• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

الطريق إلى القلب السليم

د. علاء شعبان الزعفراني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/7/2015 ميلادي - 28/9/1436 هجري

الزيارات: 46149

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الطريق إلى القلب السليم

 

قبل الحديث عن خطوات إصلاح القلب، هناك أمر مهم ينبغي الإشارة إليه، وهو: "القلب مهما بلغ مرضه، واشتدت قسوته فإنه يحمل إمكانية العودة للصحة"، قال تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُو ﴾ [الحديد: 16، 17].

 

يعاتب الله المؤمنين، بقوله ﴿ أَلَمْ يَأْنِ ﴾ أي: ألم يجئ الوقت الذي تلين به قلوبهم، وتخشع لذكر الله الذي هو القرآن، وتنقاد لأوامره وزواجره، وما نزل من الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؟

وفيه هذا الحث على الاجتهاد على خشوع القلب لله تعالى، ولما أنزله من الكتاب والحكمة، وأن يتذكر المؤمنون المواعظ الإلهية والأحكام الشرعية كل وقت، ويحاسبوا أنفسهم على ذلك.


﴿ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ ﴾ أي: ولا يكونوا كالذين أنزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب والانقياد التام، ثم لم يدوموا عليه ولا ثبتوا، بل طال عليهم الزمان واستمرت بهم الغفلة، فاضمحل إيمانهم وزال إيقانهم.


﴿ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ فالقلوب تحتاج في كل وقت إلى أن تذكر بما أنزل الله وتناطق بالحكمة، ولا ينبغي الغفلة عن ذلك، فإن ذلك سبب قسوة القلب وجمود العين[1].


﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا..... ﴾ فيه إشارة إلى أنه عز وجل، يلين القلوب بعد قسوتها، ويهدي الحيارى بعد ضلتها، ويُفرج الكروب بعد شدتها، فكما يحي الأرض الميتة المجدبة الهامدة بالغيث الهتان الوابل، كذلك يهدي القلوب القاسية ببراهين القرآن والدلائل، ويولج إليها النور بعد ما كانت مقفلة لا يصل إليها الواصل[2].

 

أولاً: مفتاح الطريق:

ألا وهو "قوة الرغبة وشدة الحاجة إلى وجود القلب السليم، واليقين بأن الله وحده هو القادر على ذلك".

التطبيق:قال تعالى ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].


فعلينا أن نستغيث بالله وأن ندخل في جلباب الذل، ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9].


• قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا. فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ. ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: "اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي. اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي. اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ" فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ.


فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ. ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9]، فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلَائِكَةِ[3].

 

• ولا يكفي الدعاء مرة أو مرتين ثم الانصراف، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي"[4].


هذا هو المفتاح الذي من فقده ضل الطريق .... قال ابن رجب في شرح حديث لبيك اللهم لبيك:

"كان رجل من أصحاب ذي النون يطوف في السكك يبكي، وينادي: أين قلبي؟ أين قلبي؟ من وجد قلبي؟! فدخل يومًا بعض السكك فوجد صبيًا يبكي وأمه تضربه، ثم أخرجته من الدار وأغلقت الباب دون.


فجعل الصبي يلتفت يمينًا وشمالاً، ولا يدري أين يذهب، ولا أين يقصد فرجع إلى باب الدار، فوضع رأسه على عتبةٍ فنام. فلما استيقظ جعل يبكي ويقول: يا أماه من يفتح لي الباب إذا أغلقتٍ عني بابكٍ، ومن يُدنيني من نفسه إن طردتني، ومن الذي يؤويني إذا غبتٍ عليَّ. فرحمتهُ أمه، فقامت فنظرت عليه من خلل الباب فوجدت ولدها تجري الدموع على خده متمعكًا في التراب. ففتحت له الباب وأخذته حتى وضعته في حجرها. وجعلت تقبله وتقول: يا قرة عيني وعزيز نفسي، أنت الذي حملتني على نفسك وأنت الذي تعرضت لما حل بك، لو كنتَ أطعتني لم تلق مني مكروهًا.


فتواجد الرجل، ثم قام وصاح، وقال: قد وجدتُ قلبي، قد وجدتُ قلبي"[5].


ثانيًا: علاج الفتور وضعف الهمة:

قد يقول قائل: أنا مقتنع بكل ما سبق ولكنني أجد في نفسي فتورًا وأستشعر ضعف عزيمتي، وإرادتي، مما يجعلني غير قادر على الدعاء بهذا الإلحاح.


فالجواب، عن أبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ"[6].


فهذا الحديث يضع نقطة البداية لمن ضعفت عزيمته -من أمثالنا- فمن استشعر أهمية ما يريد، وخاف ضياعه فإنه لا ينتظر إلى الصباح ليذهب إليه، بل يبادر بالسير ولو ليلاً، ومن كانت هذه همته وصل إلى مقصوده.


فكيف بأعظم وأغلى سلعة "الجنة" أليس من الحري المبادرة إلى تحصيلها مثل المبادرة على تحصيل السلع الأخرى إن لم يكن أشد؟!


تذكر دائمًا:

الذي يحول بيننا وبين السير إلى الله وإلى جنته ... إنه الموت، مفرق الجماعات، الذي يأتي بغتة دون سابق إنذار. إن أهل القبور يتمنون جميعًا العودة إلى الدنيا ولو للحظة ليسبحوا أو يركعوا أو يسجدوا لله عز وجل، فلنكثر إذن من ذكر الموت، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ" يَعْنِي الْمَوْتَ[7].


قَوْلُهُ: (هَاذِمِ اللَّذَّاتِ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ قَاطِعَهَا. قَالَ مَيْرَكُ: صَحَّحَ الطِّيبِيُّ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ حَيْثُ قَالَ: شَبَّهَ اللَّذَّاتِ الْفَانِيَةَ وَالشَّهَوَاتِ الْعَاجِلَةَ ثُمَّ زَوَالَهَا بِبِنَاءٍ مُرْتَفِعٍ يَنْهَدِمُ بِصَدَمَاتٍ هَائِلَةٍ, ثُمَّ أَمَرَ الْمُنْهَمِكَ فِيهَا بِذِكْرِ الْهَادِمِ لِئَلَّا يَسْتَمِرَّ عَلَى الرُّكُونِ إِلَيْهَا, يَشْتَغِلَ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْفِرَارِ إِلَى دَارِ الْقَرَارِ اِنْتَهَى كَلَامُهُ.


لَكِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ: الْهَاذِمُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ الْقَاطِعُ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا, وَقَدْ صَرَّحَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ, ذَكَرَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَتْلِ وَحْشِيٍّ لِحَمْزَةَ. ... وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُصَحِّحْ الْخَطَّابِيُّ غَيْرَهُ وَجَعَلَ الْأَوَّلَ مِنْ غَلَطِ الرُّوَاةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ.


فإن وجدنا صعوبة أو انشغالاً يحول بيننا وبين كثرة ذكر الموت فلننتهز فرصة مواسم الطاعات، ففيها يزداد الإيمان، ويذهب الفتور، ويسهل قيادة النفس.

 

ثالثًا: دليلنا وسائقنا القرآن:

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء: 174، 175].


يمتن تعالى على سائر الناس بما أوصل إليهم من البراهين القاطعة، والأنوار الساطعة، ويقيم عليهم الحجة، ويوضح لهم المحجة، فقال: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ أي: حجج قاطعة على الحق تبينه وتوضحه، وتبين ضده.


وهذا يشمل الأدلة العقلية والنقلية، الآيات الأفقية والنفسية ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ [فصلت: 53].


وفي قوله: ﴿ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ ما يدل على شرف هذا البرهان وعظمته، حيث كان من ربكم الذي رباكم التربية الدينية والدنيوية، فمن تربيته لكم التي يحمد عليها ويشكر، أن أوصل إليكم البينات، ليهديكم بها إلى الصراط المستقيم، والوصول إلى جنات النعيم.


﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴾ وهو هذا القرآن العظيم، الذي قد اشتمل على علوم الأولين والآخرين والأخبار الصادقة النافعة، والأمر بكل عدل وإحسان وخير، والنهي عن كل ظلم وشر، فالناس في ظلمة إن لم يستضيئوا بأنواره، وفي شقاء عظيم إن لم يقتبسوا من خيره.


ولكن انقسم الناس -بحسب الإيمان بالقرآن والانتفاع به- قسمين:

﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ﴾ [النساء: 175] أي: اعترفوا بوجوده واتصافه بكل وصف كامل، وتنزيهه من كل نقص وعيب.


﴿ وَاعْتَصَمُوا بِهِ ﴾ [النساء: 175] أي: لجأوا إلى الله واعتمدوا عليه وتبرأوا من حولهم وقوتهم واستعانوا بربهم.


﴿ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ ﴾ [النساء: 175] أي: فسيتغمدهم بالرحمة الخاصة، فيوفقهم للخيرات ويجزل لهم المثوبات، ويدفع عنهم البليات والمكروهات.


﴿ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء: 175] أي: يوفقهم للعلم والعمل، معرفة الحق والعمل به.


أي: ومن لم يؤمن بالله ويعتصم به ويتمسك بكتابه، منعهم من رحمته، وحرمهم من فضله، وخلى بينهم وبين أنفسهم، فلم يهتدوا، بل ضلوا ضلالا مبينا، عقوبة لهم على تركهم الإيمان فحصلت لهم الخيبة والحرمان، نسأله تعالى العفو والعافية والمعافاة[8].


كيف ننتفع بالقرآن:

(1) القراءة البطيئة المترسلة:

قال تعالى: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾ [الإسراء: 106].

عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ. فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى. فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى. فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا.

 

ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا. ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا. يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ. ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ: "سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ" فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ: "سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى" فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ[9].

 

(2)  حضور الذهن عند القراءة:

فنقاوم الشرود والسرحان في أودية الدنيا، وإذا حدث فنعيد الآية التي شرد الذهن فيها، وليكن نُصبَّ أعيننا قوله صلى الله عليه وسلم: "وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ"[10].

 

فكل آية نقرأها تحمل توجيهًا جديدًا، وقد يكون فيها دواء لداء من أدواء قلوبنا أو حل لمشكلة نعاني منها، فينبغي علينا أن نجتهد في حضور العقل وقت القراءة.

 

(3) تدبر الآيات:

والتدبر هو التفكر في الآيات وفهم المراد منها؛ قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].


وليكن المعنى الإجمالي هو المقصود من تدبر الآية، لا سبر أغوارها، وإلا فلن نكاد ننتهي من عدة آيات إلا ونستصعب هذه الطريقة ونمل منها.

 

مثال تطبيقي: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "اقْرَأْ عَلَيَّ" قُلْتُ: أقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: "فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي" فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ، حَتَّى بَلَغْتُ ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41] قَالَ: "أَمْسِكْ"، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ[11].

 

(4) البحث عن جوانب الهداية:

القرآن ملئ بشتى أنواع العلوم، فمن بحث عن البلاغة أو التاريخ أو القصة أو الأدب ... إلخ وجدها، ولكن ليس هذا هو المقصود الأساسي من نزوله والأمر بتدبره، فالقرآن كتاب هداية قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].


قد يجد البعض منا صعوبة في ذلك لعدم معرفته بجوانب الهداية التي ينبغي أن يبحث عنها في القرآن، ويمكن أن نضرب أمثلة يقاس عليهما:

• من هو الله؟ قال تعالى: ﴿ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الروم: 50].


• من هو الإنسان؟ ثال تعالى: ﴿ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ﴾ [النساء: 128]، و قال تعالى: ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾ [الفجر: 20].


• من هو الشيطان وما هي مداخله وكيف نتقيه؟ قال تعالى: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ﴾ [البقرة: 268].


• لماذا وُجدنا في هذه الحياة الدنيا؟﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162]. والله يختبرنا في هذه الحياة من يثبت على هذا العهد؟ قال تعالى ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 1، 2].


• ما السنن الربانية التي يحكم الله بها الحياة؟ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].


• لماذا يقص الله علينا القصص؟ ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [هود: 120].

 

(5) المداومة على القراءة اليومية:

وتخصيص أكبر وقت ممكن له، وجعله في أعلى سُلم الأولويات، ولا يكن همنا ونحنُ نقرأ آخر السورة أو نهاية الورد، ولكن علينا بالتدبر كما تقدم في العنصر السابق.

 

(6) ترديد الآية التي تؤثر في القلب:

فمعنى تأثر القلب بآية من الآيات هو دخول نور الآية إلى القلب، وتفاعله معه وإحلاله محل الظلمة، وهذا قلما يحدث للواحد منا وبخاصة في البداية فلنغتنم الفرصة.

 

مثال: كان تميم الداري رضي الله عنه كثير التهجد: "قام ليلة بآية حتى أصبح وهي ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [الجاثية: 21] [12].

 

(7)  تصحيح النطق:

فالقراءة الصحيحة بلا شك لها دور كبير في فهم القرآن، قال الغزالي: " فتلاوة القرآن حق تلاوته هو أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل، وحظ العقل تفسير المعاني، وحظ القلب الاتعاظ والتأثر بالانزعاج والائتمار، فاللسان يرتل، والعقل يترجم، والقلب يتعظ" ا.هـ[13].

 

(8) عدم اليأس:

علينا أن نوقن بأننا نقدر على فهم القرآن وتدبره، وإلا ما طالبنا الله بذلك. قال سفيان الثوري -رحمه الله-: "لو أن اليقين استقر في القلب كما ينبغي لطار فرحًا وحُزنًا وشوقًا إلى الجنة، أو خوفًا من النار" اهـ[14].

 

هذا هو السبيل للقلب السليم، فلنقبل عليه، ولنترك أنفسنا له، ولنتخذه دليلاً إلى الله، وإلى صراطه المستقيم، والحمد لله أولاً وآخرًا ... الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.



[1] انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، موضع السورة الآية.

[2] انظر: تفسير القرآن العظيم، موضع السورة والآية.

[3] أخرجه مسلم (1763).

[4] متفق عليه: أخرجه البخاري (6340)، ومسلم (2735).

[5] شرح حديث لبيك اللهم لبيك صـ 140-141.

[6] أخرجه الترمذي (2450)، وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي النضر. وقال الألباني في الصحيحة (2335): صحيح بمجموع طرقه.

[7] أخرجه أحمد (7925)، والترمذي (2307)، والنسائي (1824)، وابن ماجه (4258)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. وقال ابن حجر في الفتوحات الربانية (5 /67): حسن لشواهده.

[8] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان صـ 237.

[9] أخرجه مسلم (772).

[10] أخرجه مسلم (223).

[11] متفق عليه: أخرجه البخاري (4582)، ومسلم (800).

[12] الإصابة (1 /184)، وقال ابن حجر: رواه البغوي في "الجعديات" بإسنادٍ صحيح إلى مسروق قال: قال لي رجل من أهل مكة: هذا مقام أخيك تميم ... فذكره. اهـ

[13] إحياء علوم الدين (1 /442).

[14] حلية الأولياء (7 /17).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ذكر الله يكون بالقلب وباللسان وبالجوارح
  • إيقاظ القلب - برنامج تأهيل وإعداد لاستقبال رمضان
  • طهارة القلب
  • عبودية القلب
  • القلب في القرآن
  • مرض القلب وعلاجه
  • دموع القلب
  • قسوة القلب
  • القلب السليم
  • هل نحن على الطريق؟
  • القلب السليم (خطبة)
  • القلب السليم في سطور
  • خطبة: القلب السليم
  • القلب السليم (إلا من أتى الله بقلب سليم) (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • حديث: بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك في الطريق...(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • هل أنا في الطريق السليم؟(استشارة - موقع الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي)
  • رعاة الإبل وجمالية التعامل والتربية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أسلوب الرفق واللين: الطريق إلى قلوب الناس في دعوتهم إلى الله تعالى (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قلب على قارعة الطريق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القلوب الطاهرة أول الطريق إلى الله(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • الطريق إلى شفاء القلوب(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • فوائد من حديث: بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الطريق إلى النجاح (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • موانع في الطريق إلى الله (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب