• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / روافد
علامة باركود

من خصائص الإسلام: إقرار مبدأ التسامي والدعوة إليه

من خصائص الإسلام: إقرار مبدأ التسامي والدعوة إليه
الشيخ أبو الوفاء محمد درويش

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/11/2014 ميلادي - 27/1/1436 هجري

الزيارات: 27102

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من خصائص الإسلام

إقرار مبدأ التسامي والدعوة إليه

 

التطور سنة عاملة في الإنسان، لا تفتر ولا تقصر، عملت فيه وهو جنين في ظلمات الرحم، كان نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظامًا كُسيت لحمًا، فلما تَم خلقه، برز إلى نور الوجود؛ ليعمل فيه التطور عملاً آخر، فكان طفلاً رضيعًا، ثم فطيمًا، ثم صبيًّا، ثم مراهقًا، ثم شابًّا؛ ثم بلغ أشُدَّه واستوى، واستكمل القوة والنمو، ووصل إلى ذِروة الحياة؛ قال تعالى في توضيح تلك السنة التي لن تتبدل ولن تتحول: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾، وقال تعالى موجزًا هذه الأحوال أبلغ إيجاز: ﴿ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ﴾.

 

وإذا استكمل الإنسان قوته، انحدَر إلى الضَّعف كرَّة أخرى؛ لتتم دورته الكونية، ويعود إلى الأرض التي خُلِق منها؛ قال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ﴾.

 

وغرائز الإنسان التي فُطِر عليها تدعوه إلى هذا التطور ما دام يتسامى به ويرتقي، فإذا جنح به التطور إلى الانحدار، نفَرت منه طبيعته، وحاولت أن تتخلص منه، وأن تَلتمس السبيل إلى التسامي، فهو منذ حداثته يُفكر في أن يكون رجلاً، وأن يكون له زوج وأولاد، ويفكر في جمع المال وادخاره وتنميته إن جارى غرائزه الفطرية ولم يخرج عليها، وإن كانت امرأة فكرت في أن يكون لها بَعل، وفي أن تكون أُمًّا تُشبل على أولادها، وترعاهم، وتبسط عليهم جَناح رحمتها، ثم عمِلت على ما يجعلها أهلاً لهذه الحياة المستقبلة، التي يسير بها التطور إليها، وتأبى غرائزها إلا أن تعدها لها.

 

والإنسان المعتدل المزاج المستقيم الغرائز، يفكر دائمًا في أن يكون في حال خير من حاله، يتمنى أن يكون في صحة خير من صحته، وفي ثروة أوسع من ثروته، وفي جاه أعرض من جاهه، ومنزلة أسمى من منزلته، وهكذا يصدق قول الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم: ((لو كان لابن آدم وادٍ من ذهب، لتمنى أن يكون له واديان)).

 

وإنك لتجد الإنسان حين تنحدر به الحياة إلى الضعف والشيخوخة، يفكر في مقاومة عواملهما ما وجد إلى ذلك سبيلاً، ويستعين على ذلك بأنواع من العلاج، وألوان من الدواء، عسى أن يحتفظ بقوته وشبابه، ويطيل أمد استمتاعه بالحياة، ولقد أدى ذلك إلى البحث عن الوسائل التي تؤخر الشيخوخة؛ أو تُرجئ هجومها ردحًا من الزمن. ولكن هيهات، فلكل داء دواءٌ إلا الهرَم، سُنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

 

وإذا أحس الإنسان دبيب الضعف في جسمه، والنقص في بدنه، فكر في المزيد والتسامي من ناحية أخرى، فكر في زيادة الثروة، إن مد له في أسبابها، فازداد جدًّا وكدًّا، وحرصًا على المال، وضنًّا به، وإن قدر عليه رزقه، وضاقت ذات يده، فلم يستطع المزيد من هذه الناحية، أقبل على المزيد في الدين، فلزم المساجد، وأقام الصلاة؛ وأكثر من الصوم، والاستغفار، وحرَص على التسامي من هذا الوجه؛ لأن الفطرة الإنسانية تهيب بالإنسان إلى أن يتسامى دائمًا، في كل ناحية من نواحيه، فإن عجَز عن ناحية، لم يَعجِز عن الأخرى.

 

جاءت الشريعة الإسلامية فأقرت هذا المبدأ؛ لأن في إقراره مسايرة لسنة الله، وموافقة للفطرة التي فطر الناس عليها، أقرت الناس على ما دعتهم إليه الفطرة من الطموح والتسامي، بل دعت إلى ذلك وحضت عليه.؛ ليبلغ الناس الكمال الممكن الذي هُيِّئوا له.

 

علم الشارع الحكيم أن العلم أول ما ييسر سبل الرقي أمام الأمم والشعوب، ويفتح لها أبواب المجد على مصاريعها، فدعا الناس إليه دعوة لا هَوادة فيها، وحثَّهم على طلبه؛ ليفتح أبصارهم على آياته في الأنفس والآفاق، فتتفتح لهم دلائل وجوده وقدرته؛ وعلمه وحكمته، ويعبدوه مخلصين له الدين؛ وليذللوا قوى الطبيعة التي سخَّرها الله لهم، ويُخضعوها لمنافعهم؛ قال تعالى: ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾.

 

وإنك لو سرح ذِهنك ساعة في تاريخ الإسلام لتجتلي ما كان له من مجد وعظمة، وسمو وطموح، وفتح وغلب، وعزة وانتصار - لأيقنتَ أن المسلمين السابقين ما ارتقوا إلا بالإسلام، ولا انتصروا على أعدائهم إلا باتباع هدايته، ولا ورثوا العروش إلا بما بُثَّ فيهم من روح العزة والتسامي والطموح.

 

النظافة أخص ما تمتاز به الأمم الراقية، والشعوب الناهضة، فانظر كيف جعل الإسلام الطهارة شرطًا في صحة الصلاة التي هي عماد الدين! وكيف فرض الغسل على الزوجين إذا أفضى بعضهما إلى بعض! ودعا إليه عازمًا مرة في كل جمعة! وكيف أوجب على المصلي طهارة ثوبه وبدنه ومكانه! فهذه دعوة إلى التسامي والرقي، ما في ذلك شك، وكفى بالنظافة - وهي عماد صحة البدن - سموًّا ورُقيًّا.

 

لم ينكر على الناس ما تدعوهم إليه الفطرة السليمة من الجنوح إلى اتخاذ الزينة؛ والاستمتاع بالطيبات، ولكنه حرم عليهم الفواحش التي هي علم الحيوانية، ودليل الوحشية؛ ورمز الجهالة والتأخر والانحطاط؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾.

 

ولما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكبر بقوله: ((لا يَدخل الجنة مَن كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر))؛ لأنه من الجحود، وقلة المبالاة وضرب من الحيوانية الغافلة؛ قال له رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا، ونَعله حسنة، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس))، فبيَّن صلى الله عليه وسلم أن التجمل بالمباح ليس من الكبرياء. ولكن الكبرياء أن يتنكر الإنسان للحق فلا يقبله، أو يحاول إبطال ما جعله الله حقًّا من توحيده وعبادته، وأن يستهين بالناس ويحتقرهم، وكل هذا من الارتكاس الذي ينافي السمو الروحي والخلقي.

 

دعا هذا الدين الحنيف إلى الاستباق إلى الخير، والتماس أسباب القوة والغلبة، وحض على الحرص على ما ينفع، ونهى عن العجز؛ قال تعالى: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾.

وروى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تَعجِز))، وفي الجامع الصغير من رواية الطبراني: ((إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها، ويَكره سفسافها)).

 

من هذه النصوص تدرك أن الإسلام لا يوصد أمام الناس أبواب الرقي، ولا يصد عن سبيل التسامي، بل يُشجع على سلوك هذه السبل، ووُلوج هذه الأبواب، وينادي بأن كل رقي إنساني في الدين والدنيا، ممكن ومُيسر، بيد أنه موقوف على العمل، وروى مسلم عن أبي فراس ربيعة بن كعب الأسلمي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل الصفة رضي الله عنه قال: "كنت أبيتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآتيه بوضوئه وحاجته، فقال: ((سلني))، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: ((أَو غير ذلك؟))، قلت: هو ذاك، قال: ((فأعني على نفسك بكثرة السجود).

فهذا رجل التمس أسمى درجة في الجنة، حتى لقد طمَحت نفسه إلى أن يكون رفيق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعلى منازل الفردوس، لم يُوئِسه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يسد عليه باب الأمل، بل بيَّن له السبيل التي لو سلكها لصدقت أحلامه، وتحققت آماله، وطلب إليه أن يأتي من الأعمال ما يسمو به إلى هذه المنزلة، ولم يوسع أمامه دائرة العمل؛ حتى لا ينتشر عليه الأمر، وتتفرق وجوه الفوز، بل حصر العمل الموصل في دائرة واحدة، وهي كثرة السجود، ولا شك أن كثرة السجود من كثرة الصلاة، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والانتهاء عن الفحشاء والمنكر من طاعة الله ورسوله، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾.

 

وروى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الجنة أقرب إلى أحدكم من شِراك نَعله))، وفي هذا حض على العمل لها، والحرص على ما يقرب إليها، وبيان أن الظفر بها ليس من العسر؛ بحيث يشق مطلبه، أو يُعيي الوصول إليه.

 

وروى الترمذي أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله، إني أريد سفرًا، فزوِّدني، فقال: ((زوَّدك الله التقوى))، قال: زدني، قال: ((وغفر ذنبك))، قال: زدني، قال: ((ويسَّر لك الخير حيث كنت)).

 

فها نحن أُولاء نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينهه عن طلب المزيد، حين طلب المزيد، حين طمَحت نفسه إلى المزيد من الخير والسعادة، بعد أن دعا له بالتقوى، ولا جرم أنها خير زاد، بل زاد وأفضل، ودل بهذا على أن خزائن رحمة الله لا تنفَد، وعلى أنه ينبغي الإكثار من الدعاء، ومهما يكثر العبد، فالله أكثر.

 

أمرنا الشارع الحكيم بالسعي لكسب العيش أمرًا لا يَعرف هَوادة؛ حتى لا نكون عالة على الناس؛ لأن ذلك ينافي التسامي والطموح الفطري؛ قال تعالى: ﴿ فإذا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾، وقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾.

وروى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده)).

ولما كانت النفوس البشرية مفطورة على حب التنافس، وكان التنافس هو الذي يحدوها إلى التسامي، ويُحفزها إلى طلب الكمال، دعا الرسول عليه الصلاة والسلام إلى إظهار آثار النعمة؛ حتى يبعث في الناس روح التنافس، فيدفعهم ذلك إلى العمل وكسب المال الذي يرقى بهم إلى مستوى فوق المستوى الذي هم فيه.

روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده)).

إن في ذلك فوق الثمرة الروحية وهي شكر الله بإظهار نعمته، والتجافي عن غمطها وكتمانها - ثمرة أخرى اجتماعية، وهي بث روح التنافس في الأمة؛ لتعمل على كسب المزيد من فضل الله.

 

قد يدعو الطموح وحب التسامي في العاجلة إلى إغفال الآخرة والتفريط في جنبها، لم يغفل الله هذه الحقيقة، بل نبَّه إليها؛ حتى يتسامى المؤمن في حياتيه: الروحية، والمادية؛ قال تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾.

 

لم يغفل الشارع الحكيم في الشريعة المطهرة تنظيم الجانب الاجتماعي، بعد أن نظم حياة الفرد، وعلَّمه كيف يأخذ بأسباب التقدم والارتقاء، فدعا إلى إصلاح الجماعة؛ لتنهض وترقى، وتصل إلى الكمال الممكن.

 

أساس إصلاح الجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فدعا إلى ذلك وحض عليه؛ قال تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾.

 

ولا جَرَمَ أن الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجتماع الكلمة - من أقوى أسباب نهضة الأمم والجماعات، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ﴾؛ ليحض الشعوب على أن يصلحوا من شؤون أنفسهم، ويلتمسوا المزيد من فضل ربهم، بتغيير ما هم فيه من فساد الخلق، وضَعف القوى والكسل، والتهاون والتراخي، والإهمال والجمود.

 

ورأى الشارع الحكيم أن الجمود على عادات الآباء والأجداد، والاستمساك بعقائدهم الفاسدة، مما يعوق الأمة التي تطمَح إلى الرقي والجِد، فعاب الجامدين، ونعى عليهم جمودهم؛ ليبعث فيهم الميل إلى تحطيم قيود الماضي والتخلص من أغلاله؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾.

 

لم يرض الله من الطامحين إلى التسامي في دينهم وعبادتهم أن يقفوا عند حد الاقتداء بشيوخهم وسادتهم وكبرائهم، بل دعاهم إلى الاقتداء بالمثل الأعلى والأُسوة الحسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾.

 

وبعدُ؛ فلو أطلقنا للقلم العِنان لإيراد كل نَص في كتاب الله وسنة رسوله يثبت أن الإسلام دين يدعو إلى السمو والطموح والمجد، وينهى عن الجمود والانحطاط والتأخر - لكتبنا سِفرًا ضخمًا، وحسبنا ما أوردنا؛ ففيه للمنصف المتدبر غناء، فما أجَل الإسلام من دين! وما أرقى شريعته من شريعة!

 

اللهم أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثمٍ، والغنيمة من كل بِرٍّ، والفوز بالجنة!

 

المجلة

السنة

العدد

التاريخ

الهدي النبوي

الثانية

الرابع والعشرين

ربيع الأول سنة 1358 هـ





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من خصائص الإسلام : أنه قضى على عقائد الشرور والآثام وتقديم القرابين
  • من خصائص الإسلام : بيان أن للوجود سننا لا تتحول ولا تتبدل
  • من خصائص الإسلام : العمل على تحرير العبيد

مختارات من الشبكة

  • خصائص النظم في " خصائص العربية " لأبي الفتح عثمان بن جني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • طريقة الكتب في عرض الخصائص النبوية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (3) علم أصول الفقه علم إسلامي خالص(مقالة - آفاق الشريعة)
  • السبيل إلى معرفة خصائص النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - ملفات خاصة)
  • صدر حديثا كتب السنة وعلومها (88)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • خصيصة من خصائص العلم العقدي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (2) وحدة الموضوع وتكامله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (1) علم أصول الفقه يجمع بين العقل والنقل (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الربانية خصيصة من خصائص السيرة النبوية(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الخصائص الكبرى (المعجزات والخصائص)(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
1- أي قول يقال بعد ما قيل
فهد - السعودية 27-03-2023 06:48 AM

إن السماء لا تقبل على جبينها من الأفلاك
ألا أجملها وأكثرهم لمعان لا تزداد سمو وتسامي فإن التسامي غريزة متطورة لدى العاقل وكل ذاتي الحركة طالما تحرك صعودا فقط. من أرقى ما قرأت

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب