• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

الغضب بين الذم والمدح

الغضب بين الذم والمدح
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/10/2014 ميلادي - 27/12/1435 هجري

الزيارات: 17870

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الغضب بين الذم والمدح [1]


إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1 ].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].

 

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

جاء في صحيح الإمام البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (أوصني، قال: لا تغضب، فردد مراراً، قال: لا تغضب).

 

أيها الناس، إن نبينا عليه الصلاة والسلام هو طبيب الأمة الذي يعرف كيف يداوي مرضى الأرواح والأخلاق السيئة. فهذا الرجل المستوصي أبصر عليه النبي صلى الله عليه وسلم سحائب الغضب تعلو وجهه، فرأى أحسن وصية تسدى إليه أن ينهاه عن الغضب.

 

إن الغضب-أيها الأخوة- نزوة شيطانية، وصفة عدوانية، والإنسان ينزع فيه عند الغضب عرق إلى الشيطان الذي قال: خلقتني من نار وخلقته من طين.

 

فالغضب شعلة من نار، ومن شأن النار الاشتعال، والحركة والاضطراب، والتلظي والالتهاب.

 

وحقيقة الغضب-كما يقول بعض علماء السلوك- غليان دم القلب لطلب الانتقام، فمتى غضب الإنسان ثارت نار الغضب ثوراناً يغلي به دم القلب، وينتشر في العروق، ويرتفع إلى أعالي البدن كما يرتفع الماء الذي يغلي في القدر؛ ولذلك يحمر الوجه والعين والبشرة، وكل ذلك يحكي لون ما وراءه من حمرة الدم التي تحكي الزجاجة لون ما فيها.

 

أيها الأحبة، إن الغضب خلق ذميم، ومسلك غير قويم، وقد أصبح لدى بعض الناس سمة بارزة في شخصيته، ومرافقاً ملازماً في حياته. ففي بيته قطوب الجبين، عابس الوجه، مرفوع الصراخ، ضيقٌ بأهله وأولاده وهم كذلك. فأين هذا من خلق النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان أباً رحيماً وزوجاً كريماً الذي يقول: ( خيركم خيركم لأهله، وأنا من خيركم لأهلي ) [2].

 

وإن خرج هذا الغضوب إلى عمله فإنه بعيد عن الناس وهم بعيدون عنه؛ اتقاء لشره، وسوء أخلاقه، و(إن شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم [3].

 

هذا الغضوب تنقدح نار غضبه بأدنى مؤثر، فيلقي بشرره على غيره بدون تعقل وتفكر.

 

أيها المسلمون، هناك من الناس من هو معجب بنفسه، مزهو بما عنده من مال أو جاه أو قوة، فإذا عومل بأقل مما يريد سل سيوف غضبه وتهجمه على من لم يرفعه إلى المعاملة التي يرومها، خصوصاً إذا كان المغضوب عليه أقل شأناً وحالاً.

 

إن الإفراط في المزاح والدعابة-بدون حدود وضوابط- قد يشعل فتيل الغضب بين المازحين، والكلمة تجر أختها فربما جاوزت الخطوط الحمراء.

 

وكذلك الفهم الخاطئ للشجاعة والرجولة والقوة يولد حب الغضب والتطبع عليه والتباهي بالاتصاف به، فأكثر الجهال عقلاً وفهماً يسمون سرعة الغضب شجاعة ورجولية، وعزة نفس وكبر همة وقدرة على السيطرة. فاستحسنه هؤلاء الجهال خاصة إذا ذكر الأكابر في الدنيا وأنه من أخلاقهم.

 

ومن الخطأ الكبير أن صار معروفاً بين الناس أن الأب لا يكون مسموع الكلمة في البيت إلا إذا كان غضوباً. والزوج لا يكون قوي الشخصية مع أهله إلا إذا كان شديد الغضب. والمدير لا يكون مهاباً بين الموظفين وناجحاً في إدارته إلا إذا كان من أهل الغضب والعبوس، لا يعرف إلا قانون العقوبة ونظام الشدة ولم يع أن الإدارة الناجحة إنما تكون بالحب وحسن المعاملة من غير ضعف أو غفلة، مع الأخذ بالغضب والشدة في ظرفها المناسب.

ووضع الندى في موضع السيف بالعلى *** مضر كوضع السيف في موضع الندى

 

عباد الله، إن الغضب الشديد خلق ذميم، يجر على صاحبه وعلى الناس أضراراً كثيرة.

 

فالغضب مرض خُلقي تظهر آثاره على الباطن بالحقد والحسد والكراهية، وعلى اللسان بالسب والشتم والقذف، وعلى اليدين بالبطش والانتقام. بحيث يصدر عن صاحبه تخبط في الحركات، واضطراب في الأقوال والقرارات.

 

قيل: إنه مكتوب في حكمة داود: " يا داود، إياك وشدة الغضب؛ فإن شدة الغضب مفسدة لفؤاد الحكيم".

إن الغضب-معشر المسلمين- بوابة لدخول الشيطان على الإنسان والتحكم فيه.

 

قال الحسن البصري رحمه الله: " أربع من كن فيه عصمه الله من الشيطان: من ملك نفسه عند الرغبة والرهبة والشهوة والغضب".

 

عباد الله، إن الغضب الشديد ليس من أخلاق الرجال الكاملين، وأهل الفضائل العاقلين، وإنما يتخلق به أهل اللؤم والعجز والنقص والضعف، فيعوضون عن عجزهم بسرعة غضبهم، ومما يدل على ذلك: أن المريض أسرع غضباً من الصحيح، والمرأة أسرع غضباً من الرجل، والصبي أسرع غضباً من الرجل الكبير، والشيخ الضعيف أسرع غضباً من الكهل، وصاحب الخلق السيئ والرذائل أسرع غضباً من صاحب الخلق الحسن ومحامد الفضائل.

 

ولذلك لا يملك نفسه عند الغضب إلا الإنسان العاقل القوي في نفسه وخلقه، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( ليس الشديد بالصُرَعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) [4].

 

قال بعض الحكماء لابنه: " يا بني، لا يثبت العقل عند الغضب، كما لا يثبت روح الحي في التنانير المسجورة، فأقل الناس غضباً أعقلهم".

 

أيها الأفاضل، إن الغضب يقضي على راحة الإنسان وسعادته وصحته إذا ما استبد به واستحكم على عقله، فيغطي الغضب على حواسه، ومعاقل تصرفاته، فيصير أعمى في صورة المبصرين، وأصم في صورة السامعين، ومجنوناً في صورة العاقلين. ولو رأى الغضبان صورته حال غضبه بعد ذهاب غضبه لاستعاذ منها.

 

وكما أن الغضب مضر بالعقل والبدن فإنه مضر بعبادة الإنسان وأحكام معاملاته أيضاً.

قال بعض العقلاء: " اتقوا الغضب؛ فإنه يفسد الإيمان كما يفسد الصَبِر العسل".

 

كتب أبو بكرة رضي الله عنه إلى ابنه بسجستان: أن لا تقضي بين اثنين وأنت غضبان؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان) [5].

 

ومن هذا الحديث الشريف يستفاد أنه لا يجوز القضاء والحكم ولو بين الأولاد والتلاميذ حال الغضب؛ خشية الوقوع في الظلم ومآرب النفس الغضوب؛ لأن الغضب يذهب الفكر الصائب والنظر الثاقب.

 

كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى أحد عماله: "أن لا تعاقب عند غضبك، وإذا غضبت على رجل فاحبسه، فإذا سكن غضبك فأخرجه فعاقبه على قدر ذنبه".

 

أيها المسلمون، ها هو الغضب قد مثل أمامنا وحشاً كاسراً يفترس عقولنا وحسن تصرفاتنا، ويجر العقل إلى المهالك، وينحرف به عن أسلم المسالك، ويقرع البدن حتى يهده ويصيبه بالإعياء والعناء، ولم يكتف بذلك حتى أخرج العالم عن علمه، وجهّله في حكمه، وأبعد الحليم عن حلمه، وأسلمه إلى جهله وطيشه.

 

فلهذا كان لابد أن نبحث لهذا الداء عن دواء وشفاء، مع علمنا أن الغضب صفة طبعية في الإنسان، لا يمكن أن تزال عنه. لكن المقصود أن لا ينجر المسلم وراء الغضب، وأن لا يستجيب لدواعيه ومثيراته.

 

فإذا غُلِب الإنسان فعلاه الغضبُ فهناك أدوية مسكنة ومخففة تصرف الغضب عن الغضبان؛ لئلا تصدر عنه أعمال لا تحمد شرعاً وعقلاً.

 

فمن تلك الأدوية: الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم؛ لأن الغضب نزوة شيطانية.

فقد استب رجلان عند النبي صلى الله عليه و سلم فغضب أحدهما فاشتد غضبه حتى انتفخ وجهه وتغير فقال النبي صلى الله عليه و سلم: ( إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد ). فانطلق إليه الرجل فأخبره بقول النبي صلى الله عليه و سلم وقال: تعوذ بالله من الشيطان، فقال: أترى بي بأساً! أمجنون أنا! اذهب. [6].

 

ومن الأدوية: السكوت عند الغضب، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (علموا ويسروا ولا تعسروا، وإذا غضب أحدكم فليسكت)[7].

 

ومما يداوى به الغضب: الوضوء أو الاغتسال؛ لأن الغضب حرارة وتلهب، ولا يطفئ ذلك إلا الماء البارد، جاء في الحديث: (إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ) [8].

 

عباد الله، ومن علاج الغضب: أن يذكر الغضبان ربه عز وجل، قال تعالى: ﴿ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ [الكهف: 24].

 

قال عكرمة تلميذ ابن عباس: "إذا نسيت أي: إذا غضبت، فيدعوه ذلك إلى الخوف منه".

وذكر في التوراة: يا ابن آدم، اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب".

 

ومن علاج الغضب: أن يتفكر الغضبان في النصوص الواردة في فضل كظم الغيظ والعفو والحلم والاحتمال، فيحجزه ذلك عن التشفي والانتقام.

 

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (من كظم غيظاً - وهو قادر على أن ينفذه - دعاه الله عز وجل على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من الحور ما شاء) [9].

 

كان لأبي الدرداء رضي الله عنه مولى يرعى له الغنم فجاءه وقد كسر رجل شاة من شياهه، فقال: من كسرها؟ قال: أنا فعلته عمداً لأغيظك فتضربني فتأثم، فقال: لأغيظن من حملك على إغاظتي-أي: الشيطان- فأعتقه.

 

ومن العلاج أيضاً: تغيير الحال التي كان عليها الغضبان، فإذا كان قائماً فليجلس، وإذا كان جالساً فليضطجع.

 

عن أبى ذر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع) [10].

 

ومن العلاج كذلك: أن يتذكر الإنسان ما يؤول إليه الغضب من الندم، ومذلة الانتقام، وذل الاعتذار. وقد قيل: " إياك وعزة الغضب؛ فإنها تفضي إلى ذل الاعتذار".

 

قال جعفر الصادق رحمه الله: " ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من قوله تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199].

 

قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

 

أما بعد:

أيها المسلمون، هناك نوع من الغضب مطلوب من المسلم أن يتصف به، وهو مأجور عليه، بل قد يدخل ضمن الواجبات، وهذا هو الغضب المحمود إما لجهته التي يستحقها أو لزمانه الذي يكون فيه.

 

ولذا فإن الغضب صفة من صفات الله تعالى على ما يليق به سبحانه وتعالى.

 

فقد غضب الله عز وجل على من عصى أمره وارتكب نهيه من الكفار على اختلاف أصنافهم.

 

قال تعالى: ﴿ مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النحل: 106].

 

ومن هؤلاء الكفار: المنافقون. قال تعالى: ﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً ﴾ [الفتح: 6].

 

ومن الكفار: اليهود. قال تعالى: ﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 61].

 

أيها المسلمون، إن المعاصي سبب من أسباب غضب الله على صاحبها، وهناك ذنوب اشتد غضب الله على أهلها أكثر من غيرها، فمنها:

إيذاء الأنبياء بالأقوال أو الأفعال، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( اشتد غضب الله على قوم فعلوا بنبيه - يشير إلى رباعيته - اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله صلى الله عليه و سلم في سبيل الله ) [11].

 

ألا يشتد غضب الله-يا عباد الله- على قوم يصورون رسول الله في صور تدعو إلى السخرية والتنقص، كما حصل في أوروبا وفي صحيفة مصرية؟!.

 

ألا يشتد غضب الله على قوم يطعنون في فراش رسول الله وعرضه برمي زوجته الطاهرة العفيفة وأحب نسائه إليه رضي الله عنها؟!. بلى.

 

وممن يشتد غضب الله عليه: من يقتل النفس المؤمنة من غير حق.

قال تعالى: ﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ﴾ [النساء: 93].

 

ويشتد غضب الله على من يأخذ مال مسلم بغير حق.

 

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( من حلف على يمين صبر -وهو فيها فاجر- يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان )[12].

 

عباد الله، إن غضب الله تعالى لا يعظم إلا على من عظم جرمه وقبح فعله؛ لأن الله تعالى أرحم بالعباد من أنفسهم.

 

ولهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم: ( إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه إن رحمتي سبقت غضبي ) [13].

 

وإنما أخبرنا الله تعالى عن غضبه حتى لا نقع فيه.

 

ولهذا كان من هدي رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يستعيذ من غضب الله فيقول: (اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك) [14].

 

أيها الأفاضل، هناك أشياء تستثير من الإنسان السليم كوامن الغضب وتدعوه لاعتناقه والمضي معه؛ غيرةً لله تعالى وانتصاراً لدينه وأوليائه.

 

أنشد النابغة الجعدي أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ولا خَيْرَ في حِلْم إذا لم يكن iiله        بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَه  أن  يُكدَرَا
ولا خيرَ في جهلٍ إذا لم يكن له        حَليمٌ إذا ما أَوْردَ الأمرَ  iiأَصْدَرَا

 

فلم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لأن من فقد الغضب في الأشياء المغضبة حتى استوت حالتاه قبل الإغضاب وبعده فقد فقد من فضائل النفس: الشجاعةَ والأنفة والغيرة والدفاع عن الحقوق المعنوية.

 

عباد الله، إن المسلم الحر لما يرى محارم الله تنتهك، وحقوقه تستباح، وحدوده تضيع، كيف لا يغضب!

وحينما يشاهد شريعة الله يُتلاعب بها بين مطرقة الديموقراطية وسندان الدولة المدنية كيف لا يغضب!

وعندما يرى حقوق المسلمين يستهان بها وكرامتهم تداس وتلقى، كيف لا يغضب!

وحين يرى كثيراً من القوى تعين الظالم، وتتخلى عن المظلوم ليسحق ويباد ويسلب الحياة كيف لا يغضب!.

إذا لم تغضب أيها المسلم في هذه الأحوال فمتى ستغضب!!

 

أيها المسلمون، إن موسى عليه السلام عندما خرج للقاء ربه ورجع فوجد قومه قد عبدوا العجل، غضب لله من أجل هذا الفعل الشنيع. ولشدة غضبه ألقى الألواح من يده وفيها هدى ونور. قال تعالى: ﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 150].

 

فيا أيها المسلمون، علينا أن نكون حكماء حلماء، غيرى على حرمات الله تعالى، نغضب في موضع الغضب، ونحلم في نوضع الحلم. وهذه هي الحكمة.

 

قال تعالى: ﴿ يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269].

 

هذا وصلوا وسلموا على القدوة المهداة...



[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في 5/ 11 /1433هـ، 21/ 9 /2012م.

[2] رواه أحمد وابن حبان والترمذي، وغيرهم، وهو صحيح.

[3] رواه البخاري.

[4] متفق عليه.

[5] متفق عليه.

[6] متفق عليه.

[7] رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وهو صحيح.

[8] رواه أحمد وأبو داود، وهو ضعيف.

[9] رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وهو صحيح.

[10] رواه أبو داود وأحمد وابن حبان، وهو صحيح.

[11] متفق عليه.

[12] متفق عليه.

[13] رواه البخاري.

[14] رواه الترمذي والنسائي، وهو حسن.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العتاب بين المدح والذم
  • الدين بين المدح والذم
  • التجارة بين المدح والذم
  • الفقر بين المدح والذم
  • المال بين المدح والذم
  • طرق ووسائل لعلاج الغضب
  • من مداخل الشيطان : الغضب
  • الغضب إذا انتهكت حرمات الشرع
  • الغضب.. ركضة الشيطان (خطبة)
  • التسحيج والمدح في ميزان الشرع

مختارات من الشبكة

  • تجرع الغضب وكظم الغيظ (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الغضب وأثره في وقوع الطلاق بين الأزواج(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • آفة الغضب وفضل العمل بقوله تعالى (وإذا ما غضبوا هم يغفرون)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • آفة الغضب وقوله تعالى {وإذا ما غضبوا هم يغفرون}(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • الابتعاد عن الغضب وأسبابه (الوقاية والعلاج)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لا تغضب (أقسام الغضب ومفاسده وعلاجه)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تجرع الغضب وكظم الغيظ (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الغضب عاصفة هوجاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ترك الغضب مطلقا: سبب لطرد الشيطان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الغضب في ميزان الشريعة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب