• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة عيد الأضحى المبارك: لزوم الإيمان في الشدائد
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446هـ
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    دروس وأسرار من دعاء سيد الاستغفار
    د. محمد أحمد صبري النبتيتي
  •  
    تفسير قوله تعالى: { وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    حكم الأضحية
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    خطبة حجة الوداع والدروس المستفادة منها (خطبة)
    مطيع الظفاري
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    خطبة عيد الأضحى المبارك (الإخلاص طريق الخلاص)
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446هـ
    أحمد بن عبدالله الحزيمي
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446 هـ
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل يوم النحر
    محمد أنور محمد مرسال
  •  
    تخريج حديث: إذا أتى أحدكم البراز فلينزه قبلة ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    تحفة الرفيق بفضائل وأحكام أيام التشريق (خطبة)
    السيد مراد سلامة
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (العزيز، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}: فوائد وعظات
    د. محمد أحمد صبري النبتيتي
  •  
    إمساك المضحي عن الأخذ من الشعر والظفر في عشر ذي ...
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

قراءات في العلم من قصة خلق آدم صلى الله عليه وسلم

د. عبدالمنعم نعيمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/12/2014 ميلادي - 3/3/1436 هجري

الزيارات: 32282

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قراءات في العلم من قصة خلق آدم صلى الله عليه وسلم

 

القراءة الأولى: صلاح الخلق البشري بالعلم:

يقول الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 30 - 33].


هذه الآيات كما هو مُشارٌ إليه من سورة البقرة، وهي سورة عظيمة جليلة تضمنت قصة بداية الخلق، والمنطوق الصريح لهذه الآيات الكريمة يوضح أن القرآن الكريم يصف مضامين ما يشبه المحاورة التي دارت بين الخالق جل في علاه وبين خلقه الملائكي من جهة، وبينه سبحانه وتعالى وبين خلقه البشري من جهة أخرى، ومن خلال هذه المحاورة أظهر الله عز وجل لملائكته الكرام جليل مَنِّه على عبده ونبيه آدم عليه السلام، بَدْءًا من إتمام خلقه، وجعله وذريته عمَّار الأرض وخلفاءها وسادتها، مرورًا بتشريفه بمكرمة التعلم من مَعِين علمه الإلهي، ثم تشريفه بتعليمه الملائكة عليهم السلام ذلك العلم الزاكي.

 

والحق أن قصة بدء الخلق الإنسي لا تخلو من عبر ودروس؛ ذلك أن الله عز وجل - وهو أدرى وأعلم - قصد أن يصلح أمر هذا الخلق الإنسي البديع بالعلم النافع، وأن ينبهه إلى أن دوام صلاحه إنما يكون بالعلم المفيد، وأن حيدته عن طلب هذا العلم النافع والمفيد ستذهب بصلاحه وانتظام حياته، وسيورثه ذلاًّ وصَغارًا بعد عز السيادة والريادة.

 

إن الله عز وجل عندما خلق آدم عليه السلام إيذانًا منه جل وعلا ببداية عهد جديد مع خلق جديد، تنتقل فيه مقاليد السؤدد من معشر الجن الذين عمروا الأرض جرمًا وقبحًا، إلى معشر الإنس المأمورين بعمارة الأرض قسطًا وعدلاً، هنا خشي الملائكة عليهم السلام أن ينحرف هذا الخلق الإنسي الجديد عن الجادة؛ فتزل أقدامه في دحض الجرم والضيم الذي ارتكبته الجن قبل ذلك، والله عز وجل أعلم بما يقول ويفعل، فعال لما يشاء ويريد، وقد وسع وأحاط بعلمه كل شيء ويزيد.

 

إذًا، إن سؤال الملائكة عليهم السلام واستفسارهم عن حقيقة هذا الخلق الآدمي والإنسي والبشري - لا يصح بل يستحيل أن يحمل محملاً خاطئًا، أو أن يتأول تأويلاً فاسدًا، فيقال مثلاً - والعياذ بالله تعالى -: إن الملائكة لم تُرِد من سؤالها إلا الاعتراض على أمر الله عز وجل بخلق آدم عليه السلام، وعمارة الأرض بنسله، وخلافتها بذريته.

 

فالملائكة عليهم السلام خلق نوراني ﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]، حرصهم على خير هذا الخلق ودوام صلاحه، وخشيتهم من أن تهراق (تراق) بسببه الدماء المعصومة أشرًا وبطرًا، دفَعَهم للتساؤل استفسارًا - لا إنكارًا - عن حقيقة ما سيؤول إليه أمر هذا الخلق الجديد، الذي قرر رب العزة في علاه أن يبدعه ويكرمه ويشرفه، إنها حكمة الله تعالى التي ارتضاها من خلق الخلق البشري، والتي لا يمكن لبشري منا - فضلاً عن أيِّ خلق نوراني أو خلق ناري - أن يدَّعي العلم بها وإن اجتهد وأمعن في الاجتهاد.

 

ومنتهى الكلام مما قصدت بيانه في هذا المقام العجل: أن قصة بداية الخلق البشري قصة بديعة لا شبيه لها، ولا مثيل لها، ولا كفؤ لها، وفيها إشارة واضحة لذوي النُّهَى إلى أن صلاح الخلق وانتظام أمر عيشه، واستقامة أحواله، واستتباب أمنه وسلمه، كله مشروط بالعلم النافع، وأن سياسة الناس وحكمهم، وإدارة شؤونهم، مشروط تحققها بوجود أسس من العدل والإحسان والصلاح، التي ترد بدورها إلى شرط العلم النافع الذي ذكرت.

 

وتأكيدًا على هذا المعنى الذي سقته لكم أقول: إن كان الله عز وتعالى قد ابتدأ خلق الأناسي بالعلم، فقد ختم آخر أوامره لهذا الخلق البشري - فضلاً عن الخلق الجني - بوجوب الأخذ بالعلم، والنهل من موائد العلم، والتسبب بأسباب العلم، وهذا ما يؤكده مضمون أول آي من آيات وحيه المتلو المنزل على آخر أنبياء العالمين محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم؛ وهو قوله تعالى في مطلع سورة العلق: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]؛ وهي آية صريحة في وجوب القراءة التي هي سبيل تحصيل العلم، من حيث إن الأمر بالقراءة يتضمن - بداهة - الأمر بالتعلم.

 

وتعليم الله عز وجل آدم عليه السلام الأسماءَ كلها، ثم تكليفه بتعليم تلك الأسماء للملائكة عليهم السلام - فيه دلالة على أن العلم النافع إنما يتحمله خواص خلق الله تعالى، وهم: أهل العلم، وذوو الهيئة العلية من أنبياء ورسل، ثم صالحين وأصفياء، ثم معلمين وأساتذة ومربين، كل منهم بحسب مقامه ومرتبته ودرجة قربه من الله سبحانه وتعالى.

 

ختامًا أقول: إن الملائكة عليهم السلام ظنت أن هذا الخلق الآدمي سيقع في مطب ما وقعت فيه الجن من قبلهم من فساد وإفساد، فالتمست في تواضع مُتَنَاهٍ التوضيح من بارئها وخالقها، وهو أعلم بالغيب منهم ومِن خلقه أجمعين، فأيد الله تعالى آدم عليه السلام وذريته من بعده بالعلم؛ ليكون لهم صلاحًا وإصلاحًا، في إشارة خالدة تالدة إلى أن صلاح هذا الخلق البشري - فضلاً عن بقية الخلق أجمعين - منوط بالعلم، وأنه لا يصلح آخر هذا الخلق إلا بما صلح به أوله، وهو العلم.

 

هذا، والله عز وجل أدرى وأعلم وأحكم.

 

القراءة الثانية: آدم عليه السلام وشرف التعلم وشرف التعليم:

إن مِنَن الله تعالى على أناسي خلقه لا تعد ولا تحصى، ومبدأ هذه النعم كان مع أول خلق إنسي أمتعه الله تعالى بكمال صنعته الحكيمة التي لا تشابهها ولا تماثلها ولا تكافئها صنعة بشرية أخرى، إنه نبي الله الأكرم آدم على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم السلام، الذي أتبعه الله تعالى بمنن أخرى نال أفضالها نسله وذريته من بعده، ولا يزالون إلى أن يرث رب العزة جل وعلا الأرض ومن عليها، فإليه المرد والمرجع والمآل.

 

هذا، ولست أجد نعمة أعظم، ولا منة أكمل، أتمها الله سبحانه وتعالى على أبينا آدم عليه الصلاة والسلام، بعد أن أكمل له تمام الصنعة، وأتم له كمال الخلقة - من نعمة كمال العلم، ومنة تمام الفهم، بل إن الله تعالى جمع لآدم عليه السلام شرفين ما زال الخلق من بعده يعتز ويتشرف بهما؛ إنهما شرف التعلم، وشرف التعليم.

 

فبعد منة الخلق البديع، أتبع الله تعالى عبده ونبيه آدم عليه الصلاة والسلام بمنة أخرى تكتمل بها هذه المنة العظيمة، بل وتمكن هذا الخلق المتكامل من القيام بالمهام الجليلة المنوطة به؛ إنها منة التعلم ليُعلِّم، فليس لغير العالم المتعلم أن يُعلِّم ويصنع جيلاً من العلماء الأفذاذ والأفنان والأقحاح والنحارير، تعلو بهم الهمم، وتنصلح بهم النِّحَل، وتستقيم بهم حياة الدول، وتنتظم بهم معايش الأمم.

 

خلق الله تعالى آدم عليه الصلاة والسلام فأحسن خلقه وأكمله، ثم علمه الأسماء كلها، فنال بها شرف التعلم من مَعِين العلم الإلهي، ثم أمره جل وعلا أمر وجوب وإلزام بتعليم تلك الأسماء للملائكة عليهم السلام، فنال بها شرف التعليم، وهو ما أشار إليه منطوق العبارة الصريح في قوله عز وجل وتعالى: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 31 - 33].


وفي هذا المقام لست أستبعد أن يكون لهذا الشرف الذي حظي به نبي الله تعالى آدم عليه الصلاة والسلام بعد شرف الخلق والصنعة، أثر في قلب إبليس، وتأثير في نفسه الخبيثة، فكان مآل هذا الأثر والتأثير كافيًا ليمتنع هذا الرَّجِيم عن الانصياع إلى أمر ربه ذي الجلال، وتنفيذ مضامين قراره المتعالي، بل إن هذا القول هو الحق والأولى أن يتبع.

 

لهذا نجد أن قصة خلق آدم عليه الصلاة والسلام، ثم تشريفه بالعلم متعلمًا ومعلمًا، ثم أمر الرب تبارك وتعالى للملائكة عليهم السلام أن تسجد لآدم عليه الصلاة والسلام، كلها دواعٍ بعثت على أن يمتلأ قلب الرجيم حسدًا لآدم عليه الصلاة والسلام على ما آتاه الله عز وجل من عظيم فضله.

 

والحق أن العلم شرف وتكرمة من المولى تبارك وتعالى يَمُنُّ بها على من يشاء من عباده، إنْ عالمًا معلمًا نال شرف التعليم، وإن طالبًا متعلمًا نال شرف التعلم، وما صنيع إبليس الشطين عن رحمة ربه الرحمن الرحيم إلا دليل على عظيم ما يعرض للعالم من مكايد الحاسدين الباغين له الضررَ والخطر والشر، خلال مسيرته العلمية التي يبتدئ فيها طالبًا متعلمًا، وينتهي بها عالمًا معلمًا.

 

ولله در حبر الأمة وتَرجمان القرآن الكريم عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما الذي قال: "إن العلماء ليتغايرون كما تتغاير التيوس في زربها"، انتهى كلامه رضي الله تعالى عنه، فكيف بحسد العالم لأخيه العالم؟! بل وكيف بحسد الجاهل لفضل العالم؟!

 

وعود إلى شرف العلم والتعلم الذي ناله آدم عليه السلام، لنتساءل عن سر هذه الأسماء التي ارتقى بها آدم عليه السلام من مقام المتعلم المميز إلى مقام العالم المعلم المتميز، والحق أنه مهما كانت الإجابة عن هذا التساؤل، فإنها لن تتجاوز حدود بشريتنا القاصرة عن سَبْر غَوْر الأسرار الإلهية التي أودعها الله سبحانه فينا وفي بقية خلقه أجمعين، إلا ما كشفه سبحانه وتعالى لنا بنص، أو أكرمنا به من خفي ألطافه الإلهية، ومواهبه اللدنية، وأسراره الربانية.

 

وفي تصوري أن هذه الأسماء وإن كان تمام علمها عند ربي عز وجل، فإنها - والله تعالى أعلم - تبقى في الظاهر أسماءً جامعةً لكل اسم ولغة لها علاقة بأرض العمارة والخلافة التي ستعمرها وتخلفها ذرية آدم عليه السلام قبل أن يهبط إليها أبوهم آدم عليه السلام نفسه بقدَرٍ من الله تعالى وقضائه وحكمته، وأن هذه الأسماء مما يهم آدم عليه السلام معرفته والعلم به؛ لتتمكن ذريته من التواصل والتعامل، وعمارة الأرض على نحوٍ تنتظم به معايشها، وتستقيم به أحوالها على فطرة الإيمان والإسلام التي فُطِر عليها أبوهم آدم عليه السلام، بل وليتعرف آدم عليه السلام وذريته من بعده أسماء من سيتعايشون ويتعاملون ويتجاورون ويتواصلون معهم في أرض الدنيا.

 

هذا كله فضلاً عن أن هذه الأسماء قد تكون جامعة لمسميات أخروية؛ نحو أسماء الملائكة، وما في الجنان من أطايب ومكارم مما لا يخطر على قلب بشر...، ومهما يكن فإن ما يهم بيانه أكثر في هذه الأسماء: أن لها صلة بحياة بشرية سيؤول فيها أمر الخلافة والعمارة والسيادة إلى البشر، وأن آدم عليه السلام أبو هؤلاء البشر قد ملك من الخواص - وإن كانت بشرية - ما جعلته يرتقي بها عن الملائكة الكرام، وينال بها شأنًا ومنزلاً، حتى بلغ به ذلك شرفًا وسموًّا أن سجدت له عليه السلام ملائكة الرحمن البررة الكرام، سجودَ تعظيم وإجلال، وتبجيل واحترام.

 

والحاصل مما سبق بيانه: أن العلم النافع الذي ناله آدم عليه السلام هو من لدن الله عز وجل، وأن تشريف آدم عليه السلام بعلم الأسماء قبل أن تناله الملائكة الكرام لهو في غاية التكريم والتشريف، وهو مَئِنَّة واضحة، ودلالة ساطعة، على أن لآدم عليه السلام خواصَّ وإن كانت بشرية إلا أنه نال بها علوًّا ورُقيًّا، وجعلته يحوز دون الملائكة السَّفَرة الكرام البررة منزلة ورفعة، وأن آدم عليه السلام ثناه ربه تعالى وعز بمزيد شرف لـما انتخبه دون الملائكة الكرام ليكون لهم معلمًا ومفهمًا، وهذا مزيد تشريف وفضل، وأن حاجة آدم عليه السلام ونسله من بعده إلى علم هذه الأسماء، وفقه مضامينها، ومعرفة مسمياتها، له صلة بحياتهم في أرض العمارة والخلافة؛ حتى ينتظم لهم أمر هذه العمارة، وتكتمل لهم مقاليد الخلافة.

 

القراءة الثالثة: وجوب التعلم على يدي المعلم:

سبق وأن أشرت في ملمح مختصر ومقتضب إلى قصة بداية الخلق الآدمي، وبينت خلالها ما حظي به عبد الله تعالى ونبيه آدم - على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأزكى السلام - من شرف وتكريم؛ حيث يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 30 - 33].


واستكمالاً لما سبق بيانه، أحببت أن أوضح هنا نكتة مهمة، ومسألة دقيقة انقدحت في ذهني في معرض ما كتبته قبلاً حول قصة بداية الخلق الآدمي؛ وهي أهمية المعلم في حياة المتعلم، بعبارة أخرى: إن الآيات الآنفة الذكر الدالة على خلق آدم عليه السلام، وما جرى فيها من حوار بين الرب جل جلاله وبين الملائكة عليهم السلام، وبينه جل جلاله وبين آدم عليه السلام - قد أشارت إلى أدب لازم من آداب طلب العلم، لا غنى لطالب العلم عنه، وهو: أن يكون له معلم يجلس إليه، ويأخذ عنه مسائل العلم سماعًا وشفاهة.

 

وهذا الأدب المهم نستوضحه من الآيات السابقة، وتحديدًا في مطلع قوله تعالى: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا... ﴾؛ فآدم عليه الصلاة والسلام بمنطوق هذه الآية تعلم الأسماء كلها (وهي العلم هنا) عن العليم الذي وسع بعلمه كل شيء، لا يعزب عن علمه جل وعلا أي شيء، ولا يسقط عن علمه جل وعلا أي شيء، تعلَّم عنه جل في علاه آدم عليه السلام هذه الأسماء، وتعلم عنه مسمياتها، وتعلم عنه دلالاتها، وتعلم عنه مضامينها، وتعلم عنه وظائفها.

 

فإذًا، هل كان آدم عليه السلام يملك بنفسه علم هذه الأسماء قبلاً؟ أو هل كان آدم عليه السلام يعلم بهذه الأسماء قبل أن يتعلمها؟

والجواب الفاصل القاطع أن آدم عليه السلام لم يسمع بهذه الأسماء قطعًا قبل لحظة تعلمها من ربه الوالي المتعالي، ولم يعلم بها إلا لحظة تعلمها من العليم العلام، ثم إنه عليه السلام عندما نفخت الروح في جسده الطيني فدب حياة وحراكًا، كان لا بد له من تمام العلم وكمال الفهم لاستيعاب الحياة في الملأ الأعلى، وكذا استيعاب الحياة في ملأ الدنيا، ومِن ثَم فإن آدم عليه السلام قد استنار علمًا وفهمًا من لدن معلمه العلام جل في علاه.

 

وفي هذا السياق، تتضح أهمية وجود المعلم في حياة المتعلم، وأن حد طالب العلم ومعناه ينصرف في حقيقته الشرعية والاصطلاحية إلى كل شخص ينتظم في مجالس أهل العلم، فيثني عندهم الركب، ويحني عندهم الظهر، ويتصبر في مجالسهم على أخذ العلم سماعًا وكتابة وعملاً، أما أن يكتفي بنفسه بقراءة كتب العلم، ومحاولة فهم مسائلها، أو في أفضل الأحوال يقرأ كتيبات العلم ومطوياته ورسائله المختصرة، وبعد ذلك يتقول في جراءة مسائل العلم دونما تأنٍّ أو تمهل أو تأمل في خطأِ وخطرِ ما أقدم عليه، فهذا - كما قرر بعض أهل العلم - لا يقال عنه طالب علم بالمعنى الشرعي والاصطلاحي، وإنما يقال: إنه استفاد علمًا؛ ذلك أن طالب العلم - كما قلت - يحتاج إلى معلم يتعلم على يديه، وينهل منه مسائل العلم، وحيث إنه لا معلم له، فهو ليس طالب علم، فضلاً عن أن يقال عنه: إنه عالم ومعلم.

 

مثال آخر نستوضح منه أهمية وجود المعلم في حياة المتعلم، من خلال قصة نبي الله تعالى موسى - على نبينا وعليه وعلى جميع الرسل أفضل الصلاة وأزكى التسليم - مع عبد الله الصالح الخضر عليه السلام؛ حيث ادعى موسى عليه السلام الأعلمية دون قصد منه، وزعم عليه السلام أنه أعلم الناس، وغاب عنه عليه السلام - وهو العبد النقي، والنبي الصفي - أن الله أعلم بمن هو أعلم من خلقه؛ أي: أن الله عز في علاه وحده من يعلم أيًّا من خلقه أعلم، واختص بعلم لم يعلمه بقية الخلق، والله تعالى من فوقهم أعلم وأحكم، وهو العليم علام الغيوب، يعلم الجهر والسر والنجوى وأخفى.

 

فقد روى الإمام محمد بن إسماعيل البخاري هذه القصة بسنده الصحيح، وجاء في مطلعها... حدثنا أبي بن كعب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل، فقيل له: أيُّ الناس أعلم؟ قال: أنا، فعتب الله عليه؛ إذ لم يردَّ العلم إليه، وأوحى إليه: بلى، عبد من عبادي بمجمع البحرين، هو أعلم منك، قال: أَيْ ربِّ، كيف السبيل إليه؟ قال: تأخذ حوتًا في مكتل، فحيثما فقدت الحوت فاتبعه...))؛ [انظر تتمة الحديث في صحيح البخاري، كتاب العلم، باب: ما ذكر في ذَهاب موسى صلى الله عليه وسلم في البحر إلى الخضر، وباب: يستحب للعالم إذا سئل: أيُّ الناس أعلم؟ فيَكِل العلم إلى الله، رقم الحديث على التوالي: 74 و 122، الجزء 1، الصفحة 51 - 52، 65 - 66، وكتاب التفسير، باب: (قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة)، رقم الحديث 4727، الجزء 3، الصفحة 1468 - 1470].


وقد خلد القرآن الكريم مشاهد قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع عبد الله تعالى الصالح العالم الخضر عليه السلام، وملامح التفوق العلمي اللدني التي أظهرها الله تعالى على عبده الخضر عليه السلام في الآيات (60 - 82) من سورة الكهف؛ حتى يفيد منها نبي الله تعالى موسى عليه السلام درسًا وفائدة وعظةً وعبرةً أن الأعلم بمن هو أعلم من الخلق هو الله تعالى ولا أحد آخر عداه أو سواه.

 

القراءة الرابعة: قواعد في طلب العلم من قصة خلق آدم صلى الله عليه وسلم:

قال الله تعالى في قرآنه الكريم: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 30 - 33].


تطرقتُ قبلاً إلى بعض فوائد ودرر هذه الآيات المباركة، ولا أزال حولها أدندن، وأبحث في دررها وفوائدها بما فتح الله عز وجل عليَّ من علم وفَهْم، والله تعالى أسأل أن ينفع بما أقول وأعمل.

 

بين يدي هذه الآيات الكريمة - كما قلت - فوائد ودرر كثيرة، أحب أن أقتصر من خلالها على ذكر بعض القواعد المتعلقة بطلب العلم؛ التي يتعين لزامًا على المتعلم أن يرعاها في طلبه للعلم، وهذا في النقاط التالية:

1- طالب العلم لا بد له من معلم؛ ينعت له مسائل العلم، ويصف له صحيح السمت؛ لتحصيلها واستيعاب مضامينها، بأدلتها وبراهينها وشواهدها؛ ودليل ذلك من الآيات السابقة: قول الله تعالى في قرآنه الكريم: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا... ﴾ ؛ فآدم عليه السلام إنما أخذ علم الأسماء من الله تعالى، ما يفيد أن الله عز وجل هو معلم آدم النبي المتعلم عليه السلام، وأن فضل تعلمها إنما هو لله تعالى وحده العليم بكل شيء.

 

2- إن مصطلح "طالب العلم" هو مصطلح له معنى شرعي محدد، وحدٌّ اصطلاحي مضبوط، ومعناه وحدُّه الجامع المانع يصدق على كل من يجلس إلى العلماء بانتظام، يستمع إليهم، ويأخذ عنهم مسائل العلم، وهو معنى وحَدٌّ مانع لكل من لا يكون له شيخ أو إمام أو معلم يتعلم عنه، ومن كان ذا حالَه لا يسمى اصطلاحًا طالب علم، وإنما يقال: لقد حصَّل أو استفاد علمًا، كما ذهب إلى ذلك بعض أهل العلم.

 

3- إن هذا الحد الذي ينضبط به مصطلح "طالب العلم"، يجد له موقعًا مهمًّا في نطاق تصحيح المفاهيم والمصطلحات، بعيدًا عن العبثية والاضطراب الذي تشهده عديد من المصطلحات الشرعية بسبب العوام وذراري العلم، وأشباه طلاب العلم، وأنصاف طلبة العلم، مع احترامي وتقديري لحسن نيات بعضهم، وصِدق مقصدهم من طلب العلم.

 

4- إن في الآيات الآنفة دليل على وجوب تبليغ العلم لمن لا يعلمه، وأن من تعلم علمًا فاستوعبه، وألمَّ بدقائقه، وأتم مسائله، تعيَّن عليه لزامًا أن يعمل بما علم، وأن مِن العمل بالعلم تبليغَه إلى من يستحقه من طلابه وطالبيه، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 33].


فبعد أن علَّم الله تعالى كل الأسماء لعبده ونبيه آدم عليه السلام، كلفه سبحانه بتعليمها إلى من لا يعلمها من الملائكة عليهم السلام، وجاء الأمر بتعليمهم مطلقًا من غير قرينة تصرفه إلى غير الوجوب والحتم والإلزام الذي يدل عليه ظاهر الأمر في قوله تعالى: ﴿ أَنْبِئْهُمْ ﴾؛ ما يعني أن تعليم العلم واجب متعين في حق كل عالم معلم، تعلم علمًا فأتقنه.

 

5- في الآيات السابقة مئنة دالة على وجوب نفي الأعلمية، ولزوم تسليم ورد مطلق العلم لله تعالى وحده، وأنه جل وعلا هو العليم العلام الأعلم فوق كل عالم ذي علم، وهذا ما يفهم من دلالة قوله تعالى: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 31، 32]، والشاهد من هذه الآيات قول الملائكة عليهم السلام: ﴿ ... سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾، فقد نفى الملائكة عليهم السلام أن يكون لهم علم بحقيقة الأسماء التي علمها الله تعالى لآدم عليه السلام، وأن العلم بها وبغيرها إنما هو لله تعالى العليم بكل شيء.

 

قال الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير في تفسيره: "هذا تقديس وتنزيه من الملائكة لله تعالى أن يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء، وأن يعلموا شيئًا إلا ما علمهم الله تعالى؛ ولهذا قالوا: ﴿ سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ ؛ أي: العليم بكل شيء، الحكيم في خلقك وأمرك، وفي تعليمك ما تشاء، ومنعك ما تشاء، لك الحكمة في ذلك والعدل التام"؛ [ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، دار التوزيع والنشر الإسلامية، مصر، حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه د/ كمال علي علي الجمل، الطبعة 1419 هـ - 1998 م، الجزء 1، صفحة 120].

 

6- وجوب التواضع لذوي الهيئة من أهل العلم، ولمن شرفهم المولى تبارك وتعالى بالعلم، وهذا توضحه الآية الكريمة: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 34]، حيث إن الله عز وجل امتنَّ على آدم عليه السلام وذريته بالعلم، ثم امتنَّ عليه وعلى ذريته مرة أخرى بإسجاد الملائكة عليهم السلام والجن له، وهذا - برأيي - هو تتمة لسابق المنة التي شرف الله تعالى بها نبيه آدم عليه السلام؛ إذ يبدو أن سجود الملائكة لآدم عليه السلام لربما له صلة بالعلم الذي تشرف آدم عليه السلام بتعلمه من ربه العليم العلام.

 

وهذا - في تصوري - يؤكد صحة فرضية القول بأن شرف التكريم بالعلم الذي ناله آدم عليه السلام، كان سببًا مباشرًا لسجود الملائكة والجن معًا لآدم عليه السلام، أو على الأقل كان أحد الأسباب، والله عز وجل أعلم وأدرى وأحكم.

 

المهم في ذلك كله أن مقام العلم وأهله مدعاة لاحترام العلماء وتوقيرهم، ومعرفة قدرهم وحرمتهم، بمفهوم المخالفة لا يجوز شرعًا التجاسر على قدر العلماء، والجراءة على مقامهم، والتطاول على حرماتهم، وثلم أعراضهم، وثلب شرفهم، وهتك أستارهم، وكشف عوراتهم، وأن ذلك لا يكون إلا في حدود الرد عليهم مِن قِبَل أقرانهم ووجهائهم من أهل العلم، دون ثلم أو ثلب للعرض والمحارم.

 

7- أخيرًا، في الآيات المذكورة قبلاً دليل على أن صلاح الإنسان منوط بالعلم، وأن نهضة البشر وانتظام أحوالهم إنما سبيله طلب العلم، وهذا جلي من تعلم آدم عليه السلام الأسماء كلها بعد أن أتم الله عز وجل له الخلق، وهو واضح الدلالة في أن هذا الخلق الآدمي ونسله في حاجة إلى ما يصلح أحوالهم وينهض بشؤونهم، وأن سبيلهم إلى ذلك يكون بالعلم.

 

هذا، والعلم لله تعالى، فهو الأعلم والأدرى والأحكم، وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وتبعه وسلم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • آدمُ عليه السلام (قصص الأنبياء للأطفال والفتيان - 1)
  • آدم عليه السلام
  • خلق آدم عليه السلام

مختارات من الشبكة

  • قراءة موجزة حول كتاب: قراءة القراءة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أهمية القراءة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • ملخص مفاهيم القراءة بقلب(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • حوار مع رئيس الجمعية الإسلامية للإصلاح في مالي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • مخطوطة قراءات النبي صلى الله عليه وسلم(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • قراءات اقتصادية (46) علم الاقتصاد مقدمة مختصرة جدا(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • علم الاقتصاد بثوب جديد - قراءات اقتصادية: أربعون أنموذجا (PDF)(كتاب - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • علم الاقتصاد بثوب جديد - قراءات اقتصادية: أربعون أنموذجا(كتاب - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • قراءات اقتصادية (9) : دليل المبتدئين الشامل إلى علم الاقتصاد(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • قراءات اقتصادية (3) دعوة غداء: وجبة سهلة الهضم من علم الاقتصاد(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)

 


تعليقات الزوار
2- تعليم آدم عليه السلام قبل الأمر السجود له
عبد المنعم نعيمي - الجزائر 22-04-2019 01:52 AM

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
سعيد بمرورك وتعليقك أختي العزيزة، وأعتذر عن التأخر في الرد، فلم أنتبه لتعليقك إلا اليوم،
بالنسبة لانشغالك فإن المسألة محل خلاف بين المفسرين، لكن ظاهر السياق القرآني يدل على أن السجود كان بعد التعليم، وهذا فيه كثير من العبر والدرر ذكرت طرفا منها...
هذا الخلق الطيني الذي استخلفه الله تعالى في الأرض لعمارتها بنور العلم، يستحق التعظيم لأنه تجلّ جليل لقدرة الربّ جلّ وعلا على الخلق التي لا تكافئها قدرة...
والله أدرى وأعلم وأحكم

1- البينة
زينب شفيق - مصر 20-12-2015 12:51 PM

السلام عليكم.. هذا ما تبادر لذهنى يا دكتور أن الله أمر الملائكه بالسجود لآدم بعد أن علمه تشريفا للعلم ولم يأمرهم بالسجود للصصال من حمأ مسنون... ولكني خفت التقول على كتاب الله.. خاصة أن كتب التفسير تقول السجود إكراما لما خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه... فهل من دليل أن السجود بعد التعليم..... جزاكم الله خيرا

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 8/12/1446هـ - الساعة: 0:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب