• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أوصاف القرآن الكريم في الأحاديث النبوية الشريفة
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    سمات المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    المصافحة سنة المسلمين
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الدرس الثامن عشر: الشرك
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    مفهوم الموازنة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (5)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من نفس عن معسر نجاه الله من كرب يوم القيامة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

تفسير: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار)

محمد حسن نور الدين إسماعيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/8/2015 ميلادي - 8/11/1436 هجري

الزيارات: 133837

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير آية

(يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار)

 

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ [1] * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [الأنفال: 15، 16].

 

الأنفال - جمع نَفْل بسكون الفاء -: اليمين، وفي الحديث: ((فتبرِّئكم يهودُ بنَفْل خمسينَ منهم))، وهو أيضًا الانتفاءُ من الشيء، وفي الحديث: ((فانتَفَل مِن ولدها)). والنَّفل: نبت معروف، والنفل: الزيادة على الفرائض في الصلاة، والنَّفَل - بتحريك الفاء -: ما يُعطيه الإمامُ لأفراد الجيش تشجيعًا لهم[2].

 

والنَّفل: قيل: هو الغنيمة بعينها، لكن اختلفَت العبارة عنه لاختلافِ الاعتبار؛ فإنه إذا اعتُبر مظفورًا به يقال له: غنيمة، وإذا اعتُبر بكونه منحةً من الله ابتداءً من غير وجوب يقال له: نفل، ومنهم من فرَّق بينهما من حيث العمومُ والخصوص، فقال: الغنيمة ما حصَل مستغنَمًا بتعبٍ كان أو غير تعب، وباستحقاقٍ كان أو غير استحقاق، وقبل الظَّفَر كان أو بعده.

 

والنَّفل ما يحصل للإنسان قبل القِسمة من جملة الغنيمة، وقيل: هو ما يحصل للمسلمين بغير قتال، وهو الفيء، وقيل: هو ما يفصل من المتاع ونحوه بعدَما تقسم الغنائم، وعلى ذلك حُمل قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ... ﴾ الآية [الأنفال: 1]، وأصل ذلك من النفل؛ أي: الزيادة على الواجب، ويقال له: النافلة؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ ﴾ [الإسراء: 79]، وعلى هذا قوله: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ﴾ [الأنبياء: 72]، وهو ولَدُ الولد، ويقال: نفَلتُه كذا؛ أي: أعطيته نفلاً، ونفَله السلطان: أعطاه سلَبَ قتيلِه نفلاً؛ أي: تفضلاً وتبرعًا، والنَّوفل كثير: العطاء، وانتفلتُ من كذا: انتفيت منه[3].

 

بين يدي السورة الكريمة:

سورة الأنفال إحدى السور المدنية التي عُنِيَت بجانب التشريع، وبخاصة فيما يتعلَّق بالغزوات والجهاد في سبيل الله؛ فقد عالجَت بعض النواحي الحربية التي ظهرَت عقب بعض الغزوات، وتضمَّنَت كثيرًا من التشريعات الحربيَّة، والإرشادات الإلهية التي يجب على المؤمنين اتِّباعها في قتالهم لأعداء الله، وتناولَت جانب السِّلم والحرب، وأحكامَ الأَسْر والغنائم.

 

نزلَت هذه السورة الكريمة في أعقاب غزوة بدر التي كانت فاتحةَ الغزوات في تاريخ الإسلام المجيد، وبدايةَ النصر لجند الرحمن؛ حتى سمَّاها بعضُ الصحابة: (سورة بدر)؛ لأنها تناولَت أحداث هذه الموقعة بإسهاب، ورسمَتِ الخطَّة التفصيلية للقتال، وبيَّنَت ما ينبغي أن يكون عليه المسلمُ من البطولة والشجاعة، والوقوف في وجه الباطل بكل شجاعة وجرأة، وحزم وصمود.

 

من المعلوم من تاريخ الغزوات التي خاضها المسلمون أنَّ غزوة بدر كانت في رمضان من السنة الثانية من الهجرة، وكانت هي الجولةَ الأولى من جولات الحق مع الباطل، ورد البغي والطغيان، وإنقاذ المستضعَفين من الرجال والنساء والولدان، الذين قعَد بهم الضعفُ في مكَّة، وأخذوا في الضراعة إلى الله أن يُخرجهم من القرية الظالِمِ أهلُها، وقد استجاب الله ضراعتهم، فهيَّأ لهم ظروف تلك الغزوة التي تم فيها النصرُ للمؤمنين على قلة عَددهم وضعفٍ في عُدَدهم، وعلى عدم تَهيئتِهم للقتال، وبها عَرَف أنصار الباطل أنه مهما طال أمدُه وقويَت شوكته وامتدَّ سلطانه، فلا بد من يوم يخرُّ فيه صريعًا أمام الحق وقوة الإيمان، وهكذا كانت غزوة بدر نصرًا للمؤمنين وهزيمة للمشركين.

 

وفي ثنايا أحداث بدر جاءت النداءات الإلهيَّة للمؤمنين ستَّ مرات بوصفِ الإيمان: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ كحافز لهم على الصبر والثبات لهم في مجاهدتهم لأعداء الله، وكتذكيرٍ لهم بأنَّ هذه التكاليف التي أُمروا بها من مقتضَيات الإيمان الذي تحلَّوا به، وأن النصر الذي حازوا عليه كان بسبب الإيمان لا بكثرة السِّلاح والرِّجال:

أما النداء الأول: فقد جاء فيه التحذير من الفِرار من المعركة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ﴾ [الأنفال: 15]، وقد توعَّدَت الآياتُ المؤمنين المنهزِمين أمام الأعداء بأشدِّ العذاب.

 

وأما النداء الثاني: فقد جاء الأمر فيه بالسمع والطاعة لأمر الله وأمر رسوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴾ [الأنفال: 20]، كما صوَّرَت الآيةُ الكافرين بالأنعام السارحة التي لا تسمَع ولا تعي، ولا تستجيب لدعوة الحق.

 

وأما النداء الثالث: فقد بين فيه أن ما يدعوهم إليه الرسول فيه حياتهم وعزتهم، وسعادتهم في الدنيا والآخرة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ... ﴾ الآية [الأنفال: 24].

 

وأما النداء الرابع: فقد نبَّهَهم فيه إلى أن إفشاء سرِّ الأمة للأعداء خيانةٌ لله ولرسوله وخيانةٌ للأمَّة أيضًا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27].

 

وأما النداء الخامس: فقد لفَت نظرهم فيه إلى ثمرة التقوى، وذكَّرهم بأنها أساس الخير كله، وأن أعظم ثمرات التقوى ذلك النور الرباني الذي يقذفه الله في قلب المؤمن، وبه يفرِّق بين الرشد والغي، والهدى والضلال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾ [الأنفال: 29].

 

وأما النداء السادس: وهو النداء الأخير، فقد وضَّح لهم فيه طريق العزة، وأسُسَ النصر؛ وذلك بالثبات أمام الأعداء، والصبر عند اللقاء، واستحضار عظمة الله التي لا تحد، وقوته التي لا تقهر، والاعتصام بالمدَد الروحي الذي يُعينهم على الثبات، ألا وهو ذِكر الله كثيرًا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال: 45].

 

وقد خُتمت السورة الكريمة ببيان الولاية الكاملة بين المؤمنين، وأنه مهما تناءَت ديارهم، واختلفت أجناسهم، فهم أمَّة واحدة، وعليهم نصر الذين يَستنصرونهم في الدِّين، كما أن الكفر ملَّة واحدة، وبين الكافرين ولاية قائمة على أسس البغي والضلال، وأنه لا ولاية بين المؤمنين والكافرين، ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ [الأنفال: 73][4].

 

فقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ﴾ [الأنفال: 15]:

فقد تقدَّم الحديث عن الجهاد وفضله وأنواعه وأحكامه عند تفسير النداء رقم 13 بالآية رقم 200 من سورة آل عمران، وعند تفسير النداء رقم 23 بالآية 71 من سورة النساء.

 

ونذكر هنا عند تفسير هذا النداء الرابع والأربعين الذي في سورة الأنفال معنى الزَّحف والفرار والترهيب منه، وبعض أحكام الجهاد والمراد منه في الآية الكريمة.

 

الزحف: الدنو قليلاً قليلاً، وأصله الاندفاع على الأَلْيَةِ (المقعدة)، ثم سمِّي كل ماشٍ إلى حرب آخر زاحفًا، وازدحَف القوم: إذا مشى بعضُهم إلى بعض، والزحاف مِن عِلل الشِّعر، وهو أن يَسقط حرفٌ، فيزحف أحدهما إلى الآخر[5].

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اجتنِبوا السبع الموبقات[6]: الشِّرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولِّي يوم الزَّحف، وقذف المحصَنات المؤمنات الغافلات))[7].

 

وروى مسلمٌ في صحيحه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتُموهم فاصبِروا، واعلموا أنَّ الجنة تحت ظلال السيوف))، ثم قام صلى الله عليه وسلم وقال: ((اللهم مُنزِل الكتاب، ومُجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزِمْهم وزلزِلهم))، وفي رواية أخرى: ((وانصُرنا عليهم))[8].

 

ففي قوله صلى الله عليه وسلم: ((فإذا لقيتموهم، فاصبروا)) أمرٌ منه على الصبر والثبات، وعدمِ التولي والفِرارِ من العدو، والثباتُ للعدو وعدم الفرار من الزحف من شُعب الإيمان.

 

ويقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال: 45].

 

ويقول جل وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [الأنفال: 15، 16].

 

والثبات للعدوِّ يكون بالاستعانة للقائه، وبالشجاعة في الهجوم عليه؛ حيث يَعلم المؤمن أنه على حق، وأن النصر معه؛ لأنَّ الله تعالى يقول: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47]، ويقول سبحانه: ﴿ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ﴾ [الحج: 47]، أما عدم الثبات للعدوِّ ففيه الهزيمة وذلَّة المسلمين وانكسارهم، ولا يجوز للمسلمين الفِرارُ من مِثلَيهم؛ لأن الفرار من الزَّحف من السبع الموبقات، فإن زاد العدوُّ عن مِثلَيهم جاز، ويُمنع المخذِّل والمُرجِف من الخروج لملاقاة العدو؛ لتأثير ذلك على معنويات المجاهدين؛ قال تعالى: ﴿ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ﴾ [التوبة: 83][9].

 

قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى في تفسير هاتين الآيتين الكريمتين:

أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالشجاعة الإيمانية والقوة في أمره، والسَّعي في جَلب الأسباب المقوِّية للقلوب والأبدان، ونهاهم عن الفرار إذا التَقى بعضهم ببعض، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا ﴾ [الأنفال: 15]؛ أي: صُفَّ القتال، وتزاحفَ الرجال، واقترب بعضهم من بعض، ﴿ فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ﴾ [الأنفال: 15]، بل اثبتوا لقتالهم، واصبروا على جِلادهم؛ فإن في ذلك نُصرةً لدين الله، وقوةً لقلوب المؤمنين، وإرهابًا للكافرين، ﴿ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ ﴾ [الأنفال: 16]؛ أي: رجَع ﴿ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ ﴾ [الأنفال: 16]؛ أي: مقرُّه ﴿ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [الأنفال: 16]، وهذا يدل على أن الفِرار من الزحف من غير عُذر من أكبر الكبائر، كما وردَت بذلك الأحاديثُ الصحيحة، وكما نصَّ هنا على وعيده بهذا الوعيد الشديد.

 

ومفهوم الآية الكريمة: أن المتحرِّف للقتال، وهو الذي ينحَرِف من جهة إلى أخرى؛ ليكون أمكَنَ له في القتال، وأنكى لعدوِّه، فلا بأس بذلك؛ لأنه لم يولِّ دبره فارًّا، وإنما ولَّى دبره ليَستعلي على عدوِّه، أو يأتيَه من محلٍّ يصيب فيه غرَّته[10]، أو ليخدَعه بذلك... أو غير ذلك من مقاصد المحاربين، وأن المتحيِّز إلى فئة تمنعُه وتعينه على قتال الكفار، فإن ذلك جائز، فإن كانت الفئة في العسكر، فالأمر في هذا واضح، وإذا كانت الفئة في غير محلِّ المعركة؛ كانهزام المسلمين بين يدي الكافرين، والتجائهم إلى بلد من بلدان المسلمين، أو إلى عسكر آخر من عسكر المسلمين، فقد ورد من آثار الصحابة ما يدل على أن هذا جائز، ولعل هذا يُقيَّد بما إذا ظنَّ المسلمون أن الانهزام أحمدُ عاقبةً وأبقى عليهم، أما إذا ظنوا غلبَتهم للكفار في ثباتهم لقتالهم، فيَبعُد في هذه الحال أن تكون من الأحوال المرخَّص فيها؛ لأنه على هذا لا يُتصوَّر الفرار المنهيُّ عنه، وهذه الآية مطلَقة، وفي آخر السورة تقييدها بالعدد[11].

 

قال العلامة البغوي رحمه الله تعالى في تفسير الآيتين الكريمتين:

ومعنى الآية النهي عن الانهزام من الكفار والتولِّي عنهم، إلا على نيَّة التحرُّف للقتال، والانضمام إلى جماعة المسلمين؛ ليستعين بهم، ويعود إلى القتال، فمن ولَّى ظهره - لا على هذه النيَّة - لحِقَه الوعيد، كما قال تعالى: ﴿ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِير ﴾ [الأنفال: 16].

 

واختلف العلماء في هذه الآية؛ فقال أبو سعيد الخدري: هذا في أهل بدر خاصَّة، ما كان يجوز لهم الانهزام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان معهم ولم يكن لهم فئة يتحيَّزون إليها دون النبي، ولو انحازوا لانحازوا إلى المشركين، فأمَّا بعد ذلك فإن المسلمين بعضهم فئة لبعض، فيكون الفارُّ متحيزًا إلى فئة، فلا يكون فراره كبيرةً، وهو قول الحسن وقتادة والضحاك.

 

قال يزيد بن أبي حبيب: أوجب الله النارَ لمن فرَّ يوم بدر، فلما كان يوم أُحُد بعد ذلك قال: ﴿ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ﴾ [آل عمران: 155]، ثم كان يوم حُنين بعده فقال: ﴿ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾ [التوبة: 25]... ﴿ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ﴾ [التوبة: 27].

 

وقال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: كنَّا في جيشٍ بعثنا رسول الله، فحاص الناسُ حَيصةً[12] فانهزمنا، فقلنا: يا رسول الله، نحن الفرَّارون؟! قال: ((بل أنتم الكرَّارون؛ أنا فئة المسلمين))[13].

 

وقال محمد بن سيرين: لما قُتل أبو عبيدة جاء الخبر إلى عمر، فقال: لو انحاز إليَّ كنتُ له فئةً؛ فأنا فئة كل مسلم.

 

وقال بعضهم: حُكم الآية عام في حقِّ كل من ولَّى منهزمًا.

 

وقال عطاء بن أبي رباح: هذه الآية منسوخةٌ بقوله: ﴿ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ ﴾ [الأنفال: 66]، فليس لقوم أن يفِرُّوا من مِثلهم، فنُسخت تلك إلا في هذه العدَّة.

 

وعلى هذا أكثر أهل العلم؛ أن المسلمين إذا كانوا على الشَّطر (أي: النِّصف) مِن عَددِهم لا يجوز لهم أن يفرُّوا أو يُولُّوا ظهورهم ويَنحازوا عنهم، قال ابن عباس: من فرَّ من ثلاثةٍ فلم يفرَّ، ومن فرَّ من اثنينِ فقد فر[14].



[1] ﴿ فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ﴾ [الأنفال: 15] فيه استبشاع الهزيمة بذِكر لفظ (الدُّبُر)، وهو كذلك؛ "أيسر التفاسير"؛ الجزائري.

[2] أيسر التفاسير؛ الجزائري ج1 ص 506.

[3] المفردات في غريب القرآن؛ الراغب الأصفهاني.

[4] صفوة التفاسير؛ الصابوني.

[5] أيسر التفاسير؛ الجزائري ج1 ص 510.

[6] الموبقات: الموقِعات في الآثام.

[7] رواه البخاريُّ ومسلم رحمهما الله تعالى، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[8] رواه مسلم رحمه الله تعالى (كتاب السير).

[9] أصول المنهج الإسلامي؛ العبيد.

[10] الغِرَّة بكسر الغين؛ أي: الغفلة.

[11] تفسير السعدي رحمه الله تعالى.

[12] حاص عن الحق يحيص؛ أي: حاد عنه إلى شدَّة ومكروه؛ "مختار الصحاح" الرازي، وحاص عنه حيصًا ومحيصًا: عدل وحاد، وحاص القوم: جالوا جولةً يطلبون الفِرار والمهرَب؛ "المعجم الوجيز".

[13] أخرجه الترمذي في الجهاد، وقال: حسن غريب، وأبو داود في الجهاد.

[14] تفسير البغوي المسمَّى بـ"معالم التنزيل"؛ للإمام أبي محمد الحسين البغوي الشافعي، المتوفَّى سنة 516 هـ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • سورة الأنفال والموضوع الواحد
  • علوم سورة الأنفال
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم .. سورة الأنفال
  • حول سورة الأنفال والتعريف بها
  • تفسير: (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا)
  • تفسير: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)
  • تفسير: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر)
  • تفسير: (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة)
  • تفسير: (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم)
  • تفسير: (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم)
  • تفسير: (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم)
  • تفسير: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا)
  • تفسير: (ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون)
  • تفسير: (الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها)
  • تفسير: (فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين)
  • تفسير: (فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون)

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: (الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 10:16
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب