• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد / الموت والقبر واليوم الآخر
علامة باركود

رحلة الموت: آداب وأحكام (خطبة)

عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/11/2015 ميلادي - 20/1/1437 هجري

الزيارات: 99833

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رحلة الموت: آداب وأحكام [1] [2]

 

الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوَ عباده أيهم أحسن عملا، الذي جعل لمن عاش منهم أجلا، ولمن مات بعثًا ونشورا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحي القيوم الذي لا يموت وجميع خلقه يموتون. ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص:88].

 

وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الذي قال الله تعالى له: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر:30]. والذي قال عنه: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144، 145].

 

فاتقوا الله - عباد الله -؛ فإن تقوى الله أمرُه، وفعلها عبادتُه وشكرُه، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران102]، وقال: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].


أما بعد: فإنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة،وكل ضلالة في النار..


أيها المسلمون، إنها مدة قصيرة، وأيام معدودة، وزيارة سريعة، يقضيها المسافر في دار غربته، ثم ينتقل بعدها إلى وطن إقامته، ماراً بمحطتين حتى يلقي عصار التسيار في دار القرار.


لا بد لهذا المسافر من ركوب رحلة لازمة يفارق فيها الأهلَ والأحباب، والأملاك والأصحاب، ويترك حياة الدنيا وأحياءها، راكبًا صهوة الموت التي لا يتخلف مخلوق عن ركوبها، ولن يفر أحد من امتطائها. قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران:185].


وقال: ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾ [النساء:78]. وقال: ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجمعة:8].


عباد الله، إن هذه الرحلة هي رحلة الوداع، وانقضاء زمن الاستمتاع، ونهاية الحياة الفانية، وبداية الحياة الباقية، التي تبلى فيها السرائر، وتكشف فيها الضمائر؛ لحساب المكلفين على ما قدموا في عمرهم الغابر.


فمن هو المسرور في هذه الرحلة، ومن هو الحزين فيها يا عباد الله؟

إن السعيد الفرِح المشتاق إليها هو العبد المؤمن الذي ينتقل عبرها من دار العناء إلى دار الهناء، ومن دار الغربة إلى دار الوطن، ومن دار التكليف والعمل، إلى دار الجزء وبلوغ الأمل، وينتقل من مكابدة الأشواق إلى رؤية الحبيب إلى تلك اللحظات التي يلاقي فيها حبيبه سبحانه الذي عبده بالغيب ولم يره، فكيف يكون فرحه بلقياه، وكيف لا يفرح إذن؟.


وأما الحزين الكاره لمجيئها فهو العبد المسرف على نفسه بمعصية الله؛ لأنه ينتقل في هذه الرحلة من دار الغفلة التي لها فيه، وركب الملذات والشهوات المحرمة إلى دار اليقظة التي يجد فيها جزاء تفريطه وإسرافه على نفسه، وينتقل كذلك من دار الإباق عن سيده إلى دار يلقى فيها سيده الذي عصى أوامره وركب زواجره مع أنه أمهله وأغدق عليه نعمه وحلمه، فكيف لا يحزن ولا يخاف؟


عن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه أنه كان يحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مُرَّ عليه بجنازة فقال: ( مستريح ومستراح منه). قالوا: يا رسول الله، ما المستريح والمستراح منه؟ قال: (العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب ) [3]. ولهذا قد تجدون بعض الصالحين تظهر الابتسامة على وجوههم ويُرى فيها النور عند مفارقة الجسد؛ لأنهم رأوا البشرى بالوجوه المشرقة التي جاءت مع ملك الموت لقبض الروح الزكية. قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت:30].


أيها المسلمون، كثيراً ما يتحدث المتحدثون، ويسمع السامعون عن ترقيق القلوب بذكر الموت وما فيه، ولكن قليلاً ما يتكلم المتكلمون، ويصل إلى أسماع المتلقين الحديث عن الآداب والأحكام في رحلة الموت؛ ولذلك سنتحدث اليوم - بعون الله تعالى - عن بعض تلك الآداب والأحكام.


أيها الأحبة الفضلاء، على المسلم أن يكون مستعداً للموت في كل وقت؛ لأن الموت لا يستأذن على أحد، ولا يحدد زمانًا لحلوله، ولا مكانًا لنزوله، قال تعالى: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [الأعراف:34].


فمن وجوه الاستعداد: أن يخرج المسلم من جميع المظالم التي في عنقه للناس، من دم أو مال أو عرض، فيرد الحقوق إلى أهلها وهو في زمن القدرة قبل مجيء زمن الإفلاس والقضاء من الحسنات والسيئات.


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) [4].


وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو من شيء فليتحلله منه اليوم، من قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) [5].


فحاسب نفسك - أيها المسلم - اليوم، وأعدِ الحقوق إلى ذويها، ولا تغرنك الحياة الدنيا، فعما قريب ستتركها وتترك ما فيها ولن تأخذ معك منها إلا قطعة قماش تبقى معك في قبرك أيامًا ثم تبلى.


ومن الاستعداد: أن يبقى المسلم متصلاً بالتوبة طالبًا المغفرة، حريصًا على ملازمة طاعة الله تعالى؛ فقد يُقبض فجأة، ويختم له بعمل صالح، والأعمال بالخواتيم، ومن مات على شيء بعث عليه.


ومن الاستعداد: كتابة الوصية، فإن كانت لك حقوق مالية على الناس فاكتبها، وإن كانت للناس عليك حقوق مالية فدونها أيضًا. وهذه وصية واجبة، وإن لم تكن حقوق لا عليك ولا لك فأوصِ بما تريد أن يصنعه أقاربك أو من له شأن بك بعد موتك، وهذه وصية مستحبة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين، وله شيء يريد أن يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه).قال ابن عمر: "ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي"[6].


عباد الله، إذا وصل المسلم إلى مرض الموت أو إلى حال يظن فيها الموت فعليه أن يحسن الظن بالله، ويكون بين الخوف والرجاء، يخاف الله من ذنوبه، ويرجو رحمة ربه. دخل النبي صلى الله عليه وسلم على شاب وهو في الموت فقال: ( كيف تجدك)؟ قال: أرجو الله -يا رسول الله- وأخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخاف) [7].


وعليه أن يكثر من ذكر الله تعالى، وخاصة كلمة التوحيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة يومًا من الدهر، وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه) [8].


هذا ما على المسلم في آخر لحظاته من الدنيا. فما أحسن أن يلقى المسلم ربه خفيفًا من الأوزار ثقيلاً بالطاعات، وما أجمل أن يفارق الناس وقد أعطى كل ذي حق حقه، فأراح نفسه، وأراح أقاربه وشركاءه، ولم يحمل معه من مظالم الناس شيئاً في كفنه إلى قبره.


أيها المسلمون، وأما الأقارب والحاضرون ساعةَ الاحتضار فعليهم أمور، منها: أولاً: لزوم الهدوء والسكينة، وعدم كثرة اللغط والاختلاف ورفع الأصوات؛ لأن قريبهم المحتضر يعاني سكرات الموت فلا ينبغي أن يضاف إليه عناء آخر.


وعليهم كذلك: أن يتكلموا بالخير في تلك الساعة، ويدعوا له بالرحمة والغفران. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا حضرتم المريض أو الميت، فقولوا خيرا؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) [9].


وعليهم أيضًا: الصبر والاحتساب والاسترجاع والرضا بقضاء الله وقدره، قال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة:155]. ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة:156]. ﴿ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة:157].


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه من أهل الأرض فصبر و احتسب بثواب دون الجنة)[10].


وعليهم كذلك: الابتعاد عن الصياح والنواح، وخمش الوجوه، وتقطيع الثياب، وعن كل فعل ينبئ عن تسخط قضاء الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية)[11].


أما البكاء بدمع العين من غير صراخ فلا بأس به؛ فعن أنس رضى الله عنه قال: (دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال: يا ابن عوف! إنها رحمة، ثم أتبعها بأخرى فقال: إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم، لمحزونون) [12].


وعليهم أيضًا: أن يلقنوه لا إله إلا الله بلطف من غير إكثار ولا إملال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) [13].


فإذا خرجت الروح يستحب للحاضرين أن يغمضوا عيني الميت ويغطوه؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة، وقد شق بصره، فأغمضه ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر، فضج ناس من أهله فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون، ثم قال: اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونور له فيه )[14].


ويجوز للحاضرين ولغيرهم الكشف عن وجهه وتقبيله، كما فعل أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم.


ويجوز الإعلان عن وفاته من أجل الاجتماع للصلاة عليه ودفنه، من غير نعي يشبه نعي الجاهلية.


عباد الله، فإذا قبض المسلم فعلى أقاربه المبادرة إلى قضاء ديونه-إن أمكن-؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) [15].


وعليهم كذلك الإسراع إلى تنفيذ وصيته، إن كان فيها شيء مباح يقام قبل الدفن.


وعليهم كذلك الإسراع بتجهيزه وعدم تأخيره، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) [16].


هكذا كل إنسان تختم حياته الدنيا بالموت، لتبدأ بعده الحياة الحقيقية في دار البقاء.

لِدُوا للموتِ وابنُوا لِلخُرابِ
فكُلّكُمُ يَصِيرُ إلى التراب
فمَرجِعُ كلّ حيٍّ للمَنايا
وغاية ُ كلّ مَلْكِ للذهابِ
بنو الدنيا فرائسُ للمنايا
ونابُ الموتِ عنهم غيرُ نابِ
ومَن يَغتَرّ في الدّنيا بعَيشٍ
فقد طلبَ الشرابَ من السرابِ

 

أيها المسلمون، فينتقل الميت بعد ذلك إلى المغسلة؛ ليتم تغسيله وتكفينه؛ ليقدم على الله تعالى طاهراً.


وغسل الميت المسلم واجب كفائي على الأحياء إذا قام به بعض المسلمين سقط الإثم عن بقيتهم. ويغسل الرجال الرجال، والنساء النساء، إلا الزوجين فيجوز أن يغسل أحدهما الآخر. وغسل الميت من الأعمال الصالحة التي فيها أجر عظيم، ولكن بشروط:

أولاها: أن يكون الغاسل مخلصًا لله في ذلك العمل، وثانيها: أن يكون ذا معرفة بالكيفية الصحيحة لغسل الميت، وثالثها: أن يكون أمينًا على ما يرى من الميت من العيوب الجسدية فيسترها ولا ينشرها.


قال رسول صلى الله عليه وسلم: (من غسل مسلمًا فكتم عليه غفر له الله أربعين مرة، ومن حفر له فأجنّه أجري عليه كأجر مسكن أسكنه إياه إلى يوم القيامة، ومن كفنه كساه الله يوم القيامة من سندس واستبرق الجنة) [17].


وينبغي أن يكون التغسيل في مكان مستور، ولا يحضر مع المغسل إلا من يحتاج إليه.


وكيفية التغسيل: أن يبدأ المغسل بوضع الميت فوق مكان مرتفع ويجرده من ثيابه، وأن يضع على عورته من الثياب ما يسترها، وأن يلف الغاسل على يده خرقة غليظة يمسح عورته بها بعد أن يعصر بطنه عصراً خفيفاً؛ لإخراج الفضلات، وأن يوضأ الميت وضوءه للصلاة، ويمسح أنفه وأسنانه وشفتيه مسحاً رقيقًا، ثم يغسله بالماء والصابون ثلاثًا أو خمسًا بدأ بالجنب الأيمن ثم الجنب الأيسر، ويكون في الماء طيب وسدر، ثم يعم الماء على جميع البدن بدأ من الرأس، ثم ينشفه بعد التغسيل. فإن كان الميت امرأة مضفورة الشعر فتفك الغاسلة ضفائرها، ثم بعد الغسل تضفر شعرها ثلاث ضفائر وتلقيها خلفها.


ويستحب لمن غسل الميت أن يغتسل بعد ذلك.


فإذا كان الميت سقطًا فينظر: إن كان ابن أربعة أشهر فصاعداً فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويقبر؛ لأنه قد صار نفسًا بنفخ الروح، وإن كان قبل أربعة أشهر فلا يغسل ويقبر على حالته.


أيها الأخوة الفضلاء، تأملوا في الإنسان الذي كان يأمر وينهى، ولا يتحرك إلا بإرادته، كيف صار في مغسلة الموتى يحركه الغاسل كما يشاء، ويقلبه كما يريد، إن في ذلك لعبرة في بيان ضعف الإنسان وعجزه، وفي أن لقدرته وقوته وأرادته وسلطانه مدة محدودة، وزمانًا تنتهي فيه.


عباد الله، وبعد التغسيل تزال الثياب التي غطت عورته من غير نظر، ثم يكفن.ويصح التكفين بكل ثياب تستر جسد الميت، ولكن البياض إذا توفر فهو أحسن. ويستحب إحسان الكفن وتبخيره وتطييبه. ثم يجهز الميت للصلاة عليه ولتشييعه وموارته في المقبرة.


هكذا-يا عباد الله- يأخذ الإنسان من دنياه كلها كفنًا ويمضي إلى الحساب على أعماله وأمواله في مدة عمره في الدنيا، فهل أخذ في ذلك الكفن مالاً أو قصراً أو جاهًا أو شيئاً مما كان يتمتع به في الدنيا؟.

أين الثياب التي قد كنتَ تلبسها
وأين مالك في أيامك الأُوُل
قد أنزلوك إلى دار بلا فرشٍ
ولا أنيسٍ ولا جاه ولا خوَل

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، والصلاة والسلام نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

أيها المسلمون، ومازال الميت يسير في رحلته، وقد بقيت له ثلاث مراحل حتى يستقر في قبره:

فبعد تكفينه يحمل للصلاة عليه، والصلاة عليه فرض كفاية. وصفة الصلاة على الميت: أن يوضع الميت بين يدي الإمام فيقف الإمام محاذيًا الرأس إن كان الميت رجلاً، وعند الوسط إن كان الميت امرأة، ويصف الناس خلفه ثلاثة صفوف فأكثر. فيكبر عليه أربع تكبيرات ويجوز خمسًا، فيقرأ بعد التكبيرة الأولى الفاتحة، وبعد الثانية الصلاة الإبراهيمية، وبعد الثالثة الدعاء للميت، بما ورد مثل: (اللهم اغفر له وارحمه، واعف عنه وعافه وأكرم نزله، ووسع مدخله واغسله بماء وثلج وبرد، ونقه من الخطايا كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيرا من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجًا خيراً من زوجه، وقه فتنة القبر وعذاب النار)[18]. ومثل: (اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الاسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الايمان، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده) [19]. فإن لم يحفظ ذلك فليدعُ للميت بالمغفرة والرحمة. ثم يكبر التكبيرة الأخيرة فيسلم مثل تسليمه في الصلاة.


عباد الله، لنتذكر هذا الموقف والإنسان بين يدي الإمام يصلي عليه، ليكون ذلك الدخول إلى المسجد هو آخر دخوله إليه في الحياة، بل إن بعض الناس يعد ذلك الدخول له إلى المسجد هو أول دخول وآخر دخول في وقت واحد؛ لأنه لم يعرف المساجد، فيا من هجر المسجد، ادخل المسجد ورجلاك تحملك، قبل أن تدخله والنعش يحملك.


أيها الأحبة، ثم بعد الصلاة يشيع الميت إلى قبره. والتشييع من الأحياء للميت من الأعمال الصالحة، ومن حق المسلم على المسلم. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين) [20].


ويستحب الإسراع بالجنازة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذا وضعت الجنازة، واحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها، أين يذهبون بها!؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الانسان، ولو سمعه لصعق ) [21].


ويجوز المشي أمامها وخلفها وعن يمينها وعن يسارها، لكن المشي خلفها أفضل، ويستحب لمن حملها أن يتوضأ. وتحمل الجنازة حتى تصل مكان قبرها ودفنها في التراب، ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [طه:55]. وينزل الميت إلى قبره من مؤخرة القبر، ويقول الذي يضعه في لحده: بسم الله، وعلى سنة رسول الله، أو ملة رسول الله. ويستحب لمن حضر الدفن أن يحثو عليه ثلاث حثوات من التراب بعد الفراغ من سدِّ اللحد.


أيها المسلمون، ثم يرجع الناس الأقارب والأباعد إلى بيوتهم وقد خلفوا الميت وحيداً فريداً يلقى جزاء ما عمل في دنياه. لقد ترك الميتَ الأحبابُ والخلان، والأصدقاء والجيران بلا أنيس ولا جليس.


فيا أيها الإنسان، تجهز لهذه الرحلة بزاد من التقوى؛ فإن هذا الزاد يجعل تلك الرحلة رحلة سعيدة، تنقلك من بلاد الأتراح إلى بلاد الأفراح، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، قال تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ﴾ [البقرة:197].


هذا وصلوا وسلموا على الهادي البشير...



[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني، في 10/ 4/ 1436هـ، 30/ 1/ 2015م.

[2] هذه الخطبة هي الأولى من سلسلة بعنوان" الطريق إلى الوطن الأخير" وتتضمن هذ السلسلة ست خطب، وتلي هذه الخطبة: 2- الفراغ من دفن الميت: آداب وأحكام 3- أنباء القبور 4- مشاهد في عرصات القيامة 5- دار الشقاء: أهوال وأحوال 6- دار النعيم: أوصاف وأفراح.

[3] متفق عليه.

[4] رواه مسلم.

[5] رواه البخاري.

[6] متفق عليه.

[7] رواه ابن ماجه، وهو حسن.

[8] رواه ابن حبان، وهو صحيح.

[9] رواه مسلم.

[10] رواه النسائي، وهو حسن.

[11] متفق عليه.

[12] متفق عليه.

[13] رواه ابن حبان، وهو صحيح.

[14] رواه مسلم.

[15] رواه أحمد وابن حبان وابن ماجه وغيرهم، وهو صحيح.

[16] متفق عليه.

[17] رواه البيهقي والحاكم، وهو صحيح.

[18] رواه مسلم.

[19] رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم، وهو صحيح.

[20] متفق عليه.

[21] رواه البخاري.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الموت في الظهيرة
  • الموت الكامن في الزمن
  • من حديث الموت
  • كفى بالموت واعظًا
  • لحظات قبل الموت
  • الموت وعظاته
  • ملامح الموت
  • أحكام الموت الجماعي
  • مشاهد من عرصات القيامة (خطبة)
  • أمنيات الموتى (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • رحلة الموت آداب وأحكام(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • كلمات موجعة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ذكر الموت وتمنيه(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • الموت في ديوان "تسألني ليلى" للشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • رحلة الموت كيف نفهمها؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أحكام الجنائز: مقدمات الموت - تغسيل الميت - تكفينه - دفنه - تعزية أهله - أحكام أخرى (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • فوائد وأحكام من قوله تعالى: { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الموت بوصلة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • قلق الموت(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب