تحقيق تخريج مسألة (اتق دعوة المظلوم)

تحقيق تخريج مسألة

(اتق دعوة المظلوم)

قال ابن أبي حاتم في كتاب العلل: سمعت أبي وحدثنا عن حرملة، عن ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد[1]، عن يحيى بن محمد بن صيفي، عن كريب، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: " اتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس لها حجاب دون الله، وإنك ستقدم على قوم فادعهم إلى التوحيد، فإذا أقروا بذلك فقل: إنّ الله فرض عليكم خمس صلوات، فإذا أقروا بذلك فقل: إنّ الله فرض عليكم صدقة في أموالكم ويعاد بها على فقرائكم، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم، وتوق كرائم أموال الناس ".

قال أبي: إنما هو يحيى بن عبدالله بن صيفي، عن أبي معبد، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. كذا رواه زكريا بن إسحاق.

رجال الإسناد:

• حرملة، هو ابن يحيى بن حرملة التُّجيبي، أبو حفص المصري (ت 243 تقريباً).

روى عن ابن وهب، والشافعي، وعبدالله بن صالح، وغيرهم.

روى عنه مسلم، وابن ماجه، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وبقي بن مخلد، وغيرهم.

قال ابن معين، والعقيلي: كان أعلم الناس بابن وهب. ونظر إليه ابن أشهب فقال: هذا خير أهل المسجد، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن يونس: كان من أملأ الناس عن ابن وهب.

وقال أحمد بن صالح: صنف ابن وهب مائة ألف حديث وعشرين ألف حديث، عند بعض الناس منها النصف - يعني نفسه -، وعند بعض الناس منها الكل - يعني حرملة -

وقال محمد بن موسى الحضرمي: حديث ابن وهب كله عند حرملة إلا حديثين؛ حديث يتفرد به عن ابن وهب أبو الطاهر بن السرح، وحديث يرويه عن ابن وهب الغرباء.

ونقل أبو عمر الكندي أن سبب كثرة سماعه من ابن وهب أن ابن وهب استخفى عندهم لما طلب للقضاء.

وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به. وقال ابن عدي: سألت عبدالله بن محمد ابن إبراهيم الفرهاذاني أن يملى شيئاً من حديث حرملة، فقال لي: يا بني وما تصنع بحرملة؟ حرملة ضعيف، ثم أملى علي عن حرملة ثلاثة أحاديث لم يزدني عليها.

قال ابن عدي: وقد تبحرت حديث حرملة، وفتشته الكثير، فلم أجد في حديثه ما يجب أن يُضعَّف من أجله، ورجل توارى ابن وهب عندهم، ويكون حديثه كله عنده، فليس بعيداً أن يغرب على غيره من أصحاب ابن وهب كتباً ونسخاً...، وأما حمل أحمد بن صالح عليه؛ فإن أحمد بن صالح سمع في كتبه من ابن وهب فأعطاه نصف سماعه، ومنعه النصف، فتولد بينهما العداوة من هذا، وكان من يبدأ بحرملة إذا دخل مصر لا يحدثه أحمد بن صالح، وما رأينا أحداً جمع بينهما، فكتب عنهما جميعاً، ورأينا أن من عنده حرملة ليس عنده أحمد بن صالح، ومن عنده أحمد ليس عنده حرملة.

قال الذهبي في الميزان: أحد الأئمة الثقات، ورواية ابن وهب... يكفيه أن ابن معين قد أثنى عليه وهو أصغر منه.

وقال في الكاشف: صدوق. وقال في المغني: صدوق يغرب.

قال ابن حجر: صدوق.

قلت: وهو من أعلم الناس بابن وهب، والله أعلم.

تهذيب الكمال 5/ 548، الميزان 1/ 472، التهذيب 2/ 229، التقريب (1175).

• ابن وهب، هو عبدالله، ثقة حافظ، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 509.

• ابن لهيعة: عبدالله، ضعيف، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 506.

• خالد بن يزيد، هو الجُمَحي، أبو عبد الرحيم المصري (ت 139)

ثقة، متفق على توثيقه.

انظر تهذيب الكمال 8/ 208، السير 9/ 414، التهذيب 3/ 129، التقريب (1691).

• يحيى بن عبدالله بن محمد بن صيفي، ويقال: يحيى بن محمد بن عبدالله، ويقال:

يحيى بن عبدالله بن صيفي. متفق على توثيقه. قال ابن حجر: ثقة من السادسة.

انظر تهذيب الكمال 31/ 416، التهذيب 11/ 242، التقريب (7589).

• كريب بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم، المدني، مولى ابن عباس (ت 98).

ثقة، متفق على توثيقه.

تهذيب الكمال 24/ 172، السير 4/ 479، التهذيب 8/ 433، التقريب (5638).

• ابن عباس: عبدالله - رضي الله عنه - صحابي، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 525.

• أبو معبد: نافذ المكي، مولى ابن عباس (ت 104).

ثقة، متفق على توثيقه. قال عمرو بن دينار: كان من أصدق موالي ابن عباس.

تهذيب الكمال 29/ 268، التهذيب 10/ 404، التقريب (7071).

• زكريا بن إسحاق المكي، ثقة، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 525.

تخريج الحديث:

روى يحيى بن عبدالله بن صيفي هذا الحديث، واختلف عليه، وعلى أكثر الرواة عنه:

أولاً: رواه ابن لهيعة، واختلف عليه:

1- فرواه ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن يحيى بن صيفي، عن كريب، عن ابن عباس.

2- فرواه أبو الأسود، عن ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن يحيى بن صيفي، عن أبي معبد، عن ابن عباس.

وتابع خالد بن يزيد على هذا الوجه: زكريا بن إسحاق، كما سيأتي.

3- ورواه أبو الأسود أيضاً، عن ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن يحيى بن صيفي، عن أبي معبد، مرسلاً، ولم يذكر ابن عباس.

وتابع خالد بن يزيد عليه: المثنى بن الصباح.

كما تابعه زكريا بن إسحاق، كما سيأتي في الاختلاف عليه.

ثانياً: ورواه زكريا بن إسحاق، واختلف على أحد الرواة عنه:

1- فرواه عدد من الثقات، عن ابن المبارك، عن زكريا، عن يحيى بن صيفي، عن أبي معبد، عن ابن عباس.

وتابع ابن المبارك على هذا الوجه عدد كبير من الثقات.

2- ورواه علي بن الحسن بن شقيق، عن ابن المبارك، عن زكريا، عن يحيى، عن أبي معبد، مرسلاً.

وفيما يلي تفصيل ما تقدم:

أولاً: رواه ابن لهيعة، واختلف عليه:

1- فرواه ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن يحيى بن صيفي، عن كريب، عن ابن عباس، مرفوعاً:

أخرجه المصنف في هذه المسألة، عن أبيه، عن حرملة، عن ابن وهب، به.

2- ورواه أبو الأسود، عن ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن يحيى بن صيفي، عن أبي معبد، عن ابن عباس:

أخرجه أبو عبيد في الأموال (ص 407)، رقم 1084، عن أبي الأسود به.

وتابع خالد بن يزيد عليه: زكريا بن إسحاق، كما سيأتي.

3- ورواه أبو الأسود أيضاً، عن ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن يحيى بن صيفي، عن أبي معبد، مرسلاً، ولم يذكر ابن عباس:

أخرجه ابن زنجويه في الأموال 3/ 1191، رقم 2238، عن أبي الأسود، به.

وتابع خالد بن يزيد عليه: المثنى بن الصباح:

أخرجه ابن زنجويه في الأموال 3/ 1192، رقم 2240، عن سفيان، عن ابن المبارك، عن المثنى بن الصباح، به، ولم يذكر ابن عباس.

كما تابعه زكريا بن إسحاق، ولكنه من وجه مرجوح عنه، كما سيأتي.

قلت: والمثنى بن الصباح: ضعيف اختلط بأخرة (التقريب 6471).

ومما تقدم يتضح أن أرجح هذه الأوجه هو الوجه الثاني؛ حيث توبع خالد بن يزيد عليه من ثقة، كما سيأتي، وأما متابعة المثنى في الوجه الثالث فلا تفيد؛ لأنه هو ضعيف أيضاً، ومتابعة زكريا بن إسحاق مرجوحة.

ولعل الحمل في هذا الاختلاف على ابن لهيعة؛ حيث تقدم أنه ضعيف من جهة ضبطه، والله أعلم.

ثانياً: ورواه زكريا بن إسحاق، واختلف على أحد الرواة عنه:

1- فرواه عدد من الثقات، عن ابن المبارك، عن زكريا، عن يحيى بن صيفي، عن أبي معبد عن ابن عباس، مرفوعاً:

أخرجه البخاري 3/ 418 (مع الفتح)، كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء...، رقم 1496 - ومن طريقه ابن حزم في المحلى 5/ 270 -. عن محمد بن مقاتل.

والبخاري 7/ 661، كتاب المغازي، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن، رقم 4347 والبيهقي في الكبرى 4/ 96، وفي الصغرى 2/ 73، رقم 1259، من طريق عبدان.

والبيهقي في الكبرى 7/ 7، من طريق حبان بن موسى.

وابن زنجويه في الأموال 3/ 1192، رقم 2239، عن سفيان بن عبد الملك.

كلهم عن ابن المبارك، به.

وتوبع ابن المبارك على هذا الوجه:

أخرجه البخاري 3/ 307 (مع الفتح)، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، رقم 1395 وفي 13/ 359، كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى، رقم 7371 - ومن طريقه ابن عبد الهادي في مسألة التوحيد ص 51، رقم 5، والعلائي في الأربعين المغنية بفنونها عن المعين (ق 78/ ب)، ورواه مسلم 1/ 51، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإيمان، رقم 30، وابن خزيمة 4/ 23، رقم 2275، و4/ 58، رقم 2346 - ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج 1/ 114، رقم 111 -، ورواه الدارمي 1/ 318، 1622، 1/ 322، رقم 1638، وابن مندة في الإيمان 1/ 252، رقم 116. من طريق أبي عاصم الضحاك بن مخلد.والبخاري 3/ 377 (مع الفتح) كتاب الزكاة، باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة، رقم 1458، وفي 13/ 359، كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاهء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى، رقم 7372، ومسلم 1/ 51، الموضع السابق رقم 31، وأبو عوانة 3/ 63، وأبو نعيم في المستخرج 1/ 114، رقم 112، وابن حبان 1/ 370، رقم 156، والدارقطني 2/ 136، رقم 5، والبيهقي في الكبرى 4/ 101، و7/ 2، وفي المدخل (ص 232)، رقم 314، والطبراني في الكبير 11/ 426، رقم 12207، 12208، وابن مندة في الإيمان 1/ 257، رقم 118، وفي 2/ 379، رقم 213، 214، وأبو نعيم في الحلية 1/ 23، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 314، رقم 308، والوزير عيسى بن علي الجراح في الثاني من أماليه (ق 35/ ب).

من طريق إسماعيل بن أمية.

والبخاري 5/ 121، كتاب المظالم، باب الاتقاء والحذر من دعوة المظلوم، رقم 2448، ومسلم 1/ 50، الموضع السابق، رقم 29/ 19، وابن أبي شيبة في المصنف 3/ 114، 126، وفي مسنده (ق 76/ أ) - ومن طريقه مسلم[2] 1/ 50، الموضع السابق، رقم 29/ 19 (ومن طريق مسلم ابن عبد الهادي في مسألة التوحيد ص 72، رقم 31).

وأخرجه من طريق ابن أبي شيبة أيضاً أبو نعيم في المستخرج 1/ 114، رقم 110، وابن مندة في الإيمان 1/ 253، رقم 117 -، ورواه أحمد 1/ 233 - ومن طريقه أبو داود 2/ 242، كتاب الزكاة، باب زكاة السائمة، رقم 1584، وأبو نعيم في المستخرج 1/ 114، رقم 110، والبيهقي في الكبرى 6/ 93، وابن مندة في الإيمان 1/ 253، رقم 117 -، ورواه الترمذي 3/ 12، كتاب الزكاة، باب ما جاء في أخذ خيار المال في الصدقة/ رقم 625 - ومن طريقه البغوي في شرح السنة 5/ 472، رقم 1557، وفي تفسيره 2/ 305 -، ورواه النسائي 5/ 55، كتاب الزكاة، باب إخراج الزكاة من بلد إلى بلد، رقم 2522، وابن ماجه 1/ 568، كتاب الزكاة، باب فرض الزكاة، رقم 1783، وابن خزيمة 4/ 58، رقم 2346، والطوسي في مختصر الأحكام 3/ 209، رقم 579، والدارقطني 2/ 135، 136، رقم 4، والبيهقي في الكبرى 7/ 8، وفي شعب الإيمان 1/ 101، رقم 88، والشافعي في الأم 2/ 83، و6/ 71، 83، وأحمد 1/ 233 - ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق 2/ 46، رقم 991، والمزي في تهذيب الكمال 29/ 271 ـ. من طريق وكيع.

وابن أبي عمر العدني في كتاب الإيمان (ص 141)، رقم 76 - ومن طريقه مسلم 1/ 51 الموضع السابق، رقم 30، وأبو نعيم في المستخرج 1/ 114، رقم 111 -، عن بشر بن السري.

والنسائي 5/ 2، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، رقم 2435، من طريق المعافى.

والشافعي في مسنده 1/ 218، رقم 604، وفي الأم 6/ 71، عن الثقة.

والبلاذري في فتوح البلدان[3] 1/ 86، رقم 224، من طريق قزعة بن سويد الباهلي.

والدارقطني في العلل 6/ 36، من طريق سفيان الثوري.

وتابعهم: عبد الأعلى بن عبد الأعلى؛ ذكر ذلك ابن مندة في الإيمان 1/ 254.

كلهم عن زكريا بن إسحاق، عن يحيى بن صيفي، عن أبي معبد، عن ابن عباس.

2- ورواه علي بن الحسن بن شقيق، عن ابن المبارك، عن زكريا، عن يحيى، عن أبي معبد، مرسلاً:

أخرجه ابن زنجويه في الأموال 3/ 882، رقم 1559، عن علي بن الحسن، عن ابن المبارك، به.

وعلي بن الحسن: ثقة حافظ (التقريب 4706)، ولكن خالفه عدد من الثقات، فرووه على الوجه الأول، وعليه فروايته شاذة، والله أعلم.

النظر في المسألة:

مما تقدم يتضح أنه اختلف على ابن صيفي، وعلى من دونه، وخلاصة ما تقدم ما يلي:

1- رواه خالد بن يزيد - من وجه لا يثبت عنه -، عن يحيى بن صيفي، عن كريب، عن ابن عباس.

2- ورواه زكريا بن إسحاق، وخالد بن يزيد، عن يحيى بن صيفي، عن أبي معبد، عن ابن عباس.

3- ورواه خالد بن يزيد، وزكريا بن إسحاق - في وجه لا يثبت عنهما -، والمثنى بن الصباح، ثلاثتهم، عن يحيى بن صيفي، عن أبي معبد، مرسلاً، ولم يذكروا ابن عباس.

وأرجح هذه الأوجه هو الوجه الثاني؛ حيث رواه زكريا بن إسحاق، وهو ثقة، ولا اعتبار لمتابعة خالد بن يزيد في الترجيح؛ لأنها من رواية ابن لهيعة عنه، وهو ضعيف كما تقدم.

وأما الوجه الأول فلا يثبت عن خالد؛ لأنه من رواية ابن لهيعة أيضاً.

وكذا الوجه الثالث؛ حيث تقدم أنه وجه مرجوح أيضاً عن خالد وزكريا، أما متابعة المثنى فلا تفيد أيضاً؛ لأنه ضعيف، كما تقدم، والله أعلم.

ومنه يتضح صحة ما ذهب إليه أبو حاتم من ترجيحه لرواية زكريا له على الوجه الثاني.

والحديث من وجهه الراجح صحيح متفق عليه، كما تقدم، والله أعلم.