• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    البعثة والهجرة (خطبة)
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    أسباب نشر الأدعية
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    كليات الأحكام
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    بين الحاج والمقيم كلاهما على أجر عظيم.. (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    لا حرج على من اتبع السنة في الحج (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تخريج حديث: إنه لينهانا أن نستنجي بأقل من ثلاثة ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    "لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم".. فوائد وتأملات ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    الحج: غاياته وإعجازاته
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشهيد، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    موانع الخشوع في الصلاة (2)
    السيد مراد سلامة
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (13)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    فتنة الابتلاء بالرخاء
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الحج ويوم عرفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    خطبة (المساجد والاحترازات)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    لماذا قد نشعر بضيق الدين؟
    شهاب أحمد بن قرضي
  •  
    حقوق الأم (1)
    د. أمير بن محمد المدري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

آداب إسلامية من سورة الحجرات

محمد بن عبدالله العبدلي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/8/2014 ميلادي - 20/10/1435 هجري

الزيارات: 713814

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

آداب إسلامية من سورة الحجرات

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن المتأمل في كتاب الله تبارك وتعالى يجد أنه تناول فيه كل شيء، ففيه الهدى والنور، من تمسك به نجا، ومن أعرض عنه خسر وخاب في الدنيا والأخرى، تكلم على العقائد والأحكام، والآداب والأخلاق، وسنستعرض بعض الآداب التي تعرضت لها سورة الحجرات، فاللهم سدد، وجنب الزلل في القول والعمل، وأقول:

سورة الحجرات سورة مدنية[1]، وقال القرطبي: "سورة الحجرات مدنية بإجماع، وهي ثماني عشرة آية"[2]، والمراد حجرات نسائه عليه الصلاة والسلام وكانت تسعة لكل منهم حجرة[3].

 

ثم إن هذه السورة الكريم اشتملت على الأدب مع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والأدب مع المؤمنين، ونبدأ بالآداب التي مع الله ورسوله وذلك في مطلع السورة في قوله تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات:1- 5].


هَذِهِ آدَابٌ، أَدَّبَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا يُعَامِلُونَ بِهِ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّوْقِيرِ وَالِاحْتِرَامِ وَالتَّبْجِيلِ وَالْإِعْظَامِ، فَقَالَ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾، أَيْ: لَا تُسْرِعُوا فِي الْأَشْيَاءِ بَيْنَ يَدَيْهِ، أَيْ: قَبْلَهُ، بَلْ كُونُوا تَبَعًا لَهُ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾: لَا تَقُولُوا خِلَافَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَوْلُهُ:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ﴾: هَذَا أَدَبٌ ثَانٍ أَدَّبَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَلَّا يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ صَوْتِهِ [4].


وقال ابن سعدي: "وهذا أدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في خطابه، أي: لا يرفع المخاطب له، صوته معه، فوق صوته، ولا يجهر له بالقول، بل يغض الصوت، ويخاطبه بأدب ولين، وتعظيم وتكريم، وإجلال وإعظام، ولا يكون الرسول كأحدهم، بل يميزوه في خطابهم، كما تميز عن غيره، في وجوب حقه على الأمة، ووجوب الإيمان به، والحب الذي لا يتم الإيمان إلا به، فإن في عدم القيام بذلك، محذورًا، وخشية أن يحبط عمل العبد وهو لا يشعر، كما أن الأدب معه، من أسباب حصول الثواب و قبول الأعمال.


ثم مدح من غض صوته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن الله امتحن قلوبهم للتقوى، أي: ابتلاها واختبرها، فظهرت نتيجة ذلك، بأن صلحت قلوبهم للتقوى، ثم وعدهم المغفرة لذنوبهم، المتضمنة لزوال الشر والمكروه، والأجر العظيم، الذي لا يعلم وصفه إلا الله تعالى"[5].


ومن الآداب في هذه الآيات أن الله تبارك وتعالى نهى عن مناداة رسول الله صلى الله عليه وسلم باسمه مجرداً كما فعل الأعراب الذين وصفهم الله بالجفاء، قال ابن سعدي: " فذمهم الله بعدم العقل، حيث لم يعقلوا عن الله الأدب مع رسوله واحترامه، كما أن من العقل وعلامته استعمال الأدب، فأدب العبد عنوان عقله، وأن الله مريد به الخير، ولهذا قال: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ أي: غفور لما صدر عن عباده من الذنوب، والإخلال بالآداب، رحيم بهم، حيث لم يعاجلهم بذنوبهم بالعقوبات والمثلات"[6].


ثم قال الله تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات:6]، ففي هذه الآية أدب من الآداب المشروعة بين الناس بعضهم مع بعض في نقل الأخبار وأن التثبت أمر ضروري، يقول الحافظ ابن كثير: "يَأْمُرُ تَعَالَى بِالتَّثَبُّتِ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ ليُحتَاطَ لَهُ؛ لِئَلَّا يُحْكَمَ بِقَوْلِهِ فَيَكُونَ -فِي نَفْسِ الْأَمْرِ-كَاذِبًا أَوْ مُخْطِئًا، فَيَكُونَ الْحَاكِمُ بِقَوْلِهِ قَدِ اقْتَفَى وَرَاءَهُ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنِ اتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُفْسِدِينَ، وَمِنْ هَاهُنَا امْتَنَعَ طَوَائِفُ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ قَبُولِ رِوَايَةِ مَجْهُولِ الْحَالِ لِاحْتِمَالِ فِسْقِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَقَبِلَهَا آخَرُونَ لِأَنَّا إِنَّمَا أُمِرْنَا بِالتَّثَبُّتِ عِنْدَ خَبَرِ الْفَاسِقِ، وَهَذَا لَيْسَ بِمُحَقَّقِ الْفِسْقِ لِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْحَالِ"[7].


وقال السعدي: "وهذا أيضًا، من الآداب التي على أولي الألباب، التأدب بها واستعمالها، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بخبر أن يتثبتوا في خبره، ولا يأخذوه مجردًا، فإن في ذلك خطرًا كبيرًا، ووقوعًا في الإثم، فإن خبره إذا جعل بمنزلة خبر الصادق العدل، حكم بموجب ذلك ومقتضاه، فحصل من تلف النفوس والأموال، بغير حق، بسبب ذلك الخبر ما يكون سببًا للندامة، بل الواجب عند خبر الفاسق، التثبت والتبين، فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه، عمل به وصدق، وإن دلت على كذبه، كذب، ولم يعمل به، ففيه دليل، على أن خبر الصادق مقبول، وخبر الكاذب، مردود، وخبر الفاسق متوقف فيه"[8].


ومن الآداب التي ذكرها الله تبارك وتعالى في هذه السورة الإصلاح بين المسلمين كما في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات:9-10]، قال ابن كثير: " يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الْبَاغِينَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ﴾، فَسَمَّاهُمْ مُؤْمِنِينَ مَعَ الِاقْتِتَالِ. وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْإِيمَانِ بِالْمَعْصِيَةِ وَإِنْ عَظُمَتْ، لَا كَمَا يَقُولُهُ الْخَوَارِجُ وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ.


وَقَوْلُهُ: ﴿ فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ﴾ أَيْ: حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ وَتَسْمَعَ لِلْحَقِّ وَتُطِيعَهُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ: ((انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا)). قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَصَرْتُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: ((تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمَ، فَذَاكَ نَصْرُكَ إِيَّاهُ))[9]"[10].


وقال ابن سعدي: "وفي هاتين الآيتين من الفوائد: أن الاقتتال بين المؤمنين مناف للأخوة الإيمانية، ولهذا، كان من أكبر الكبائر، وأن الإيمان، والأخوة الإيمانية، لا تزول مع وجود القتال كغيره من الذنوب الكبار، التي دون الشرك، وعلى ذلك مذهب أهل السنة والجماعة، وعلى وجوب الإصلاح، بين المؤمنين بالعدل، وعلى وجوب قتال البغاة، حتى يرجعوا إلى أمر الله، وعلى أنهم لو رجعوا، لغير أمر الله، بأن رجعوا على وجه لا يجوز الإقرار عليه والتزامه، أنه لا يجوز ذلك، وأن أموالهم معصومة، لأن الله أباح دماءهم وقت استمرارهم على بغيهم خاصة، دون أموالهم"[11].


ومن الآداب التي اشتملت عليها هذه السورة أن الناس ربما تقع بينهم بعض القبائح والتصرفات الذميمة فعالج الله هذه الصفات والقبائح وهي السخرية والاستهزاء وكذلك الهمز واللمز والتنابز بالألقاب، والظن السيئ بالمسلمين ونهى عن التجسس، والغيبة كما في قوله تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات:11-12]، يقول ابن كثير: "يَقُولُ تَعَالَى نَاهِيًا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الظَّنِّ، وَهُوَ التُّهْمَةُ وَالتَّخَوُّنُ لِلْأَهْلِ وَالْأَقَارِبِ وَالنَّاسِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ ذَلِكَ يَكُونُ إِثْمًا مَحْضًا، فَلْيُجْتَنَبْ كَثِيرٌ مِنْهُ احْتِيَاطًا"[12].

 

قال العلامة ابن سعدي: "من حقوق المؤمنين، بعضهم على بعض، أن ﴿ لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ ﴾ بكل كلام، وقول، وفعل دال على تحقير الأخ المسلم، فإن ذلك حرام، لا يجوز، وهو دال على إعجاب الساخر بنفسه، وعسى أن يكون المسخور به خيرًا من الساخر، كما هو الغالب والواقع، فإن السخرية، لا تقع إلا من قلب ممتلئ من مساوئ الأخلاق، متحل بكل خلق ذميم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بحسب امرئ من الشر، أن يحقر أخاه المسلم))[13]، ثم قال: ﴿ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ أي: لا يعب بعضكم على بعض، واللمز: بالقول، والهمز: بالفعل، وكلاهما منهي عنه حرام، متوعد عليه بالنار.

 

كما قال تعالى: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾ الآية، وسمي الأخ المؤمن نفسًا لأخيه، لأن المؤمنين ينبغي أن يكون هكذا حالهم كالجسد الواحد، ولأنه إذا همز غيره، أوجب للغير أن يهمزه، فيكون هو المتسبب لذلك.

 

﴿ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ﴾ أي: لا يعير أحدكم أخاه، ويلقبه بلقب ذم يكره أن يطلق عليه وهذا هو التنابز، وأما الألقاب غير المذمومة، فلا تدخل في هذا.

 

﴿ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ ﴾ أي: بئسما تبدلتم عن الإيمان والعمل بشرائعه، وما تقتضيه، بالإعراض عن أوامره ونواهيه، باسم الفسوق والعصيان، الذي هو التنابز بالألقاب.

 

﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ فهذا هو الواجب على العبد، أن يتوب إلى الله تعالى، ويخرج من حق أخيه المسلم، باستحلاله، والاستغفار، والمدح له مقابلة على ذمه"[14].

 

وقال ابن كثير: "وَقَوْلُهُ: ﴿ وَلا تَجَسَّسُوا ﴾ أَيْ: عَلَى بَعْضِكُمْ بَعْضًا. وَالتَّجَسُّسُ غَالِبًا يُطْلَقُ فِي الشَّرِّ، وَمِنْهُ الْجَاسُوسُ. وَأَمَّا التَّحَسُّسُ فَيَكُونُ غَالِبًا فِي الْخَيْرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّهُ قَالَ: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ﴾ [يوسف: 87]، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الشَّرِّ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا))[15].

 

وَقَوْلُهُ: ﴿ وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ﴾ فِيهِ نَهْيٌ عَنِ الْغَيْبَةِ، وَقَدْ فَسَّرَهَا الشَّارِعُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْغِيبَةُ؟ قَالَ: ((ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ))، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: ((إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ))[16].

 

وقال العلامة الشنقيطي: "وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ السُّخْرِيَةِ جَاءَ ذَمُّ فَاعِلِهِ وَعُقُوبَتُهُ عِنْدَ اللَّهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ... ﴾ [التوبة:79].

 

وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْكُفَّارَ الْمُتْرَفِينَ فِي الدُّنْيَا كَانُوا يَسْخَرُونَ مِنْ ضِعَافِ الْمُؤْمِنِينَ فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَأَنَّ أُولَئِكَ يَسْخَرُونَ مِنَ الْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا... ﴾ [البقرة:212]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ﴾ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المطففين:29-36].

 

فَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ رَأَى مُسْلِمًا فِي حَالَةٍ رَثَّةٍ تَظْهَرُ بِهَا عَلَيْهِ آثَارُ الْفَقْرِ وَالضَّعْفِ أَنْ يَسْخَرَ مِنْهُ؛ لِهَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا.

 

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾، أَيْ: لَا يَلْمِزْ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء:9].

 

وَقَدْ أَوْعَدَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا الَّذِينَ يَلْمِزُونَ النَّاسَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾ [الهمزة:1]، وَالْهُمَزَةُ كَثِيرُ الْهَمْزِ لِلنَّاسِ، وَاللُّمَزَةُ كَثِيرُ اللَّمْزِ.

 

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْهَمْزُ يَكُونُ بِالْفِعْلِ كَالْغَمْزِ بِالْعَيْنِ احْتِقَارًا وَازْدِرَاءً، وَاللَّمْزُ بِاللِّسَانِ، وَتَدْخُلُ فِيهِ الْغَيْبَةُ.

 

وَقَدْ صَرَّحَ اللَّهُ تَعَالَى بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ﴾، وَنَفَّرَ عَنْهُ غَايَةَ التَّنْفِيرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾، فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَبَاعَدَ كُلَّ التَّبَاعُدِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي عِرْضِ أَخِيهِ"[17].

 

وقال العلامة ابن سعدي: "وفي هذه الآية، دليل على التحذير الشديد من الغيبة، وأن الغيبة من الكبائر، لأن الله شبهها بأكل لحم الميت، وذلك من الكبائر"[18].

 

فهذه بعض الآداب الإسلامية التي ورد ذكرها في السورة، نكتفي بذكرها، نسأل الله أن يوفقنا لطاعته ورضاه، والحمد لله رب العالمين.



[1] انظر: تفسير ابن كثير (7/364).

[2] تفسير القرطبي (16/300)، وانظر: إعراب القرآن وبيانه (9/256).

[3] روح المعاني، للألوسي (26/139).

[4] انظر: تفسير ابن كثير (7/364-365).

[5] تفسير السعدي (ص:799).

[6] المصدر السابق (ص:799-800).

[7] تفسير ابن كثير (7/ 370).

[8] تفسير السعدي (ص: 800).

[9] رواه البخاري، برقم (6952).

[10] انظر: تفسير ابن كثير (7/ 374)، بتصرف يسير.

[11] انظر: تفسير السعدي (ص:801)، بتصرف يسير.

[12] تفسير ابن كثير ت سلامة (7/ 377).

[13] رواه مسلم، برقم (2564).

[14] تفسير السعدي (ص:801).

[15] رواه مسلم، برقم (2589).

[16] تفسير ابن كثير (7/ 379)، بتصرف يسير.

[17]أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (7/ 413).

[18] تفسير السعدي (ص: 802).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • دروس منتقاة من سورة الحجرات
  • نفحات قرآنية في سورتي الحجرات و ق
  • توجيهات نافعة من سورة الحجرات
  • تأملات في سورة الحجر
  • من مظاهر حب الله لرسوله في سورة الحجرات
  • يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا
  • خطبة تفسير سورة الحجرات (1)
  • ثبت بالكتب المؤلفة في سورة الحجرات
  • آداب إسلامية للأطفال
  • فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين
  • آداب إسلامية

مختارات من الشبكة

  • آداب الزيارة وشروطها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آداب الضيافة ويليه آداب الطعام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة مجموع فيه كتابان: شرح آداب البحث للسمرقندي وحاشية على شرح آداب البحث للسمرقندي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • آداب وضوابط المجتمع الإسلامي من خلال سورة الحجرات(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • هيا بنا نتعلم الآداب الإسلامية - من هدي السنة النبوية (10)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هيا بنا نتعلم الآداب الإسلامية - من هدي السنة النبوية (4)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آداب التلقي والإجازات عبر وسائل التواصل الإلكترونية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الآداب الإسلامية وأثرها في آداب الغرب(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المنة الربانية في الآداب الإسلامية - آداب السفر (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الأدب غير الإسلامي(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 3/12/1446هـ - الساعة: 23:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب