• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

هل ثبت فضل في تخصيص بعض البقاع بالدفن فيها كمقبرة البقيع والحجون؟

هل ثبت فضل في تخصيص بعض البقاع بالدفن فيها كمقبرة البقيع والحجون؟
الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/10/2015 ميلادي - 11/1/1437 هجري

الزيارات: 42584

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

هل ثبتَ فضلٌ في تخصيص بعض البقاع بالدَّفن فيها كمقبرة البقيع والحُجون؟


لم يثبت - فيما أعلم - دليلٌ صحيحٌ في فضل الدَّفن بمقابر مكة المعظَّمة، والمدينة النبوية، وبيت المقدِس، ومقبرة عسقلان، فضلاً عن غيرها من بقاع الأرض.


وكذا لم يثبت دليلٌ صحيحٌ في فضل الدَّفن بمجاورة الصالحين، لأنه لا ينفعُ الإنسان بعد موته إلاَّ عمله الصالح بعد رحمة الله تعالى،﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [المدثر: 38].


وإلاَّ فمُجرَّدُ البقاعِ لا يَحصُلُ بها ثوابٌ ولا عقابٌ، وإنَّمَا الثَّوابُ والعقابُ على الأعمالِ المأمُورِ بها والمنهيِّ عنها، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد آخَى بينَ سلمانَ الفارسيَّ وأبي الدَّرداءِ رضي الله عنهما، وكان أبو الدَّرداءِ بدمشقَ، وسلمانُ الفارسيُّ بالعراقِ، فكتبَ أبو الدَّرداءِ إلى سلمانَ: « هلُمَّ إلى الأرضِ المقدَّسةِ »، فكتبَ إليه سلمانُ: « إنَّ الأرضَ لا تُقدِّسُ أحداً، وإنَّما يُقدِّسُ الرَّجُلَ عَمَلُهُ»[1] [2]، (ومقصوده بذلك: أنه قد يكون بالأرض المفضولة مَن يكون عمله صالحاً أو أصلح بما يُحبُّه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم) [3].


و(عن هشام بنِ عُروةَ، عن أبيه أنه قال: ما أُحبُّ أن أُدفنَ بالبقيعِ، لأَن أُدفنَ بغيرهِ أحبُّ إليَّ من أن أُدفنَ به، إنما هو أحَدُ رجُلَينِ: إمَّا ظالمٌ فلا أُحبُّ أن أُدفنَ معَهُ، وإمَّا صالح فلا أُحبُّ أن تُنبشَ لي عظامُهُ) [4].


فقد (بيَّنَ العلَّة: مخافة أن يُنبش له عظام رجل صالح، أو يُجاورُ فاجراً، وهذا يستوي فيه البقيع وغيره، ولو كان له فضلٌ عنده لأحبَّه) [5]، فـ (البقاع أرضُ الله وخلْقُه، فلا يجوزُ أن يُفضَّلَ منها شيءٌ على شيءٍ إلاَّ بتوقيفِ مَن يجبُ التسليمُ له بنقلٍ لا مدفعَ فيهِ ولا تأويلَ) [6]، فالدَّفنُ في مكَّة أو المدينة أو بيت المقدَّس لا يختلف (عن غيرها، فالدَّفن في جميع البلدان واحد... والسنة أن يُدفن الإنسان في بلده، ولا يُنقل إلى مكة ولا إلى غيرها، كما فعلَ أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإنَّ بعضهم ماتَ بالكوفة، وبعضهم ماتَ بالشام، وبعضهم مات في البصرة، وبعضهم مات في غيرها، ولم يُنقلوا إلى مكة وإلى المدينة، ولم يُوصوا بذلك رضي الله عنهم، والسبب في ذلك: أنَّ الْمُعوَّل في ذلك على العمل لا على الأماكن) [7].


وكلُّ الأحاديث المرويَّة في فضل الدَّفن بمكة المشرَّفة، والمدينة النبوية، وبيت المقدس، ومقبرة عسقلان، وغيرها، هي ما بين ضعيفٍ وموضوع.


فمنها: عن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أنا أوَّلُ مَن تنشقُّ عنه الأرضُ، ثمَّ أبو بكرٍ، ثمَّ عُمَرُ، ثمَّ آتي أهلَ البقيع فيُحشَرُونَ مَعي، ثمَّ أنتظرُ أهلَ مكَّةَ حتى أُحشَرَ بينَ الحرَمينِ)[8]، وهو (حديثٌ لا يَصحُّ، ومدار الطريقين على عبد الله بن نافع، قال يحيى: « ليسَ بشيء »، وقال عليٌّ: «يروي أحاديث منكرة»، وقال النسائي: « متروكٌ »، ثم مدارهما أيضاً على عاصم بن عمر، ضعَّفه أحمد ويحيى، وقال ابن حبان: « لا يجوزُ الاحتجاجُ به») [9].


ومنها: ما رواه ابن شبة وابن زبالة عن أبي كعب القرظي أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (من دُفن في مقبرتنا هذه شفعنا - أو شهدنا - له) [10].


وابن زبالة (متروكُ الحديث، مُجْمَعٌ على ترك الاحتجاج بحديثه) [11].

 

ومنها: ما رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (الْحجُونُ والبقيعُ يُؤخذانِ بأطرافهما ويُنثران في الجنةِ)، وهذا الحديثُ حكَمَ عليه النقَّاد بأنه موضوعٌ [12].

 

ومنها: ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني إبراهيم بن أبي خداش أنَّ ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لَمَّا أشرَفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على الْمقبرةِ، وهو على طريقها الأول، أشارَ بيده ورَاءَ الصفرة فقال: نِعْمَ الْمقبرةُ، قلتُ للذي يُخبرني: خَصَّ الشِّعبَ؟ قال: هكذا كُنَّا نسمعُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خَصَّ الشِّعْبَ المقابلَ للبيتِ) [13].

 

وهذا الحديث إسناده ضعيفٌ، (قال البزارُ: لا نعلمه بهذا اللفظ إلاَّ من هذا الوجه، وابن أبي خداش من أهل مكة لا نعلم حدَّث عنه إلاَّ ابنُ جريج) [14].

 

ومنها: ما رواه البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن مَات في بيت المقدس فكأنما ماتَ في السماء) [15].

و(هذا حديثٌ موضوعٌ) [16].

 

ومنها: ما رواه البزار وأبو يعلى واللفظ له: (حدثنا محمد بن بكار، حدثنا عطاف بن خالد، حدثني أخي المسور بن خالد، عن علي بن عبد الله بن مالك بن بُحيْنَةَ عن أبيه عبد الله قال: بينما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ بين ظهراني أصحابه، إذ قال: « صلَّى اللهُ على تلك المقبرة» ثلاث مرات، قال: فلم ندر أيَّ مقبرةٍ، ولم يُسمِّ لهم شيئاً، قال: فدَخَلَ بعضُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال عطاف: فحُدِّثتُ أنها عائشةُ، فقال لها: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ذكرَ أهلَ مقبرةٍ فصلَّى عليهم ولم يُخبرنا أيَّ مقبرةٍ هيَ؟ فدخلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليها، فسألته عنها، فقال لها: « أهلُ مقبرةٍ بعسقلان») [17].

 

قال البزار: (ومحمَّدُ بنُ رُوَينٍ بصرِيٌّ لا نعرفُهُ يُحدِّثُ بكثيرٍ، وعطَّافٌ ضَعيفٌ) [18].

وقال الألباني: (باطلٌ) [19].


ومنها: ما رُويَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (ادفنوا موتاكم في جوارِ قومٍ صالحين، فإنَّ الْميِّتَ يتأذَّى من جوار السوء، كما يتأذَّى الأحياءُ من جيران السوء).

 

و (هذا خبرٌ باطلٌ لا أصلَ له من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم) [20].

 

فإن قيل: إن السخاوي في المقاصد الحسنة ص31 لَمَّا ذكر هذا الحديث ووهَّاه استدركَ فقال: (ولكن لم يزل عمل السلف والخلف على هذا).

 

فالجواب: (أنه لا يلزم من ذلك أن الحديث صحيح، لأنه تضمَّن شيئاً زائداً على ما جرى عليه العمل، ألا وهو تعليل الدَّفن وسط القوم الصالحين، وهذا لا يستلزم ثبوت التعليل المذكور فيه لاحتمال أن تكون علته شيئاً آخر، وعلى كلِّ حالٍ: فعلَّةُ الحكم أمرٌ غيبيٌّ لا يجوز إثباتها بالظنِّ والرجم بالغيب، أو مجرَّد جريان العمل على مقتضاها) [21].


فإن قيل: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (مَن استطاعَ أن يَمُوتَ بالمدينةِ فليفعل، فإني أشفَعُ لِمن مات بها)[22].


فالجوابُ: أنَّ الحديث إنما هو في (الحثِّ على الإقامة بالمدينة، وترك الخروج منها، والصبر على لأوائها وشدَّتها، وأنَّ مَن استطاع أن يموت بها فليفعل، لتحصل له شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم) [23]، ولذلك دعا عمرُ رضي الله عنه بقوله: (اللهمَّ ارزُقني شَهادةً في سبيلكَ، واجعل موتي في بلَدِ رسولكَ صلى الله عليه وسلم) [24].


فإن قيل: وَرَدَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم استغفاره لأهل البقيع، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (لَمَّا كانت لَيْلَتي التي كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيها عندي انقلَبَ فوَضَعَ رداءَهُ، وخلَعَ نعلْهِ فوَضَعَهُما عند رجليهِ، وبسَطَ طَرَفَ إزارهِ على فراشهِ فاضطَجَعَ، فلَم يَلبث إلاَّ ريثمَا ظنَّ أن قد رقَدْتُ، فأخذَ رداءهُ رُوَيْداً، وانتعَلَ رُويداً، وفتَحَ البابَ فخرَجَ، ثمَّ أجافَهُ رويداً، فجعلتُ درعي في رأسي واختمرتُ وتقنَّعتُ إزاري، ثم انطلقتُ على إثرهِ، حتى جاءَ البقيعَ فقامَ فأطالَ القيامَ، ثم رفعَ يديهِ ثلاثَ مراتٍ) الحديث.


وفيه أن جبريل عليه السلام قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: (إن ربَّكَ يَأمُركَ أن تأتيَ أهلَ البقيعِ فتستَغفرَ لهم)[25].


فالجوابُ: (هذا الدُّعاء من النبيِّ صلى الله عليه وسلم كان لمن ماتَ في حياته صلى الله عليه وسلم ودُفنَ في البقيع، ولا نعلمُ للبقيع فضيلة تخصُّه بفضل الدَّفن فيه... وأمَّا فضلُ الموتِ في المدينةِ: فمعلومٌ، واللهُ أعلم)[26].


فإن قيل: روى البخاريُّ [27] عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: (أُرسلَ ملَكُ الموتِ إلى موسى عليهما السلامُ، فلمَّا جاءهُ صكَّهُ، فرجعَ إلى ربِّهِ فقال: أرسلتني إلى عبدٍ لا يُريدُ الموتَ، فردَّ اللهُ عزَّ وجلَّ عليه عينَهُ، وقال: ارجع فقُل له يَضَعُ يدَهُ على مَتْنِ ثورٍ، فلَهُ بكُلِّ ما غطَّت بهِ يَدُهُ بكُلِّ شعرةٍ سَنةٌ، قال: أيْ رَبِّ ثُمَّ ماذا؟ قال: ثمَّ الموتُ، قال: فالآنَ، فسألَ اللهَ أن يُدنيَهُ من الأرض الْمُقدَّسةِ رَمْيةً بحجَرٍ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: فلو كُنتُ ثمَّ لأَرَيتُكُم قبرَهُ إلى جانبِ الطريقِ عندَ الكثيبِ الأحمَرِ).


فالجوابُ: قال ابنُ كثير: (قوله لَمَّا اختار الموت: « ربِّ أدنني إلى الأرض المقدَّسة رمية حجر » ولو كان قد دخلها لم يسأل ذلك، ولكن لَمَّا كان مع قومه بالتيه، وحانت وفاته عليه السلام، أحبَّ أن يتقرَّب إلى الأرض التي هاجرَ إليها، وحثَّ قومه عليها، ولكن حال بينهم وبينها القدر) [28].


وأيضاً: (سَألَ الإدناءَ من الأرضِ الْمُقدَّسَةِ مُسارعةً لامتثالٍ أمرِ اللهِ تعالى في قتالِ الجبَّارينَ الذينَ كانوا ببيتِ المقدسِ، فأمرَ النبيُّ بني إسرائيلَ بالدُّخولِ عليهم فعَصَوا، فعُوقبُوا بالتِّيهِ أربعينَ سَنةً، وهذا بناءً على أنَّ موسى عليه السلام ماتَ في التِّيهِ قبلَ فتحِ الأرضِ المقدَّسةِ، وكانَ فتحُهَا على يَدِ يُوشعَ عليه السلام وهوَ أحدُ القولينِ.


والقولُ الآخرُ: أنهُ كانَ فتحها على يَدِ موسى عليه السلام، والخلافُ في ذلكَ معروفٌ، واللهُ أعلمُ) [29].

وقد يُقالُ: إنَّ هذا خاصٌّ بموسى عليه السلام أو أنَّ هذا شرعُ مَن قبلنا ولم يرد بشرعنا [30].


فإن قيل: ما الجوابُ على دفن أبي بكر وعمر مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟.

فالجوابُ: لشدَّة حُبِّ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما للنبيِّ صلى الله عليه وسلم حَرصَا على الدَّفن معه صلى الله عليه وسلم في حُجرته.


قال ابن كثير: (وقد جَمَعَ اللهُ بينهما في التربة، كمَا جَمَعَ بينهما في الحياة) [31].


وقال عليٌّ مُخاطباً عمر: (ما خلَّفتُ أحداً أحبَّ إليَّ أن ألقى اللهَ بمثلِ عملهِ منكَ، وأيمُ اللهِ إن كنتُ لأظنُّ أن يجعلَكَ اللهُ مع صاحبيكَ، وذاكَ أني كنتُ أُكثرُ أسمَعُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: جئتُ أنا وأبو بكرٍ وعُمَرُ، ودخلتُ أنا وأبو بكرٍ وعُمَرُ، وخرجتُ أنا وأبو بكرٍ وعُمَرُ، فإن كنتُ لأرجُو أو لأظنُّ أن يجعلَكَ اللهُ معَهُما)[32].


قال القاضي عياض: (وفيه صدقُ ظنِّ عليٍّ رضي الله عنه، وصحَّة حسبانه في أن يُدفن عمر رضي الله عنه مَعَ صاحبيه) [33].


ولَمَّا طُعنَ عمر رضي الله عنه قال لابنه عبد الله: (انطلق إلى عائشةَ أُمِّ المؤمنينَ فقُل: يَقرَأُ عليكِ عُمَرُ السلامَ، ولا تقُل: أميرُ المؤمنينَ فإنِّي لستُ اليومَ للمؤمنينَ أميراً، وقُل: يَستأذنُ عُمَرُ بن الخطابِ أنْ يُدفَنَ مَعَ صاحبيهِ، فسَلَّمَ واستأذنَ، ثُمَّ دَخَلَ عليها فوَجَدَها قاعدةً تبكي، فقال: يَقرَأُ عليكِ عُمَرُ بن الخطابِ السلامَ ويَستأذنُ أنْ يُدفَنَ مَعَ صاحبيْهِ، فقالت: كنتُ أُريدُهُ لنفسي ولأُوثرَنَّ بهِ اليومَ على نفسي.


فلمَّا أقبَلَ، قيلَ: هذا عبد اللهِ بن عُمَرَ قد جاءَ، قال: ارفَعُوني، فأسنَدَهُ رجُلٌ إليه، فقال: ما لَدَيكَ؟ قال: الذي تُحبُّ يا أميرَ المؤمنينَ، أذِنتْ، قال: الحمدُ للهِ ما كان من شيءٍ أهَمُّ إليَّ من ذلك) الحديث [34].


وقال شيخنا عبد الرحمن البراك حفظه الله: (فبعضُ ذلك يرجعُ إلى المحبة الطبيعية، فالإنسان يُحبُّ أن يُدفن بين أقاربه وفي بلده، وبجوار مَن يُحبُّهم، وهذا أمرٌ جبلِّيٌّ ).


وقد (أُتيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد بعبد الله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح قتيلين، فقال: ادفنوهما في قبرٍ واحدٍ، فإنهما كانا مُتصافيين في الدنيا) [35].


قال شيخنا محمد العثيمين رحمه الله: (فيُؤخذ منه: دفنُ الأحبَّة بعضهم قُربَ بعضٍ، والله أعلم) [36].


فإن قيل: أليست مكة المعظَّمة، والمدينة النبوية، وبيت المقدس بقاعاً مباركة؟.

فالجوابُ: بلى ولا شكَّ في ذلك، لكن (معنى كون الأرض مباركة: أن يكون فيها الخير الكثير اللازم الدائم لها، ليكون ذلك أشجع في أن يُلازمها أهلها الذين دُعُوا إليها، وهذا لا يعني أبداً أن يُتمسَّح بأرضها، أو أن يُتمسَّح بحيطانها، لأنَّ بركتها لازمةٌ لا تنتقلُ بالذات، فبركةُ الأماكن، أو بركة الأرض، ونحو ذلك، بركة لازمة لا تنتقل بالذات، يعني: أنك إذا لامست الأرض، أو دُفنتَ فيها، أو تبرَّكت بها، فإنَّ بركتها لا تنتقلُ إليك بالذات، وإنما بركتها من جهة المعنى فقط.


كذلك بيت الله الحرام هو مُباركٌ لا من جهة ذاته، يعني: ليس كما يعتقد البعض أن مَن تمسَّح به انتقلت إليه البركة) [37]، لأنَّ (المعوَّل في العبادات والفضائل على ما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم، فكلٌّ يُؤخذ من قوله ويُردُّ إلاَّ مَن ثبتت له العصمة وهو صلى الله عليه وسلم، فمَن فعله مُعتقداً حصول البركة لأن الكعبة مباركة، فهو مخطئٌ في هذا الفهم والاعتقاد، فالمسجد كلُّه مُباركٌ، بل الحرمُ كلُّه مباركٌ، أفيجوزُ التمسُّح بجدران المسجد وعُمَده؟ أو التبرُّك بما يَعلُق فيها من تراب، أو غُبارٍ، رجاء حصول البركة والشفاء! وهذا ظاهرُ الفساد.


والبركةُ التي جعَلَها في بيته وحَرَمه، هي ما شرعه الله من الطاعات، وما خصَّه من مضاعفة الحسنات، ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 96]، والله أعلم) [38].


رزقني الله وإياك ووالدينا وذرياتنا حسن الخاتمة، آمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

 


[1] رواه الإمام مالك رحمه الله في الموطَّأ 2/ 318 ح2232 ( جامع القضاء وكراهيته ). وصحَّح إسناده الشيخ الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الصحيحة 5/ 305 - 306.
[2] مجموع الفتاوى 27/ 438 لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
[3] جامع المسائل لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. المجموعة الخامسة ص346.
[4] رواه الإمام مالك في الموطأ 1/ 318 ح625 ( ما جاء في دفنِ الْميِّتِ ).
[5] التمهيد 21/ 218.
[6] الاستذكار 7/ 235.
[7] مجموع فتاوى شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى 13/ 215 - 216.
[8] أخرجه الترمذي وقال: ( حسَنٌ غريبٌ، وعاصمُ بنُ عمرَ العُمَريُّ ليسَ بالحافظِ عندَ أهلِ الحديثِ ) 6/ 269 ح4024 ( باب في مناقب أبي حفص عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه ).
[9] العلل المتناهية في الأحاديث الواهية 2/ 914 - 915 رقم 1527 و1528 لابن الجوزي، وضعَّف الحديث الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة 6/ 508 رقم 2949.
[10] كتاب أخبار المدينة النبوية 1/ 98 لابن شبة ت262 ( ما ذكر في مقبرة البقيع وبني سلمة والدُّعاء هناك )، وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى صلى الله عليه وسلم 3/ 195 للسمهودي.
[11] الاستذكار 7/ 236.
[12] يُنظر: تخريج أحاديث تفسير الكشاف 1/ 199 للزيلعي، المصنوع في معرفة الحديث الموضوع ص71 رقم 108 لعلي القاري، النخبة البهية في الأحاديث المكذوبة على خير البرية صلى الله عليه وسلم ص52 رقم 105 لمحمد الأمير المالكي، الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص129 رقم29 للشوكاني.
[13] أخرجه عبد الرزاق واللفظ له 3/ 579 ح6734 ( باب السلام على قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم )، والإمام أحمد في المسند 5/ 428 ح3472.
[14] كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة 2/ 49 ح1179 ( باب مقبرة مكة ) للهيثمي. ويُنظر: كتاب العلل 6/ 49 - 50 لابن أبي حاتم رقم 2307، ومسند الإمام أحمد 5/ 428. ويُنظر لمزيد من الفائدة: رسالة: ( تتبُّع طُرق حديث في ثواب مَن مات في أحد الحرمين، أو مات في طريقه إلى مكَّة حاجَّــاً أو معتمراً ) للشيخ إسماعيل الأنصاري رحمه الله. مجلة البحوث الإسلامية ع13 ص211 - 218.
[15] كشف الأستار 1/ 384 ح810، تاريخ مدينة دمشق 47/ 302 ح10231 لابن عساكر.
[16] كتاب الموضوعات 2/ 605 لابن الجوزي.
[17] أخرجه أبو يعلى ت307 في مسنده ص211 ح914، والبزار مختصراً 6/ 291 ح2312.
[18] مسند البزار 6/ 292 ح2312.
[19] السلسلة الضعيفة. المجلد الرابع عشر. القسم الأول/ 681 رقم 6802.
[20] كتاب المجروحين من المحدثين 1/ 356 رقم 322 لابن حبان، وقال الشوكاني: ( في إسناده مَن هُوَ متهمٌ بالوضع ) الفوائد المجموعة ص287.
[21] السلسلة الضعيفة 2/ 81 - 82 رقم الحديث 613. للألباني.
[22] أخرجه الإمام أحمد 9/ 320 ح5437، وصحَّحه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند 5/ 66.
[23] الصارم المنكي في الرد على السبكي ص77 لمحمد بن عبد الهادي. والسبكي هو علي بن عبد الكافي السبكي ت756 من أشهر أئمة القبورية. وقد قرَّر في كتابه: شفاء السقام استحسان التوسل والاستغاثة والتشفع بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم بعد موته... إلى غير ذلك من ضلالاته. فليكن القارئ على حذر، نسأل الله السلامة والعافية.
[24] رواه البخاري ح1890 ( باب كراهيةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن تُعرَى المدينةُ ).
[25] رواه مسلم 2/ 671 ح103 ( باب ما يُقالُ عندَ دُخُولِ القبُورِ والدُّعاءِ لأهلها ).
[26] خصائص جزيرة العرب ص56 للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد.
[27] في صحيحه ح1274 ص214 ( باب مَن أحَبَّ الدَّفنَ في الأرض المقدَّسةِ أو نحوها ).
[28] البداية والنهاية 2/ 223.
[29] طرح التثريب 3/ 946 - 947 للعراقي.
[30] يُنظر: الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري. تعليقات شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله 1/ 396.
[31] البداية والنهاية 9/ 574 لابن كثير.
[32] أخرجه البخاري ح3685 ص619 ( باب مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي العدوي رضي الله عنه )، ومسلم واللفظ له 4/ 1858 ح14 - 2389 ( باب من فضائل عمر رضي الله عنه ).
[33] إكمال المعلم بفوائد مسلم 7/ 394 للقاضي عياض بن موسى اليحصبي.
[34] أخرجه البخاري ح3700 ص623 ( باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان رضي الله عنه ).
[35] أخرجه ابن أبي شيبة 7/ 322 ح11774 ( في الرجلين يُدفنان في قبرٍ واحد )، وأبو نعيم في معرفة الصحابة 3/ 1717 ح4339.
[36] مختارات من زاد المعاد ص88 لشيخنا محمد العثيمين رحمه الله. وقال ابن عبد البر: ( وقد يَستَحسنُ الإنسانُ أن يُدفَنَ بموضعِ قرابتهِ وإخوانهِ وجيرانهِ لا لفضلٍ ولا لدرَجَة) التمهيد 21/ 218.
[37] التمهيد لشرح كتاب التوحيد الذي هو حقُّ الله على العبيد ص124 - 125 للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ.
[38] الفريد في شرح كتاب ابن رجب في التوحيد ص251 - 252 لشيخنا عبد الرحمن بن ناصر البراك حفظه الله.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فتانا القبور
  • صلاة الجنازة على الميت الغائب عن البلد
  • تشييع جنائز مرتكبي الكبائر ودفنهم
  • الموعظة وقت دفن الميت
  • القول البديع في ذكر مقبرة البقيع

مختارات من الشبكة

  • ثبت لطائف الوجدان في مرويات أبي فارس الوزان (ثبت مرويات الدكتور إبراهيم عبد القادر الوزان) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة ثبت الأثبات الشهيرة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • قاعدة فقهية: ما ثبت بالشرع مقدم على ما ثبت بالشرط(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دفن الميت في البلد الذي مات فيه، والوصية بالدفن بمقبرة معينة(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • مفهوم الفضائل والمناقب والخصائص والبركة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل العفو والصفح - فضل حسن الخلق - فضل المراقبة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ألمانيا: السماح للمسلمين بالدفن بالكفن بدلا من التوابيت(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ألمانيا: المسلمون يطالبون بقانون يسمح بالدفن طبقًا للشريعة الإسلامية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ألمانيا: السماح بالدفن دون تابوت في برلين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • تعلم الفروسية(مقالة - موقع الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب