• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الدعوة وطلب العلم
علامة باركود

حث القرآن على استعمال العقل

حث القرآن على استعمال العقل
د. سمير مثنى علي الأبارة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/7/2015 ميلادي - 5/10/1436 هجري

الزيارات: 551352

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حث القرآن على استعمال العقل


دعا القرآن إلى إطلاق العقول من أسرها ودفعها للتأمل في ملكوت السموات والأرض واستعمالها في مختلف شؤون الحياة.. كما حث على الاستغلال الأمثل لها وتنميتها وأن لا يحجر عليها بالتعصب والتقليد.. والخرافات والأساطير... قال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾ [الغاشية: 17][1] يقول تعالى آمراً عباده بالنظر في مخلوقاته الدالة على قدرته وعظمته: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾ فإنها خلق عجيب وتركيبها غريب، فإنها في غاية القوة والشدة، وهي مع ذلك تنقاد للقائد الضعيف، وتؤكل وينتفع بوبرها ويشرب لبنها، ونُبهوا إلى ذلك لأن العرب غالب دوابهم كانت الإبل، وكان شريح القاضي يقول: اخرجوا بنا حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت! أي كيف رفعها الله عز وجل عن الأرض هذا الرفع العظيم[2].

 

وقد بعث الله عز وجل سيدنا محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة الخاتمة، ليخرج الناس من ظلمات الجهل والجور والشرك والغي إلى أنوار العلم والعدل والتوحيد والرشد، وكان العالم قبل البعثة المحمدية وفي زمنها، غارقا في بحر تلك الظلمات، وفي مقدمتها ظلمة الجهل التي تستتبع باقي الظلمات. فكان من الطبيعي والمنطقي أن يكون شعار الدين الخاتم "اقرأ" وأن يكون إعلاء شأن العقل والتفكير والعلم وطلبه وتعليمه أوّل المبادئ لترقّي معراج الكمال الإنساني الذي جاء به الإسلام.

 

فباستخدام العقل يفرّق الإنسان بين الصالح والفاسد، بين النافع والضار، بين الحق والباطل، وبتعطيله تلتبس عليه الأمور ويفقد هذا التمييز. وبطلب العلم يدرك حقائق الأشياء، ودلالاتها على عظمة وقدرة الله وصفات الكمال والجلال والجمال التي هي واجبة لمبدع الأكوان وخالق الموجودات، فإذا لم يطلب الإنسان العلم بقي في ظلمات الجهل لا يعرف الحقائق ولا الدلائل، ولا ما جاءت به الرسل ولا مقاصد الشرائع، فضلاً عن جهله بالعلوم الأخرى التي تزيده نوراً، وتبين له طريق السعادة في الدنيا والآخرة.

 

لذلك كان مبدأ العلم والتعلم والتعليم، على مدى الحياة، الفردية والجماعية، أوّل مبادئ بناء الحضارة الإسلامية الراقية، وأول لبنة في صرح الكمالات الفردية والاجتماعية.

 

ومن هنا يجد قارئ القرآن الكريم عددا كبيراً من الآيات التي تحث على استخدام العقل، وطلب العلم، ونشره، مبينة فضله وفضيلة العلماء الذين يتحلون ويعملون به، وينشرونه ويبتغون وجه الله الكريم بذلك.

 

وإذا تدبرنا هذه الآيات وجدنا أنها تدعو إلى التفكر واستخدام العقل من عدة وجوه:

أولاً: الغاية المرجوة من بث الآيات

إن الغاية المرجوة من بث الآيات - أي العلامات الدالة على وحدانية الخالق وعظمته - في الأنفس والآفاق، ومن تنزل الآيات المتلوة.. أي القرآن الكريم - هي أن يعقل الإنسان هذه الحقيقة الكبرى وأن يعمل بمقتضاها في حياته.

 

قال الله عز وجل: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 244][3] فحرف "لعل" يفيد الترجّي ويتضمن هنا معنى القصد، أي أن الغاية المرجوة والمقصودة من تبيين وإظهار الآيات هي حصول العقل، بمفهومه الشرعي.

 

ثانياً: الإنكار والتشريع والذم

فالقرآن لم يكتف ببيان فضل العقل والتفكر إيجاباً، بل بين هذا الفضل من خلال ذم حال الذين يعطلون ملكاتهم العقلية. ولا يتدبرون ولا يتفكرون، وذلك كقوله عز وجل: ﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 191][4] شبه الله سبحانه وتعالى الذين كفروا بالبهائم التي لا تعقل، وزاد حالهم بيانا بوصفهم بالصم والبكم والعمى، فكان هذا التعطيل لعقولهم مسببا لآفات تنحط بالإنسان الذي كرمه الله إلى حضيض البهائم. مع أن لهذه مستواها الخاص من التسبيح ولكننا لا نفقهه، كما بيّن القرآن.

 

ومثل الآية السابقة قول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [المائدة: 58][5] إذ لو عقل هؤلاء الذين اتخذوا الصلاة هزؤا ولعبا لما فعلوا ذلك. بل لأدركوا فضلها وسارعوا إلى إقامتها. ولكنهم قوم لا يعقلون، وكفى به ذما وتوبيخا.

 

وكذلك قول الله تعالى: ﴿ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الحشر: 14][6] وصف الله عز وجل حال اليهود الذين حاربوا الدعوة الإسلامية بالجبن، والقتال فيما بينهم، وتفرق قلوبهم لتعاديهم، وذلك بسبب أنهم غير عقلاء، إذ أن هذه الصفات المذمومة لا يتصف بها إلا الجاهلون، وهذه الأفعال القبيحة لا تصدر إلا عن الحمقى.

 

ثالثاً: أولو العقول وحدهم المؤهَّلون لإدراك الحق وللتذكر:

وقد سماهم المولى عز جل بأولي الألباب، وخصّهم بأجل العلوم وأنفعها فقال ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269][7] فدلت الآية على عظم قدر الحكمة، وعلى أن الذين خصهم الله بنورها هم أصحاب العقول، أي القلوب التي عبر عنها بالألباب.

 

وقال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 191][8] فختم تعالى هذه السورة بالأمر بالنظر والاستدلال في آياته، إذ لا تصدر إلا عن حي قيوم قدير قدوس سلام غني عن العالمين، حتى يكون إيمانهم مستندا إلى اليقين لا إلى التقليد. ﴿ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ الذين يستعملون عقولهم في تأمل الدلائل[9].

 

وكذلك قوله عز وجل: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111][10].

 

ففي هذه الآية الكريمة، إعلام بأن في قصص الأنبياء التي ذكر الله في القرآن عبرة وموعظة ودروساً ينتفع بها أولو العقول النيرة، ويستدلون بها على صدق الرسول في ما بلغ عن ربه من رسالات.

 

وأما قول الله تعالى: ﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الرعد: 19][11] ففيه تنصيص على أن الذين يتذكرون، إنما هم أولو الألباب، و"إنما" - كما هو معلوم - أداة حصر، فأصحاب العقل وحدهم يعلمون أن الذي يعلم هذا الحق ليس كمن هو أعمى لا يبصر - ثم ذكر الله صفات أخرى لأولي الألباب الذين لا يعطلون عقولهم عن التفكر والتدبر، وهي الوفاء بالعهد، وعدم نقض الميثاق، ووصل ما أمر الله به أن يوصل، والخشية والخوف، والصبر احتساباً وإخلاصاً، وإقامة الصلاة، والإنفاق سراً وعلانية والدفع بالتي هي أحسن، ثم ذكر جزاءهم يوم القيامة: ﴿ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ﴾ [الرعد: 22، 23][12].

 

لقد أنزل الله هذا القرآن الكريم تذكرة لهذه الفئة المؤمنة التي تتدبره، وتنتفع بعلومه. وأما الذين أعرضوا ولم يوجهوا قلوبهم وعقولهم لتحصيل هذا التدبر والانتفاع، فلا يتذكرون قال تعالى: ﴿ هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [إبراهيم: 52][13] فجعل الآيات السابقة بلاغا عاما، وإنذارا شاملا للناس، حتى يعلموا أن لا إله إلا الله، وبين أن أولي الألباب هم المؤهلون للتذكر النّافع، وفي الآية عطف للخاص على العام، والله أعلم.

 

وكذلك قوله سبحانه: ﴿ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى ﴾ [طه: 128][14] وأولو النهى هم أولو العقول التي تنهاهم عن القبائح، وهم الذين يستفيدون من عبر التاريخ ودروس القصص القرآني.

 

وقوله سبحانه: ﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ﴾ [ص: 28][15] بيان للغاية من تنزيل القرآن الكريم، وهي التدبر والتذكر، اللذان هما وظيفتا العقلاء المفكرين، إذ لهم آيات ودلائل وإشارات في الأنفس والآفات وتاريخ الأمم، كما في قصة سيدنا أيوب عليه السلام: ﴿ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾ [ص: 42][16] فهذه القصة القرآنية تتضمن من الحكم والعظات والفوائد ما ينتفع به أولو الألباب أيضا.

 

وهذه الفئة المؤمنة هي التي تذعن لسماع الحق، وتستقيم على نهج السنة، ولذلك كانت هي الطائفة المهدية. كما في قول الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 18][17] إنهم الذين يعقلون فيوقنون، لأنهم يعملون عقولهم، ويستخدمون تفكيرهم في تأمل الآيات المشهودة، وتدبر الآيات المتلوة والمسموعة، إنهم الذين قال عنهم الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الجاثية: 5][18] ذلك أن هذه الموجودات البديعة التي تملأ هذا الكون الرحب لم تخلق سدى، بل هي كتاب مفتوح مليء بالإشارات والأسرار والدلائل الموجّهة إلى عقل الإنسان الواعي المفكر.

 

هكذا حثّ القرآن الكريم الإنسان على التفكر الدائم، حتى يظل عقله أو قلبه حيا ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37][19] وذكر الصحاح أن كلمة " قلب " تعني العقل..  قال: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ﴾ [الحج: 46] لمن كان له عقل يتدبر به فكنى بالقلب عن العقل.. وقيل لمن كان له نفس مميزة، فعبر عن النفس البشرية بالقلب[20].

 

وقال الفيروز أبادي[21]: القلب هو الفؤاد والعقل ومحض كل شيء.. كما في قوله تعالى ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة: 10][22] أي من كانوا مرضى في عقولهم وأفكارهم، وفي سورة الشعراء يقول الله عز وجل: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [الشعراء: 193، 194][23] أي على وعيك وإدراكك وفكرك وعقلك.

 

فالقلب: هذه اللطيفة الربانية المدركة المميّزة العارفة، يصيبها العمى أحياناً إذا ضل صاحبها الطريق بالإعراض عن الحق أو بتعطيل الفكر السليم، وتستنير أحيانا بنور الحق فتبص-ر علائم الطريق، وتلمح وعد الله الصادق من وراء حجاب الدنيا، لكن كيف تحيا هذه اللطيفة الربانية؟

 

سؤال نجد جوابه في هذا الإنكار القرآني لحال الكافرين الذين لم ينتفعوا بعقولهم كما ينبغي: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46][24] فهم يبصرون بأعينهم الحسية آيات الله في الأنفس والآفاق، ولكن علتهم أنهم لا يبصرونها بقلوبهم لأنها عميت. كما دلت الآية على أن مكان القلب بهذا المعنى السامي هو الصدر إن هذه الآيات يشهدها الشهود القلبي المتوسمون ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ﴾ [الحجر: 75][25] وهم المتذكرون المتأملون.

 

وكذلك أسلوب التقريع والتبكيت والتوبيخ الذي يتضمن من ذم تعطيل النظر والعقل ما لا يخفى على من يحترم عقله. وذلك كقول الله تعالى في نهايات العديد من الآي: "أفلا تعقلون"، "أفلا تذكرون"، "أفلا تبصرون"، وكقوله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24][26].

 

إن القرآن يخاطب كيان الإنسان كله: عقله ووجدانه، ويوجه ملكاته الفكرية إلى التأمل، ويقيم الحجة على الحقائق التي يبيّنها له، ويدعو الإنسان إلى سلوك طرق البحث العلمي، ويحدد مبادئ المنهج الصحيح للوصول إلى الحقيقة، ويحاور عقل الإنسان، مستعملا أساليب بلاغية متنوعة حسب المقامات الخطابية، وبما يراعي طبيعة النفس الإنسانية، ويأخذ بعين الاعتبار رواسب العادات والتقاليد الاجتماعية وما تقتضيه من طرائق مناسبة في سوق الخطاب القرآني حتى يكون مقنعا، ولا يكون للناس حجة على الله بعد الرسل.

 

وقد رأينا من الأساليب القرآنية في الحث على التفكير واستخدام العقل أربعة أنواع:

التركيز على قصد التعقل، والإنكار والذم، ومدح أولي الألباب، والتقريع والتكبيت، وهذا كله يدل على مدى العناية الإلهية بتعليم الإنسان قيمة التفكير واستخدام العقل، حتى يدرك كبرى اليقينيات الكونية، فيسعد في الدنيا والآخرة، فالعقل يصون الإيمان وليس خطراً عليه حيث نجد أن إبراهيم عليه السلام عندما أعمل عقله وطلب الدليل في خلق الله إنما كان يتحسس نعمة العقل الذي هداه أصلاً إلى الله عز وجل.



[1] سورة الغاشية:17

[2] تفسير ابن كثير ج8 - ص386.

[3] سورة البقرة:242

[4] سورة البقرة:191

[5] سورة المائدة:58

[6] سورة الحشر:14

[7] سورة البقرة:269

[8] سورة آل عمران:190-191

[9] الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، الناش-ر: دار الكتب المص-رية – القاهرة، الطبعة: الثانية، 1384هـ - 1964 م، ج4/ص310.

الإمام القرطبي: هو أبو عبدالله محمد بن أبي بكر بن فَرْح الأنصاري الخزرجى الأندلسي القرطبي المفس-ر ولد ‏بقرطبة من بلاد الأندلس وتعلم فيها العربية والشعر إلى جانب تعلمه القرآن الكريم وتلقى بها ‏ثقافته الواسعة في الفقه والنحو والقراءات كما درس البلاغة وعلوم القرآن وغيرها ثم قدم إلى ‏مص-ر واستقر بها وكانت وفاته بصعيدها ليلة الاثنين التاسع من شهر شوال سنة 671 هـ وقبره ‏بالمنيا بش-رق النيل. الديباج المذهب 2/ 308 - 309 ونفح الطيب 2/ 210 - 212

[10] سورة يوسف:111

[11] سورة الرعد:19

[12] سورة الرعد:22-23

[13] سورة إبراهيم:52

[14] سورة طه:128

[15] سورة ص:28

[16] سورة ص:42

[17] سورة الزمر:18

[18] سورة الجاثية:5

[19] سورة ق:37

[20] كتاب: الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش الناش-ر: دار الكتب المص-رية – القاهرة الطبعة: الثانية، 1384هـ - 1964 م ج17 – ص23.

[21] الكتاب: القاموس المحيط المؤلف: مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى المتوفى: 817هـ، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، بإش-راف: محمد نعيم العرقسُوسي، الناش-ر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، الطبعة: الثامنة، 1426 هـ - 2005 م،

[22] سورة البقرة:10

[23] سورة الشعراء:193-194

[24] سورة الحج:46

[25] سورة الحجر:75

[26] سورة محمد:24





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خريطة العقل
  • العقل بين المفهوم الغربي والبيان القرآني (1/2)
  • العقل بين المفهوم الغربي والبيان القرآني (2 / 2)
  • نعمة العقل
  • مهمة العقل وأسباب تعطيله
  • مفهوم العقل في اللغة والاصطلاح
  • مكان العقل في الإنسان
  • دلائل حجية العقل

مختارات من الشبكة

  • كلمات وصفت القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • واجبنا نحو القرآن الكريم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة في حث الآباء على تسجيل أولادهم وبناتهم بحلقات القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحث على قراءة القرآن الكريم وفضل حمله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحث على حفظ القرآن ومراجعته وفضل صاحبه(مقالة - حضارة الكلمة)
  • خطبة في الحث على تدبر القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ٢٥ حديثا في فضل القرآن والحث على تلاوته (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الحث على تدبر القرآن ومدارسته(محاضرة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • الحث على تدبر القرآن ومدارسته(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • خطة بحث جامعي: المناسبة في القرآن الكريم(مقالة - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب