• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع / قضايا المجتمع / في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
علامة باركود

تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد

تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد
أحمد الجوهري عبد الجواد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/9/2015 ميلادي - 14/12/1436 هجري

الزيارات: 16579

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

اللهم صل على محمد وعلى أهل بيته وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل بيته وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد

 

يا طريداً ملأ الدنيا اسمُه
وغدا لحناً على كلِّ الشِّفاه
وغدتْ سيرتُه أسطورةً
يتلقَّاها رواةُ عن رواه
ليت شعري هل درى مَنْ طاردوا
عابدوا اللاتِ وأتباعُ مناه
هل درتْ مَنْ طاردتْه أُمةٌ
هُبَلٌ معبودُها شاهتْ وشاه؟

 

أما بعد فيا أيها الإخوة!

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرع لنا زيارة القبور للاعتبار والاتعاظ بالموت وحال أهلها، لنتذكر بمصيرهم مصيرنا وقد كان ذلك بعد منع منه صلى الله عليه وسلم ، نعم كانت زيارة القبور في أول الإسلام ممنوعة محرمة ثم أذن النبي صلى الله عليه وسلم فيها بقوله: كما في مسلم من حديث بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها"[1] وعلل صلى الله عليه وسلم ذلك أي بيّن السبب فيه – كما في مسلم أيضاً من حديث أبي هريرة – قال: "زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال: "استأذنت ربي في أن أستغفر لأمي فلم يؤذن لي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت". [2]

 

نعم.. فإن من رأى ما صار إليه غيره اتعظ بمصيره وأحسن مسيره وعلم أنه موقوف ومسئول وأن دنياه هذه إلى زوال فيحسن فيما بين يديه ويتقي الله - عز وجل - فيما يأتي ويذر، وزيارة القبور تذكر هذا كله:

أتيت القبور فناديتها
وأين المعظًّم والمحتقر
وأين المدل بسلطانه
وأين العزيز إذا ما افتخر
تفانوا جميعًا فلا مخبر
وماتوا جميعًا ومات الخبر
وصاروا إلى مالك قاهر
عزيز مطاع إذا ما أمر
تروح وتغدو بنات الثرى
وتمحو محاسن تلك الصور
فيا سائلي عن أناس مضوا
أما لك فيما ترى معتبر
لقد قلد القوم ما قدموا
فإما نعيم وإما سقر

 

ورحم الله الذي قال:

قف بالقبور بأكباد مصدعة
ودمعة من سواد القلب تنبعث
وسل بها عن أناس طالما رشفوا
ثغر النعيم وما في ظله مكثوا
ماذا لقوا في خباياها وما قدموا
عليه فيها وما من أجله ارتبثوا
وعن محاسنهم إن كان غيرها
طول المقام ببطن الأرض واللبث
وما لهم حشرات الأرض تنهشهم
نهشًا تزول له الأعضاء والنجث
وتلكم الفتيات إذ طرحن بها
هل كان فيهن ذا التغيير والشعث
فإن يجبك على لأي مجيبهم
ولن يجيب وأنى ينطق الجَدَث
فانظر مكانك في أفناء ساحتهم
فإنه الجد لا هزل ولا عبث
واعمل لمصرع يوم هال أوله
ومن أمامك فيه الروع والجأث[3]

 

لكن بعض الناس للأسف الشديد يحول هذه الزيارة من وسيلة للاتعاظ والاعتبار والادكار إلى وسيلة تفتح عليه بحراً من السيئات كالسيل المنهمر، فمن الناس من إذا زار القبور لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية وصدرت منه كلمات تسخط رب البرية جل في علاه.

 

نعم.. نسمع ذلك ونراه وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل كما في الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب أو دعا بدعوى الجاهلية". [4]

 

ومن النساء من تذهب فتنوح وتعدد مآثر من مات وتذكر فضائل من رحل وكأنها لم تسمع قول نبيها صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت". [5]

 

أيها الإخوة..

إنما شرع لنا الله ورسوله في زيارة القبور سنة تتبع وطريقة تحتذى، فمن زار منا قبراً فليدع لأهل القبور عموماً ولأقاربه ومعارفه خصوصاً فيكون محسناً إليهم بالدعاء وطلب العفو والمغفرة والرحمة لهم، ومحسناً إلى نفسه باتباع السنة وتذكر الموت والآخرة.

 

روى مسلم من حديث عائشة وفيه أنه – صلى الله عليه وسلم – قال: فإن جبريل أتاني فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم قالت عائشة: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المتقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون". [6]

 

هذا هو المشروع في زيارة المقابر - أيها الإخوة - دعاء للأموات واستغفار لهم من رب الأرض والسموات، واتعاظ وادكار واعتبار بحالهم.

 

أما أن تجعل زيارة المقابر وسيلة للتفاخر وطريقة للتباهي فإذا زار الرجل أو المرأة قبر قريبه ذكر مآثره ومحاسنه ومراتبه ومناقبه، ويا ليت الأمر وقف عند هذا الحد بل والله صار التفاخر إلى بناء المقابر في زخرفتها وتشييدها وبنائها وذلك قد نهى عنه الله ورسوله ألم تسمع إلى ربنا يقول: "بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر: 1 - 8].

 

ذكر ابن كثير - رحمه الله - أن هذه السورة نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار في بني حارثة وبني الحارث تفاخروا وتكاثروا، فقالت إحداهما: فيكم مثل فلان بن فلان وفلان؟ وقال الآخرون: مثل ذلك تفاخروا بالأجياد قال: ثم انطلقوا إلى القبور فجعلت إحدى الطائفتين تقول: فيكم مثل فلان – يشيرون إلى القبور – ومثل فلان وفعل الآخرون مثل ذلك، فأنزل الله - عز وجل -"ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر"، كانوا يقولون نحن أكثر من بني فلان، ونحن أعد من بني فلان، وهم كل يوم يتساقطون إلى آخرهم والله ما زالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم. [7]

 

فعلام - أيها الإخوة -.. علام التفاخر والتباهي؟ وهذه القبور التي شيدناها وزيناها علام هي الأخرى؟ علام التشييد وبناؤها عالية ضخمة فخمة أدواراً وفللاً وساحات وأندية إن حال المقام فيها والله لا يتغير بذلك، فلن يقلب البناء الجميل المزخرف المزركش حال التعيس البائس، ولن ينقص من أجر العامل المحسن الصالح أن يدفن في خربة، لأنها مجرد زيارة نعم إنما الميت ضيف في قبره سوف يقضى وقت ضيافته وهو قصير جداً ثم يروح ويتركه.

 

عن ميمون بن مهران قال كنت جالساً عند عمر بن عبد العزيز فقرأ: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾ [التكاثر: 1، 2]، فلبث هنيهة ثم قال: يا ميمون ما أرى المقابر إلا زيارة وما للزائر بد من أن يرجع إلى منزله يعني أن يرجع إلى منزله، إلى الجنة أو إلى النار.

 

ولله در أعرابي ثقف لقن ذكي فطن سمع قوله تعالى: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾ [التكاثر: 1، 2] فقال: بعث اليوم ورب الكعبة، أي: إن الزائر سيرحل من مقامه ذلك إلى غيره.

 

فعلام هذه الزخارف وإنفاق الأموال في غير موضعها فإن الله سيسألنا عنها فماذا نحن قائلون؟

 

ومن الناس - أيها الإخوة - من يذهب إلى القبور فيفعل ما هو وسيلة إلى الشرك يتمسح بالقبور والأضرحة والمشاهد ويتوسل بها أو بمن فيها إلى الله أو يصلى عندها ويسرجها ويبني عليها مسجداً للصلاة فيه وهذا ذريعة ووسيلة كما قلنا إلى الإشراك بالله وقد بينا ذلك فيما سبق معنا بينا حرمة التوسل بالمقبورين ونبين الآن حرمة اتخاذ هذه القبور مساجد فما هو - أيها الإخوة - حكم الشرع المطهر في بناء المساجد على القبور، وما حكم الصلاة في هذه المساجد؟

 

أولاً: حكم بناء المساجد على القبور:

روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: لما نُزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها، فقال - وهو كذلك- لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت عائشة يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً[8]

 

وكأنه صلى الله عليه وسلم علم أنه مرتحل من ذلك المرض فخاف أن يعظم قبره كما فعل من مضى فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى ذم من يفعل مثلهم... يعني من هذه الأمة.

 

فيالله هل استوعبت أخي الحبيب هذا الظرف الذي حكى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكلام؟ لقد كان النبي في سكرات الموت وكرباته بين إغماءات الموت وغمراته يفيق مرة ويغمى عليه مرة وكان يتذكر الشيء الشديد الأهمية فيذكره يأمر بأعظم الأشياء وينهى عن أشدها حرمة، ومن هذه الأشياء التي ذكرها لنا وذكرنا بها من بين السكرات والكربات والغمرات أن بناء المساجد فوق القبور حرام واتخاذها مسجداً حرام كذلك والنبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر ذلك كثيراً في مرض موته لما علمه الله من أن أمته تفتن به فصار يحذرها وجعل يذكرها. روى مسلم من حديث جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك".[9]

 

وواضح جدّاً - أيها الإخوة - أن هذا الموقف كان النبي فيه خطيباً يحدث الناس وهو الموقف الذي جلس فيه بأبي هو وأمي على المنبر لم يقو على القيام فجلس فخطب الناس فذكرهم بهذا ثم ذكرهم به مرة أخرى وهو في سكرات الموت فيا له من موقف عظيم.

 

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أصل هذا الأصل كثيراً قبل ذلك في حياته صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". [10]

 

قال الإمام الشافعي - رحمه الله -: "كره والله تعالى أعلم أن يعظم أحد من المسلمين ويتخذ قبره مسجدًا ولم تؤمن في ذلك الفتنة والضلال على من يأتي بعده"[11]

 

وفي الصحيح عن عائشة أن أم سلمة ذكرت للرسول صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله". [12]

 

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى -: "فهؤلاء جمعوا بين فتنتين: فتنة القبور وفتنة التماثيل". [13]

 

وهنا يبدر سؤال يفرض نفسه ربما سأل سائل فطن عن حكم دخول الكنيسة؟ هل يجوز لمسلم أن يدخلها والجواب لا، سواء كان للتعبد أو الصلاة أو للفرجة أو لحاجة دنيوية إلا إن كان داعية مسلماً دخلها للدعوة لدين الله تعالى بشرط أمن الفتنة أيضاً.

 

ودليل هذا كله قوله تعالى ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 107 - 110]، قال عمر رضي الله عنه: "لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السَّخطة تنزل عليهم ولأنها مأوى الشياطين".

 

وقد قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله - عن حديث أم سلمة: "هذا الحديث يدل على تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين وتصوير صورهم فيها كما يفعله النصارى ولا ريب أن كل واحد منهما محرم على انفراده، فتصوير صور الآدميين يحرم وبناء القبور على المساجد بانفراده يحرم كما دلت عليه نصوص أخرى".

 

وعن أبي عبيدة بن الجراح قال: آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم : "أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب واعلموا أن شرار الناس الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد". [14]

 

وهنا استفهام جدير أن نتوقف أمامه فأغالب الأحاديث التي ذكرناها تحدد بالذات قبور الأنبياء فهل معنى ذلك أن النهى عن اتخاذ القبور مساجد خاص بقبورهم هم دون غيرهم أو أنه عام في كل قبر يتخذ مسجداً؟

 

والجواب: بل هو عام في كل قبر يتخذ مسجداً لكن لما كان فضل قبر النبي على غيره يجعل الناس يستولونه على غيره فيتخذونه مسجداً نبه النبي عليه وفي هذا تنبيه على ما سواه لأنه إذا امتنع فى حق الأنبياء فامتناعه في حق غيرهم أولى وأولى.

 

والمقصود - أيها الإخوة - أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ القبور مساجد ولعن من فعله وشدد في ذلك جدّاً واتخاذ القبور مساجد معناه يشمل:

1- الصلاة على القبور بمعنى السجود عليها.

2- السجود إليها واستقبالها بالصلاة والدعاء.

3- بناء المساجد عليها للصلاة فيها.

 

قال ابن حجر الهيثمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر واتخاذ القبور مساجد معناه: "الصلاة عليه أو إليه"[15] وكذا قال الصنعاني في سبل السلام. [16]

 

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تصلوا إلى قبر ولا تصلوا على قبر". [17]

 

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبور أو يقعد عليها أو يصلى عليها".[18]

 

وعن أنس - رضي الله عنه - أنه سئل عن الصلاة وسط القبور قال ذكر لي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كانت بنو إسرائيل اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فلعنهم الله تعالى".[19] فيكون اتخاذ القبور مساجد معناه السجود على القبور والصلاة عليها وأيضاً السجود إليها واستقبالها بالصلاة والدعاء وكذلك من معانيها بناء المساجد عليها وقصد الصلاة فيها.

 

وهذا المعنى أشارت إليه السيدة عائشة رضي الله عنها بقولها: "ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً"[20] أي: لولا ذلك اللعن الذي استحقه اليهود والنصارى بسبب اتخاذهم القبور مساجد المستلزم البناء عليها لجعل قبره صلى الله عليه وسلم في أرض مكشوفة بارزة ولكن الصحابة رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك خشية أن يبنى عليه مسجد من بعض من يأتي بعدهم فتشملهم اللعنة.

 

وقد يعترض بعض الفطناء الآن فيقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم دفن في مسجده والجواب: إن النبي لم يدفن في مسجده وإنما دفن في بيته والدليل على هذا أنه مات في حجرة عائشة ولما مات اختلفوا في دفنه: أين يدفن؟ حتى جاء الصديق - رضي الله عنه - فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما قبض الله نبيّاً إلا دفن حيث قبض روحه، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنت والله رضى، مقنع ثم خطوا حول الفراش خطَّا ثم احتمله علي والعباس والفضل وأهله ووقع القوم في الحفر يحفرون حيث كان الفراش".[21]

 

وهكذا دفن صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة وجاء ضم الحجرة بعد ذلك إلى المسجد في أيام الوليد بن عبد الملك على خلاف ما أراد أصحاب النبي والتابعون لهم بإحسان.

 

فلا يقال إن النبي دفن في المسجد فيكون مبرراً لدفن الصالحين في المسجد لأنه صلى الله عليه وسلم لم يدفن فيه، ثم إن المسجد بناه النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ولم يبن المسجد على القبر.

 

والشاهد أنه لا يكون دفن النبي صلى الله عليه وسلم حجة لمن يدفنون صالحيهم في المساجد وإن أوصى هؤلاء الصالحون بذلك أو حتى وقفوا المساجد أو اشترطوا أن يدفنوا فيها.

 

عن عطاء الخراساني قال: أدركت حجر أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم فحضرت كتاب الوليد بن عبد الملك يقرأ يأمر بإدخالها -أي في المسجد- فما رأيت يومًا كان أكثر باكيًا من ذلك اليوم، قال عطاء: فسمعت سعيد بن المسيب، يقول: والله لوددت أنهم تركوها على حالها ينشأ ناس من المدينة ويقدم قادم من الآفاق فيرى ما اكتفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ويكون ذلك مما يزهد الناس في التكاثر والتفاخر فيها.

 

ومن عجائب ما ذكر في بناء المسجد وقت ذاك أنه بينا العمال يعملون في المسجد إذ خلا لهم فقال بعض عمال الروم: ألا أبول على قبر نبيهم فتهيأ لذلك فنهاه أصحابه فلما هم بذلك اقتلع فألقى على رأسه فانتثر دماغه.

 

ويذكر أنه في افتتاح الوليد للمسجد بعد التجديد لما استنفد الوليد النظر إلى عمارته وفخامته فأعجبه ذلك التفت إلى أبان بن عثمان بن عفان وقال: أين بناؤنا من بنائكم؟ فقال أبان: بنيناه بناء المساجد وبنيتموه بناء الكنائس. [22]

 

يقول الدكتور جميل غازي - رحمه الله -: "إن الادعاء بأن النبي عليه الصلاة والسلام قد دفن في مسجده.. باطل وكاذب، وافتراء على الله وعلى رسوله، وتزييف لحقائق التاريخ، إن الرسول عليه الصلاة والسلام حينما مات لم يدفن في مسجده، ولا أوصى بذلك، ولا فعل به أصحابه ذلك.. حاشا لله.. وهو القائل عليه الصلاة والسلام: "اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".

 

إنما الذي حدث أن أصحابه دفنوه في حجرة السيدة عائشة التي كانت تجاور المسجد، وكان حرص أصحابه شديداً على أن يظل قبره عليه الصلاة والسلام خارج المسجد في كل توسعة تمت بمسجده الشريف، حدث هذا في عهد عمر - رضي الله عنه - فلقد حرص حينما وسع المسجد في عام 17ه‍ على أن تكون توسعة المسجد من جميع الجهات إلا من الجهة الشرقية التي يقع فيها قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وبيته، فلم يمسها حتى لا يدخل القبر داخل المسجد الشريف، ونفس هذا الحرص تم أيضاً في عهد عثمان - رضي الله عنه - حينما وسع المسجد في عام 24ه‍ [23]

 

وكذلك لا يدل هذا على حل الصلاة بالمساجد التي فيها القبور لأن ذلك مما اتفق علماء المذاهب الأربعة المتبوعة على حرمته بل صرح بعضهم بأنه كبيرة من الكبائر كما سيأتي النقل الآن عن الإمام ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر.

 

أيها الإخوة!

إن هذه الأمة لا تصلح إلا إذا أقرت أولاً بتوحيد الألوهية.. فيكون الإله المعبود واحداً لا شريك له.. ثم أقرت ثانياً بتوحيد الاتباع.. فيكون الرسول هو وحده المتبع، وهو وحده الإمام المعصوم.

 

قال العلامة العراقي: فلو بنى مسجداً يقصد أن يدفن في بعضه دخل في اللعنة – أي التي حذر النبي من أن تصيب هذه الأمة كما أصابت اليهود والنصارى – بل يحرم الدفن في المسجد قال: وإن شرط أن يدفن فيه لم يصح الشرط لمخالفة وقفه مسجداً.

 

وهكذا - أيها الإخوة - لا يجتمع قبر ومسجد في دين الإسلام أبداً.

 

قال شيخ الإسلام وحسنة الأيام الإمام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "لا يجوز أن يدفن في المسجد ميت لا صغير ولا كبير ولا جليل ولا غيره فإن المساجد لا يجوز تشبيهها بالمقابر". [24]

 

وقال مرة أخرى: "إنه لا يجوز دفن ميت في مسجد فإن كان المسجد قبل الدفن غُيِّر إما بتسوية القبر وإما بنبشه إن كان جديداً. [25]

 

قال الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأسبق العلامة عبد المجيد سليم - رحمه الله تعالى -[26] "والدفن في المسجد إخراج لجزء من المسجد عما جعل له من صلاة المكتوبات وتوابعها من النفل والذكر وتدريس العلم وذلك غير جائز شرعاً، ولأن اتخاذ القبور في المساجد يؤدي إلى الصلاة إلى هذه القبور أو عندها وقد وردت أحاديث كثيرة دالة على حظر ذلك ثم قال شيخ الأزهر: قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم" ما نصه: "إن النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم تواترت بالنهي عن الصلاة عند القبور مطلقاً وعن اتخاذها مساجد أو بناء المساجد عليها".[27]

 

ومنها ما أخرجه مسلم من حديث أبي مرثد الغنوي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها".[28]

 

وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "نصَّ الإمام أحمد وغيره على أنه إذا دفن الميت في المسجد نبش".[29]

 

وقال ابن القيم أيضاً: "لا يجتمع في دين الإسلام قبر ومسجد فأيهما طرأ على الآخر منع منه وكان الحكم للسابق".[30]

 

وقال الإمام النووي - رحمه الله -: "اتفقت نصوص الشافعية والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر سواء كان الميت مشهوراً بالصلاح أو غيره لعموم الأحاديث ثم يقول: قال الشافعي والأصحاب: وتكره الصلاة إلى القبور سواء كان الميت صالحاً أو غيره".[31]

 

وهنا نكتة لطيفة نشير اليها إشارة سريعة وهى أن العلماء والأئمة المتقدمين يطلقون لفظة الكراهة على ما هو حرام مستدلين على ذلك بقوله تعالى عقب المحرمات من الشرك والقتل والزنا وأكل أموال اليتامى وغيرها: ﴿ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ﴾ [الإسراء: 38] فتبين - أيها الإخوة - بجلاء أن هذا العمل بناء المساجد على المقابر أو الدفن فى المساجد أو الصلاة فى المساجد المقبورة شيء ليس من الإسلام فى شيء بل قال الهيثمى فى الزواجر عن اقتراف الكبائر: الكبيرة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتسعون: اتخاذ القبور مساجد، وإيقاد السرج عليها، واتخاذها أوثانا، والطواف بها، واستلامها، والصلاة إليه.[32]

 

فهل يشك عاقل بعد ذلك في حرمة الصلاة في مسجد به قبر - أيها الإخوة -؟

نسأل الله تعالى أن يقينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأغنى وأقنى، وجعلنا من خير أمة تأمر وتنهى، والصلاة والسلام على خير الورى، وما ضل وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى.

 

أما بعد، فيا أيها الإخوة!

هذا هو حكم العبادة عند قبر رجل صالح أو يظن به الصلاح يمنعها الشرع المطهر فما بالكم لو عبد شخص هذا الصالح، نعم ماذا لو عبد قبره أو ضريحه وتوسل إليه وتمسح بأعتابه وطاف حوله وذبح له ونذر لضريحه وتقرب اليه بصنوف العبادة؟

 

قد يقول قائل الآن: حنانيك أيها الشيخ لا ترم الناس بهذا وأنا أقول والله إني لأشفق على كل مسلم ومسلمة من ذلك وأدين الله - تبارك وتعالى - بحب السلامة للمسلمين وأنا من أبعد الناس عن اتهام المسلمين بما ليس فيهم بأدنى الشبهات، لكني هنا لا أتكلم من كيسى ولا من كيس أبي ولكني أنقل عن سادات العلماء وأكابر الفضلاء كلامهم.

 

وهل قال من عالم أو فاضل هذا الكلام؟ والجواب: نعم وإليك بعض ما قال شيخ الإسلام الإمام الشوكاني في كتابه "نيل الأوطار" تحت الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث عَنْ أَبِى الْهَيَّاجِ الأَسَدِي قَالَ قَالَ لي عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ أَلاَّ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَني عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لاَ تَدَعَ تِمْثَالاً إِلاَّ طَمَسْتَهُ وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ.[33]

 

قال الشوكاني: ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث دخولاً أوليّاً العبث والمشاهد المعمورة على القبور إلى أن قال: "وَكَمْ قَدْ سَرَى عَنْ تَشْيِيدِ أَبْنِيَةِ الْقُبُورِ وَتَحْسِينِهَا مِنْ مَفَاسِدَ يَبْكِي لَهَا الْإِسْلَامُ، مِنْهَا اعْتِقَادُ الْجَهَلَةِ لَهَا كَاعْتِقَادِ الْكُفَّارِ لِلْأَصْنَامِ، وَعَظُمَ ذَلِكَ فَظَنُّوا أَنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَى جَلْبِ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ فَجَعَلُوهَا مَقْصِدًا لِطَلَبِ قَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَمَلْجَأً لِنَجَاحِ الْمَطَالِبِ وَسَأَلُوا مِنْهَا مَا يَسْأَلُهُ الْعِبَادُ مِنْ رَبِّهِمْ، وَشَدُّوا إلَيْهَا الرِّحَالَ وَتَمَسَّحُوا بِهَا وَاسْتَغَاثُوا وَبِالْجُمْلَةِ إنَّهُمْ لَمْ يَدَعُوا شَيْئًا مِمَّا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ بِالْأَصْنَامِ إلَّا فَعَلُوهُ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.

 

يقول الشوكاني: وَمَعَ هَذَا الْمُنْكَرِ الشَّنِيعِ وَالْكُفْرِ الْفَظِيعِ لَا تَجِدُ مَنْ يَغْضَبُ لِلَّهِ وَيَغَارُ حَمِيَّةً لِلدِّينِ الْحَنِيفِ لَا عَالِمًا وَلَا مُتَعَلِّمًا وَلَا أَمِيرًا وَلَا وَزِيرًا وَلَا مَلِكًا، وَقَدْ تَوَارَدَ إلَيْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ مَا لَا يُشَكُّ مَعَهُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَقْبُورِينَ [34] أَوْ أَكْثَرِهِمْ إذَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ مِنْ جِهَةِ خَصْمِهِ حَلَفَ بِاَللَّهِ فَاجِرًا، فَإِذَا قِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: احْلِفْ بِشَيْخِك وَمُعْتَقَدِكَ الْوَلِيِّ الْفُلَانِيِّ تَلَعْثَمَ وَتَلَكَّأَ وَأَبَى وَاعْتَرَفَ بِالْحَقِّ.

 

وَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ شِرْكَهُمْ قَدْ بَلَغَ فَوْقَ شِرْكِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ تَعَالَى ثَانِيَ اثْنَيْنِ أَوْ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، فَيَا عُلَمَاءَ الدِّينِ وَيَا مُلُوكَ الْمُسْلِمِينَ، أَيُّ رُزْءٍ لِلْإِسْلَامِ أَشَدُّ مِنْ الْكُفْرِ، وَأَيُّ بَلَاءٍ لِهَذَا الدِّينِ أَضَرُّ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ؟ وَأَيُّ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ تَعْدِلُ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ؟ وَأَيُّ مُنْكَرٍ يَجِبُ إنْكَارُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ إنْكَارُ هَذَا الشِّرْكِ الْبَيِّنِ وَاجِبًا:

لَقَدْ أَسْمَعْت لَوْ نَادَيْتَ حَيًّا
وَلَكِنْ لَا حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي
وَلَوْ نَارًا نَفَخْت بِهَا أَضَاءَتْ
وَلَكِنْ أَنْتَ تَنْفُخُ فِي رَمَادِ[35]

 

 

ويكفي أن هذا العمل من البدع وأنه لم يعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه الكرام وقد عرف كل من شم رائحة الإسلام أن ما لم يعمله النبي مردود عمله على صاحبه واعتبر بما ذكر الشاطبي وغيره عن بعض تلامذة عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداء، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد فجاءنا أبو موسى الأشعري، فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن يعني ابن مسعود؟، قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعاً، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفا أمراً أنكرته، قال: فما هو؟، قال: إن عشت فستراه، رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً، ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم؟، قال: ما قلت لهم شيئاً انتظار رأيك، وانتظار أمرك. قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم، ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم، وفي رواية، أنه كان قد وضع لثاماً فلما حضر فوقهم كشف لثامه وأخبرهم أنه عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قال: يا أبا عبد الرحمن حصى نعد بها التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبلى وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه. [36]

 

أفرأيت إلى حساسية أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من البدع في العبادات، فما بالك بالبدع في الاعتقاد الذي يكون به الشرك بالله تعالى؟

 

ومن شاهد ما يفعل عند القبور علم صدق ما أقول.

 

وقد سردنا قبل ذلك - أيها الإخوة - من أحوال هؤلاء القوم عند القبور والمشاهد والأضرحة ما يكفي للدلالة على هذا الذي قلناه من توسلهم وتضرعهم ودعائهم الأموات نسأل الله حفظه، فاتقوا الله - أيها الإخوة - واخشوا يوماً لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور، وفقني الله وإياكم لمرضاته وجعلنا جميعا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته... الدعاء.



[1] أخرجه مسلم 2305.

[2] أخرجه مسلم (976)

[3] انظر العاقبة في ذكر الموت (ص/ 149)، للإمام عبد الحق الأشبيلي، المعروف بابن الخراط.: مصدعة: قد فطرها الحزن والهم، ورشفوا: مصوا وتذوقوا، والثغر: الفم، خبايا: باطن أو داخل، ارتبثوا: تفرقوا، النجث: غلاف القلب، والشعث: التغير والاتساخ، لأي: بطء، واحتباس، الجدث: القبر، الجأث: الفزع.

[4] أخرجه البخاري (1297) ومسلم (103).

[5] أخرجه مسلم (67).

[6] أخرجه مسلم 2301.

[7] تفسير ابن كثير - (8 / 473).

[8] أخرجه البخاري (435) ومواضع، ومسلم (531).

[9] أخرجه مسلم (532).

[10] أخرجه مالك (1617)، وصححه الألباني في أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم - (ص / 142).

[11] الأم (1 / 246).

[12] أخرجه البخاري (427) ومواضع، ومسلم (528).

[13] كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد (ص / 32) الإمام محمد بن عبدالوهاب.

[14] أخرجه أحمد (1691)، والدارمي (2 / 233)، وأبو يعلى (ص 248)، والحميدي (85)، والبيهقي (9 / 208)، وهو في الصحيحة (3 / 124).

[15] الزواجر عن اقتراف الكبائر - (1 / 385).

[16] سبل السلام - (2 / 38).

[17] أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3 / 145 / 2)، وهو في الصحيحة (3 / 13).

[18] رواه أبو يعلى في" مسنده" (ق 66 / 2) وإسناده صحيح وقال الهيثمي (3 / 61): "ورجاله ثقات"، وانظر أحكام الجنائز (ص207)، وتحذير الساجد (29).

[19] رواه عبدالرزاق (1591) وهو مرسل صحيح الإسناد وموضع الشاهد منه أنه استشهد بالحديث على النهي عن الصلاة بين القبور فدل على أنه يعني المعنى المذكور، انظر: تحذير الساجد - (ص 29).

[20] أخرجه البخاري (435) ومواضع، ومسلم (531).

[21] أخرجه الترمذي (2 / 129) وقال: "حديث غريب، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي يضعف من قبل حفظه".قال الألباني: في أحكام الجنائز - (ص137): قلت: لكنه حديث ثابت بما له من الطرق والشواهد". وانظر: صحيح الأحكام (137 - 138)، مختصر الشمائل (326).

[22] خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى - (ص 133).

[23] الصوفية والوجه الآخر - (ص / 102)، للدكتور جميل غازي رحمه الله رحمة واسعة، وهو مجموعة مقالات قام على جمعها د. عبد المنعم الجداوي.

[24] الفتاوى الكبرى - (2 / 85)، ومجموع الفتاوى - (22 / 203).

[25] الفتاوى الكبرى - (2 / 80).

[26] فتاوى كبار علماء الأزهر الشريف حول الأضرحة والقبور (ص 26)، رسالة صادرة عن دار اليسر.

[27] اقتضاء الصراط المستقيم 329.

[28] أخرجه مسلم (972).

[29] زاد المعاد (3/572).

[30] نفسه (3/572).

[31] المجموع - (5 / 316).

[32] الزواجر عن اقتراف الكبائر (1 / 384).

[33] أخرجه مسلم 2287.

[34] هكذا، ولعلها: القبوريين.

[35] نيل الأوطار - (6 / 268).

[36] أخرجه الدارمي 210، وصححه الألباني في الصحيحة 2005، وانظر الباعث على إنكار البدع والحوادث (1 / 14).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • القبورية في اليمن (WORD)
  • من بدع القبور
  • حكم اتخاذ القبور مساجد
  • توزيع الصدقات "كالماء" في المقابر على المشيعين والزائرين
  • أنباء القبور (خطبة)
  • لا أصل ولا صحة لمعرفة مكان قبور بنات النبي صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين بالبقيع
  • تذكير العابد بفضل الساجد
  • إعلام الساجد بفوائد وأحكام الحديث: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد

مختارات من الشبكة

  • إتحاف الساجد بأسباب هجر المساجد (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • إتحاف الساجد بمخالفات الصلاة والمساجد (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تذكير الخاشع الساجد ببعض أخطاء كبار السن في المساجد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إفادة الساجد بجملة من الأحاديث الواردة في فضائل وأحكام المساجد (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تذكير الساجد بآداب المساجد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إتحاف الساجد بفضل عمار المساجد (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تنبيه الساجد إلى تعظيم قدر الصلاة ووجوبها في المساجد (PDF)(كتاب - موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي)
  • مخطوطة إحكام الساجد بأحكام المساجد(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • إعلام الساجد بأدب الجوال وحرمة المساجد(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • دعوة الساجد إلى صلاة الجماعة في المساجد(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب