• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

متى تسقط الجزية ؟

متى تسقط الجزية ؟
أ. د. عمر بن عبدالعزيز قريشي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/8/2014 ميلادي - 8/10/1435 هجري

الزيارات: 78290

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

متى تسقط الجزية؟


إن الجزية - كما بيَّنا - بدلٌ عن الحماية العسكرية التي تقوم بها الدولة الإسلامية لأهل ذِمَّتها، في المرتبة الأولى، فإذا لم تستطع الدولة أن تقوم بهذه الحماية، لم يَعُد لها حق في هذه الجزية أو هذه الضريبة.

 

وهذا ما صنَعه أبو عبيدة حين أبلَغه نوَّابُه عن مدن الشام بتجمع جحافل الروم، فكتب إليهم أن يردوا الجزية على من أخذوها منه[1].

 

فحين فتح أبو عبيدة بن الجراح الشام، وأخذ الجزية من أهلها الذين كانوا يومئذٍ ما يزالون على دِينهم، اشترطوا عليه أن يحميهم من الروم الذين كانوا يَسومونهم الخَسْف والاضطهاد، وقَبِل "أبو عبيدة" الشرط، ولكن "هرقل" أعدَّ جيشًا عظيمًا لاسترداد الشام من المسلمين، وبلغت الأنباء "أبا عبيدة" فردَّ الجزية إلى الناس، وقال لهم: لقد سمعتُم بتجهيز هرقل لنا، وقد اشترطتم علينا أن نحميكم، وإنا لا نقدِر على ذلك، ونحن لكم على الشرط إن نصرنا الله عليهم[2].

 

هل سمع أحد بمِثل ذلك في التاريخ؟! قائد جيش فاتح مُنتصِر يأخذ جزية من أهل البلاد المفتوحة، ثم يردها إليهم بأي حال من الأحوال؟! هذا هو التاريخ مفتوحة صفحاتُه، لمن يريد أن يُنقِّب، إنه حادث فريد في التاريخ، ولم يكن "أبو عبيدة" يصنع ذلك رجاء "مصلحة" بعيدة يُقدِّرها، ويضحِّي في سبيلها بالمصلحة القريبة! كلا، فما كان عنده يقين بأن ينتصِر على جيش هرقل الجرار، وتعبيره واضح: "وإنا لا نقدِر على ذلك"، إنما ينطلق من المبدأ الذي ربَّاهم عليه الإسلام على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوفاء بالمواثيق سواء أكانت الصفقة رابحة في النظرة القريبة أم خاسرة: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ ﴾ [النحل: 92].

 

ولقد كان لهذا الخُلُقِ الإسلامي الذي التزم به أبو عبيدة أثرُه الذي قدَّره الله له، فقد نصره الله على جيش هرقل، فراح الناس يُعيدون الجزية راضية قلوبُهم، ثم - من بعد - صاروا يدخلون في دين الله أفواجًا؛ إعجابًا بهذا الدين الذي يُخرِج من هو على هذا الخُلُق العظيم[3].

 

وزيادةً في الإيضاح والبيان، يقول المؤرخ المعروف "سير توماس أرنولد" في كتابه "الدعوة إلى الإسلام" عن الغرض من فريضة الجزية، وعلى مَن فُرضت، قال: "ولم يكن الغرض من فرْض هذه الضريبة على المسيحيين - كما يريدها بعض الباحثين على الظن - لونًا من ألوان العقاب لامتناعهم عن قَبُول الإسلام، وإنما كانوا يؤدونها مع سائر أهل الذمة وهم غير المسلمين من رعايا الدولة الذين كانت تَحَول ديانتهم بينهم وبين الخدمة في الجيش، في مقابل الحماية التي كفَلتها لهم سيوف المسلمين، ولما قدَّم أهل الحيرة المال المُتَّفق عليه، ذكروا صراحةً أنهم إنما دفعوا هذه الجزية على شريطة أن يمنعوها وأميرهم حين البغي من المسلمين وغيرهم"[4].

 

وكذلك حدث أن سجَّل خالد في المعاهدة التي أبرمها مع بعض أهالي المدن المجاورة للحيرة، قوله: "فإن منعناكم، فلنا الجزية، وإلا فلا"[5]، وتَسقُط الجزية أيضًا باشتراك أهل الذمة مع المسلمين في القتال والدفاع عن دار الإسلام ضد أعداء الإسلام، وقد نُصَّ على ذلك صراحة في بعض العهود والمواثيق التي أُبرِمت بين المسلمين وأهل الذمة في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه[6].

 

أما طريقة جمْع الجزية وموعدها، فيقول صاحب كتاب "الإسلام وأهل الذمة"[7]، أخذًا عن أوثق المصادر: "كانت الجزية تُجمَع مرة واحدة كل سنة بالشهور الهلالية[8]، وكان يُسمح بدفع الجزية نقدًا أو عينًا، ولكن لا يسمح بتقديم الميتة أو الخنزير أو الخمر بدلاً من الجزية، وأمر عمر بن الخطاب بالتخفيف عن أهل الذمة، فقال: من لم يُطِق الجزية خفِّفوا عنه، ومَن عجز فأعينوه، فإنا لا نريدهم لعام أو لعامين[9]، وكانت الدولة الإسلامية كثيرًا ما تؤخِّر موعد تأدية الجزية حتى تنضج المحصولات الزراعية، فيستطيع أهل الذمة تأديتَها دون أن يُرهِقهم ذلك، قال أبو عبيد: وإنما وجه التأخير إلى الغلة للرِّفق بهم"[10].

 

واتَّبعت الدولة الإسلامية الرِّفق والرحمة في جمْع الجزية، فقد قَدِم أحد عمال "عمر بن الخطاب" عليه بأموال الجزية، فوجدها عمر كثيرةً، فقال لعامله: إني لأظنكم قد أهلكتُم الناس؟ فقال: لا، والله ما أخذنا إلا عفوًا صفوًا، فقال عمر: بلا سوط، ولا نوط؟ فقال: نعم، فقال عمر: "الحمد لله الذي لم يجعل ذلك على يدي، ولا في سلطاني"[11].

 

والإسلام حينما فرَض الجزية على رؤوس مَن دخلوا في ذمة المسلمين لم يكن قاسيًا ولا ظالمًا، وإنما كان عادلاً كل العدل؛ لأنه ما شرعها وضربها على رِقابهم إلا لتكون في مقابل ما فرَض على المسلمين من الزكاة، التي هي عبادة لا تَصِح من كافر.

 

وبهذا تتحقَّق المساواة بين الفريقين في بذل جزء من أموالهما ليُنفَق في مصارفه المشروعة، التي منها أرزاق الجند ومرافِق الدولة، ومن هنا قيل: إنها ضُربت عليهم مقابل ارتفاقهم وانتفاعهم بالمرافق العامة للدولة، وإعطائهم مِثل ما للمسلمين من حقوق، كما يُشير إلى ذلك الحديث: "إنما بذلوا أموالهم ليكون لهم ما لنا وعليهم ما علينا"[12].

 

وقيل: إننا نضرب الجزية على رِقابهم؛ جزاء حقْن دمائهم، وعدم استرقاقهم، وكذلك جزاء الحماية لهم والدفاع عنهم.

 

ووجبتْ خلفًا عن نُصرةِ المقاتلة مع المسلمين الذين يدافعون عن دار الإسلام التي هم فيها، وكان المفروض أن يشارِكوا في ذلك بأنفسهم لولا أنهم لا يؤمنون؛ لمَيلهم إلى أعداء الإسلام بإصرارهم على كفرهم، وإذا لم يُشارِكوا بأنفسهم، فلا أقل من المشارَكة بأموالهم.

 

وأيًّا ما كان السبب في ضرب الجزية على رقاب أهل الذمة، فإن الإسلام يحتِّم على المسلمين: "أن يلتزِموا لهم إن بذلوها بحقَّينِ؛ أحدهما: الكف عنهم، وثانيهما: الحماية لهم؛ ليكونوا بالكَفِّ آمنين، وبالحماية محروسين"[13].

 

هذا، ولا يفوتنا أن ننبِّه إلى أن ما جاء في كتب الحنفيَّة من أن الجزية فيها معنى العقوبة، وأن مَن وجبت عليه يؤديها بنفسه، ولا تُقبل من وكيله أو رسوله، وأنه يؤديها قائمًا والآخذ قاعدًا وأنه يؤخذ بتلابيبه، ويُهَز هزًّا عنيفًا، ويقال له: أدِّ الجزية يا ذمي، أو يا عدو الله؛ إذلالاً له، لا يتَّفِق وسماحةَ الإسلام وما عُرف من حُسن معاملة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته لأهل الذمة.

 

ولا ينبغي أن نفهم من قول الله تعالى: ﴿ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [التوبة: 29] أن معنى الصَّغار هنا الهوان والذِّلة: من الإهانة لهم، أو الزراية عليهم، أو الشماتة فيهم، لا، بل المراد - والله أعلم - اعترافهم بالوضع الإسلامي، ورضوخهم لأحكامه، وأن ما سواه دونه، وهو المعنى الذي تشير إليه الآية الكريمة: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8]؛ أي: يعترفوا بعزة الإسلام ودولة المسلمين.

 

هذا هو الفَهم الصحيح للإسلام: الجزية جزاء الحماية، فإن عجز المسلمون عنها، فلا جزية، كما فعل أبو عبيدة مع أهل الشام؛ ليؤكِّد أن المسلمين لم ينظروا إلى الجزية على أنها عقوبة لأهل الذمة؛ إذ لو كانت عقوبة ما سقطت أبدًا، وإن شارَك أهل الذمة في الحماية والدفاع، فلا جزية أيضًا، ولهم على المسلمين حق المعاملة الحسنة والرعاية الطيبة، فلا يُظلَمون ولا يؤذون ولا يُكلَّفون فوق ما يطيقون، فكيف يُقال بعد هذا كله: إنها عقوبة، ويُفعل بهم ما يُفعل من أساليب الإهانة والإذلال؟!

 

ولو أن المسلمين الأُوَل فعلوا ما قاله أولئك الذين لم يفهموا رُوح الإسلام، لانفضَّ الناس من حولهم، ولما دخل في الإسلام هذا الجمعُ الغفير الذي لم يدخله إلا عن اقتناع منه برَحابة صدره، وسماحة تعاليمه، وعدالته مع أتباعه وغير أتباعه، ونظرته إلى الكل نظرة بِرٍّ، وعدل، وإحسان، فلا ينبغي بعد هذا كله أن يقال: إن الإسلام بأسلوب فرْض الجزية على أهل الكتاب يُكرِههم على التحول عن دينهم إلى الإسلام؛ لأن التدين لا يكون عن طريق الإكراه؛ لأنه اعتقاد القلب قبل أن يكون فِعْل الجوارح"[14]، ومَن يقرأ بتدبرٍ وإمعانٍ كلَّ ما كتبه ابن القيم[15] في كتابه "أحكام أهل الذمة" عن الجزية، يكبر فَهْمه العميق لسماحة الإسلام في معاملة الذميين، فإمامنا الجليل حين يعرِض للآية الكريمة: ﴿ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾، يأبى تفسير هذا الصَّغار بالامتهان والإذلال، ويصرِّح بأن هذا كله مما لا يدل عليه، ولا هو مقتضى الآية، ولا نُقِل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن الصحابة[16]، ثم يؤثر تفسير الصَّغار بالتزام الذميين جريان أحكام المِلَّة عليهم وإعطاء الجزية[17].

 

وينتقل من هذا إلى تحريم تكليف الذميين ما لا يَقدِرون عليه أو تعذيبهم على أداء الجزية، أو حبْسهم أو ضربهم[18]، ويصوِّر وجهة النظر الإسلامية أدق التصوير، حيث يرى أن قواعد الشريعة كلها تقتضي ألا تَجِب الجزية على عاجز؛ لقوله تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾ [الطلاق: 7] ، ولا واجب مع عجْز، ولا حرام مع ضرورة[19].

 

بل يصرِّح بأنه لا جزية على شيخ فانٍ، ولا زَمِن، ولا أعمى، ولا مريض لا يُرجى برؤه، وإن كانوا موسِرين[20]، وأن الرهبان في الصوامع والديارات ليسوا من أهل القتال، فلا تَجِب عليهم الجزية[21]، وأن الفلاحين الذين لا يُقاتِلون والحراثين لا جزية عليهم؛ لأنهم يُشبِهون الشيوخ والرهبان[22]، وأن العبد ليس عليه جزية لمسلم كان أو لذمي[23]، وأن المسلمين لو حاصَروا حصنًا ليس فيه إلا نساء، فبذلْنَ الجزية لتُعقد لهن الذمة، عُقدت لهن بغير شيء، وحَرُم استرقاقهن[24].

 

وقد ورد النهي عن التشديد على أهل الذمة في الجزية والخراج، والحث على الرفق واللطف بهم في كل حال، وألا يُكلَّفوا ما لا يطيقون، وكان عمر أمر ألا يُكلَّفوا فوق طاقتهم، وألا يُلزَموا من المال ما لا يُطيقون أوامره[25]، ولا يجوز أن ينادى على أملاكهم للبيع عوضًا عن الجزية، وقد كتب "علي" - كرم الله وجهه - إلى بعض عماله: "لا تبيعنَّ لهم في خراجهم حمارًا ولا بقرة، ولا كسوة، شتاء ولا صيفًا"، وكتب إلى بعض عماله على الخراج بمناسبة أخرى: "إذا قدِمت عليهم، فلا تبيعن لهم كسوة، شتاء ولا صيفًا، ولا رزقًا يأكلونه، ولا دابة يعملون عليها، ولا تضربن أحدًا منهم سوطًا واحدًا في درهم، ولا تُقِمه على رِجله في طلب درهم، ولا تُبِح لأحد منهم عِرضًا في شيء من الخراج، فإنا إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو، فإن أنت خالَفت ما أمرتك به، يأخذك الله به دوني، وإن بلغني عنك خلاف ذلك، عزلتك"[26].

 

وقد نهي عن كل نوع من التشديد في تحصيل الجزية منهم، ومن الأحكام التي كان يشتمل عليها عهد عمر - رضي الله عنه - إلى أبي عبيدة بن الجراح: "أن امنع المسلمين من ظُلْمهم والإضرار بهم، وأكل أموالهم إلا بحلها"[27].

 

ومرَّ عمر في سفره إلى الشام ببعض عماله وهو يعذِّب الذميين في أداء الجزية، فقال: "لا تُعذِّب الناس؛ فإن الذين يعذِّبون الناس في الدنيا، يُعذِّبهم الله يوم القيامة"[28]، ولم يُجِز فقهاء الإسلام في أمر المانعين للجزية أو الخارج إلا أن يُحبَسوا تأديبًا؛ أي: يسجنوا بدون الأشغال الشاقة، ويكتب الإمام أبو يوسف: "ولكن يُرفَق بهم، ويحبسون حتى يؤدوا ما عليهم[29]، وإن مات أحد من الذميين وعليه شيء من الجزية، فلا يؤخذ من تركته، ولا يكلَّف ورثته بأدائه"[30].

 

أما الذين يصبحون فقراء ومحتاجين من أهل الذمة، فلا يُعفَون من الجزية فحسب، بل يجري لهم عطاء من بيت المال الإسلامي[31].

 

كتب خالد بن الوليد - رضي الله عنه - في عهد ذمته الذي كتب لأهل الحيرة: "وجعلت لهم أيما شيخ ضَعُف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنيًّا فافتقر، وصار أهل دينه يتصدَّقون عليه، طُرِحت جزيته، وعِيلَ من بيت مال المسلمين هو وعياله"[32].

 

كما أَبصر عمر - رضي الله عنه - شيخًا كبيرًا من أهل الذمة يسأله، فقال: ما لك؟ قال: ليس لي مال وإن الجزية تؤخذ مني، وفي رواية: قال: من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال: يهودي، قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن، فأخذ عمر بيده، وذهب به إلى منزله وأعطاه مما وجده، ثم أرسل به إلى خازن بيت المال، وقال له: انظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته ثم نَخذُله عند الهَرَم - أو نأخذ منه الجزية عند كِبَره، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ﴾ [التوبة: 60]، والفقراء هم الفقراء المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ثم وضَع عنه الجزية وعن ضربائه[33].

 

وفي رحلته إلى دمشق أيضًا أمر عمر - رضي الله عنه - بعيالة المُقعدين من أهل الذمة من بيت المال[34].

 

"حقوق الذمي: ولم تُخرِج الذميَّةُ الفردَ عن ذاته في ظل الإسلام، بل حفِظت عليه حياتَه وحريته ودينه، ولم يكن الخراج الذي يدفعه أو الجزية إلا مقابل حمايته أولاً، ثم استمتاعه بحق المسلم كله بعد ذلك في نظامِ الحياة المفروض على المجتمع، فإذا لم يستطع المسلمون حمايته، فليس عليه جزية ولا خراج.

 

وبيت مال المسلمين لم يكن أعز عند "عمر بن عبدالعزيز" من ذمي يُسلِم، وقد شكا إليه بعض الولاة إفقار بيوت الأموال من إقبال أهل الذمة على الإسلام ليُسقِط عنهم الجزية، فكتب إليهم عمر يلومهم على الشكوى ويقول: إن الله أرسل محمدًا - صلى الله عليه وسلم - هاديًا ولم يبعثه جابيًا.

 

ولم يكن إقبالُ أهل الذمة على الإسلام إلا لأنه ردَّ إليهم ذواتهم التي كانوا فقَدوها في الشرك والوثنيَّة، ولو كان الإسلام سلبًا للذوات، لظلوا على عداوته وما قَبِلوا دعوته، ولكن المسافة لم تكن بين الذمية والإسلامية في كثير من الأحيان إلا مسافة التجرِبة والاختلاط، ثم يُقبِل الذمي على الإسلام مُخلِصًا موفَّقًا"[35].



[1] غير المسلمين في المجتمع الإسلامي ص: 31- 35 بتصرف.

[2] الخراج؛ لأبي يوسف، ص: 139 بتصرف، وفتوح البلدان؛ للإمام أبي الحسن البلاذري، ص: 137، 143 بتصرف، والدعوة إلى الإسلام، توماس أرنولد ص: 53، 54.

[3] واقعنا المعاصر ص: 83، 84 بتصرف.

[4] الدعوة إلى الإسلام، سير توماس أرنولد ص: 57- 59 بتصرف.

[5] الخراج؛ لأبي يوسف ص: 143.

[6] انظر: أحكام الذِّميِّين والمستأمنين في دار الإسلام؛ للدكتور عبدالكريم زيدان ص: 155 وما بعدها، وراجع على سبيل المثال: فتوح البُلدان؛ للبلاذري ص: 217، حيث صالَح مندوب أبي عبيدة جماعة "الجراجمة" المسيحيين أن يكونوا أعوانًا للمسلمين وعيونًا على عدوهم، وألا يؤخذوا بالجزية... إلخ.

[7] الإسلام وأهل الذمة للدكتور: علي حسن الخربوطلي ص: 70، 71 بتصرف، ط. مطابع شركة الإعلانات الشرقية.

[8] الأحكام السلطانية للماوردي ص: 145 بتصرف.

[9] تاريخ مدينة دمشق؛ لابن عساكر (1: 178) بتصرف.

[10] الأموال؛ لأبي عبيد ص61.

[11] الأموال ص: 63.

[12] رواه أبو يوسف في الخراج ص: 122، وبدائع الصنائع (7: 40)، وهو قول علي بن أبي طالب.

[13] الأحكام السلطانية للماوردي ص: 143بتصرف.

[14] الإسلام والديانات السماوية؛ للدكتور: محمد حسين الذهبي ص: 35، 41 بتصرف، ط دار الإنسان للطباعة، الأولى سنة 1399هـ - 1979م.

[15] ابن القيم هو الإمام السلفي الكبير محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي الدمشقي، أبو عبدالله، شمس الدين، اشتهر بابن قيم الجوزية؛ لأن أباه كان في دمشق قيِّمًا على مدرسة الجوزية، مَن أطلق لقبه على الإضافة دعاه "ابن القيم"، ولِد في بيت عِلم وفضل في السابع من صفر الخير سنة إحدى وتسعين وستمائة، وتوفِّي وقت عشاء الآخرة ليلة الخميس ثالث عشر رجب سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، فأتمَّ ستين عامًا من عمره المبارَك، كانت لأبيه يد في الفرائض فأخذها عنه، وأتيح له أن يتلقى العلوم المختلفة على أكابر الشيوخ من الحفاظ والفقهاء - وأن شيخه الأكبر الإمام المجدد تقي الدين أحمد بن تيميَّة الذي لازَمه زهاء أربعين سنة منذ عاد من مصر سنة 711هـ حتى مات، أثرى المكتبة الإسلامية بكتبه المتنوعة، رحِم الله ابن القيم ورضي عنه؛ انظر: البداية والنهاية؛ لابن كثير (14: 234)، والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة؛ لابن حجر، ص: 400.

[16] أحكام أهل الذمة؛ لابن قيم الجوزية (1: 23) بتصرف، تحقيق وتعليق د. صبحي الصالح، دار العلم للملايين الثالثة سنة 1983م.

[17] المصدر السابق ص: 24.

[18] المصدر السابق ص: 34.

[19] المصدر السابق ص: 48.

[20] نفس المصدر السابق ص: 49.

[21] نفس المصدر السابق 55.

[22] نفس المصدر السابق 51.

[23] نفس المصدر السابق 55.

[24] نفس المصدر السابق 45.

[25] الخراج؛ لأبي يوسف ص: 8، 83.

[26] الخراج ص: 9.

[27] الخراج ص: 82.

[28] المرجع السابق ص: 71.

[29] نفس المرجع السابق ص: 70.

[30] نفسه ص: 70 بتصرف.

[31] حقوق أهل الذمة في الدولة الإسلامية ص: 21 - 25 بتصرف.

[32] كتاب الخراج ص: 85.

[33] كتاب الخراج ص: 73 بتصرف.

[34] فتوح البلدان؛ للبلاذري ص: 129، وانظر: سماحة الإسلام ص: 106 - 136 بتصرف، وعمر بن الخطاب، محمد صبيح، ص: 120، 121 بتصرف، ط. دار الثقافة العامة، الكتاب الخامس.

[35] من حضارة الإسلام ص: 34، 35 بتصرف.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون
  • الجزية ، وعلى من تجب ؟
  • تاريخ الجزية ومقدارها
  • الجزية والخراج
  • كيف تسقط عقوبة جهنم عن فاعل السيئات؟

مختارات من الشبكة

  • أنواع أخذ متى يكون الفعل أخذ من أخوات كاد ومتى لا يكون ؟ تعلم الإعراب بسهولة(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • متى.. متى؟!(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • متى تبدأ كلمتك ومتى تنهيها ؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • فهم المقاصد ووجوب الاجتهاد في اللغة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • متى يغدو العراق عراق أهلي (قصيدة)(مقالة - موقع أ. محمود مفلح)
  • إلى متى؟ (شعر)(مقالة - موقع أ. محمود مفلح)
  • متى تعود يا أبي!؟ (قصيدة للأطفال)(مقالة - موقع أ. محمود مفلح)
  • شخصية الباحث (4)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أمنية ( قصيدة )(مقالة - حضارة الكلمة)
  • متى ستحقق ما تتمنى؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب