• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: أهمية اللعب والترفيه للشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    عيد الأضحى: فرحة الطاعة وبهجة القربى
    محمد أبو عطية
  •  
    كيف يعلمنا القرآن الكريم التعامل مع الضغط النفسي ...
    معز محمد حماد عيسى
  •  
    أحكام الأضحية (عشر مسائل في الأضاحي)
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    زيف الانشغال
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    خطبة الجمعة في يوم الأضحى
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    الأخذ بالأسباب المشروعة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    يوم العيد وأيام التشريق (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    المقصد الحقيقي من الأضحية
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    خطبة الأضحى 1446 هـ (إن الله جميل يحب الجمال)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446هـ
    عبدالوهاب محمد المعبأ
  •  
    لبس البشت فقها ونظاما
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    خطبة: مضت أيام العشر المباركة
    محمد أحمد الذماري
  •  
    خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1446هـ
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    خطبة عيد الأضحى لعام 1446 هــ
    أ. شائع محمد الغبيشي
  •  
    خطبة عيد الأضحى المبارك: تضحية وفداء، صبر وإخاء
    الشيخ الحسين أشقرا
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

هل يؤثر العامل على صلاح العمل وفساده؟

د. مرضي بن مشوح العنزي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/9/2015 ميلادي - 24/11/1436 هجري

الزيارات: 11865

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

هل يؤثر العامل على صلاح العمل وفساده؟

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فالذي ينظر لواقع بعض الناس اليوم يجد أنهم يفسرون الأعمال تبعًا لأصحابها؛ فالعمل غير الصالح عندما يخرج من رجل صالح يُؤَوَّل هذا العمل ويقسر قسرًا كي يكون صالحًا، بل عندما تقرأ في سير بعض الصالحين لا تجد فيها خطأ واحدًا أو اعترافًا من أتباع هذا الرجل الصالح بأنه أخطأ، مع أن القرآن ذكر سير أنبياء ومرسلين وذكر بعض أخطائهم، وعلى العكس تمامًا، لما يصدر عمل صالح من شخص غير صالح ينسف هذا العمل، ويُؤَول شرًّا، بل لا يذكر، مع أن الشرع ينظر للعمل ويحكم عليه ويبين صلاحه من فساده، فإن كان العامل صالحًا وخرج منه عمل غير صالح، يسر الله له طرق التوبة، وتاب عليه، أو يغمس هذا العمل غير الصالح في بحر الحسنات الكبير، لكن لا بد من بيان أن هذا العمل غير صالح، وكذا إذا كان العمل صالحًا وخرج من شخص غير صالح، فإنه يذكر صواب هذا العمل، مع بيان أن العامل غير صالح، فيؤخذ ويقبل منه هذا العمل، ويكافأ عليه في الدنيا أو الآخرة أو جميعهما، ومقياس الصلاح والفساد في الناس هو الغالب من أعمالهم، فمن غلب صلاحه فهو الصالح، ومن غلب فساده فهو الفاسد، وهناك من خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا، عسى الله أن يتوب عليهم؛ إن الله غفور رحيم، وهاك بعض الأمثلة على تعامل الشرع مع الأعمال غير الصالحة التي تخرج من الصالحين، أو الأعمال الصالحة التي تخرج من غير الصالحين:

أ - إذا كان العامل صالحًا، والعمل غير صالح:

1 - قال تعالى: ﴿ فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ﴾ [طه: 121، 122].


فالعمل الذي صدر من أبينا آدم صلى الله عليه وسلم خطأ ومعصية، لكن هذه المعصية لم تلغِ آدم صلى الله عليه وسلم كله؛ لأنه صالح، بل كان التعامل على قدر الذنب؛ فبين الله أن هذا العمل معصية، وبين فضل آدم صلى الله عليه وسلم، وألهمه كلمات قالها، فتاب الله عليه؛ قال الله تعالى: ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 37]، والكلمات التي تلقاها آدم صلى الله عليه وسلم هي: ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23].


2 - نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم ألقى الألواح التي تحمل كلام الله، وأخذ برأس أخيه النبي هارون صلى الله عليه وسلم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ ﴾ [الأعراف: 150]، وقتَل نفسًا؛ قال الله تعالى: ﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ ﴾ [القصص: 15]، ولكن لما كان الذي عمل هذه الأعمال هو النبي موسى صلى الله عليه وسلم، يسر الله له التوبة، وتاب عليه؛ فقد أقرَّ بخطئه مباشرة بعد هذه الأعمال، وهذا من تيسير الله له: ﴿ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [القصص: 15، 16].


3- نبي الله يونس صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 87، 88]، استجاب الله له ونجاه؛ لأن هذا الخطأ صدر من عبد صالح، ولم يكن العمل سببًا لإلغاء العامل.


4 - الثلاثة الذين تخلفوا عن معركة تبوك، لما كانوا صادقين وصالحين، تاب الله عليهم، ولم يكن عملهم سببًا لطردهم من رحمة الله؛ قال الله تعالى: ﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: 118].


5 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، فجعل خالدٌ يقتل منهم ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره، حتى إذا كان يومٌ أمر خالدٌ أن يقتل كل رجل (إنسان) منا أسيره، فقلت: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجلٌ من أصحابي أسيره، حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرناه، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده فقال: ((اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالدٌ مرتين))"[1].


تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من عمل خالد رضي الله عنه؛ لأن العمل غير صالح ولم يتبرأ من خالد؛ لأنه رجل صالح ولو تبرأ منه لهلك.

 

6 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أن رجلًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبدالله، وكان يلقب حمارًا، وكان يُضحِك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يومًا، فأمر به فجلد، فقال رجلٌ من القوم: اللهم العَنْهُ! ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تلعنوه؛ فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله))"[2].


لم يقفِ النبي صلى الله عليه وسلم عند عمل الرجل غير الصالح، بل عاقبه، وبين للصحابة صلاح هذا الرجل، وأن المؤمن ينبغي أن ينظر بعينين، وينظر إلى الجوانب الأخرى في هذا الرجل المخطئ، وأن هذا الرجل الذي نظرتم له هذه النظرة السوداء، يحمل قلبًا عظيمًا، ملأه بحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والمرء يوم القيامة يحشر مع من أحب؛ كما في حديث أنس رضي الله عنه: "أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال: متى الساعة؟ قال: ((وماذا أعددت لها؟))، قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((أنت مع من أحببت))، قال أنسٌ: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنت مع من أحببت))، قال أنسٌ: فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم"[3]، وأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأنسًا، وكل صحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين، وأسأل الله أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل عملهم.

 

7 - عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فصبحنا الحرقات من جهينة، فأدركت رجلًا، فقال: لا إله إلا الله، فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أقال: لا إله إلا الله وقتلته؟))، قال: قلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفًا من السلاح، قال: ((أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا))، فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ"[4].


فقد عاتب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أسامة رضي الله عنه على خطئه، وكان العتاب شديدًا، حتى تمنى أنه أسلم في يومه ذاك كي يغفر الله ما سلف من ذنوبه، "قال ابن بطال: كانت هذه القصة سبب حلف أسامة ألا يقاتل مسلمًا بعد ذلك، ومن ثم تخلف عن علي في الجمل وصفين"[5]، و"قال ابن التين: في هذا اللوم تعليم وإبلاغ في الموعظة؛ حتى لا يقدم أحدٌ على قتل من تلفظ بالتوحيد، وقال القرطبي: في تكريره ذلك والإعراض عن قبول العذر زجر شديد عن الإقدام على مثل ذلك"[6]، ومع ذلك لم يبعده النبي صلى الله عليه وسلم عن المشاركة في الجهاد، بل جعله قائدًا لمعركة قبل مرضه صلى الله عليه وسلم، ولم يكن هذا الخطأ سببًا في إقصاء الرجل الصالح، أو غطاءً لحسناته التي قدمها.

 

8 - عن سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، طهرني، فقال: ((ويحك! ارجع فاستغفر الله، وتب إليه))، قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول الله، طهرني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ويحك! ارجع فاستغفر الله، وتب إليه))، قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول الله، طهرني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فيم أطهرك؟))، فقال من الزنا، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبه جنونٌ؟))، فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال: ((أشرب خمرًا؟))، فقام رجلٌ فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أزنيت؟))، فقال: نعم، فأمر به فرجم، فكان الناس فيه فرقتين، قائلٌ يقول: لقد هلك، لقد أحاطت به خطيئته، وقائلٌ يقول: ما توبةٌ أفضل من توبة ماعز؛ أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده في يده ثم قال: اقتلني بالحجارة - قال - فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثةً، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم جلوسٌ فسلم، ثم جلس فقال: ((استغفروا لماعز بن مالك))، قال: فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك- قال - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد تاب توبةً لو قسمت بين أمة لوسعتهم))، قال: ثم جاءته امرأةٌ من غامد من الأزد، فقالت: يا رسول الله، طهرني، فقال: ((ويحك! ارجعي فاستغفري الله، وتوبي إليه))، فقالت: أراك تريد أن تُرَدِّدَني كما ردَّدْتَ ماعز بن مالك، قال: ((وما ذاك؟!))، قالت: إنها حبلى من الزنا، فقال: ((آنت))، قالت: نعم، فقال لها: ((حتى تضعي ما في بطنك))، قال: فكفلها رجلٌ من الأنصار حتى وضعت، قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد وضعت الغامدية، فقال: ((إذًا لا نرجمها وندع ولدها صغيرًا ليس له من يرضعه))، فقام رجلٌ من الأنصار فقال: إلي رضاعه يا نبي الله، قال: فرجمها[7]، فيقبل خالد بن الوليد بحجر، فرمى رأسها، فتنضح الدم على وجه خالد، فسبَّها، فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم سبه إياها، فقال: ((مهلاً يا خالد؛ فوالذي نفسي بيده، لقد تابت توبةً لو تابها صاحب مَكْسٍ، لغفر له))، ثم أمر بها، فصلى عليها، ودفنت[8].


في هذا الحديث تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الخطأ فقط، ولم يجعل هذا الخطأ يحيط بالفاعل، ووجَّه الصحابة إلى أن هذا العمل غير الصالح الذي صدر من شخص صالح، كان سببًا لدخولهم الجنة؛ ليميزوا في التعامل بين العمل والعامل؛ فالعمل وإن كان خطأ لا يكون مسوغًا لسب عباد الله الصالحين، أو طردهم من رحمة الله والناس.


9 - عن عبيدالله بن أبي رافع قال: سمعت عليًّا رضي الله عنه يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد بن الأسود، قال: ((انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ؛ فإن بها ظعينةً ومعها كتابٌ، فخذوه منها))، فانطلقنا تَعَادَى بنا خيلنا، حتى انتهينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي من كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب، أو لنُلْقِيَنَّ (أو لتُلْقِنَّ) الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به (بها) رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا حاطب، ما هذا؟))، قال: يا رسول الله، لا تعجل علي؛ إني كنت امرأً ملصقًا في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قراباتٌ بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفرًا ولا ارتدادًا ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد صدقكم))، قال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال: ((إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم؛ فقد غفرت لكم))"[9].


مع أن العمل الذي صدر من حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه يعتبر خيانة للدولة، وتجسسًا، وكشف أوراقها للعدو، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم غمر هذا العمل ببحر حسنات الصحابي الجليل، ووجه الصحابة إلى صلاح هذا الصحابي، وما قدمه لهذا الدين في غزوة بدر، ومغفرة الله لمن جاهد فيها، قال ابن القيم: "من قواعد الشرع والحكمة أيضًا: أن من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر، فإنه يحتمل له ما لا يحتمل لغيره، ويعفى عنه ما لا يعفى عن غيره؛ فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، بخلاف الماء القليل؛ فإنه لا يحمل أدنى خبث، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: ((وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم؛ فقد غفرت لكم))، وهذا هو المانع له صلى الله عليه وسلم من قتل من جس عليه وعلى المسلمين، وارتكب مثل ذلك الذنب العظيم، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه شهد بدرًا، فدل على أن مقتضى عقوبته قائم، لكن منع من ترتب أثره عليه ما له من المشهد العظيم، فوقعت تلك السقطة العظيمة مغتفرة في جنب ما له من الحسنات"[10].


ولا يعني كل ذلك أن يترك العمل غير الصالح دون عقاب وتنبيه، بل قد يعاقب المخطئ باللوم الشديد؛ كما في حديث أسامة بن زيد، أو بالهَجْر؛ كما في عقوبة الثلاثة الذين تخلفوا عن معركة تبوك، أو بإقامة الحد؛ كما في حديث ماعز والغامدية، وهذه ترجع لحكمة المعاقب، ومعرفة حال المعاقب، ونظره للشرع، والمقصود من كل ذلك: ألا يكون الخطأ سببًا لترك الرجل، أو سببًا للتنابز بالألقاب، وقد يطلق على الفعل أنه كفر، لكن هذا لا يكون مسوغًا لتكفير الفاعل، حتى تقوم عليه الحجة؛ فقد يكون معذورًا عند الله؛ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((كان رجلٌ يسرف على نفسه، فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذروني في الريح؛ فوالله لئن قدر علي ربي، ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا، فلما مات، فعل به ذلك، فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت، فإذا هو قائمٌ، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب، خشيتك، فغفر له))[11]، فهذا الرجل قال كلامًا كفرًا؛ حيث شكك في قدرة الله، ومع ذلك كان معذورًا عند الله، وغفر له، قال ابن عثيمين: "هناك فرق بين القول والقائل، وبين الفعل والفاعل، وأن القول قد نطلق عليه أنه كفر مخرج عن الملة، لكن القائل لا نخرجه من الملة حتى تقوم عليه الحجة، وكذلك الفعل، فنقول: هذا فعل مخرج من الملة، ولكن الفاعل لا نخرجه عن الملة إلا إذا قامت عليه الحجة"[12].


هذه بعض النماذج لأعمال غير صالحة صدرت من صالحين، وقد يجتهد بعض الصالحين اجتهادًا؛ حرصًا منه على الخير والدعوة وهداية الناس، أو في مسألة علمية، ويظن أنه قد أصاب في اجتهاده - لكن قد يكون اجتهاده غير صواب؛ فالشرع أعطى المجتهد وإن أخطأ أجرًا، مع بيان أن هذا الاجتهاد غير صواب، بعتاب لطيف مليء بالحب والتقدير، وإن كان هذا العمل لا يوصف بأنه غير صالح إلا تجوزًا، أو باعتبار النتيجة لا المقدمات، ومن أمثلة تعامل الشرع مع ذلك: أن حبيبنا محمدًا صلى الله عليه وسلم اجتهد في أمور؛ حرصًا على الخير والدعوة وهداية الناس، فلما لم يكن اجتهاده صوابًا، عاتبه الله في آيات، منها: قول الله تعالى: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ﴾ [عبس: 1 - 10].


"وسبب نزول هذه الآيات الكريمات: أنه جاء رجل من المؤمنين أعمى يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، ويتعلم منه، وجاءه رجل من الأغنياء، وكان صلى الله عليه وسلم حريصًا على هداية الخَلق، فمال صلى الله عليه وسلم وأصغى إلى الغني، وصد عن الأعمى الفقير؛ رجاء لهداية ذلك الغني، وطمعًا في تزكيته، فعاتبه الله بهذا العتاب اللطيف، فقال: ﴿ عَبَسَ ﴾؛ أي: في وجهه، ﴿ وَتَوَلَّى ﴾ في بدنه؛ لأجل مجيء الأعمى له، ثم ذكر الفائدة في الإقبال عليه، فقال: ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ ﴾؛ أي: الأعمى ﴿ يَزَّكَى ﴾؛ أي: يتطهر عن الأخلاق الرذيلة، ويتصف بالأخلاق الجميلة؟ ﴿ أَوْ يَذَّكَرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ﴾؛ أي: يتذكر ما ينفعه، فيعمل بتلك الذكرى"[13].


ومن العتاب اللطيف: قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [التحريم: 1، 2]؛ فـ: "هذا عتاب من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، حين حرم على نفسه سريته مارية، أو شرب العسل؛ مراعاة لخاطر بعض زوجاته، في قصة معروفة، فأنزل الله تعالى هذه الآيات: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ﴾ أي: يا أيها الذي أنعم الله عليه بالنبوة والوحي والرسالة، ﴿ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ﴾ من الطيبات التي أنعم الله بها عليك وعلى أمتك، ﴿ تَبْتَغِي ﴾ بذلك التحريم ﴿ مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ هذا تصريح بأن الله قد غفر لرسوله، ورفع عنه اللوم، ورحمه، وصار ذلك التحريم الصادر منه سببًا لشرع حكم عام لجميع الأمة، فقال تعالى حاكمًا حُكمًا عامًّا في جميع الأيمان: ﴿ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ﴾ [التحريم: 2]"[14].


ومن العتاب اللطيف قول الله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 67 - 69]، و"هذه معاتبة من الله لرسوله وللمؤمنين يوم (بدر)؛ إذ أسروا المشركين وأبقَوْهم لأجل الفداء، ، وكان رأي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في هذه الحال، قتلهم واستئصالهم"[15].

وإذا الحبيبُ أتى بذنبٍ واحد ♦♦♦ جاءت محاسنُه بألفِ شفيع


ب - إذا كان العمل صالحًا، والعامل غير صالح:

1 - حذر الله من اليهود والنصارى، وأمر بعدم اتباعهم أو محاولة إرضائهم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 120]، وقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 51]، وقال الله تعالى: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ [المائدة: 82].

 

ومع ذلك لما تصدر منهم أعمال صالحة، يبينها الله، ولا يجعل عدم صلاحهم سببًا في عدم ذكر أعمالهم الصالحة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 75]، "وقد ذكر الله هنا أن في أهل الكتاب فريقين: فريقًا يؤدي الأمانة؛ تعففًا عن الخيانة، وفريقًا لا يؤدي الأمانة؛ متعللين لإباحة الخيانة في دينهم... وإنما قدم عليه قوله: ﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ ﴾ إنصافًا لحق هذا الفريق؛ لأن الإنصاف مما اشتهر به الإسلام"[16]، فبين أن عداوتهم وعدم صلاحهم ليس مسوغًا لبخس الصواب الذي خرج منهم.


2 - وقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [التوبة: 34]، فقد نسب الله أكل الأموال بالباطل، والصد عن سبيل الله لكثير منهم، لا لكلهم؛ إحقاقًا للحق، وإنصافًا للقلة الصالحة منهم[17]، فلم يهمل الله تلك الأعمال الصالحة التي صدرت من القلة منهم.

 

3 - ولما كان العمل الذي قام به أبو طالب صالحًا - من إيوائه للنبي صلى الله عليه وسلم ومدافعته عنه - لم يتركه النبي صلى الله عليه وسلم، بل قدر له هذا العمل، مع أنه مات مشركًا على ملة عبدالمطلب؛ فعن العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "ما أغنيتَ عن عمك؛ فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: ((هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار))[18].


4 - كان المنافقون يصلون في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يقاتلون معه، ومع ذلك هذه الأعمال لم تكن شفيعة لهم؛ قال الله: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 145]، إلا أن الله كافأهم عليها في الدنيا؛ بأن جعل معاملتهم معاملة المسلم؛ فالعمل الصالح يكافأ عليه الشخص مهما كان، فمن كان عمله لله حصل على أجري الدنيا والآخرة، ومن عمله رياء حصل أجره في الدنيا، حتى يستوفيها كاملة في الدنيا؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يظلم مؤمنًا حسنة، يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها))[19].


وأما بالنسبة لأعمالهم غير الصالحة، فإن سورة التوبة (الفاضحة) بينت صفات المنافقين، ولم تذكر اسم شخص واحد منهم؛ لتربط المؤمن بالصفات والأعمال، لا بالأشخاص والعاملين؛ فالأشخاص يموتون، والصفات تبقى.


﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ * إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ ﴾ [التوبة: 49، 50].


﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾ [التوبة: 75 - 78].


والشخص غير الصالح عندما يعمل عملًا صالحا، لا يعني موالاته، بل تبين صلاح العمل، والحذر من فساد العامل؛ فالقرآن مع إنصافه لليهود والنصارى، وتبيينه جميع أحوالهم الصالحة وغيرها - حذَّر من موالاتهم؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 51]، بل لا يوجد أشد من عداوة الشيطان وإغوائه لعباد الله، إلا أنه لما أرشد أبا هريرة إلى قراءة آية الكرسي كل ليلة، وأنه لن يزال عليه من الله حافظ - قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صَدَقَكَ وهو كَذُوبٌ))[20]، فأرشده إلى أخذ الحق، وإن صدر من عدو ومحارب للحق.


إلا أن من الأمور المهمة أن يكون المؤمن كَيِّسًا فَطِنًا، وأن ينظر إلى مآلات الأمور، فإن صدرت كلمة حق من عدو، وكان مآلها البعيد إرادة الباطل، فليكن على حذر، ولينبه من حوله؛ كيلا يغتروا؛ فلما قالت الحرورية: لا حكم إلا لله، قال علي بن أبي طالب: كلمة حق أريد بها باطل[21]، لكن ليتقِ اللهَ المرءُ في الدخول في نيات الناس وقلوبهم، فإن لم يتبين له شيء، فليبين صلاح العمل أو القول، مع بيان حال العامل أو القائل إن احتاج لذلك دون الدخول في نياتهم في هذا العمل أو هذا القول، وليكِلِ الناس إلى ربهم الذي خلَقهم.


هذا ما تيسر جمعه حول هذا الموضوع، أسأل الله أن يكتب له القبول والبركة، وأن يكتب لي الأجر والمثوبة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين.



[1] رواه البخاري برقم 4339.

[2] رواه البخاري برقم 6780.

[3] رواه البخاري برقم 3688.

[4] رواه مسلم برقم 96.

[5] فتح الباري، لابن حجر 12/ 204.

[6] فتح الباري، لابن حجر 12/ 203.

[7] رواه مسلم برقم 4527.

[8] رواه مسلم برقم 4528.

[9] رواه البخاري برقم 3007.

[10] مفتاح دار السعادة 1/ 176.

[11] رواه البخاري برقم 3481.

[12] الممتع، لابن عثيمين 14/ 450.

[13] تفسير الكريم الرحمن، للسعدي ص 910.

[14] تفسير الكريم الرحمن ص 872 - 873.

[15] تفسير الكريم الرحمن ص 326.

[16] تفسير التحرير والتنوير، لابن عاشور 3/ 285.

[17] التفسير المنير، للزحيلي 10/ 191.

[18] رواه البخاري برقم 3883.

[19] رواه مسلم برقم 2808.

[20] رواه البخاري برقم 3275.

[21] رواه مسلم 1066.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ذكرى الأمل وبشرى العامل
  • أيها العامل! اتق الله، فإنك مسؤول
  • تخير العاملين
  • مثل العالم العامل والعالم غير العامل
  • الحقوق المتبادلة بين العامل ورب العمل
  • مستثنيات الغرر
  • تقوى العامل والتقوى في العمل

مختارات من الشبكة

  • مسألة: إذا عمل العامل في مال الغير واتجر به بإذنه دون اتفاق على أتعاب محددة للعامل(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • العامل في الفكر النحوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • خطيبي أكبر مني كثيرا فهل يؤثر ذلك مستقبلا من جهة القدرة على الإنجاب؟(استشارة - الاستشارات)
  • كيف يؤثر الصيام تربويا وأخلاقيا على الصائم الحقيقي(مقالة - ملفات خاصة)
  • يؤثرون اللذة الآنية على السعادة الأبدية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كيف يؤثر رمضان في سلوكنا؟(مقالة - ملفات خاصة)
  • هل التفكير في الماضي يؤثر في التوبة؟(استشارة - الاستشارات)
  • هل اضطراب الغذاء يؤثر على الذكاء؟(استشارة - الاستشارات)
  • ويؤثرون(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل دواء التلعثم والتأتأة يؤثر على الحياة الزوجية؟(استشارة - الاستشارات)

 


تعليقات الزوار
1- رائع
عناد محمد الشمري - السعودية 08-09-2015 09:02 PM

كلام رائع دكتور مرضي ، سلمت أناملك ، كم نحن بحاجة إلى فقه التعامل مع الخطأ والصواب ،،،

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/12/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب