• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

نظرات في (بسم الله الرحمن الرحيم)

نور الدين قوطيط

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/10/2009 ميلادي - 20/10/1430 هجري

الزيارات: 40131

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نظرات في (بسم الله الرحمن الرحيم)


الحمد لله، والصلاة على سيد المرسلين، ومن اتَّبع هداه، وسلم كثيرًا.

 

أما بعد:

﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾.

 

"بسم الله": هي كلمة بسيطة؛ بَيْدَ أنها عميقة، عميقة جدًّا.

 

هي سرُّ الحقيقة، هي مجلي سرِّ الوجود المهيب، بما يزخر به من كائناتٍ، وأشياءَ، وأحداث.

 

إنها كلمة تُترجِم أعظمَ الحقائق، وأعمقَ الأسرار في هذا الكون.

 

إنها كلمة الأدب الفاضل مع الحق - جل جلاله.

 

هي كلمة بسيطة؛ بيد أنَّها تحوي حقائقَ جليلةً، فأعظِمْ بها مِن كلمة!

 

لقد أتى على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكُ شيئًا مذكورًا؛ بل كان هنالك، متواريًا في مجاهل العدم، وأطواء الفَناء، حتى أدركتْه الرحمةُ الإلهيَّة، فخرج إلى فضاء الحرية الخالدة، وآفاقِ الفضيلة العميقة، فإذا هو قد تمثَّل بشرًا سويًّا.

 

تلك هي حقيقة الإنسان؛ مخلوقٌ ضعيف ضئيل، لا يُعَدُّ شيئًا في جنب هذا العالم الفسيح؛ بل كهباءة متداعية سابحة في أعماق الوجود، تلك حقيقة لا مراء فيها.

 

على أنَّ الحقيقة الأخرى التي لا يَجمل بكَ نسيانُها - أيها الأخ الفاضل - وأنت تتأمل أسرار الحياة وحقائقَ الوجود - هي أن هذا الكائن المسمَّى "الإنسان" يظلُّ هو، هو لا شيء - كما هو في حقيقته الأولى - في جنب هذا الكون العظيم، حتى تنشأ بينه وبين الله - جل جلاله - وشائجُ المحبَّة، وعلائقُ المودَّة، علاقةُ العبودية الخالصة، ووشيجةُ الاستجابة الصادقة له - تعالى.

 

وما معنى تلك العلاقة، وحقيقة تلك الوشيجة في مذهبي إلَّا قولُك: "بسم الله" بمعناها العميق الدقيق.

 

وإنها لَمسؤوليةٌ جسيمة، وأمانةٌ عظيمة، وحِملٌ ثقيل، تلك الكلمة التي كُلِّف الإنسانُ أن يقولها وهو يُمارس نشاطاتِ حياته في هذا العالم، وقد أشفقتْ مِن حَمْلِها السماواتُ والأرض والجبال، على أن جسَامة تلك المسؤولية، وعظمةَ تلك الأمانة، وثِقَلَ ذلك الحمْل - يصير هيِّنًا عندما يقول الإنسان صادقًا مخلصًا: "بسم الله" مدركًا لأبعادها ومراميها، ودلائلها وأسرارها.

 

عندما يقول الإنسان: "بسم الله"، تتجلَّى في أعماقه حقيقةُ الألوهية بمعناها المطلق المهيمن، بكل جلالها وكمالها وجمالها.

عندما يقول الإنسان: "بسم الله"، تتبيَّن في حسِّه حقيقةُ العبودية بمعناها الضعيف الضئيل، بكل قيمتها في ميزان الحقيقة الخالدة.

عندما يقول الإنسان: "بسم الله"، تتكشَّف في نفسه حقيقة الوجود الكبير بمعناها العميق، بكل أسرارها وآياتها وحقائقها.

 

وهكذا، حينما يصل الإنسان إلى هذا المستوى السامِق، حينها فقط يستطيع - بإذن الله - الارتقاءَ إلى تلك الآفاقِ العلويَّة، والأبعاد الراقية، التي تُتِيحها حقيقة "بسم الله"، وإنها لآفاقٌ شاهقة، وأبعاد سامية جدًّا جدًّا، هنالك حيث تصير الحياة كلُّها لله وبالله، ومِن ثمَّ لا يجدُ الإنسانُ - وقد ارتقى هذا المُرتقَى الشاهقَ - بُدًّا مِن قول "بسم الله"، واستحضار حقائقها وإيحاءاتها في كلِّ خطوة يَخطوها، وكل حركة يتحرَّكها في عالم الواقع، وهو يغذُّ السيرَ نحو الأبدية الخالدة، نحو الله - جل جلاله.

 

ذلك؛ لأن الحياة في مفهومها العميق صارتْ في حِسِّه وضميره لحظاتٍ ذاتَ بالٍ وقيمةٍ كبيرة في ميزان الحكمة الإلهية، ومِن ثمَّ يكُون جليًّا في عقله وقلبه أنَّ الأمر الصغير - بل الذي يبدو صغيرًا بالنسبة إليه - كالأمر الكبير سواء، في تحديد مصيره الأبدي، لا لشيء إلَّا لأنَّه يَعرف أن كل أمرٍ لا يُبدأ فيه بـ"بسم الله" يكون ناقصًا أبترَ.

 

فهو عند الأكل يقول: "بسم الله"، وعند الشرب يقول "بسم الله".

وهو عند النوم يقول: "بسم الله"، وعند اليقظة يقول: "بسم الله".

وهو عند الفلح يقول: "بسم الله"، وعند الحصاد يقول: "بسم الله".

وهو عند الصلاة يقول: "بسم الله"، وعند مختلف العبادات يقول: "بسم الله".

وهو عند كلِّ خطوة، وعند كلِّ حركة يقول: "بسم الله".

 

ألَا ما أعظمَ إنسانًا هذا شأنُه في الحياة وعلاقته مع الله - جل جلاله!

 

لقد صارتْ حياتُه كلُّها تبتدئ بـ"بسم الله"، وتنتهي بـ"الحمد لله"؛ ذلك لأنَّه يَعرف قيمتَه في ميزان الله - تعالى - ويَعرف مهمَّته في هذا العالم، ومِن ثمَّ تتفتح نوافذُ كينونته الباطنة كلها؛ لتُدرِك عظمة الإبداع الإلهي في هذا الوجود، مِن الذرة التافهة - أستغفر الله - إلى المجرَّة العظيمة، إلى الكون المحيط، ومِن ثمَّ تَرُوح طالبةً الإذنَ مِن مالك هذا العالم بكل ما يحفل به من كائناتٍ وأشياءَ وأحداثٍ ومشاهِدَ، عند كلِّ حركة تتحرَّكها، وهي تبتغي تقديمَ شهادة التصديق لِمَضَامين الفِطرة الأولى التي فَطر اللهُ - تعالى - عليها الوجودَ، بما في ذلك هذا الكائن الضئيل المسمَّى "الإنسان".

 

وهكذا، وقد بلغ الإنسانُ هذا المستوى - وأعظِمْ به مِن مستوى! - تنتفي في حِسِّه وعقله وضميره - بشكل طبيعي - تلك الأكذوبةُ التي يُقرِّرها الجاهليُّون بمختلف أنواع التقريرات، لا لشيء إلَّا لإبعاد الإنسانِ عن مصدر الوجود؛ عن الله - تعالى - وإحداثِ قطيعة عميقة معه، إنها أكذوبةُ حاكميَّةِ القوانينِ الكونيةِ، والتي قالوا: إنها قوانينُ صارمة ومطْلقة، لا تَقبَل النقضَ والتجاوُز مِن أيِّ أحدٍ كان، ولو كان خالقها ومبدعها - سبحانه وتعالى!

 

إن الإنسان المسلم، وقد تبيَّنتْ في كينونته الفطريَّة حقيقةُ الألوهيةِ المطلقة المهيمنة، والعبوديَّة الشاملة لكلِّ الكائنات الوجوديَّة - يَعرف أن الله - تعالى - قد خَلق هذا الكونَ الهائل بكلِّ ما يَحويه مِن كائنات وأشخاصٍ لغايةٍ محددة، تلك هي غاية العبودية، وأنه لأجل ذلك بثَّ فيه قوانينَ وسُنَنًا حاكمة على مسيرته؛ حتى تنتظم حقائقُ الأشياء كما أرادها الخالق - عز وجل - غير أنَّ هذه الحقيقة لا تَنفي في حسِّ وعقلِ الإنسانِ المسلمِ حقيقةً أخرى، تلك هي حقيقة أن الخالق الذي بَثَّ في هذا الكون قوانينَه وسُنَنَه، والتي قضى أن تكون متحقِّقةَ الحدوث لا تغيير لها ولا تبديل، هذا الخالق لا تنسحب عليه حاكميَّة تلك القوانين - سبحانه - بل هو مطلق في التعامل معها، له القدرة المطلقة في نقْضها بقوانينَ أخرى، وتجاوُزها إلى غيرها، كيف ونحن نرى في عالم الواقع أشياءَ تُتَرْجِم هذه الحقيقة؟ فخُذ مثلًا زوجين شابَّينِ لا يُنجبان، عِلمًا أن قوانين الكون تُقَرِّر أن فترة الشباب هي الفترة الأمثَل للإخصاب والإنجاب؛ وما ذلك إلَّا لأن الخالق - عز وجل - قد كتب عليهما عدمَ الإنجابِ، حتى وإنْ كانت قوانينُ الكونِ تقتضي ذلك.

 

وبالعكس نجد زوجين قد طعَنَا في السِّنِّ، وَبَلَغَا من العُمر عتيًّا، ومع ذلك يُنجِبان، مع أن في ذلك مُصادَمةً واضحة لقوانين الكون المعروفة للعقل الإنساني، التي تُقَرِّر أن فترة الشيخوخة لا تُوافق الإخصاب والإنجاب؛ وما ذلك إلَّا لأن الخالق قد كَتب لهما الإخصاب والإنجاب، وإنْ رفضتْ ذلك قوانينُ الكون، وتأمَّلْ قصةَ النبيِّ زكريا - صلى الله عليه وسلم - والسيدة مريم - عليها السلام - تفهمْ هذا المعنى.

 

وهكذا، يستطيع الإنسانُ المسلم التعاملَ مع الكون المحيط به، وما يحمل مِن الحقائق والآيات والأسرار، بكل استعلاء وانطلاق، وحُبٍّ وسلام؛ ذلك لأنه يعرف أن الكون - ذلك الكائن الحي - مثله تمامًا، له مهمَّة محددة عليه القيامُ بها، ومِن ثمَّ لا يملك لنفسه مِن الأمر شيئًا، فضلًا عن معرفته أنه على عظمته الهائلة مُسَخَّرٌ له مِن لدُن الخالق - جل جلاله.

 

إنَّ الإشراقاتِ الروحانيَّةَ التي تتدفَّق في أعماق الإنسان وهو يتمثَّل تلك الحقيقة أثناء ممارسته لهواتف كينونته، وتعاليم شريعته في عالم الواقع - ليس يدركها إلَّا مَن تَذوَّقها، وارتقَى في معارج اليقين، حتى كأنه يعيش الأبدية الخالدة وهو يدبُّ برجليه في عالم الكون والفساد، والتغيُّر والاضمحلال.

 

من أجل ذلك؛ كانت كلمة "بسم الله" - كما قال بعضُهم صادقًا - بالنسبة للإنسان، كمثل كلمة "كُن" بالنسبة لله - تعالى - ذلك لأن الخالق - جل وعز - يقول للشيء: كُن، فيكون؛ بحكم طلاقة القدرة الإلهية، التي لا يحدُّها شيءٌ في هذا الوجود. والإنسانُ يقول: "بسم الله" وهو يَتعامل مع الأشخاص، والأشياء، والأحداثِ المبثوثة في هذا الوجود، فإذا هي متوافقةٌ معه، مُستجيبة له، كأنه حاكمٌ عليها لا تجد مِن إطاعته بُدًّا أو رَدًّا، لا لشيء إلا لأنَّ الله - تعالى - قد قضَى في الأزل أن يكون هذا الكون مسخَّرًا لهذا الكائنِ الضعيف الضئيل، المسمَّى "الإنسان".

 

ولك - أيها الأخ الفاضل - أن تتصوَّر حياة الإنسان وهو يمارس فعاليات كينونته الفطرية، دون أن يكون لهذه الكلمة أثرٌ في تلك الممارسة، ألَا لا جَرَمَ أنها حياة ضحلة متعفِّنة بئيسة؛ ﴿ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [يس: 30].

 

وحسْب هذا الإنسان البائس أنه يعيش في قلق، واضطراب، وفصامٍ نَكِد، وهو يتعامل مع الوجود من حوله، وحسْبه ذلك الخوف المُمِضُّ الذي يَستشعِره كلَّما نظر في أعماق الكون الهائل، وتأمَّلَ أبعادَ المجهول؛ ذلك لأنه فقَدَ تلك الوشيجةَ التي تجمع بين مُختلف الكائنات في هذا الوجود الكبير، وَشِيجة العبودية لله - تعالى - "الرحمن الرحيم".

 

ما أجملَها مِن كلمة! وما أعذبَه مِن معنى! وما أعمقَها مِن حقيقة!

 

حدَّثتْني نفسي مرَّة فقالت: ربما لا يُوجد في أسماء الله - تعالى - الحُسنى، وصفاته الكريمة، اسمان يُترجِمان حقيقةَ الألوهية وعلاقتها بالوجود - بكل ما يَزخر به مِن أشخاص وأشياء، وأحداث ومشاهد - أعظمَ مِن هذين الاسمين "الرحمن الرحيم"، فصدَّقتُها.

 

وما لي لا أصدِّق وأقرُّها على عقيدتها، وأنا أرى آياتِ الرحمة الإلهية مبثوثةً في أجزاء الوجود، مِن الذَّرَّة الصغيرة - بل أدنى - إلى الكون العظيم؛ بل لا توجد حركةٌ - صغيرة أو كبيرة - في هذا الوجود الكبير إلَّا برحمة مِن الرحمن الرحيم؟!

 

أرأيتَ تلك العصفورةَ الجميلة وهي تخطر متراقصة في جوِّ السَّماء؟ أرأيت إلى تقلُّبها، وتمايُلها، وانسياب حركتها؟ أرأيت إلى خِفَّتِها، ورشاقة قوامها الحبيب وهي تطير في فضاء الكون؟ أرأيت ذلك؟ إنه ليس ضروريًّا لِبنْيَتِها النحيلة المتداعية، ولكن رحمة الله - تعالى - مكَّنتها مِن ذلك، فتبارك الله الرحمن الرحيم.

 

أرأيت تلك الوردة الساحرة وقد انصدعتْ عنها تربةُ الأرض، فإذا هي حلوة المنظر، فيحاء العطر؟ أرأيت ذلك؟ إنه ليس ضروريًّا لطبيعتها وهي الورقات اللينة المتهالكة، ولكن رحمة الله - تعالى - أضفَتْ عليها ذلك السِّحرَ الخلَّاب، فتبارك الله الرحمن الرحيم.

 

أرأيتَ؟ أرأيت؟ مشاهدُ كثيرةٌ في هذا الكون، وأحداثٌ كثيرة في حياة الإنسان تؤكِّد تلك الحقيقةَ الكبيرة.

 

إن الإنسان موجود في العالم لغاية مُعيَّنة، تلك هي غاية العبودية، وهي مهمة جسيمة ولا شك، غيرَ أن الله - تعالى - وهو الرحمن الرحيم، قد سخَّر له ما في السماوات والأرض؛ رحمة منه وفضلًا.

 

وما الإنسانُ في هذا الوجودِ الكبير الهائل - وهو المكلَّف من قِبَل الحق تعالى - بمهمة عظيمة، أبتْها السماواتُ والأرض والجبال، وأشفقنَ منها، لولا رحمةُ الله - تعالى - التي تحفُّه من كل جانب - إنه لا شيء، لا شيء.

 

لقد بدأتْ رحمة الله - تعالى - بهذا الكائن الضعيف الضئيل المسمَّى "الإنسان"، مِن قبل أن يُخلَق ويَدخل إلى الوجود؛ بل وقبل أن يخلق هذا الكون الفسيح العظيم، ذلك يوم قدَّر في الأزل الأول خلْقَ هذا العالم على هذه الصورة الموائمة لحياة الإنسان؛ كيما تُتاحَ له فرصةُ القيام بمهمَّته خيرَ قيام.

 

إن نظرةً واحدة في آفاق السماوات والأرض، وما تحمل مِن التوافقات العجيبة الدقيقة المعجزة - لَتُوحي للعقل الإنساني بهذه الحقيقة الكبيرة؛ حقيقة أن الله - تعالى - بثَّ رحمته في تفاصيل بنية الكون؛ حتى يكون مجالًا موائمًا لمهمة الإنسان، يكون فيه قابلية الحياة في أحسنِ صوَرها، وأجمَل أشكالها، وقابلية التعامُل مع كلِّ ما يُحيط به من حقائقه الكبرى.

 

ومِن هنا كان مِن أعظم صور رحمة الله - تعالى – بالإنسان: صورةُ هذا الكون، تلك الصورة التي تنطوي على آيات الإبداع والجمال والتسخير، فلولا رحمةُ الله - تعالى - لكان هذا الكائن الإنسانيُّ غريبًا في هذا الكون، لا يستطيع أن يتقدم خطوةً واحدة إلى الأمام، وهو المكلَّف بعمارة الأرض، وإقامة حضارة إنسانيَّة فاضلة، قائمة على تعاليم المنهج الرباني.

 

ثم مِن صُور رحمة الله - تعالى – بالإنسان: صُورتُه الخِلْقية البديعة، تلك الصورة التي تتضمن آياتِ التكريم والتشريف الإلهي؛ فالإنسان خُلِقَ في أحسن تقويم، وأجمَل تعديل، وأبدعِ صورة، فرحمةُ الله - تعالى - بالإنسان في صورة جسْمه آيةٌ مِن آيات الله المترجمة للعناية الربانية بهذا الإنسان؛ فكلُّ جزء في بنية الجسم الإنساني خُلِق لأداء مهمة معينة في حركة الجسم وهو يُمارس نشاطه في عالم الواقع، وربما لا داعي للتنبيه إلى صورة الإنسان النفسية؛ أعني: الكينونة البشرية، فتلك أعظم آية تتجلَّى فيها رحمة الله - تعالى - بهذا الإنسان، وحسبُك في فهم ذلك أنَّ هذا الروح البشري هو أمرٌ مِن أمْر الله - تعالى - ﴿ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ﴾ [الحجر: 29]، فهذه الإضافة تبيِّن لك تلك الحقيقة.

 

ثم مِن صُور رحمة الله - تعالى – بالإنسان: المنهجُ الرباني الذي أنزله عليه، ذلك المنهج الذي مزج الله - تعالى - فيه الهدى والنور، والرحمة والرشاد؛ تيسيرًا للإنسان حتى يستطيع الاستقامة على منهج الحق وهو يسعى لعمارة الأرض؛ ارتقاء إلى الرضا الإلهي والدار الآخرة، تلك الدار التي تعدُّ الدارَ الحقيقية، والمنزلة النهائية للإنسان، ولولا رحمة الله - تعالى - للإنسان بهذا المنهج الرباني الفائق، لكان يخوض لُجَجَ الجاهلية، وكانت حياته مصابةً بالقلق والفوضى والاضطراب، ثم العذاب الأليم في الدار الآخرة، التي لا مَنجَى مِن وُرُودها لكافة المخلوقات، وانظر إلى حياة الجاهلية قديمًا وحديثًا تَعِ هذه الحقيقةَ الكبيرة.

 

ثم رحمة الله - تعالى - التي تشمل الإنسان في كلِّ شيء، الأمر الصغير والأمر الكبير سواء، فلا جرم أنَّ الإنسان لا يستطيع عدَّ أنواعِ الرحمة الربانية عليه، ولو جهد في ذلك جهده؛ ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: 18].

 

إن الإنسان وهو يتأمَّل رحمة الله - تعالى - التي تشمل كلَّ شيء في هذا الوجود، صغيرًا أو كبيرًا، وهو يرى بدائع الخَلْق، وأنواع التسخير والتيسير في كلِّ ما يُحيط به؛ بل في كلِّ ما له علاقة به ولو مِن بعيد، الإنسان عندما يتأمل هذه الحقيقة، لا ريب أن تتبيَّن لديه حقيقةُ منزلته عند الله - تعالى - وقيمته في هذا الوجود، فتمتلئ كينونتُه بمشاعر الحُبِّ والتقدير، والخضوع والخشوع لله - تعالى - واهب النعم المتعدِّدة، والرحمات المتكثرة.

 

وهكذا، وقد امتلأتْ نفس الإنسان بهذه الحقيقة، حقيقةِ شمول رحمة الله - تعالى - كلَّ شيء في هذا الوجود، فضلًا عن ذاته الشخصية، تنشأ بينه وبين مُختلف الكائنات والأشياء والمشاهد في هذا الكون الفسيح - علائقُ المودة والرحمة والحُبِّ والسلام، لا لشيء إلَّا لأنه يعرف أن كلَّ تلك الكائنات، وتلك المشاهد الكونية صورةٌ مِن صُور إبداع القدرة الإلهية المطلقة، فإذا هو يسعى لاستكشاف مكان الرحمة الإلهية في تفاصيلها الدقيقة؛ محاولةً منه لتسخيرها في عمارة الأرض، وإقامة الحضارة الإنسانية الفاضلة التي أمَره الله - تعالى - بها، في ذات الوقت الذي يحاول الحفاظ على معالمها الجمالية، وآياتها الربانية، دونما إفسادٍ فيها.

 

وحينما تُقارن بين الإنسان وهو يحمل هذا التصور في عقله وضميره، وهو يُمارس فِعله الإنسانيَّ في عالم الواقع، وبين الإنسانِ الجاهلي الذي فقدَ الصلةَ بالله - تعالى - ومِن ثمَّ انتفَتْ مِن ضميره حقيقةُ الرحمة المستمَدَّة مِن العقيدة الربانية، وهو يُمارس فِعله الإنسانيَّ في عالم الأرض، فإذا هو - وقد مَلك شيئًا مِن القُدرة والسُّلطة - يَسعى جاهدًا للإفساد في كلِّ ما يُحيط به من مظاهر الوجود، من أشخاصٍ وأشياءَ ومشاهِدَ؛ تحقيقًا لأهدافه القريبة، ومُتَعه الرخيصة، وشهواته الوقتية، فضلًا عن المفاسد التي يَجلبها على نفسِه الشخصية مِن قلقٍ واضطراب وفوضى، وأمراضٍ عصبية ونفسية وأخلاقية، حينما تُقارن بين هذا الإنسان وذلك، حينها فقط تَعرِف قيمةَ الرحمة الإلهية المُهْداة لهذا الإنسان، تلك الرحمة التي لولاها لما كان لوجود الإنسان مِن معنى في هذا الوجود.

 

إنه فرق كبير - كبير جدًّا - بين إنسان يَسعَى في الأرض وهو مشدودٌ إلى السماء، يخوض غمار الأبدية في ذات الوقت الذي يتحرك حركتَه في هذه الحياة الدنيا، وبين إنسان قد فقدَ كلَّ أسباب الوجود الكريم في هذا العالم حين انقطعتْ علائقُه بالسماء.

 

والله أعلم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نظرات في سورة (ق)
  • نظرات في سورة يوسف
  • والنجم إذا هوى
  • تفسير وإعراب: (بسم الله الرحمن الرحيم)
  • تفسير: (الرحمن الرحيم)
  • الرحمن الرحيم سبحانه جل في علاه
  • شرح اسم: الرحمن، الرحيم
  • شرح: الرحمن الرحيم
  • فقه اسمي الله: الرحمن - الرحيم

مختارات من الشبكة

  • حديث: صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • إعراب بسم الله الرحمن الرحيم(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تفسير: ( بسم الله الرحمن الرحيم )(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفة مع " بسم الله الرحمن الرحيم "(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة الصراط المستقيم إلى معاني بسم الله الرحمن الرحيم(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • نظرات الآخرين تزعجني(استشارة - الاستشارات)
  • تفسير: (وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نظرات في قوله تعالى: { وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون }(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نظرات في الجمال(مقالة - حضارة الكلمة)
  • نظرات في استشكال النصوص الشرعية(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
2- لا فض الله فاك
ندى نور - المغرب 22-07-2011 03:01 AM

مقال جميل جدا بارك الله فيك

1- التامل في خلق الله
عاليه - egypt 20-10-2009 02:41 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
 اسرار عميقه خلابه تزيد روحانيتك لكن هناك شرط ان تؤمن بها وتتيقن بها ديننا هو الإيمان بالله عز وجل ربنا يكرمكم و ماتوفيقي إلا بالله
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب