• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

تفسير: (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب)

تفسير: (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب)
الشيخ محمد حامد الفقي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/9/2015 ميلادي - 2/12/1436 هجري

الزيارات: 20071

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير قوله تعالى

(وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

قول الله جل ثناؤه ﴿ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ * وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾ [البقرة: 49-50].

 

أصل النجاة في اللغة: الانفصال عن الشيء وتخليصه منه، ومنه النجوة والنجاة: المكان المرتفع المنفصل بارتفاعه عما حوله، ثم سمي كل فائز ناجيًا، فالناجي: من خرج من ضيق وشدة إلى سعة ويسر، ثم نجاة الآباء نجاة للأبناء؛ لأنها سبب لنجاة الموجودين من الخاطبين؛ كقوله تعالى: ﴿ إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً ﴾ [الحاقة: 11-12].

 

و"فرعون" اسم لكل من ملك مصر بقسميها القبلي والبحري، كما قيل: "قيصر" لكل من ملك الروم، و"كسرى" لكل من ملك فارس، و"النجاشي" لكل من ملك الحبشة، و"تبع" لكل من ملك اليمن، و"آل فرعون": حزبه ورجال دولته الذين كانوا على دينه، وينفذون أوامره ويعينونه على ظلمه وبغيه، و"يسمونكم سوء العذاب"؛ أي: يذهبون في ابتغاء أشد أنواع العذاب وأسوئها لكم، كل مذهب يذيقونكم ويلزمونكم إياه، ويكلفونكم منه أشق الأحوال، وهي جملة خالية من آل فرعون.

 

و"يذبحون" بتشديد الباء للتضعيف؛ أي: يكثرون من تذبيح أبنائكم، وهي هنا من غير واو العطف على أنها بدل من "يسومونكم" وتفسير لها، وفي سورة إبراهيم "ويذبحون" بالواو؛ لأن المعنى يعذبونكم بأنواع من العذاب: الذبح وغيره، و"يستحيون"؛ أي: يبالغون في إحياء نسائكم، وإعطائهن حياة قوية ظاهرة بارزة.

 

و"البلاء" الامتحان الاختبار؛ أي: في تعذيب فرعون وآله لكم امتحان واختبار لكم، هل فيكم بقية حياة ونخوة تحملكم على أن تقفوا في وجه عدوكم؛ لتدفعوا عن أنفسكم شره؟ أم فقدتم الحياة مرة واحدة؟ وهل فيكم بقية من العقل ترجعكم إلى الله وإلى دينه، فتؤمنوا بالله وتستقيموا على صراط موسى وشرعته، فيرفع الله عنكم كلم فرعون وعذابه: أم لم تبق فكيم بقية؟ وفي إنجاء الله تعالى لكم كذلك امتحان واختبار، هل تشكرون نعمته هذه أم تكفرونها؟ وهذا كقوله تعالى: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾ [الانبياء:35].

 

وأول من دخل مصر من الإسرائيليين: يوسف عليه السلام، ثم جلب أباه يعقوب عليه السلام وإخوته - كما فصل الله ذلك في سورة يوسف - وأقطعهم أرضًا في الشمال الشرقي لمصر - كانت تشغل جزءًا من مديريات الشرقية والدقهلية والقليوبية على ما يقولون، ونما نسلهم وكثرت ذريتهم، واتسعوا في الأرض والعمران، وكانوا محافظين على عزلتهم - كشأنهم دائمًا - لا يخالطون المصريين ولا يساكنونهم، فخشي المصريون من كثرتهم المستمرة أن تكون لهم قوة ينزعون بها الملك من أيديهم ويتسلطون بها عليهم، وهم غرباء عن البلاد ليسوا من أهلها، فأخذوا يستذلونهم بأنواع الذلة، ويستعملونهم في الأعمال الشاقة المهينة، ويسومونهم ألوان العذاب المختلفة عملًا على إفنائهم والقضاء عليهم بهذا الإذلال؛ لأن الذليل الذي يحرم إرادته في أعماله، ويفقد حريته التي تغذي إنسانيته هو بمنزلة من يحرم من تناول الغذاء الذي يمد حياة جسمه وقوته، فهو يذبل شيئًا فشيئًا، وينحل رويدًا رويدًا حتى يتلاشى ويهلك، والقوة التي تحفظ حياة الأمم هي حياة الأرواح والإرادات، وحرية التفكير والتحرر من قيود الإذلال وأغلال الاحتقار والاستصغار، فإذا فقدت الأمة ذلك فهي مع الموتى الهالكين. والمثل القريب لانقراض الأمة بهذه الطريقة الفظيعة التي يتخذها المستعمرون المستبدون: ما صنع الجنس الأبيض حين استعماره أمريكا في الهنود الأمريكيين أو الهنود الحمر والجنس الأسود، الذين هم أهل البلاد الأصليون، وأقرب من ذلك ما صنعت إيطاليا حين دخلت طرابلس ظالمة باغية مفسدة، فإنها عملت على إبادة الطرابلسيين بكل الأساليب وأنواع الإذلال والمهانة، والتقتيل والإجلاء للرجال، وإبقاء النساء وإباحتهن للجنود الطليان.

 

ويتضح للقارئ هذه المعاملة القاسية المهينة التي كان يعامل بها فرعون وشيعته الإسرائيليين من قصة الرجلين: الإسرائيلي والمصري اللذين كانا يقتتلان، واستغاثة الإسرائيلي بموسى على المصري، فوكز موسى المصري وكزة دلت على مقدار ما في نفس موسى من الكره والغيظ من آل فرعون لما كانوا يعاملون به الإسرائيليين، فقضى عليه وأورده مورد الموت.

 

وتلك الحادثة التي قصها الله تعالى في سورة القصص تصور لنا أوضح صورة حياة بني إسرائيل الحقيرة في مصر، وحرص المصريين على قتل روح الرجولة والقوة في بني إسرائيل؛ لأنهم كانوا في عُرف استبدادهم وظلمهم خلاءً في مصر، لا حق لهم في نيلها ولا سمائها ولا واديها، لذلك عمد فرعون وشيعته الظالمون إلى قتل نصف ما ينسل بنو إسرائيل من الذكور حسيًّا بالذبح، وقتل النصف الثاني معنويًّا بالتحقير والإهانة، فكانوا يعمدون إلى قتل المواليد سنة ويعفون عنهم سنة، وكان موسى في السنة التي يقتلون فيها، وهارون أخوة في السنة التي لا يقتلون.

 

والغرض الواضح من عفوهم عن مواليد سنة: استبقاء بقية من هذا الشعب الذليل الوضيع لتقوم بالمهن الوضيعة الحقيرة التي يترفع عن القيام بها المصريون، ويتعالون عنها بغيًا وظلمًا وسفهًا.

 

والغرض الواضح من ذبح الأبناء الذكور سنة: أن يقل الرجال ويكثر النساء، فلا تجد النساء كفايتهن من الأزواج، فيطلبن قضاء إربهن بالزنا، وكلما قل الرجال وكثر النساء على هذه القاعدة، كثر الزنا وشاعت الفاحشة، وكلما شاعت الفاحشة واتسعت دائرة الزنا، وفشت الدعوة إليه والمغريات به، كلما ماتت صفات الرجولة وانحلت الأخلاق وذل الرجال، وضعفت الأمة عن كل عمل جدي صالح، واندفعت في تيار الفجور تبذل كل جهدها المادي والمعنوي لإشباع الشهوات الحيوانية في الفرج والبطن.

 

انظر دليل ذلك في الأمم الشرقية اليوم، حين استعمرتها الأمم الغربية، فإن أول شيء تعمله لتوطيد أقدامها - يزعمها - توطيدًا أبديًّا: هو أن تقتل الرجولة وتمحوها من الأمة بما تضع لها من برامج للتعليم ودساتير في الحياة المنزلية والعمومية لا تلبث بعد سنين معدودات أن تسلخ هذه الأمة من قوميتها ودينها ووطنها، وتجعلها كالشاة العاثر لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فترى رجالًا ولا رجالَ، يملؤون الجو صباحًا وكلامًا أجوف، وعاوى فارغة، فإذا جاء العمل الجدي وجدت أفئدة هواء وقلوبًا خلاء، ونفوسًا طارت مع الريح "تجمعهم صفارة وتفرقهم عصا"، وفي الوقت نفسه تحيي الأنوثة وتغريها وتبرزها في صور واضحة داعرة، وتحقنها بشتى الحقن المثيرة لكل كوامن الأنوثة وعوراتها ومضارها وشرورها، وتضع لذلك أيضًا البرامج المدرسية والنظم في الحياة الفردية والاجتماعية، وتجلب لها من الأسباب ما يمكنها كل التمكن من الظهور الواضح والبروز الذي تطغى به على الرجولة، وتحل مكانها في قيادة البيت والمتجر وغيرهما من جميع الشؤون، فيتم بذلك للأمة المستعمرة الظالمة الطاغية ما تريده من هذه الأمم الشرقية المسكينة، وما كان من قبل يريده فرعون وآله وشيعته من بني إسرائيل، فإن الرجل الذي لا يغار على حريمه: زوجته وأمه، وابنته وأخته - ولا تتحرك في نفسه الحمية لهن حين يراهن خاليات بأجنبي أو مخاصرات مراقصات له في العلن، ولا يثور ويغضب لانتهاك عرضهن كذلك، بل يرى ذلك أمرًا مألوفًا عاديًّا، ويراه أمرًا جميلًا يسمع المدح والثناء عليه من أترابه وأقرانه وأخدانه، بل يجد من سراة أمته والبارزين فيها من يشجعه على ذلك بما ينشر هو من أنواع الدعاية له بالحفلات والنشرات، والصور يعرضها على الجمهورية إعلانها صريحًا بالدعاية إلى قتل الرجولة وذبحها، واستحياء الأنوثة الداعرة الفاجرة وإبرازها في أوضح أشكالها الفاتنة المفتنة.

 

الرجل الذي تموت فيه الحمية كذلك، والرجل الذي تقتل رجولته كذلك، والرجل الذي تشتد برودة دمه إلى درجة مائة تحت الصفر كذلك، هذا المخنث مستحيل أن يغار على الحي الذي يسكنه، أو على الشارع الذي يقيم فيه، فضلًا عن البلد والوطن الذي يستوطنه صورة لا معنى، ويستظل بأرضه مجازًا لا حقيقة.

 

هذا الرجل مهما زعم أنه يدافع عن وطنه أو يعمل لخير أمته، فهو مسكين ثم مسكين، يستحق أشد العطف؛ لأنه يعمل لعدوه المستعمر، ويذيب روحه ونفسه وكل ذرة فيه؛ ليعمل منها طريقًا ممهدًا لعدوه المستعمر يبلغ به إلى أقصى ما يريد من غاياته وأغراضه، ولا يصدق هذا البارد الدم أشد البرودة في دعواه الوطنية والغيرة على بلده ودينه، إلا من هو أش منه غباءً وأجدر منه بالشفقة والرحمة، وأولى أن يجتنب ويتقى وينبذ نبذ النواة.

 

هذا وقد ذكر الله تعالى معنى هاتين الآيتين في عدة سور وآيات من القرآن الكريم مع ما كرر من قصص بني إسرائيل للاعتبار والتذكير، وينتفع القارئ والسامع، فيخاف ربه ويرجوه وحده، ويديم شكره، ولا ينسى فضله، فقال في سورة الأعراف: ﴿ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة:49]، وقال في سورة الأعراف أيضًا: ﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 127-129]، إلى أن قال: ﴿ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ * وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴾ [الأعراف: 136-137].

 

وقال في سورة إبراهيم: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ [ابراهيم:6]، وقال في سورة يونس: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ ﴾ [يونس:90]، وقال في سورة طه: ﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى * يَا بَنِي إِسْرائيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ ﴾ [طه:77-80]، وقال في سورة الشعراء: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 52-67]، وقال في سورة القصص: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ [القصص: 4-6]، وقال فيها أيضًا: ﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 39-40]، وقال في سورة الصافات: ﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ﴾ [الصافات: 114-116]، وقال في سورة غافر: ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ ﴾ [غافر:25]، وقال في سورة الدخان: ﴿فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ﴾ [الدخان:23-24]، وقال فيها أيضًا: ﴿وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرائيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الدخان:30-31]، وقال في سورة الذاريات ﴿ وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴾ [الذريات:38-40].

 

ونحن إذا قرأنا هذه الآيات في مواضعها من قصص بني إسرائيل وتدبرناها حق تدبرها، وجدنا فيها من العبر والآيات وسنة الله التي لا تبديل لها ولا تحويل، ما فيه موعظة أي موعظة، وذكرى أي ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وذلك:

(أولًا) أن الله تعالى قد انتقم من بني إسرائيل بتسليط فرعون وآله عليهم يسومونهم سوء العذاب؛ لأنهم تركوا شريعة يعقوب ويوسف عليهما السلام واتبعوا أهواءهم، وشاركوا قوم فرعون في بعض وثنيتهم، واستهانوا بحفظ الأعراض وصيانة النساء، وكذلك شأن كل أمة تتجافى عن الملة القيمة وشرعها المنزل من عند الله لها هدى ورحمة، خصوصًا شرعة الإسلام التي هي الملة الحنيفية وخير ما أنزل الله وارتضى لعباده وأحبابه.

 

وقد أعاد الله الكرة على بني إسرائيل في بيت المقدس على يد الطاغية المجوسي بختنصر وجيشه الذي جاس خلال الديار، وعاث فيها الفساد، وأوغل في بني إسرائيل تقتيلًا وسبيًا وتحريقًا وتخريبًا، ثم رد عليهم الكرة مرة مرة بما كانوا يفسقون عن أمر ربهم ويكذبون رسله الذين يبعثهم مجددين للدين الحق ومصدقين لما بين أيديهم.

 

وها أنت ترى اليوم أوروبا سلط الله عليها هذه الحرب تحصد الأنفس والأرواح البشرية بمنتهى الوحشية والهمجية؛ لأنها زعمت أنها ابتكرت من الدساتير والشرائع والمدنيات خيرًا مما أنزل الله على كتبه من الشرائع والأحكام والأخلاق والآداب، والنُّظُم الاجتماعية، وزعمت أن من هذه المدنيات أن تسوم الأمم الشرقية والإسلامية - على الأخص - سوء العذاب، ثم ذهبت تنشر من عبادة المادة والحيوانية الداغرة والفجور وانتهاك الأعراض والتحلل والإباحية بكل ما تملك من دعايات تغزو بها الشرق وغيره، وتقتل فيهم الرجولة بما تشرع لهم من طرق في الحياة العلمية والعملية، فتذلهم وتطأطئ رؤوسهم، وتقضي على بقية الحياة بترويج الخمور، وتميت في قلوبهم كل رحمة وأمل بما تفتح لهم من أبواب الربا، ولا تزال تعتصرهم وتستنزف حياتهم قطرة قطرة حتى يشبع جشعها، إن كان يشبع، ولن يشبع؛ لأنه كالنار تقول دائمًا: هل من مزيد، وسينتهي الأمر ولا بد بالطغاة الألمان إلى مثل ما بدؤوه هم مع الآخرين من الفناء والدمار: ﴿ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:117].

 

ثم ستكون الدولة إن شاء الله لشرق الإسلامي، فإنه لن يجد الناس بعد ذلك شفاء نفوسهم ولا راحة أرواحهم التي طال عذابها بمدنيات أوروبا الساحقة الماحقة إلا في الإسلام الرحيم وكتابه الحكيم وسنة نبيه الكريم: ﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ [لأعراف:137]، ولقد وطأ الله للإسلام بما كان بين فارس والروم من حروب، وبين العرب كذلك.

 

(ثانيًا) نعتبر بأنه كانت نكبة بني إسرائيل وما حل بهم من الذلة والصغار، بسبب انحلال الروابط القلبية وتفكك عرى الوحدة الدينية، وتشتت كلمتهم الإسرائيلية، فقد كان كل واحد يعمل لنفسه ولنفسه فقط، وإن كان طعامه بلحم أخيه وبما ينزلف إلى فرعون وآله من ذلك اللحم الإسرائيلي، يبتغي به الرضا والوجاهة والمنزلة عند الطاغية فرعون وشيعته، وكذلك الشأن في كل أمة تتنافر قلوب أفرادها وتباعد الأهواء الشخصية بين أهدافها وأغراضها، وتقود المطامع الفردية كل شخص إلى غاية بحرص على البلوغ إليها بكل ما يقدر عليه من ثمن، ولو كان بقذف أخيه بأنواع التهم وتلطيخ عرضه بسخائم الجرائم، فليتق الله المصريون والمسلمون في أنفسهم وفي أوطانهم وفي أممهم إن كانوا يعقلون، وليجمعوا صفوفهم ويوحدوا كلمتهم، كما جمع الله كلمة بني إسرائيل وقلوبهم على موسى، فكانوا من الناجين.

 

(ثالثًا) كان بنو إسرائيل يعون ستمائة ألف، ولكنهم من الجبن وخور العزيمة وموت النفوس وتبلدها، وسقوط إلهه، وفِقدان الشجاعة والحمية والشهامة، وتنافر القلوب كغثار السيل، فلم تغن عنهم كثرتهم شيئًا؛ لأن حياة الأمم ليست بكثرة العدد، وإنما حياة الأمم بقوة الحيوية في نفوس أفرادها بما يتأجج في قلوبهم من الحماسة والغيرة، وما يجري في دمائهم من دم الشجاعة الحارة المتحفز.

 

وهكذا تجد فرعون الجبار يستخذي أمام موسى الشجاع الذي لا يرهب الموت فيرهبه الموت، ومن كان يسوم قوم موسى الموت فيستعطف موسى ويستجديه: ﴿ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ﴾ [الشعراء:18].


فرعون الذي يقول أنا ربكم الأعلى للجبناء الذين يعبدون الدنيا التي يظنونها لجبتهم بيد فرعون، لكنه يطأطئ الرأس أمام شهامة موسى وشجاعة قلبه؛ إذ يرى فيه أنه لا يعبأ بدنياه شيئًا؛ لأنه يعرف يقينًا أن الدنيا والآخرة بيد الله وحده: ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه:50]، ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهَى ﴾ [طه:53-54].

 

وهكذا تذل الشجاعة والحماسة رؤوس الجبابرة، وترغم أنوف الطغاة؛ وتملأ قلوبهم رعبًا ورهبًا: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران:175].

 

والناس من خوف الموت في موت، ومن خوف الذلة في ذلة، فإن أحبوا الموت في سبيل عزتهم ودفعهم عن حريمهم، وإن باعوا أنفسهم وبذلوها في سبيل الحق وحماية الذمار، وعرضوها لكل مهانة يتوهمونها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أحياهم الله أقوى الحياة وأعزها: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة:243]، فليعتبر المصريون والمسلمون بحوادث التاريخ الماضية، وسِيَر آبائهم وسلفهم الغابرين، وليبيعوا أنفسهم لله لا لغيره كما باع الأولون، وليأخذوا العظات البالغات مما بين أيديهم اليوم من عظائم الأحداث، وليعلموا أشد العلم أن الفرصة إذا ضاعت قد لا تُعوَّض: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد:7-8].

 

وروى أبو داود والبيهقي عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يوشك أمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة على قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)).

 

فلا عز للأمة إلا بأن تكون كل قواها مجتمعة ومتضافرة متناصرة تسعى إلى غاية واحدة تحت قيادة واحدة تقيم الحق فيها، وتؤلف بين أفرادها بالإخوة في الله، وتوجهها وجهة العمل لإعزاز دين الله، وإعلاء كلمة الله.

 

(رابعًا) أن الظلم مهما كثرت أعوانه، وعظمت قوته وتضخم سلطانه، وتوهم الناس لكثرة ما يعتمد عليه من أسباب بقائه وامتداد لهيبه واستشراء فساده، فهو لا بد إلى إلى اضمحلال ودمار وانهيار، فإنه قام على جرف هار، ومهما بلغ الظالمون في عُتوهم، فلن يصلوا إلى مقالة فرعون: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 24]، فالله لا بد أن يصب عليهم سوط عذابه؛ لأنه لهم بالمرصاد.

 

فلا يفرحن ظالم بإملاء الله له، فإن كيد الله متين، ولا يغترن باغ بإمداد أسباب البغي، فإنما يمد الله له من العذاب مدًّا: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ﴾ [هود:102-103].

 

(خامسًا) إن الحق مهما قل ناصروه وكثر أعداؤه وخاذلوه، وتوفرت عليه معاول التشويه والتنفير، وتضافرت عليه جهود الشياطين من الإنس والجن، فلن تنطفئ شعلته، ولن تخمد جذوته، وإن طمرتها في وقت من الأوقات أتربة المفسدين وغطاها رمال المبطلين الباغين، فلعل ساعة تعصف فيها رياح العلم بتلك الرمال فتذريها هباءً منثورًا، وتبعث فيها يد الله روح الإيمان، فتنفض عنه تلك الأتربة وتلقيها عنه بعيدًا، فيظهر وضاح الجبين مشرق الطلعة عظيم الإشعاع، فصبرًا يا أهل الحق على حقكم، لا تخدعنكم عنه فترات الركود التي يضربها شيطان الباطل بشهوات وشبهاته على القلوب، فيوم حقكم قريب، ودولته آتية لا ريب فيها، وطوبى يومئذ للعابرين المجاهدين.

 

(سادسًا) إن التربية المنزلية عليها أكبر المعول في قوة الأمة وضعفها، ولها أكبر الأثر في عزتها وذلتها، فإن كانت البيئة التي ينشأ فيها الطفل منحلة الأخلاق مريضة النفوس بالجبن والذلة، اصطبغ الإنسان بها وشبَّ عليها وشاب، وأثرت في كل أعماله وأحواله، والمثل أمامنا أكثر وأوضح من أن تساق وتذكر، ولذلك أبعد الله موسى عليه السلام - الذي صنعه على عينه - عن بيئة بني إسرائيل الذليلة المريضة المهينة، ورباه في حجر فرعون؛ لينشأ قوي القلب شجاعًا، ثابت الجنان لما يصطبغ به مما حوله من عظمة فرعون وبيت فرعون، ثم لئلا تكون تلك العظمة هي الأغلب عليه، فيكون مستكبرًا طاغيًا، حرم عليه المراضع فلا يقبل إلا ثدي أمه؛ ليرضع منها العطف على بني إسرائيل والحدب على أمته وشعبه، ولتشهده على ما ينالهم من فرعون، فيعمل على إنقاذهم من ظلمه وينجيهم من بطشه، وقد كان ذلك، وسنبسط القول في هذا الوجه في موضع آخر أنسب من هذا الموضع لبسط القول إن شاء الله تعالى، وأسأل الله أن يبصر المسلمين بما في كتاب ربهم من مواعظ وعبر، وأن يوقظهم من سباتهم، وأن يهيء لهم من العقل والفقه والسياسة والقادة ما ينتهزون به الفرص وقت سنوحها؛ لينفضوا عنهم غبار هذه الذلة والمسكنة، ويرجعوا مرهوبي الجانب كما كان آباؤهم الأولون، وما ذلك على الله بعزيز، والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.

 

المصدر: مجلة الهدي النبوي - المجلد الرابع - العدد 44 - 15 ربيع الثاني سنة 1359





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قصة موسى مع فرعون
  • البيان المعتبر لما في قصة "موسى وفرعون" من العظات والعبر
  • أدخلوا آل فرعون أشد العذاب
  • تفسير: (أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض...)

مختارات من الشبكة

  • تفسير قوله تعالى: {وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوسا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: { وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون }(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • غرائب وعجائب التأليف في علوم القرآن (13)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مفسر وتفسير: ناصر الدين ابن المنير وتفسيره البحر الكبير في بحث التفسير (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب