• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أوصاف القرآن الكريم في الأحاديث النبوية الشريفة
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    سمات المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    المصافحة سنة المسلمين
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الدرس الثامن عشر: الشرك
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    مفهوم الموازنة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (5)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من نفس عن معسر نجاه الله من كرب يوم القيامة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / نوازل فقهية
علامة باركود

حكم لعب الأطفال (مجسَّمة وغير مجسَّمة)

الشيخ عبدالله بن حمد العبودي

المصدر: مجلة البحوث الإسلامية، العدد 11، ص263-283.
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/5/2007 ميلادي - 7/5/1428 هجري

الزيارات: 75184

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حكم لعب الأطفال (مجسَّمة وغير مجسَّمة)

 

الحمدلله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،


فحيث وُكِلَ إليَّ عمل بحث في (لعب الأطفال، مجسَّمة وغير مجسَّمة)، يتضمن أقوال العلماء والمفسرين، وآراء الفقهاء في ذلك. وحيث لم أجد كلاماً مستقلاً في كتب المفسرين والمحدِّثين والفقهاء مما اطَّلعتُ عليه يتضمن هذا الموضوع بعينه، جملةً وتفصيلاً، وإنما يُشار إلى ذلك في باب البيوع، أو اللِّباس، أو التصاوير، أو العشرة، أو الانبساط إلى الناس، وكلهم يركز على ما ورد عن عائشة رضي الله عنها:

"كنتُ ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبنَ معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يَتَقَمَّعْنَ منه، فيسرِّبُهنَّ إليَّ، فيلعبنَ معي"؛ رواه البخاري.


وأخرج أبو داود والنَّسائي من وجهٍ آخر عن عائشة رضي الله عنها قالت:

"قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تَبُوك - أو خَيْبَر..." فذكر الحديث في هتكه السِّتْر الذي نصبَتْهُ على بابها. قالت: "فكشف ناحية السِّتْر على بناتٍ لعائشة (لُعَبٌ)، فقال: (ما هذا يا عائشة؟)، قالت: "بناتي"! قالت: ورأى فيها فرساً مربوطاً، له جناحان، فقال: (ما هذا؟!)، قلتُ: "فرسٌ"، قال: (فرسٌ له جناحان؟!)، قلتُ: "ألم تسمع أنه كان لسليمان خيلٌ لها أجنحة؟" فضحك.


وأغلب مَنْ تكلم منهم عن هذين الحديثين ضمَّن كلامه آراء علماء وفقهاء عصره، أو مَنْ تقدموا عليه، وكلامهم متقاربٌ؛ إذ  في الغالب أنَّ المتأخِّر منهم ينقل عن المتقدِّم، إما نصّاً، أو بزيادةٍ يسيرةٍ، تتضمن رأيه، وأحياناً رأي علماء عصره في الموضوع.


لذا؛ رأيتُ أن اختار مما اطَّلعتُ عليه في هذا الموضوع ما يسَّر الله لي نقله وكتابته، مما أظنه كافياً لأداء الغرض، علماً بأني لم أتعرَّض لأي نقلٍ أو كتابةٍ في موضوع التصوير بذاته؛ إذ يوجد لدى (الأمانة) فيه كتاباتٌ سابقةٌ ولاحقةٌ، وتكلم عليه المفسرون والمحدِّثون، والفقهاء والعلماء، قديماً وحديثاً، بما هو واضحٌ وجليٌّ والحمد لله وذلك اقتصاراً مني على المطلوب، وتوخِّياً للاختصار.

 

وخلاصة ما كُتب في الموضوع؛ تتضمنها فتوى سماحة الشيخ: محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى وكذا ما كتبه والدنا؛ سماحة الشيخ: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، الرئيس العام لإدارات (البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد) - أثابه الله، وجزاه خيراً - في كتابه "الجواب المفيد في حكم التصوير".

 

وكذا ما كتبه الشيخ: حمود بن عبدالله التويجري جزاه الله خيراً في كتابه "إعلان النكير، على المفتونين بالتصوير". وقد نقلت كلامهم ضمن ما كتبته هنا.

 

هذا؛ وأرجو من الله سبحانه وتعالى أن يوفق عباده المؤمنين لاتباع هديه وشرع نبيه، وأن يجنِّبهم المخالفة، إنه جوادٌ كريم.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.


قال الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في باب "الانبساط إلى الناس"، بعد هذا الحديث:

"حدثنا محمد، أخبرنا أبو معاوية، حدثنا هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحبٌ يلعبْنَ معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمَّعْنَ منه، فيسرِّبهن إليَّ، فيلعبْنَ معي".

 

بعدما تكلم رحمه الله عن لغويات الحديث وما يتعلق بها قال:

"واستُدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللُّعب؛ من أجل لعب البنات بهنَّ، وخُصَّ ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور، وبه جزم عِياضٌ، ونقله عن الجمهور، وأنهم أجازوا بيع اللُّعب للبنات؛ لتدريبهنَّ من صغرهنَّ على أمر بيوتهنَّ وأولادهنَّ".

 

قال: "وذهب بعضهم إلى أنه منسوخٌ، وإليه مال ابن بطَّال، وحكى ابن زيد عن مالك: أنه كره أن يشتري الرجل لابنته الصور، ومن ثَمَّ رجَّح الداودي أنه منسوخٌ، وقد ترجم ابن حبان: "الإباحة لصغار النساء اللَّعب باللُّعب"، وترجم له النَّسائيُّ: "إباحة الرجل لزوجته اللَّعب بالبنات"، فلم يقيد بالصِّغَر، وفيه نظرٌ.

 

قال البيهقي بعد تخريجه: "ثبت النهي عن اتخاذ الصور، فيحتمل على أن الرخصة لعائشة في ذلك كانت قبل التحريم". وبه جزم ابن الجَوْزي، وقال المنذري: "إن كانت اللعب كالصورة فهو قبل التحريم، وإلا فقد يسمَّى ما ليس بصورة لُعبة". وبهذا جزم الحَلِيميُّ فقال: "إن كانت صورة كالوَثَن لم يَجُزْ، وإلا جاز".

 

وقيل: معنى هذا الحديث (اللعب مع البنات)، أي: الجواري، والباء هنا بمعنى (مع). حكاه ابن التِّين عن الداودي وردَّه.

 

قلتُ: ويردُّه ما أخرجه ابن عُيَيْنة في "الجامع"، من رواية سعيد بن عبدالرحمن المخزومي عنه، عن هشام بن عُرْوة في هذا الحديث: "وكنَّ جواري، يأتين فيلعبن بها معي"، وفي رواية جَرير، عن هشام: "كنت ألعب بالبنات - وهنَّ اللُّعب"؛ أخرجه أبو عَوَانة وغيره.

 

وأخرج أبو داود والنَّسائي من وجهٍ آخر عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر... فذكر الحديث في هَتْكِهِ السِّتْر الذي نصبَتْهُ على بابها. قالت: "فكشف ناحية السِّتْر على بناتٍ لعائشة (لُعب)، فقال: (ما هذا يا عائشة؟)، قالت: "بناتي". قالت: ورأى فيها فرساً مربوطاً له جناحان؛ فقال: (ما هذا؟)، قلتُ: "فرسٌ"، قال: (فرسٌ له جناحان؟)، قلتُ: "ألم تسمع أنه كان لسليمان خيلٌ لها أجنحة؟"؛ فضحك.

 

فهذا صريحٌ في أن المراد باللُّعب غير الآدميات.

 

قال الخطَّابي: "في هذا الحديث أن اللعب بالبنات ليس كالتلهِّي بسائر الصور التي جاء فيها الوعيد، وإنما أرخص لعائشة فيها؛ لأنها إذ ذاك كانت غير بالغ".

 

قلتُ: وفي الجزم به نظرٌ، لكنَّه محتملٌ؛ لأن عائشة كانت في غزوة خيبر بنت أربع عشرة سنة، إما أكملتها، أو جاوزتها، أو قاربتها. وأما في غزوة تبوك فكانت قد بلغت قَطْعاً؛ فيترجَّح رواية من قال: في خيبر، ويجمع بما قاله الخطابي؛ لأن ذلك أوْلى من التعارض[1].

 

انتهى المراد مما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى.


وفي موضوع (لُعَب البنات)، وهو ما نحن بصدده، قال الشيخ الإمام بدر الدين أبو محمد محمود بن أحمد العَيْني رحمه الله تعالى في (باب التصاوير)، في (باب عذاب المصوِّرين يوم القيامة) ما نصُّه:

"وفي "التوضيح" قال أصحابنا وغيرهم: تصوير صورة الحيوان حرامٌ أشد التحريم، وهو من الكبائر، وسواء صنعه لما يُمتهن أو لغيره فحرامٌ بكل حال؛ لأن فيه مضاهاة لخلق الله، وسواء كان في ثوب، أو بساط، أو دينار، أو درهم، أو فِلْس، أو إناء، أو حائط. وأما ما ليس فيه صورة حيوان، كالشجر ونحوه؛ فليس بحرام، وسواءٌ كان في هذا كله ما له ظلٌّ وما لا ظلَّ له، وبمعناه قال جماعة العلماء: مالك والثَّوري وأبو حنيفة وغيرهم، وقال القاضي: إلا ما ورد في لُعَب البنات، وكان (مالكٌ) يكره شراء ذلك"[2].

 

وقال أيضاً رحمه الله تعالى في (باب التصاوير التي ليس فيها روح، وما يُكره من ذلك)، بعدما تكلم عن حكم التصاوير، وآراء العلماء في ذلك، قال ما نصُّه:

"وقال عِياضٌ: وأجمعوا على منع ما كان له ظلٌّ ووجوب تغييره، إلا ما ورد في اللَّعب بالبنات لصغار البنات، والرخصة في ذلك، وكره (مالكٌ) شراء ذلك لابنته، وادَّعى بعضهم أن إباحة اللُّعب للبنات منسوخٌ".

 

وقال القرطبي: "واستثنى بعض أصحابنا من ذلك ما لا يبقى؛ كصور الفخار والشمع وما شاكل ذلك، وهو مطالبٌ بدليل التخصيص".

 

وقال رحمه الله تعالى أيضاً في (كتاب الآداب)، (باب الانبساط إلى الناس):

"154- حدثنا محمد، أخبرنا أبو معاوية، حدثنا هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها... ثم ذكر حديث عائشة السابق، الذي ساقه البخاري في (باب الانبساط إلى الناس)، وتكلم عليه الحافظ ابن حجر في "الفتح"[3].

 

ثم قال العَيْني في شرحه لحديث عائشة رضي الله عنها:

"مطابقته للترجمة من حيث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينبسط إلى عائشة؛ حيث يرضى بلعبها بالبنات، ويرسل إليها صواحبها حتى يلعبْنَ معها، وكانت عائشة حينئذٍ غير بالغة؛ فلذلك رخّص لها، والكراهة لها فيها قائمة للبوالغ.

 

ومحمد: هو ابن سلام، وجوَّز الكِرْماني أن يكون محمد بن المثنَّى، وأبو معاوية: محمد بن خازم - بالخاء المعجمة والزاي - وهشام: هو ابن عُرْوة، يروي عن أبيه عُرْوة بن الزُّبير، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها والحديث أخرجه مسلمٌ في (الفضائل)، عن أبي كُرَيْب، عن أبي معاوية.

 

قوله "بالبنات": وهي (التماثيل) التي تسمَّى لُعب البنات، وهي مشهورةٌ، وقال الداوديُّ: يحتمل أن تكون الباء بمعنى (مع)، والبنات: الجواري. قوله "صواحب": جمع صاحبة، وهي الجواري من أقرانها. قوله "إذا دخل": أي البيت. قوله "يتقمَّعْنَ منه": أي يذبهنَ ويستترنَ من النبي صلى الله عليه وسلم وهو من (الانقماع)، من باب (الانفعال)، وهو رواية الكشميهني، وعند غيره: يتقمَّعْنَ من (التَّقمُّع)، من باب (التَّفعُّل)، ومادته: قاف وميم وعين مهملة، وقال أبو عُبيد: "يتقمَّعن: يعني يدخلن البيت ويغِبْنَ، ويقال: الإنسان قد انقمع وتقمَّع، إذا دخل في الشيء". وقال الأصمعيُّ: "ومنه سمِّي القُمْع الذي يُصبُّ فيه الدُّهن وغيره؛ لدخوله في الإناء". قوله "فيسرِّبهنَّ" - بالسين المهملة -: أي يرسلهنَّ، من التَّسريب، وهو الإرسال والتسريح، والسارب: الذاهب. يقال: سرب عليه الخيل، وهو أن يبعث عليه الخيل قطعةً بعد قطعة. قوله "إليَّ": بتشديد الياء المفتوحة.


استدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور اللُّعب من أجل لعب البنات بهن، وخصَّ ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور، وبه جزم عِياضٌ، ونقله عن الجمهور، وأنهم أجازوا بيع اللُّعب للبنات؛ لتدريبهنَّ من صغرهنَّ على أمر بيوتهنَّ وأولادهنَّ. قال: وذهب بعضهم إلى أنه منسوخٌ، وإليه مال ابن بطَّال، وقد ترجم له ابن حبَّان: "الإباحة لصغار النساء اللَّعب باللُّعب"، وترجم له النسائي: "إباحة الرجل لزوجته اللَّعب بالبنات"، ولم يقيِّده بالصِّغر، وفيه نظرٌ.

 

وجزم ابن الجَوْزي بأن الرخصة لعائشة في ذلك كانت قبل التحريم، وقال المنذري: "إن كانت كالصورة فهي مثل التحريم، وإلا فقد يسمَّى ما ليس بصورة لُعبة"، وقال الخطَّابي: "في هذا الحديث إن اللَّعب بالبنات ليس كالتلهِّي بسائر الصور التي جاء فيها الوعيد، وإنما رخّص لعائشة رضي الله تعالى عنها فيها؛ لأنها إذ ذاك كانت غير بالغ"[4].

 

انتهى المقصود من إيراد ما ذكره العَيْني - رحمه الله تعالى.


وقال النووي رحمه الله تعالى في الكلام عن التصوير، في (باب تحريم صورة الحيوان)، في "شرحه لصحيح مسلم" ما نصُّه:

"وأجمعوا على منع ما كان له ظلٌّ، ووجوب تغييره. قال القاضي: إلا ما ورد في اللَّعب بالبنات لصغار البنات، والرخصة في ذلك، لكن كره (مالك) شراء الرجل ذلك لابنته.

 

وادَّعى بعضهم أن إباحة اللَّعب لهنَّ بالبنات منسوخٌ بهذه الأحاديث،، والله أعلم"[5].

 

انتهى المراد من كلامه رحمه الله تعالى.

 

وقال أبو عبدالله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن)، في تفسير قوله تعالى: ﴿ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ﴾ [6].

 

قال: "فيه ثمان مسائل..."، إلى أن قال:

"الثانية: وقد استثني من هذا الباب لُعب البنات؛ لما ثبت عن عائشة - رضي الله عنها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوَّجها وهي بنت سبع سنين، وزُفَّت إليه وهي بنت تسع، ولُعبها معها، ومات عنها وهي بنت ثماني عشرة. وعنها أيضاً قالت: "كنتُ ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحبٌ يلعبْنَ معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمَّعْنَ منه، فيسرِّبهنَّ إليَّ، فيلعبْنَ معي"؛ أخرجهما مسلمٌ.

 

قال العلماء: وذلك للضرورة إلى ذلك، وحاجة البنات؛ حتى يتدرَّبنَ على تربية أولادهنَّ.

 

ثم إنه لا بقاء لذلك، وكذلك ما يُصنع من الحلاوة أو العجين؛ لا بقاء له، فرخّص في ذلك،، والله أعلم"[7].

 

انتهى المراد من كلام القرطبي رحمه الله تعالى.


وقال الإمام محمد بن علي الشوكاني رحمه الله تعالى في كتابه "نيل الأوطار، شرح منتقى الأخبار"، في (باب إحسان العشرة، وبيان حق الزوجين)، بعد إيراده هذا الحديث الآتي:

3 - وعن عائشة قالت: "كنتُ ألعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته - وهن اللُّعب..." الحديث.

 

قوله (بالبنات): قال في "القاموس": والبناتُ التماثيل الصغار، يُلْعبُ بها. انتهى.

 

وقوله (اللُّعب) - بضم اللام -: جمع لُعبة، قال في "القاموس": واللُّعبة - بالضم - التمثال، وما يُلعب به، كالشطرنج ونحوه.

 

وقوله (يتقمَّعْنَ): قال في "القاموس": (تقمَّع) دخل البيت مستخفياً.

 

وفي هذا الحديث دليلٌ على أنه يجوز تمكين الصغار من اللَّعب بالتماثيل.

 

وقد روي عن (مالك) أنه كره للرجل أن يشتري لبنته ذلك، وقال القاضي عِياض: "إن اللَّعب بالبنات للبنات الصِّغار رخصةٌ".

 

وحكى النووي عن بعض العلماء: "أن إباحة اللَّعب لهنَّ بالبنات منسوخةٌ بالأحاديث الواردة في تحريم الصور، ووجوب تغييره"[8].

 

انتهى المقصود من إيراده.


وعن موضوع (لُعب البنات) قال الشيخ شمس الدين أبو عبدالله محمد بن مُفْلِح المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى ما نصُّه:

"فصلٌ - في إباحة اللُّعب للبنات، ومن قيدها بغير المصوَّرة.

 

لوَلِيِّ الصغيرة الإذن لها في اللَّعب بلُعب غير مصوَّرة، نُصَّ عليه، قال في "الرعاية الكبرى": "وله شراؤها بمالها، نُصَّ عليه، وقيل: بل بماله". وقال في "التلخيص": "هل يشتريها من مالها أو من ماله؟ فيه احتمالان". قال ابن حمدان: "المراد بالمصوَّرة: ما لها جسمٌ مصنوعٌ، له طولٌ وعرضٌ وعمقٌ".

 

وقال القاضي في "الأحكام السلطانية"، في فصل (والي الحسبة): "وأما اللُّعب فليس يُقصد بها المعاصي، وإنما يقصد بها إِلْفُ البنات لتربية الأولاد؛ ففيها وجهٌ من وجوه التدبير، يقارنه معصيةٌ بتصوير ذات الأرواح، ومشابهة الأصنام؛ فللتمكين منها وجهٌ، وللمنع منها وجهٌ، بحسب ما تقتضيه شواهد الأحوال يكون إنكاره وإقراره، وظاهر كلام الإمام أحمد المنع منها، وإنكارها إذا كانت على صورة ذوات الأرواح، قال في رواية المرُّوذي: وقد سُئل عن الوصيِّ، يشتري للصبية لُعبة إذا طلبت؟ فقال: إن كانت صورة فلا، وقال: في رواية بكر بن محمد، وقد سئل عن حديث عائشة "كنت ألعب بالبنات"، قال: لا بأس بلِعب اللُّعب إذا لم يكن فيه صورة، فإذا كانت فيه صورة فلا. وظاهرٌ أنه منع من اللعب بها إذا كانت صورة. وقد روى أحمد بإسناده، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة وهي تلعب بالبنات، ومعها جوارٍ؛ فقال: (ما هذه يا عائشة؟!)، فقالت: "هذا خيلٌ سليمان فجعل يضحك من قولها "صلى الله عليه وسلم". قال أحمد: وهو غريبٌ، لم أسمعه من غيرهم عن يحيى بن سعيد". انتهى كلام القاضي.

 

وفي "الصحيح": أنها كانت في متاع عائشة رضي الله عنها لما تزوَّجها النبي صلى الله عليه وسلم فمن العلماء من جعله مخصوصاً من عموم الصُّور، ومنهم من جعله في أوَّل الأمر قبل النهي عن الصور، ثم نُسخ، وذكر القاضي عِياض أنه قول جمهور العلماء"[9].


ومما كتبه العالم: محمد السفاريني الحنبلي رحمه الله تعالى في كتابه "غذاء الألباب، شرح منظومة الآداب"، ما يلي:

مطلبٌ في حكم شراء اللعبة لليتيمة:

وحَلَّ  شراه لليتيمة لُعبة ♦♦♦ بلا رَأْسٍ أن تطلب، وبالرَّأْس فَاصْدُد

 

(وحلَّ شراه): أي الوَلِيّ، (لليتيمة): القاصرة عن درجة البلوغ، (لُعبة): بالضم، تمثالٌ تلعب به، بشرط كونه بلا رأس، حتى يخرج عن التصاوير المحرمة، (أن تطلب) اليتيمة ذلك. فظاهره عدم الحِلّ إن لم تطلبه، وليس مراداً، وإنما قيَّده بذلك لما يأتي من النص، وليستقيم الوزن، والله الموفِّق.

 

وأما اللعبة (بالرأس)، التي تكون على هيئة ذي الروح من الحيوان، (فاصدد) لها عن اللعب بها وامنعها.

ولا يشتري ما كان من ذاك صورةً ♦♦♦ ومن  ماله  لا  مالها   في   "المجرَّد"

 

ولا يشتري الوَلِيُّ (ما) الذي (كان) هو (من ذاك) اسم إشارة، يرجع إلى المذكور أو التمثال، أي: ولا يشتري ما كان من التمثال أو الشيء المذكور (صورةً)، أي: ذا صورة؛ لأنه محرَّمٌ.

 

قال في "الآداب الكبرى": لوَلِيِّ الصغيرة الإذْن لها في اللَّعب باللُّعب غير المصوَّرة، نُصَّ عليه. فظاهر كلامه: عدم اختصاصه باليتيمة، وهو كذلك، ولذلك عبَّر في "الإقناع" بقوله: "وللوَلِيِّ أن يأذن للصغيرة أن تلعب بلعب غير مصوَّرة، أي: بلا رأس". انتهى، وكذا في "الفروع" وغيره.

 

وكلام النَّظْم يخص اليتيمة، والحقُّ الشُّمول؛ لقضية عائشة رضي الله عنها.

 

قال القاضي في "الأحكام السلطانية"، في فصل (والي الحسبة): "وأما اللُّعب فليس يُقصد بها المعاصي، وإنما يقصد بها إِلْفُ البنات لتربية الأولاد؛ ففيها وجهٌ من وجوه التدبير، يقارنه معصيةٌ بتصوير ذات الأرواح، ومشابهة الأصنام؛ فللتمكين منها وجهٌ، وللمنع منها وجهٌ، بحسب ما تقتضيه شواهد الأحوال يكون إنكاره وإقراره، يعني: إن كانت قرينة الحال تقتضي المصلحة أقرَّه، وإلا أنكره.

 

وظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله الإنكار إذا كانت على صورة ذوات الأرواح، فإنه سُئل عن الوصيِّ، يشتري للصبية لُعبة إذا طلبت؟ فقال: إن كانت صورة فلا، وقال: في رواية بكر بن محمد، وقد سئل عن حديث عائشة "كنت ألعب بالبنات"، قال: لا بأس بلِعب اللُّعب إذا لم يكن فيه صورة، فإذا كانت فيه صورة فلا.

 

وروى أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي تلعب بالبنات، ومعها جوارٍ؛ فقال: (ما هذا يا عائشة؟!)، فقالت: "هذا خيل سليمان". قال: فجعل يضحك من قولها. قال الإمام أحمد: هو غريبٌ.

 

وفي "الصحيح": أنها كانت في متاع عائشة لما تزوَّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن العلماء من جعله مخصوصاً من عموم الصور، ومنهم من جعل هذا في أول الأمر، ثم نُسخ. قال القاضي عِياض: هو قول الجمهور من العلماء.

 

قلتُ: وممن ذكر الخصوصية الإمام النووي؛ قال في "شرح صحيح مسلم":

"قال ابن حزم: "وجائزٌ للصبايا خاصةً اللَّعب بالصور، ولا يجوز لغيرهنَّ. والصور محرمةٌ إلا هذا، إلا ما كان رَقْماً في ثوب". انتهى.

 

وقد علمت حُرْمَة كونه رَقْماً في ثوب. وكذا لعبة ما لم تكن على غير صورة ذوات الأرواح، من نحو شجرة، أو بلا رأس،، والله أعلم".

 

وحيث جاز شراء الوَلِيِّ للُّعبة؛ فثمنُها من ماله، أي: من مال الوَلِيِّ، لا من مالها - أي: اليتيمة - على ما في كتاب الإمام الأوحد، والهمام الأمجد، حامل لواء مذهب سيدنا الإمام أحمد؛ القاضي أبي يعلى - طيب الله ثراه، وجعل الفردوس مأواه - المسمَّى ب- "المجرَّد".

 

وقال في "الرعاية الكبرى": "وله شراؤها بمالها، نُصَّ عليه، وقيل: بل بماله".

 

وفي "التلخيص": "هل يشتريها من مالها أو من ماله؟ فيه احتمالان:

وفي "الإنصاف" للوَلِيِّ أن يأذن للصغيرة أن تلعب باللُّعب، إذا كانت غير مصوَّرة، وشراؤه لها بمالها؛ نُصَّ عليهما، وهذا المذهب.

 

وقيل: من ماله، وصحَّحه النَّاظم في "آدابه".

 

وهما احتمالان مطلقان في "التلخيص"، في (باب اللباس)". انتهى.

 

وقال ابن حمدان: "المراد بالصورة: ما لها جسمٌ مصنوعٌ، له طولٌ وعرضٌ وعمقٌ.

 

قلتُ: والمعتمد له شراؤها من مالها؛ كما جزم به في "الإقناع" وغيره،، والله الموفق"[10].

 

انتهى ما قاله السفاريني رحمه الله تعالى.


ومما ورد في كتاب "كف الرِّعاع، عن محرَّمات اللهو والسماع"، لمؤلفه: أبي العباس أحمد بن محمد بن علي بن حجر المكِّي الهَيْتَمي - رحمه الله تعالى- قال:

"وأما المصوَّر صورة الحيوان؛ فإن كان معلَّقاً على حائط أو سقف، كثوب، أو عمامة، أو نحوها مما لا يُعَدُّ ممتهناً؛ فحرامٌ. أو ممتهناً، كبساط يُداس، ومخدة ووسادة، ونحوها؛ فلا يَحْرُم.

 

لكن؛ هل يمنع دخول ملائكة الرحمة ذلك البيت؟

الأظهر أنه عامٌّ في كل صورة؛ لإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلبٌ ولا صورةٌ)، ولا فرق بين ما له ظلٌّ ولا ما لا ظلَّ له. هذا تلخيص مذهب جمهور علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم؛ كالشافعي، ومالك، والثَّوري، وأبي حنيفة.. وغيرهم.

 

وأجمعوا على تغيير ما له ظلٌّ:

قال القاضي: "إلا ما ورد في لُعب البنات الصِّغار من الرُّخصة، ولكن كره مالك شراء الرجل ذلك لبنته، وادَّعى بعضهم أن إباحة اللُّعب لهنَّ منسوخٌ". انتهى"[11].


وقال الشيخ: (محمد رشيد رضا) رحمه الله تعالى في (باب حكم التصوير، وصنع الصور والتماثيل، واتخاذها)، بعدما ذكر حديث عائشة السابق في اللعب بالبنات[12]، قال:

"وقد حرَّف بعض المشدِّدين في مسألة الصور هذا الحديث، فزعم أن معنى قولها: "كنتُ ألعب بالبنات"؛ كنتُ ألعب (مع) البنات.

 

ثم ذكر كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى على الحديث، وعلَّق على شرحه [لما] قاله الخطابي بقوله:

"قال الخطَّابي في شرح حديث اللعب: إن اللَّعب بالبنات ليس كالتلهِّي بسائر الصور التي جاء فيها الوعيد، وإنما رخّص لعائشة فيها؛ لأنها إذا ذاك كانت غير بالغ".

 

ثم قال: "قال الحافظ عقب نقله: وفي الجزم به نظرٌ، لكنه محتملٌ؛ لأن عائشة كانت في غزوة خيبر بنت أربع عشرة سنة، إما أكملتها، أو جاوزتها، أو قاربتها، وأما في غزوة تبوك فكانت قد بلغت قَطْعاً؛ فيترجَّح رواية من قال في خيبر. ويجمع بما قال الخطابي؛ لأن ذلك أولى من التعارض. أه-".

 

وأقول: إن هذا ليس بجمع؛ إذ لو كانت لعب البنات محرَّمة؛ لما أقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وصواحبها على اللعب بها، وإن كنَّ غير بالغات، ولما تركها في بيته.

 

والصواب: أن هذه اللعب لا تدخل في عموم ما أنكره من الصور المعلَّقة؛ بل هي أشبه بما أقرَّه من الصور في الوسائد والمرافق، في أن كلاً منهما لا يشبه ما كان يُعبَد من الصور والتماثيل"[13].

 

انتهى المراد من فتاوى الشيخ: (محمد رشيد رضا).


ومن فتاوى ورسائل لسماحة الشيخ: (محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ) -طيب الله ثراه. جمع وترتيب وتحقيق: محمد بن عبدالرحمن بن قاسم - وفقه الله. الطبعة الأولى، الجزء الأول:

قرأتُ في ص180 كلاماً جامعاً، وفتوى مقنعة حول هذا الموضوع، ونصُّه ما يلي:

"100- الصور المجسَّمة الصغيرة ولعب عائشة رضي الله عنها.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:

فقد نشرت جريدة "البلاد" السعودية بعددها 1419ه-، الصادر في يوم الثلاثاء الموافق 9/ 4/ 73، حول مطالعات أحمد إبراهيم الغزاوي، بعنوان "عرائس البنات"، تعليقاً قالت فيه: إن عرائس البنات ولُعب الأولاد (أو الدُّمَى) لا زالت حاجة مُلحَّة من حاجات الطفولة؛ تُدخل إلى الأطفال المسرَّة، وتُشيع البهجة في نفوسهم، إلا أن هذه اللعب (الدُّمى) قد تطوَّرت مع الزمن كما تطور كل شيءٍ في الدنيا، فأخذت تصنعها المصانع، فزادت فيها تشويقاً وتلويناً وتنويعاً، ولكنها لم تخرج عن حقيقتها كلُعب أطفال. فهل يختلف الحُكْم في هذه اللُّعب عن الحُكْم على لعب عائشة - رضي الله عنها؟


وقد وجَّهت الجريدة إليَّ استفتاءها في ذلك؛ فأقول مستعيناً بالله تعالى:

نعم؛ يختلف حُكْم هذه الحادثة الجديدة عن حُكْم لُعب عائشة رضي الله عنها لما في هذه الجديدة الحادثة من حقيقة التمثيل والمضاهاة والمشابهة بخلق الله - تعالى، لكونها صوراً تامةً بكل اعتبار، ولها من المنظر الأنيق، والصنع الدقيق، والرونق الرائع، ما لا يوجد مثله ولا قريبٌ منه في الصور التي حرَّمتها الشريعة المطهَّرة.

 

وتسميتها لُعباً وصغر أجسامها لا يخرجها عن أن تكون صوراً؛ إذ العبرة في الأشياء بحقائقها لا بأسمائها؛ فكما أن الشِّرك (شركٌ)، وإن سماه صاحبه (استشفاعاً) و(توسلاً)، والخمر (خمرٌ)، وإن سماها صاحبها نبيذاً".

 

فهذه صورٌ حقيقيةُ، وإن سماها صانعوها والمتاجرون فيها والمفتونون بالصور (لُعب أطفال)، وفي الحديث: (يجيء في آخر الزمان أقوامٌ يستحلون الخمر؛ يسمُّونها بغير اسمها).

 

ومَنْ زعم أن لعب عائشة رضي الله عنها صورٌ حقيقيةٌ لذوات الأرواح؛ فعليه إقامة الدليل، ولن يجد إلى ذلك سبيلاً؛ فإنها ليست منقوشةً، ولا منحوتةً، ولا مطبوعةً من المعادن المنطبقة، ولا نحو ذلك؛ بل الظاهر أنها من عِهْن، أو قُطْن، أو خِرَق، أو قَصَبة، أو عَظْم مربوط في عَرْضِه عودٌ معترضٌ، بصورة تشبه الموجود في اللُّعب في أيدي البنات الآن في البلدان العربية البعيدة عن التمدن والحضارة، مما لا تشبه الصورة المحرَّمة إلا بنسبة بعيدة جداً؛ لما في "صحيح البخاري" من أن الصحابة يصوِّمون أولادهم، فإذا طلبوا الطعام أعطوهم اللُّعب من العِهْن؛ يعللونهم بذلك. ولما في "سنن أبي داود" وشرحها، من حديث عائشة، من ذكر الفرس ذي أربعة الأجنحة من رِقاعٍ؛ يعني: من خِرَقٍ، ولما عُلم من حال العرب من الخشونة غالباً في أوانيهم ومراكبهم وآلاتهم؛ آلات اللَّعب وغيرها.

 

وفيما ذكرتُ ها هنا مَقْنَعٌ لمريد الحقَّ - إن شاء الله تعالى.

 

ثم ليعُلم: أن تطور الزمن بأي نسبة لا يُخرج شيئاً عن حكمه الشرعي؛ إذ رَفْعُ حُكْمٍ ثبت شرعاً بالحوادث لا يجوز بحال؛ لأنه يكون نَسْخاً بالحوادث، ويُفضي إلى رفع الشرع رأساً، وربما شبَّه هاهنا بعض الجهلة بقول عائشة رضي الله عنها: "لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء؛ لمنعهن المساجد"، ولا حجة فيه - بحمد الله - على تغيير الأحكام الثابتة شرعاً بالحوادث؛ فإن عائشة ردَّت الأمر إلى صاحب الشرع؛ فقالت: (لو رأى لمنع)، ولم تمنع هي، ولم تَرَ لأحدٍ أن يمنع، وهذا واضحٌ بحمد الله،، والله الموفِّق.

 

محمد بن إبراهيم آل الشيخ - الرياض، 22/ 5/ 1373هـ-".

 

انتهى المراد من كلامه - رحمه الله تعالى[14].


ومما كتبه سماحة والدنا الشيخ: (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز) - أثابه الله، وجزاه خير الجزاء - في كتابه: "الجواب المفيد في حكم التصوير"، قال:

"وأما اللُّعب المصوَّرة على صورة شيءٍ من ذوات الأرواح؛ فقد اختلف العلماء في جواز اتخاذها للبنات وعدمه.

 

وقد ثبت في "الصحيحين" عن عائشة قالت: "كنتُ ألعب بالبنات عند النبي - صلى الله عليه وسلم...) الحديث.

 

بعدما ذكر هذا الحديث، وذكر كلام الحافظ في "الفتح" عليه[15]، قال بعد ذلك:

"إذا عرفتَ ما ذكره (الحافظ) - رحمه الله تعالى؛ فالأحوط ترك اتخاذ اللعب المصورة؛ لأن في حِلِّها شكّاً، لاحتمال أن يكون إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة على اتخاذ اللعب المصورة قبل الأمر بطمس الصور، فيكون ذلك منسوخاً بالأحاديث التي فيها الأمر بمحو الصور وطمسها، إلا ما قُطع رأسُه أو كان ممتهناً؛ كما ذهب إليه البيهقي وابن الجَوْزي، ومال إليه ابن بطَّال.

 

ويحتمل أنها مخصوصةٌ من النهي؛ كما قاله الجمهور، لمصلحة التَّمرين، ولأن في لِعب البنات بها نوع امتهان.

 

ومع الاحتمال المذكور، والشكِّ في حِلِّها؛ الأحوط تركها، وتمرين البنات بلُعب غير مصوَّرة؛ حسماً لمادة بقاء الصور المجسَّدة، وعملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (دَعْ ما يريبُك إلى ما لا يريبك) وقوله في حديث النعمان بن بشير المخرَّج في "الصحيحين" مرفوعاً: (الحلال بيِّنٌ، والحرام بيِّنٌ، وبينهما أمورٌ مشتبهاتٌ، لا يعلمها كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام؛ كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يقع فيه)،، والله أعلم"[16].

 

انتهى ما كتبه سماحته - حفظه الله - في هذا الموضوع.


ومما كُتب في بحث (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)، برقم (40)، وتاريخ (28/ 6/ 1394ه-) في هذا الموضوع ما يلي:

تحت عنوان:

3 - (ما يباح اتخاذه من الصور).


أ - يجوز اتخاذ صور ليلعب بها الصبيان، ولو كانت مجسَّمةً، على خلافٍ في ذلك، فقد روى البخاري وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنتُ ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحبٌ يلعبْنَ معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمَّعْنَ منه، فيسرِّبهن إليَّ، فيلعبْنَ معي".

 

وقد أوَّل من منع من ذلك قول عائشة: "كنتُ ألعب بالبنات"؛ فقال معناه: (كنتُ ألعب مع البنات عند النبي - صلى الله عليه وسلم).

 

ويروى ما رواه أبو داود والنَّسائي من وجه آخر عن عائشة، قالت: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك - أو خيبر..." إلى أن قالت: "فكشف ناحية السِّتْر عن بناتٍ لعائشة (لُعب)؛ فقال: (ما هذا يا عائشة؟!)، قالت: "بناتي". ورأى فيها فرساً مربوطاً، له جناحان؛ فقال: (ما هذا؟)، قلتُ: "فرسٌ"، قال: (فرسٌ له جناحان؟!)، قلتُ: "ألم تسمع أنه كان لسليمان خيلٌ لها أجنحةٌ!"؛ فضحك.

 

فهذا صريحٌ في أن المراد باللُّعب التماثيل المجسَّمة، لا بناتٍ من بني آدم.

 

ويردُّه - أيضاً -: أنه يلزم على هذا التفسير أن يكون قولها بعد: "وكان لي صواحبٌ يلعبْنَ معي" لغواً؛ لكونه مكرَّراً.

 

وإنما أقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم عائشة والجواري على اللعب بهذه الصور؛ إما لصِغَرهنَّ، وهذا يرجح أن قدومه صلى الله عليه وسلم كان من غزوة خيبر، وإما لامتهان هذه الصور باللَّعب بها.

 

ب - يجوز اتخاذ صور ذوات الأرواح إذا كانت في فُرُش ممتهَنة، تُداس وتُوطأ، كما يجوز اتخاذها واستعمالها بعد أن تُقطع رؤوسها، أو تُطمس حتى تذهب معالمها.

 

ج - أجاز بعض العلماء الصور التي لا استقرار لها؛ كصور الحلوى، وصور الفخار، إلحاقاً لها بالممتهَنة، ومنع منها آخرون؛ لعموم نصوص المنع"[17].


ومن أحسن ما كُتب في هذا الموضوع؛ ما كتبه الشيخ: (حمود بن عبدالله التويجري) - جزاه الله خيرً - في كتابه "إعلان النَّكير، على المفتونين بالتصوير"، قال:

"فصلٌ: ومن أقوى ما يتعلق به المصوِّرون - أيضاً - حديثُ عائشة رضي الله عنها قالت: "كنتُ ألعب بالبنات عند النبي - صلى الله عليه وسلم..." الحديث.

 

وقال بعده: رواه الشافعي، وأحمد، والشيخان، وأهل "السنن" إلا الترمذي، وفي رواية لمسلم: "كنتُ ألعب بالبنات في بيته"؛ وهنَّ: اللُّعب.

 

وعنها رضي الله عنها قالت: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك - أو خيبر - وفي سَهْوَتِها سِتْرٌ؛ فهبَّت ريحٌ، فكشفت ناحية السِّتْر عن بناتٍ لعائشة (لُعب)؛ فقال: (ما هذا يا عائشة؟!). قالت: "بناتي". ورأى بينهنَّ فرساً له جناحان من رِقاعٍ؛ فقال: (ما هذا الذي أرى وسطهنَّ؟!)، قالت: "فرسٌ"، قال: (وما هذا الذي عليه؟!)، قالت: "جناحان"، قال: (فرسٌ له جناحان؟!)، قالت: "أما سمعتَ أن لسليمان خيلاً لها أجنحة؟!". قالت: "فضحك حتى رأيتُ نواجذه"؛ رواه أبو داود والنَّسائي.

 

ثم لما ذكر بعد ذلك كلام الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"، إلى قوله: "وبهذا جزم الحَلِيمي فقال: "إن كانت صورةً كالوَثَن؛ لم يَجُز، وإلا جاز". ثم قال: انتهى المقصود مما ذكره ابن حجر - رحمه الله تعالى[18].


قال بعد ذلك: "وأحسن هذه الأقوال وأقربها إلى الصواب؛ قول المنذري والحَلِيمي، وأما ما جزم به عِياضٌ وغيره، من جواز اتخاذ صور البنات، وأن ذلك مخصوصٌ من عموم النهي عن اتخاذ الصور؛ فإنه قولٌ مردودٌ، والجواب عنه من وجوه:


أحدها:
أنه ليس في حديث عائشة رضي الله عنها تصريحٌ بأن لُعبها كانت صوراً حقيقية، وبانتفاء التصريح بأنها كانت صوراً حقيقية، ينتفي الاستدلال بالحديث على جواز اتخاذ اللُّعب من الصور الحقيقية.

 

ومن ادَّعى أن لعب عائشة كانت صوراً حقيقية؛ فعليه إقامة الدليل على ذلك، ولن يجد إلى الدليل سبيلاً.

 

وأما تسمية اللُّعب (بنات)؛ كما في حديث عائشة رضي الله عنها فلا يلزم منه أنها كانت صوراً حقيقية، كما قد يظنُّ ذلك من قَصُر فَهمُه.

 

بل الظاهر والله أعلم أنها كانت على نحو لعب بنات العرب في زماننا؛ فإنهنَّ يأخذن عوداً، أو قصبةً، أو خِرْقةً ملفوفةً، أو نحو ذلك؛ فيضعن قريباً من أعلاه عوداً معترضاً، ثم يُلبسنه ثياباً، ويضعن على أعلاه نحو خمار المرأة، وربما جعلنه على هيئة الصبي في المَهْد، ثم يلعبْنَ بهذه اللُّعب، ويسمينهنَّ (بناتٍ) لهنَّ، على وفق ما هو مرويٌّ عن عائشة وصاحباتها - رضي الله عنهنَّ.

 

وقد رأينا البنات يتوارثن اللعب بهذه اللعب اللاتي وصفنا زماناً بعد زمان، ولا يبعد أن يكون هذا التوارث قديماً ومستمراً في بنات العرب من زمان الجاهلية إلى زماننا هذا،، والله أعلم.

 

وليس كل بنات العرب في زماننا هذا يلعبْنّ باللعب اللاتي وصفنا؛ بل كثيرٌ منهنَّ يلعبْنَ بالصور الحقيقية، من صور البنات وغير البنات، من أنواع الحيوانات، وهؤلاء هنَّ اللاتي دخلت عليهنَّ وعلى أهليهنَّ المدنيَّة الإفرنجية، وكثرت مخالطتهم للأعاجم وأشباه الأعاجم.

 

وأما السالمات من أدناس المدنيَّة الإفرنجية، ومن مخالطة نساء الأعاجم وأشباه الأعاجم؛ فهؤلاء لم يزلْنَ على طريقة بنات العرب ولعبهنَّ على ما وصفنا من قبل، وكما أن بين لُعب هؤلاء وأولئك بوناً بعيداً في الحقيقة والشكل الظاهر؛ فكذلك الحكم فيها مختلفٌ أيضاً.

 

فأما اللعب اللاتي على ما وصفنا؛ فلا بأس بعملهنَّ، واتخاذهنَّ، واللَّعب بهنَّ؛ لأنهنَّ لسْنَ صوراً حقيقية، وأما اللعب اللاتي على صور البنات وأنواع الحيوانات؛ فصناعتهنَّ حرامٌ، وبيعهنَّ حرامٌ، وشراؤهنَّ واتخاذهنَّ حرامٌ، والتلهِّي بهنَّ حرامٌ، وإتلافهنَّ واجبٌ على مَنْ قدر على ذلك؛ لأنهنَّ من الأصنام، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطمس الأصنام كما تقدَّم في حديث عليٍّ رضي الله عنه[19].

 

والقول في الفَرَس الذي كان في لُعب عائشة رضي الله عنها كالقول في لعبها سواءً، ومن ادَّعى أنها كنت صورةً حقيقيةً، لها رأسٌ ووجهٌ؛ فعليه إقامة الدليل على ذلك، ولن يجد إليه سبيلاً.

 

والظاهر والله أعلم أنها على نحو لعب صبيان العرب في زماننا؛ فإنهم يأخذون العظم ونحوه، ويجعلون عليه شبه الإكاف، ويسمُّونه (حماراً)، وربما سمَّوه (فَرَساً). ويأخذون أيضاً من كَرَب النخل، ويغرزون في ظهر كل واحدة عودين، كهيئة عودَي الرَّحْل، ثم يضعون بينهما شِبْه ما يوضع على النَّجائب من الأخراج وغيرها، ويجعلون لها مَقُوداً يقودونها به. وربما اتخذوا ذلك من خشبة منجورة، في أعلاها مثل السَّنام، وبين يديه ومن خلفه عودان كهيئة عودَي الرَّحْل، يوضع بينهما شِبْه ما يوضع على النَّجائب ومن أمامها عودٌ كهيئة الرَّقَبَة يوضع في المَقُود، ولها أربع عجلات تمشي عليهنَّ، ويسمُّون هذه اللُّعب والتي قبلها إبلاً. وليست هذه اللعب من الصور المحرمة في شيء، والنسبة بينهما وبين الصور الحقيقية بعيدةٌ جدّاً.

 

ومما يدل على أن الفرس كانت على نحو لُعب صبيان العرب، ولم تكن صورةً حقيقيةً: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عائشة رضي الله عنها: (ما هذا؟!)؛ فقالت: "فرسٌ"، ولو كانت صورةً حقيقيةً لعرفة النبي صلى الله عليه وسلم من أول وهلة، ولم يحتج إلى سؤال عائشة عنه. وكذلك سؤاله صلى الله عليه وسلم عن اللُّعب؛ يدل على أنها لم تكن صوراً حقيقة، ولو كانت صوراً حقيقةً لم يحتج إلى السؤال عنها،، والله أعلم.


الوجه الثاني:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على عائشة رضي الله عنها نَصْب السِّتْر الذي فيه الصور، وتلوَّن وجهه لما رآه، ثم تناوله بيده الكريمة، فهتكه، وقد قدّمت الأحاديث بذلك.

 

وهذا يدل على أن لعب عائشة رضي الله عنها لم تكن صوراً حقيقيةً، ولو كانت صوراً حقيقية؛ لكانت أوْلى بالتغيير من الصور المرقومة في السِّتْر؛ لأن الصور المجسَّمة أقرب إلى مشابهة الحيوانات، وأبلغ في المضاهاة بخلق الله تعالى من الصور المرقومة؛ فكانت أشد تحريماً، وأولى بالتغيير من الصور المرقومة.


الوجه الثالث:
ما تقدَّم من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه؛ وفي رواية: إلا قضبه؛ وفي رواية: (تصاوير) بدل (تصاليب).

 

وصيغة هذا الحديث تقتضي العموم؛ لأن (شيئاً) نكرة في سياق النفي؛ فتعمُّ كلَّ صليب وصورة، وهذا يدلُّ على أن لُعب عائشة رضي الله عنها لم تكن صوراً حقيقيةً، ولو كانت صوراً حقيقة لقضبها النبي صلى الله عليه وسلم كسائر التصاليب والصور.


الوجه الرابع:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلبٌ ولا صورة، وقد تقدَّمت الأحاديث بذلك، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل - عليه السلام - أنه أتاه ليلةً، فلم يدخل البيت من أجل كلب فيه، ومن أجل ما فيه من تمثال الرجال، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: مُرْ بقطع رأس التمثال وإخراج الكلب.

 

وهذا يدلُّ على أن لُعب عائشة رضي الله عنها لم تكن صوراً حقيقية، ولو كانت صوراً حقيقية لمنعت الملائكة من دخول بيتها، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليترك في بيته شيئاً يمنع من دخول الملائكة فيه، فتعيَّن أن لُعب عائشة رضي الله عنها لم تكن صوراً حقيقية، وإنما هي على نحو ما وصفته في الوجه الأول.


الوجه الخامس:
ما تقدَّم من رواية عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة، أبى أن يدخل البيت وفيه (الآلهة)، فأمر بها فأُخرجت.

 

وفي رواية: أنه صلى الله عليه وسلم لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمُحيت.

 

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد امتنع من دخول الكعبة مرةً واحدةً من أجل ما فيها من الصور؛ فكيف يُظنُّ به أنه كان يدخل بيت عائشة رضي الله عنها في اليوم والليلة مراراً متعددة وفيه الصور؟! فتعيَّن أن لُعب عائشة رضي الله عنها لم تكن صوراً حقيقة، وبهذا تجتمع الأحاديث، وينتفي عنها التعارض.


الوجه السادس:
ما تقدَّم من حديث أبي الهيَّاج الأسدي، قال: قال لي عليٌّ رضي الله عنه: ألا أبعثُكَ على ما بعثني عليه رسوله الله - صلى الله عليه وسلم؟: (ألا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته)؛ وفي رواية: (ولا صورةً إلا طمستها).

 

وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليّاً رضي الله عنه أن يسوِّي كلَّ قبر، ويطمس كلَّ صنم.

 

والنكرة في هذا الحديث من صيغ العموم - كما تقدم تقرير ذلك - ويُستفاد من هذا أن لُعب عائشة رضي الله عنها لم تكن صوراً حقيقيةً، ولو كانت صوراً حقيقيةً لكانت داخلة في عموم ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بطمسه.

 

ولم يجئ عن النبي صلى الله عليه وسلم حرفٌ واحدٌ يقتضي استثناء لُعب عائشة رضي الله عنها من هذا العموم؛ فتعيَّن كونها من غير الصور الحقيقية.


الوجه السابع:
ما تقدَّم من حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من عاد لصنعة شيءٍ من هذا؛ فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم).

 

وفي هذا الزجر الأكيد أوضح دليل على تحريم اتخاذ الصور كلها، ولا فرق بين أن تكون لُعباً أو غير لُعب.

 

وأكثر الأحاديث التي تقدَّم ذكرها تدلُّ على ما دلَّ عليه هذا الحديث من عموم تحريم الصنعة والاتخاذ لكل صورة من صور ذوات الأرواح، وعلى هذا فيتعيَّن القول بأن لُعب عائشة رضي الله عنها لم تكن صوراً حقيقةً.


الوجه الثامن:
أن التخصيص نوعٌ من النَّسْخ؛ لكونه رفعاً لبعض أفراد الحكم العام بدليل خاص، والنَّسْخ لابد فيه من أمرين:

أحدهما: ثبوت دليل النَّسخ.

والثاني: تأخُّر تاريخه عن تاريخ المنسوخ[20].

 

وإذا فرضنا إمكان ما زعمه عِياض وغيره من تخصيص صور البنات من عموم النهي عن الصور، بناءً على أن لُعب عائشة رضي الله عنها كانت صوراً حقيقية؛ فلابد إذاً من إقامة الدليل على أن لُعب عائشة رضي الله عنها كانت صوراً حقيقيةً.

 

ولابد أيضاً من ثبوت التخصيص بأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم رأى تلك الصور عند عائشة رضي الله عنها بعد نهيه العامّ عن الصور، فأقرَّها على الاتخاذ.

 

وإذا كان كلٌّ من الأمرين معدوماً؛ فلا شك في بطلان ما زعمه عِياض ومَنْ قال بقوله.

 

وقد قال المرُّوذي في كتاب "الورع"، (باب كراهة شراء اللعب وما فيه الصور):

قيل لأبي عبدالله - يعني الإمام أحمد بن حنبل -: ترى للرجل الوصي تسأله الصبية أن يشتري لها اللعب؟ فقال: إن كانت صورة فلا.." وذكر فيها شيئاً.

 

قلتُ: الصورة إذا كانت يداً أو رِجْلاً؟ فقال: "عكرمة يقول: كلُّ شيءٍ له رأس فهو صورة". قال أبو عبدالله: "فقد يصيِّرون لها صدراً، أو عيناً وأنفاً وأسناناً". قلتُ: فأحبُّ إليك أن يجتنب شراؤها؟ قال: نعم. وقال الإمام أحمد - أيضاً - في رواية بكر بن محمد - وقد سئل عن حديث عائشة رضي الله عنها "كنت ألعب بالبنات" - قال: "لا بأس بلعب اللُّعب إذا لم يكن فيه صورة، فإذا كان فيه صورة فلا".

 

وهذا نصٌّ من أحمد رحمه الله تعالى على منع اللِّعب باللُّعبة إذا كانت صورةً، وفي رواية المرُّوذي منع شراء الصورة للصبية.

 

وقد كان أحمد رحمه الله تعالى من أتبع الناس للسُّنة، ومن أعلمهم بأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

 

وقد روى في مسنده حديث عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تلعب باللُّعب عند النبي صلى الله عليه وسلم، كما تقدَّم ذكر ذلك، ومع هذا فقد أفتى بما ذكره المرُّوذي وبكر بن محمد عنه.

 

ولو ثبت عنده أن لُعب عائشة رضي الله عنها كانت صوراً حقيقية، وأنها مخصوصةٌ من عموم النهي عن الصور، لما أفتى بخلاف ذلك.

 

هذا هو المعروف من حاله رضي الله عنه وشدة تمسُّكه بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه - رضوان الله عليهم أجمعين.

 

وبما قرَّرتُه في هذا الفصل؛ يزول الإشكال عن لُعب عائشة رضي الله عنها ويتبيَّن الصواب لكل منصف، مؤثرٍ لاتِّباع السُّنة النبوية، ويتبين - أيضاً - بطلان قول من أجاز اتخاذ اللعب من الصور المحرَّمة،، والله سبحانه وتعالى أعلم"[21].

 

انتهى كلام الشيخ: (حمُّود بن عبدالله التويجري) - جزاه الله خيراً.


وهذا آخر ما تيسَّر جمعه في هذه المسألة؛ أعني مسألة التصوير، وما يتعلق بلُعب الأطفال. والحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

 


[1] (فتح الباري: جزء 10، من صفحة 526 - 527).

[2] (عمدة القاري: جزء 22، صفحة 70).

[3] تقدَّم الحديث المشار إليه وكلام الحافظ ابن حجر عليه في أوَّل البحث.

[4] (عمدة القاري: جزء 22، صفحة 170 وما بعدها).

[5] (شرح النووي على صحيح مسلم: جزء 14، صفحة 82).

[6] من الآية (13) من سورة سبأ.

[7] (الجامع لأحكام القرآن: جزء 14، صفحة 274) مطبعة دار الكتب المصرية.

[8] (نيل الأوطار، شرح منتقى الأخبار، من أحاديث سيد الأخيار: جزء 6، صفحة 359).

[9] (الآداب الشرعية، والمنح المرعية: جزء 3، صفحة 517).

[10] (غذاء الألباب، لشرح منظومة الآداب: جزء 2، صفحة 212-213).

[11] كف الرعاع، عن محرَّمات اللهو والسماع.

[12] (فتاوى الشيخ (محمد رشيد رضا): لمجلد الرابع، صفحة 1401-1402).

[13] (فتاوى الشيخ (محمد رشيد رضا): المجلد الرابع، صفحة 1409).

[14] مجموع فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ رحمه الله تعالى جمع وترتيب وتحقيق: الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن قاسم، الطبعة الأولى، الجزء الأول، صفحة 180 وما بعدها، رقم الفتوى 100.

[15] تقدم في أوَّل البحث حديث عائشة بأكمله، وكلام الحافظ عليه.

[16] الجواب المفيد في حكم التصوير، صفحة (20) وما بعدها، رسالة صغيرة مطبوعة وتوزع مجاناً.

[17] هذا جزءٌ من بحث من بحوث (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)، ب- (الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء) بالرئاسة، (في التصوير وما يتعلق به)، رقمه: (20)، وتاريخه: (28/ 6/ 1394ه-).

[18] انظر: كلام الحافظ في أول البحث.

[19] وتقدم هذا الحديث في الكلام عن التصوير في صفحة (16) من كتاب التويجري "إعلان النكير"، ونصُّه ما يلي: "الحديث الحادي والثلاثون: عن أبي محمد الهذلي - ويكني أيضاً بأبي مروع - عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فقال (أيكم ينطلق إلى المدينة؛ فلا يدع بها وثناً إلا كسره، ولا قبراً إلا سوَّاه، ولا صورةً إلا لطخها؟)؛ فقال رجلٌ: أنا يا رسول الله. فانطلق، فهاب أهل المدينة؛ فرجع؛ فقال علي رضي الله عنه: أنا أنطلقُ يا رسول الله. قال: فانطلق، ثم رجع فقال: يا رسول الله، لم أدع بها وثناً إلا كسرته، ولا قبراً إلا سويته، ولا صورةً إلا لطختها. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عاد لصنعة شيءٍ من هذا؛ فقد كفر بما أنزل على محمد)؛ رواه الإمام أحمد، وابنه عبدالله في "زوائد المسند"، وأبو داود الطيالسي في "مسنده".

[20] "وهناك أمرٌ ثالث: وهو تعذُّر الجمع بين النصَّين". هذه زيادةٌ من والدنا سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - أثابه الله.

[21] من كتاب: "إعلان النكير، على المفتونين بالتصوير"، الطبعة الأولى، من صفحة 97 وما بعدها.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ألعاب أولادنا
  • حكم الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره

مختارات من الشبكة

  • اللعب يعدل سلوك الأطفال المصابين بالتوحد(مقالة - موقع د. ناجي بن إبراهيم العرفج)
  • التعليم بالترفيه(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • عزوف الأطفال عن المشاركة في اللعب .. وعلاجه(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مبحث في بيع الدمى (لعب الأطفال المجسمة)(مقالة - موقع الشيخ دبيان محمد الدبيان)
  • لعبة "لم الشمل": تحضير درس صرفي بالألعاب اللغوية "أوزان الفعل غير الثلاثي"(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • لعبة: "ماين كرافت Minecraft" مخاطر.. سلبيات.. وقاية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الألعاب الإلكترونية وغياب الهدف(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • لا تحرم طفلك من اللعب(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • طفلي كثير اللعب(استشارة - الاستشارات)
  • قراءات اقتصادية (4) اللعب النظيف: ما تتعلمه من طفلك عن الاقتصاد والحياة(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)

 


تعليقات الزوار
3- اللعب
معاذ كيري - بوركينا فاسو 15-03-2023 01:03 AM

لكم الشكر والتقدير على هذه الجهد ،وجزاكم الله خيرا
الأحوط ترك اتخاذه حتى تسلم من الخلافات .

2- الشيخ متوفى .. فرحمه الله رحمة واسعة ..
أبو العنود 04-11-2007 03:05 PM
الشيخ متوفى .. فرحمه الله رحمة واسعة ..
1- اللعب
علي حسن محسن مجلي - اليمن 29-05-2007 12:51 AM
جزاك الله خيرا على هذا الجهد المتواضع ولكن لماذا لا تكون اللعب بشكل الحيوان بشرط أن يكون الرأس فيه الوجه غير واضح أو يكون فيه خلفيه محددة غير العينين و الأنف والفم وبذلك نخرج من الخلاف ولله الحمد لان الحيوان بدون الوجه لا يدخل في التحريم لأن أصل التحريم في الوجه .




والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 10:16
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب