• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم حديث
علامة باركود

ضمن جولة في صحيح مسلم: إتحاف الحاج الغابر بفوائد حديث جابر

الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/11/2009 ميلادي - 30/11/1430 هجري

الزيارات: 34373

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إتحاف الحاج الغابر بفوائد حديث جابر
شرح صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم
((ضمن سلسلة شرح صحيح مسلم))

 

عن جابرِ بنِ عبدالله رضي الله عنهما قال: إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذَّن في الناس في العاشرة: أنَّ رسولَ الله حاجٌّ، فقدم المدينةَ بشرٌ كثير، كلهم يلتمس أنْ يأتمَّ برسول الله، ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه، حتى أتينا ذا الحُلَيْفَة، فولدت أسماء بنت عميس محمدَ بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كيف أصنع؟ قال: ((اغتسلي، واستثفري بثوب وأحرمي))، فصلى رسولُ الله في المسجد، ثم ركب القصواء، حتى إذا استوت به ناقتُه على البيداء، نظرتُ إلى مَدِّ بصري بين يديه، من راكب وماشٍ، وعن يَمينه مثل ذلك، وعن يَساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله.

 

وما عَمِلَ به من شيء عَمِلْنَا به، فَأَهَلَّ بالتوحيد: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنَّ الحمدَ والنعمة لك والملك، لا شريك لك))، وَأَهَلَّ الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يَرُدَّ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عليهم شيئًا منه، ولزم رسول الله تلبيته، قال جابر رضي الله عنه: لسنا ننوي إلا الحجَّ، لسنا نعرف العمرة.

حتى إذا أتينا البيتَ معه، استلم الركن، فرَمَل ثلاثًا، ومشى أربعًا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السَّلام فقرأ: ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ [البقرة: 125]، فجعل المقام بينه وبين البيت، يقرأ في الركعتين: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، و﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ [الكافرون: 1]، ثم رجع إلى الرُّكن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصَّفا، قرأ: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 158]، ((أبدأ بما بدأ الله به)).

فبدأ بالصفا، فَرِقَيَ عليه، حتى رأى البيتَ فاستقبل القبلة، فوحد الله، وكبره، وقال: ((لا إله إلا الله وحْده لا شريكَ له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحْدَه، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده))، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هـذا ثلاثَ مَرَّاتٍ، ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صَعِدَتَا مَشَى، حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصَّفا، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة، فقال: ((لو أنِّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أَسُقِ الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هَدْيٌ، فليَحِلَّ، وليجعلها عمرة))، فقام سُراقةُ بنُ مالك بن جُعْشُم، فقال: يا رسولَ الله، ألِعَامِنَا هذا أم لأَبَدٍ؟ فشَبَّك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أصابعه واحدة في الأخرى، وقال: ((دخلتِ العمرة في الحجِّ)) مَرَّتين، ((لا، بل لأبدٍ أَبَدٍ)).

وقدم عليٌّ رضي الله عنه من اليمن ببُدْنِ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فوجد فاطمةَ رضي الله عنها ممن حَلَّ، ولبست ثيابًا صبيغًا، واكتحلت، فأنكر ذلك، عليها، فقالت: إنَّ أبي أمرني بهذا، قال: فكان عليٌّ يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مُحَرِّشًا على فاطمة للذي صنعت، مُستفتيًا لرسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيما ذَكَرَت عنه.

فأخبرته أنِّي أنكرت ذلك عليها، فقال: ((صَدَقَتْ صَدَقَتْ، ماذا قلتَ حين فرضتَ الحجَّ؟))، قال قلت: اللهم إنِّي أُهِلُّ بما أَهَلَّ به رسولُك، قال: ((فإنَّ مَعِيَ الهديَ فلا تَحِلَّ))، قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن، والذي أتى به النبي مائة، قال: فحَلَّ الناسُ كلهم وقَصَّروا، إلاَّ النبي ومن كان معه هدي.

فلما كان يوم التروية، توجَّهوا إلى منى، فأهلوا بالحج يوم التروية، وركب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثُمَّ مكث قليلاً حتى طلعتِ الشمس، وأمر بقُبَّةٍ من شَعَرٍ تُضْرَب له بنَمِرَة، فسار رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولا تشكُّ قريشٌ إلا أنه واقف عند الْمَشْعَرِ الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية.

فأجاز رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى أتى عرفة، فوجد القُبَّةَ قد ضربت له بنَمِرَة، فنَزَل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقَصْوَاء، فرحلت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس، وقال: ((إنَّ دماءَكم وأموالَكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كلُّ شيء من أمر الجاهلية تحت قدميَّ موضوع، ودِمَاء الجاهلية مَوضوعة، وإنَّ أولَ دمٍ أضعُ من دمائنا دمُ ابن ربيعة بن الحارث، كان مُسترضِعًا في بني سعد، فقتلته هذيل، ورِبَا الجاهلية موضوع، وأول رِبًا أضع رِبَانَا رِبَا عباس بن عبدالمطلب، فإنَّه موضوعٌ كله.

فاتقوا الله في النِّساء، فإنَّكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجَهُنَّ بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مُبَرِّحٍ، ولهن عليكم رزقُهن وكسوتُهن بالمعروف.

وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إنِ اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تُسْأَلون عني، فما أنتم قائلون؟، قالوا: نشهد أنَّك قد بلغت وأدَّيت ونصحت، فقال بإصْبَعه السَّبَّابة، يرفعها إلى السماء، ويَنكُتُها إلى الناس: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد))، ثلاث مرات، ثم أذَّن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصلِّ بينهما شيئًا، ثم ركب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفًا حتى غَرَبَتِ الشمسُ، وذهبت الصُّفرة قليلاً حتى غاب القُرص، وأردف أسامةَ خلفه، ودفع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقد شَنَقَ للقصواء الزِّمَامَ، حتى إن رأسَها ليصيب مَوْرِك رحله، ويقول بيده اليمنى: ((أيُّها الناس، السَّكِينةَ، السكينة))، كلما أتى حَبْلاً من الحِبَال أرْخَى لها قليلاً، حتى تَصْعَدَ.

حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامَتين، ولم يسبح بينهما شيئًا، ثم اضطجع رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى طلع الفجر، وصلى الفجر، حين تبين له الصُّبح، بأذان وإقامة، ثم ركب القَصْواء، حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القِبلة، فدعاه وكبره وهلَّله ووَحَّده، فلم يزل واقفًا حتى أَسْفَر جدًّا، فدفع قبل أن تطلع الشمس.

وأردفَ الفضل بن عباس رضي الله عنه وكان رجلاً حسن الشعر أبيضَ وسيمًا، فلما دَفَع رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مرت به ظُعُنٌ يَجرين، فطَفِقَ الفضلُ ينظر إليهن، فوضع رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يده على وجه الفضل، فحول الفضلُ وجهَه إلى الشق الآخر ينظر، فحول رسول الله يده من الشق الآخر على وجه الفضل، يصرف وجهه من الشق الآخر ينظر، حتى أتى بَطْنَ مُحَسِّر، فحَرَّكَ قليلاً.

ثُمَّ سلك الطريقَ الوُسطى التي تَخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات، يكبِّر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخَذْفِ، رمى من بطن الوادي، وفي رواية: رأيتُ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يرمي على راحلته يوم النَّحر، ويقول: ((لتأخذوا مناسِكَكم، فإنِّي لا أدري لعلِّي لا أحج بعد حَجَّتِي هذه))، ثم انصرف إلى الْمَنْحَرِ، فنحر ثلاثًا وستين بيده، ثم أعطى عليًّا، فنحر ما غبر، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بَدَنَةٍ ببَضْعَةٍ، فجعلت في قدر، فطبخت، فأَكَلاَ من لحمها وشَرِبَا من مَرَقِهَا.

ثم ركب رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبدالمطلب يسقون على زمزم، فقال: ((انزِعُوا بني عَبْدِالْمُطَّلِب، فلولا أن يَغْلِبَكم الناسُ على سِقَايَتِكم لَنَزَعْت معكم))، فناولوه دَلْوًا، فشرب منه.رواه مسلم. 

تخريج الحديث:

الحديث أخرجه مسلم، "حديث (1218)"، وانفرد به عن البخاري، وأخرجه أبو داود في "كتاب المناسك"، باب صفة حجة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم "حديث (1905)"، وأخرجه ابن ماجه في "كتاب المناسك"، باب حجة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم "حديث (3074)".

الكلام على الحديث من عدة وجوه:
حديث جابر يُعَدُّ منسكًا مستقلاًّ، فهو حديث شامل لأكثر ما ورد في حجة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لا كل أحداث حجته صلَّى الله عليه وسلَّم ولكن أكثرها؛ لأنَّ هناك أحكامًا أخرى جاءت في أحاديث أُخَر، وأيضًا لهذا الحديث روايات عند غير مُسلم، هي متمِّمة لرواية مسلم.

ولعظم هذا الحديث، فقد صنَّف العلماءُ فيه مصنفاتٍ، يَصفون من خلاله حَجَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ومن أواخر مَن صنف فيه الشيخُ الألباني رحمه الله في كتابٍ اسمه "حجة النبي"، جمع فيه جميعَ رواياتِ الحديث، واصفًا حَجَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من خروجه من المدينة إلى رجوعه.

 

وفي حديث جابر رضي الله عنه فوائدُ وإشاراتٌ سنذكرها في شرح الحديث، الذي سنعرضه وفقًا لعرض الأيام التي كانت في حَجِّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.

أولاً: أيَّام انطلاقه صلَّى الله عليه وسلَّم مرورًا بالميقات، حتى وصل مكة (9 أيام):

ففي الصَّحيحين من حديث عائشة، قالت: "خرجنا مع رسولِ الله لخمس بقين من ذي القعدة".

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه عند البُخاري: "إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قدم مكة وأصحابه صبح رابعة يلبُّون بالحج".

 

وهذا يدُلُّ على أنَّ خروجَهم من المدينة كان في خمس وعشرين من ذي القعدة، وكان دُخُولهم إلى مكة صبحَ الرابع من ذي الحجة، فهذه تسعة أيَّام هي مسيره صلَّى الله عليه وسلَّم بات ليلةً بذي الحُلَيْفَة (الميقات)، وثمانِيَ ليالٍ قضاها في طريقه، كان الخروج يومَ السبت، ودخولُ مكة يومَ الأحد، والوقوف بعرفة يوم الجمعة؛ انظر: "زاد المعاد (2 / 102)"، وانظر: "حجة الوداع"، لابن حزم ص(10 - 13)".

 

نعود إلى سياق الحديث:
قال جابر رضي الله عنه: "إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذَّن في الناس في العاشرة: أنَّ رسولَ الله حاجٌّ، فقدم المدينةَ بشرٌ كثير، كلهم يلتمس أنْ يأتم برسول الله، ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه، حتى أتينا ذا الحُلَيْفَة، فولدت أسماء بنت عميس محمدَ بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كيف أصنع؟ قال: ((اغتسلي، واستثفري بثوب وأحرمي))، فصلى رسولُ الله في المسجد، ثم ركب القصواء، حتى إذا استوت به ناقتُه على البيداء، نظرتُ إلى مَدِّ بصري بين يديه، من راكب وماشٍ، وعن يَمينه مثل ذلك، وعن يَساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله.

وما عَمِلَ به من شيء عَمِلْنَا به، فَأَهَلَّ بالتوحيد: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنَّ الحمدَ والنعمة لك والملك، لا شريك لك))، وَأَهَلَّ الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يَرُدَّ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عليهم شيئًا منه، ولزم رسول الله تلبيته، قال جابر رضي الله عنه: لسنا ننوي إلا الحجَّ، لسنا نعرف العمرة".

فيه عدة فوائد:
الفائدة الأولى: أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مَكَث في المدينة بعد هجرته تسعَ سنين لم يَحج، ثم حج في السنة العاشرة، وهذا ما ذكره جابر في حديث الباب، وفي هذا إشارتان:

الأولى: أنه قبل هذه التسع السنين حَجَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم حينما كان في مكة، وهذا ما ذكره غيرُ واحد من أهل العلم، منهم القرطبي وابن القيم: أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم حج حجة واحدة، حينما كان بمكة، ونَقَلَ القُرطبي رحمه الله الاتِّفاقَ على هذه الحجة، والخلاف: هل حج غيرها حينما كان بمكة أم لا؟ "انظر: المفهم (3/ 322)، حديث (1094)، وزاد المعاد (2/ 102)".

 

ويشهد لذلك ما ثبت في الصَّحيحين من حديث أبي إسحاق، قال: حدثني زيد بن أرقم: "إنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم غزا تسعَ عشرة غزوة، وأنه حَجَّ بعد ما هاجر حجة واحدة لم يحج بعدها حَجَّة الوداع"، قال أبو إسحاق: وبمكة أخرى.
والإشارة الثانية: أنَّ حَجَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من المدينة كان في السنة العاشرة، وهذا دلَّ عليه حديثُ الباب، وأيضًا دلَّ عليه الإجماع؛ قال ابن القيم: "لا خلافَ أنه لم يحج بعد هجرته إلى المدينة سوى حَجَّة واحدة، وهي حجة الوداع، ولا خلاف أنَّها كانت سنة عشر"؛"انظر: زاد المعاد، 2/ 101".

إذًا؛ هاتان الإشارتان دلَّ عليهما الأثر والاتِّفاق كما تقدَّم.

الفائدة الثانية: قول جابر رضي الله عنه: "فقَدِمَ المدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كلهم يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وَيَعْمَلُ مِثْلَ عَمَلِهِ"، وذلك بعد أن أذَّن في الناس يخبرهم بحجه صلَّى الله عليه وسلَّم.

وفي قول جابر إشارتان:
الأولى: تحمُّل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم هؤلاء الخلق الكثير في الحج، وكلُّهم يعلمه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وكان جميعُ أزواجه معه، والناس معهم صبيانهم، وإذا أردت أنْ تتأمل عددهم، فاقرأ وصفَ جابر لهم في حديث الباب، قال: "نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ، مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مثل ذلِكَ، وعن يساره مثل ذلك، وَمِنْ خَلْفِهِ مثل ذلك، وَرَسُولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ، وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ".

 

الثانية: فيه دليل على حرص الصحابة على العلم، وتتبع سنة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم والتَّأسِّي به، ويُؤخذ من هذا أنه يندب لمن أراد أن يسافر - لا سِيَّما أسفار الطاعات - أن يَختار من يعينه على الطاعة من أهل العلم والفضل والصَّلاح، فبحسب صحبتهم يكون حرصه على الطاعة، كما دلَّ على ذلك الواقع.

الفائدة الثالثة: ولادة أسماء بنت عميس رضي الله عنها محمدَ بنَ أبي بكر في ذي الحليفة، وفيها إشارتان:

الأولى: أنَّ في هذا دليلاً على أنَّ النُّفَسَاء لا يَمنعها نِفَاسُها من الإحرام، وكذلك الحائض؛ حيث أمر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أسماء رضي الله عنها بالاغتسال، وأمرها أن تستثفر، والاستثفار: هو أن تشد المرأة على وسطها شيئًا عريضًا، ثم تأخذ خِرْقَةً عريضة تضعها في مَحَلِّ الدَّم وتشدها؛ لئلاَّ يَخرج الدم، ويقوم مقامه ما عند النِّساء اليوم من وسائل حديثة، فتتحفظ النُّفساء، وكذلك الحائض عن خروج الدم وتُحرم.

 

الإشارة الثانية: أنَّه لا يُعرف عن حال أسماء بعد ما أحرمت ماذا صنعت، فلم يأتِ في الأدلة ما بيَّن حالَها بعد ذلك: هل طهرت قبل رجوعهم ثم طافت، أو طافت وهي نفساء للضرورة، أو بقي معها أحد من مَحَارمها حتى طهرت ولحقت بهم؟ كل ذلك محتمل، والله أعلم. 

الفائدة الرابعة: صلاة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في المسجد، ثم ركوبه القصواء، واستواؤها به على البيداء فيه ثلاث إشارات:
الأولى: صلاة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في المسجد إنَّما كانت صلاة الظهر على الصحيح؛ كما دلَّ على ذلك حديثُ ابن عباس رضي الله عنه عند مُسلم، وأن الصواب أنَّه ليس للإحرام ركعتان تَخصُّه، فإنْ وافقَ المحرم صلاة نفل أو فرض، جعل إحرامَه بعدها، وإلاَّ فلا يَخص الإحرام بصلاة، والقول الثاني: إنَّه يُسنُّ للإحرام ركعتان، وبه قال جمهور العلماء مستدلين بصلاة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في هذه الحجة، وتقدَّم الجواب على ذلك، واستدلوا أيضًا بحديث عمر رضي الله عنه عند البخاري، وفيه: ((صَلِّ في هذا الوادي المبارك))، وأجيب بأنَّ المقصود هي صلاة الظهر التي صلاها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.


الثانية: استدل بهذا القول مَن يقول: إنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أهَلَّ من البيداء، وفي المسألة ثلاثة أقوال: قيل: من المسجد، وقيل: من حين استوى على دابَّته وبدأ المسير، وقيل: مِنَ البيداء، وأظهرها - والله أعلم - الأول، والجمع بين الأدلة أنَّ كلَّ مَن نقل نقلاً ما رأى من موضع إهلال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

الإشارة الثالثة: جوازُ تسمية الدَّابة، ولو كان هذا الاسم لا يدل عليها، فالقصواء: بفتح القاف هي النَّاقة التي قُطع طرف أذنِها، وناقة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم تكن مقطوعة الأذن، ولكن لقَّبها به حبًّا، وأيضًا لا بأس من تسمية الدابة أكثر من اسم، قال القرطبي رحمه الله: "قال ابن قتيبة: كانت للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم نوقٌ، منها القصواء، والجدعاء، والعضباء، قال غير واحد: والخرماء، ومخضرمة، وقال: هي كلها أسماء لناقة واحدة؛ "انظر: المفهم، المرجع السابق".

 

وكلها أسماء تدل على قطع في الأذن، والعضباء: هي التي جاوز القطع فيها الربع؛ قال النووي رحمه الله: "قال أبو عبيد: العضباء اسم لناقة النبي، ولم تسمَّ لذلك لشيء أصابها"؛ "انظر: شرحه لمسلم، حديث: 1218".

الفائدة الخامسة:
قول جابر: "وما عَمِلَ به من شيء عَمِلْنَا به، فَأَهَلَّ بالتوحيد: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنَّ الحمدَ والنعمة لك والملك، لا شريك لك))، وَأَهَلَّ الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يَرُدَّ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عليهم شيئًا منه، ولَزِمَ رسولُ الله تلبيتَه، قال جابر رضي الله عنه: لسنا ننوي إلا الحجَّ، لسنا نعرف العمرة".

 

فيه أربع إشارات:

الأولى: حرص الصحابة على التأسي بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم خطوة خطوة، فأيُّ شيء يعمله النبي يعملون مثله.

الثانية: تلبية النبي صلَّى الله عليه وسلَّم تلبية عظيمة، ولذلك سماها جابر رضي الله عنه بالتوحيد.

الثالثة: إقرارُ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما يزيده النَّاس على تلبيته، ولم يردَّ عليهم شيئًا، وهذا يدل على جواز الزيادة على التلبية النبوية، إلا أنَّ الأفضل التزام تلبية النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لقول جابر رضي الله عنه ولزم رسولُ الله تلبيتَه.

 

الرابعة: في قول جابر: "لسنا ننوي إلا الحجَّ، لسنا نعرف العمرة" دليلٌ على ما كان عليه الصَّحابة حين إهلالهم، كانوا يعتقدون أن لا عمرةَ في أشهر الحج، فكانت نيتهم حجًّا مفردًا، وسيأتي أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أَمَرَهم أن يَجعلوها عُمرة فيتمتَّعوا، وقد كان هذا الاعتقاد موجودًا عند أهل الجاهليَّة أن لا عمرة في أشهر الحج، بل العمرة فيها من أفجر الفجور.

ثانيًا: اليوم الرابع من ذي الحجة:
دخل النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مكة في اليوم الرابع من ذي الحجة، وكان بات ليلتها بذي طوى.

 

قال ابن القيم: "ثم نهض صلَّى الله عليه وسلَّم إلى أنْ بات بذي طوى، وهي المعروفة الآن بآبار الزاهر، فبات بها ليلة الأحد لأربع خلون من ذي الحجة، وصلى بها الصبح، ثم اغتسل من يومه، ونَهَض إلى مكة، فدخلها نهارًا من أعلاها من الثنية العُليا التي تُشرف على الجحون، ثم سار حتى دخل المسجد، وذلك ضحى"؛ "انظر: زاد المعاد، 2 / 224".

نعود إلى سياق الحديث:
قال جابر رضي الله عنه: "حتى إذا أتينا البيتَ معه، استلم الركن، فرَمَل ثلاثًا، ومشى أربعًا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السَّلام فقرأ: ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ [البقرة: 125]، فجعل المقام بينه وبين البيت، يقرأ في الركعتين: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، و﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ [الكافرون: 1]، ثم رجع إلى الرُّكن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصَّفا، قرأ: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 158]، ((أبدأ بما بدأ الله به)).

 

فبدأ بالصفا، فَرِقَيَ عليه، حتى رأى البيتَ فاستقبل القبلة، فوحد الله، وكبره، وقال: ((لا إله إلا الله وحْده لا شريكَ له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحْدَه، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده))، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هـذا ثلاثَ مَرَّاتٍ، ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صَعِدَتَا مَشَى، حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصَّفا، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة، فقال: ((لو أنِّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أَسُقِ الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هَدْيٌ، فليَحِلَّ، وليجعلها عمرة))، فقام سُراقةُ بنُ مالك بن جُعْشُم، فقال: يا رسولَ الله، ألِعَامِنَا هذا أم لأَبَدٍ؟ فشَبَّك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أصابعه واحدة في الأخرى، وقال: ((دخلتِ العمرة في الحجِّ)) مَرَّتين، ((لا، بل لأبدٍ أَبَدٍ))".

فيه عدة فوائد:
الفائدة الأولى: سُنية استلام الرُّكن عند الابتداء بالطَّواف، والمراد بالرُّكن في حديث جابر هو الركن الأسود؛ لأنَّ الركن إذا أُطلق يراد به الركن الأسود، واستلامه له عدة مراتب: أفضلها أنْ يستلمه ويقبِّله، فإنْ شَقَّ عليه، استلمه بيده وقَبَّل يَدَه، فإن شق عليه، استلمه بشيء، وقبَّل هذا الشيء، فإن شق عليه، أشار إليه بيده، ولا يقبل يده، وكل هذه المراتب الأربعة جاءت في أحاديثها في الصَّحيحين، واستلام الرُّكن سنة بإجماع العلماء؛ قال ابن هبيرة رحمه الله: "أجمعوا على أنَّ استلام الحجر الأسود مسنون"؛ "انظر: الإفصاح، لابن هبيرة، (1/ 287)، وانظر: مراتب الإجماع، لابن حزم، ص(44)".

الفائدة الثانية:
مشروعية الطواف بالبيت سبعة أشواط، وهذا الطواف هو طواف القدوم للقارن كالنَّبِي صلَّى الله عليه وسلَّم وكذلك الْمُفرِد، وهو طواف العمرة لمن كان متمتعًا، ويسن أن يَرْمُلَ في طوافه، وفي الرمل أربع إشارات:

الإشارة الأولى: مشروعية الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى، والمشي في الأشواط الأربعة الباقية.

الإشارة الثانية: أنَّ الرمل سنة في طواف القدوم وطواف العمرة، فهو مشروع لكل قادم لمكة، فنخرج أي طواف آخر، كطواف الإفاضة؛ فإنَّ جابرًا في حديث الباب لم ينقل أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم رَمَلَ في طواف الإفاضة، وكذلك في طواف الوداع، ونخرج من أراد أن يطوف بالبيت سبعًا تطوعًا، ونخرج المكي في طوافه؛ لأنه ليس قادمًا وإنَّما من أهل مكة.

الإشارة الثالثة: من فاته الرَّمَل في الأشواط الثلاثة الأولى - لزحامٍ أو نسيان ونحوه - فإنَّه لا يشرع له أنْ يقضِيَه في الأشواط الأربع الباقية، والقاعدة في ذلك: "أنَّ السنة إذا فات مَحَلُّها فإنَّها لا تُقضى"، إلا ما ورد الدَّليل على قضائه إذا فات، كالسنن الرواتب والوتر.

الإشارة الرابعة: الرمل يكون من الحجر الأسود إلى الحجر مرة أخرى، وهو سنة للرجال، وأمَّا المرأة، فلا يسن لها بإجماع أهل العلم؛ "انظر: كتاب الإجماع، لابن المنذر، ص (61)".

الفائدة الثالثة: مشروعية صلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم، ومقام إبراهيم هو: حَجَر كان إبراهيم عليه السَّلام يقوم عليه، وهو يبني الكعبة حين ارتفع بناؤها، وهذا هو القول الأظهر من عِدَّة أقوال قيلت في مقام إبراهيم، ويشهد لهذا القول ما رواه البخاري من حديث ابنِ عباس في قصة بناء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام البيت، وفيه: "فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفعَ البناء، جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه"، ويتعلق بهذا المقام بعد الطواف أربع سنن:

السنة الأولى: يُسن بعد الطواف أن يَمر بمقام إبراهيم، ويقرأ: ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ [البقرة: 125]؛ كما فعل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في حديث الباب.

 

السنة الثانية: صلاة الركعتين خلفَ المقام، واختُلف في هاتين الرَّكعتين على قولين:

القول الأول: أنَّهما واجبتان، وهو قولُ أبي حنيفة والشافعي في أحد قوليه، والمشهور من مذهب المالكية، ورواية في مذهب أحمد؛ "انظر: بدائع الصنائع (2/ 148)، والمنتقى (2/ 288)".

 

واستدلوا بظاهر الأمر في قوله تعالى: ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ [البقرة: 125].

القول الثاني: أنَّها سنة، وهو المشهور من مذهب أحمد، والأصح من مذهب الشافعي، وقول مالك في إحدى رِوايتيه؛ "انظر: المغني (5/ 232)، والمجموع (8/ 14)".

 

واستدلوا بعموم حديث طلحة بن عبيدالله، وفيه سؤال الأعرابي للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم عن الفرائض، فقال النبي: ((خمس صلوات في اليوم والليلة))، فقال: هل علىَّ غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تطوَّع))؛ متفق عليه.

 

ووجهُ الدلالة: أنَّ ما عدا هذه الصلوات الخمس ليس بواجب، ومنه ركعتا الطواف، وهناك قولٌ ثالث أنَّهما بحسب الطواف إنْ كان واجبًا، فواجبتان، وإلاَّ فهما سنة، والأحوط للمسلم ألاَّ يتركهما؛ "انظر: شرح مسلم للنووي المرجع السابق".

 

السنة الثالثة: أن تكون الركعتان خلف المقام، فإنْ تيسر له الاقتراب من المقام، فيكون خلفه يَجعل المقام بينه وبين الكعبة، فهو أفضل، وإن لم يتيسر، صلى خلف المقام ولو بعيدًا، وإن لم يتيسر له لزحام ونحوه، أجزأه أنْ يصلي في أي مكان بالمسجد.

 

السنة الرابعة: يسن أنْ يقرأ في الركعة الأولى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ [الكافرون: 1]، وفي الثانية: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، ففي حديث الباب قال جابر: "يقرأ في الركعتين: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، و﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ [الكافرون: 1]، وفي رواية النسائي: "﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ [الكافرون: 1]، و﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]".

الفائدة
الرابعة: يسن إنْ تيسَّر له بعد صلاة الركعتين أنْ يرجعَ لركن الحجر الأسود، فيستلمه ثم يذهب إلى الصَّفا، وظاهر الحديث أنَّه لا يسن تقبيل الحجر، ولا الإشارة إليه؛ لعدم الدليل، وإنَّما استلامه باليد إن تيسَّر.

الفائدة الخامسة:
قول جابر رضي الله عنه: "ثم خرج من الباب إلى الصَّفا"، وهذا حينما كان المسجد الحرام قديمًا له أبواب دون المسعى يخرج منها، فإن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ذهب إلى الصفا من باب الصفا؛ كما في رواية الطبراني رحمه الله "ثم خرج من باب الصفا"، وأمَّا اليوم، فيتَّجه إلى المسعى من جهة الصفا ليسعى، ودل حديث جابر على أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فعل على الصفا عِدَّة أمور هي كما يلي مُرتَّبة في الإشارات التالية:

الأولى: يسن على الصحيح إذا صعد الصَّفا أن يقرأ كما قرأ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا الموضع: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 158]، فيبدأ بالصفا؛ لأنَّ هذا هو صنيع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم والأصلُ في فعله وقوله في مواطن العبادات التأسِّي، خلافًا لمن قال: لا يسن؛ لأنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال ذلك؛ تعليمًا لأصحابه.

 

والصَّفا: جمعٌ، مفردُه: صفاة، وهي الصَّخرة الصلبة الملساء، والمراد هنا أسفل الجبل المعروف في أول المسعى.

والمروة: هي الحجر الأبيض البرَّاق الذي يقدح منه النار، والمراد هنا أسفل الجبل المعروف في نهاية المسعى.

 

﴿ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 158]؛ أي: من أماكن عبادته المأمور بها في الحج والعمرة.

 

ثم قال: ((أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ الله به))، وبدأ بالصفا، وفي رواية النسائي: ((ابدؤوا)) بصيغة الأمر، والله - تعالى - ذكر الصفا أولاً في الآية السابقة، ولكن رواية النَّسائي شاذة تفرَّد بها الثَّوري وسليمان بن بلال - رحمهم الله جميعًا - عن بقية الثقات؛ "انظر: إرواء الغليل، 4/ 317".

 

الثانية: يرقى الصفا، ويستقبل البيت، وإن تيسَّر له رُؤيته، فهذا من السنة؛ لقول جابر رضي الله عنه: "حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ"، وكانت رؤية البيت في الزمن السابق مُتيسرة، أما اليوم بعد البنيان ربَّما لا يجد إلا موضعًا يسيرًا يراه منه، فإن تيسر فهو أفضل، وإن لم يتيسر، فيكتفي باستقباله.

 

الثالثة: الذكر الذي يقال في هذا الموضع يتلخص فيما يلي:

1 - يرفع يديه؛ لثبوت ذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مُسلم، وفيه: "فلما فرغ من طوافه أتى الصَّفا فعَلاَ عليه، حتى نظر إلى البيت، فجعل يَحْمَدُ الله ويدعوه بما شاء أن يدعو"، فدل حديث أبي هريرة رضي الله عنه على أمرين لم يُرَوا في حديث جابر رضي الله عنه: رفع اليدين، وحمد الله تعالى.

 

2 - يوحِّد الله ويكبره؛ كما في حديث جابر رضي الله عنه في الباب، وجاء هذا التوحيدُ بلفظ: "لا إله إلا الله وَحْدَه لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحْدَه"، فتبين مما تقدم أنه يجمع بين التحميد والتكبير والتوحيد؛ لثبوت ذلك كله عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فلو قال مثلاً: "الحمد لله، والله أكبر، ولا إله إلا الله"، وجاء بالتوحيد السابق، لجمع بينها، ويفعل ذلك ثلاثَ مرات.

 

3 - يدعو بين كلِّ ذكر وذكر، فبعدما يَحمد ويكبر ويُوحد، يدعو، ثم يحمد ويكبر ويوحد، ثم يدعو، ثم يحمد ويكبر ويوحد، ثم ينزل إلى جهة المروة، فيكون الذكر ثلاثَ مرات والدُّعاء مرتين بما شاء؛ لقوله: "ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ"، وهذا هو أول موطن الدعاء في حجة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقد ذكر ابنُ القيم رحمه الله أنَّ حجة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم تضمنت ستَّ وقفات للدُّعاء: على الصفا والمروة، وفي عرفة، وفي مزدلفة، وعند الجمرة الأولى، وعند الجمرة الثانية؛ "انظر: زاد المعاد، 2/ 287".

 

والمقصود بالأحزاب في الذكر السابق هم الطوائف التي تجمَّعت على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أيام الخندق، فتحزبوا عليه، وهم: قريش، وغطفان، ويهود قريظة، والنضير، وغيرهم، فهزمهم الله - تعالى - وكسرهم بلا قتالٍ من الناس؛ قال تعالى في سورة الأحزاب: ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴾ [الأحزاب: 25].

 

الإشارة الرابعة: نزول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلى المروة ماشيًا، حتى إذا انتصبت قدماه في بطن الوادي سعى، وهذا هو المشروع في حقِّ من سعى، فإذا جاوز بطن الوادي مشى، كما فعل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وهذا الموضع الذي سعى فيه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم سعيًا شديدًا، عليه اليوم علمان أخضران، وهو في الأصل مهبط الوادي في الزمن السابق.

 

وأمَّا بقية أرض المسعى، فقد كانت غير مستوية سابقًا، والحكمة من السَّعي: هو سعي أم إسماعيل، كانت تَمشي بين الصفا والمروة، فإذا وصلت الوادي، أسرعت في مشيها؛ لأنَّ المكان الذي فيه ولدها يغيب عنها إذا هبطت، وهي قلقة عليه، فمن السنة أنْ يسعى كلما أتى بطن الوادي في ذَهَابه وإيابه في سبعة الأشواط كلها.

 

الإشارة الخامسة: قول جابر: "ففعل على المروة كما فعل على الصَّفَا" فيه دلالة على أنَّه يفعل على المروة كما فعل على الصَّفا، من استقبال للقِبْلة، ورفع لليدين، والذكر ثلاثًا يدعو بينهما مرتين، وأما أثناء السعي، فيقول ما شاء من ذكر ودعاء وقراءة قرآن، ويكون آخر طوافه في المروة.


الفائدة السادسة: أمر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أصحابه الذين ليس معهم هدي أنْ يَحلوا ويَجعلوا نُسُكَهم عمرة، وفي ذلك ثلاث إشارات:

الأولى: فيه جواز تحويل النُّسك من إفراد إلى تَمتُّع، وذلك لمن لم يكن معه هدي.

الثانية: قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لسراقة بن جعشم حينما سأله سراقة "أَلِعَامِنا هذَا أَمْ لأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الأُخْرَى، وقال: ((دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ)) مرتين، ((لا بل لأبدٍ أبدٍ))".

 

اختلف في معنى ذلك على عدة أقوال:

قيل: معناه: جواز فعل العمرة في أشهر الحج إلى أبد الأبد؛ أي: إلى يوم القيامة.

وقيل: معناه: جواز القِران، وإدخال العمرة في الحجِّ إلى يوم القيامة.

وقيل: معناه: جواز فسخ الحج إلى عمرة إلى يوم القيامة، وأنَّ هذا ليس خاصًّا بأصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في تلك السنة.

 

وكل الأقوال الثلاثة يَحتملها اللفظ، وربَّما تكون كلها مُرادة في كلام النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أي: إنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أجاب جوابًا شاملاً، وأقرب هذه الأقوال: القول الثالث؛ لأنَّ السؤال كان عن فسخ العمرة إلى الحج، قال ابن حجر رحمه الله: "سياق السؤال يقوي هذا الدليل"؛ "انظر: الفتح، كتاب العمرة، باب عمرة التنعيم، حديث (1785)".

 

الإشارة الثالثة: حسن تعليم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم حيث شبَّك أصابعه؛ ليكون أبلغ في توصيل الجواب.

 

نعود إلى سياق الحديث:
قال جابر رضي الله عنه: "وقَدِمَ عليٌّ رضي الله عنه من اليمن ببُدْن النَّبِي صلَّى الله عليه وسلَّم فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حَلَّ، ولبست ثيابًا صبيغًا، واكتحلت، فأنكر ذلك، عليها، فقالت: إنَّ أبي أمرني بهذا، قال: فكان عليٌّ يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مُحَرِّشًا على فاطمة للذي صنعت، مُستفتيًا لرسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيما ذَكَرَت عنه.

 

فأخبرته أنِّي أنكرت ذلك عليها، فقال: ((صَدَقَتْ صَدَقَتْ، ماذا قلتَ حين فرضتَ الحجَّ؟))، قال قلت: اللهم إنِّي أُهِلُّ بما أَهَلَّ به رسولُك، قال: ((فإنَّ مَعِيَ الهديَ فلا تَحِلَّ))، قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن، والذي أتى به النبي مائة، قال: فحَلَّ الناسُ كلهم وقَصَّروا، إلاَّ النبي ومن كان معه هدي".

 

فيه عدة فوائد:
الفائدة الأولى: فيه طاعة الصَّحابة رضوان الله عليهم الذين ليس معهم هدي للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم حيث قصَّروا وأحلوا وجعلوها عُمرة كما أمرهم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وكان فيمن حلَّ فاطمةُ رضي الله عنه ابنة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وزوج علي رضي الله عنه حيث لبست ثيابًا صبيغًا واكتحلت؛ امتثالاً لأمر أبيها صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

الفائدة الثانية: الحديث فيه حرص علي رضي الله عنه على التثبُّت في الحكم الشرعي، وإنكاره على أهله فيما يظنُّه خطأً؛ حيث ذهب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم محرِّشًا؛ أي: مذيعًا لفعل زوجته فاطمة من التحلُّل بعد ما أنكر عليها، وحين سأل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أقرَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فِعْلَ فاطمة رضي الله عنه وقال: ((صَدَقَتْ صَدَقَتْ)).

 

الفائدة الثالثة: فيه دلالة على بذل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ماله في الطاعات ومسارعته صلَّى الله عليه وسلَّم لذلك حيث أهدى مائة بَدَنة، وهي مَجموع ما جاء به، مع ما جاء به عليٌّ من اليمن، ولا شَكَّ أن هذا يدل على أنَّ الأفضلَ ألاَّ يقتصر الإنسان في هديه على شاة أو سبع من بدنة أو بقرة، بل السنة أن يبذل ما يستطيعه في الهدي.

 

الفائدة الرابعة: سؤال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لعلي رضي الله عنه عن نيته في تعيين النسك، وإجابة علي رضي الله عنه له بقوله: "اللهم إنِّي أُهِلُّ بما أَهَلَّ به رسولُك".

 

وإقرارُ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم له دليلٌ على جواز الحوالة على الإحرام بإحرام الغير، بشرط أن يكون ناويًا الإحرام من قبل، وهذا فيه جوازُ الإحرام من غير تعيين النُّسك، ثم بعد ذلك يُعين، وورد عند مُسلم أيضًا أنَّ أبا موسى رضي الله عنه أيضًا أهلَّ بما أهل به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولكنَّه لما لم يَسُقِ الهدي، فأمره النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بالتمتُّع بخلاف علي رضي الله عنه الذي أشركه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الهدي، فصار قارنًا كالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم ولو كان تعليق تعيين النُّسك بنسك الغير لا يجوز، لبيَّنه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لحاجة الناس له، ولا يَجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

 

ثالثًا: اليوم السادس والسابع والثامن من ذي الحجة:
تقدَّم أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم دخل مكة اليومَ الرابع يومَ الأحد، وفيه قضى الطواف والسَّعي، ثم مكث اليوم الخامس والسادس والسابع من ذي الحجة كلها في مكة في الأبطح تحديدًا يقصر الصلاة، فلما كان اليوم الثامن يوم الخميس توجه إلى منى، قال ابن القيم رحمه الله: "وكان يصلي مدة مقامه بمكة إلى يومِ التروية بمنزله الذي هو نازل فيه بالمسلمين بظاهر مكة، فأقام بظاهر مكة أربعة أيام يقصر الصلاة: يوم الأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء؛ "انظر: زاد المعاد، 2 / 232، 233".

رابعًا: اليوم الثامن (يوم التروية):
يوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة سُمي بيوم التروية؛ لأنَّهم كانوا يرتوون فيه من الماء في منى لما بعده من الأيام؛ ليشربوا ويستعملوا الماء، وليسقوا غيرهم هناك في عرفة ومزدلفة، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم أقام بالأبطح هو ومن معه حتى صبح اليوم الثامن، فأحرم المتمتعون إحرام الحج قبل الزَّوال في الأبطح، ثم توجهوا إلى منى، وكان ذلك يوم الخميس.

 

وهذا فيه دلالة على أنَّ السنة للحاج أن يُحرم من المكان الذي هو فيه، أيًّا كان هذا المكان، وأن يُحرموا قبل الزوال؛ قال ابن القيم رحمه الله: "فلما كان يوم الخميس ضحى، توجَّه بمن معه من المسلمين إلى منى، فأحرم بالحج مَن كان أحل منهم من رحالهم"؛ أي: من مكانهم؛ "انظر: زاد المعاد، 2 / 133".

 

نعود إلى سياق الحديث:
قال جابر رضي الله عنه: "فلما كان يوم التروية، توجَّهوا إلى مِنًى، فأهلوا بالحج يومَ التروية، وركب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر".

 

فيه فائدتان:
الفائدة الأولى: الحديث دليلٌ على أنَّ السنة للحاج - سواء كان متمتعًا أو قارنًا أو مُفرِدًا - أنْ يصلي الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء من اليوم الثامن، وكذلك الفجر من اليوم التاسع في منى، فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم صلاها في مِنًى يقصر الرباعية من غير جمع.

 

الفائدة الثانية: الحديثُ فيه دلالة على أنَّ السنةَ أن يكون مبيتُ الحاج ليلةَ التاسع في منى، وبإجماع العُلماء أنَّ خروجَ الحاج إلى منى يوم التروية، وصلاته في منى، وبَيْتُوتَتَه كلها سنة، إذًا يوم التروية كلُّه سنة بالإجماع والنص، وهو حديث عروة بن مُضَرِّس رضي الله عنه عند أبي داود رحمه الله وفيه: أنَّه لم يأتِ منى، وإنَّما مباشرة وقف بعرفة، وأدرك النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بمزدلفة، وأقره النبي صلَّى الله عليه وسلَّم على فعله؛ مِمَّا يدُلُّ على أن يوم التروية كله سنة.

 

قال القرطبي رحمه الله: "استحب جميعُ العلماء الخروجَ إلى منى يومَ التروية، والمبيت بها، والغدوَّ منها إلى عرفة، ولا حَرَج في ترك ذلك، والخروج من مكة إلى عرفة ولا حرج"؛ "انظر: المفهم (3 / 331)، حديث (1094)".

 

اليوم التاسع من ذي الحجة:
قضى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم هذا اليومَ، وهو يومُ الجمعة - في الذَّهاب إلى عرفة والوقوف فيها، وليله في الذَّهاب إلى مزدلفة والمبيت فيها، والكلام على هذا اليوم كما ورد في حديث جابر رضي الله عنه من مبحثين:

المبحث الأول: الذهاب إلى عرفة والوقوف فيها:

نعود إلى سياق الحديث:

قال جابر رضي الله عنه: "ثُمَّ مكث قليلاً حتى طلعتِ الشمس، وأمر بقُبَّةٍ من شَعَرٍ تُضْرَب له بنَمِرَة، فسار رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولا تشكُّ قريشٌ إلا أنه واقف عند الْمَشْعَرِ الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية.

 

فأجاز رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى أتى عرفة، فوجد القُبَّةَ قد ضربت له بنَمِرَة، فنَزَل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقَصْوَاء، فرحلت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس".

 

فيه عدة فوائد:
الفائدة الأولى: الحديثُ فيه دلالة على أنَّ السنة ألاَّ يَخرج الحاج يوم التاسع من منى حتى تطلع الشمسُ، وهذه سنة مُتَّفق عليها كما ذكره النووي؛ "انظر: شرحه لمسلم، حديث (1218)".

الفائدة الثانية:
الحديثُ فيه دلالة على أنَّ من السنة النُّزولَ بنَمِرَة إلى الزوال؛ لأن السنة ألا يدخل الحاجُّ عرفات إلاَّ بعد الزَّوال؛ كما فعل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

ونَمِرَة - بفتح النون وكسر الميم -: هي جبال صِغَار، وهي منتهى الحرم من الجهة الشرقية، فهي مُحاذية لأنصاب الحرم، ووادي عُرَنَة يفصل بينها وبين عرفة، ومعلوم أن أرض عرفة حِلٌّ، وليست حَرَمًا.

 

واختُلف في نمرة هل هي من عرفة؟
وأكثرُ أهل العلم على أنَّها ليست من عَرَفة، وبناءً عليه مَن وقف بنمرة، ثم سار إلى مزدلفة بعد غروب الشمس، فهو لم يقفْ بعرفة، والقول على أنَّها ليست من عرفة قال به النووي وابن تيميَّة، وابن القيم وغيرهم - رحمهم الله؛ "انظر: المجموع (8/ 106)، والفتاوى (26/ 299)، وزاد المعاد (2/ 233)".

 

وأمَّا قولُ جابر رضي الله عنه: "فأجاز رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى أتى عرفة".

المقصود: حتى قارب وادي عُرَنَة، فيكون من قبيل المجاز.

 

وواقع كثير من الحُجَّاج اليومَ أنَّهم يدخلون عرفة قبل الزَّوال؛ لأنَّ نَمِرَة تضيق بهم، وهذا لا بأسَ به؛ لأنَّهم لا يعتقدون أفضلية الذَّهاب إلى عرفة قبل الزَّوال، وعلى كل حال إنْ تيسَّر للحاج أن ينزل في نمرة، ثم يدخل عرفة بعد الزَّوال، فهذا هو الأفضل.

الفائدة الثالثة:
الحديث دليلٌ على جواز استظلال الحاج بما ليس ملاصقًا للرأس، كالشمسية، والخيمة، وسقف السيارة، ونحو ذلك؛ لأنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم استظل بقُبَّة ضربت له بنَمِرَة، والقُبَّة هي الخيمة الصغيرة.

الفائدة الرابعة: الحديثُ دليلٌ على مُخالفة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم للمشركين من قريش، فإنَّهم كانوا يقفون في مُزدلفة؛ لأنَّها من الحرم، بخلاف عرفة، فهي أرضُ حِلٍّ، وكانوا يصنعون ذلك في الجاهليَّة، فخالفهم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ووقف بعرفة.

نعود إلى سياق الحديث:

قال جابر رضي الله عنه: "فأتى بطن الوادي، فخطب الناس، وقال: ((إنَّ دماءَكم وأموالَكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كلُّ شيء من أمر الجاهلية تحت قدميَّ موضوع، ودِمَاء الجاهلية مَوضوعة، وإنَّ أولَ دمٍ أضعُ من دمائنا دمُ ابن ربيعة بن الحارث، كان مُسترضعًا في بني سعد، فقتلته هذيل، ورِبَا الجاهلية موضوع، وأول رِبًا أضع رِبَانَا رِبَا عباس بن عبدالمطلب، فإنَّه موضوعٌ كله.

 

فاتقوا الله في النِّساء، فإنَّكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجَهُنَّ بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مُبَرِّحٍ، ولهن عليكم رزقُهن وكسوتُهن بالمعروف.

 

وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إنِ اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تُسْأَلون عني، فما أنتم قائلون؟، قالوا: نشهد أنَّك قد بلغت وأدَّيت ونصحت، فقال بإصْبَعه السَّبَّابة، يرفعها إلى السماء، ويَنكُتُها إلى الناس: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد))، ثلاث مرات، ثم أذَّن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصلِّ بينهما شيئًا".

في خطبة النبي وصلاته عدة فوائد:
الفائدة الأولى: الحديثُ دليلٌ على أنَّه يسن للإمام في عرفة أنْ يَخطب الناس خطبة واحدة، يعلِّم الناس فيها ما يَحتاجونه ويقتضيه زمانهم من مُهمَّات ومُستجدات الحياة، ويَحثهم على الائتلاف والاجتماع، ويُحذرهم من التفرُّق وكيد الأعداء؛ كما فعل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم حين أتى بطن الوادي، وهو وادي (عُرَنَة)، الذي فيه مقدمة المسجد لا كل المسجد؛ لأنَّ بعضَ المسجد في عرفة، وبعضه خارجَها، ولم يكن المسجد موجودًا في السابق، وإنَّما بُني في أول الدولة العباسية؛ (انظر: مجموع الفتاوى، (26/ 129)".

 

ومما يُنبه عليه أن هذه الخطبة التي خطبها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم تكن خطبة جمعة، وإنَّما خطبته قبل الوقوف بعرفة، ومما يدُلُّ علي ذلك أنه صلَّى الله عليه وسلَّم خطب خطبة واحدة، وأيضًا صلى بعدها ركعتين سرًّا؛ مما يدُلُّ على أن صلاته ظهرًا، ثم صَلَّى ركعتين للعصر.

الفائدة الثانية: خطبة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فيها عِدَّة إشارات نبَّه عليها:

أولاها: أنَّ الأصلَ في الدِّماء والأموال العصمة، فهي معصومة، فالأصل في الاعتداء عليها الحرمة.

 

ثانيًا: تقريب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم صورة حرمة الدِّماء والأموال بضرب المثال والتشبيه؛ فقال: ((كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذَا، فِي شَهْرِكُمْ هذَا، فِي بَلَدِكُمْ هذَا))، فالزَّمانُ مُحرَّم؛ لأنَّهم في أشهر حُرُم، والمكان مُحَرَّم، فهم يعرفون حُرْمَةَ الزَّمان والمكان في الجاهلية والإسلام، كالأشهر الحُرُم وبلاد مكة حرام أيضًا.

 

ثالثها: إبطالُ أفعال الجاهلية بقوله: ((أَلاَ كلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ)).

رابعها: إبطالُ دماء الجاهلية بقوله: ((وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ))، فما كان في الجاهلية قبل الإسلام، فلا مُطالبةَ بثأره أو قصاصه أو ديته، ولما كان هذا الأمر يثير حساسية الناس، وقلوبهم لا زالت مُتعلقة بأخذ الثَّأر بدأ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بوضع دماء أقاربه الذين كانوا في الجاهلية، فقال: ((وإنَّ أولَ دمٍ أضعُ من دمائنا دمُ ابن ربيعة بن الحارث، كان مُسترضعًا في بني سعد، فقتلته هذيل)).

 

خامسها: إبطالُ ربا الجاهلية بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ)).

 

والربا هو: الزائد على رأس المال بطريقة مَخصوصة مُحرَّمة، ولما كانت النفوس متعلقة بالمال وحبه مَحبة شديدة، بدأ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بوضع ربا عمه العباس، فقال: ((وأول رِبًا أضع رِبَانَا رِبَا عباس بن عبدالمطلب، فإنَّه موضوعٌ كله)).

 

وبَدْءُ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بوضع دماء وربا أقاربه فيه دلالة على أنَّ الإمام وغيره حين يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، يبدأ بنفسه وأهله وأقاربه، فإنَّ هذا أدعى لقَبُول الناس دعوتَه، وأطيبُ لنفوسهم، لا سِيَّما لمن هو قريب عهد بإسلام.

 

سادسها: الحثُّ على مُراعاة حق النساء، والوصية بهن، ومُعاشرتهن بالمعروف.

 

سابعها: بيانُ ما للرجل من حقٍّ على المرأة، من حيث الإذن في دخول المنزل؛ حيث قال: ((ولكم عليهن ألا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تكرهونه))، والمقصودُ: دخولُ المنزل من النساء الأخريات أو المحارم، إلاَّ برضا الزَّوج؛ لأنَّه يبعد أن يكون المقصود بوطء الفُرُش الزنا، أو دخول الرجل الأجنبي للمنزل؛ لأنَّ هذا ظاهر الحرمة لا يَحتاج إلى بيان، فبيَّن شيئًا من حق الرجل على المرأة، وإن لم يفعلن ذلك، فللرجلِ تأديبُ امرأته، لكن بضرب غير مُضِرٍّ.

 

ثامنها: بيان ما للمراة أيضًا من حق في النفقة والكسوة بالمعروف.

تاسعها: الحثُّ على التمسُّك بكتاب الله - عز وجل - فهو ثبات للعبد من الفتن والضلال.

 

عاشرها: إشهادُ الناس على تبليغه ونُصحه للأُمَّة، فأجابوه بأنه نَصَحَ وبلَّغ وأدَّى الأمانة، فأشهد الله على شهادتهم، رافعًا إصبعه إلى السماء، ويشير بها إلى الناس، ويقول: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد))، ثلاث مرات.

الفائدة الثالثة:
الحديثُ دليل على أنه يشرع جمع الظهر والعصر وقصرهما، ويُؤذَّن لهما بأذان واحد، ولكل صلاة إقامة مُستقلة، وكلُّ مَن كان في عرفة يقصر ويَجمع، سواء كان من أهل مكة أم من غيرها، واختلف في سبب جَمْعِ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم للصلاة، فقيل: من أجل النُّسك، وقيل: من أجل السَّفر، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والصَّحيح أنَّه لم يجمع بعرفة لمجرد السَّفر، كما قصر للسفر، بل لانشغاله بالوقوف واتِّصاله عن النُّزول، ولاشتغاله بالمسير إلى مُزدلفة، فكان جمع عرفة لأجل العبادة، وجمع مزدلفة لأجل السير الذي جدَّ فيه: وهو سيرٌ إلى مزدلفة..."؛ "انظر: قاعدة في الأحكام التي تختلف بالسفر والإقامة، لابن تيمية، ص (71 - 76)".

 

وقال ابنُ القيم رحمه الله: "ولهذا كان أصحُّ أقوال العلماء أنَّ أهل مكة يقْصرون ويَجمعون بعرفة، كما فعلوا مع النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم وفي هذا دليل على أنَّ سفر القصر لا يتحدَّد بمسافة مَعلومة ولا بأيام مَعلومة، ولا تأثير للنُّسك في قصر الصلاة ألْبَتَّة، وإنَّما التأثير لما جعله الله سببًا وهو السفر؛ هذا مُقتضى السنة، ولا وجهَ لما ذهب إليه المحدِّدون"؛ "انظر: زاد المعاد، (2/ 2359)".

نعود إلى سياق الحديث:
قال جابر رضي الله عنه: "ثم ركب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصَّخَرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفًا حتى غَرَبَتِ الشمسُ، وذهبت الصُّفرة قليلاً حتى غاب القُرص، وأردف أسامةَ خلفه".

في وقوفه صلَّى الله عليه وسلَّم بعرفة عدة فوائد:
الفائدة الأولى: الحديث فيه بيانُ أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم انتقل من مكان خطبته وصلاته حتى أتى الموقف وهو جبل شمال عرفة يُسمى جبل (إلال)، ويسميه عامَّة الناس اليومَ جبلَ الرحمة أو جبل الدُّعاء، وليس لهذه التسمية أصلٌ في السنة، بل سَمَّوْه جبل الرحمة؛ لما يتفضل الله به على أهلِ الموقف من مَغفرة ورحمة، وسَمَّوه جبلَ الدُّعاء؛ لأنَّ المقام مقام دعاء وتضرع، وأيضًا لا يشرع صعوده، فلم يرد في صعوده فضل، بل من صعده معتقدًا أنَّ صعوده عبادة، فقد أتى ببدعة وكل بدعة ضلالة، وكذلك لا يشرع استقبال هذا الجبل، وترك استقبال القبلة، بل المشروع أنْ يستقبِلَ القبلة، حتى لو أدى ذلك أن يكون الجبلُ خلف ظهره، وكل ذلك يفعله كثير من الناس اليومَ تعبدًا، نشأ من الجهل بسنة النبي وهديه، رزقنا الله وإيَّاكم طاعته والاقتداء بنبيه - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

وللحاج أيضًا أن يقف في أي مكان في عرفة؛ لقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((وَوَقَفْتُ هَا هُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ))، والحديث متفق عليه.

قال شيخُ الإسلام رحمه الله: "وأمَّا صعودُ الجبل الذي هناك، فليس من السنة"؛ "انظر: منسكه، ص (44)".

 

الفائدة الثانية: الحديثُ فيه بيان موضع وقوف النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وهيئته، فإنَّ النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم جعل جبل المشاة أمامه، وجبلُ المشاة: هو طريقُ الحجاج الذين يسلكونه، وجعل بطن ناقته القَصْوَاء إلى الصَّخَرات، والصخراتُ: هي صخرات مُفترشة بالأرض تقع خلف الجبل، والواقفُ عند هذه الصخرات إذا استقبل القبلة يكون الجبلُ في قبلته أيضًا، وتقدم أنَّه ليس لاستقبال الجبل أيُّ فضل، وإنَّما وقع للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم من غير قصد له بعينه، وأهمُّ شيء أن يتأكد الحاجُّ أنه واقف في عرفة في أي مكان منها؛ لأن الحجَّ عرفة، وينبغي للحاج أن يستغلَّ هذا الموقف، فهو موقف لله - تعالى - فيه عتقاء كثيرون من النار، بل هو أكثر يوم في العتق؛ قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما من يوم أكثر من أنْ يعتقَ الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟))؛ أخرجه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها فيُكثر فيه من الدعاء والاستغفار، فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم ظل يدعو حتى غربت الشمس.

الفائدة الثالثة: الحديثُ فيه بيان وقت الانصراف من عرفة، وهو بعد غروب الشمس، وذهاب الصفرة قليلاً، والصُّفرة: هي لون دون الحُمرة، وهو شعاع الشمس بعد مغيبها، فلما غاب قرصُ الشمس، دَفَعَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى المزدلفة.

المبحث الثاني: الدفع إلى مزدلفة والمبيت فيها:
بعد ما غربت الشمس يومَ التاسع، دَفَع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من عرفة إلى مزدلفة، وأركب أسامة رضي الله عنه خلفه على القصواء.

نعود إلى سياق الحديث:
قال جابر رضي الله عنه: "وأردف أسامةَ خلفه، ودفع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقد شَنَقَ للقصواء الزِّمَامَ، حتى إن رأسَها ليصيب مَوْرِك رحله، ويقول بيده اليمنى: ((أيُّها الناس، السَّكِينةَ، السكينة))، كلما أتى حَبْلاً من الحِبَال أرْخَى لها قليلاً، حتى تَصْعَدَ.

 

حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامَتين، ولم يسبح بينهما شيئًا، ثم اضطجع رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى طلع الفجر، وصلى الفجر، حين تبين له الصُّبح، بأذان وإقامة، ثم ركب القَصْواء، حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القِبلة، فدعاه وكبره وهلَّله ووَحَّده، فلم يزل واقفًا حتى أَسْفَر جدًّا، فدفع قبل أن تطلع الشمس".

 

في دفعه صلَّى الله عليه وسلَّم إلى مُزدلفة ومَبيته فيها عِدَّة فوائد:
الفائدة الأولى: جواز الإرداف على الدابة إذا كانت الدَّابة تتحمل ذلك، والأحاديث في جواز الإرداف كثيرة.

الفائدة الثانية: الحديثُ فيه دلالة على أنَّ السنة في الدفع من عرفة إلى مُزدلفة هي التؤدة في السير والسكينة فيه، خلاف ما يفعله بعضُ أصحاب السيارات والحافلات اليوم، لا سيما غير المضطر منهم، فإنَّهم يسرعون في مسيرهم، والسنة أن يكون الدَّفع بسكينة، وقد بيَّن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم هذه السنة؛ كما في حديث جابر رضي الله عنه من فعله وقوله: فقد دفع وقد شَنَق للقصواء الزِّمام، والزمام - بكسر الزاي -: هو الخطام، وهو الخيط الذي يُشدُّ إلى الحَلَقِ التي في أنف البعير أو الناقة؛ ليجذب إلى الخلف لمنعه من الإسراع.

 

"شنق"؛ أي: ضيق عليها الزمام، وذلك بجذبه للخلف، كل ذلك لئلاَّ تسرع، وبيَّن مقدار ذلك الجذب بقوله: "حتَّى إن رأسها لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ"، ومورك رحله: بفتح الميم وكسر الراء، وقيل: فتحها، وهو الموضع الذي يَجعل الراكب رجله إذا ملَّ من الركوب، ولكن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إذا أتى حبلاً من الحبال أرخى للنَّاقة، و"الحبل: التلُّ اللطيف من الرمل الضَّخم، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يُرخي للناقة؛ لأنَّه يشق عليها أن تصعد الحبل، مع جذب الزِّمام، فيرخيه لها لأجل صعودها.

 

وأمَّا قوله صلَّى الله عليه وسلَّم للجمع الغفير الذين معه حين الدَّفع: ((أيُّها الناس، السَّكِينةَ، السكينة))؛ أي: الزموا السكينة، وهو أسلوب إغراء؛ ولذا فهو منصوب على الإغراء.

الفائدة الثالثة: إتيان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم للمُزدلفة فيه سبع إشارات:

الإشارة الأولى: المزدلفة: مَشْعر يقع بين عرفة ومنى، الخارج من عرفة متجهًا إلى منى يَمر بمزدلفة؛ وهي من الازدلاف، ومعناه: الاقتراب، سُمِّيت بذلك لاقتراب الناس إلى منى بعد الإفاضة من عرفات واجتماعهم فيها، ولذا تُسمَّى: (جمعًا) أيضًا، وتسمى أيضًا (المشعر الحرام)؛ لأنَّ عرفة مشعر حلال.

 

الإشارة الثانية: مشروعيةُ جمع المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامة لكل صلاة، وذلك أوَّلَ ما يصل الحاج مُزدلفة، سواء وصلها في وقت المغرب أو بعد دخول وقت العشاء، يجمع بين الصلاتين قبل الانشغال بطعام أو وضع رحال ونحوه.

 

الإشارة الثالثة: مشروعية ترك التنفُّل بين المغرب والعشاء؛ لقول جابر رضي الله عنه: "ولم يسبح بينهما شيئًا"؛ أي: لم يتنفل بينهما، وكذلك بعد العشاء لم يأتِ بنافلة لها.

 

الإشارة الرابعة: عدم مشروعية إحياءِ ليلة مُزدلفة بصلاة، أو دعاء، أو ذكر ونحوه من الطاعات، بل السنة أنْ ينام تلك الليلة؛ لقول جابر رضي الله عنه: "ثم اضطجع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى طَلَعَ الفَجْرُ"، واختُلف في الوتر: هل يشرع الإتيان به تلك الليلة أو لا يشرع؟ على قولين: والأظهر - والله أعلم - أنه يُشرع الوتر حتى في ليلة المزدلفة؛ لأنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يدع الوتر في سفر ولا حضر، مع أنَّ جابر رضي الله عنه لم ينقل أنه صلَّى الله عليه وسلَّم أوتر تلك الليلة.

 

ولكن (عدم النَّقل ليس نقلاً للعدم)؛ أي: عدم نقل جابر رضي الله عنه وترَ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ليس نقلاً؛ أي: دليلاً على عدم وتر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم تلك الليلة؛ لأنه لو تركه، لكان شرعًا، والشرع لا بُدَّ أن يُنقل ويُحفظ، وأيضًا ورد عن بعض الصَّحابة صلاة الليل في مُزدلفة، كأسماء رضي الله عنها والحديث في الصحيحين، وكذلك في سنة الفجر يقال فيها ما قيل في الوتر، فإن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يتركها سفرًا ولا حضرًا؛ "انظر: الممتع، لشيخنا ابن عثيمين، (7/ 309)".

 

الإشارة الخامسة: مشروعية صلاة الفجر بالمزدلفة في اليومِ العاشر في أول وقتها؛ لقول جابر رضي الله عنه "وصلى الفجر، حين تَبَيَّنَ له الصبحُ"، فالسنة المبادرة لصلاة الفجر بالمزدلفة في اليومِ العاشر في أول وقتها، والحكمة من ذلك - والله أعلم -: ليتفرغ الحاج للذكر والدُّعاء بعد الصلاة عند المشعر الحرام؛ كما فعل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وسيأتي - إن شاء الله - إلا أنه ينبغي للحاجِّ أن يتأكد من دخول وقت الفجر، ولا يتبع بصلاته من صلى حوله من الناس بظنِّه أن وقت الفجر دخل؛ ليستعجل الذَّهاب إلى منى خشية الزحام؛ حتى يتيقن دخول الفجر، سواء بخبر ثقة أم بسماع نداء، أم برؤية علامة لدخول الفجر، فالأصل بقاء الليل.

 

الإشارة السادسة: يشرع للحاج بعد صلاة الفجر أنْ يأتي المشعر الحرام إنِ استطاع، ويفعلُ كما فعل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فيستقبل القبلةَ، ويدعو الله ويكبِّره ويهلِّله ويوحِّده حتى يطلع الإسفار جدًّا؛ قال الله - تعالى -: ﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ﴾ [البقرة: 198]، فإن لم يتيسر له الذَّهاب للمشعر الحرام، جلس يدعو الله، ويذكره في مُصلاه، أو في أي مكان من مُزدلفة؛ لعموم حديث جابر رضي الله عنه: "وقفت ها هنا وَجَمْعٌ كلُّها مَوقِفٌ"؛ رواه مسلم، وسيأتي بعد هذا الحديث إن شاء الله.

 

فإنْ قيل: ما المشعرُ الحرام الذي وقف عنده النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يدعو؟

فالجوابُ: هو جبل صغير في مُزدلفة، وبُني عليه مسجد الآن، وهذا لا يعني أنَّ مزدلفة ليست مشعرًا حرامًا، بل هي داخل حدود الحرم، كما تقدم، ولكن المشعر الحرام الذي دعا النبي عنده، وذكر الله هو مشعر خاص داخل مشعر مُزدلفة العام.

 

فالحاصل أن عندنا مشعرين:
الأول: المشعر العام وهو مزدلفة.

الثاني: المشعر الخاص داخل المشعر العام، وهو الجبل الصغير الذي بُني عليه المسجد الآن، وهو الذي يستحب الوقوف عنده بعد الفجر للدُّعاء، والتكبير، والتهليل، والتوحيد، ومن الناس من يفوته هذا الوقوف الثمين إمَّا باستعجاله لإدراك رمي الجمار وغيره، وإمَّا بانشغاله في مكانه، إمَّا بنوم أو ما لا فائدةَ فيه، ولا شَكَّ أن هذا تفويت لفضل عظيم.

 

الإشارة السابعة: يُشرع الدفع من مزدلفة بعد الإسفار جدًّا، وقبل طلوع الشمس؛ لفعل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كما في حديث الباب.

وما تقدَّم هو جميع ما فعله النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في مُزدلفة.

 

سادسًا: اليوم العاشر من ذي الحجة:
وهذا اليوم من أعظم أيام الحج؛ قال عنه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((هذا يوم الحج الأكبر))؛ لاجتماع عبادات مُتنوعة وعظيمة فيه (رمي، نحر، حلق، طواف، وسعي)، ولذا يُسمى يوم النحر أيضًا؛ لأن فيه ينحر الهدي، وتقدَّم أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في أول اليوم العاشر صلى الفجر في مُزدلفة، ثم أتى المشعر الحرام، فدعا وكبَّر الله - تعالى - وهَلَّله، ووحَّده حتى أسفر جدًّا، ثم دفع قبل أن تطلع الشمس.

نعود إلى سياق الحديث:
قال جابر رضي الله عنه: "فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردفَ الفضل بن عباس رضي الله عنه وكان رجلاً حسن الشعر أبيضَ وسيمًا، فلما دَفَع رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مرت به ظُعُنٌ يَجرين، فطَفِقَ الفضلُ ينظر إليهن، فوضع رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يده على وجه الفضل، فحول الفضلُ وجهَه إلى الشق الآخر ينظر، فحول رسول الله يده من الشق الآخر على وجه الفضل، يصرف وجهه من الشق الآخر ينظر، حتى أتى بَطْنَ مُحَسِّر، فحَرَّكَ قليلاً.

 

ثُمَّ سلك الطريقَ الوُسطى التي تَخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة".

 

فيه عدة فوائد:
الفائدة الأولى: الحديثُ فيه جوازُ الإرداف على الدَّابة، فإنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أردف الفضلَ بن عباس رضي الله عنه حين دفع من مُزدلفة إلى منى، وأردف أسامة رضي الله عنه حين دفع من عرفة إلى مُزدلفة، وتقدم بيانه.

 

الفائدة الثانية: قصةُ الفضلِ بن عباس رضي الله عنه وكان وسيمًا؛ أي: حسنًا، ونظره إلى الظُعُن (وهي جمع ظعينة، وكل بعير عليه امرأة يُسمى ظعينة، ثم سميت المرأة به مجازًا لملامستها البعير) يَجْرِينَ، فَطَفِقَ - أي: أخذ - الفضل رضي الله عنه ينظر إليهن.

 

وفي الحديث: النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يصرف وجه الفضل في الموضعين، استدل بهذه القصة مَن قال بجواز النَّظر إلى المرأة الأجنبية حالَ أمن الفتنة؛ استدلالاً بفعل الفضل رضي الله عنه وأجاب المانعون بأنَّ الحديث دليلٌ على عدم جواز النظر للأجنبية مُطلقًا، ووجه ذلك أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم صرف وجه الفضل رضي الله عنه في كل مرة ينظر فيها إلى النِّساء، وهذا من إنكار المنكر باليد، ولو كان جائزًا، لتركه، والإنكار يدُلُّ على عدم الجواز، والقول بعدم النظر مطلقًا هو الأظهر والله أعلم، ولأن العبرة بالاستدلال هو فعل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لا فعل غيره، وفعله صلَّى الله عليه وسلَّم يدُلُّ على الإنكار باليد، وفيه أنَّ تغيير المنكر في الأصل يكون باليد لا يُنتقل لغيره إلاَّ مع عدم الاستطاعة.

 

الفائدة الثالثة: الحديث فيه مشروعية الإسراع عند المرور بوادي مُحسِّر؛ لقول جابر رضي الله عنه: "حتَّى أتى بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّكَ قَلِيلاً"، ومُحسِّر: بضم الميم وفتح الحاء وكسر السين المشددة، وهو وادٍ بين مزدلفة ومنى، فيُسن لمن مرَّ به في طريقه أنْ يُسرع في مسيره، سواء كان بسيارته، أم على قدميه إنْ استطاع ذلك، واختُلف في سبب إسراع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا الموضع.

 

فقيل: لأنَّ النَّصارى كانت تقفُ هناك، فأسرع مُخالفة لهم.

وقيل: لأنَّ المشركين كانوا يقفون هناك، فيذكرون أمجادَهم وأحسابَهم، فأسرع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مخالفة لهم، كما خالفهم في خروجه من عرفة وخروجه من مزدلفة.

 

وقيل: لأنَّ وادي مُحَسِّر هو موضع هلاك أصحاب الفيل، وهَدْيُ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم هو الإسراع حين يمر بديار أهل العذاب، وهذا القول أضعفها؛ لأنَّ أصحاب الفيل نزل بهم العذابُ في مكان يُسمى "المغمَّس"، والفيل لم يدخل الحرم أصلاً.
وكل ما تقدم اجتهادات لا دليلَ عليها في إثبات الحكمة من إسراع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم والأصل أنْ يتعبد الإنسان بما ورد، فإن ظهرت له الحكمة، وإلا فهو من الخير الذي خَفِيَت على العبد حكمته.

الفائدة الرابعة: الحديثُ فيه بيانُ قصد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم حين سار إلى جمرة العقبة، وذلك بسلوكه الطريق الوُسطى المؤدية إليها؛ لأنَّها هي التي تُرمى يوم النحر دون بقية الجمرات، وقوله: "التي عند الشَّجَرَة"، هذا وصف لها في الزمن السابق، وأمَّا اليوم فلا؛ لأنَّها أُزيلت.

نعود إلى سياق الحديث:
قال جابر رضي الله عنه: "حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسَبْعِ حَصَيَات، يُكبِّر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخَذْفِ، رمى من بطن الوادي، وفي رواية: رأيتُ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يرمي على راحلته يوم النَّحر، ويقول: ((لتأخذوا مناسِكَكم، فإنِّي لا أدري لعلِّي لا أحج بعد حَجَّتِي هذه))، ثم انصرف إلى الْمَنْحَرِ، فنحر ثلاثًا وستين بيده، ثم أعطى عليًّا، فنحر ما غبر، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بَدَنَةٍ ببَضْعَةٍ، فجعلت في قِدْرٍ، فطبخت، فأَكَلاَ من لحمها وشَرِبَا من مَرَقِهَا.

 

ثم ركب رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبدالمطلب يسقون على زمزم، فقال: ((انزِعُوا بني عَبْدِالْمُطَّلِب، فلولا أن يَغْلِبَكم الناسُ على سِقَايَتِكم لَنَزَعْت معكم))، فناولوه دَلْوًا، فشرب منه".

 

في بقية الحديث عدة فوائد:

الفائدة الأولى: الحديثُ دليل على أنَّ السنة أنْ يبدأَ الحاجُّ إذا دخل منى برمي جمرة العَقَبة، وسيأتي في حديث ابن عمر رضي الله عنه أنَّ المخالفةَ في أعمال هذا اليوم لا حرج فيها، فالسنة أن يبدأ برمي الجمرة.

 

ودلَّ حديث جابر رضي الله عنه على عِدَّة إشارات في الرمي:

الإشارة الأولى: أنَّ عدد الحصيات سبع حصيات لا بد منها.

الإشارة الثانية: أنَّه لا بُدَّ من رميها رميًا؛ لقوله "فرماها"، فلو وضعها وضعًا، فإنه لا يُجزئ؛ لأنه لا يُسمى رَمْيًا.

 

الإشارة الثالثة: أن يكبِّر مع كل حصاة يقول: (الله أكبر)، وهذا من كمال التعبُّد والتعظيم؛ ليكونَ بالقلب والقول، وهو التكبير، وبالفعل، وهو الرمي.

 

الإشارة الرابعة: السنة أنْ تكون الجمار حجمُ الواحدة منها كحصى الخذْف، وحصى الخَذْف أكبرُ من حبَّة الحمص قليلاً، فلا يُرمى بالحصى الكبيرة، ولا الصغيرة جدًّا، لا إفراطَ ولا تفريط، وسميت حصى الخذْف؛ لأنَّ العرب كانوا يخذفون بها، يجعلها الإنسان بين أصبعيه السبابة والإبهام أو بين السبابتين ثم يرمي بها.

 

الإشارة الخامسة: في الحديث بيانُ السنة في مكان الرمي، أين يقف الرامي؟ فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم رماها من بطن الوادي، وفي حديث ابن مسعود المتَّفق عليه أكثر بيانًا لهذا الموقف؛ حيث قال: "رمَى رسولُ الله الجمرة الكبرى بسبع حَصَيَات، فجعل البيت عن يساره ومِنًى عن يَمينه"، ولو رماها من أي مكان، لأجزأه، ولكن السنة أن يرمي من الموضع الذي رمى منه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إن تيسر له.

 

الإشارة السادسة: رميُ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بالحصى فيه دلالة على أنَّه لا يصح الرمي بغيره، كمن يَرمي بالحديد، أو الخشب، أو الإسمنت ونحوه؛ لأنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم رمى بالحصى، وقال: ((لتأخذوا عنِّي مناسِكَكُم))، ولأنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم رمى الجمرة الكبرى بسبع حصيات، وقال: ((بأمثال هؤلاء، فارموا))، والحديث رواه أحمد والنَّسائي، وابن ماجه من حديث ابن عباس.

 

الإشارة السابعة: ليس في الحديث بيانٌ من أين لَقَطَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم حصى جمرة العقبة، وهذا يدُلُّ على أنه ليس هناك موضع معيَّن في أخذ الجمار، فيأخذ الحاجُّ من حيث شاء، بخلاف ما يعتقده البعضُ أن السنة أن يكون من مُزدلفة.

 

الإشارة الثامنة: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم رمى راكبًا؛ قال جابر: "رَأَيْتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَرْمِي عَلى راحلته يومَ النَّحْرِ".

الفائدة الثانية:
الحديثُ فيه الحثُّ على تتبُّع هَدْي النبي صلَّى الله عليه وسلَّم واستغلال فرصة الحج معه، فلربَّما لا يدركها مرة أخرى؛ فقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لتأخذوا مَناسِكَكم، فإنِّي لا أدري لعلي لا أحج بعد حَجَّتِي هذه))، وهذا من حرصه صلَّى الله عليه وسلَّم في تبليغ ما لديه، فإنه يُشعرهم صلَّى الله عليه وسلَّم بأنه قد لا يَحج بعد هذا العام، وهذا ما حصل، فنَقَل الصحابة - رضوان الله عليهم - عنه أفعالَه بدقة، وفي كل موضع، وها هو جابر رضي الله عنه ينقل منسكًا كاملاً؛ مما يدُلُّ على تتبُّعه وقوة حفظه وأخذه لوصية النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لتأخذوا مَناسِكَكم)).

 

الفائدة الثالثة: الحديث فيه دلالة على أنَّ ثاني أعمال هذا اليوم - يوم النحر - هو النحر؛ كما فعل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

وفي النحر خمس إشارات:
الإشارة الأولى: قوة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم البدنية؛ حيثُ نَحر ثلاثة وستين بدنة بنفسه، ويُؤخذ من هذا أنَّ الأفضل للحاج أنْ يباشر ذبح الهدي بنفسه؛ لفعله صلَّى الله عليه وسلَّم ولأن في ذلك مُباشرة للعبادة.

 

الإشارة الثانية: إعطاءُ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عليًّا لينحر ما غَبر - أي: ما تبقى - يؤخذ منه جواز النيابة في النَّحر، وقيل: إنَّما أعطاه ليذبح عن نفسه؛ لأنه أشركه في هديه؛ لقوله: "وأشْركه في هَدْيِهِ"، ويؤخذ من هذا أيضًا جواز إشراك الغير في الهدي، بشرط ألاَّ يقل عن القدر الواجب، وهو شاة أو سُبْع بَدَنَة للحاج، مُتمتِّعًا كان أو قارنًا، وقيل: إنَّما نحر ثلاثة وستين؛ لأنَّها هي التي أتى بها من المدينة؛ كما في رواية التِّرمذي، وقيل: إنَّما نحر ثلاثة وستين؛ لأنَّ مُنتهى عمره صلَّى الله عليه وسلَّم ثلاثة وستون سنة، فكأنَّه أهدى عن كل سنة من عمره بدنة.

 

الإشارة الثالثة: الحديثُ فيه استحباب تكثير الهدي وتقدم بيانه.

الإشارة الرابعة: الحديث فيه دلالة على أنَّ السنة أن يأكل الحاج من هديه، ألا ترى أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أمر من كل بدنة بِبَضْعَة (وهي القطعة من اللحم)، فطُبخت فأكل هو وعليٌّ رضي الله عنه من اللحم، وشربا من المرق، وأيضًا لقوله - تعالى -: ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [الحج: 28]، فالسنة أن يأكل من هديه، ويطعم غيره، ففي هذا الموضع السنة أن يأكل؛ لأنَّ الدم هنا دم شكران لا دم جبران، ودم الجبران هو الذي يذبَحه الحاجُّ؛ لخلل حاصل في حجه، إمَّا بفعل محظور، وإمَّا بترك واجب، فيجبره بدم على حسب خلله، فدَمُ الجبران لا يأكل منه صاحبُه، بخلاف دم الشكران، فإنَّه يأكل منه صاحبه، كدم القارن والمتمتع والمضحي ونحوه مما يتعبد لله به.

 

الإشارة الخامسة: لم يُذكر في حديث الباب أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم حلق بعد ما نحر، لكن هذا فعلُه صلَّى الله عليه وسلَّم حيث ثلَّث بحلق رأسه، وقد ذُكر ذلك عند أحمد من حديث جابر رضي الله عنه قال: "نحر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثم حَلَقَ"؛ "انظر: حجة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم للألباني (93)"، وفي حديث أنس عند مسلم، وسيأتي - إن شاء الله - أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال للحلاق: "خُذ"، وأشار إلى شقه الأيمن، ثم الأيسر، ثم جعل يُعطي الناس، وفي هذا بيان أن السنة الحلق بعد النحر، وأنَّ السنة أن يبدأ الحلاق بالشق الأيمن، وهذه سنة مندثرة.

 

الفائدة الرابعة: الحديثُ فيه دلالة على أنَّ السنة أن يكون الطَّواف بعد النحر، فيكون ترتيبُ الأعمال في يوم النحر كما يلي: رمىٌ، ثم نحرٌ، ثم حلقٌ، ثم طوافٌ، ثم سعىٌ، والسَّعيُ لم يأتِ ذكره في الحديث؛ لأنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قدَّم سعي الحج بعد طواف القدوم، وتقدَّم الكلام عنه في أول الحديث، ولا بأسَ بمخالفة الترتيب في هذه الأعمال، بدلالة حديث ابن عمرو رضي الله عنه وقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لكل من قدَّم أو أخَّر في هذا اليوم: ((افعل ولا حرج))؛ مُتفق عليه.

 

وللحاجِّ أن يؤخر طوافَ الإفاضة، وجمهور العلماء على أنَّه له تأخيره، ولو بعد ذي الحجة، ولكن الأَحْوط ألاَّ يؤخره إلاَّ بعذر من مرض، أو نفاس ونحوه؛ "انظر: بدائع الصنائع (2/ 132)، المجموع (8/ 224)"، وكذا يقال: إنَّه يجوز تقديم طواف الإفاضة ليلة النحر، إذا كان وقف قبلها بعَرَفة، وبات بمزدلفة، وذلك للضعفة ككبير السن، أو نساء يخاف عليهن الزحام، أو نزول العادة الشهرية؛ "انظر: فتاوى ابن باز، (17/ 284)".

وعليه يقال: لطواف الإفاضة ثلاث أحوال:
الأول: تقديمه، بأن يكون بعد غيبوبة القمر ليلة النحر، وهو جائز للضعفة الذين يُخاف عليهم، ومن قام بشأنهم من الأقوياء.

الثاني: يوم النحر: وهو فعل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وهو الأفضل في تطبيق هذا النسك.

الثالث: تأخيره عن يوم النحر، وتقدَّم أنه يَجوز أن يؤخره عن يوم النحر في أي يوم من أيام التشريق ولو بعدها.

 

الفائدة الخامسة: الحديثُ فيه دلالة على أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم صلى الظهر بمكة، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه عند مسلم: "إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أفاض يومَ النحر، ثم رجع فصلى بمنًى"، وبينهما تعارض، والجمع بينهما أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم صلى الظهر بمكة في أول وقتها، ثم رجع إلى منًى، فصلى بها الظهر مرة أخرى بأصحابه؛ "انظر: شرح النووي لمسلم، حديث (1218)".

الفائدة السادسة:
الحديثُ فيه بيان بركة وقت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم حيث خرج من مُزدلفة بعد ما أسفر إلى منًى، ثم رمى جمرة العَقَبَة، ثم نحر ثلاثًا وستين بدنة، ثم حَلَق، ثم ذهب إلى مكة وطاف، وكل ذلك قبل صلاة الظهر، ولا تنسَ أنَّه يتخلل هذه الأعمال انشغالٌ مِن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بالناس يُبيِّن لهم ما يحتاجون بيانه، وأن دوابَّهم ليست سريعة كاليوم.

الفائدة السابعة: الحديثُ فيه بيان أنَّ الأفضل لمن طاف طواف الإفاضة أنْ يشربَ من ماء زمزم؛ لفعله صلَّى الله عليه وسلَّم حيث أتى بني عبدالمطلب يسقون على زمزم، فناولوه دلوًا، فشرب منه، وقال لهم قبل ذلك: ((انْزِعُوا)) بكسر الزاي؛ أي: استقوا بالدِّلاَء للنَّاس، ((فلولا أن يَغْلِبَكم الناسُ على سِقَايَتِكم لَنَزَعْت معكم))، وهذا فيه خصوصية بني عبدالمطلب بالسِّقاية، وفيه فضيلة عملهم هذا؛ حيث صدَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أن يعمل كعَملِهم خشيةُ المشقة على الناس، وهذا من رأفته صلَّى الله عليه وسلَّم بأُمَّتِه؛ حيث خَشِيَ أن لو سقى مع بني عبدالمطلب، لازدحم الناسُ بعد ذلك؛ رغبةً أن يفعلوا كما فعل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. 

هذه جملةٌ من الفوائد أو الإشارات في هذا الحديث العظيم، ذكرتُها من غير بسط ولا إخلال، وإنَّما تناولت ما جاء في حديث الباب، ولم يأتِ في الحديث فعلُ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أيامَ التشريق في اليومِ الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم في هذه الأيام بات لياليها في منًى، ورمى في نَهارها بعد الزوال الجمارَ الثلاث، بادئًا بالصُّغرى، ثم دعا بعدها طويلاً، ثم الوُسطى، ثم دعا بعدها طويلاً، ثم الكبرى ولا يدعو بعدها، كل جمرة بسبع حَصَيَات يكبِّر مع كل حصاة.

وفي اليوم الثالث من أيام التشريق - يوم الثلاثاء - خرج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من منى إلى المحصَّب وهو الأَبْطَحُ بعد ما رمى جمارَ ذلك اليوم، وصلى في الأبطح الظهر، والعصر، والمغرب والعشاء، وكان أبو رافع رضي الله عنه قد ضرب قبة للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الأبطح، ثم طاف النبي صلَّى الله عليه وسلَّم للوداع ليلاً في السحر، ثم صلى الفجر يومَ الرابع عشر في المسجد الحرام، ثم ارتحل راجعًا إلى المدينة صلَّى الله عليه وسلَّم؛ "انظر: زاد المعاد، (2 / 290، 295)".

شرح هذا الحديث مستل من شرح مسلم.


الشيخ/ عبدالله بن حمود الفريح.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها عنه جابر رضي الله عنه
  • حجة النبي كما رواها جابر رضي الله عنه
  • الفوائد الفقهية والتربوية من حديث جابر رضي الله عنه
  • ضمن جولة في صحيح مسلم: اللمعة في بيان صفات السبعة
  • ضمن جولة في صحيح مسلم: تنبيه المستنين إلى أن كل بدعة ضلالة في الدين
  • ضمن جولة في صحيح مسلم: الاستقامة ثمراتها وثوابتها ومعوقاتها
  • ضمن جولة في صحيح مسلم: الحياء أنواعه وبعض مباحثه
  • ضمن جولة في صحيح مسلم: الكنز المفقود.. القناعة في الرزق
  • ضمن جولة في صحيح مسلم: المسلم بين الإنفاق والإقتار
  • ضمن جولة في صحيح مسلم: الصبر (معناه وأهميته وأنواعه وعشرون ثمرة له)
  • جولة في أعالي المحروسة (1)
  • حكم رواية أبي الزبير عن جابر في صحيح مسلم
  • مخطوطات صحيح مسلم ومطبوعاته
  • 100 فائدة من فوائد حديث: ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق
  • النفائس والدر في فوائد حديث: ( والله لتنتهين أو لأكتبن إلى عمر )

مختارات من الشبكة

  • ضمن جولة في صحيح مسلم: تنبيه المستنين إلى أن كل بدعة ضلالة في الدين(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الجمع بين الصحيحين: صحيح البخاري وصحيح مسلم(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • إتحاف المسلم بوجيز فوائد "صحيح مسلم" (كتاب الحج)(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • أستراليا: تعيين أول داعية مسلم ضمن قوات الدفاع(مقالة - المسلمون في العالم)
  • علوم ضمنها زيني زاده في كتاب الفوائد الشافية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دراسة حديث: الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
  • يوم عاشوراء من صحيح الكتب الستة(مقالة - ملفات خاصة)
  • شرح جامع الترمذي في السنن (باب ما جاء أن الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن)(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • معرض إسلامي بمكتبة ميلبورن ضمن فعاليات شهر التراث الإسلامي بنيوجيرسي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ثلاثة ضمن الله لهم الرزق والجنة(محاضرة - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
3- جزاكم الله خيرا
عبدالعزيز الزايد 22-11-2009 03:55 PM
بارك الله فيكم على ما تقدمونه في العقيدة وغيرها .
2- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تلميذة الشيخ - السعودية 20-11-2009 01:04 PM
بارك الله في الشيخ وفي علمه ولاحرمه الله أجر ماشرح وماكتب وجعل ذلك في ميزان حسناته ونفع الله به وبعلمه ....
1- جهد رائع
أم عبدالله - السعودية 18-11-2009 05:41 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


ماشاء الله تبارك الله جهد رائع وعمل متقبل بإذن الله


أسأل الله أن ينفع بكم وبعلمكم الإسلام والمسلمين
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب