وأحكام، وأمكنهم أن يمهدوا لفكرة أن كل ما دعا إليه محمد صلى الله عليه وسلم من المبادئ والأحكام التشريعية ليس إلا من تفكيره الذاتي[1].

 

ونجد ذلك في تحليل فكرة الوحي لدى غير المسلمين: من الشرقيين والغربيين، حيث كان هناك تفسيران لفكرة (الوحي)؛ فالتفسير الأول والذي تبناه كثير منهم، هو: أن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد وصل إلى اتخاذ قرار ادعاء النبوة بعد مرحلة تفكير عميق واعٍ، ومقارنة واضحة بين عقائد الوثنيين المشركين وبين العناصر التوحيدية التي استقاها من مصادر متعددة، وهذا الرأي قد تبناه (بروكلمان)..فقال: "وأغلب الظن أن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد انصرف إلى التفكير في المسائل الدينية في فترة مبكرة جدًّا...ومع الأيام أخذ الإيمان يعمر قلبه، ويملك عليه نفسه فيتجلى له فراغ الآلهة الأخرى...كان محمد صلى الله عليه وسلم يأخذ بأسباب التحنث والتنسك، ويسترسل في تأملاته حول خلاصه الروحي ليالي بطولها...لقد تحقق عنده أن عقيدة مواطنيه الوثنية فاسدة فارغة، فكان يضج في أعماق نفسه بهذا السؤال: إلى متى يمدهم الله في ضلالهم، ما دام عز وجل قد تجلى آخر الأمر للشعوب الأخرى بوساطة أنبيائه؟، وهكذا نضجت الفكرة في نفسه، أنه مدعو إلى أداء هذه الرسالة، رسالة النبوة"[2].

 

وسار على هذا النهج (ول ديورانت)، وأضاف إلى العناصر التي أقنعت محمدًا صلى الله عليه وسلم باتخاذ قراره، ما لاحظه من قوة سياسية للدول الموحدة، فقال: "وتدل كثير من آيات القرآن على إعجابه بأخلاق المسيحيين، وبما في دين اليهود من نزعة إلى التوحيد، وبما عاد على المسيحية واليهودية من قوة كبيرة؛ لأن لكلتيهما كتابًا مقدسًا تعتقد أنه موحى لها من عند الله...ولهذا أحس بالحاجة إلى دين جديد... دين يؤلف بين هذه الجماعات المتباغضة، ويخلق منها أمة قوية سليمة، دين يسمو بأخلاقهم... ولكنه قائم على أوامر منزلة لا ينازع فيها إنسان"[3].

 

أما عن الآب (لامانس) فقد جعل أسباب اعتناق النبي محمد صلى الله عليه وسلم للتوحيد والإيمان بالبعث، تكمن في الرؤى والأحلام والتملكات الشيطانية - كما يزعم -، وفي مقابل هذه المرحلة اللاواعية فقد كانت مرحلة النبوة الحقيقية قرارًا واعيًا اتخذه النبي محمد صلى الله عليه وسلم بناءً على قياس منطقي؛ ذلك أنه لما: "وجد أنه يلتقي في هذه المذاهب مع اليهود والنصارى، وأدى به الاقتناع بوجود إله واحد إلى القول بوجود وحي واحد، ولما كان من غير الممكن أن يترك الله العرب - فقد حكم بأنه مدعو إلى: الدعوة إلى هذه الحقائق بين مواطنيه"[4].

 

ومن أمثلة الاتهامات التي نالت من محمد صلى الله عليه وسلم: ما جاء به أحد عمالقة الأدب (Hugo Grotius هوجو جروتيوس) [5]؛ إذ أتى بتهمة جديدة لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، حين ادعى في رواية له: أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان يقوم بتدريب الحمام على التقاط الحبوب من أذنيه، حتى يستطيع بهذه الحيلة أن يوهم الناس أن روح القدس - الملك جبريل - قد جاءه على شكل حمامة ليوحي إليه برسالة الله، والتي دونها بعد ذلك في كتابه المقدس المسمى بالقرآن.

 

وبالطبع فإن (جروتيوس) كتب هذه الرواية الزائفة بوحي من قراءاته التي تأثر بها في الإنجيل؛ حيث جاء في العهد الجديد: {فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء وإذا السموات قد انفتحت له، فرأى روح الله نازلًا مثل حمامة وآتيًا عليه}[6]، وبهذا قد أوقع نفسه في مأزق لم يستطع الخروج منه، فحينما طلب منه برهان ما جاء به، تعثر وأجاب أنه: "لا يوجد برهان!" [7]، وأنى له بالبرهان على ما زعم؟! ولم يرد في كل الوثائق التي ذكرت وصف الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ما يشير من قريب أو بعيد إلى ما زعم، فهي لم تتعد ما جاء به (ابن القيم)، حين ذكر مراتب الوحي على أنها سبع مراتب، فقال:

الأولى: الرؤيا الصادقة، وكانت مبدأ وحيه صلى الله عليه وسلم، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.

 

الثانية: ما كان يلقيه الملَك في رُوعه وقلبه من غير أن يراه؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن رُوحَ القدس نفَث في رُوعي: أنه لن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها؛ فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله؛ فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته))[8].

 

الثالثة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمثل له الملَك رجلًا فيخاطبه حتى يعي عنه ما يقول له، وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحيانًا.

 

الرابعة: أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس، وكان أشده عليه، فيتلبس به الملك، حتى إن جبينه ليتفصد عرَقًا في اليوم الشديد البرد، وحتى إن راحلته لتبرك به إلى الأرض إذا كان راكبها،ولقد جاء الوحي مرة كذلك، وفخذه على فخذ زيد بن ثابت، فثقلت عليه حتى كادت ترضها.

 

الخامسة: أنه يرى الملَك في صورته التي خُلق عليها، فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه، وهذا وقع له مرتين؛ كما ذكر الله ذلك في القرآن: ﴿ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ﴾ [النجم: 7 - 14].

 

السادسة: ما أوحاه الله وهو فوق السموات ليلة المعراج من فرض الصلاة وغيرها.

 

السابعة: كلام الله له منه إليه بلا واسطة ملَك، كما كلم الله موسى بن عمران، وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعًا بنص القرآن، وثبوتها لنبينا صلى الله عليه وسلم هو في حديث الإسراء"[9].

 

وبعد عرض التفسير الأول والذي يتبنى: أن ادعاء محمد صلى الله عليه وسلم للنبوة كان خاضعًا لإرادته الواعية، نجد أن هناك من خالفه بتفسير آخر، فوقف موقفًا جديدًا يفسر انبثاق الوحي في نفس النبي باعتباره فعلًا غير خاضع بأي شكل من الأشكال لإرادته، ويعود السبب - الذي دعا هؤلاء إلى مخالفة ما ذهب إليه معظم زملائهم - إلى أن التفسير السابق يظهر النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم في ثوب الإنسان غير الصادق في دعواه النبوة، ووعيه التام بأنه كان يخدع الناس، ويتضح لنا هذا السبب في قول (وات)، حين ذهب إلى التأكيد على عناصر الصدق النفسي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم من منظور جدلي لأصحاب التفسير الأول، فقال: "وأقصى ما يصل إليه هذا الرأي: القول بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يكن يؤمن بما يوحى إليه، وأنه لم يتلقَّ الوحي من مصدر خارجي عنه، بل إنه ألف الآيات عن قصد ثم أعلنها للناس...ومثل هذه النظرة للأمور غير معقولة؛ وذلك لأنها لا تفسر لنا بصورة مرضية لماذا كان محمد صلى الله عليه وسلم في الفترة المكية مستعدًّا لتحمل جميع صنوف الحرمان؟ ولماذا فاز باحترام رجال شديدي الذكاء وذوي أخلاق مستقيمة؟ كما أن ذلك لا يجعلنا نفهم كيف نجح محمد صلى الله عليه وسلم في تأسيس ديانة عالمية أنجبت رجالًا قداستهم واضحة للعيان"[10].

 

وبعد أن رفض (وات) التفسير الأول من منظور علمي ومنطقي، جاء برأي مادي يستند على نظرية ما سماه (العقل الخلاق)، والذي اعتبره عنصرًا مشتركًا بين عدد من الناس القادرين على أن يعبروا عن أزمنتهم، حيث قال (وات): "وأبدأ بالتأكيد على أننا نجد، على الأقل عند بعض الرجال، ما نستطيع أن نسميه (الخيال الخلاق)، وإن الفنانين والشعراء والكتَّاب يعتبرون أمثلة لما نقوله، إنهم جميعًا يضعون في قوالب حساسة ما يشعر به الآخرون، ولكنهم لا يستطيعون التعبير عنه؛ ولهذا فإن أعمالًا كبرى للخيال الخلاق تكتسب صبغة عالمية مؤكدة؛ لأنها تعبر عن عواطف وميول جيل كامل،إنها طبعًا ليست أشياء خيالية؛ لأنها تعالج موضوعات واقعية، ولكنها تستعمل صورًا بصرية أو صورًا تستدعيها الكلمات، لتعبر عما وراء المفاهيم الفكرية للإنسان، وإن الأنبياء والقادة الدينيين - وأنا مصرٌّ على هذا - يمتلكون هذا الخيال الخلاق، إنهم يعلنون عن أفكار مرتبطة أشد الارتباط بأعمق ما يوجد في التجربة الإنسانية، والأكثر مركزية فيها، مع مرجعية خاصة لاحتياجات أزمنتهم"[11].

 

ومن يقرأ هذا الرأي لـ (وات) يتضح له دون إمعان التفكير في الكلمات، أن وات رفض فكرة الوحي من الأساس للأنبياء في كل زمان، واستبدلها بـما سماه (الخيال الخلاق)، وللتأكيد على مفهوم ما قاله وات، نستعرض قولًا آخر له ينكر فيه أن يكون الله هو مصدر القوة للأنبياء، حيث قال: "إن علامة النبي الكبير هي الجاذبية العميقة لأفكاره بالنسبة لمن توجه إليهم،من أين تأتي هذه الأفكار؟ بعضهم يقول: من اللاشعور، والمتدينون يقولون: من عند الله، على الأقل بالنسبة للأنبياء الموجودين في رواياتهم،ورغم أن البعض - مثل (البارون فون هوغل) - يذهبون إلى الادعاء: بأنه في كل مكان توجد حقيقة ما،فإن مصدرها هو الله، فإننا نستطيع أن نساند مقولة إن هذه الأفكار للخيال الخلاق تأتي من هذه الحياة الأكبر من الإنسان نفسه، والتي توجد في جانب كبير منها تحت مستوى الشعور"[12].

 

والحقيقة أننا نقف مندهشين أمام التفسير الذي أراد (وات) بوساطته أن يوحي للقراء بأنه غير خاضع فيه لمبادئ عقيدته المسيحية، بينما واقع الحال يكذب مزاعمه...ويبدو ذلك عندما نراه لا يسوي فعلًا بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبين أنبياء العهد القديم والجديد، الذين كان يؤمن فعلًا بتعبيرهم عن إرادة خالق الكون، وعدم صدور رسالاتهم عن قوى اللاشعور فقط، كما هو الحال بالنسبة لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم الذي فصل له تفسيرًا خاصًّا، ومن أدلة هذا اليقين الحاصل عنده، وتهربه الواضح من الإجابة القاطعة فيما يخص نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، مع تأكيده الصدق التام للنبي محمد صلى الله عليه وسلم - ما قاله: "وبالنسبة للمسلمين فإن القرآن هو كلام الله، ومحمد صلى الله عليه وسلم نفسه قد فهمه على هذا الاعتبار، ومن المؤكد أنه كان صادقًا تمامًا في اعتقاده، وكان متأكدًا أنه يستطيع التمييز بين أفكاره الخاصة وبين ما يأتيه من خارج نفسه، وإن مواصلة عمله في ظروف الاضطهاد والعداء التي عاشها كان سيصبح مستحيلًا لو لم يكن مقتنعًا تمامًا بأن الله قد أرسله...ولو كان قد أحس بأن هذا الوحي كان من بنات أفكاره لكانت حركته الدينية معدومة الأساس"[13].

 

ويستمر (وات) في تهربه من الاعتراف بالنبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم، رغم شهادته له بصدق الاعتقاد، ولكي يثبت نظريته التي سماها (الخيال الخلاق) نراه يقول: "إن القول بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان صادقًا لا يعني بأن اعتقاداته كانت صحيحة؛ فإن الرجل قد يكون صادقًا ولكنه مخطئ، وليس من الصعب الإبانة لرجل غربي معاصر كيف أخطأ محمد صلى الله عليه وسلم؛ ذلك أن ما يبدو بالنسبة للإنسان آتيًا من الخارج قد يكون نتيجة اللاشعور"[14].

 

ونرى أن نرد على مزاعم (وات) بنفس رده على أصحاب التفسير الأول، فنقول: لماذا فاز محمد صلى الله عليه وسلم باحترام رجال شديدي الذكاء وذوي أخلاق مستقيمة؟ كما أن ذلك لا يجعلنا نفهم كيف نجح محمد صلى الله عليه وسلم في تأسيس ديانة عالمية أنجبت رجالًا قداستهم واضحة للعيان، ونزيد القول: بأنه لو كان الأمر يكمن في اللاشعور، فكيف يتأتى لمحمد صلى الله عليه وسلم باللاوعي أن يأتي بمثل هذا القرآن الذي تحدى به الأولين والآخرين؟ كما سبق وذكرنا في فصول مضت من هذا الكتاب؛ حيث تحديه في اللغة لأهل اللغة ذاتهم، وإخباره بالغيب الذي تحقق في حياة محمد صلى الله عليه وسلم وبعد موته، وإخباره بحقائق علمية لم يعرفها البشر إلا في أيامنا تلك، والتي اكتشفها علماء غير مسلمين ودانوا للإسلام بها، ودون أن يكون لها أي ذكر في الكتاب المقدس بعهديه ولا في غيره، وكيف كان لهذا الدين أن يقوم على أيدي تلك الحفنة من الناس بضآلة عددهم وعدتهم، بعد أن تغيروا من النقيض إلى النقيض، من عبادة الأوثان وتعدد الآلهة إلى إخلاص العبادة للإله الواحد، ومن التشتت والتشرذم إلى لَمِّ الشمل وتوحيد الصفوف لينتصروا على أعظم إمبراطوريتين على مر التاريخ: الفرس والروم، ومن الجهل الذي أحاط بهم إلى أن يسجلوا في التاريخ من علوم المعرفة المختلفة ما لم يسبقه إليه غيرهم، وليس فقط، بل نقلوه إلى شتى بقاع الأرض من خلال توسعاتهم من تلك البقعة في الصحراء إلى مشارق الأرض ومغاربها.

 

وفي نفس النهج سار الأستاذ (هاملتون جب)[15]، عندما أعلن رفضه للتفسير الأول، وقبوله للتفسير الثاني؛ إذ تبنى القول بأن رسالة القرآن كانت انبثاقًا حدسيًّا لا واعيًا ناشئًا عن تفاعلات النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع الواقع، وقال: "إن الحدود والتعبيرات التي وردت فيه - أي القرآن - هي المنطلق الذي صدر عنه الفكر والمعتقد الإسلامي...ومع ذلك فإن تلك الحدود والتعبيرات ليس منهجية منظمة بالمعنى الكلامي، وإنما هي أقوال شفوية مباشرة تعبر عن مواقف تلقائية معينة، وعن أفكار تم اقتناصها بقوة الحدس"[16]، ولعل الرد على رؤية (هاملتون) يكون بنفس أسلوب الرد على (وات).

 

أما عن (ديورانت) فقد كانت له رؤية أخرى قريبة شيئًا ما من ذلك التفسير الثاني، ولكنه سرعان ما أبطلها؛ حيث إنه لم يدعِ كذب محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنه حاول تفسير حالة محمد صلى الله عليه وسلم الجسدية عند تلقيه للوحي على أنها لا تتعدى نوبة من نوبات الصرع قد انتابته،فقال: "وكثيرًا ما كان يحدث أثناء هذه الرؤى أن يسقط على الأرض ويرتجف، أو يغشى عليه، ويتصبب العرق من جبينه...وقد يكون ارتجافه ناشئًا عن نوبات صرع...ولكننا لا نسمع بأنه عض في خلالها لسانه، أو حدث ارتخاء في عضلاته كما يحدث عادة في نوبات الصرع، وليس في تاريخ محمد صلى الله عليه وسلم ما يدل على انحطاط قوة العقل التي يؤدي إليها الصرع عادة، بل نراه على العكس يزداد ذهنه صفاءً، ويزداد قدرة على التفكير، وثقة بالنفس، وقوة في الجسم والروح والزعامة كلما تقدمت به السن،وقصارى القول أنا لا نجد دليلًا قاطعًا على أن ما كان يحدث للنبي صلى الله عليه وسلم كان من قبيل الصرع"[17]، وبالرغم من أن (ديورانت) لم يدَعْ مجالًا للتعليق؛ حيث أبطل الادعاء بنفسه، لكن نشير إلى أن نوبات الصرع التي ذكرها لم يكن لها مصدر في وثائق السيرة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد سبق ذكر مراتب الوحي سابقًا، وكان (وات) له رد أيضًا على مثل هذا، حين قال: "إن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد ميز بين ما يوحى إليه وبين أفكاره الخاصة، ولقد أكد أعداء الإسلام غالبًا أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان مصابًا بالصرع، وأن تجاربه الدينية لهذا لا قيمة لها، ولكن الأعراض الموصوفة لا تشبه أعراض الصرع؛ لأن هذا النقص يؤدي إلى تخاذل جسدي وعقلي، بينما ظل محمد صلى الله عليه وسلم حتى آخر حياته مالكًا لقواه العقلية، وحتى لو أمكن ادعاء ذلك فإن الحجة تظل مناقضة لكل رأي سليم؛ إذ لم تقم إلا على الجهل والوهم؛ لأن المظاهر الجسدية الملازمة لا تُثبِت ولا تنفي قط بنفسها التجربة الدينية"[18].

 

وبمقارنة بسيطة بين الصرع والوحي يتضح لنا أن: "الصرع يعطل الإدراك الإنساني، وينزل بالإنسان إلى مرتبة آلية يفقد أثناءها الشعور والحس، ويثور إذا اشتدت به النوبة، فيصيب غيره بالأذى، وهو أثناء ذلك غائب عن صوابه، لا يدرك ما يصدر عنه ولا ما يحل به، أما الوحي فسموٌّ روحي اختص الله به أنبياءه؛ ليلقي إليهم بحقائق الكون اليقينية العليا كي يبلغوها الناس، وقد يصل العلم إلى إدراك بعض الحقائق، ومعرفة سننها وأسرارها بعد أجيال وقرون، وقد يظل بعضها لا يتناوله العلم حتى يرث الله الأرض ومَن عليها"[19].

 

وفي هذا السياق لا ننسى أن نذكر الأستاذ (ابن نبي)، الذي بحث روايات بدء الوحي بحثًا جيدًا، واستنتج منها استقلال الظاهرة عن نفس النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: "ومن الواجب أن نذكر مدى التباعد الرئيسي البين في الحوار بين الذات المتكلمة الآمرة الحازمة، والذات المخاطبة المضطربة المجفلة - (ما أنا بقارئ) مثال على الإجفال -...إن هذا التباعد يصور لنا عملية نفسية أخرى مختلفة تمامًا عن الأولى، ولكنها متحدة معها في الزمن، فإن هاتين الحالتين - أي التباعد الجوهري والتباعد الزمني - متعارضتان، سواء تصورناهما في مجال واحد للذات، أو في مجالين مختلفين، هما: الشعور واللاشعور، فهناك بالضرورة تعدُّد في الذوات...وهو تعدُّد لا يمكن أن تضمه وحدة نفسية، فنحن مضطرون لهذا أن نقرر ازدواج الذات كما يحدث في أي حوار عادي، وبين هاتين الذَّاتين اللتين تتحاوران تنجلي الذات المحمدية كشاهد واع، ومؤرخ صادق للواقع الذي نحلله...ومع ذلك فهذه هي المرة الوحيدة التي ستحدد فيها هذه الذات موقفها بالنسبة للظاهرة الغريبة".

 

ومن المعروف أن الاستقلال بين هاتين الذاتين - حسب تعبير الأستاذ (ابن نبي) - قد تجاوز لحظة الوحي الأولى، فكان حقيقة مصاحبة لنزول القرآن؛ أي: مدة عشرين سنة كاملة،ومن ملامح ذلك نزول آيات كثيرة تلوم النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم عن بعض المواقف الدعوية أو الشخصية التي وقفها، وهذا يؤكد عدم تحكمه في محتوى الوحي أو في زمانه، ومن أمثلته ما حدث حين حدد النبي محمد صلى الله عليه وسلم للمشركين وقتًا لإجابتهم عن سؤالهم - سؤال اليهود في الحقيقة - عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح، فتأخر نزول الوحي حتى تأثر النبي لذلك، ورجا نزول القرآن، ثم نزلت الإجابة وفيها تعليم وعتاب له؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 23، 24]، وقال الله تعالى: ﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾ [مريم: 64].

 

واستنادًا إلى مثل هذه المعلومات اليقينية قرر الأستاذ (ابن نبي) استمرار الانفصال بين الوحي والنبي محمد صلى الله عليه وسلم حتى نهاية رسالته، قال: "وسنجد فيما بعد، وإلى النهاية، أن الذات المحمدية لن تتحدث مع الذات المتكلمة حين تخاطبها،وهذا الصمت في ذاته جدير بالملاحظة؛ لأنه يسجل إدراك الرسول النهائي أمام الظاهرة التي سيقف منها، منذ ذلك الحين، موقف التسليم"[20].

 

وبعد التعرض لظاهرة الوحي وما حوته من انتقادات وتحليلات وردود، نجد فيما سبق أن محمدًا صلى الله عليه وسلم - بشهادة المشككين - كان صادقًا في اعتقاداته، وأن ما جاء به لا يعدو كونه وحيًا قد أوحى به الله إليه، وأن ادعاءاتهم لم تستند إلى أي سند علمي أو وثائقي، وربما يتضح ذلك في دفع (وات) لصحة التفسير الأول كما أسلفنا، ولعل في الصفحات التالية التأكيد على ما سقناه في السابق.



[1] فقه السيرة/ للبوطي ص 63.

[2] - نبوة محمد ص459 - نقلًا عن (تاريخ الشعوب الإسلامية ص 34، 35).

[3] نبوة محمد ص459 - نقلًا عن (قصة الحضارة 11/ 23، 24).

[4] نبوة محمد ص460 - نقلًا عن (I’Islam croyances et institutions).

[5] محامٍ ولاهوتي، ورجل دولة، وشاعر هولندي، ويعتبر مؤسس القانون الدولي.

[6] (3:16 يوحنا).

[7] الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم/ ديدات ص26 - 27.

[8] صحيح الجامع.

[9] زاد المعاد/ ابن القيم 1/ 37 - 38.

[10] نبوة محمد ص464 - نقلًا عن (محمد في المدينة/ وات).

[11] نبوة محمد ص461 - نقلًا عن (Mohamet prophet et H. d’Etat – P 209).

[12] المرجع السابق ص210.

[13] المرجع السابق ص216.

[14] نبوة محمد ص461 - نقلًا عن (Mohamet prophet et H. d’Etat – P 217).

[15] إنجليزي، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط، بالأستاذية في عدد من الجامعات.

[16] نبوة محمد ص 460 - نقلًا عن (دراسات في حضارة الإسلام. ص234).

[17] نبوة محمد ص473 - نقلًا عن (قصة الحضارة 11/ 25، 26).

[18] نبوة محمد ص474 - نقلًا عن (محمد في مكة/ وات ص101).

[19] حياة محمد ص 58.

[20] نبوة محمد. ص 472 - نقلًا عن (الظاهرة القرآنية) ص158.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مفهوم الوحي
  • مفهوم القرآن الكريم بين الوحي وعلماء القرآن
  • بدء الوحي
  • محمد صلى الله عليه وسلم والوحي
  • اتباع الوحي وعدم الاستغناء عنه بالعقل
  • شبهة تشبيه القرآن شجرة الزقوم برؤوس الشياطين
  • دروس من الوحي

مختارات من الشبكة

  • بعض ما يؤخذ في الاعتبار من ضوابط إنكار المنكر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شبهة دليل الأعراض (حلول الحوادث) والرد على الشبهات المتعلقة بذلك (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كشف شبه أهل الكتاب عن الإسلام (13 شبهة) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ضابط: التعزير يثبت مع الشبهة - شبهة الإثبات (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شبهات حول القرآن (2) شبهات علمية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أساليب القرآنيين القدامى في إنكار السنة "شبه القارة الهندية أنموذجا"(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • شبهة إنكار نظرة الإسلام المتوازنة إلى الإنسان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الردود على شبهة إنكار المعوذتين المنسوبة إلى ابن مسعود(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ندوة علمية حول تاريخ الإسلام في شبه جزيرة القرم(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الشبهات الدارئة للحدود عند الشافعية(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)

 


تعليقات الزوار
1- الوحي
عماد - الأردن 03-03-2020 07:52 PM

جزاك الله خيرا

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب