تغريدات ربيع الأدب (4)

تغريدات ربيع الأدب (4)

• يا طلاب العلم والأدب، دونكم نصيحةَ شاب ثلاثيني عاش أجمل أيامه في أحضان الكتب، نصيحة لا يريد من ورائها جزاء ولا شكورًا: ادفعوا عنكم الكسل والخمول وأنتم تقرؤون وتطالعون الكتب والرسائل والمجلات، واتخذوا كراسة لكل فن من الفنون؛ لتسجيل الفوائد والفرائد التي تعرض لكم، فمع مرور الأيام وتعاقب الليالي ستجدون ثمرات هذه الفوائد، وقد ترتبونها وتهذبونها وتطبعونها بين دفتي كتاب، ويستفيد منها غيركم؛ كما فعل كثير من أهل العلم والأدب قديمًا وحديثًا!

• قال لي أحد أصدقائي: من أين لك بكل هذه السوانح، والخواطر، والأفكار التي تكتبها بشكل يومي؟!

فقلت له بعدما أزحت عن صدري رواية (عشت لأروي): بأربعة أشياء!

فقال لي: ممكن أعرف ما هي لعلّي أقتدي بك؟

فقلت له هي كما يلي: توفيق من الله، وصدق مع النفس، وإدمان النظر في الكتب والمصنفات المختلفة، وكثرة التأمل في الحياة والتقاط كل صغيرة وكبيرة فيها بعين فاحصة متدبرة!

• قرأت رواية (ماجدولين) ثلاث مرات خلال سنوات، وكل مرة أخرج منها مكبَّلاً بالحزن، مقيَّدًا بالكآبة، وعلى وجهي مسحة من الضياع، حتى يخيَّل للناظر إليَّ أن ماجدولين حبيبتي (أنا) وليست حبيبة استيفن!

• رواية (أميرة الجبل) لنجيب الكيلاني قرأتها قبل ثلاث سنوات؛ فأعجبتني، وصدتني عن كثير من الكتب حينها، وهذه الأيام أفكر في إعادة قراءتها، لكن كتاب (الأعلام) منعني وقيدني فكنت كما قال أبو الطيب:

وقيَّدت نفسي في ذراك محبة ومن وجد الإحسان قيدًا تقيَّدَا

• حين تدركك حرفة الأدب سيكون لك موعد مع الفقر والعوز! فلا تكن أديبًا في زمن قلة الأدب! وصدق ابن بسام: (حامل الأدب أضيع من قمر الشتاء، وقيمة كل أحد ماله، وأسوة كل بلد جهاله، حسب المرء أن يسلم وفره وإن ثلم قدره، وأن تكثر فضته وذهبه، وإن قل دينه وحسبه)!

• أول كتيب اقتنيته وأنا في ميعة الصبا (أقوال وحكم) لا أذكر مؤلفه، اقتنيته بثلاثة دراهم - إن لم تخني الذاكرة - فكنت أقرؤه باهتمام، وأحفظ منه ما يعجب طفولتي ويستسيغه عقلي الصغير، وهذه الأمثال الأربعة مازالت راسخة في عقلي منذ ذلك الحين:

• الطيور على أشكالها تقع!

• الكلاب النابحة نادرًا ما تعض!

• عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة!

• من جدَّ وجد ومن زرع حصد!

• أعرضت عن قراءة جرائدنا الوطنية اليومية لمدة شهر، فازداد وزني، وقلَّ انفعالي، وتلاشى حزني واكتئابي!

• لسان العرب لابن منظور الإفريقي جنة من الجنان، وروضة من الرياض، وحديقة من الحدائق الغنَّاء، من يدخل إليها، ويتشرف بزيارتها، لا أظنه سيخرج منها إلا كلفًا محبًّا عاشقًا لأشجار الضاد الوارفة الظلال، التي تغرد فوق أغصانها عصافير العرب الأقحاح الأصلاء!

• الكتابة حياة لا يهتدي إلى فَهم أسرارها إلا المصطفون من محبي القراءة وعُشَّاقها!

• كتب التراجم والسير: مليئة بالغيبة والنميمة، لكنها محمودة!

• من مسكّنات ومهدئات بعض العشاق الذين يكون الطريق أمام حبهم مسدودًا، والسبيل إلى اللقاء مستحيلاً، قول مجنون بني عامر:

وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنَّان كل الظن أن لا تلاقيا!

• حين يسطر المحب رسالة وداع، ويختمها بقوله: وداعًا يا أغلى الناس! وداعًا يا من كنت لقلبي نبراسًا، ومصباحًا منيرًا، ولأيامي شمسًا مشرقة دافئة، لن أنساك ما حييت! سامحيني إن أسأت إليك بلا قصد مني! حين يقول هذا أو ما شابهه! فاعلم أنه يتعمد دَغْدغة عواطف تلك الأنثى الرقيقة التي لا تقوى على سماع مثل هذه الكلمات؛ لتقول له - وعيناها مغرورقتان بالدموع -: لا ترحل يا حبيبي، مستحيل العيش بدونك، ابقَ بقربي أرجوك ...!

• قالت لي: اكتبني في سطور معدودة بعد معرفتك بي!

فكتبت: أعرف أنك فتاة صغيرة في السن، كبيرة في العقل، رقيقة القلب، فسيحة الوجدان، لك خيال لا تدركه الأبصار، ترفلين في ثياب من سعادة غامضة، تنتظرين قدومها على فرس أشهل، يزفُّك إلى فارس أحلامك الذي يقتسم معك ما تبقَّى لك من أفكار خرافية الهوى، في هذه السنوات العجاف التي قضيتها وحيدة قرب البحر والصخر، على عتبة الأحلام والذكريات ...والسلام!

• من مميزات المطر: تنظيف الشوارع من البشر فتصير خالية، شاعرية بامتياز؛ لذلك أروم التجول فيها ليلاً بعد انقطاع القطر؛ لأعيش هذه اللحظات بروحي وعقلي ووجداني، مستلهمًا منها بعض أفكاري وخواطري رغم انكسارها!

• سأرتب أوراقي، وأهذِّب أخلاقي، وأملأ معطفي بعطر باريسي الهوى، وأنظف أسناني، وأرتدي أجمل ما أملك من حروف وكلمات، ثم أذهب إلى هناك لأتشبع بما لم أعطَ ... ولن أكون ربيعًا منذ اليوم، بل سأكون متعدد الأقنعة والوجوه والفصول؛ لعل القوم يرضون عني وعن النفاق الاجتماعي الذي أنا في ضيافته ابتداء من الغد!

• زرت رجلاً من العائلة قبل أشهر، اغتنى بعد فقر فلم يعرني أدنى اهتمام، فانصرفت عنه غير مأسوف عليه، ثم في طريق عودتي إلى بلدي عرجت على صديق فقير مُعْوِز، فلما رآني كاد يخرج من إهابه فرحًا، وعانقني بشدة حتى كاد جسمي النحيل يتلاشى بين ذراعيه، ثم أقسم أن أنفق الليل في صحبته، ففعلت، فكانت ليلة من أروع الليالي!

• إذا كنت منصرفًا عن اللهو والعبث؛ قالبًا للموبقات ظهر المجن، فلا تعتقد أن ذلك بإرادتك وقدرتك، مستخفًّا بغيرك من العصاة، لكنها رحمة من الله أدركتك لأسباب لا نعلمها، منَّ عليك بها؛ فاحمده، واسجد، واقترب، واخفض جناحك لإخوانك من المذنبين! وادعُ لهم بالهداية عند شروق الشمس وعند الغروب!

• ما أقسى الأيامَ حين تتشابه على إنسان لا يمارس شيئًا في الحياة سوى القيل والقال، وكثرة السؤال، وتمديد الأرجل في المقاهي والطرقات؛ لتوزيع النظرات على مفاتن النساء المتبرجات، كأنه الضلال بن السبهلل!

• في مثل هذه الأيام من سنة 1980م كانت الكارثة! حين قذفني رَحِمُ أمي إلى هذه الدنيا الظالم أهلها، يا لَبشاعتها، تاريخها مؤسف حقًّا!

• هذه الأيام تنبعث من أحلامي رائحة كريهة كرائحة الفقر والضياع، كلما جنح الليل، وغشيني النعاس، وأحدقت بي الهموم!

• يقول أصحاب المبالغة في التفاؤل: أجمل الأيام لم تأتِ بعد! وأنا أقول: الأيام الجميلة ماتت بموت جدتي الحنون، ودفنت معها في حفرة ضاحكة من تزاحم الأضداد!

• في زمن الجاهلية نادرًا ما تجد الرجل يموت موتًا طبيعيًّا، أو على فراش المرض، بل كانوا أحد رجلين: (قاتل أو مقتول)، وعلى أتفه الأسباب!

ألم أقل لكم: إن تاريخ البشرية مؤسف؟!

• نحن في زمن قد يحترمك الإنسان لأن لك لباسًا فاخرًا - ولو كنت أبا جهل وأبا لهب! - وقد تسقط من عينيه؛ لأنه رأى إصبع رجلك الكبير يطل من جوربك المثقوب!

• لو كانوا يحبون العربية الفصحى كما يدّعون ويزعمون لما (دردشوا) بالعامية مع أصدقائهم وخلّانهم في مواقع التواصل!

• نفسك إن لم تشغلها بالحب شغلتك بالكراهية!

• قالت لي بعدما تأكد لديها أنني ابن ثلاثة عقود ونيّف: كتاباتك أكبر من سنك!