• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أوصاف القرآن الكريم في الأحاديث النبوية الشريفة
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    سمات المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    المصافحة سنة المسلمين
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الدرس الثامن عشر: الشرك
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    مفهوم الموازنة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (5)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من نفس عن معسر نجاه الله من كرب يوم القيامة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

المختصر القويم بمعاني الصراط المستقيم

خلدون بن محمود بن نغوي الحقوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/4/2015 ميلادي - 25/6/1436 هجري

الزيارات: 51030

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المختصر القويم بمعاني الصراط المستقيم


مقدمة المؤلف:

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.


أمَّا بعد:

فإنَّ أفضل الكلامِ كلامُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم.


وعليه؛ فإنَّ أنفعَ ما يقوم به العبد المسلمُ من العناية هو معرفةُ معاني كلام الله تعالى، ومن ثمَّ العمل بهذا العلم، ومن ثَم الدعوة إليه.


ولا يخفى أنَّ العملَ - عبادةً وسلوكًا - لا يكون مستقيمًا إلاَّ بالعلم الصحيح النافع المستقَى من الكتاب والسُّنَّة.


وإذا كانت الفاتحةُ أعظمَ سورة في كتاب الله تعالى، بل لم يَنزلْ مثلُها في كتاب قطُّ قبل القرآن، بل إنه لا تصح صلاةٌ إلاَّ بها، فلا بد إذًا من العناية بها، فيكون العلم بها أمرًا مُلِحًّا مهمًّا، جليلاً مطلوبًا.


وإن ممَّا أمر اللهُ تعالى به في سورة الفاتحة أنْ يَطلب العبدُ هدايةَ الصراط المستقيم دلالة وتوفيقًا، وهذا أوَّل وأجَلُّ مطلبٍ للعبد وجب عليه الاشتغال به علمًا وعملاً.


وقد قمتُ - مستعينًا بالله تعالى وحده، ومستنيرًا بشروح العلماء - بتصنيف شرحٍ لطيف له، جامعٍ لكثير من المعاني والفوائد فيه، مراعيًا أنْ يكون وجيزًا في عبارته، مع العناية بتحقيق الآثار المرفوعة والموقوفةِ موضع الاستدلال[1]؛ والعزو الصحيح ما أَمكن في مواطن الاستشهاد والاستئناس[2].


ولا أدَّعي لنفسي التفرَّدَ في هذا الشرح؛ وإنما هو الاعتمادُ على شروح العلماء الأفاضل قديمًا وحديثًا.


على أنني أعتقد أنني - إنْ شاء الله - قد وُفِّقْتُ من الله تعالى في استيعاب فوائدَ تمسُّ الحاجةُ إليها في هذا الشرح.

وكتبه أبو عبدالله؛ خلدون بن محمود بن نغوي الحقوي.

 

مقدمة الكتاب:

قمتُ بفضل الله تعالى بترتيب مسائلِ هذا الشرح اللطيف وَفق عدة فقرات؛ هي:

• الفقرة الأولى: الصراط لغةً.


• الفقرة الثانية: الصراط شرعًا.


• الفقرة الثالثة: جاء ذِكْرُ الصراط المستقيم في عدَّة مواضع على غير ما هو مقصود به في سورة الفاتحة.


• الفقرة الرابعة: الصراط جاء ذِكْرُه في القرآن على عدَّة أشكال.

وهنا تعرضتُ لبيان أوصافِ الصراط المستقيم في الكتاب والسُّنَّة، مع بيان شيءٍ من لطائف المعاني في ذلك، ولم أقف - فيما اطَّلعت - على أحدٍ من أهل العلم خصَّ الصراطَ المستقيم بمثل هذا الجمع والبيان والتفصيل، والحمد لله على توفيقه.


• الفِقرة الخامسة: الصراط المستقيم في الدنيا يحاكي الصراطَ على ظهر جهنم.


الفقرة الأولى: الصراط لغةً:

الصراط: هو الطريق السهل[3]، والسبيل الواضح[4].


فـ (الطريق: هو كل ما يطرقه طارقٌ، معتادًا كان أو غير معتادٍ، والسبيل من الطُّرق: ما هو مُعتادُ السلوكِ، والصراط من السبيل: ما لا التِواء فِيه ولا اعوِجاج، بل يكون على سبيلِ القَصْدِ، فهو أخصُّ منها)
[5].


وتأملْ قولَه تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [النحل: 9].


قال الطبري رحمه الله في التفسير: "يقول - تعالى ذكرُه -: وعلى الله - أيها الناس - بيانُ طريقِ الحقِّ لكم، فمَنِ اهتدى فلنفسه، ومَنْ ضلَّ فإنما يضلُّ عليها، والسبيلُ: هي الطريقُ، والقصدُ من الطريق: المستقيمُ الذي لا اعوجاج فيه"[6].


وتأمَّلْ أيضًا كيف وصف اللهُ تعالى سبيلَه بالصراط، وسمى ما عداه سُبلاً، فقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153].


وقال الإمامُ ابن جرير الطبري رحمه الله في التفسير: "أجمعَت الأمَّةُ من أهل التأويل جميعًا على أنَّ الصراطَ المستقيمَ هو: الطريقُ الواضحُ الذي لا اعوجاج فيه، وكذلك ذلك في لغة جميع العرب"
[7].


قال ابن القيم رحمه الله: "والصراط: ما جَمَع خمسةَ أوصاف: أنْ يكون طريقًا مستقيمًا، سهلاً، مسلوكًا، واسعًا، موصلاً إلى المقصود؛ فلا تُسمِّي العربُ الطريقَ المُعْوَجَّ: صراطًا، ولا الصعبَ المشق، ولا المسدود غير الموصل، ومَن تأمَّلَ مواردَ الصراط في لسانهم واستعمالهم، تبيَّن له ذلك"
[8].


وقال أيضًا رحمه الله - في موضع آخر -: "ولا تكون الطريقُ صراطًا حتى تتضمَّن خمسةَ أمور: الاستقامةَ، والإيصالَ إلى المقصود، والقُرْبَ، وسعتَه للمارِّين عليه، وتعيُّنَه طريقًا للمقصود.


ولا يخفى تضمُّنَ الصراط المستقيم لهذه الأمور الخمسة؛ فوصفُه بالاستقامة يتضمَّن قربَه؛ لأن الخطَّ المستقيم هو أقربُ خطٍّ فاصل بين نقطتين، وكلما تعوَّج طالَ وبَعُدَ، واستقامتُه تتضمَّن إيصالَه إلى المقصود، ونصبُه لجميع مَن يمُرُّ عليه يستلزمُ سعتَه، وإضافتُه إلى المنعَم عليهم ووصفُه بمخالفةِ صراط أهل الغضب والضلال يستلزمُ تعيُّنَه طريقًا"
[9].


قلتُ: وفي قوله تعالى: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7] أنَّه يمكن استعمال لفظ: (الصِّراط) لغير الاستقامةِ والوضوحِ من باب المشاكلة والمقابلة، والله أعلم.


قال الطبري رحمه الله: "ثم تستعيرُ العربُ (الصراط) فتستعمله في كل قولٍ وعمل وُصِف باستقامةٍ أو اعوجاج، فتصفُ المستقيمَ باستقامته، والمعوجَّ باعوجاجه"
[10].

 

الفقرة الثانية: الصراط شرعًا:

"تنوَّعتْ عباراتُ السلف في بيان ما المقصود بالصراط هنا:
فقال عليٌّ رضي الله عنه: "الصِّراطُ المستقيم: كتاب الله تعالى ذكرُه"، وكذا عن ابن مسعود رضي الله عنه، وقال جابر: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6] قال: الإسلام، قال: هو أوسع ممَّا بين السماء والأرض، وكذا عن ابن عباس وغيرهما، وقال ابن عباس: "﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ قال: الطريق"، وقال الحسن وأبو العالية: "هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحباه من بعدِه: أبو بكر وعمر"
[11].


قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله في التفسير: "والذي هو أَولى بتأويل هذه الآية عندي - أعني: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ -: أنْ يكونَ معنيًّا به: وَفِّقنا للثَّبات على ما ارتضيتَه ووَفَّقتَ له مَنْ أنعمتَ عليه من عبادِك من قولٍ وعملٍ، وذلك هو الصِّراط المستقيم؛ لأن من وُفِّقَ لِما وُفِّقَ له مَن أَنعم اللهُ عليه من النبيِّين والصدِّيقين والشهداء، فقد وُفِّقَ للإسلام وتصديقِ الرسلِ والتمسُّكِ بالكتاب والعملِ بما أمر الله به، والانزجارِ عمَّا زَجره عنه، واتِّباعِ منهج النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومنهاجِ أبي بكر وعمر وعثمان وعليٍّ وكلِّ عبدٍ لله صالحٍ، وكلُّ ذلك من الصراط المستقيم، وقد اختلفتْ تراجمةُ القرآن في المعنيِّ بالصراط المستقيم، يشمل معانيَ جميعِهم في ذلك ما اخترنا مِنَ التأويل فيه"
[12].


قلتُ: وجاء في حديث النَّواس بن سمعان مرفوعًا وَصفُ الصراط بأنه هو الإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ضرب اللهُ مثلاً صراطًا مُستقيمًا، وعلى جنبتَي الصِّراط سُوران، فيهما أبوابٌ مُفتَّحةٌ، وعلى الأبواب ستُورٌ مُرخاة، وعلى باب الصراط داعٍ يقولُ: أيُّها الناسُ، ادخُلُوا الصِّراط جميعًا، ولا تتعرَّجُوا، وداعٍ يدعُو من فوق الصِّراط، فإذا أراد يفتحُ شيئًا من تلك الأبواب؛ قال: وَيحك لا تفتحهُ؛ فإنَّك إن تفتحهُ تلِجهُ، والصِّراطُ: الإسلامُ، والسُّوران: حُدُودُ الله، والأبوابُ المُفتَّحةُ: محارمُ الله، وذلك الدَّاعي على رأس الصِّراط: كتابُ الله، والدَّاعي من فوق الصِّراط: واعظُ الله في قلب كُلِّ مُسلمٍ))
[13].


ويُرجِع ابنُ القيم رحمه الله معنى الصراط المستقيم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، وهذا لا يخرج عمَّا سلف.


قال رحمه الله في بدائع الفوائد: "ونكتةُ ذلك وعقدُه: أنْ تحبَّه بقلبِك كلِّه، وترضيه بجهدك كله؛ فلا يكون في قلبك موضعٌ إلاَّ معمورٌ بحبه، ولا تكون لك إرادةٌ إلا متعلقة بمرضاته؛ والأول يحصل بالتحقُّقِ بشهادة أن لا إله إلا الله، والثاني يحصل بالتحقُّقِ بشهادة أنَّ محمدًا رسول الله، وهذا هو الهدى ودين الحق، وهو: معرفة الحقِّ، والعملُ به، وهو معرفةُ ما بَعث الله به رسلَه والقيامُ به
.


فقل ما شئتَ من العبارات التي هذا أحسنها وقُطب رَحاها، وهي معنى قول من قال: علوم وأعمال ظاهرة وباطنة مستفادَة من مشكاة النبوة، ومعنى قول من قال: متابعةُ رسول الله ظاهرًا وباطنًا علمًا وعملاً، ومعنى قول من قال: الإقرار لله بالوحدانية والاستقامة على أمره.


وأمَّا ما عدا هذا من الأقوال؛ كقول من قال: الصلوات الخمس، وقول من قال: حبُّ أبي بكر وعمر، وقول من قال: هو أركان الإسلامِ الخمس التي بُني عليها؛ فكلُّ هذه الأقوال تمثيلٌ وتنويعٌ لا تفسير مطابق له، بل هي جزءٌ من أجزائه، وحقيقتُه الجامعةُ ما تقدم، والله أعلم"
[14].

 

الفقرة الثالثة: جاء ذِكْرُ الصراط المستقيم في عدة مواضع على غير ما هو مقصود به في سورة الفاتحة، منها:

• قوله تعالى: ﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [هود: 56]؛ فمعناه: "إنَّ ربي على طريق الحق، يجازي المحسنَ من خَلْقه بإحسانِه والمسيءَ بإساءته، لا يظلِم أحدًا منهم شيئًا، ولا يقبل منهم إلاَّ الإسلام والإيمان به"[15].


• وكذا قوله تعالى: ﴿ قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [الحجر: 41]؛ فمعناه: "هذا طريق إليَّ مستقيم، أي: هذا طريق مرجعه إليَّ، فأُجازي كلاًّ بأعمالهم"
[16].


• وكذا قوله تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [النحل: 76]؛ والمعنى: "وهو - مع أمره بالعدل - على طريق من الحقِّ في دعائه إلى العدل، وأمرُهُ به مستقيمٌ، لا يَعْوَجُّ عن الحقِّ ولا يزول عنه"
[17].


الفقرة الرابعة: الصراط جاء ذِكْرُه في القرآن على عدة أشكال:

1) معرَّفًا بأل - كما في سورة الفاتحة هنا -:

وهذا يفيد التقييدَ وليس الإطلاق والعموم، وعليه فإنَّه لا يُقبل عند الله أيُّ عملٍ وأيُّ سبيلٍ؛ وإنَّما ما كان موصوفًا معروفًا مأمورًا به؛ قد دلَّت عليه الشريعة.


وكذلك يُستفاد التعريف أيضًا من الإضافة إلى المعرفة في قوله تعالى:
﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7].


قال ابن القيم رحمه الله: "وذكر الصراط المستقيم مُفردًا مُعرَّفًا تعريفين: تعريفًا باللام، وتعريفًا بالإضافة، وذلك يُفيد تعيُّنَه واختصاصه، وأنه صراطٌ واحدٌ، وأمَّا طُرُقُ أهلِ الغضب والضلال، فإنه سبحانه يجمعها ويُفردها، كقوله: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: 153]، فوَحَّدَ لفظَ الصراط وسبيله، وجمع السُّبُلَ المخالفة له"
[18].


2) موصوفًا بالاستقامة - كما في سورة الفاتحة هنا -:

وكقوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153][19].


وهذا يفيد عدمَ الاعوجاج والانحرافِ، فهو واضحٌ، غيرُ متضارب، وهو أقربُ الطرق إلى الحقِّ؛ لاستقامته؛ فأقصر الخطوط هو الخطُّ المستقيم
[20].


ولتمام الفائدة: إنْ قيل: ما وَجه تقييد الصراط بالاستقامة إذا كان هو أصلاً من معانيه الاستقامة؟
والجواب: أنَّ الصفة تكون أحيانًا صفة مقيدة، وتكون أحيانًا صفة موضِّحة كاشفة - كما هو الحال هنا -، والغاية منها بيانُ العلَّة في الأمر أو الحكم، يعني: اتَّبعوا الصراطَ؛ لكونه مستقيمًا لا اعوجاج فيه.


ومثال الصفَّة الموضِّحة الكاشفة: قولُه تعالى:
﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المؤمنون: 117]، فليس معنى: ﴿ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ ﴾ أنه إنْ كان له برهانٌ به فجائز! ولكنَّ المعنى: أنَّ أيَّ شيء غير الله ليس له برهانٌ للعبادة، فهي علَّةُ التوحيد لرب العالمين سبحانه وتعالى.


3) ذُكِرَ بالإفراد، مما يدل أنه واحد فقط:

وقد سبق كلامُ ابن القيم رحمه الله في ذلك عند ذِكْرِ تعريف الصراط باللام.


4) أهلُه همُ الذين أنعم اللهُ عليهم خصوصًا[21] - كما في سورة الفاتحة هنا -:

وهذا يفيد العنايةَ به من جهة الحرصِ على معرفته والتزامه؛ كي يكون العبدُ من أهل النعيم.


قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 69، 70].


وقال الشيخ العلاَّمة صديق حسن خان القنوجي رحمه الله: "وفيه الإشارةُ إلى الاقتداء بالسلف الصالح"
[22].


5) أنَّ الهدايةَ إليه متعلقةٌ بمشيئة الله تعالى:

وهذا يفيد تعلُّقَ العبد بربه، وسؤالَه إيَّاه أنْ يهديه هذا الصراط.

 

قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة: 142].


وقال أيضًا سبحانه: ﴿ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 29]؛ أي: فمشيئتُهُ نافذةٌ، لا يمكن أنْ تُعارَض أو تُمانَع.


وعلى كلِّ حال؛ فالمعنى: أنَّ المشيئةَ ليست مَوْكولةً إليكم؛ فمن شاء اهتدى ومن شاء ضلَّ! بل ذلك كلُّه تابعٌ لمشيئة الله عزَّ وجلَّ، وفي معنى هذا: الحديثُ القدسيُّ: ((يا عِبَادِي، كلُّكم ضالٌّ إلا مَن هَديتُه، فاسْتَهدُوني أَهدِكُم))
[23].


6) مقيدًا باسم الإشارة (هذا):

ممَّا يفيد الحصرَ بشيءٍ موجود موصوف، فهو إذًا محصورٌ بما كان عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه، قال تعالى: ﴿ وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 126].


7) منسوبًا إلى الرب سبحانه وتعالى:

ممَّا يفيد التشريفَ والرضا، وأنَّ من أحب اللهَ تعالى فعليه التزامُه.


قال تعالى: ﴿ وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 126].


"والصراط تارةً يُضاف إلى الله؛ إذ هو الذي شرعه ونصبه، كقوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا ﴾ [الأنعام: 153]، وقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ ﴾ [الشورى: 52، 53]، وتارة يُضاف إلى العباد كما في الفاتحة؛ لكونهم أهلَ سُلُوكِه، وهو المنسوب لهم، وهم المارُّون عليه"
[24].


8) متعلقًا بالتوحيد:

فهو أصله الأصيل.
قال تعالى - عن عيسى صلى الله عليه وسلم -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [آل عمران: 51].


9) الاعتصامُ بالله تعالى سببُ الهداية إليه:

و"الاعتصام بالله: التمسُّكُ بعهده وميثاقِه الذي عهد في كتابه إلى خلقه؛ من طاعته وتركِ معصيته"[25].


قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [آل عمران: 101].


وكقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء: 66 - 68].


وكقوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء: 175].


10) أنَّ اللهَ تعالى جعله دينًا قيمًا ملَّة إبراهيم حنيفًا:

والمعنى أنه دين مستقيم لا عِوجَ فيه، وهو ملَّة إبراهيم، مائلاً عن الشِّرك.


قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 161].


11) أنَّ إبليسَ يتربَّصُ للإنسان عليه كي يضلَّه عنه:

فوجب إذًا على العبد التمسكُ به والتزامُه، والحذرُ من مكايد الشيطان في الصَّدِّ عنه.


قال تعالى - عن إبليس -: ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الأعراف: 16].


وقال تعالى: ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الزخرف: 43].


بل إنَّ إبليسَ رنَّ لها رنَّةً حين أُنزلت - أي: الفاتحة - كما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه: "رَنَّ إبليسُ حين أُنزلَت فاتِحةُ الكتاب"
[26].


ومثلُه له حكمُ الرفع؛ فإنه مما لا يقال بالرأي.


12) أنه هو الهدي النبويُّ:

فما دعا إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم هو الصراط المستقيم.


قال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾ [المؤمنون: 73، 74].


وكقوله تعالى: ﴿ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [يس: 3، 4].


وكقوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52].


13) نسبه سبحانه إلى نفسه بوصف العزيز الحميد:

وتخصيص الوصفين فيه تنبيهٌ على أنه "لا يذِلُّ سالكُه، ولا يخيبُ سابلُه"[27]، فالله بعزته يُعِزُّ من التَزم صراطَه، وبحمده يُصيرُ مَنِ التزم صراطَه محمودًا؛ لصحَّة ما فعل.


قال تعالى: ﴿ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1]؛ قال الشيخ السعدي رحمه الله: "وفي ذكر ﴿ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ بعد ذكرِ الصِّراط الموصل إليه إشارةٌ إلى أنَّ مَن سلكَه فهو عزيزٌ بعزِّ الله، قويٌ ولو لم يكن له أنصار إلاَّ الله، محمودٌ في أموره، حَسَنُ العاقبة.


وليدلَّ ذلك على أنَّ صراطَ الله مِن أكبر الأدلة على ما لله من صفات الكمال ونعوت الجلال، وأنَّ الذي نصَبَه لعباده عزيزُ السلطان، حميدٌ في أقواله وأفعاله وأحكامه"
[28].


ولتمام الفائدة - في هذا الموضع -:
قال العلاَّمةُ السعديُّ رحمه الله: "القاعدةُ التاسعةَ عشرةَ: الأسماء الحسنى في ختم الآيات: يختم اللهُ الآياتِ بأسماء الله الحُسنى؛ ليدلَّ على أنَّ الحُكْمَ المذكورَ له تعلُّقٌ بذلك الاسم الكريم.


وهذه القاعدةُ لطيفةٌ نافعة، عليك بتتبُّعها في جميع الآيات المختومةِ بها؛ تجدها في غايةِ المناسبَة، وتدلك على أنَّ الشرع والأمرَ والخلقَ كلَّه صادرٌ عن أسمائه وصفاته ومرتبطٌ بها.


وهذا بابٌ عظيم في معرفة الله ومعرفة أحكامه، وهو من أجَلِّ المعارف وأشرفِ العلوم، فتجد آيةَ الرحمة مختومةً بصفات الرحمة، وآيات العقوبة والعذاب مختومة بأسماء العزَّة والقدرة والحكمة والعلم والقهر"
[29].


وتتميمًا لوصف الصراط؛ فقد جاء في السُّنَّة النبوية حديثُ ابن مسعود رضي الله عنه في الصراط، وهو:
"خطَّ لنا رسولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم خطًّا، ثُم قال: ((هذا سبيلُ الله))، ثُمَّ خطَّ خُطُوطًا عن يمينه وعن شماله، ثُمَّ قال: ((هذه سُبُلٌ - قال يزيدُ: مُتفرِّقةٌ - على كل سبيلٍ منها شيطانٌ يدْعُو إليه))، ثُم قرأ: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: 153]"
[30].


وفيه الإشارةُ إلى:
14) أنَّ هذا الصراط هو الوسطُ بينهما؛ بين الإفراط والتفريط:

ووجه ذلك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَل عن يمينه وعن شماله خطوطًا، وهي الانحراف عنه يَمنةً ويَسرة، وكما قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143].


15) أنَّ هناك سُبلاً على جنبتي الصراط تفرِّقُ عنه، ولكل سبيل منها شيطانٌ يدعو إليها؛ فيزين الانحرافَ عن الصراط المستقيم - كما هو شأنُ عامة أهل الأهواء والبدع في تزيين باطلهم -:

وفي هذا بيانُ أهمية التزام الحقِّ والهدي النبوي، وأن لا يغترَّ المسلمُ بالدعاوى إلى أيِّ طريقٍ منها - وإنْ زخرفهَا أهلُها بالدعاوى الحسنة - ما دام أنها لم توافق الهدي النبويَّ؛ وذلك لأنَّ صراطَ الله هو الصراطُ المستقيمُ الذي لا أقصر منه، ولا ينجي غيرُه[31].


وتأمَّل قولَه تعالى - في معرض استعجال رؤية النتائج -: ﴿ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ * فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 41 - 44].


الفقرة الخامسة: الصراطُ المستقيمُ في الدنيا يحاكي الصراطَ على ظهر جهنم:

قال ابن القيم رحمه الله: "وللهداية مرتبةٌ أخرى - وهي آخرُ مراتبها - وهي الهدايةُ يوم القيامة إلى طريق الجنة، وهو الصراطُ المُوصل إليها، فمن هُدِيَ في هذه الدار إلى صراط اللهِ المستقيم الذي أرسلَ به رسلَه، وأنزل به كتبَه، هُديَ هناك إلى الصراط المستقيمِ، الموصل إلى جنته ودارِ ثوابه، وعلى قَدْرِ ثُبوتِ قَدَمِ العبد على هذا الصراط الذي نصبه اللهُ لعباده في هذه الدار، يكونُ ثبوتُ قدمِه على الصراط المنصوبِ على متن جهنم، وعلى قَدْرِ سيْرِه على هذا الصراط، يكون سيرُه على ذاك الصراط.


فمنهم مَن يمُرُّ كالبرق، ومنهم مَن يمُرُّ كالطرْفِ، ومنهم مَن يمُرُّ كالريح، ومنهم مَن يمُرُّ كشدِّ الركاب، ومنهم مَن يسعى سعيًا، ومنهم مَن يمشي مشيًا، ومنهم مَن يحبو حبوًا، ومنهم المخدوش المسَلَّم، ومنهم المُكردس في النار.


فلينظر العبدُ سيرَه على ذلك الصراط مِن سيره على هذا، حذو القُذَّةِ بالقُذَّةِ[32]، جزاءً وفاقًا ﴿ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النمل: 90].


ولينظرِ الشبهات والشهوات التي تَعوقُه عن سيرِه على هذا الصراط المستقيم؛ فإنها الكلاليبُ التي بجنبتَي ذاك الصراط تخطفه وتعوقه عن المرور عليه؛ فإن كثُرَت هنا وقويَت، فكذلك هي هناك ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46]، فسؤالُ الهداية متضمِّن لحصول كلِّ خير، والسلامةِ من كل شرٍّ"[33].


تمَّ المطلوب بحوله تعالى وقوته وفضله.


وأخيرًا أسأل اللهَ تعالى إجابتي دعوة كدعوة سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ﴾ [إبراهيم: 40، 41].


والحمد لله رب العالمين.



[1] معظم تحقيق الحديث في هذا الكتاب هو من مصنَّفات الإمام المحدِّث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى.

[2] وهذا الشرح هو جزءٌ من كتاب لي - شارَف على الانتهاء بفضل الله - يتناول تفسيرَ سورة الفاتحة بتوسُّع مفيد؛ سميتُه: (أُمُّ الكِتَاب: فَوَائِدُ وَآدَاب)، وقد رأيت أنْ تكون هذه المقالةُ المفردة مستقلَّة وحدها؛ لأهميتها وندرة من بحث فيها - فيما علمت.

[3] والطريق عمومًا لا يقتضي السهولة؛ انظر الفروق اللغوية للعسكري (298/1).
وقال في القاموس المحيط (ص675): "الصِّراطُ - بالكسر - : الطريقُ، وجِسْرٌ مَمْدُودٌ على متْنِ جَهَنَّمَ".

[4] لسان العرب (7/ 313).

[5] الكليات؛ لأبي البقاء الكفوي (ص513) رحمه الله.

[6] تفسير الطبري (17/ 174).

[7] تفسير الطبري (1/ 170).

[8] بدائع الفوائد (2/ 16).

[9] مدارج السالكين (1/ 33).

[10] تفسير الطبري (1/ 171).

[11] انظر تفسير الطبري (1/ 171).

[12] نقلًا من تفسير الطبري (1/ 171 - 176) بحذف يسير.

[13] صحيح؛ مسند أحمد (17634)، صحيح الجامع (3887).

[14] بدائع الفوائد (40/ 2).

[15] تفسير الطبري (15/ 364).

[16] تفسير الطبري (17/ 103)، باختصار يسير.

[17] تفسير الطبري (17/ 262).

[18] مدارج السالكين (37/ 1).

[19] وسيأتي معنا بعد قليل حديثُ ابن مسعود الذي فيه ذِكْرُ هذه الآية.

[20] طبعًا لا يلزم من قولنا: (أقرب) تصحيحُ ما عداه من الطرق، وإنما هو من باب الإفهام والتوضيح، فالعرب تستخدم أفعل التفضيل فيما ليس في الطرف الآخر مشارِك له من جنسه.

[21] والتخصيص هنا لقيد الرضا عنهم، وليس المقصودُ عمومَ النِّعَم بالمال والصحة والبنين - كحال المغضوب عليهم والضالين.

[22] فتح البيان في مقاصد القرآن (1/ 52).

[23] صحيح مسلم (2577)؛ عن أبي ذرٍّ مرفوعًا.

[24] مدارج السالكين (1/ 34).

[25] تفسير الطبري (9/ 341).

[26] صحيح؛ معجم ابن الأعرابي (2301)، صحَّح إسنادَه الشيخ الفاضل محمد بن رزق بن طرهوني في موسوعة فضائل سور وآيات القرآن (27/ 1).

[27] تفسير البيضاوي (3/ 192).

[28] تفسير السعدي (ص421).

[29] القواعد الحسان لتفسير القرآن (ص53).

[30] صحيح؛ مسند أحمد (4142)، التعليقات الحِسَان (146/ 1).

[31] وقد كان بعض علمائنا الأكابر يروي الحديثَ بزيادة (خطوطًا قصيرة) - يعني في وصف الخطوط التي على جنبتي الصراط - ويَستدل بها على أنَّ الصراطَ المستقيمَ هنا طويلٌ، وعليه فلا بد من الصبر...، إلى آخر كلامه النافع رحمه الله.
إلَّا أنني - من باب الأمانة العلمية - لم أعثر في روايات الحديث على ما يدلُّ على هذا القِصَر، ولعلَّ الفائدة تكون أكبرُ في الاستدلال بكون الصراط المستقيم لا يلزم أنْ يكون أطول أصلًا من غيره، بل لكونه مستقيمًا فلا بد أنْ يكون هو الأقصر، فأقصرُ الخطوط هو الخط المستقيم كما هو معلوم، والله أعلم.

[32] "القُذَذُ: رِيشُ السَّهْمِ، وَاحِدَتُهَا: قُذَّة، وَمِنْهُ الحَدِيثُ: ((لتركَبُنَّ سَنَن مَن كَان قبلَكُم حَذْوَ القُذَّةِ بِالقُذَّةِ))؛ أَي: كَمَا تُقَدَّرُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى قَدْرِ صَاحِبَتِهَا وتُقْطَع، يُضرَبُ مثَلًا للشيئَينِ يَسْتَوِيَانِ ولا يَتَفَاوَتَانِ"؛ النهاية في غريب الحديث والأثر (28/ 4).

[33] مدارج السالكين (1/ 33).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإسلام يدعو إلى الصراط المستقيم
  • تفسير: ( اهدنا الصراط المستقيم )
  • الثبات على الصراط المستقيم
  • الصراط المنصوب على ظهر جهنم (خطبة)
  • الصراط المستقيم والأمة الوسط

مختارات من الشبكة

  • المنهج القويم في اختصار اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية (PDF)(كتاب - موقع الشيخ علي بن محمد العمران)
  • التمسك بالطريق القويم والصراط المستقيم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المختصر المفيد لنظم مقدمة التجويد: (مختصر من نظم "المقدمة" للإمام الجزري) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الصراط المستقيم إلى معاني بسم الله الرحمن الرحيم(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • من فقه القيام: 60 مسألة في أحكام القيام (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • فضل قيام الليل (قيام الليل يجعلك من الصالحين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدين القويم (قصيدة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • فضل قيام ليلة القدر وقيام رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • المنهج الرباني القويم في التعامل مع القرآن الكريم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القيام للثالثة ناسيا في قيام الليل(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 14:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب