• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

تنبيه وبيان بشأن العثور على أقدم نسخة للقرآن

تنبيه وبيان بشأن العثور على أقدم نسخة للقرآن
عبدالقادر محمد المهدي أبو سنيج

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/7/2015 ميلادي - 11/10/1436 هجري

الزيارات: 15898

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تنبيه وبيان بشأن العثور على أقدم نسخة للقرآن


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

ففي يوم الأربعاء 5 شوال 1436 هـ - الموافق 22/ 7/ 2015 م طالعتنا الصحف والمواقع الإلكترونية، المحلية والعالمية، بخبر عن: أقدم مخطوطة للنص القرآني، تعود للقرن الأول الهجري في جامعة برمنغهام، وهي أوراق قرآنية مكتوبة بالخط الحجازي، من مجموعة ألفونس منجانا بجامعة برمنجهام، تم إخضاعها للفحص الكربوني المشع (C14) في أحد معامل جامعة أوكسفورد، فكانت النتيجة أنه من المرجح بنسبة 95% أن تكون هذه الأوراق قد نشأت في الفترة ما بين 568م و645م = 56 قبل الهجرة إلى 24 هجرية.

 

إلا أن فحصها أكد أن كاتب الآيات عليها قد يكون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومعاصريه، أو كتب الآيات عليها في وقت لم يكن قد مر على وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من 13 سنة؛ أي: زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بشكل خاص.

 

الرقاقة من جلد الغنم أو الماعز، وحدد الفحص عمرها بدقة عالية، نسبة صحته 95.4% من مجال الخطأ، فذكر أن زمنها يعود إلى الفترة بين 568 و645 بعد الميلاد، علمًا أن السير النبوية تجمع على أن ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت في العام 570، وبعثته بالدين الحنيف بدأت في 610، ووفاته في 632 بالمدينة المنورة.

 

أما الكتابة عليها فكانت ربما بخط أحد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وفاته، أو بعدها بسنوات لا تتعدى العام 645 ميلادية؛ لذلك اعتبر البروفسور البريطاني ديفيد توماس، وهو أستاذ مختص بالمسيحية والإسلام بجامعة برمنغهام المالكة للمخطوطة، أن النصوص "قد تعيدنا إلى أولى سنوات صدر الإسلام"، خصوصًا أنها بالخط "الحجازي" المعروف بأنه من أقدم الخطوط العربية، وهو ما يجعلها واحدة من أقدم نسخ القرآن.

 

وقد علق (ديفيد توماس) أستاذ المسيحية والإسلام في جامعة برمنجهام قائلًا: هذه الأجزاء من القرآن التي كتبت على هذه الرقائق، يمكن، وبدرجة من الثقة، إعادة تأريخها إلى أقل من عقدين بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم،إن الشخص الذي كتب هذه الصفحات لا بد أنه عرف النبي محمدًا، وربما رآه واستمع إلى حديثه، وربما كان مقربًا منه، وهذا ما يستحضره هذا المخطوط.

 

إن هذه الصفحات قريبة جدًّا من القرآن الذي نقرؤه اليوم، وهو ما يدعم فكرة أن القرآن لم يعرف إلا تغييرًا طفيفًا، أو أنه لم يطرأ عليه أي تغيير، ويمكن إعادة تأريخها إلى لحظة زمنية قريبة جدًّا من الزمن الذي يعتقد نزوله فيه.

 

لفائف مصحف جامع صنعاء خسرت لقب الأقدم، وكان لقب "أقدم نصوص قرآنية" يعود إلى 15 ألف لفافة، يمكن العثور على معلومات بشأنها بمجرد البحث عن "قرآن صنعاء" في مواقع التصفح بالإنترنت، وهو ما فعلته "العربية.نت" أيضًا؛ فقد تم العثور عليها في 1972 بجامع صنعاء الكبير، وهي بالخط الحجازي أيضًا، واستعانت الحكومة اليمنية بخبراء ألمان، جاؤوا بقيادة كبيرهم الملم بالعربية، وهو البروفسور غيرد بوين.

 

درسها بوين طوال 4 سنوات، وفوجئ بأنها من زمن لا يزيد بتسعين سنة عن عام وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ أي في عصر الوليد بن عبدالملك على الأكثر، وقام بالتقاط 3500 صورة للفائف الجامعة للكتاب الكريم بكامله، ثم عاد إلى ألمانيا ليؤكد أنها "أقدم نصوص قرآنية في العالم"، وكانت كذلك فعلًا، إلى أن انتزعت منها مخطوطة برمنغهام اللقب قبل يومين.

 

على أن نظرية انتشرت - بعد ظهور نسخ جامع صنعاء - بين مشككين بالقرآن من مستشرقين ذكروا في أبحاثهم أن الكتاب الكريم "لم يكن موجودًا زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بل تمت كتابته فيما بعد لتبرير الفتوحات الإسلامية".

 

هذا هو الخبر الذي انتشر من خلال شبكات التواصل بالتوازي مع القنوات الفضائية والمواقع الإخبارية وفي الصحف والمجلات.

 

ولأول وهلة يصاب المرء بالتعجب والاندهاش والاستغراب.


• التعجب: لأنه كشف علمي لتراث بشري، والقرآن هو الحاكم عليه، وليس العكس، فيستأنس به فقط، ولا يكون أبدًا دليلًا مثبتًا؛ لأن إثبات المثبت عبث،زد على ذلك أنها ليست مصحفًا كاملًا، بل هي بضع ورقات معدودات.

 

• الاندهاش: من حجم الفرح وسرور الناس بتناقل الخبر، وأقول في نفسي: لعلها حبًّا في القرآن، ودعوة لغير المسلم أن يدخل في الإسلام، ولكن في حدود أنه يستأنس به ولا يعتمد عليه.

 

• الاستغراب: لحجم الجهل الذي لم يفرق فيه الناس بين الوحي الإلهي والتراث البشري، كما أنهم أعجبوا وانبهروا، مما ينذر بوقوع فتنة سيثيرها حتمًا من يحمل لواء التشكيك والهجوم إذا ما وجد في المخطوط ما يخالف النص القطعي الثابت عندنا.

 

وما يزيد الأمر غرابة ودهشة أن المخطوط بلا نسبة لكاتب، ولا معرفة لمصحف منقول عنه، فكثرت الاحتمالات في الفترة التي كتبت فيه، وفي طبيعة المكتوب فيه، ثم إن كاتبها من المحتمل أن يكون عايش النبي صلى الله عليه وسلم أو لا يكون...وورود الاحتمال يسقط الاستدلال.

 

تنبيه: الإسناد والتلقي في أصله إيمان بالغيب، والتبليغ والعمل يضم الشهادة للغيب، والإطار الجامع هو التوحيد، ومن ثمرات ذلك: أن ناقلي الوحي والشرع يقبل منهم بقدر سيرهم على ما يبلغون، ولا يقبل عذر منحرف بأنه متبع لمن ضل، بل كل مسؤول، وأما غير المسلمين فإنهم ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31].

 

ومن ثمرة التلقي: أن الإيمان بالغيب يجعل المعتقدات والأفكار هي المحركة لمتبعي الإسلام، بعكس المناهج الأخرى؛ فإن الأشياء هي التي تحكم تصرفاتهم، فإذا ما وجدوا صحفًا أو حجرًا نسب إلى سالفيهم جعلوه مقدسًا، وأخذوا منه حركتهم في الحياة، وهذا لون من الصنمية، وضرب من الوثنية؛ لذا يغلب على مذاهبهم التغيير والتحريف والتبديل.

 

ومن ثمرات التلقي عن الوحي المعصوم: أنه لا يوجد قداسة لا لبشر ولا لحجر، إنما التعظيم لله، والاتباع لرسله، والتوقير يكون بقدر الصلة مع الله وشرعه، والنبي صلى الله عليه وسلم وسنته، بجعل الوحي بشقيه ممارسة وعملاً يحكمه الطاعة والامتثال لله والاتباع لِما سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

(1) من هنا نبدأ:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ [العلق: 1 - 4].

 

هذا بداية الوحي المعصوم: ﴿ اقْرَأْ ﴾ [الإسراء: 14]، والبداية بها تأخذك - بلا أدنى شك - إلى الاتباع؛ فهناك وحي عليك قراءته، نص مكتوب، فلم يكن الأمر "اكتُبْ"، ولا "أبدِعْ"، ولا "ألِّف".

 

وهذا فارق أساسي في مصدرية التلقي وصدقه، وكونه وحيًا محفوظًا؛ فالتلقي مشافهة هو الأساس.

 

يقول ابن الملقن الشافعي: "لقد خص الله سبحانه وتعالى هذه الأمة المحمدية بالإسناد، وأن الوقائع كانت تروى بالسند المتصل ساعة حدوثها إلى أن استودعت في بطون الكتب، ينقلها الرواة طبقة بعد طبقة، وهذا الإسناد لا يوجد عند الأمم الأخرى؛ حيث أغفلته، ولم تتنبه إليه".

 

قال أبو علي الجياني ت 498 هـ: "خص الله تعالى هذه الأمة بثلاثة أشياء لم يعطها من قبلها: الإسناد، والأنساب، والإعراب"، وروي هذا أيضًا عن أبي بكر محمد بن أحمد.

 

وقال محمد بن حاتم بن المظفر: إن الله قد أكرم هذه الأمة وشرَّفها وفضلها بالإسناد، وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسناد، إنما هو صحف في أيديهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم.

 

فليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل وبين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوها عن غير الثقات.

 

وهذه الأمة إنما تنص الحديث عن الثقة المعروف في زمانه، المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حتى تتناهى أخبارهم، ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ، والأضبط فالأضبط، والأطول مجالسة لمن فوقه ممن كان أقل مجالسة، ثم يكتبون الحديث من عشرين وجهًا أو أكثر حتى يهذبوه من الغلط والزلل، ويضبطوا حروفه، ويعدوه عدًّا، فهذا من أفضل نعم الله على هذه الأمة، فليُوزِعِ الله شكر هذه النعمة.

 

وقال أبو حاتم الرازي ت 277 هـ: لم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم أمناء يحفظون آثار الرسول إلا في هذه الأمة.

 

ويقول عبدالله بن طاهر ت 230 هـ: رواية الحديث بلا إسناد من عمل الزَّمْنَى؛ فإن إسناد الحديث كرامةٌ من الله سبحانه وتعالى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.

 

وقال الشافعي ت 204 هـ: مثل الذي يطلب العلم بلا حجة - يعني: بلا إسناد - مَثل حاطب ليل يجمع حزمة حطب فيها أفعى تلدَغُه وهو لا يدري.

 

وقال يزيد بن زريع ت 183 هـ: لكل دين فرسان، وفرسان هذا الدِّين أصحاب الأسانيد.

 

ويقول عبدالله بن المبارك ت 181 هـ: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.

 

وعنه أيضًا: مثل الذي يطلب أمر دينه بلا إسناد، كمثل الذي يرتقي السطح بلا سلم[1].

 

فالفيصل في صحة الرواية هو التلقي، وقد روى الخطيب البغدادي قال: قال لنا أحمد بن زيد بن هارون: "إنما هو صالح عن صالحٍ، وصالح عن تابعٍ، وتابع عن صاحبٍ، وصاحب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جبريل، وجبريل عن الله عز وجل"[2]، وهذا وإن كان في الحديث، فهو في القرآن كائن ومتحقق.

 

ونحن نقر أن: "العلم لم يأخذ دوره الواسع إلا مع اكتشاف الكتابة؛ لأن التجارِبَ كانت تضيع وتموت بموت أصحابها، ولأن الذاكرة ليست مأمونة للحفظ، ثم اكتسبت التجارب والمعارف الخلدَ مع ظهور الكتابة، فكأن الإنسان ملك ذاكرة غير قابلة للموت، وهذا شيء مهم في حياة العلم.

 

كما أن ما يكشفه فرد من العلم، صار يعمم بيسر إلى سائر الأفراد، فلا يحتاجون إلى جهود وبحوث لإعادة الكشف؛ فقد صار هذا الذي اكتُشِف ملكًا للإنسانية،وإن لتقييد الكشف وتعميمه الصدارة في نمو العلم، وهما لا يتمان إلا بالكتابة، وبعبارة أخرى: لا يحفظ ما عرف واكتشف ولا ينتقل إلى الآخرين إلا بالكتابة.

 

ولهذا يمكن أن نقول: إن الكشف والحفظ والتعميم متممات للعلم، ومولدات له، فإذا كان العلم يتم بالكشف فإنه ينمو بالحفظ والتعميم، ويؤدي وظيفته، وكما أن الكشف قد صار متوقفًا على الحفظ والتعميم، فإن العلم - إن بدأ قبل التسجيل والإشاعة - لم يرسخ مجده إلا بالتسجيل والإشاعة، ولم يضرب أطنابه إلا بهما، وسوف يظل مرتبطًا بهما،ومن هنا صار العلم بالقلم والقراءة لا فكاك له؛ ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ [العلق: 3، 4][3].

 

ولكن القرآن ليس تراثًا ينقل، بل هو وحي من عند الله، جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، الموصوف بقوله تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4].

 

وقد جاء في تعريف القرآن: أنه هو كلام الله تعالى، المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للبيان والإعجاز، المجموع بين دفتي المصحف، المتعبد بتلاوته، المنقول بالتواتر جيلًا بعد جيل[4].

 

فهذا التعريف جمع بين الإعجاز والتنزيل على النبي صلى الله عليه وسلم، والكتابة في المصاحف، والنقل بالتواتر، والتعبد بالتلاوة،وهي الخصائص العظمى التي امتاز بها القرآن الكريم،وإن كان قد امتاز بكثير سواها[5].

 

وقد غلب من أسمائه: "القرآن"، و"الكتاب"، قال الدكتور محمد عبدالله دراز: روعي في تسميته قرآنًا كونه متلوًّا بالألسن، كما روعي في تسميته كتابًا كونه مدونًا بالأقلام؛ فكلتا التسميتين من تسمية الشيء بالمعنى الواقع عليه.

 

وفي تسميته بهذين الاسمين إشارة إلى أن من حقه العناية بحفظه في موضعين، لا في موضع واحد، أعني أنه يجب حفظه في الصدور والسطور جميعًا؛ أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى؛ فلا ثقة لنا بحفظ حافظ حتى يوافق الرسم المجمع عليه من الأصحاب، المنقول إلينا جيلًا بعد جيل على هيئته التي وضع عليها أول مرة،ولا ثقة لنا بكتابة كاتب حتى يوافق ما هو عند الحفاظ بالإسناد الصحيح المتواتر.

 

وبهذه العناية المزدوجة التي بعثها الله في نفوس الأمة المحمدية اقتداءً بنبيها، بقي القرآن محفوظًا في حرز حريز؛ إنجازًا لوعد الله الذي تكفل بحفظه؛ حيث يقول: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، ولم يُصِبْه ما أصاب الكتب الماضية من التحريف والتبديل، وانقطاع السند؛ حيث لم يتكفل الله بحفظها، بل وكلها إلى حفظ الناس؛ قال تعالى: ﴿ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ﴾ [المائدة: 44]؛ أي: بما طلب إليهم حفظه[6].

 

المنقول بالتواتر: أي إن القرآن قد نقله جمع عظيم غفير، لا يمكن تواطؤهم على الكذب، ولا وقوع الخطأ منهم صدفة، هذا الجمع الضخم ينقل القرآنَ عن جمع مثله، وهكذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك يفيد العلم اليقيني القاطع بأن هذا القرآن هو كلام الله تعالى، المنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم.

 

وهذه خصوصية ليست لغير القرآن من كتب السماء؛فإن الكتب السابقة لم يُتَحْ لها الحفظ في السطور ولا في الصدور، فضلًا عن أن تنقل بالحفظ نقلًا متواترًا، جيلًا عن جيل.

 

أما القرآن فقد جعل الله فيه قابلية عجيبة للحفظ؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]، بل إن هذه الخصوصية، خصوصية حفظ القرآن في الصدور، بلغت مبلغًا عجيبًا؛ فهذه أمم العجم تحفظ القرآن عن ظهر قلب حفظًا متينًا لا يتطرق إليه خلل، ولا بكلمة واحدة، ولا تفريط في حكم تجويد، وتجد أحدهم مع حفظه هذا لا يدري من العربية شيئًا[7].

 

(2) جمع القرآن من الصدور والسطور:

عن أنسٍ، قال: "جمع القرآنَ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعةٌ: أُبَيُّ بن كعبٍ، وزيد بن ثابتٍ، وأبو زيدٍ، ومعاذ بن جبلٍ"[8]، قال قتادة: قلت لأنسٍ: من أبو زيدٍ؟ قال: أحد عمومتي، قال أبو جعفرٍ: وهؤلاء الأربعة من الأنصار هم الذين كانوا يقرؤون، وأبو زيدٍ سعد بن عبيدٍ من بني عمرو بن عوفٍ من الأنصار، وقال الشعبي: "وأبو الدرداء حفظ القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومجمع بن جارية بقيت عليه سورتان أو ثلاث، قال: ولم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء إلا عثمان، وسالم مولى أبي حذيفة بقي عليه منه شيء"، فإن قيل: فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ القرآن عنه، قيل: ليس في هذا دليل على حفظه إياه كله، ولكن فيه دليل على أمانته[9].

 

والحصر في قوله: "أربعة" إضافي، وليس بحقيقي؛ فإن في الرواية الأولى أبي بن كعب بدلًا من أبي الدرداء في هذه الرواية، وأخرج النسائي - بإسناد صحيح - عن عبدالله بن عمرو قال: جمعت القرآن، وقرأت به كل ليلة، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((اقرأه في كل شهر...))، وقد ذكر أبو عبيد القاسم بن سلام القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعد من المهاجرين الخلفاء الأربعة وطلحة وسعدًا وابن مسعود وحذيفة وسالمًا، وأبا هريرة وعبدالله بن السائب والعبادلة، ومن النساء عائشة وحفصة وأم سلمة...، قال الحافظ: ولكن بعض هؤلاء أكمله بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم....[10].

 

اختلف فيمن جمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقيل: أربعة، وقيل: ستة، وقيل: خمسة، فعد المُربِّعون أبيًّا، ومعاذًا، وزيد بن ثابت، وأبا زيد، وهو قول أنس،فقيل: من أبو زيد؟ قال: بعض عمومتي،وعد بعضهم مجمع بن جارية وسالِمًا مولى أبي حذيفة وترك زيدًا، وأبا زيد وعثمان، وتميمًا الداري،وعد بعضهم أبا الدرداء مكان تميم[11].

 

وقد جمع القرآن الكريم لأول مرة في عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بإشارة ثم بإلحاح شديد من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك بعد موقعة اليمامة مع مدَّعي النبوة مسيلِمة الكذاب، وفي عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه جمع القرآن الكريم في المصحف الإمام من طرف مجموعة من الصحابة رضوان الله عليهم، بتكليف من الخليفة عثمان، وهؤلاء هم:

1 - زيد بن ثابت،تـ/ 54هـ.

2 - سعيد بن العاص،تـ/ 58هـ.

3 - عبدالرحمن بن الحارث،تـ/ 43هـ.

4 - عبدالله بن الزبير،تـ/ 43هـ.

5 - أبو الدرداء،تـ/ 32هـ.

6 - سعيد بن عبيد بن النعمان،تـ/ 16هـ، وهو أول من جمع القرآن الكريم على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام.

 

فأعد هؤلاء الصحابة المصاحف المستحسنة على الوجه المطلوب والمرغوب فيه، وأرسلت إلى الأمصار وقتئذ، وأرسل مع كل مصحف مقرئ لإقراء الناس ما يحتمله المصحف الشريف، فأرسل:

1 - زيد بن ثابت مع مصحف المدينة.

2 - عبدالله بن السائب،تـ/ 70هـ مع مصحف مكة.

3 - المغيرة بن أبي شهاب،تـ/ 91هـ مع مصحف الشام.

4 - أبو عبدالرحمن السلمي،تـ/ 74هـ مع مصحف الكوفة.

 

أما المصحف الإمام فقد احتفظ به الخليفة عثمان رضي الله عنه لنفسه، وسمي الإمام؛ لأنه اعتبر الأصل لباقي مصاحف الأمصار المرسلة، وأنه المرجع للأمة.

 

ولما كان المعول عليه في القرآن الكريم إنما هو التلقي، والأخذ ثقة عن ثقة، وإمامًا عن إمام إلى النبي صلى الله عليه وسلم - فعلينا أن نرى كيف تواتر القرآن الكريم، وتواترت القراءات وتأصلت، ولنبدأ بطبقات الحفاظ من الصحابة والتابعين في الأمصار الإسلامية.

 

1 - طبقات الصحابة الحفاظ الذين منهم: عثمان، وعلي، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وأبو الدرداء، وأبو موسى الأشعري، وبعض هؤلاء كتب المصاحف وأرسل معها إلى الأمصار.

 

2 - طبقات التابعين الذين أخذوا عن هؤلاء، منهم: ابن المسيب، وعروة، وسالم، وعمر بن عبدالعزيز، وسليمان بن يسار، وأخوه عطاء، وزيد بن أسلم، ومسلم بن جندب، وابن شهاب الزهري، وعبدالرحمن بن هرمز، ومعاذ بن الحارث المشهور بالقارئ[12].

 

وهنا أمر لا مذهب لنا دون التنبيه عليه؛ وذلك أن جمع القرآن كان استقصاءً لما كتب، واستيعابًا لما في الصدور، فكانوا لا يقبلون إلا بشهادة قد امتحنوها، أو حلف قد وثقوا من صاحبه، وإلا بعد العرض على من جمعوا وعرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

فنصوص ألفاظ القرآن متواترة إجماعًا، لا يتدارأ فيها الرواة، من علا منهم ومن نزل، وإنما كان ذلك لأن القرآن أصل هذا الدين[13].

 

ومن هنا كان حفاظ القرآن في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم جمًّا غفيرًا، منهم الأربعة الخلفاء وطلحة وسعد وابن مسعود وحذيفة وسالم مولى أبي حذيفة وأبو هريرة وابن عمر وابن عباس وعمرو بن العاص وابنه عبدالله ومعاوية وابن الزبير وعبدالله بن السائب وعائشة وحفصة وأم سلمة، وهؤلاء كلهم من المهاجرين رضوان الله عليهم أجمعين.

 

وحفظ القرآن من الأنصار في حياته صلى الله عليه وسلم أُبَيُّ بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو الدرداء ومجمع بن حارثة وأنس بن مالك وأبو زيد الذي سئل عنه أنس فقال: إنه أحد عمومتي - رضي الله عنهم أجمعين،وقيل: إن بعض هؤلاء إنما أكمل حفظه للقرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم،وأيًّا ما تكن الحال فإن الذين حفظوا القرآن من الصحابة كانوا كثيرين، حتى كان عدد القتلى منهم ببئر معونة ويوم اليمامة أربعين ومائة،قال القرطبي: قد قتل يوم اليمامة سبعون من القراء،وقتل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ببئر معونة مثل هذا العدد.

 

قال المحقق ابن الجزري: ثم إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور لا على خط المصاحف والكتب،وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة؛ ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن ربي قال لي: قم في قريش فأنذرهم، فقلت له: أي رب، إذن يثلغوا رأسي حتى يدَعوه خبزة،فقال: إني مبتليك ومبتلٍ بك، ومنزل عليك كتابًا لا يغسله الماء، تقرؤه نائمًا ويقظان، فابعث جندًا أبعث مثلهم، وقاتل بمن أطاعك من عصاك،وأنفق ينفق عليك))، فأخبر تعالى أن القرآن لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء، بل يقرأ في كل حال، كما جاء في صفة أمته: "أناجيلهم صدورهم"، وذلك بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه إلا في الكتب، ولا يقرؤونه كله إلا نظرًا، لا عن ظهر قلب؛اهـ ما أردنا نقله[14].

 

قال الطيبي: "((وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء))؛ أي: كتابًا محفوظًا في القلوب، لا يضمحل بغسل القراطيس، أو كتابًا مستمرًّا متداولًا بين الناس ما دامت السموات والأرض، لا ينسخ ولا ينسى بالكلية،وعبر عن إبطال حكمه وترك قراءته والإعراض عنه بغسل أوراقه بالماء على سبيل الاستعارة، أو كتابًا واضحًا آياته، بينًا معجزاته، لا يُبطله جَوْر جائر، ولا تدحضه شبهة مناظر؛ فمثل الإبطال معنى بالإبطال صورة،وقيل: عنى به غزارة معناه، وكثرة جدواه، من قولهم: مال فلان لا تفنيه الماء والنار[15]، فيحتمل أن يشير إلى أنه أودعه قلبه، وسهل عليه حفظه، وما في القلوب لا يخشى عليه الذهاب بالغسل، ويحتمل أن يريد الإشارة إلى حفظه وبقائه على مر الدهر، فكنى عن هذا بهذا اللفظ[16].

 

((تقرؤه نائمًا ويقظان))؛ أي: يصير لك مَلَكة، بحيث يحضر في ذهنك، وتلتفت إليه نفسك في أغلب الأحوال، فلا تغفل عنه نائمًا ويقظان، وقد يقال للقادر على الشيء الماهر به: هو يفعله نائمًا.

 

دستور أبي بكر في كتابة الصحف:

وانتهج زيد في القرآن طريقة دقيقة محكمة، وضعها له أبو بكر وعمر، فيها ضمان لحياطة كتاب الله بما يليق به من تثبت بالغ، وحذر دقيق، وتحريات شاملة، فلم يكتفِ بما حفظ في قلبه، ولا بما كتب بيده، ولا بما سمع بأذنه.

 

بل جعل يتتبع ويستقصي، آخذًا على نفسه أن يعتمد في جمعه على مصدرين اثنين؛ أحدهما: ما كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم،والثاني: ما كان محفوظًا في صدور الرجال،وبلغ من مبالغته في الحيطة والحذر أنه لم يقبل شيئًا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان أنه كتب بين يدَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

يدل على ذلك ما أخرجه ابن أبي داود من طريق يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب قال: قدم عمر فقال: من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا من القرآن، فليأتِ به، وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحد شيئًا حتى يشهد شاهدان.

 

ويدل عليه ما أخرجه أبو داود أيضًا، ولكن من طريق هشام بن عروة عن أبيه: أن أبا بكر قال لعمر ولزيد: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله، فاكتباه؛ اهـ، وهو حديث رجاله ثقات، وإن كان منقطعًا،قال ابن حجر: المراد بالشاهدين: الحفظ والكتابة.

 

وقال السخاوي في جمال القراء ما يفيد أن المراد بهما رجلان عدلان؛ إذ يقول ما نصه: المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم،ولم يعتمد زيد على الحفظ وحده؛ ولذلك قال في الحديث الذي رواه البخاري سابقًا: إنه لم يجد آخر سورة براءة إلا مع خزيمة؛أي: لم يجدها مكتوبة إلا مع خزيمة الأنصاري، مع أن زيدًا كان يحفظها، وكان كثير من الصحابة يحفظونها،ولكنه أراد أن يجمع بين الحفظ والكتابة؛ زيادة في التوثق، ومبالغة في الاحتياط[17].

 

فالجمع في عهد أبي بكر رضي الله عنه كان عبارة عن نقل القرآن وكتابته في صحف مرتب الآيات أيضًا، مقتصرًا فيه على ما لم تنسخ تلاوته، مستوثقًا له بالتواتر والإجماع،وكان الغرض منه تسجيل القرآن وتقييده بالكتابة مجموعًا مرتبًا؛ خشية ذهاب شيء منه بموت حملته وحفَّاظه.

 

وأما الجمع في عهد عثمان رضي الله عنه فقد كان عبارة عن نقل ما في تلك الصحف في مصحف واحد إمام، واستنساخ مصاحف منه ترسل إلى الآفاق الإسلامية، ملاحظًا فيها تلك المزايا السالف ذكرها، مع ترتيب سوره وآياته جميعًا،وكان الغرض منه إطفاء الفتنة[18].

 

فوجود مخطوط قرآني مقبول في عداد التراث عمومًا، ولكنه غير مقبول البتة للمقارنة وتوثيق النص القرآني.

(3) حكم اتباع رسم المصحف العثماني:

حكم اتباع رسم المصحف العثماني الوجوب باتفاق الأئمة قاطبة، وإن لم ندرك حكمة كتابته على هذه الصورة من الرسم المخالف لقواعد الكتابة، وإليك تفصيل ذلك.

 

(قال بعضهم): لقد أجمع على كتابة المصاحف العثمانية اثنا عشر ألفًا من الصحابة رضي الله عنهم؛ فيجب على كل مسلم أن يقتدي بهم وبفعلهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المَهديين من بعدي، عَضُّوا عليها بالنواجذ))؛ الحديث، وقوله: ((اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر؛ فإنهما حبل الله المدود، من تمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى))، وقال البيهقي في شعب الإيمان: من يكتب مصحفًا، فينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا به تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيه، ولا يغير مما كتبوه شيئًا؛ فإنهم كانوا أكثر علمًا، وأصدق قلبًا ولسانًا، وأعظم أمانة، فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكًا عليهم.

 

وسئل مالك رحمه الله تعالى: هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ فقال: لا، إلا على الكتبة الأولى؛ رواه الداني في المقنع، ثم قال: ولا مخالف له من علماء الأمة، وقال في موضع آخر: سئل مالك عن الحروف في القرآن؛ مثل: الواو والألف، أترى أن تغير في المصحف إن وجد فيه كذلك؟ قال: لا، قال أبو عمر: ويعني الواو والألف المزيدتين في الرسم، المعدومتين في اللفظ، نحو: أولو، وفي رواية قال أشهب: سئل مالك فقيل له: أرأيت من استكتب مصحفًا، أترى أن يكتب على ما أحدثه الناس من الهجاء اليوم؟ قال: لا أرى ذلك، ولكن يكتب على الكتبة الأولى[19]، قال الداني في المحكم: ولا مخالف لمالك في ذلك من علماء الأمة؛ لأن ما روي عنه هو مذهب باقي الأئمة، ومستند الأئمة الأربع هو مستند الخلفاء الأربع، وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك، ونقل الجعبري وغيره إجماع الأئمة الأربعة على وجوب اتباع هذا المرسوم، قال القرطبي في أوائل تفسيره: وقال أشهب: سمعت مالكًا وسئل عن العشور التي تكون في المصحف بالحمرة وغيرها من الألوان، فكره ذلك، وقال: تعشير المصحف بالحبر لا بأس به، وسئل عن المصاحف يكتب فيها خواتم السور، في كل سورة ما فيها من آية، قال: إني أكره ذلك في أمهات المصاحف، أن يكتب فيها شيء، أو يشكل، فأما ما يتعلم به الغلمان من المصاحف، فلا أرى بذلك بأسًا، قال أشهب: ثم أخرج إلينا مصحفًا لجده، كتبه إذ كتب عثمان المصاحف، فرأينا خواتمه من حبر على عمل السلسلة في طول السطور، ورأيته معجوم الآي بالحبر؛ اهـ قوله، معجوم الآي بالحبر؛ أي: موضوع في آخر كل آية نقطة من الحبر؛ للفصل بين الآيات[20].

 

وإذا كان القرآن يغاير سائر الكلام في نقله وكتابته، وهو مغاير لكلام الناس في إعجازه وكماله وفصاحته - فلا يجوز قياسه على التراث، وهذا أمر مقطوع به، فلا يوجد نص منقول عبر التاريخ أخذ من الحيطة والحذر في نقله وروايته ورسمه وكتابته، بل وتفسير آياته، مثل القرآن الكريم؛ يقول الشيخ الذهبي: "كانت الخطوة الأولى للتفسير هي النقل عن طريق التلقي والرواية، كانت الخطوة الثانية له، وهي تدوينه على أنه باب من أبواب الحديث، ثم جاءت بعد ذلك الخطوة الثالثة، وهي تدوينه على استقلال وانفراد، فكل هذه الخطوات تم إسلام بعضها إلى بعض، بل وظل المحدثون بعد هذه الخطوة الثالثة يسيرون على نمط الخطوة الثانية؛ من رواية المنقول من التفسير في باب خاص من أبواب الحديث، مقتصرين في ذلك على ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن الصحابة، أو عن التابعين[21].

 

فالثقة في هذا الكتاب وحده، الذي لم ترقَ إليه شبهة، والذي لم يختلط فيه الوحي الأعلى بفكر بشر، والذي جمع ما تفرق في رسالات الأنبياء الأقدمين، فهو كتاب الأزل والأبد، كتاب استوعب هدايات موسى وعيسى ومحمد، وتضمن من الوصايا ما يضبط سير البشر، ويستبقيهم على صراط مستقيم"[22].

 

(4) القرآن ليس تراثًا:

(ورث) الواو والراء والثاء: كلمة واحدة، هي الورث،والميراث أصله الواو،وهو أن يكون الشيء لقومٍ ثم يصير إلى آخرين، بنسبٍ أو سبب؛فالتراث: ما يخلفه الرجل لورثته[23].

 

تعريف التراث: لا يوجد هناك تعريف خاص بالتراث، ولكن هناك تعريفات كثيرة عن علماء وكتاب التراث، وبخاصة التعريف الذي قدمه (قيلبس)، وهو أحد علماء الآثار والتراث؛ حيث يقول: (إن التراث عبارة عن استمرارية ثقافية على نطاق واسع في مجالي الزمان والمكان، تتحدد على أساس التشكيلات المستمرة في الثقافة "الكلية"، وهي تشمل فترة زمنية طويلة نسبيًّا، وحيزًا مكانيًّا متفاوتًا نوعيًّا، ولكنه متميز بيئيًّا)، بل إن العالم الأمريكي (هيرسكو فيتس) عالم الفولكلور الشهير (1895 ـ 1963) يرى أن التراث مرادف للثقافة؛ أي: إنه جزء مهم من ثقافة الشعوب، وليس منفصلًا عنها.

 

والتراث بمفهومه البسيط هو خلاصة ما خلفته (ورثتْه) الأجيال السالفة للأجيال الحالية، التراث والأجداد، لكي يكون عبرة ونهجاً يستقى منه، ومن الناحية العلمية هو علم ثقافي قائم بذاته، يختص بقطاع معين من الثقافة (الثقافة التقليدية أو الشعبية)، ويلقي الضوء عليها من زوايا تاريخية وجغرافية واجتماعية ونفسية،والتراث الشعبي عادات الناس وتقاليدهم، وما يعبرون عنه من آراء وأفكار ومشاعر يتناقلونها جيلًا عن جيل،ويتكون الجزء الأكبر من التراث الشعبي من الحكايات الشعبية، مثل: الأشعار والقصائد المتغنى بها، وقصص الجن الشعبية، والقصص البطولية والأساطير،ويشتمل التراث الشعبي أيضًا على الفنون والحرف، وأنواع الرقص، واللعب، واللهو، والأغاني، أو الحكايات الشعرية للأطفال، والأمثال السائرة، والألغاز والأحاجي، والمفاهيم الخرافية، والاحتفالات والأعياد الدينية.

 

تفسير التراث هو نشاط تعليمي يهدف إلى كشف المعاني والعلاقات من خلال استخدام الأشياء الأصلية عن طريق التجرِبة المباشرة والوسائط التوضيحية، بدلًا من مجرد توصيل معلومات واقعية[24].

 

ولفظة التراث لها معنى واسع، يشمل ما خلفته الإنسانية من ثقافة وعادات وسلوك، نقلها الخلق عن السلف، فهل هذا المعنى ينطبق على القرآن الكريم في شيء؟ والإجابة بالقطع لا وألف لا؛ فالقرآن يختلف اختلافًا جذريًّا؛ لأنه وحي معصوم:﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 41، 42].

 

وأما التراث فهو بشري في لحمته وسداه.

 

وهنا لا بد عند الحديث عن مخطوط قرآني من توفر شروط، منها:

أ‌- نسبتها، وما دام النص قرآنيًّا، فمعنى النسبة هنا السؤال عن كاتبها، وفي أي عصر.

 

ب‌- ومن أي مصحف نقلها ونسخها،وعمدتنا المصحف الإمام، وقد جاء من حديث أنس: "فأرسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابتٍ، وعبدالله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبدالرحمن بن الحارث بن هشامٍ، فنسخوها في المصاحف"[25].

 

ت‌- كونها مرسومة بالخط العثماني الذي ارتضته الأمة، وأجمعت عليه، وتحرم مخالفته: "وينبغي التنبيه على خطأ منهجي وقع فيه كثير من الدارسين للرسم المصحفي، وهو النظر إلى ظواهره من خلال ما استقر من قواعد الإملاء العربي في عصور لاحقة لزمن كتابة المصاحف.

 

فهذه ضوابط تريك التواتر في النقل من السطور والصدور؛ فلا يعول على أي نسخة مجهولة الناسخ، مجهولة الأصل المنقول منه، كما لا يعول على نسخة كتبها ناسخ معروف من مصحف غير معروف، أو انفرد بكتابتها واحد، حتى لو عرف شخصه وعرف مصدر نسخه.

 

قال ابن درستويه: (ووجدنا كتاب الله عز وجل لا يقاس هجاؤه، ولا يخالف خطه، ولكنه يتلقى بالقَبول على ما أودع المصحف)[26].

 

(5) لا تحملوا العلم عن صحفي، ولا تأخذوا القرآن عن مصحفي:

يقول سعيد بن عبدالعزيز التنوخي - أحد الثقات الأثبات -: لا تحملوا العلم عن صحفي، ولا تأخذوا القرآن عن مصحفي،وقال سليمان بن موسى: لا تأخذوا الحديث عن الصحفيين، ولا تقرؤوا القرآن على المصحفيين[27].

 

فهذا ضابط وضعه علماء الحديث، وهو يبين منهجية واضحة للتلقي؛ فكأن توارث العلم بروايته مشافهة، وإسناده مع نسبته لقائله - ظل ظليل ملازم لصفة صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، الذي وصفه أعداؤه بصفتي "الصادق الأمين".

 

وهذه منهجية تبتعد عن التحريف والتبديل ابتعادَ السماء من الأرض، والثرى من الثُّرَيا.

 

ذلك لأن التحريف القائد للخطأ والجالب للأغاليط يجعل العقل يتيه في ضروب من الجهل وهو لا يعلم، فيتشوش الوعي، ويضل السعي.

 

والاعتماد على المخطوطات مقبول في التراث الإنساني، وله ضوابط في تحقيقه في التراث الإسلامي، حتى إن التحقيق يبين ما يقع في النصوص من تحريف أو تصحيف، ولكنه مع هذا يصبح التراث أو الفكر البشري - غير المعصوم - محكومًا بالوحي الإلهي في شقيه القرآن والسنة.

 

وهذه من مزايا الدين الإسلامي الحنيف؛ حيث كفل للإنسان مؤنة التفكير في التماس الأحكام التي تحكم تصرفات الناس، وهي غير متناهية بنصوص قطعية في ثبوتها، متناهية ضبطًا وأداءً، منضبطة سلوكًا وعملًا بتطبيقها في الواقع في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والقرون الفاضلة.

 

وقد صاغ علماؤنا ذلك في ضوابط معروفة بينت طرق التحمل وصيغ الأداء: فكان السماع والتلقي مشافهة أعلاها، ثم يأتي العرض والكتابة، مع الإجازة والكتابة منفردة، ثم المناولة مع الإجازة، ثم الإجازة منفردة، ثم المناولة، والإعلام، والوصية، والوجادة.

 

فالوجادة هي: أن يجد المرء حديثًا أو كتابًا بخط شخص بإسناده؛فله أن يروي عنه على سبيل الحكاية، فيقول: "وجدت بخط فلان، حدثنا فلان..."، وله أن يقول: "قال فلان" إذا لم يكن فيه تدليس يوهم اللقي.

 

أما روايته بـ: "حدثنا" أو "أخبرنا" أو نحو ذلك، مما يدل على اتصال السند، فلا يجوز إطلاقًا، ولا يعلم عن أحد يقتدى به من أهل العلم فعل ذلك، ولا بمن يعُدُّه معدَّ المسند؛ أي: المتصل الإسناد[28].

 

هذا كله كلام في كيفية النقل بطريق الوجادة،وأما جواز العمل اعتمادًا على ما يوثق به منها، فقد روينا عن بعض المالكية: أن معظم المحدثين والفقهاء من المالكيين وغيرهم لا يرون العمل بذلك.

 

وحكي عن الشافعي وطائفةٍ من نظار أصحابه جواز العمل به.

 

قلت: قطع بعض المحققين من أصحابه في أصول الفقه بوجوب العمل به عند حصول الثقة به، وقال: (لو عرض ما ذكرناه على جملة المحدثين، لأَبَوْه)، وما قطع به هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة؛ فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية، لانسدَّ باب العمل بالمنقول؛ لتعذُّر شرط الرواية فيها، على ما تقدم في النوع الأول[29]، وما قطع به هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة؛ فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية، لانسَدَّ باب العمل بالمنقول؛ لتعذر شرط الرواية فيها، على ما تقدم في النوع الأول، والله أعلم.

 

قال بعض العلماء: قد ذكر ابن الصلاح حكم الوجادة المجردة، وهي ما لا يكون فيها للواجد إجازة ممن وجد ذلك بخطه، ولم يتعرض لحكم الوجادة مع الإجازة، وقد استعمل ذلك غير واحد من أهل الحديث؛ كقول بعضهم: وجدت بخط فلان وأجازه لي، وقد لا يصرح بالإجازة؛ كقول عبدالله بن أحمد: وجدت بخط أبي: حدثنا فلان، وهذا ليس فيه شيء.

 

والمروي بالوجادة المجردة في حكم المنقطع والمرسل، وقال بعضهم: الأَولى جعله في حكم المعلق[30].

 

وقد قال سلفنا: من كان شيخه كتابه، كان خطؤه أكثر من صوابه.

 

وهنا نجد أن أقل درجة للتحمل والأداء هي الوجادة، والوجادة مجردة، أو مع الإجازة، وكلاهما لا يصلحان لقبول هذه المخطوط؛ لأن من وجدوها ليسوا من أهل القِبلة، ولا من أهل الرواية.

 

ولو عرضت على علماء مسلمين ثقات، فإما أن تكون موافقة لما ثبت بالقطع واليقين من آيات القرآن الكريم، وعندها نستأنس بها، ولن تزيد في إيماننا بصدق كتاب ربنا، لكنها من باب ﴿ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ﴾ [البقرة: 26].

 

ولو كانت مخالفة، فليست مخالفتها بالتي تنقص إيماننا، أو تبعث الريبة في قلوبنا نحو كتاب ربنا؛ لأن القرآن ثابت يقينًا وباقٍ قبل ظهورها وبعده وإلى يوم الدين.

 

فانظر إلى ما خطه علماء الحديث من ضوابط في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ صيانة لسنَّته، واحتياطًا للعمل بها وحفظها، فهل كان للقرآن ضوابط أخرى؟


نقول: نعم، إن للقرآن والقراءات سنة يرجع فيها إلى السماع من الشيوخ، والرواية.

 

حدث ابن أخي الأصمعي - عبدالرحمن، وكان ثقة فيما يرويه عن عمه، وعن غيره - قال الأصمعي: قلت لأبي عمرو بن العلاء: ﴿ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ ﴾ [الصافات: 113] في موضع: ﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ ﴾ [الصافات: 108] في موضع، أيعرف هذا؟ فقال: ما يعرف إلا أن يسمع من المشايخ الأولين![31].

 

وقال أبو عمرو بن العلاء: "إنما نحن فيمن مضى كبقل في أصول نخل طوال".

 

أما النص الآخر، وهو دليل يوضح بجلاء أن لا علاقة بين نشأة القراءات وخلو المصحف العثماني من الضبط، وأن الأصل والأساس الرواية والسماع من الشيوخ الضابطين عليهم جميعًا رحمة الله.

 

قال السخاوي: قال الأصمعي: قلت لأبي عمرو بن العلاء: من يقول: "مرية"؟ قال: "بنو تميم".

 

قلت - والقائل الأصمعي -: أيهما أكثر في العرب؟ قال: مرية،قلت: فلأي شيء قرأت: ﴿ مِرْيَةٍ ﴾ [هود: 17]؟ قال: كذلك "أُقْرِئْتُها هناك" يعني: على شيوخ الحجاز[32].

 

(3) ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].

 

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ﴾ [المائدة: 44].

 

هنا نجد صراحة ووضوحًا وثقة في كون القرآن محفوظًا، وقد تولى الله حفظه،ومِن حفظه بقاء نصه بلا تحريف ولا تبديل، وتيسيره لحفظه.

 

وأما الكتب غيره فهي مبدلة محرفة قطعًا؛ لأن حفظها موكول إليهم، فكان التبديل والتحريف.

 

قال القرطبي: "قوله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ﴾ [الحجر: 9] يعني القرآن، ﴿ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9] من أن يزاد فيه، أو ينقص منه،قال قتادة وثابت البُنَاني: حفظه الله من أن تزيد فيه الشياطين باطلًا، أو تنقص منه حقًّا، فتولى سبحانه حفظه، فلم يزل محفوظًا، وقال في غيره: ﴿ بِمَا اسْتُحْفِظُوا ﴾ [المائدة: 44]، فوكل حفظه إليهم، فبدَّلوا وغيروا،أنبأنا الشيخ الفقيه الإمام أبو القاسم عبدالله، عن أبيه الشيخ الفقيه الإمام المحدث أبي الحسن علي بن خلف بن معزوزٍ الكومي التلمساني قال: قرئ على الشيخة العالمة فخر النساء شهدة بنت أبي نصرٍ أحمد بن الفرج الدينوري، وذلك بمنزلها بدار السلام، في آخر جمادى الآخرة من سنة أربعٍ وستين وخمسمائةٍ، قيل لها: أخبركم الشيخ الأجل العامل نقيب النقباء أبو الفوارس طراد بن محمدٍ الزيني قراءةً عليه وأنت تسمعين سنة تسعين وأربعمائةٍ، أخبرنا علي بن عبدالله بن إبراهيم، حدثنا أبو عليٍّ عيسى بن محمد بن أحمد بن عمر بن عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريجٍ المعروف بالطوماري، حدثنا الحسين بن فهمٍ قال: سمعت يحيى بن أكثم يقول: كان للمأمون - وهو أمير إذ ذاك - مجلس نظرٍ، فدخل في جملة الناس رجل يهودي حسن الثوب، حسن الوجه، طيب الرائحة، قال: فتكلم فأحسن الكلام والعبارة، قال: فلما أن تقوض المجلس دعاه المأمون، فقال له: إسرائيلي؟ قال: نعم،قال له: أسلم حتى أفعل بك وأصنع، ووعده،فقال: ديني ودين آبائي! وانصرف،قال: فلما كان بعد سنةٍ جاءنا مسلمًا، قال: فتكلم على الفقه فأحسن الكلام، فلما تقوض المجلس دعاه المأمون، وقال: ألست صاحبنا بالأمس؟ قال له: بلى،قال: فما كان سبب إسلامك؟ قال: انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الأديان، وأنت (مع ما) تراني حسن الخط، فعمدت إلى التوراة، فكتبت ثلاث نسخٍ، فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الكنيسة، فاشتريت مني، وعمدت إلى الإنجيل، فكتبت ثلاث نسخٍ، فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها البيعة، فاشتريت مني، وعمدت إلى القرآن، فعملت ثلاث نسخٍ، وزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الوراقين فتصفحوها، فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان، رمَوْا بها فلم يشتروها، فعلمت أن هذا كتاب محفوظ، فكان هذا سبب إسلامي،قال يحيى بن أكثم: فحججت تلك السنة، فلقيت سفيان بن عيينة، فذكرت له الخبر، فقال لي: مصداق هذا في كتاب الله عز وجل،قال: قلت: في أي موضعٍ؟ قال: في قول الله تبارك وتعالى في التوراة والإنجيل: ﴿ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ﴾ [المائدة: 44]، فجعل حفظه إليهم فضاع، وقال عز وجل: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، فحفظه الله عز وجل علينا؛ فلم يَضِعْ[33].

 

"اللهم إنا عبيدك، وأبناء عبيدك وإمائك، نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك اللهم بكل اسمٍ هو لك سميت به نفسك، وأنزلته في شيءٍ من كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، واستأثرت به في علم الغيب عندك: أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا، وشفاء صدورنا، وجلاء أحزاننا وهمومنا، وسائقنا وقائدنا إليك وإلى جناتك جنات النعيم، مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين، برحمتك يا أرحم الراحمين".

 

اللهم أوصل لاحقنا بسابقنا، وتالينا ببادينا، ومستقبلنا بماضينا،﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10][34].

 

اللهم صلِّ على محمدٍ عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل محمدٍ، وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمدٍ النبي الأمي، وعلى آل محمدٍ وأزواجه وذريته، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين؛ إنك حميد مجيد.

 

نجز الكتابُ وربنا المحمود
وله المكارم والعلا والجود
رب يجود على العباد بفضله
رب كريم واحد موجود

 

وها أنا أستغفر الله تعالى - جلت قدرته - مما زل به الفهم، أو طغى به القلم، ومما اضطررنا إلى تصنعٍ في كلامٍ رتبناه، أو معنًى أوضحناه، أو دعاء سرٍّ أظهرناه، ونستغفره من أقاويلنا التي تخالف أعمالنا، ومن ظواهرنا التي لا توافق سرائرنا، نسأله أن ينفع بهذا البحث من كتبه، أو استكتبه، أو قرأه، أو سمعه، أو نظر فيه.

 

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين، والحمد لله رب العالمين[35].

 

هذا ما تيسر جمعه وتدوينه، سائلًا المولى جلت قدرته وعز شأنه أن يهدي للتي هي أقوم من العمل، والأحسن من القول، ويوفق للإخلاص في القول والعلم والعمل، وما كان من صواب هنا فمن الله، وما كان خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، ورحم الله من أهدى إلي عيوبي!

 


[1] التوضيح لشرح الجامع الصحيح (1/ 39)، وانظر المدخل إلى الصحيح للحاكم ص2، "فتح المغيث" للسخاوي 3/ 4،مقدمة "صحيح مسلم"، باب: بيان أن الإسناد من الدين،"الإلماع إلى معرفة أصول الهداية وتقييد السماع" للقاضي عياض ص 194، "معرفة علوم الحديث" للحاكم ص 40.

[2] الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص: 20).

[3] مقدمة كتاب: اقرأ وربك الأكرم لجودت سعيد.

[4] مناهل العرفان: 1/ 19، والمدخل لدراسة القرآن الكريم، محمد أبو شهبة: 20، والمدخل في فقه القرآن: 15.

[5] مناهل العرفان للزرقاني (1/ 21).

[6] النبأ العظيم (ص: 41).

[7] علوم القرآن الكريم - نور الدين عتر (ص: 11).

[8] أخرجه البخاري 8 / 46 في فضائل القرآن، باب القراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب مناقب زيد بن ثابت، ومسلم رقم (2465) في فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بن كعب، والترمذي رقم (3796) في المناقب، باب مناقب معاذ وزيد وأُبَيِّ وأَبِي عبيدة.

[9] الناسخ والمنسوخ للنحاس (ص: 479).

[10] التعليق من جامع الأصول (2/ 508).

[11] القواعد والإشارات في أصول القراءات (ص: 37).

[12] دليل الحيران على مورد الظمآن (ص: 4).

[13] إعجاز القرآن والبلاغة النبوية للرافعي (ص: 31).

[14] الحديث رواه مسلم رقم (2865) في الجنة، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار،وانظر مناهل العرفان في علوم القرآن (1/ 242).

[15] شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (11/ 3396).

[16] المعلم بفوائد مسلم (3/ 363).

[17] مناهل العرفان في علوم القرآن (1/ 252).

[18] مناهل العرفان في علوم القرآن (1/ 262).

[19] يفهم من هذا أن الأمة في القرنين الأولين أدركت مخالفة الرسم العثماني لقواعد كتاباتهم، ورغبوا في كتابة المصاحف على القواعد الكتابية، فاستفتوا الإمام مالكًا، فلم يُفْتِهم بجواز ذلك، فامتثلوا وأطاعوا، وما علينا إلا اتباعهم والاقتداء بهم.

[20] تاريخ القرآن الكريم لمؤلفه: محمد طاهر بن عبدالقادر الكردي المكي الشافعي الخطاط (المتوفى: 1400هـ) (ص: 105) وما بعدها.

[21] التفسير والمفسرون (1/ 105).

[22] المحاور الخمسة للقرآن الكريم (ص: 4).

[23] معجم مقاييس اللغة (6/ 105)، النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 186).

[24] التراث تعريفه وأشكاله وأنواعه، بقلم دكتور/ عبدالحميد الكفافي.

[25] أخرجه البخاري 9 / 14 و 15 و 16 و 17 و 18 و 19 في فضائل القرآن، باب جمع القرآن، وباب نزل القرآن بلسان قريش، وفي الأنبياء، باب نزل القرآن بلسان قريش، وأخرجه الترمذي رقم (3103) في التفسير، باب ومن سورة التوبة.

[26] ينظر: ابن درستويه: كتاب الكتاب ص 16، والزركشي: البرهان  1 /376، والسيوطي: همع الهوامع 2 /243، عناية المسلمين باللغة العربية خدمة للقرآن الكريم (ص: 83) لمؤلفه: أ.د.أحمد بن محمد الخراط، أبو بلال، نشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.

[27] "الجرح والتعديل"1/ 31، "تصحيفات المحدثين" 1/ 6، "شرح ما يقع فيه التصحيف" ص: 10 / 13.

[28] منهج النقد في علوم الحديث (ص: 220)، (انظر الفاصل: 497-499، والكفاية: ص353، 354، والإلماع: ص116-121، وعلوم الحديث: ص178، والتقريب مع التدريب: 2 /6، 61، والاختصار: ص 71، وفتح المغيث: 2 /135، 136، والتقييد: ص2، والنزهة: ص67، والتوضيح: 2 /344).

[29] مقدمة ابن الصلاح = معرفة أنواع علوم الحديث (ص: 180).

[30] توجيه النظر إلى أصول الأثر (2/ 771).

[31] كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد، تحقيق الدكتور شوقي ضيف، ص48.

[32] جمال القراء وكمال الإقراء لعلم الدين السخاوي ت 643هـ (2 /450)، رسم المصحف العثماني وأوهام المستشرقين في قراءات القرآن الكريم (ص: 59) وما بعدها.

[33] تفسير القرطبي (10/5).

[34] السنة المحمدية وكيف وصلت إلينا محمد علي أحمدين، بتحقيقنا.

[35] رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (5/ 633).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التنبيه على بعض أمور يعتقدها العوام وهي مخالفة للشرع
  • تنبيه الأنام بمفسدات الصيام
  • تنبيه العابدين على بعض مداخل الشياطين
  • التنبيه على خطر الابتعاث
  • تنبيهات يستعان بها لمعرفة الموقف من الأحداث

مختارات من الشبكة

  • تنبيه المشيع للموتى والزائر للمقابر إلى بدع ومخالفات وتنبيهات وملاحظات وعظات ومسائل تتعلق بالمقابر (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تنبيهات حسان لمن أراد تلقي وضبط القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التنبيه على عدم الفرق بين الكواكب والنجوم في لغة القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تنبيه النيام وكشف اللثام عما يقوله اللئام عن تحريف في القرآن (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تنبيه الإخوان على الأخطاء في مسألة خَلق القرآن (WORD)(كتاب - موقع الشيخ حمود بن عبد الله التويجري)
  • نكت وتنبيهات في تفسير القرآن المجيد لأبي العباس البسيلي التونسي وتكملته لابن غازي.(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • مخطوطة التحرير شرح ألفاظ التنبيه وتهذيب لغاتها واشتقاقها(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تنبيه الناس بشأن اللباس(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • مخطوطة شرح ألفاظ التنبيه وتهذيب لغاتها واشتقاقها (الجزء الثالث)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تنبيه الرقود على مسائل النقود (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
1- رائع
احمد عبد الماجد - جمهورية مصر العربيه 28-07-2015 09:08 PM
بارك الله لفيك شيخنا ونفع بك
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب