• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الحديث وعلومه
علامة باركود

وسائل التواصل المباشر في الإجازات الحديثية

وسائل التواصل المباشر في الإجازات الحديثية
أسامة بديع سعيدان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/2/2015 ميلادي - 2/5/1436 هجري

الزيارات: 20902

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وسائل التواصل المباشر في الإجازات الحديثية

 

المطلب الأول: التواصل الشخصي بالصوت أو بالصورة:

ما المقصودُ بـ (وسائل التواصل المباشر الشخصي بالصوت أو بالصورة)؟ إنّ وسائل التواصل المباشر نوعان: عامّة وشخصية:

فأمّا العامّة فالمقصودُ بها البثُّ الحيُّ عن طريق الرّائي التلفاز أو الإنترنت، بحيث إنه يَستطيعُ أيُّ شخصٍ سماعَ الـمُتَكلِّمينَ أو رؤيتَهم سواءٌ كان البثُّ مجانيّاً أم لا، والضّابطُ لكون التواصل عامًّا: أنه يُمكنُ لأيِّ شخصٍ ادّعاءُ السماع دونَ عِلم أيِّ شخص آخر.

 

وأمّا الشّخصيّةُ فالمقصودُ بها أنّ طَرَفَي التواصل يَعرفون بعضَهما سواءٌ كانا واحداً مع واحدٍ أم أكثر مع أكثر، كما إذا تواصل الطالبُ أو الطَّلَبَةُ مع المحدِّث عبرَ الجوال أو عبرَ الإنترنت بحيث يَعرِفُ الطَّلَبَةُ بعضَهم ويَعرِفُ المحدِّث الطَّلَبَة ولو على وجه الإجمال، ففي هذه الحالة يكون الطَّلَبَةُ معروفين مَضْبوطي العدد مَحصورينَ ولو عموماً، والضّابطُ لكون التواصل شخصيًّا: أنه لا يمكن لأيِّ شخصٍ ادّعاءُ السماع مع الطَّلَبة مِن غير عِلمِهم وعِلم الشيخ.


والآنَ يَبدأُ الكلامُ عن حكم السماع عبرَ وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ الحديثةِ المباشِرةِ الشخصيةِ، فأوّلاً ذِكْرُ أدلّة الـمُصَحِّحين للسماع، ثم ثانياً ذِكْرُ أدلّة القائلين بعدم الصّحّة[1]، ثم ثالثاً ذِكْرُ الترجيح، والله أعلم.


أوّلاً: أدلة صحّة السماع عبرَ وسائل التواصل المباشر الشخصية: ثمة بعض الأدلة التي يمكن الاحتجاج بها على أن التواصل عبر الوسائل المباشرة يُعتبَرُ سماعاً حقيقياً، كَمَا لو كنت بجسدك تجلس أمام الشيخ في مجلس حقيقيّ واحد، وتَسمع منه مباشرة، أي: يحقّ لك أن تقول: سمعتُ الشيخ، وحدثني، ونحوها من عبارات السماع الحقيقي، بدليل:

• كلنا يشعر ويعلم يقيناً أننا عندما نتواصل مع المحدِّث فإننا نسمعه حقيقةً وكل كلمة يقولها فهو يقولها فعلاً في نفس اللحظة التي أسمعه بها، ولا نجد أي فرق بين أن نسمع صوت المحدِّث ونحن خارج المسجد وبين أن نسمعه ونحن خارج دولته.


• إن سماع المحدِّث عبر وسائل التواصل المباشرة أفضل وأقوى من سماع صوت المستملي الذي يُبَلِّغُنا ما يقوله المحدِّث، بل إن السماع عبرَ المستملي قد يَصلُنا مُغايراً لِما قاله الشيخ؛ لأنّ المستملي قد يخطئ في السماع أو في الفهم أو في الأداء، كما هو معروف في كتب التاريخ، وهذا لا يمكن أن يحدث في حالة السماع المباشر عبرَ وسائلِ التواصل الحديثة.


• علينا تَطويرُ وسائل العِلم وعدمُ التقيّدِ باصطلاحاتِ القدماءِ وأعرافِهم طالما أنّ التطويرَ والتحديثَ لا يتعارضُ مع أحكامِ الشريعة.


ثانياً: أدلة عدم صحّة السماع عبر وسائل التواصل المباشر الشخصيّة:

• إن ضَبْطَ العلماء لـ(اتحاد المجلس) واضحٌ ومُحَدَّد، وهو لا ينطبق على وسائل التواصل المباشرة، لذلك فلا يمكن قياسها عليه، ولا إنزال أحكامه الاصطلاحية عليها، فهذا قياسٌ مع الفارق الكبير والجوهري وإنْ كان ثمة خُدْعة بصرية وسمعية توحي باتحاد المجلس، كما سيأتي بيانه الآن في الرد على أدلة الخصم.


• لماذا تعتبرون أن وسائل التواصل المباشر الحديثة هي مسألةٌ جديدةٌ وتحتاج قياساً أو اجتهاداً لبيان حكمها وضوابطها؟! فاعتباركم هذا خطأ من أصله، وهذا ما يبطل كلامكم كاملاً بجميع قياساته وتفصيلاته، فوسائل التواصل المباشر الحديثة هي تماماً مثل القديمة مع فارق تقليص الوقت، وهذا لا عبرةَ به، وهذا سردٌ للتطور كي تتضح الصورة: إذا كان الشيخ في المغرب وكان الطالب في المشرق: فسابقاً كان المحدثُ يحدث فيسمعه طالبٌ، ثم يطلب الطالب من المحدث إجازةَ طالبِ المشرق، فيجيزه، ثم يسافر الطالب سفراً طويلاً حتى يصل إلى المشرق فيُبلّغ طالب المشرق بالإجازة، وهنا يستطيع طالب المشرق أن يروي عن المحدث بالإجازة أو أن يروي عن الطالب عن المحدث بالسماع، ومع تقدّم العلم قلّ الوقت حتى صار الطريق يأخذ عدة أشهر بالحافلات، ثم تقدّم فصار يأخذ عدة أيام بالسيارة، ثم تقدم فصار يأخذ عدة ساعات بالطائرة، ثم تقدّم فصار الطالب يُسجّل صوت المحدث وصورته ثم يشاهدها طالب المشرق، فلم يتغير الحكم، ثم تقدّم العلم فصار التسجيل يصل بغيرِ حَمْلِ الإنسان وصار يصل بثوانٍ قليلة، حيث إن المحدث يتكلم فتقوم آلات بتحويل صورته وصوته إلى ذبذبات كهربائية، ثم يتم نقل هذه الإشارات خلال ثوانٍ إلى المشرق، ثم تقوم آلات الطالب بالمشرق بتحويل الذبذبات الكهربائية إلى صوتٍ مسموع يماثل تماماً صوت المحدث وصورةٍ مرئية تماثل تماماً صورةَ المحدث، هذا هو التوصيف الحقيقي للمسألة، لذلك فحكمها مثل حكم الإجازة في القرون السابقة ولا يختلف الحكم؛ لأنّ زمن وصول ما قاله المحدث قلّ مِن الزَّمن الطويل إلى عدة ثوانٍ، وأمّا إيهام الناس بأن هذه مسألةٌ جديدةٌ وأنها تحتاج اجتهاداً جديداً أو قياساً على مسألة مشابهة فهذا غير صحيح.


وإنّ علماءنا بعدَ تَدوين الأحاديث قد نَقَلوها لنا مضبوطةً ضبطاً يُضاهي ضَبط آلات التسجيل، فهل يعني هذا أن نقول: حدَّثنا الإمام البخاريُّ!؛ لأننا مُتَيَقِّنون مِن أنه حَدَّث؟! قال العلاّمة عبد الفتاح أبو غدة: "إن علماءَنا المتقدمين -رضي الله عنهم- نَقَلوا لنا هذا الدِّين وعلومَه بضَبطٍ وإتقانٍ يُضاهي ضَبطَ الآلاتِ الـمُسَجِّلةِ اليومَ"[2].


• إن الشرط الرئيس للتلقي المباشر هو المشافهة، فإذا كثُر الطلاب حتى استحالت المشافهة واضطررنا للاستعانة بالمستملي - وهو بشرٌ حيٌّ - فقد اختلف العلماء في قَبول هذا السماع كما سبق[3]، فإذا كان السماعُ من المستملي نازلاً - ولو قليلاً بسبب هذا الخلاف - عن قوّة السماع مشافهةً فليس من الممكن قياس هذا على مَن بينهما آلاف الأميال، والواسطةُ آلاتٌ وليست بشراً، وما يَسمعُه الطالبُ هو صوتٌ مطابقٌ تماماً لصوت المحدِّث قد صَنَعَتْه الآلاتُ وليس نفسَ صوت المحدِّث.


ثالثاً: الرد على أدلة المخالفين:

• إنّ حقيقةَ السماع أو الرؤية لوسائل التواصل المباشر أنك تَرى رسماً مشابهاً تماماً للمحدِّث، وكذلك السماعُ، فإنك تَسمعُ صوتاً مشابهاً تماماً لصوتِ المحدِّث، والحقيقةُ أنك لا تَرى نفسَ شخصية المحدِّث ولا تَسمعُ نفسَ صوتِه، وإنّ جميعَ العبارات التي استخدمها الخصمُ هي غيرُ صحيحة، والمقصودُ منها إثارةُ الحالة النفسية فقط، فعباراتُ (كلنا) (يشعر) (يعلم) (يقيناً) (نسمعه) (حقيقةً) (في نفس اللحظة التي أسمعه بها) (لا نجد أي فرق)....إلخ كلُّها غيرُ صحيحة، وإنما هدفُها مسايرةُ ما نراه ونسمعه مِن تمثيلٍ للصورةِ والصوتِ وليس الحقيقة.


• إنّ الاستشهادَ بالسّماع مِن المستملِي وقياسَ السماعِ منه على السماع مِن آلةِ التواصل الحديثة قياسٌ مع الفارق، وسببُ الغشاوةِ في الرؤيةِ -عندَ الاستشهادِ والقياسِ على المستملِي- هو شدّةُ تأثّر طلابِ العلم اليومَ بما يَرونه ويَسمعونه عندَما يُشاهدون آلةَ التواصلِ المباشرِ الحديثة، ونكرِّرُ التأكيدَ على الفارق الجوهريّ بين النقل عبرَ وسيلةٍ إنسانيةٍ حيّةٍ وبين النقل عبرَ آلاتٍ جامدة، وإنّ ممّا يؤكِّد هذا الفارقَ أنّ أحدَ كبارِ العلماء المعاصِرين المخضرَمين -الذين أدركوا طويلاً وسائلَ التلقي القديمة ووسائلَ التواصل الحديثة- أخبرنا بأنّه ثمة مجالسُ لابن الصلاح قد نُقِلتْ لنا عبرَ علماء ثقاتٍ وبالتفاصيل الكاملة، حتى إنّ الصورة تتكامل في أذهاننا وكأنّ هذه المجالسَ قد سُجِّلتْ بالآلات الحديثة ثم رأينا تسجيلَها عِياناً، فهل يجوزُ لنا بعدَ سماعنا لكلامِ هذا العالم أن ندّعي سماعَنا مِن ابن الصلاح أو أن نقول: "سمعتُ ابن الصلاح قبل 800 عام!"، وهذا كلامُه أنقله حرفيّاً رغم طوله، قال عبد الفتاح أبو غدة: "هذه رسالةٌ لطيفةٌ سميتُها: (صفحة مشرقةٌ من تاريخ سماع الحديث عند المحدثين)، أوردتُ فيها نصًّا من نصوص سماع الحديث الشريف وتلقِّيه عن أئمتِه بالمشافَهة والإسناد، جاء ذلك النصُّ في آخر المجلّد الثامن من الكتاب الفَخْم الضَّخْم العظيم (السُّنَن الكبرى) للإمام البيهقي رحمةُ الله تعالى عليه.


رواه عنه بالسَّند إليه الإمامُ الحافظُ ابنُ الصلاح الشَّهْرَزُوري الـمَوْصِلي ثم الدمشقي، في دار الحديث الأشرفية بدمشق سنة 634هـ، في مجالسَ بلغتْ في المجلّد الثامن فقط 90 مجلساً، وتَحمَّلَه عن الحافظ ابن الصلاح وسَمِعَه منه شيوخُ العلم والحديث وطُلاّبه في أدَقِّ صورةٍ وأَضبطِ سماعٍ لتلك المجالس، التي كانت تُساقُ فيها روايةُ ذلك الكتاب الجليل مع العَرْض والمقابلة له على نسخةِ المؤلِّف الإمام البيهقي ونسخة الحافظ ابن عساكر الدمشقي.


وهي صورةٌ رائعةٌ ممتِعة، تُعرِّفنا بما كان عليه المحدِّثون الكبارُ من الضبط والإتقان والعنايةِ البالغة والتجويد العجيب لرواية الحديث بالسماعِ والإسناد، في مجالسهم وفي أخذ الرواة عنهم، حتى في الكُتُبِ الكبار كهذا الكتاب الحافل العظيم (السُّنن الكبرى)، وتُـمَـثِّلُ لنا في قِدَمِها من نحو ثماني مئة سنة ما كأنّا نشهدُه اليومَ في الوسائل الضابطة الدقيقة المصوِّرة كالتِّلْفاز.


فهي صورةٌ -غيرُ ناطقة ولا صَوْتيّةٍ- تُسجِّلُ تلك المجالسَ الحديثيّة، وحالَ الشيخ المحدِّث، وحالَ العلماءِ الطّلاّب الحاضرين فيها: سَماعاً وتلقِّياً، وحُضوراً وغِياباً، ويَقَظةً ونَوماً، وانتباهاً واشتغالاً، وتحدُّثاً ونسخاً، وفَوَاتاً واستكمالاً، كأنك تَشهدُهم في مجالسِ التحديث والتسميع، ولكن يَنقُصُها تسجيلُ الصوتِ والكلام، فهي صورةٌ صافيةٌ واعية لسماعٍ وتَحمُّلٍ وأداءٍ وأمانةٍ علميةٍ بالغة، تَـمَـيَّزَ بها آباؤنا وعلماؤنا المحدِّثون رضي الله عنهم، وتَميَّزَ عنهم فيها أيضاً الحافظُ الإمامُ ابن الصلاح رضي الله عنه " [4].


• وثمة دليلٌ ثانٍ على أنّ الاستشهادَ بالسماع مِن المستملي وقياسَ السماع منه على السماع مِن آلة التواصل المباشر استشهادٌ باطلٌ وقياسٌ مع الفارق، فأنتم بَنيتم استشهادَكم وقياسَكم على أنّ المستملِي هو ناقلٌ لكلامِ المحدِّثِ الـمُملي، ثم ساويتم بين نقلِ المستملي وبين نقل آلاتِ البثِّ المباشر، وهذا خطأٌ مِن أصلِه فضلاً عن الخطأِ في القياس مع الفارق، فالعلماءُ الذين أجازوا السماعَ مِن المستملي إنّما أجازوه لأنّ المستملي هو قارئٌ على الشيخ، ويَكفينا هذان النَّقلَانِ لتوضيحِ الفكرة وإثباتِها:

النَّقل الأول: قال الإمام النووي مُوَضِّحاً فائدةَ اتّخاذ المستملي إذا كثر الجمع: "والفائدة فيه توصُّلُ مَن يَسمعُ لفظَ الـمُملي على بعدٍ منه إلى تَفَهُّمِه وتَحقُّقِه[5]، وأمّا مَن لم يَسمعْ إلاّ المستملي فلا يجوزُ له روايةُ ذلك عن الـمُمْلي إلاّ أنْ يُبَيِّنَ الحالَ[6]" [7].


النَّقل الثاني: قال الإمام السخاوي في ترجيحه قَبولَ السماعِ مِن المستملي بشرطِ أن يَسمَعَه الشيخُ[8]: "وهذا هو الذي عليه العملُ بينَ أكابر المحدِّثين -الذين كان يعظمُ الجمعُ في مجالسهم جداً، ويجتمع فيها الفِئامُ مِن الناس، بحيث يبلغُ عددُهم ألوفاً مؤلَّفة، ويصعد المستملون على الأماكن المرتفعة، ويبلِّغون عن المشايخ ما يُـمْلون- أنّ مَن سَمِعَ المستمليَ -دونَ سماعِ لفظِ الـمُملي- جاز له أن يرويه عن الـمُملي، يعني: بشرطِ أنْ يَسمعَ الـمُملي لفظَ المستملي -وإنْ أطلقه ابنُ الصلاح- كالعرض سواءً; لأنّ المستملي في حكم القارئ على المملي". ثم قال ما مُختَصَرُه: "وحينئذٍ فلا يقال في الأداء لذلك: سمعتُ فلاناً، كما تقدّم في العرض، بل الأحوطُ بيانُ الواقع، كما فعلَه البخاريُّ وابنُ خزيمة وغيرُهما مِن الأئمة ممّن كان يقول: أَفهَمَني فلانٌ بعضَه، ...، قال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي: ما كتبتُ قطّ مِن فِي المستملي، ولا التفتُّ إليه، ولا أدري أيَّ شيءٍ يقول، إنما كنتُ أكتبُ عن فِي المحدِّث. وكذا تَورَّعَ آخرون وشَدَّدُوا في ذلك، قال ابن كثير: وهو القياس، والأوّلُ[9] أَصلَحُ للناس"[10].


• مِن المسائل المتَّفَقِ عليها بيننا أنه لا يجوز ولا يصحُّ اقتداءُ المأموم خلفَ تلفازٍ تُبَثُّ فيه صلاةُ الـحَـرَمِ المكِّيّ بثًّا مباشراً حتى ولو كان يَسمعُ صوتَ الإمام ويرى صورتَه، وهذا يعني أنّ النقل المباشر يختلف عن اتحاد المجلس، فلا تصحُّ المساواةُ بينَهما.

 

ثالثاً: ما أُرجِّحُه حول حكم السماع عبرَ وسائل التواصل المباشر الشخصية:

قبل ذكر ما أرجّحه سأستعرضُ وإيّاكم أغلبَ الأفكار التي مرّتْ مِن أوّل الرسالة حتى الآن، كي نَبني عليها حكمَ السماع:

(وجوب وضرورة إعادة بناء الحضارة الإسلامية)، (إمكانية أن نَشهَدَ انقراضاً لهذا العِلم)، (الحسابات الشخصية على الإنترنت قد تكون وهميةً وغيرَ حقيقية)، (تزايدُ أعداد مستخدمي طُرُقِ التواصلِ الاجتماعيِّ الحديثةِ للحصول على الإجازات)، (يجب ضبط طُرُق التلقّي الحديثة، ومعرفةُ أحكامها، وتمييزُ المقبول منها مِن المردود، قبلَ أن تتّسع التجاوزاتُ، فتصل إلى حدّ انهيارِ علم الإجازات وتلاشيه)، (ضَعْفُ طلاب العِلم عموماً وطلاب الحديث خصوصاً)، (تزايد محاولات القضاء على عِلم الحديث)، (حذّرَنا -نحن المسلمين في آخر الزمان- رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِن قَبول كلام مَن يُحدِّثنا بما لم نسمعه نحن ولا آباؤنا)، (وحذّرَنا -أيضاً- مِن أنه سيأتي زمانٌ يَتَمثّل فيه الشياطينُ بهيئة المحدِّثين، فيُحدِّثون الناسَ بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، فيَنشرُ مَن سَمِعهم هذه الأحاديثَ)، (الإسنادُ خَصِيصةٌ فاضلةٌ مِن خصائص هذه الأمة، وسُنةٌ بالغة من السُّنن المؤكَّدة، بل مِن فروض الكفاية)، ("لِيُبَلِّغ الشاهدُ منكم الغائبَ")، (لم يكنْ هذا العِلم في زمانٍ قطُّ تَعلُّمُه أَوجَبَ منه في زماننا هذا؛ لذهابِ مَن كان يُحسِن هذا الشأن، وقلَّةِ اشتغال طَلَبةِ العلم به)، (العِلمُ المكتملُ القواعد والأصول المقرَّرُ بألفاظٍ وتعابيرَ اصطلاحيّةٍ لا يَحِقُّ لأحدٍ أنْ يحاول تأصيلَ غيرِ ما اكتمل مِن قواعده، ولا أنْ يُقَرِّرَه بغير اصطلاحاته التي تَقرَّرَ عليها؛ لأنّ في فِعلِ شيءٍ مِن هذين الأمرين إضاعةً لذلك العِلم وتدميراً له)، (جميع المراحل التي مرَّ بها عِلمُ الحديث كانتْ تَطوّراتُها ونضوجُها نابعاً مِن الردّ على أخطار نشأتْ في كلّ مرحلة، وهذا ينطبق على مرحلةِ زمانِنا الآن -مرحلةِ الثورة الإلكترونية- مع زيادةِ شيءٍ جديدٍ، وهو أنه على علماء الحديث في هذا العصر أن يستفيدوا مِن هذه الثورة الهائلة العلمية في إعادة بَعْثِ هذا العِلم)، (يجبُ على مَن يريدُ إبداءَ رأيه وحُكمِه في موضوعِ بحثِنا أنْ يكون عالماً بعِلمَينِ اثنين: عِلم أمن المعلومات وطُرقِ الاحتيال ووسائلِ الحماية والحسابات الزائفة ونحوِها، وعِلم المصطلح وضوابطِه وآدابِه، وذلك كي يَتَصوّر المسائلَ مِن كلِّ حيثياتها، فيكون الحكمُ عليها حكماً صحيحاً)، (نورُ العِلم وبركتُه حقٌّ، وهو غير حفظِ المعلومات)، (نور العِلم وبركتُه أساسيّانِ لطالب الحديث وإلاّ ضَلَّ وأَضَلَّ، ولا يَتَحَصَّلُ نور العِلم ولا بركتُه إلاّ بالمشافهة؛ لِخاصِّيّةٍ جَعَلَها الله تعالى بين الـمُعلِّم والـمُتعلِّم، يَشهدُها كلُّ مَن زاول العلمَ والعلماء، ولأنّ قراءةَ الكتب أو سماعَ الأشرطة المسجَّلة اليومَ مِن غير مُشافهةِ العالِمِ لا تُعطي المعرفةَ الصحيحةَ الكاملة، ولا تُفيدُ العلمَ النَّقِيَّ المضبوطَ القويم، فهي مُعِينةٌ لا مُعَلِّمة، ومذكِّرة لا مُقَوِّمة، ولهذا قالوا: "مَن كان شيخُه الكتابَ كان خطؤه أكثَرَ مِن الصواب")، (بالنسبة لعِلم الإجازات والتلقي: كلّما عظمت المشقةُ كلّما زاد الأجرُ وزاد الانتفاع بنور العلم)، (يُمنَعُ وضع العِلم في غير أهله)، (يُسَنُّ الحرصُ على تقوية الإجازة ونوع التلقي)، (الأصلُ في تلقّي الحديث أن يَسمعَ الطالبُ قراءةَ الشيخ مِن غير أيّ واسطة مهما كانت)، (المنقطع ضعيفٌ ولو كان بين ثقتين إمامين)، (اختلفوا في قَبول سماع مَن كان ينسخ وقتَ القراءة)، (اختلفوا في حكم استفهام الكلمة مِن غير الشيخ)، (اختلفوا في قَبول السماع مِن المستملي)، (يجب معرفة كيفية تحقق عدالة الراوي وأحكامها في عصرنا مع مراعاة اختلاف الزمان بحسب قواعد عِلم المصطلح)، (الرُّؤى ليستْ مَصدَراً للحديث ولا غيرِه)، (الصالحون أحدُ مصادرِ الموضوعاتِ والكذب)، (يجب التّقيّدُ بأقسام التحمّل والتلقّي وصِيَغ الأداء)، (تجب معرفة الثقات والضعفاء المعاصِرين وأحكامهما، ثم تطبيقُها على نَقَلَة أخبارِ التلقّي وغيرها في عصرنا)، (الغريبُ خَطَرٌ، والمشهورُ أمانٌ)، (يجب اختبار الشيوخ بالسِّنَّينِ وجميعِ الطُّرُقِ حتى في عصرنا)، (ثمة خلافٌ في "نحوه" و"مثله")، (ثمة خلافٌ في التمييز بين "حدّثنا" و"أخبرنا")، (سماعُ الكلام لا يَعني بالضرورة أنه كلامُ إنسانٍ حقيقي)، (اختلفوا في الذي يَسمعُ الشيخَ مِن وراء حجابٍ)، (اختراقُ الثقاتِ فَنٌّ قديم)، (تزوير الأئمة فَنٌّ قديم)، (يجب ضَبْطُ سماعِ الطلاب وحفظُه)، (مِن وظائف طلاب العِلم والعلماء: مُثْبِتُ الأسماء أو كاتِبُ الطِّبَاق)، (لا قيمةَ ولا اعتبارَ لخوارق العادة كأهل الخطوة وسماعِ البعيد والسماعِ مِن الجنّ ونحوِها)، (اتحاد المجلس شرطٌ في بعض الأحكام الشرعية)، (علينا أنْ ننشر مجالس الإملاء على وسائل الإعلام قدْرَ استطاعتنا، ولكنْ لا يُعتَمَدُ السّماعُ إلاّ بحسب الضوابطِ لهذا السّماعِ الـمُحدَث).   وغير هذا ممّا تَقَدَّم الكلامُ عليه أو الإشارة إلى وجوب معرفته مِن مصادرِه ولم يُذكَر الآن، وكذلك يَحسُنُ الاطلاعُ على ما سيأتي في الفصل الثالث والرابع.


والآن - وبعدَ هذا السَّردِ للـمُقدِّماتِ - اتَّضَحَتْ الفكرةُ العامّة لمجموعها، وأصبحَ بإمكاننا الوصول إلى النتيجة التالية حولَ حكم السماع عبرَ وسائل التواصل المباشرِ الشخصيّة:

أوّلاً: إنّ السماعَ مشافهةً في مجلسٍ واحدٍ أَفضَلُ مِن السماعِ عبرَ وسائل التواصلِ المباشر الشخصيّة، وأعلى منه في كلِّ الأحوال والاعتبارات، وإنّ السماعَ مشافهةً هو طريقُ العِلم وسبيلُ العلماء وبه وَحْدَه يَنتَقِلُ نورُ العِلم وبركتُه وسِرُّه مِن الشيخ إلى الطالب.


ثانياً: يَصِحُّ السماعُ عبرَ وسائل التواصل المباشِر الشخصيّة إذا تَحَقَّقَتْ شروطُ صحّة السماع، وأمّا إذا اختلَّتْ فلا يَصِحُّ السماع ولا يُقبَلُ.


وهذه شروط صحّة السماع عَبـْرَها:

أولاً: يجبُ إيضاحُ أنّ السماعَ كان عبرَ وسائل التواصل المباشر: وهذا الإيضاحُ يكونُ بأيِّ عبارةٍ واضحةٍ صريحةٍ لا لَـبْـس فيها ولا تدليس، وهذا الشرطُ ضروريٌّ؛ كي لا يُتّهَمَ السامعُ بالكذب أو الغِشِّ أو التدليس.


ثانياً: إثبات السماع بأيّ طريقةٍ ما عدا إخبار السامِعِ ولو كان ثقةً: يجب إثباتُ السّماع بأيّ طريقةٍ، ولا يُقبَل خبرُ الثّقةِ عن نفسِه بأنه سَمِع، فصحيحٌ أنّ خبر الثقة عن نفسه بأنه سَمِعَ مِن المحدِّث مقبولٌ إجماعاً، إلاّ أنه مرفوضٌ غيرُ مقبولٍ -إجماعاً أيضاً- عندَما يُخبِرُنا عن سماعِه بواسطة كرامةٍ أو سماعِه من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في المنام، والسببُ في قَبول الخبر الأوّل ورفض الثاني على الرَّغم مِن صدورهما عن الشخص نفسِه أنه -في الحالة الأولى- ثمة قرائنُ يُمكننا مِن خلالها تَمييزُ صحّةِ خبره مِن بُطلانِه وتَمييزُ صدقِه مِن كذبه، كما أنّ الكَذَبَةَ يَصعُبُ عليهم جدًّا ادّعاءُ السماع الحقيقي بسبب كثرة القرائن التي تُظهر كذبَهم، وأمّا في الحالة الثانية فلا توجدُ قرائنُ واضحةٌ نستطيع مِن خلالها تمييزَ الصادق من الكاذب، كما أنّ عدمَ وجود القرائن يَفتحُ الباب أمامَ الكَذَبَةِ لادّعاء السماع، فمِن أجل هذين السَّبَبينِ وغيرِهما فإننا بحاجة لإثبات السماع، وإلاّ فهو مرفوضٌ ولو صَدَرَ مِن ثقةٍ سَدًّا لبابِ عدمِ إمكانية التمييز بينَ الصادق والكاذب[11].


ثالثاً: ضَبْط تفاصيل الإجازة: يجب ضبطُ تفاصيل معلومات الإجازة، وهي: مكانُ الشيخ، مكانُ الطالب، تاريخُ السماعِ بالتفصيل، وسيلةُ السماع، كيفيةُ إثباتِ السماع، ونحوُها، سواء كانت هذه التفاصيل مكتوبةً في إجازةِ الشيخِ للطالبِ أم محفوظةً في صدر الطالب والشهود.


رابعاً: التّقَيُّد بجميع ضوابط السماع والتلقّي الحقيقي: يجب التقيّد بجميع ضوابط السماع والإجازات التي ذكرها علماء هذا الفن مِن شروط الصحّة وآدابِ الشيخ والطالب والتلقّي وكل ما يتعلّق بهذا الفنّ، وليس مِن الـمَقبول أنْ يأتي في عصرنا مَن يحاول تغييرَ القواعدِ أو الآدابِ بحجّة تغيّر الزمان والوسائل، وهذا الشرطُ يحتاجُ لذكر جميع الضوابط والآداب المتعلِّقة بالتّلقّي والإجازات، ولكني لن أذكرها هنا استغناءً بذكرها في المباحث السابقة واللاحقة.


خامساً: إجازة الشيخِ لكلّ مَن سَمِعَ عبرَ وسائل التواصل المباشر الشخصية: وعدم الاكتفاءِ بالسماع عبرَها فقط، فهذا الاحتياطُ واجبٌ هنا لشدّةِ غموضِ المسألة، بخلافِ مسألةِ الإجازة بعدَ السماع مشافهةً، فتلك يُندَبُ فيها الإجازة احتياطاً مِن عدم سماعِ كلمةٍ ونحوِها.


سادساً: الالتزام بضوابطِ أمنِ المعلومات واحتياطاته: المقصود مِن هذا الشرط معرفةُ كيفية التعامل مع أمن المعلومات، والحِرصُ على الطرق الآمنة مِن الخِدَع والاختراقات وغيرها كما سَبَقَ بيانُها[12]، وهذا شرطٌ هامٌّ ولا يمكنُ الاستغناءُ عنه على الرغم مِن بُعْدِ طلبة الحديث عنه وقلّةِ معرفتهم به، وخصوصاً أنّ الإنترنت وجميعَ برامجه ومواقعه بيدِ أعداء الإسلام كاملاً حتى الآن، وهذا في عصرنا يماثلُ سابقاً ما لو وُجِدَ بعضُ طلاب الحديث الذين يُراسِلون الـمُسنِدينَ عن طريقِ البريدِ الخاصِّ باليهود والنصارى والمجوس ونحوِهم، فهل يُقبَلُ هذا التّراسلُ عَـبْـرَهم إلاّ إذا كان الـطالبُ والشيخُ عالِمَينِ بمَكْرِ البريد وطُرُقِ التَّثَبُّتِ والتَّحقّق مِن سلامة التّراسل؟!

 

سَبَقَ أنّ وسائل التواصل المباشر نوعان: عامّة وشخصيّة، وأنّ الضّابط لكون التواصل عامًّا: أنه يُمكنُ لأيِّ شخصٍ ادّعاءُ السماع بدون عِلم أيِّ شخص آخر، والمقصود: لا نستطيع التّحقّق مِن صحة دعواه، وأنّ الضّابطَ لكون التواصل شخصيًّا: أنه لا يمكن لأيِّ شخصٍ ادّعاءُ السماع مع الطَّلَبة بدون عِلمِهم وبدون عِلم الشيخ، والمقصود: نستطيع التّحقّق مِن صحة دعواه.


فكلُّ ما ذُكِرَ حول التواصل المباشر الشخصي يَنطبقُ هنا على التواصل المباشر العامّ، ما عدا مسألتَينِ:

الأولى: أنّ التواصل الشخصيّ أكثرُ ضبطاً ومصداقيةً من العامّ، وذلك أنّ التواصل الشخصيّ لن يستطيع ادعاءه كلُّ شخص غالباً؛ لأننا يمكن أن نختبر صدق الـمُدَّعِي بالسؤال عن رقم المحدِّث أو البرنامج الذي تواصل عبرَه أو الطريقةِ التي وَصَلَ بها إليه أو الكيفيةِ التي عامَلَه بها....إلخ، وأمّا بالنسبة للتواصل العامّ فكلُّ هذه الأمور لا تُفيدنا شيئاً في كشف كذبِ المدَّعِين؛ لأنهم بمجرد أن يقولوا بأنهم سمعوا الشيخَ أثناءَ البثِّ المباشرِ لمجلسه للإملاء فإننا لا نملك اختبارهم بأيّ سؤالٍ يُبيّن لنا حقيقةَ سماعِهم للمجلسِ مباشرةً أم تسجيلاً، هذا إذا كانوا قد سَمِعُوا أصلاً.


والثانية: أننا إذا قَبِلْنا هذا النوعَ مِن التلقي فلن نستطيع تمييزَ الصادقِ مِن الكاذب، وهذا أقوى دليلٍ على ردّ ورفض هذا النوعِ ولو كان مُدَّعِي التلقي عَـبْـرَه صادقاً، فكلُّ مَن ادعى السماع مِن محدِّث -وهو لم يَلْقَه بالوسائل العادية- فإنه كاذبٌ وحديثُه مردودٌ موضوع جزماً بإجماعِ الأمّة، حتى ولو كانوا يعتقدون صلاحَه وأنه مِن الممكن أن يكون قد لَقِيَه بخارقٍ للعادة، وهذه أربعةُ أدلةٍ قد سَبَقَ الكلامُ عنها بتوسّعٍ مع الأمثلة:

الأول: عدم قَبول المحدِّثين ادعاءَ أي شخص بأنه سمع من المحدِّث على سبيل الكشف، على الرَّغم من قَبولهم وتسليمهم حصولَ هذا لبعض الصالحين، كما سَبَقَ في قصة عمر رضي الله عنه عندما قال: "يا ساريةُ الجبلَ الجبلَ".


الثاني: لم يعتبر علماءُ الحديث ادعاءَ أيّ شخص أنه مِن أهل الخطوة على الرَّغم من قَبولهم وتسليمهم حصولَ هذا لبعض الصالحين، وثمة عشراتُ القصص التي رواها علماء الحديث المحقّقون.


الثالث: لم يعتبر علماءُ الحديث ادعاءَ أيّ شخص أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا فأخبره بحديثٍ أو صحّح له حديثاً أو كذّبه [13]، فكلُّ هذا لم يعتبروه، بل يَطعنون فيمَن يعتمد عليه، على الرغم من أنهم يعلمون أن رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم حقٌّ، وأنّ العلماء الصالحين يرون الحبيبَ صلى الله عليه وسلم ويُحدِّثهم ويحدِّثونه، بل ربّما سألوه عن مسائل علميّة، والأعظمُ مِن هذا أنه وَرَد أن بعضَ أئمة الحديث والجرح والتعديل والعلل كان يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا ويَأخذ بأمره فيها، ولكنّ إجماع الأمة مستقرٌّ على عدم اعتبار أي قيمةٍ للرؤيا أو ما يُقال فيها حتى لو كان الرائي صالحاً؛ وذلك لأنه لا يمكن ضبط الصادق من الكاذب في الرؤيا [14].


الرابع: لم يعتبر علماءُ الحديث ادّعاءَ أيّ شخص بأنه تلقّى الحديث عن الجنّ المؤمنين، عِلماً بأنّ الجميع يؤمن بالجنّ ويعلمون بأن أعمارهم أطولُ مِن أعمار البشر بكثير، ولكنّ رَفْضَ العلماء هذا التلقّي كان بسبب عدمِ إمكانية التحقّق من ثبوته، وعدمِ إمكانيةِ التمييزِ بينَ الصادق والكاذب.


وكذلك الوضعُ هنا: إذا قلنا بقَبول السماع من وسائل التواصل العامِّ الغيرِ المضبوطِ فلن نستطيع تمييزَ الصادق مِن الكاذب؛ لذلك سنَردّ الجميعَ سواء كان صادقاً أم كاذباً.


ملحوظة هامّة: ثمة خَلْطٌ بين السماع الحقيقي وبين اليقين بأنّ المحدِّث قال كذا: إنّ الذين يَقبلون السماعَ عبرَ وسائل التواصل المباشر ويَعتبرونه سماعاً حقيقياً إنما اختلَطَ عليهم الأمرُ فلم يُـمَيِّزوا بين اليقين بأنّ المحدِّث تَكَلَّم بكذا وكذا وبينَ أنْ يَسمعوا هذا الكلامَ حقيقةً، فعندما يَسمعون مِن التلفاز أو مِن الجوال يَتيقّنون أنّ المحدِّث يتكلّم ويقول الأحاديث، ولكن لا عِبْرَةَ ولا أَثَرَ لهذا اليقين في حرمةِ قول السامع: (حدَّثنا) و(سمعتُ). وأوضحُ مثالٍ للتمييز بين اليقين بالكلام وبينَ صحّةِ قولِ (حدّثنا) هو القرآن الكريم، فنحن متيقِّنون قطعاً بأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ناقلاً عن الله: (قل هو الله أحد)، ولكنْ لا يجوز لنا أن نقول: "سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم "!، وهنا كذلك.


حكم السماع عبرَ وسائل التواصل المباشر العامّ:

بعدَما استعرضنا الفروق بين وسائل التواصل المباشر الشخصيّ وبينَ العامّ نصلُ إلى النتيجة التالية:

لا يَصحُّ التلقّي والسماعُ عبرَ وسائل التواصل المباشر العامِّ، ولا يجوز للطالب أن يقول: (حدّثنا) و(سمعتُ) ونحوَها في هذه الحالة، حتى ولو نَصَّ صراحةً على أنه سَمِعَ عبرَ وسائل التواصلِ المباشر العامّ؛ وذلك سَدًّا لباب انعدامِ التمييز بين الصادق والكاذب بدليلٍ خارجيٍّ عن الـمُدَّعِي، وحتى ولو أَثْبَتَ سماعَه عبرَها بشهادة الثقات؛ لأنّ العلماءَ أجمعوا على عدم اعتبار التلقّي عبرَ خوارق العادة حتى ولو كنا مُتيقِّنين مِن صدقِ الـمُدَّعِي، والله أعلم.

 



[1] حتى تاريخ الانتهاء مِن كتابة هذه الرسالة لم أرَ كلامَ أحدٍ في هذه المسائل فضلاً عن أن أنقلَ أقوالَهم وأدلَّتَهم، ولكني جمعتُ كلَّ ما يمكنُ أن يكون دليلاً للمبيحين فجعلتُه دليلَهم، وكلَّ ما يمكنُ أن يكون دليلاً للمانعين فجلعتُه دليلَهم، وهكذا رَدُّهُم على المبيحين، ففي هذا الأسلوب تَنقيحٌ للأفكارِ وتوضيحٌ للرؤية وتَسديدٌ للنتائج، والله أعلم.

[2] أبو غدة، الإسناد من الدين، ص49.

[3] الـمُحال عليه ممّا تمّ حذفه في هذا المختصر.

[4] أبو غدة، الإسناد من الدين، ص78.

[5] المعنى: أنّ الطالبَ البعيدَ يَسمعُ صوت المحدِّث ولكنْ بدون فهمٍ وتَحقّقٍ له، لذلك يستعينُ بالمستملي ليَفهمَ ويَتحقَّقَ ما سمعَه مِن المحدِّث.

[6] أي: لا يجوز أن يَنقلَ الطالبُ عن الشيخ إلاّ أن يُبيِّنَ أنه سَمِعَ مِن المستملي ولم يَسمع مِن الشيخ، فمع البيانِ يَصحُّ اتصالُ السند؛ لأنه صار بين الطالب وبين الشيخِ واسطةٌ هي المستملي، وصار الإسنادُ هكذا: (الطالب حدثنا المستملي حدثنا الشيخ)، ويمكن التعبيرُ عن هذا بأيِّ طريقةٍ واضحةٍ، مثل: (سمعتُ مستملي الشيخ) أو: (عن الشيخ كما سمعتُه مِن المستملي).

[7] النَّوَوي، إرشاد طلاب الحقائق، ص168.

[8] أرجو التأكيد على علامات الترقيم وخاصة الجمل الاعتراضية، فأخطاءُ علامات الترقيم في النسخ المطبوعة جَعَلَ العباراتِ مُبهَمةً غيرَ واضحة المعنى، على الرَّغم مِن الأهميّة البالغة لهذه الفِقرة، علماً بأنّ الشاهدَ منها هو قول الإمام السخاوي: "بشرطِ أنْ يَسمعَ الـمُملي لفظَ المستملي" و "لأنّ المستملي في حكم القارئ على المملي".

[9] الأولُ هو: قَبول السماع مِن المستملي بشرطِ سماعِ الشيخ له، وهذا الشرط لم يَذكره ابن كثير وإنّما تَبعتُ فيه تَقييدَ السخاوي به، وانظر كلامَ ابن كثير وتعليقَ أحمد شاكر بأنه يُرَجِّحُ صحة السماع ولو لم يَسمع الشيخُ المستمليَ في: شاكر، أحمد محمد، الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، الطبعة الثانية، (بيروت، دار الكتب العلمية، بلا تاريخ)، ص117.

[10] السخاوي، فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي، 2/211.

[11] وأفضلُ طريقةٍ لإثبات السماع هي إنشاء هيئةٍ عالميّة رسميّةٍ مُتخصِّصةٍ بعلمِ السماع والتلقّي وكلِّ ما يَلزم له في عصرنا، بحيث إن هذه الهيئة تَضبطُ بشكلٍ علميٍّ رسميٍّ جميعَ مجالس الإملاء مِن كلِّ جوانبها، فهي التي تُثبتُ صحّة إجازات المحدِّث، وتُثبِتُ حقيقةَ الطَّلَبَة وصحّةَ سماعِهم، ثم تُصدِرُ شهادةً رسمية يَستحيلُ تزويرُها، فإذا فعلنا هذا فهذا إنجازٌ عظيمٌ لديننا ودنيانا، لذلك أرجو الاهتمام به والعملَ عليه، وقد يُقال: هل الأفضل الهيئةُ أم المنظَّمةُ أم المؤسَّسةُ أم غيرُها؟ وهل المقصود بالعالَميّة بحسب اعتراف الدول أم علماءِ العالَم؟ وما مدى رسمِيَّتِها؟ وما مستوى العامِلين فيها؟ وما المقصودُ من إحاطتها بكلِّ ما يلزم لها؟ وهل يمكنُ إصدارُ شهاداتٍ يَستحيلُ تزويرُها؟ وغيرَ هذا، فأقول: الآنَ المهمُّ الفكرةُ وقَبولُها والتسليمُ بأهميتها، ثمّ بعدَها تبدأ التفاصيلُ والخطوات العملية؛ فهي تحتاج أبحاثاً طويلةً، كما أنها بحاجة لتكاتفِ وتعاضُدِ الجهودِ والأفكار مِن وُرَّاثِ النبوّة مع الاستعانة بالـمُتخصِّصين مِن سائر العلوم.   وحتى وقتِ وجودِ هذه الهيئة يُمكنُ إثباتُ السماعِ بأيِّ طريقةٍ عِلميّةٍ منهجيّةٍ، ولو الطريقةَ نفسَها التي استعملها ابنُ الصلاح وسَبَقَ بيانُها في المبحث الثالث من الفصل الأول ص31-32، تحتَ عنوان: (ضَبْط المحدِّث لسماعِ الطلاب) و(مُثْبِت الأسماء أو كاتِبُ الطِّبَاق)، وبعدَها مباشرةً: (حِفْظُ السَّماع أو الطِّباق). ومِن الطرق المستعمَلَةِ حاليًّا: أن يُدَوِّنَ أحدُهم! اسمَ جميع السامعينَ عبرَ وسائل التواصل، ثم تُعلَن للجميع.

[12] في المطلب الرابع: (أمن المعلومات، والحسابات الزائفة، واختراق المواقع والحسابات الشخصية) من المبحث الثاني في الفصل الأول، ص26.

[13] هذا ما يسمى بـ(التصحيح الكَشْفي) و(التضعيف الكَشْفي).

[14] قال عبدُ الفتاح أبو غدة في تحقيقه لكتاب: القَارِي، علي بن سلطان، المصنوع في معرفة الحديث الموضوع، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، الطبعة الثانية، (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1398هـ 1978م)، ص273.

قال رادًّا على مَن شَذَّ فاعتمد (التصحيح الكشفي): "كيف استساغَ قَبولَ هذا الكلامِ الذي تُهدَرُ به علومُ المحدثين وقواعدُ الحديثِ والدِّين، ويُصبِحُ به أمرُ التصحيحِ والتضعيفِ مِن علماءِ الحديثِ شيئاً لا معنى له بالنسبةِ إلى مَن يقول: إنه مكاشَفٌ أو يَرى نفسَه أنه مكاشَفٌ؟!! ومتى كان لثبوتِ السُّنةِ المطهَّرةِ مصدرانِ: النقلُ الصحيحُ مِن المحدِّثينَ والكشفُ مِن المكاشَفِينَ؟!! فحذارِ أنْ تَغـتَـرَّ بهذا، والله يتولاك ويرعاك" ا.هـ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وسائل التواصل غير المباشر في الإجازات الحديثية
  • سؤال وجواب عن وسائل الاتصال الحديثة وخدمتها في العلوم الحديثية
  • توصيات للنهوض بعلم الإجازات
  • وسائل التواصل بين المنافع والمآزق

مختارات من الشبكة

  • ملخص رسالة: الإجازات الحديثية وضوابطها في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • مختصر الإجازات الحديثية وضوابطها في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • شرح قاعدة: إذا اجتمع المباشر والمتسبب أضيف الحكم إلى المباشر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صور الصرف عبر وسائل الاتصال التي تنقل المكتوب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آداب التلقي والإجازات عبر وسائل التواصل الإلكترونية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المقاطع الصوتية التعليمية وسيلة من وسائل تعليم الكتابة والهجاء(مقالة - حضارة الكلمة)
  • صور الصرف عبر وسائل الاتصال التي تنقل اللفظ(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخطابات الجماهيرية في الإعلام المعاصر(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من وسائل الإعلام المقروءة ( الكتاب )(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب