• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرفيق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (10)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    القلق والأمراض النفسية: أرقام مخيفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    آفة الغيبة.. بلاء ومصيبة (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الإسلام هو السبيل الوحيد لِإنقاذ وخلاص البشرية
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    خطبة: فاعبد الله مخلصا له الدين (باللغة
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

عشرون مثالا على ما صيغته الخبر ولكنه إنشائي المعنى

د. ربيع أحمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/9/2014 ميلادي - 16/11/1435 هجري

الزيارات: 61316

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عشرون مثالاً على ما صيغتُه الخبرُ ولكنه إنشائيُّ المعنى


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وعلى أصحابه الغُر الميامين، وعلى من اتبَعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فإن لعلم أصول الفقه أهمية بالغة في استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها المعتبرة في الشرع، وعن طريقه يتمكن الفقيهُ من الوصول للحكم بسهولة ويسر، ويتمكن من معرفة الراجح من المرجوح من أقوال الفقهاء، وتمييز الأقوال الصحيحة من السقيمة، وكان أصول الفقه - ولا زال - وسيلة للدفاع عن الدِّين.

 

وفائدة أصول الفقه لا تقتصر على استنباط الأحكام الفقهية وحسب، بل تتعدى إلى جميع الأحكام الشرعية؛ فلا يستغني عن أصول الفقه فقيهٌ، ولا مفسِّر، ولا محدِّث ولا شارح للعقيدة؛ فهو علم لتفسير النصوص، والترجيح بين الأقوال، وبه يفهم مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

ولذلك، التعمق في أصول الفقه، وتطبيق الأصول على الفروع، ينمِّي الملكة الفقهية والقدرة على الاستنباط، ومع كثرة التطبيقات على مباحث الأصول تزداد الملكة، وكفى بهذه فائدة.

 

وسوف نتناول في هذا البحث عشرين مثالاً على ما صيغتُه الخبر ولكنه إنشائي المعنى، و"ما كان بصيغة الخبر لفظًا ولكنه إنشائي المعنى": أحد مباحث أصول الفقه؛ أملاً في تنمية الملكة الفقهية لدى القارئ، ولزيادة قدرته على الاستنباط بكثرة الأمثلة والتطبيقات، وفي مقالات لاحقة بإذن الله سنتناول تطبيقات على مباحث أخرى، والله ولي التوفيق...

 

وقبل ذكر الأمثلة على ما صيغته الخبر ولكنه إنشائي المعنى، لا بد أن نعرف أن الكلام ينقسم باعتبار إمكان وصفِه بالصدق وعدمه إلى قسمين: خبر وإنشاء.


1- فالخبر: ما يمكن أن يوصف بالصدق أو الكذب لذاته.


فخرج بقولنا: "ما يمكن أن يوصف بالصدق والكذب": الإنشاءُ؛ لأنه لا يمكن فيه ذلك؛ فإن مدلوله ليس مخبَرًا عنه حتى يمكن أن يقال: إنه صدق أو كذب.


وخرج بقولنا: "لذاته": الخبرُ الذي لا يحتمل الصدق، أو لا يحتمل الكذب باعتبار المخبِر به؛ وذلك أن الخبرَ من حيث المخبِرُ به ثلاثة أقسام:

الأول - ما لا يمكن وصفُه بالكذب؛ كخبر الله ورسوله الثابت عنه.


الثاني - ما لا يمكن وصفه بالصدق؛ كالخبر عن المستحيل شرعًا أو عقلًا؛ فالأول: كخبر مدَّعي الرسالة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، والثاني: كالخبر عن اجتماع النقيضين؛ كالحركة والسكون في عين واحدة في زمن واحد.


الثالث - ما يمكن أن يوصف بالصدق والكذب، إما على السواء، أو مع رجحان أحدهما؛ كإخبار شخص عن قدوم غائب، ونحوه.


2- والإنشاء: ما لا يمكن أن يوصف بالصدق والكذب، ومنه الأمر والنهي؛ كقوله تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [النساء: 36]، وقد يكون الكلام خبرًا إنشاءً باعتبارين؛ كصيغ العقود اللفظية، مثل: بِعْتُ وقبِلت؛ فإنها باعتبار دلالتها على ما في نفس العاقد خبر، وباعتبار ترتب العقد عليها إنشاءٌ.


وقد يأتي الكلام بصورة الخبر، والمراد به الإنشاء وبالعكس، لفائدة[1].


الأمثلة

مثال 1: قوله تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ [البقرة: 228]؛ أي: على المطلقات أن تمكث إحداهن بعد طلاق زوجها لها ثلاثةَ قروءٍ بدون نكاح، ثم لها أن تتزوج بعد ذلك إن شاءت، والمراد بالمطلقات هنا: المدخولُ بهن من ذوات الحيض، غير الحوامل؛ لأن غيرهن قد بيَّن الله - تعالى - عدتهن في مواضع أخرى[2].


وإن سئل: لماذا جاء الأمر في هذا المقام بتلك الصيغة الخبرية، فيكون معنى يتربصن: ليتربصن؟!


والجواب عن ذلك من عدة وجوه:

أولها: الإشارة إلى أن ذلك التربص يجب أن يكونَ من ذاتِ نفسِ المطلَّقة؛ لأنه هو الذي يليق بكرامتها، ويتفق مع فطرتها، فإن كانت الرغبة تدفعها إلى الزواج العاجل السريع، إن كان الزوج الجديد كفئًا، فإن الكرامة توجب عليها الانتظار والتريُّث، فلا يليق بالحرة الكريمة أن تنتقل بين الأزواج انتقالاً سريعًا، لا فاصل فيه بين الزوجين.


وثانيها: أن نداء الفطرة يوجب عليها الانتظار لتستبرئ رحمها، حتى إذا كان حملٌ نُسب لأبيه، ولا يتنازعه الأزواج، فهن إذا انتظرن وامتنعن عن الزواج هذه المدة، فكأن ذلك من أنفسهن، لا من أمر فوقهن، وكأن ذلك إلزام الفطرة قبل أن يكون إلزام الشرع.


وثالثها: الإشارة إلى أن الأمر بالتربص أجيب وحصل التربص فعلاً؛ فالتعبير بصيغة الخبر إشارةٌ إلى الأمر والتنفيذ معًا[3].


مثال 2: قوله تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229]؛ أي: طلِّقوهن مرتين[4]؛ فالقول خرج مخرج الخبر، والمراد به الأمر، والدليل على أنه أمرٌ وليس بخبرٍ، أنه لو كان خبرًا لوجد مخبره على ما أخبر به؛ لأن أخبارَ الله لا تنفَكُّ من وجود مخبراتها، فلما وجدنا الناس قد يطلقون الواحدة والثلاث معًا، ولو كان قوله تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾ اسمًا للخبر لاستوعب جميع ما تحته، ثم وجدنا في الناس من يطلق لا على الوجه المذكور في الآية، علمنا أنه لم يُرِدِ الخبرَ[5]، والتطليق الشرعي الذي حده الله للطلاق، ولم يخرج به العصمة من أيدي الرجال، هو مرتان؛ أي: طلقتان، تحلُّ بكل منهما العصمة، ثم تبرم؛ فالجمع بين الثنتين أو الثلاث حرام[6].


مثال 3: قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾ [آل عمران: 97]؛ أي: اجعلوا من يدخل البيت الحرام آمنًا[7]؛ فالآية وإن كانت بصيغة الخبر لفظًا، لكن معناها الإنشاء والطلب؛ أي: وأمن من دخله، والعرب جميعًا قد اتفقوا على احترامه وتعظيمه؛ فمن دخله أمِن على نفسه من الاعتداء والإيذاء، وأمن أن يُسفَك دمُه، أو تستباح حرماته ما دام فيه، وقد مضوا على ذلك الأجيال الطوال في الجاهلية على كثرة ما بينهم من الأحقاد والضغائن، واختلاف المنازع والأهواء، وقد أقر الإسلام هذا، وكلُّ ذلك بفضل دعوة إبراهيم عليه السلام[8].


مثال 4: قوله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ [البقرة: 233]؛ أي: على الأم المطلقة أن ترضع ولدها حولين كاملين إن أرادت هي وأبو الرَّضيع إتمام الرضاعة[9]؛ فالقول خرج مخرج الخبر، ومعناه الأمر؛ فمعنى: ﴿ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ ﴾ ليرضعن؛ أي: عليهن إرضاع أولادهن، وعبر عن الطلب بصيغة الخبر؛ للإشارة إلى أن ذلك الوجوب تنادي به الفطرة، ويتفق مع طبيعة الأمومة، وأن الأمهات يلبِّين الطلب فيه بداعٍ من نفوسهن؛ فلذلك عبر بالخبر، كأن الإرضاعَ وقع من غير طلب خارجي، فكان ذلك التعبير مفيدًا للأمر التكليفي، ومقررًا للأمر الفطري[10].


مثال 5: قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾ [البقرة: 158]، يخبر الله تعالى مقررًا فريضة السعي بين الصفا والمروة، ودافعًا ما توهمه بعض المؤمنين من وجود إثم في السعي بينهما، نظرًا إلى أنه كان في الجاهلية على الصفا صنمٌ يقال له: إساف، وآخر على المروة يقال له: نائلة، يتمسح بهما من يسعى بين الصفا والمروة، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ ﴾ [البقرة: 158]، يعني: السعي بينهما من شعائر الله؛ أي: عبادة من عبادته؛ إذ تعبَّد بالسعي بينهما نبيُّه إبراهيمُ وولده إسماعيل، والمسلمون من ذريتهما، فمن حج البيت لأداء فريضة الحج، أو اعتمر لأداء واجب العمرة، فليسعَ بينهما، أداءً لركن الحج والعمرة، ولا إثم عليه في كون المشركين كانوا يسعَون بينهما لأجل الصنمين: إساف ونائلة[11].


وعليه فقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ خبر في أن السعي بين الصفا والمروة من شعائر الله يقتضي الأمر بما عهد من الطواف بهما، وقوله: ﴿ فَلَا جُنَاحَ ﴾ ليس المقصد منه إباحة الطواف لمن شاء؛ لأن ذلك بعد الأمر لا يستقيم، وإنما المقصد منه رفع ما وقع في نفوس قوم من العرب من أن الطواف بينهما فيه حرج، وإعلامهم أن ما وقع في نفوسهم غير صواب[12].


مثال 6: قوله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197]؛أي: لا يفعل الحاجُّ شيئًا من هذه الأفعال[13]؛ فالقول خرج مخرج الخبر، والمراد به النهي، والمعنى: لا ترفثوا، ولا تفسقوا، ولا تجادلوا، وإن قال قائل: الفسوق محرَّم في الإحرام وغيره، فالجواب: أنه يتأكد في الإحرام أكثر من غيره[14].


مثال 7: قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ﴾ [البقرة: 196]؛ أي: فإذا كنتم في أمن وصحَّة، فمن استمتع بالعمرة إلى الحج، وذلك باستباحة ما حُرِّم عليه بسبب الإحرام بعد انتهاء عمرته، فعليه ذبحُ ما تيسر من الهدي، فمن لم يجد هَدْيًا يذبحه، فعليه صيام ثلاثة أيام في أشهر الحج، وسبعة إذا فرغتم من أعمال الحج ورجعتم إلى أهليكم، تلك عشرةٌ كاملة لا بد من صيامها[15].


وقوله تعالى: ﴿ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ﴾ [البقرة: 196]؛ أي: تلك عشرةُ أيامٍ، فأكمِلُوا صومها، لا تقصروا عنها؛ لأنه فرض عليكم صومها؛ فالآية لفظها: الإخبار، ومعناها: الأمر؛ أي: أكملوها، فذلك فرضها [16].


مثال 8: قوله تعالى: ﴿ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 66]؛ أي: الآن بعد علمه تعالى بضعفكم؛ حيث لا يقوى الواحد على قتال عشرة، ولا العشرة على قتال مائة، ولا المائة على قتال الألف، خفف تعالى - رحمة بكم ومنَّة عليكم - فنسخ الحكم الأول بالثاني الذي هو قتال الواحد للاثنين، والعشرة للعشرين، والمائة للمائتين، والألف للألفين، ومفاده: أن المؤمن لا يجوز له أن يفر من وجه اثنين، ولكن يجوز له أن يفر إذا كانوا أكثر من اثنين، وهكذا سائر النسب؛ فالعشَرة يحرم عليهم أن يفروا من عشرين، ولكن يجوز لهم أن يفروا من ثلاثين أو أربعين مثلًا، وهذا من باب رفع الحرج فقط، وإلا فإنه يجوز للمؤمن أن يقاتل عشَرة أو أكثر؛ فقد قاتَل ثلاثة آلاف صحابي يوم مؤتة مائة وخمسين ألفًا من الروم والعربِ المتنصِّرة [17].


والآية إن كان مخرجها مخرج الخبر، فإن معناها الأمر؛ أي: يجب ثبات الواحد للاثنين؛ بدليل قوله: ﴿ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ ﴾ [الأنفال: 66]، فلم يكن التخفيف إلا بعد التثقيل، ولو كان ثبوت العشرة منهم للمائة من عدوهم كان غير فرض عليهم قبل التخفيف، وكان ندبًا، لم يكن للتخفيف وجهٌ[18].


مثال 9: قوله تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام: 1]، حمَد الله نفسه تعليمًا لعباده؛ أي: احمدوا الله الذي خلق السموات والأرض، خصمها بالذكر؛ لأنهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد، وفيهما العبرة والمنافع للعباد[19].


وقوله: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾: إنما جاء على صفة الخبر، والمراد: احمدوا الله؛ لوجوه:

أحدها: أن قوله: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ يفيد تعظيم اللفظ والمعنى، ولو قال: "احمدوا" لم يحصُل مجموع هاتين الفائدتين.

وثانيها: أنه يفيد كونه - تعالى - مستحقًّا للحمد، سواءٌ حمده حامدٌ أو لم يحمَدْه.

وثالثها: أن المقصود منه ذكر الحجة؛ فذكره بصيغة الخبر أولى[20].


مثال 10: قوله تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ [البقرة: 256]، الكلام خبرٌ بمعنى النهي؛ أي: لا تُكرهوا أحدًا على الدخول في دِين الإسلام[21].


ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أكره أحدًا على الدِّين، بل ثبت عكس ذلك، وهو أن بعض الأنصار أراد أن يُكرِهَ ولده على الإسلام، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك[22].


ولم يثبت أن المسلمين في عصر من العصور أكرَهوا أحدًا على الدخول في الإسلام، ولو كان المسلمون أجبروا غيرهم على الدخول في الإسلام، ودخلوا الإسلام مكرهين، فكيف يثبتون على الإسلام بعد زوال الإكراه عنهم؟! فثباتُهم على الإسلام رغم زوال الإكراه عنهم دليل على أنهم دخلوه برضاهم، لا مغصوبين، وأن المسلمين لم يجبروهم على الدخول في الإسلام.


ولو كان دخول الإسلام بالإكراه، لَمَا ترك المسلمون أحدًا على غير الإسلام، ولأدخلوهم فيه كراهية، أو قتلوا من يأبى دخوله، وهذا لم يحدُثْ، ولو حدث لنُقِل؛ لتوافر الدواعي على نقله.


ومن المعلوم أن البلاد التي فتحها الإسلام رجع بعض هذه البلاد للكفار مرة أخرى، ومع ذلك مَن أسلم لم يرجع للكفر مرة أخرى، بل حارب الكفار، وكان في صفوف المسلمين، وهذا دليل على أنهم دخلوه برضاهم، لا مغصوبين، وأن المسلمين لم يجبروهم على الدخول في الإسلام.


وكون الإنسان لا يجبر على الدخول في الدِّين الحق، ليس معنى هذا أن تخييره مجرد، بل إن اختار الإنسانُ الكفرَ على الإيمان، استحقَّ ما توعد به الله الكفار من العذاب، فليس معنى حرية الاختيار أن يفعل الإنسان الحرام، أو أن يكفر، وأمثال هذا كثير.


مثال 11: قوله تعالى: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [الكهف: 29]؛ أي: قل لهؤلاء الغافلين: ما جئتكم به هو الحق من ربكم، فمن أراد منكم أن يصدق ويعمل به فليفعل؛ فهو خير له، ومن أراد أن يجحد فليفعل؛ فما ظلم إلا نفسه، إنا أعتدنا للكافرين نارًا شديدة، أحاط بهم سورها، وإن يستغِثْ هؤلاء الكفار في النار بطلب الماء من شدة العطش، يؤتَ لهم بماء كالزيت العكر، شديد الحرارة، يشوي وجوهَهم، قبُحَ هذا الشرابُ الذي لا يروي ظمأهم، بل يزيده، وقبُحتِ النارُ منزلًا لهم ومُقامًا، وفي هذا وعيد وتهديد شديد لمن أعرض عن الحق، فلم يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يعمل بمقتضاها[23].


وقوله: ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29] خرج مخرج الخبر، ومعناه: التهديد والوعيد لمن كفر، ومن أمثلة الواقع: أنك تقول لابنك: أنت حر في أن تذاكر، أو لا تذاكر، لكن إن لم تنجح في الامتحان فسأعاقبك، أو أهمل دروسك، وسترى عاقبة ذلك، أو أمضِ وقتك في اللعب واللهو، فسوف ترى عاقبة ذلك.


مثال 12: قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ [المائدة: 106]يخبر تعالى خبرًا متضمنًا للأمر بإشهاد اثنين على الوصية، إذا حضر الإنسانَ مقدماتُ الموت وعلائمه، فينبغي له أن يكتب وصيته، ويشهد عليها اثنين ذوي عدل ممن تُعتبر شهادتهما[24].


مثال 13: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يرِثُ القاتل شيئًا))[25]: خرج مخرج الخبر، والمراد: النهي؛ فمن قتل من يرِثُ منه شرعًا لا يجوز أن يورث؛ لأن قتله سببٌ في حرمانه؛ وذلك أن سبب التوارث هو التراحم والصلة، فلما قتل القاتل مَن له معه سبب للميراث، فإنه بذلك يكون قد قطع الصلة التي يتوصل بها إلى الميراث، فيعاقب بنقيض قصده، والقاعدة: من تعجَّل الشيء قبل أوانه عُوقِب بحرمانه!


مثال 14: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يرث المسلمُ الكافرَ، ولا الكافرُ المسلمَ)) [26]:خرج مخرج الخبر، والمراد: النهي؛ فالمسلم لا يجوز أن يرث الكافر، والكافر لا يجوز أن يرث المسلم.


مثال 15: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشُدُّ بعضه بعضًا))[27]، وظاهر الحديث: الإخبار، ومعناه: الأمر، وفيه التحريضُ على التعاون [28].


مثال 16: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يُلدَغ المؤمن من جُحرٍ واحدٍ مرتين))[29]؛ أي: ينبغي على المؤمن الحذر من الناس، وألا يكون غافلًا بحيث تتكرر الإساءة إليه، فيكون شأنه كشأن الإنسان الذي يلدغ من جُحر ولا يتنبه حتى يخرج منه شيء مرة أخرى ويلدغه، والحديث لفظه خبر، ومعناه: الأمر، يقول: ليكونن المؤمن حازمًا حذِرًا، لا يؤتى من ناحية الغفلة، فيخدع مرة بعد أخرى[30]، وقال أبو عبيد: تأويل هذا الحديث عندنا: أنه ينبغي للمؤمن إذا نُكِبَ من وجه ألا يعود لمثله[31].


مثال 17: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((طعام الاثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة))[32]، خبر بمعنى الأمر، أنْ أطعِموا طعام الاثنين للثلاثة، أو هو تنبيه على أنه يقُوت الأربع، أو طعام الاثنين إذا أكلا متفرِّقين يكفي ثلاثة اجتمعوا [33]، والحديث: لفظه: لفظ الخبر، ومعناه: الأمر، كأنه أراد المواساة والمكارمة، وألا يأكل أحد وحده [34].


مثال 18: عن سهل بن حنيفٍ، قال: أهوى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى المدينة، فقال: ((إنها حَرَمٌ آمنٌ))[35]، والحديث: لفظه: لفظ الخبر، ومعناه: الأمر؛ أي: اجعَلوا مَن يدخل المدينة آمِنًا.


مثال 19: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا سجد العبدُ سجد معه سبعة أطرافٍ: وجهُه، وكفَّاه، وركبتاه، وقدَماه))[36]، وهذا الحديث لفظه لفظ الخبر، ومعناه: الأمر؛ أي: إذا سجَد العبد ليسجد معه سبعة أعضاء.


مثال 20: قولنا لشخص: بارك الله فيه، هذا الكلام بصيغة الخبر لفظًا، لكن معناه: الإنشاء والطلب؛ أي: أدعو اللهَ أن يبارك فيك، وقولنا لشخص: رحمه الله، هذا الكلام بصيغة الخبر لفظًا، لكن معناه: الإنشاء والطلب؛ أي: أدعو الله أن يرحمه، وقولنا لشخص: حفِظه الله، هذا الكلام بصيغة الخبر لفظًا، لكن معناه: الإنشاء والطلب؛ أي: أدعو اللهَ أن يحفَظَه.


هذا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحاتُ!



[1] الأصول من علم الأصول لابن عثيمين 18 - 19.

[2] التفسير الوسيط لمحمد سيد طنطاوي 1/507.

[3] زهرة التفاسير لأبي زهرة 2/760.

[4] روح البيان للآلوسي 1/356.

[5] أحكام القرآن للجصاص 1/459.

[6] تفسير المراغي 4/8.

[7] تفسير الشعراوي 2/983.

[8] تفسير المراغي 4/8.

[9] أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري 1/221.

[10] زهرة التفاسير لأبي زهرة 2/760.

[11] أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري 1/136.

[12] المحرر الوجيز لابن عطية 1/299.

[13] تفسير المراغي 2/100.

[14] تفسير العثيمين الفاتحة والبقرة 2/418.

[15] التفسير الميسر ص 30.

[16] المحرر الوجيز لابن عطية 1/270.

[17] أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري 2/327.

[18] تفسير الطبري 11/269.

[19] اللباب في علوم الكتاب لابن عادل 8/4.

[20] اللباب في علوم الكتاب لابن عادل 8/8.

[21] تفسير ابن كثير 1/682.

[22] مناظرة بين الإسلام والنصرانية ص 337.

[23] التفسير الميسر ص 297.

[24] تفسير السعدي 1/246.

[25] رواه أبو داود في سننه، رقم 4564.

[26] متفق عليه.

[27] رواه البخاري في صحيحه رقم 481، ورواه مسلم في صحيحه رقم 2585.

[28] التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن 6/15.

[29] رواه البخاري في صحيحه رقم 6133، ورواه مسلم في صحيحه رقم 2993.

[30] التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن 28/516.

[31] شرح صحيح البخاري لابن بطال 9/307.

[32] رواه البخاري في صحيحه رقم 5392، ورواه مسلم في صحيحه رقم 2058.

[33] التيسير بشرح الجامع الصغير لعبد الرؤوف المناوي 2/114.

[34] المسالك في شرح موطأ مالك لابن العربي 7/385.

[35] رواه مسلم في صحيحه رقم 1375.

[36] رواه مسلم في صحيحه رقم 491.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عشرون خطأ يقع فيها الباحثون عند إعداد خططهم البحثية
  • عشرون تطبيقا على أثر النهي في المنهي عنه
  • أسئلة عن الخبر والإنشاء

مختارات من الشبكة

  • شرح القاعدة العشرون من القواعد الحسان (الدرس العشرون)(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي)
  • صيغة أفعل(مقالة - حضارة الكلمة)
  • العشرون من الكتاب والسنة في وسائل نصرة المجاهدين والفوز بمثل أجورهم (PDF)(كتاب - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • ضمن جولة في صحيح مسلم: الصبر (معناه وأهميته وأنواعه وعشرون ثمرة له)(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الليلة الثامنة والعشرون: النعيم الدائم(مقالة - ملفات خاصة)
  • الليلة السابعة والعشرون: الاستغفار وفضله (2)(مقالة - ملفات خاصة)
  • الليلة السادسة والعشرون: الاستغفار وفضله(مقالة - ملفات خاصة)
  • الليلة الخامسة والعشرون: قيام الليل وفضله(مقالة - ملفات خاصة)
  • الليلة الرابعة والعشرون: (الإسلام دين الكمال)(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/11/1446هـ - الساعة: 9:38
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب