الميسر في بيان النجاسات

الميسر في بيان النجاسات

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله مُفقِّه المؤمنين، بكتابه المُبين، وسُنة خير المرسلين، عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصَحبه إلى يوم الدين، يومِ العدل والحق المبين، والفصل بين العالمين، أما بعد:

فالنَّجاسات: جمع نجاسةٍ، وهي كل شيء بيَّن الدليلُ الشرعيُّ نجاستَه، واستقذرَتْه النفوس السليمة، واحترزت منه؛ كالغائط والبول ودم الحيض.

وقد أوجب الشرعُ التطهُّر منها، واشترط ذلك للصلاة، وحرَّم أكلَها وشربَها، والتداويَ بها وبيعها؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة:222]، ومفهوم المخالفة أنه تعالى يُبغض النَّجِسين، عن ابن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلاَ صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ))؛ أخرج هذا الحديثَ مسلمٌ في صحيحه عن عبدالله بن عمر "224".

وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف:157]؛ وهي في الشرع كالتالي:

• غائط الآدمِي وروث الحيوانات المُحرَّم أكلُها: كالكلاب والحُمُر الأهلية؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا وطئ أحدكم الأذى بخُفَّيه، فطَهورهما التراب))؛ أخرجه أبو داود (رقم 386)، وعنه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا وطئ أحدكم بنعله في الأذى، فإن الترابَ لها طهور))؛ أبو داود (رقم 385)، وعن عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "أتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الغائطَ فأمَرَني أن آتيَهُ بثلاثةِ أحجار، فوجدتُ حَجَرينِ ولم أجد ثالثًا، فأتيْتُهُ برَوْثة، فأخذَهما وألقَى الرَّوثَة"، زاد ابنُ خزيمة: أنها "كانت روثة حمار"، وقال: ((إنها رِكس))؛ أي: رجس؛ صحيح البخاري "1 /256 رقم 156".

• بول الآدمي والحيوانات المُحرَّم أكلُها: عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: "جاء أَعرابيٌّ فبال في طائفة المسجد، فزجره الناسُ، فنهاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فلما قضى بولَه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بِذَنُوبٍ من ماء فَأُهْريق عليه"؛ أخرجه البخاري "1 /324 رقم 221".

وأما الحيوانات التي يَحِل أكلها، فبَولها وروثها طاهرٌ؛ ففي صحيح البخاري أنه صلى الله عليه وسلم صلَّى في مرابض الغنم، وأنه صلى الله عليه وسلم أمر بالتداوي من أبوال الإبل وألبانِها.

وقد استنبط العلماءُ من نصوص الشرع قاعدةً مَفادُها: أن كل ما يُؤكل لحمُه فبَولُه ورَوثه طاهرٌ، وكل ما يَحرُم أكله فبوله وروثه نجس.

• دم الحيض والنفاس: عن أسماء بنت أبي بكر الصديق أنها قالت: سألَتِ امرأةٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيتَ إحدانا إذا أصاب ثوبَها الدمُ من الحيضة كيف تصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أصاب ثوبَ إحداكن الدمُ من الحيضة، فلتقرصه ثم لتنضحه بماء، ثم لتُصلِّ فيه))؛ صحيح البخاري "1 /410 رقم 307".

• الميتة، والمقطوع من الحي: فعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا دُبغ الإهابُ، فقد طَهُر))؛ أخرجه مسلم "1 /277 رقم 366"، والإهاب هو الجِلد الذي لم يُدبغ، وعن أبي واقد الليثِي قال: "قدِم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ، وبها ناسٌ يعمدون إلى أَلْيات الغنم وأسنمة الإبل يَجُبُّونها، فقال: ((ما قُطع من البهيمة وهي حية، فهو ميتةٌ))؛ أخرجه الترمذي "رقم 1480".

ويُستثنى من الميتة قرنُها، وشعرُها، وحافرها، وظفرها، وريشها، والسمك، والجراد، والحشرات، والآدمي المسلم، قال الزهري في عظام الموتى - نحو الفيلِ وغيره -: "أدركتُ ناسًا من سلف العلماء يمْتَشِطون بها، ويدَّهنون بها، لا يرون به بأسًا"؛ اللباب في فقه السنة والكتاب، لمحمد صبحي بن حسن حلاق ص 35، نقلاً عن ما ذكره البخاري في صحيحه "1 /342، رقم 67"، وقال صلى الله عليه وسلم: ((أُحِلَّ لنا ميتتان ودمان، أما الميتتان فالحوتُ والجرادُ، وأما الدَّمان فالكبد والطِّحال))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا وقع الذبابُ في شراب أحدِكم، فَلْيغمسه كُلَّه ثم ليطرَحْه؛ فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء))، وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تُنجِّسوا موتاكم؛ فإن المسلم لا ينجس حيًّا ولا ميتًا))؛ أخرجه الحاكم "1 /385".

• لُعاب الكلب: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ولَغ الكلبُ في إناء أحدِكم، فليُرقه، ثم ليَغسِلْه سبع مرَّات))؛ أخرجه مسلم "1 /234 رقم 279".

• المذي: هو ماءٌ ينزل أثناء المداعبة والقُبل، ويعني الرجل والمرأة معًا؛ فعن عليٍّ رضي الله عنه قال: "كنت رجلاً مذَّاءً، فاستحييتُ أن أسأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنتِه، فأمرتُ المقدادَ بن الأسود فسأله، فقال: ((يغسل ذكرَه ويتوضأ))"؛ أخرجه البخاري "رقم 178".

• الوَدْي: وهو ماءٌ يخرج بعد البول، وكذلك الوَدِيُّ بالتشديد. اللباب في فقه السنة والكتاب لمحمد صبحي بن حسن حلاق، نقلاً عن معجم مقاييس اللغة ص 38، ودليلُه الإجماع، قال النووي: "أجمعت الأمة على نجاسة المذي والودي"؛ اللباب في فقه السنة والكتاب، لمحمد صبحي بن حسن حلاق ص31، نقلاً عن المجموع للنووي (2 / 552).

وقد اختلف العلماءُ في الدم والخمرِ والخنزير والقَيء، والراجحُ عندنا واللهُ تعالى أعلم أنها طَاهرةٌ، وينبغي الإشارة إلى قاعدةٍ مهمةٍ عند الفقهاء أن كل نجس حرام، وليس كل حرامٍ نجسًا؛ أي: كل نجس يحرم أكلُه وشربُه، والتداوي به وبيعُه، وليس كل شيء حرَّمه الشرعُ نجسًا، فمالُ الربا حرامٌ وليس نجسًا، والله تعالى أعلم وأحكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.