• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الآداب والأخلاق
علامة باركود

المؤمن وحفظ اللسان

المؤمن وحفظ اللسان
أ. محمد شوقي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/9/2014 ميلادي - 2/12/1435 هجري

الزيارات: 21582

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المؤمن وحفظ اللسان


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أما بعدُ:

فإذا تصفَّحْنا أخلاق المؤمن، وتأمَّلنا شِيمَه، عَرَفْنا مِقْدارَه، وعلِمْنا قيمتَه؛ نراه ناهَز الكَمَال، وقَرُب على التَّمام، يتَقلَّب في الفضائل والحِسان، يكاد يكون مُنقطع النظير؛ فكلُّ أمورِه له خيْر، إذا أصابَتْه سَرَّاءُ شكَر فكان خيرًا له، وإذا أصابَتْه ضَراءُ صبَر فكان خيرًا له[1]، فلا يباريه في المجد والعلا أحدٌ من أهل الدنيا، إلاَّ أن يكون مثله!

 

إنَّ المؤمنَ محسنٌ أبدًا، لا يكون إمَّعة، ولا ذيلاً، يُحْسِن إذا أحسَن الناسُ، ويُسيء إذا أساؤوا[2]، بل إنه لا بد وأن يكون رأسًا، لا يسأم من إصلاح ساعتِه، بل يومه، بل دهْرِه، يصد كلَّ فساد، أمَّا الإمعةُ فإنه يتْبَع كلَّ ناعق، ويقول لكل أحد: أنا معك، فلا نرى له رأيًا، ولا يُنكر المنكرَ إذا صدَر ممَّن لَيْسوا هم مِن أهل المعروف، فالمنكرُ إذا كثُر صار معروفًا، وإذا صار المنكرُ معروفًا صار المعروفُ منكرًا.

 

المؤمنُ مَن حفِظ لسانَه، وسَلِم منه إخوانه، وكمُلتْ أخْلاقُه، وسار إلى ربِّه ينقص مِن خطوات دنياه ليزيد في خطوات آخرتِه.

 

وقد قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن استوى يوماه فهو مغبونٌ، ومن كان غدُه شرًّا من يومه فهو ملعونٌ، ومن لَم يتعاهد النُّقصان من نفسه فهو في نقصانٍ، ومن كان في نقصانٍ فالموت خيرٌ له))[3].

 

وقال أبو الفتح البستيُّ في نونيته:

1 زِيَادَةُ  الْمَرْءِ  فِي  دُنْيَاهُ  iiنُقْصَانُ        وَرِبْحُهُ غَيْرَ مَحْضِ الْخَيْرِ خُسْرَانُ

المؤمن مَن تحلَّى بالإحسان، وأدام ضبط اللِّسان، وهذا دليلُ صَلاح الجَنان؛ فكيف يورد نفْسَه المهالِكَ عاقلٌ؟! والله - عزَّ وجلَّ - قد قال: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]، وقال: ﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ﴾ [النساء: 148]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من يَضْمَن لي ما بين لحيَيْه وما بين رجليه أضمَن له الجنَّة))[4].

 

فاللِّسان ترجمان القلب، مُخْبِر بمكنونات السرائر، والقلب خزانة الأسرار، فإذا ما ضاق القلب بما فيه واستثقلَه، استراح إلى نبذِه وإذاعته باللِّسان، ولا يُمكن حينَها استرجاعُ ما شَرَد؛ فإنْ كان شرًّا حصلتْ بسببه المفاسِد، وتقَطَّعتْ بسببه الأرحام، فحَقٌّ على كل عاقل أن يحترزَ من زلَلِه وعواقبِه؛ ويَكْفِينا قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن العبد ليتكلَّم بالكلمة، ما يتبيَّن فيها، يزلُّ بها في النار أبعدَ مِمَّا بين المشرق))[5].

 

لذا كان صمتُه خيرًا مِن كلامِه على كلِّ حال؛ فلا ينطق إلا خيرًا، أو ليصمتْ؛ فقد قال الله تعالى: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114]، فنطقُه بالشرِّ سبيل كلِّ شر، وكما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((هل يكُبُّ الناسَ في النار على مناخرهم إلاَّ حصائدُ ألسنتهم))[6]، وقال: ((من صمَت نجا))[7]، وقال: ((من سرَّهُ أن يسلم فليلزم الصمت))[8]، وقال: ((ليس شيءٌ من الجسد إلا يشكُو إلى الله اللسانَ على حدته))[9]...

 

وكأن كلَّ هذه الأحاديثِ تُخبرنا بأنَّ الصمتَ فيه مَشَقَّة على النفس؛ وقد جُبل المرءُ على محبَّة الإخبار والاستخبار، وهي هي هذه الصِّفة التي جعلتِ الآخرين ينقلون أخبار الماضين، وكأنَّ لها حلاوةً ومذاقًا على اللسان؛ فهي شهوتُه، كما أنَّ الطعامَ شهوة البطن، والجِماعَ شهوة الفرج!

 

وليس معنى ذلك أن يتخذَ المرءُ هذا الطبع وهذه الفِطرةَ حجَّة على الله تعالى؛ فيَتْركَ لها العنان، ويخبط خبط عشواء، فكما طُبِع على محبة النساء والجماع نَهاه عن الزِّنا؛ فقال: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾ [الإسراء: 32]، وكما جعل شهوة البطن الطعامَ نهاه عن الإسراف؛ فقال: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، كذا أمره بالكفِّ عن قول الفُحش، فقال: ﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ [الحج: 30]، وقال: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخِر، فلْيُكرم ضيفَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذِيَنَّ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو لِيَصمت))[10].

 

فالصمتُ أبدًا أسلم مِنَ إطلاق اللسان، إلا إذا تحقَّقتِ الغنيمةُ في الكلام، وإلا فالسلامة لا يعدلها شيء، فهو - أي: الصمتُ - سبب كلِّ خير، وكما قيل في الأمثال: "خَيْرُ الْخِلاَلِ حِفْظُ اللِّسَان"[11]، وحُكي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: "بكثرة الصَّمت تكون الهيبة"، وقال لقمانُ لابنه: "يا بنيَّ، إذا افتخر الناسُ بِحُسن كلامهم، فافتخر أنت بحسن صمتك"؛ فالكلمة أسير في وثاق الرجل، فإذا تكلَّم بها صار أسيرًا في وثاقِها!

 

أمَّا الأسرارُ فما أعظمَها من أمانة! وأيُّ خزانة أفضل مِن صدرك لحفظ مثل هذه الأمانات؟! ورَحِم الله مَن قال: "صدرُك أوسع لسِرِّك"[12]، فإذا ما خرج مِن الصدر فليس حينئذٍ بسِر، ولا تعجب حينها إذا جاءك امرؤٌ يُخبرك بسِرِّ خلٍّ له، فتجده سرَّك!

 

وكما قيل:

1 إِذَا ضَاقَ صَدْرُ الْمَرْءِ عَنْ سِرِّ نَفْسِهِ        فَصَدْرُ الَّذِي يُسْتَوْدَعُ السِّرَّ  iiأَضْيَقُ

وهذا عُمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عندما ولَّى قدامةَ بن مظعون الكوفة بدل المغيرة، أمَرَه ألا يخبر أحدًا، ولم يكن له زاد، فتوجَّهتِ امرأته إلى دار المغيرة، فقالت: أقرِضونا زاد الرَّاكب؛ فإنَّ أمير المؤمنين ولَّى زوجي الكوفة، فأخبرتِ امرأةُ المغيرة زوجَها، فجاء إلى عمر - رضي الله عنه - واستأذن عليه، وقال: يا أمير المؤمنين، ولَّيتَ قدامة الكوفة، وهو رجل قويٌّ أمين، فقال: ومَن أخبَرك؟ قال: نساء المدينة يتحدَّثن به، فقال: اذهب وخُذ منه العهد!

 

وها هو المنصور يردِّد دومًا: الملوكُ تحتمل كلَّ شيء من أصحابهم إلا ثلاثًا: إفشاء السِّر، والتعرُّض للحرم، والقدح في الملك، فكم ضرَب اللسانُ عنُقَ صاحبه!

 

وهذا أبو علي القاف الكاتب الشاعر، يعَضُّ على يديه أنْ حدَّث خله عن سرِّه، فيقول:

1
2
حَدَّثْتُ  خِلِّي   iiبِهَمٍّ        رَجَوْتُ مِنْهُ انْفِرَاجِي
وَكَانَ  سِرِّي   iiلَدَيْهِ        كَالنَّارِ وَاللَّيْلُ iiدَاجِي

فمقتلُ الرجل بين فكَّيْه، و"ما مِن قاتل أحقُّ بطول السَّجْن من اللِّسان"[13]، و"ما اتَّقى اللهَ أحدٌ حقَّ تُقاته حتى يخزن من لسانه"[14].

 

وقد قال "أنوشروان": من حصَّن سره فله بتحصينه خصلتان: الظَّفر بحاجته، والسلامة من السطوات!

 

كذا، لم نرَ الله - سبحانه وتعالى - رخَّص في غيبة مؤمنٍ أبدًا، بل ضرَب مثلاً تكرهه النَّفس وتعافه، فحذَّر تعالى أشد التحذير، ونَهى أشد النَّهي عن الخَوْض في عِرْض امرئ مُسلم، فقال: ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ [الحجرات: 12]، فما أبشعه من جزاءٍ! فما رضي بأن جعلَه آكلاً لحم أخيه حتى جعله ميتًا.

 

وما أروع كلامَ ابن الأثير؛ إذْ يقول: أما جعْل الغيبة كأكل الإنسان لحم إنسانٍ آخَر مثله؛ فشديد المناسبة جدًّا؛ لأنَّ الغيبة إنما هي ذِكْر مثالب الناس، وتمزيقُ أعراضِهم، وتمزيق العِرض مماثلٌ لأكل لحم الإنسان لحْمَ مَن يغتابه؛ لأن أكل اللحم تمزيقٌ على الحقيقة.

 

وأما جعله كلحم الأخ: فلِمَا في الغيبة من الكراهة؛ لأنَّ العقل والشرع مُجتمعان على استكراهها, آمران بتركها والبُعد عنها، ولما كانتْ كذلك جعلتْ بمَنْزلة لحم الأخ في كراهته، ومن المعلوم أن لحم الإنسان مُستكرَه عند إنسان آخر، إلاَّ أنه لا يكون مثل كراهته لحم أخيه، وهذا القول مبالغة في استكراه الغيبة.

 

وأمَّا جعل اللحم ميتًا: فمن أجل أن المغتاب لا يشعر بغيبته ولا يحسُّ بها.

 

وأمَّا جعله ما هو في الغاية من الكراهة موصولاً بالمحبة, فلِمَا جُبِلت عليه النُّفوس من الميل إلى الغيبة والشهوة لها، مع العلم بقبحها.

 

فانظرْ أيها المتأمِّل إلى هذه الكناية تجدْها من أشد الكنايات شبهًا؛ لأنك إذا نظرتَ إلى كل واحدة من تلك الدلالات الأربع التي أشرنا إليها - وجَدْتها مناسبة لما قصدت له[15].

 

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كل المسلم على المسلم حرامٌ، دمه، وماله، وعرضه))، وقال: ((لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يغتب بعضكم بعضًا، وكونوا عباد الله إخْوانًا))[16].

 

فهذه هي الغيبة التي سُئِل عنها الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - فقيل له: ما الغيبةُ يا رسول الله؟ قال: ((ذِكْرُك أخاك بما يكره))، قال: أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقول يا رسول الله؟ قال: ((إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتَبْتَه، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهتَّه))[17].

 

وهو هو نفس الجزاء الذي أشار إليه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عندما سمع رجلين يقولان لأخيهما: قُتِل كما يُقتل الكلب! فما أبشعه من وصفٍ وغيبة! فمرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجيفة حمارٍ شائلة رِجْلُه، فقال لهما: ((كُلا من هذا))، قالا: من جيفة حمارٍ يا رسول الله؟ قال: ((فالَّذي نلتما من عرض أخيكما آنفًا أكثر، والذي نفس محمدٍ بيده فإنه في نهرٍ من أنهار الجنة يتغمَّس))[18].

 

وهو هو يتكرَّر مرة أخرى إذْ قال عبيدٌ مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ امرأتين كانتا صائمتين، فكانتا تغتابان الناس، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقدحٍ، فقال لهما: ((قيئا))، فقاءتا قيحًا ودمًا ولحمًا عبيطًا، ثم قال: ((إنَّ هاتين صامتا عن الحلال، وأفطرَتا على الحرام))[19].

 

فاغتيابُ الناس سخافة رأي، ودناءةُ قيمة، وحسَد وبُغض، وترفُّع وتكبُّر، وعلوٌّ في الشر، وحقد في القلب، فما يوجد أذلُّ منه؛ إذ يُخْفي شخصه، ويخفض من صوته، فيرفع من شأنه، ويحطُّ من شأن أخيه، فكان الجزاءُ مِن جِنْس مِن العمَل.

 

فماذا لو انشغَل كلُّ امرئ بما يعنيه، وترَك ما لا يعنيه؟! والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد مدَح هؤلاءِ فقال: ((إنَّ مِن حُسْن إسلام المرء تركَه ما لا يَعْنيه))[20]، وقال أكثَمُ بن صيفي قريبًا مِن هذا، فصار مثلاً: الحَزمُ حِفظُ ما كُلِّفتَ، وتَرْك ما كُفِيتَ[21]، وما أشدَّ هذا النهيَ الذي قالَه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إيَّاكم والغيبة؛ فإنَّ الغيبة أشدُّ من الزنا، إن الرجل يزني فيتوب، فيتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يَغْفر له صاحِبُه))[22]!

 

ومِن ثَم كان حِفظُ اللسان مِن أجلِّ شِيَم المؤمنين، حثَّ عليه الله ورسولُه - صلى الله عليه وسلم - ومِن بعدهم الشُّعراء والأدباء، فمن ذلك:

1 وَقَدْ قِيلَ فِي حِفْظِ اللِّسَانِ وَخَزْنِهِ        مَسَائِلُ مِنْ كُلِّ  الفَضَائِلِ  iiأَكْمَلُ

وقال آخر:

1 عَلَيْكَ حِفْظَ اللِّسَانِ مُجْتَهِدًا        فَإِنَّ بَعْضَ الْهَلاكِ  فِي  iiزَلَلِهْ

وقيل:

1 حِفْظُ  اللِّسَانِ  رَاحَةُ  iiالإِنْسَانِ        فَاحْفَظْهِ حِفْظَ الشُّكْرِ لِلإِحْسَانِ

وهذا هو اللِّسانُ تسألُه الأعضاءُ بالله، وتنشُده التَّقْوى فيها، فتقول: اتَّقِ الله فينا؛ فإنَّما نحن بك[23]، وكان عبدالله بن مسعود يقول: يا لساني، قل خيرًا تغنَمْ، واصمُتْ تَسْلَم من قبْلِ أن تندم.

 

وصدَق القائل:

1
2
3
رَأَيْتُ الْعِزَّ  فِي  أَدَبٍ  iiوَعَقْلٍ        وَفِي الْجَهْلِ  الْمَذَلَّةُ  iiوَالْهَوَانُ
وَمَا حُسْنُ الرِّجَالِ لَهُمْ بِحُسْنٍ        إذَا لَمْ  يُسْعِدِ  الْحُسْنَ  iiالْبَيَانُ
كَفَى  بِالْمَرْءِ  عَيْبًا  أَنْ   iiتَرَاهُ        لَهُ  وَجْهٌ  وَلَيْسَ   لَهُ   iiلِسَانُ

فاتَّقوا زلَّة اللِّسان؛ "فإن الرجل تعثُر قدمُه فيقوم مِن عثرته، ويزلُّ لسانُه فيكون فيه هلاكه"[24]، وكلُّ بلاء موكَّل بالمنطق.

 

وهذا يونس بن عُبيد يقول: "ليست خُلَّةٌ من خلال الخير تكون في الرَّجُل هي أحرى أن تكون جامعةً لأنواع الخير كلِّها - مِن حِفْظ اللسان".

 

ومِمَّا يُحكى أنَّه اجتَمَع برغوث وبعوضة، فقالت البعوضةُ للبرغوث: إنِّي لأَعْجب من حالي وحالِك؛ أنا أفصح منك لسانًا، وأرجح ميزانًا، وأوضح بيانًا، وأكبر منك شبابًا، وأكثر طيرانًا، ولي في بحر العبوديَّة سباحة، وفي ساحته سياحة، ومع هذا كلِّه فقد أحاط بي الجوع، وحرمني الهجوع، وأنت - على علاَّتك في جميع حالاتك - تأكل وتشبع، وفي نواعم الأبدان ترتع.

 

قال: نعم، أنت بين العالم مُطَنطنة، وعلى رؤوسهم مدندنة، وطول لسانك سبَبُ حرمانك، وأما أنا فالتلطُّف صناعتي، والصمت بضاعتي، وإنما توصَّلتُ إلى قوتي بسكوتي!

 

فالْزَم السكوت؛ فإن فيه السلامة، وتجنَّبِ الكلام الفارغ؛ فإن عاقبته الندامة، و:

1
2
احْذَرْ  لِسَانَكَ  أَيُّهَا  iiالإِنْسَانُ        لاَ    يَلْدَغَنَّكَ    إِنَّهُ    iiثُعْبَانُ
كَمْ فِي الْمَقَابِرِ مِنْ قَتِيلِ لِسَانِهِ        كَانَتْ تَهَابُ  لِقَاءَهُ  iiالفُرْسَانُ

فإذا تأمَّلتَ أخبار الماضين لم تُحْصِ عددَ مَن قتلَه لسانُه، وكان هلاكه في كلمةٍ بدرَتْ منه؛ فهذا أبو الطيب المتنبِّي، وطرفة بن العبد، والأعشى الهمداني، وحمَّاد عجرد، ودعبل الخزاعي، ووضَّاح اليمن، والسُّليك بن السلكة، وعليُّ بن جبلة، وهؤلاء جميعًا وغيرهم أصحاب كلماتٍ كانت سببًا في قتْلِهم، سُفِكَتْ دماؤهم، وقُطعت رؤوسهم، طال لسانهم ففُقِدَتْ حياتُهم[25]!

 

وهذان رجلان في بني إسرائيل متواخيانِ - كما أخبرنا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ((كان أحدهما يذنب، والآخر مجتهدٌ في العبادة، فكان لا يزال المجتهدُ يرى الآخر على الذَّنب، فيقول: أقصِر، فوجده يومًا على ذنب فقال له: أقصر، فقال: خلِّني وربِّي، أبُعِثت عليَّ رقيبًا؟ فقال: والله لا يَغْفر الله لك، أو لا يدخلك الله الجنَّة، فقبض أرواحهما، فاجتمعا عند ربِّ العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنتَ بي عالِمًا، أو كنتَ على ما في يدي قادرًا؟ وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنَّة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النَّار))، قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده، لتَكلَّم بكلمةٍ أوبقَتْ دنياه وآخرته[26].

 

فمِثْل هذا يَصْدق فيه قول القائل:

1
2
وَالنَّاسُ شَتَّى فِي الْهَوَى        كَالْمَرْءِ  مُخْتَلِفٌ  iiبَنَانُهْ
وَالصِّدْقُ أَفْضَلُ  iiشِيمَةٍ        وَالْمَرْءُ   يَقْتُلُهُ   iiلِسَانُهْ

وبعدُ: فقد وَصَف الله تعالى عباده المؤمنين بقوله: ﴿ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 112]، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "الاستِحياءُ من الله حقَّ الحياء: أن يحفظَ الرأسَ وما وعى، ويَحْفظ البَطن وما حوى"[27].

 

وحفظ الرأس وما وعى يدخل فيه: حفظ اللِّسان من الكذب، والغيبة، والنَّميمة، وشهادة الزُّور، والقول الحرام.

 

فعليك - أخي المسلم - أنْ تراقبَ لسانك - فقد قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58] - لتعرف: هل أنت واقع في هذا الدَّاء، أو لا؟ فإنْ كنتَ كذلك فاحْفَظْ لسانك؛ فمن أعظم أسباب السلامة حفظ اللِّسان، ومن أعظم أبواب الوقاية الصَّمت في وقته.



[1] أخرجه مسلم عن صهيب، ونصه: ((عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلاَّ للمؤمن، إنْ أصابته سرَّاء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ، صبر فكان خيرًا له)).

[2] أخرجه التِّرمذي عن حذيفة، ونصُّه: ((لا تكونوا إمعةً؛ تقولون: إن أحسن الناس أحسنَّا، وإن ظلموا ظلَمْنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم؛ إنْ أحسنَ الناس أن تُحْسنوا، وإن أساؤوا فلا تَظْلموا)).

[3] أخرجه الديلميُّ من حديث محمد بن سوقة عن الحارث عن علي به مرفوعًا، وسنَدُه ضعيف.

[4] أخرجه البخاري عن سهل بن سعد.

[5] أخرجه البخاري عن أبي هريرة.

[6] أخرجه الترمِذِي، وصحَّحه، وابنُ ماجه، والحاكِم وقال: صحِيح على شرط الشيخينِ.

[7] أخرجه الترمذي عن عبدِاللهِ بنِ عمرٍو، وقال الألباني: صحيح.

[8] البيهقي في "شُعَب الإيمان" عن أنس بِإِسْنَاد ضَعِيف.

[9] أخرجه أبو يعلى، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وقال ابن كثير: إسناده جيِّد، وقال الألباني: صحيح.

[10] أخرجه البخاري ومسلمٌ عن أبي هريرة.

[11] مثَلٌ يُضرَب في الحث على الصمتِ؛ "مجمع الأمثال" (1/ 242).

[12] معناه لا تُفْشِه إِلى أحد؛ فإنك أولى بترك إفشائه، وإِن ضاق عنه صدرك فصدر غيرك أضيق عنه؛ "جمهرة الأمثال" (1/ 575).

[13] يُنسَب هذا القول إلى ابن مسعودٍ وسَلْمان - رضي الله عنهما.

[14] ينسب هذا القول إلى أنس بن مالك - رضي الله عنه.

[15] "المثل السائر" (3/ 62).

[16] أخرجه مسلمٌ من حديث أبي هريرة.

[17] أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة، وصحَّحَه الألباني.

[18] أخرجه البخاريُّ في "الأدب المفرد"، وضعَّفَه الألباني.

[19] أخرجه أبو يعلى في "مسنده"، وإسنادُه ضعيف.

[20] أخرجه الترمذيُّ، وصححه الألباني.

[21] "مجمع الأمثال" (1/ 205).

[22] أخرجه ابن أبي الدنيا في ذمِّ الغيبة، وضعَّفَه الألباني.

[23] أخرجه الترمذي، وحسَّنه الألباني.

[24] وهو قول المُهلِّب لبنيه.

[25] انظر مثلاً: "قصائد قتلَتْ أصحابها"؛ للشيخ عائض القرني؛ فقد جمع الشُّعراء الذين كانت قصائدُهم سببًا في سفْكِ دمائهم!

[26] أخرجه أبو داود في "سننه"، وقال الألبانيُّ: صحيح.

[27] رواه الترمذي، وحسَّنه الألباني.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • سلامة الإنسان في حفظ اللسان
  • حفظ اللسان
  • حفظ اللسان من أعظم أسباب النجاة
  • لزوم الصمت وحفظ اللسان
  • اللسان الرطب
  • حفظ اللسان عن الخوض في الباطل
  • خطورة اللسان (خطبة)
  • حفظ اللسان علامة الإيمان (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • احترام النفس البشرية في الحروب النبوية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث أبي هريرة: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فهم واقع الحياة في قصة صاحب الجنتين: تفكير المؤمن وتفكير غير المؤمن في قصة صاحب الجنتين(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • تفكير المؤمن وتفكير غير المؤمن: التفكير الكلي والتفكير الجزئي(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • حديث: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جهود يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن في حفظ ثغور الإسلام (2)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • جهود يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن في حفظ ثغور الإسلام (1)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • المؤمن للمؤمن كالبنيان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من هدايات السنة النبوية (17) المؤمن للمؤمن كالبنيان(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • حديث: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا(مقالة - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب