• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (3)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    خطبة: أهمية اللعب والترفيه للشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    عيد الأضحى: فرحة الطاعة وبهجة القربى
    محمد أبو عطية
  •  
    كيف يعلمنا القرآن الكريم التعامل مع الضغط النفسي ...
    معز محمد حماد عيسى
  •  
    أحكام الأضحية (عشر مسائل في الأضاحي)
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    زيف الانشغال
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    خطبة الجمعة في يوم الأضحى
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    الأخذ بالأسباب المشروعة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    يوم العيد وأيام التشريق (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    المقصد الحقيقي من الأضحية
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    خطبة الأضحى 1446 هـ (إن الله جميل يحب الجمال)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446هـ
    عبدالوهاب محمد المعبأ
  •  
    لبس البشت فقها ونظاما
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    خطبة: مضت أيام العشر المباركة
    محمد أحمد الذماري
  •  
    خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1446هـ
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    خطبة عيد الأضحى لعام 1446 هــ
    أ. شائع محمد الغبيشي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

جامع البيان في هدي خير العباد (مقدمة)

سيد مبارك

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/7/2015 ميلادي - 19/9/1436 هجري

الزيارات: 5351

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

جامع البيان في هدي خير العباد

مقدمة تمهيدية


إن الحمد لله نحمده، ونستعينُه ونَستغفِره، ونعوذ بالله مِن شُرور أنفسِنا، ومِن سيئات أعمالنا، مَن يَهدِه الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبِه أجمعين.


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

 

أما بعد:

فإن أصدَق الحديث كلام الله، وخيرَ الهدْي هديُ محمد، وشرَّ الأمور مُحدَثاتها، وكل مُحدَثة بدعة، وكل بدعة ضَلالة، وكلَّ ضلالة في النار.


ما أحوجَنا في القرن الواحد والعشرين إلى العودةِ إلى التأسِّي بسنَّة النبي صلى الله عليه وسلم الذَي أدرك الصحابةُ حِكمتها وقطفوا ثِمارها وذاقوا حلاوتها، وعَمِلوا وتمسَّكوا بها، ففازوا في الدارين، وكذلك فعَل مَن بعدَهم مِن التابعين وتابعي التابعين؛ فصاروا - بحقٍّ - خيرَ قرون الإسلام، ومصابيحَ هُدًى أضاءت للناس والبشرية جمعاء الطريق إلى الله تعالى، وأخرجَتْهم من ظلمات الجهل والشرك والبدع والخرافات وما أشبه ذلك، إلى نور العِلم والإيمان والتوحيد الخالص لله رب العالمين.


وللأسف الشديد في عصرنا هذا ضلَّ الكثير من المسلمين عن هدْي نبيِّهم صلى الله عليه وسلم واتَّبعوا الهوى الذي صدَّهم عن الحقِّ والصراط المستقيم، وابتدَعوا في الدين عباداتٍ وتشريعات ما أنزل الله بها مِن سلطان، فضلُّوا وأضلوا غيرهم، ومِن ثمَّ يسر الله تعالى لي جمْعَ سُنَّة الهادي البشير في الدِّين والدنيا؛ لتكون نبراسًا يَهتدي بضوئِه الضالُّ عن الحق والطريق القويم؛ حتَّى لا يَضلَّ، ويحترزَ مما يُحيط به من أعداء يريدون هلكتَه وعرقلةَ طريقه إلى الله كهوًى متَّبَعٍ كاذب مضلٍّ، أو وسوسةِ شيطان لئيم لا همَّ له إلا إغواءه وتدميره، أو إيحاءِ نفسٍ أمَّارة بالسوء، وفي نفس الوقت تُعين الباحثَ عن الفطرة السوية والدِّين الحق والتعاليم السوية؛ ليَمضيَ قُدمًا بلا ملل أو كلل، وبثقة ويقين أنه على الطريق القويم وصراط الله المستقيم.


وبعد:

فقد قسَّمتُ هذه الدراسة إلى عدَّةِ مقالات تحت عنوانٍ فرعيٍّ يدلُّ على موضوعه وجعلتُ عُنوانها الرئيسيَّ "جامع البيان في هدي خير العباد". وتُنشر إن شاء الله متتابعة، وتبيِّن بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة الهديَ النبويَّ دينًا ودُنيا، مع بيانٍ وافٍ وشرح مختصر ووجيز للأدلَّة إن وُجدَت الحاجة إلى ذلك بأقوال علمائنا الثِّقات من أهل السنة والجماعة سلفًا وخلفًا.


وقد اكتفيتُ بذِكْر بعض السنن بأدلتها الشرعية من كتاب الله تعالى ومن هَديِ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، رأيتُ فيها الكفايةَ في بيان موضوع المقالة، وما أريد بيانه للقارئ الكريم، وهُناك المزيد الذي تركتُه للاختصار، وذلك بلا تطويل مملٍّ أو تقصير مُخلٍّ، ومَن أراد المزيد فليرجع إلى الكتب والدراسات المتخصِّصة التي تُعينه على بلوغ مآربه، وتَروي تعطُّشَه للمزيد من البيان، وهي متوفرة، ولله الحمد والمنَّة.


وقد راعيتُ أن تكون كلُّ الأحاديث صحيحة ومخرَّجةً ومحقَّقة؛ لتكون الدراسة قوية يَسعَد بها العلماء والدعاة لشُموليَّتها وفائدتها، ويَستفيد منها العامة من المسلمين لبَساطتها وصحَّتها.


والله مِن وراء القصد وهو يَهدي السبيل، والحمد لله ربِّ العالمين.

 

مقدمة الدراسة:

وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته وذم التقليد:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم.

 

وبعد:

فإنَّ مِن عظماء العالم بمقاييس البشر الكثيرَ والكثير في الطبِّ والأدب، والعلوم والرِّياضيَّات، والفن والرِّياضة وغير ذلك، والبشريةُ تنظر لهؤلاء وغيرهم نظرةَ تقدير وإجلال؛ لما قدَّموا للبشرية من خدمات عظيمة، وإبداعات جليلة.

 

ولكن هذه العظمة إنما هي دنيوية، تنتهي بنهاية الدنيا الزَّائلة الفانية، ولا نَصيب لهؤلاء في الآخرة الباقية الخالدة، إلا لمن عمل عملاً يبتغي به رضا ربِّه جل وعلا، مسلِمًا وموحِّدًا ومتبعًا لما جاء به الهادي البشير صلى الله عليه وسلَّم الذي بُعث للناس كافَّة رحمةً مِن الله للعالمين؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].


وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سبأ: 28].


فالعظَمة الحقيقيَّة هي لمن يَجمع لك خيرَ الدنيا والآخرة، ويكون مؤيَّدًا من خالق الأرض والسماء جلَّ في علاه، وهذه هي العظمة الحقَّة، وهي لم تكن إلا لمن خصَّهم الله واختارهم للرسالة والنبوة؛ كأبي الأنبياء وخليل الله إبراهيم، ونوحٍ عليه السلام، وكليم الله موسى، وغيرهم من أنبياء الله - صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين - الذين ترَكوا بَصمات نورانيَّة، يؤيدهم فيها ربُّ العباد بمعجزات ربانية،جعلَتْهم من أوائل البشر على الإطلاق لإخراج البشرية من ظلماتِ الجهل والشرك إلى نور التوحيد والإيمان.

 

وعلى رأس هؤلاء سيد العابدين وإمام المرسلين وخاتمهم، وصاحب المقام المحمود الذي لا ينبغي لأحد غيره صلى الله عليه وسلم.

 

ولا شك أن الاتباع - اتباعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم - فرعٌ عن المحبَّة التي تكون في قلب العبد للنبي صلى الله عليه وسلم، ويستحيل أن يهتدي ويقتديَ في دينه ودنياه بغيره مِن خلق الله تعالى، مهما كانت عبقريَّته وعظمته في عيون محبيه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم الأسوةُ لنا جميعًا؛ كما قال رب العزة جلَّ في علاه: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].


ولا يَغيب عن فطنة القارئ أن الذي يحبُّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام لا يجوز له أن يُخالفه؛ فإن حقيقة المحبَّة للنبي صلى الله عليه وسلم وجوهرَها - كما لا يَخفى على أولي الألباب - في اتِّباعه وليسَت في مُخالفتِه، وفي طاعته وليست في طاعة أوليائه ومشايخه من أهل التنطُّع والتشدد، ممن يَزعمون محبته وطاعته ويعمَلون بنقيض قوله؛ فهذا كذبٌ وبهتانٌ عظيم.

 

قال ابن عُثيمينٍ رحمه الله: والحقيقة أن تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنَّ الأدب مع الرَّسول صلى الله عليه وسلم أن نَسلُك ما سلَك، ونَذَر ما ترَك، وأنْ لا نتقدَّم بين يدَيه فنقولَ في دينه ما لم يقل، أو نُحْدِث في دينه ما لم يُشرِّع.

 

ثم قال رحمه الله:

هل مِن محبَّة الرسول عليه الصلاة والسلام وتعظيمِه أن نُحدِث في دينه شيئًا يقول هو عنه: (كل بدعةٍ ضَلالة) [1]، ويقول: (من عَمل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ) [2]؟! هل هذا مِن محبة الرسول؟! هل هذا من محبة الله عز وجل أن تُشَرِّعَ في دين الله ما لم يُشرِّع؟! ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31]. اهـ [3].

 

والحاصل مما ذكَرنا أنَّ عُظماء الدنيا من البشر في هذا العالم مهما بلغَت عبقريتهم ومآثرُهم وفضلهم على الناس فهي لا تُسمِن ولا تُغني من جوع، ولا تأثير لهم في حياة الأمم والأفراد دينيًّا ودنيويًّا في علاقتهم بخالقهم وبارئهم سبحانه وتعالى؛ لأنَّ أصحابها يَستمِدُّون عبقريتهم من ثناء الناس عليهم لتميُّزِهم عنهم، وقد يتنافس المتنافسون مع بعضهم بعضًا لغايةٍ دنيوية صِرفة، وشهوة دنيوية خداعة؛ ليكون مِلءَ السمع والبصر، فيصعد هذا ويهبط ذاك، ويحتقر البعض لعبقريته الشريرة التي أهلكَت الحرث والنَّسل، وتَنقلب نظرة الناس ويَختلفون في بيان العظَمة حسب الأهواء والأحوال، وهكذا دواليك على مرِّ التاريخ الإنساني! أمَّا عظمة نبينا كإنسانٍ ونبيٍّ مرسَل لا يَنطق عن هوًى، ومؤيَّدٍ من الله وهو القائل سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4].


فهو خيرُ الْهَدي ونهايةٌ للعظَمة والعبقرية التي تَجمع للبشرية خير الدنيا والآخرة، وهديه وسنته الأسوة الحسنة للكمال الإنساني في علاقته بالخالق عز وجل، وحتى هدي الأنبياء والرسل من قبله نُسِخ بهديه وشريعتِه، وثبَت ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (إنه والله لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني) [4].

 

وحديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والذي نفسُ محمدٍ بيده، لا يَسمع بي أحدٌ مِن هذه الأمة يهوديٌّ ولا نَصراني ثم يَموت ولم يؤمِن بالذي أُرسِلت به إلا كان مِن أصحاب النار) [5].

 

طاعة الرسول شرطٌ لدخول الجنة:

فرَض الله على عباده الموحِّدين له المؤمنين به طاعةَ النبيِّ الخاتَم صلى الله عليه وسلم، وحذَّر مِن مخالفته واتباعِ هديٍ غيرِ هديه في كثيرٍ من آيات القرآن؛ من ذلك:

قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59].

 

وقوله تعالى: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا * وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ [النساء: 80، 81].

 

وقوله تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [المائدة: 92].

 

ومن الأحاديث الصحيحة جاء الكثير بالتَّرهيب تارة والترغيب تارة أخرى، تحثُّ على طاعته ومحبته؛ من ذلك:

حديث عوف بن مالك رضي الله عنه أنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (أطيعوني ما كنتُ بين أظهُرِكم، وعليكم بكتاب الله، أحِلُّوا حلالَه وحرِّموا حرامَه) [6].

 

حديث أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه في الصَّحيحينِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كلُّ أمَّتي يَدخلون الجنة إلا مَن أبى)، قالوا: يا رسول الله، ومَن يأبى؟! قال: (مَن أطاعني دخل الجنة، ومَن عصاني فقد أبى)، وفي رواية: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله).

 

حديث أنس بن مالكٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمنُ أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولَدِه ووالده والناس أجمعين) [7].

 

حديث عبدالله بن هشامٍ رضي الله عنه قال: كنا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو آخذٌ بيدِ عمرَ بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأَنت أحبُّ إليَّ مِن كل شيءٍ إلا مِن نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحبَّ إليك مِن نفسِك)، فقال له عمر: فإنه الآنَ واللهِ لأنتَ أحبُّ إليَّ مِن نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الآن يا عمر) [8].

 

ومِن ثَم نقول: الطريق واضح جلي، ألاَ وهو التأسِّي برسول الله صلى الله عليه وسلم والاهتداءُ بهديه، والبُعد عن الانحراف عن هديه وسنته، كما كانوا في القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية.

 

التقليد الأعمى للمذاهب والمشايخ ليس من الإيمان والمحبة:

التقليد في اللغة: وضع القِلادة في العنق، واصطلاحًا: اتِّباع قول الغير بلا حجَّة.

ولا يَخفى على اللَّبيب أنَّ بعضًا مِن أتباع المذاهب الأربعةِ المشهورة؛ كالمذهب الحنفي: وإمامه أبو حنيفة النُّعمان بن ثابت إمام أهل العراق رحمه الله، والمالكي: وإمامه أبو عبدالله مالك بن أنس، إمام دار الهجرة رحمه الله، والشافعي: وإمامه أبو عبدالله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله، والحنبلي: وإمامه أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله، وهم من أهل السُّنة والجماعة، ومن العلماء الربَّانيين المشهود لهم بالفضل والسَّبق من القاصي والداني، ومن أهل الاتِّباع كما سنبيِّن في السطور القادمة.


أقول: إنَّ بعض أتباع هذه المذاهب وما أشبهَهم مِن مذاهب؛ كالمذهب الظاهريِّ والطُّرق الصوفيَّة ومَشايخهم إلى آخره.


فإن أتباعهم من المتنطِّعين المتعصبين المتشددين قد جعَلوا أقوال أئمَّتهم وسادتهم مقدَّمةً على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم صحة الحديث ونسبته إليه، ومخالفته لمذهبهم!


ونحن نعلم يقينًا أنَّ كل إنسان أيًّا كان اسمُه وشهرته وكرامته عند الله تعالى يُؤخَذ منه ما كان صوابًا مُوافقًا لنُصوص القرآن والسنَّة، ويُترك منه ما كان خطأً مُخالِفًا لنصوص القرآن والسنة، ولا حجة قاطعة يلتزم بها الجميع بالسَّمع والطاعة إلا لما جاء في القرآن والسنة الصحيحة الثابتة عن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، ولا عِصمة في بيان دين الله تعالى لمخلوقٍ أيًّا كان، إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأقواله وحيٌ من الله وهو القائل عز وجل: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4].


قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: أي: ما يَقول قولاً عن هوًى وغرَض؛ ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 4] أي: إنَّما يقول ما أُمر به، يُبلِّغه إلى الناس كاملاً موفَّرًا من غير زيادة ولا نقصان. اهـ[9].

 

ومن ثَم يُمكنُنا القول: إن الاجتهاد والاختلاف فيما جاء فيه نصٌّ مِن قرآن أو نصٌّ من السنة الصحيحة الصريحة - التي لا يَستقيم تأويلُها بمعنًى آخَر أو وجهٍ من الوجوه - لا يَجوز قطعًا، وإنما يُباح الاجتهادُ والاستدلال عند عدَمِ وجود نصٍّ شرعي، أو عند وجودِ نصوصٍ يحتمل تأويلها بمعنى ووجهٍ آخر؛ لأننا على يقين أنَّ الاختلاف لا بدَّ منه؛ فالأَفْهام تَختلف ولكن فيما يَحتمِل التأويل، وقد حدَث ذلك في عصر الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - والنبيُّ معهم؛ فقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم: (لا يُصلِّيَنَّ أحدٌ العصرَ إلَّا في بَني قُرَيظة) [10]، فالنصُّ واضحٌ، ولكن اختلَف الصحابة في فَهْم مقصودِه؛ فإن بعض الصحابة فَهِم منه أنه لا بدَّ أن تكون صلاةُ العصر في بني قريظة ولو خرَج وقتُها، وآخَرون فَهِموا من الأمر المسارعة بالتوجُّه إلى بني قُريظة، وصَلَّوها في وقتها قبل وصولهم بني قريظة، وكِلا الفريقين مأجورٌ على اجتهادِه وعمَلِه.

 

فالمسألة اختلافٌ في فَهم المقصود من الحديث، والمجتهد المصيب له أجران وغير المصيب له أجر، أمَّا الاجتهاد ومخالفة نصٍّ شرعي صحيح وصريح وجليٍّ لا يَحتمل التأويلَ على أيِّ وجه من الوجوه - فهذا لا يصح.

 

يقول الألبانيُّ رحمه الله ما مختصَرُه:

يحتجُّ بعضُ الناس اليوم بهذا الحديث على الدُّعاة من السَّلفيِّين وغيرهم الذي يَدْعون إلى الرجوع فيما اختلَف فيه المسلمون إلى الكتاب والسنَّة، يحتج أولئك على هؤلاء بأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقرَّ خِلاف الصحابة في هذه القصة، وهي حجَّة داحضةٌ واهية؛ لأنه ليس في الحديث إلا أنه لم يُعنِّف واحدًا منهم، وهذا يتَّفق تمامًا مع حديث الاجتهاد المعروف، وفيه: أنَّ مَن اجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحد، فكيف يُعقَل أن يُعنِّف من قد أُجِر؟!


وأمَّا حملُ الحديث على الإقرار للخلاف فهو باطل؛ لمخالفته للنُّصوص القاطعةِ الآمرة بالرجوع إلى الكتاب والسُّنة عند التنازع والاختلاف. اهـ.


قلتُ: ومن يطَّلِع على كلام مَشايخنا وأئمة المسلمين من أهل السنة والجماعة - ومنهم أئمة المذاهب الأربعة أنفُسِهم، وأنا أُشهد الله على مَكانتهم وحِرصِهم على العمل بالكتاب والسنَّة وتركِ التقليد؛ مما اطَّلَعنا عليه من سيرتهم العطرة - يجِدْ أنَّه قد استفاض عنهم جميعًا واشتهَر قولُهم:"إذا صحَّ الحديثُ فهو مذهبي"، فلا يُقدِّمون قولَ أحدٍ على قوله عليه الصلاة والسلام.


ومِن هنا جاءت أقوال الأئمة المجتهدين تتَتابعُ على النهي الأكيد عن التقليد لهم أو لغيرهم، وأذكر هنا نبذة من أقوالهم:

قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: "لا يحلُّ لأحدٍ أن يأخذ بقَولنا ما لم يَعلَم مِن أين أخَذناه". وفي رواية: "حرامٌ على مَن لم يَعرِف دليلي أن يُفتيَ بكلامي؛ فإننا بشَرٌ نقول القولَ اليوم، ونرجعُ عنه غدًا".


وقال مالكٌ رحمه الله تعالى: "إنما أنا بشرٌ أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي؛ فكلُّ ما وافقَ الكتابَ والسُّنة فخُذوه، وكلُّ ما لم يُوافق الكتاب والسنَّة فاتركوه".


وقال الشافعيُّ رحمه الله تعالى: "أجمعَ المسلمون على أنَّ مَن استَبان له سنَّة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يَحِلَّ له أن يدَعَها لقولِ أحدٍ". وقال: "كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند أهل النَّقل بخلاف ما قلتُ فأنا راجعٌ عنها في حياتي وبعد موتي". وقال: "كل ما قلتُ فكان عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم خلافُ قولي مما يَصحُّ فحديث النبيِّ أولى، فلا تقلدوني"[11].


وقال الحميدي: روى الشافعيُّ يومًا حديثًا، فقلت: أتأخذُ به؟ فقال: رأيتَني خرجتُ من كنيسة، أو على زُنَّار، حتى إذا سمعتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا لا أقول به؟![12] اهـ.


قلتُ: ونحوُ ما ذكَرناه هنا قاله كثيرٌ من أئمة المسلمين؛ فالتعصُّب والتقليد لم يَكُن مِن أئمة المذاهب المعتبرة عند أهل السنة، بل جاء مِن بعض أتباعهم من المتعصبين المتنطعين، ومَن ساروا على نهجهم إلى اليوم.


ومجمل القول أن هديَ النبي خيرُ الهدي لمن أنار الله بَصيرتَه، ووفَّقه لما يحبُّ ويَرضى، وذم التقليد الأعمى الممقوت - بلا دليل أو برهان من كتابٍ أو سنة - أمرٌ ينبغي أن يَحرص عليه كلُّ مسلم في دينه ودنياه.

 

الاجتهاد الحق بعيدٌ عن الهوى:

إن الاجتهاد الحق الذي كان عليه سلفنا الصالح هو الاجتهاد والاستدلال في المسائل التي يسوغ فيها ذلك، مع الحرص على عدم الوقوع في مخالفةِ النصوص الشرعية الأخرى من الكتاب والسنة، بل ينبغي الاجتهاد بمقتضاها وفي إطارها الصحيح.

 

لقوله تعالى:﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [الشورى: 10].

 

وقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59].

 

وكذلك يبعد عن الاجتهاد الشاذِّ المخالف لإجماع الصحابة وعلماء الأمة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115].

 

ومن ثَم يَنبغي في المسائل الخلافية والاجتهادية أن نتحرَّى الحق والصواب، ولا يجوز للمسلم أن يعمل بما يشاء من الأقوال والوجوه، من غير نظرٍ في الترجيح، وإن عَجز عن الترجيح - لقُصورِ علمٍ أو فَهم - فله أن يَسأل ويستشير، ولو من باب الغيرة على الدِّين من السفهاء وأدعياء العلم الذين يَجتهدون في غير مَواضع الاجتهاد، فلا يسأل إلا أهلَ الذِّكر وورَثةَ الأنبياء، وهم العلماء الثِّقات الربَّانيُّون الذين يستنبطون الأحكام من تعاليم الكتاب والسنة؛ كما قال تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 7].

 

قال السعدي رحمه الله في تفسيره: وهذه الآية وإن كان سبَبُها خاصًّا بالسؤال عن حالةِ الرُّسل المتقدِّمين لأهل الذِّكر، وهم أهل العلم، فإنها عامة في كل مسألة مِن مسائل الدين؛ أصوله وفروعه، إذا لم يكن عند الإنسان عِلمٌ منها أن يَسأل مَن يَعلَمها، ففيه الأمرُ بالتعلُّم والسؤال لأهل العلم، ولم يُؤمَر بسؤالهم إلا لأنَّه يَجب عليهم التعليم والإجابة عمَّا عَلِموه، وفي تخصيص السؤال بأهل الذِّكر والعلم نهيٌ عن سؤال المعروف بالجهل وعدم العلم، ونهيٌ له أن يتصدَّى لذلك. اهـ[13].

 

والحاصل ممَّا سبق نقول: ينبغي على المسلم أن يَعلم يَقينًا أن طاعة النبي والعملَ بسُنتِه القولية والفعلية والتقريرية، والاهتداءَ بِهَديه صلى الله عليه وسلم مِن أهم المسائل التي يَنبغي أن يبدأ بها مَن أراد الفلاح والنجاة في الدنيا والآخرة، كما سبَق بيانُه.

 

أمَّا التقليد الأعمى الممقوت والعمل بمذهبٍ من المذاهب واتِّباع قول أو اجتهاد عالم من العلماء أو رأيِ شيخٍ من المشايخ - مهما كان عِلمُه واسمه وشهرته وكراماته عند الله تعالى - وتقديم ذلك على طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والتزام هديه؛ فهذا تعصُّبٌ وابتداعٌ في دين الله تعالى بما لم يُنزِّل به مِن سلطان.

 

وأقولها مرارًا وتَكرارًا: مهما كان حجة قائلها وبراهينه الساطعة الخادعة التي يُغلِّفها الهوى ما دامَت تُخالف وتعارض نصًّا صريحًا وصحيحًا لا يحتمل التأويل فهو قولٌ مَن عَمل به مأزورٌ وغير مأجور عليه، بل هو مِن غير شكٍّ مسلمٌ عاصٍ لله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إن وجد النصُّ بطَلَ الاستدلالُ والاجتهاد قطعًا.

 

يقول ابنُ تيميَّة رحمه الله عن أهل التَّقليد من الصوفيَّة: وغايةُ ما عِندَهم أنَّهم يَحْكون عن شيوخهم نوعًا من خَرْق العادات قد يَكون كذبًا وقد يكون صِدقًا، وإذا كانت صِدقًا فقد يكون مِن أحوال أولياء الشيطان؛ كالسَّحَرة والكُهَّان، وقد يكون من أحوال أولياء الرحمن، وإذا كانت من أحوال أولياء الرحمن لم يَكُن في ذلك ما يوجب تقليدَ الوليِّ في كل ما يقوله؛ إذ الوليُّ لا يجب أن يكون مَعصومًا، ولا يجب اتِّباعه في كل ما يقوله، ولا الإيمانُ بكل ما يقوله، وإنما هذا مِن خصائص الأنبياء الذين يَجب الإيمان بكلِّ ما يقولونه فيجب تَصديقُهم في كل ما يُخبرون به من الغيب، وطاعتُهم فيما أوجَبوه على الأمم، ومن كفَر بشيء مما جاؤوا به فهو كافر، ومن سبَّ نبيًّا واحدًا وجَب قتلُه، وليس هذا لغير الأنبياء مِن الصالحين. اهـ[14].

 

قلتُ: والرسول صلى الله عليه وسلم لم يُلزِم الناس بمذهبٍ معين، ولا عبادة الله تعالى بفكرٍ وطريقة بعينها لعبدٍ من العباد، مهما كانت عبادته وصُحبته وتَقواه، وإنما أوجب على الأمة جَمعاء اتِّباعَه صلى الله عليه وسلم، فالحقُّ محصورٌ فيما جاء به وما أوحاه الله إليه من القرآن والسنة، فإذا تأمَّل المنصِف هذا كلَّه ظهَر له أن التقليد لمذهبِ إمام من الأئمة أو وليٍّ من الأولياء من غير نظرٍ إلى دليله من القرآن أو السنة الصحيحة الصريحة - جهلٌ عظيم وبلاء جسيم، ويحطُّ مِن قدر العبد عند ربِّه، بل إنه مجرد هوًى وعصبيَّة؛ فالتقليد حرام مع وجود الدليل الشرعيِّ الذي لا يَقبل التأويل، وقد أجمعَت الأمة وعلماؤها سلَفًا وخَلفًا على ذلك، ولا يَحِل لأحدٍ أن يَأخذ بقول أحدٍ غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا كان مُبتدِعًا في دينه، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

الزعم بأن الاختلاف بين الأمة رحمة:

سبحان الله! شاع أنَّ اختلاف العلماء رحمة، وهذا غير صحيح، وليَعلم مَن أخذ بقول أحدٍ مِن الأئمة أو العلماء أيًّا كان اسمه وشُهرته، ولم يعتمد على ما جاء في القرآن والسنة أنَّه قد خالف إجماع الأمة كلِّها؛ أوَّلِها وآخِرها، لا شكَّ في ذلك، وحديث (اختلاف أمَّتي رحمة) لا أصلَ له.

 

وقد أجاب عن هذا الزَّعمِ العلاَّمةُ الألباني رحمه الله، فقال رحمه الله ما مختصَره:

والجواب من وجهين:

الأوَّل: أن الحديث لا يصح، بل هو باطل لا أصل له؛ قال العلاَّمة السُّبكي: "لم أقِف له على سندٍ صحيحٍ ولا ضعيفٍ ولا موضوع"!

قلتُ: وإنما رُوي بلفظِ: (... اختلاف أصحابي لَكُم رحمة).

و(أصحابي كالنُّجوم فبأيِّهم اقتَدَيتم اهتديتُم).

وكِلاهما لا يصحُّ: الأول واهٍ جدًّا، والآخر موضوع.


الثاني: أن الحديث مع ضَعفِه مخالفٌ للقرآن الكريم؛ فإنَّ الآياتِ الواردةَ فيه - في النهي عن الاختلاف في الدِّين، والأمر بالاتِّفاق فيه - أشهَرُ مِن أن تُذكر، ولكن لا بأسَ مِن أن نَسوق بعضَها على سبيل المثال:

قال تعالى: ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال: 46]، وقال: ﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الروم: 31، 32].


وقال تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ﴾ [هود: 118، 119].


فإذا كان مَن رَحِم ربُّك لا يَختلفون، وإنما يختلف أهل الباطل؛ فكيف يُعقل أن يكون الاختلاف رحمة؟! اهـ[15].


وبعد هذا البيان الذي لا بد منه؛ نبدأ في السطور التالية ببيان هديِ خير العباد دينًا ودنيا، والله المستعان وعليه التُّكلان.



[1] انظر حديث رقم/ 1353 في صحيح الجامع.

[2] أخرجه مسلم في الصحيح، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة وردِّ مُحدَثات الأمور برقم (1718) من حديث عائشة رضي الله عنها.

[3] انظر مجموع فتاوى ابن عثيمين (5/ 196).

[4] أخرجه الدارمي (1/ 115) وابن أبي عاصم في "السُّنة" (5/ 2) وحسنه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل برقم/ 1589.

[5] أخرجه مسلم برقم/ 218 - باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

[6] انظر حديث رقم: 1034 في صحيح الجامع.

[7] أخرجه مسلم برقم/ 63 - باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد.

[8] أخرجه البخاري برقم/ 6142 - باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم.

[9] انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير عند تفسيره لهذه الآية.

[10] جزء من حديث أخرجه البخاري من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - برقم/ 894 باب صلاة الطالب والمطلوب راكبا وإيماء، وتمام متنه: "قال النبي صلى الله عليه وسلم لنا لَمَّا رجع من الأحزاب: (لا يصلينَّ أحدٌ العصر إلا في بني قريظة) فأدرك بعضَهم العصرُ في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي لم يُرد منَّا ذلك، فذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنِّف واحدًا منهم".

[11] هذه الآثار من كتاب "الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام" لمحمد ناصر الدين الألباني (ص/ 78).

[12] انظر تاريخ الإسلام للذهبي (4/ 64).

[13] انظر تفسير السعدي للآية الكريمة.

[14] انظر الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (3/ 95).

[15] انظر صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (ص/ 49).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • صدر حديثاً (جامع البيان في تفسير القرآن) للعلامة السيد معين الدين الإيجي (ت894هـ)
  • استدراكات ابن عطية في المحرر الوجيز على الطبري في جامع البيان
  • صدور طبعة جديدة لتفسير الإمام الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)
  • صدور كتاب (جامع البيان في القراءات السبع المشهورة) لأبي عمرو الداني
  • (جامع البيان في القراءات السبع) لأبي عمرو الداني في طبعة جديدة
  • صدر حديثاً عن جامعة الشارقة: (جامع البيان في القراءات السبع للداني) محققاً.
  • جامع البيان في هدي خير العباد (2)
  • كتاب كشف البيان عن صفات الحيوان للعوفي

مختارات من الشبكة

  • جامع البيان في هدي خير العباد (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم (النسخة 3)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون مضموما إليه تكملة الجامع (PDF)(كتاب - موقع الشيخ علي بن محمد العمران)
  • مخطوطة جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة قطعة من جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الجامع الكبير (ج2) ( جامع الترمذي ) نسخة أخرى(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الجامع الكبير (ج2) ( جامع الترمذي / سنن الترمذي )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الجامع الكبير (ج1) ( جامع الترمذي )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تاج الجوامع ( الجامع العتيق )(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 10/12/1446هـ - الساعة: 12:20
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب