• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / خطب المناسبات
علامة باركود

خطبة عيد الفطر لعام 1435هـ ( بين الإفراط والتفريط )

خطبة عيد الفطر لعام 1435هـ ( بين الإفراط والتفريط )
الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/7/2014 ميلادي - 29/9/1435 هجري

الزيارات: 35150

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة عيد الفطر لعام 1435هـ

( بين الإفراط والتفريط )

 

اللهُ أَكبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبحَانَ اللهِ بُكرَةً وَأَصِيلاً، الحَمدُ للهِ الَّذِي بِنِعمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وَبِفَضلِهِ تَزكُو الحَسَنَاتُ، شَرَحَ صُدُورَنَا لِلإِسلامِ، وَمَنَّ عَلَينَا بِالهِدَايَةِ لِلإِيمَانِ، أَعطَى بِجُودِهِ جَزِيلاً، وَقَبِلَ مِنَ الشُّكرِ قَلِيلاً، وَفَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِمَّن خَلَقَ تَفضِيلاً. اِختَارَ مُحَمَّدًا مِن أَشرَفِ العَرَبِ نَسَبًا، وَاصطَفَاهُ مِن أَكرَمِهِم أُمًّا وَأَبًا، فَبَعَثَهُ بِالبُرهَانِ السَّاطِعِ، وَأَرسَلَهُ بِالحَقِّ القَاطِعِ، عَلَى حِينِ فَترَةٍ مِنَ الرُّسُلِ وَاشتِبَاهٍ مِنَ السُّبُلِ، فَقَامَ بِأَمرِ رَبِّهِ وَأَنذَرَ وَبَشَّرَ، وَكَانَ بِالمُؤمِنِينَ رَؤُوفًا رَحِيمًا، فصَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسلِيمًا.

 

أَمَّا بَعدُ:

فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

حَقٌّ لَكُم وَلِكُلِّ مُسلِمٍ أَدرَكَ هَذَا العِيدَ السَّعِيدَ، أَن يَفرَحَ وَيُسَرَّ وَيَبتَهِجَ، وَمَن أَحَقُّ مِنكُمُ اليَومَ بِالفَرَحِ وَأَولى بِالسُّرُورِ؟! لا وَاللهِ لا أَحَدَ يَحِقُّ لَهُ أَن يَفرَحَ كَفَرَحِكُم، ولا يَجُوزُ لِحَيٍّ أَن يَبتَهِجَ إِلاَّ أَنتُمُ وَأَمثَالُكُم، بُلِّغتُم رَمَضَانَ وَأَدرَكتُمُوهُ كَامِلاً، فَصُمتُم نَهَارَهُ أَدَاءً لِرُكنٍ مِن أَركَانِ الإِسلامِ، وَقُمتُم شَيئًا مِن لَيلِهِ تَنَفُّلاً وَقَرَأتُمُ القُرآنَ، وَذَكَرتُم رَبَّكُم وَدَعَوتُم وَرَجَوتُم، وَفَطَّرتُمُ الصَّائِمِينَ وَزَكَّيتُم وَتَصَدَّقتُم، وَمِنكُم مَن زَارَ البَيتَ الحَرَامَ واعتَمَرَ، وَمَن لَزِمَ الطَّاعَةَ وَاعتَكَفَ، وَهَا أَنتُم قَد أَكمَلتُمُ العِدَّةَ وَكَبَّرتُمُ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُم وَشَكَرتُمُوهُ، فَهَنِيئًا لَكُم مَا قَدَّمتُم وَأَسلَفتُم، وَتَقَبَّلَ اللهُ مِنكُم مَا عَمِلتُم وَأَخلَصتُم، فَاتَّقُوا اللهَ وَاستَمِرُّوا عَلَى جَادَّةِ الحَقِّ مَا بَقِيتُم، وَالزَمُوا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ مَا حَيِيتُم، فَقَد قَالَ رَبُّكُم - سُبحَانَهُ -: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27] وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَاعبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأتِيَكَ اليَقِينُ ﴾ [الحجر: 99] وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا فَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصحَابُ الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بما كَانُوا يَعمَلُونَ ﴾ [الأحقاف: 13] وَقَالَ نَبِيُّكُم - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "اِكلَفُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ؛ فَإِنَّ اللهَ لا يَمَلُّ حَتى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ العَمَلِ إِلى اللهِ أَدوَمُهُ وَإِن قَلَّ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن سُفيَانَ بنِ عَبدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لي في الإِسلامِ قَولاً لا أَسأَلُ عَنهُ أَحدًا بَعدَكَ. قَالَ: "قُلْ: آمَنتُ بِاللهِ ثُمَّ استَقِمْ " اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

لَقَد خَلَقَ اللهُ الخَلقَ لأَمرٍ عَظِيمٍ، وَاستَخلَفَهُم في هَذِهِ الأَرضِ لِغَايَةٍ كَرِيمَةٍ، وَأَرسَلَ إِلَيهِم مِن أَجلِ ذَلِكَ رُسُلاً وَأَنزَلَ عَلَيهِم كُتُبًا، وَأَقَامَ عَلَيهِمُ الحُجَّةَ وَأَبَانَ لَهُمُ المَحَجَّةَ، وَوَعَدَهُم إِن هُم سَارُوا عَلَى مُرَادِهِ بِأَن يَهتَدُوا وَيَسعَدُوا، وَتَطِيبَ حَيَاتُهُم وَيَأمَنُوا، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونَ ﴾ [الذاريات: 56] وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21] وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَلَقَد بَعَثنَا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعبُدُوا اللهَ وَاجتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36] وَقَالَ - تَعَالى - ﴿ فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشقَى ﴾ [طه: 123] وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلم يَلبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82] وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ مَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانُوا يَعمَلُونَ ﴾ [النحل: 97] اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

إِنَّ هَذِهِ النِّعَمَ الرَّبَّانِيَّةَ الإِيمَانِيَّةَ، الَّتي فِيهَا تَتَقَلَّبُونَ، وَعَلَيهَا تُمسُونَ وَتُصبِحُونَ، وَبها تَغدُونَ وَتَرُوحُونَ، في أَمنٍ وَإِيمَانٍ، وَسِعَةِ رِزقٍ وَعَافِيَةِ أَبدَانٍ، إِنَّهَا لَمِمَّا تُحسَدُونَ عَلَيهِ وَفِيهِ تُقصَدُونَ، وَتُرَادُونَ عَلَيهِ وَلأَجلِهِ تُكَادُونَ، إِذْ تَتَّجِهُ أَيدٍ ظَالِمَةٌ حَاقِدَةٌ، وَأَصَابِعُ بَاغِيَةٌ حَاسِدَةٌ، في مَكرٍ كُبَّارٍ في اللَّيلِ وَالنَّهَارِ، وَكَيدٍ عَظِيمٍ مُعلَنٍ وَخَفِيٍّ، إِلى نَزعِ رِبقَةِ الإِسلامِ مِنَ الأَعنَاقِ، وَتَعرِيَةِ القُلُوبِ مِن رِدَاءِ الإِيمَانِ وَلِبَاسِ التَّقوَى، وَإِعَادَةِ النَّاسِ إِلى أَوحَالِ الجَاهِلِيَّةِ، بَعدَئِذْ أَنقَذَهُمُ اللهُ مِنهَا، عَن حُذَيفَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَسأَلُونَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الخَيرِ، وَكُنتُ أَسأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَن يُدرِكَني. قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا في جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الخَيرِ، فَهَل بَعدَ هَذَا الخَيرِ مِن شَرٍّ؟ قال: " نَعَم " قُلتُ: وَهَل بَعدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِن خَيرٍ؟ قَالَ: " نَعَم وَفِيهِ دَخَنٌ " قُلتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قال: " قَومٌ يَستَنُّونَ بِغَيرِ سُنَّتِي وَيَهدُونَ بِغَيرِ هَديِي، تَعرِفُ مِنهُم وَتُنكِرُ " قُلتُ: فَهَل بَعدَ ذَلِكَ الخَيرِ مِن شَرٍّ؟ قَالَ: " نَعَم، دُعَاةٌ عَلَى أَبوَابِ جَهَنَّمَ، مَن أَجَابَهُم إِلَيهَا قَذَفُوهُ فِيهَا " قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُم لَنَا. قال: " هُم مِن جِلدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلسِنَتِنَا " قُلتُ: فَمَا تَأمُرُني إِن أَدرَكَني ذَلِكَ؟ قال: " تَلزَمُ جَمَاعَةَ المُسلِمِينَ وَإِمَامَهُم " قُلتُ: فَإِن لم يَكُنْ لَهُم جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قال: " فَاعتَزِلْ تِلكَ الفِرَقَ كُلَّهَا وَلَو أَن تَعَضَّ بِأَصلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدرِكَكَ المَوتُ وَأَنتَ عَلَى ذَلِكَ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. أَجَل - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - حِينَ تَخفَى مَعَالِمُ النُّبُوَّةِ وَتَمَّحِي آثَارُ الحَنِيفِيَّةِ السَّمحَةِ، أَو يَنحَرِفُ النَّاسُ عَن دِينِ اللهِ وَيَبتَعِدُونَ عَن شَرِيعَتِهِ، فَإِنَّ شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالجِنِّ يُسَارِعُونَ إِلى بَعثِ الجَاهِلِيَّةِ الأُولى جَذَعَةً فَتِيَّةً، لِيُعِيدُوا النَّاسَ إِلى الشَّرِّ بَعدَ الخَيرِ، وَلِيَرجِعُوا بِهِم إِلى الضَّلالِ بَعدَ الهُدَى، وَلِيُفَرِّقُوهُم بَعدَ اجتِمَاعٍ وَيُخَالِفُوا بَينَ قُلُوبِهِم بَعدَ إِلفَةٍ، وَإِلاَّ فَإِنَّ اللهَ قَد أَنزَلَ عَلَى رَسُولِهِ بَعدَ الهِجرَةِ وَقِيَامِ المُجتَمَعِ الإِسلامِيِّ في المَدِينَةِ، آيَاتٍ ذَكَرَتِ الجَاهِلِيَّةَ وَأَوصَافَهَا عَلَى سَبِيلِ الذَّمِّ وَالتَّقبِيحِ؛ لِيَتَبَيَّنَهَا المُسلِمُونَ وَيَعرِفُوهَا، وَلِئَلاَّ تَزِلَّ أَقدَامُهُم في مَهَاوِيهَا أَو يَسلُكُوا مَجَاهِلَهَا فَيَهلِكُوا، قَالَ - تَعَالى - وَاصِفًا حَالَ المُنَافِقِينَ في غَزوَةِ أُحُدٍ: ﴿ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيكُم مِن بَعدِ الغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغشَى طَائِفَةً مِنكُم وَطَائِفَةٌ قَد أَهَمَّتهُم أَنفُسُهُم يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيرَ الحَقِّ ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَنَا مِنَ الأَمرِ مِن شَيءٍ قُلْ إِنَّ الأَمرَ كُلَّهُ للهِ يُخفُونَ في أَنفُسِهِم مَا لاَ يُبدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَو كَانَ لَنَا مِنَ الأَمرِ شَيءٌ مَا قُتِلنَا هَاهُنَا ﴾ [آل عمران: 154] وَقَالَ - تَعَالى - مُنكِرًا عَلَى اليَهُودِ إِعرَاضَهُم عَن حُكمِهِ وَابتِغَاءَهُم مَا سِوَاهُ: ﴿ أَفَحُكمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبغُونَ وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللهِ حُكمًا لِقَومٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50] وَقَالَ - تَعَالى - مُخَاطِبًا نِسَاءَ النَّبيِّ، وَهُوَ تَوجِيهٌ لِنِسَاءِ الأُمَّةِ جَمِيعًا: ﴿ وَقَرنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولى وَأَقِمنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا ﴾ [الأحزاب: 33] وَقَالَ - تَعَالى - وَاصِفًا حَالَ مَن مَنَعُوا النَّبيَّ مِن دُخُولِ مَكَّةَ: ﴿ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا في قُلُوبِهِمُ الحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤمِنِينَ وَأَلزَمَهُم كَلِمَةَ التَّقوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بها وَأَهلَهَا وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمًا ﴾ [الفتح: 26] إِنَّ المُجتَمَعَ الإِسلامِيَّ مُتَمَيِّزٌ عَن مُجتَمَعِ الجَاهِلِيَّةِ، مُختَلِفٌ عَنهُ في كُلِّ قِيَمِهِ وَتَصَوُّرَاتِهِ، فَإِذَا ظَنَّتِ الجَاهِلِيَّةُ بِرَبِّهَا ظَنَّ السُّوءِ، وَجَهِلَت بِهِ وَلم تَعرِفْ صِفَاتِهِ، وَظَنَّ أَهلُهَا أَنَّ اللهَ لَن يَنصُرَ رَسُولَهُ وَلا دِينَهُ، فَبَقُوا لِذَلِكَ قَلِقِينَ مُضطَرِبِينَ، لا يَهتَمُّونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِم وَمَصَالِحِهِمُ الفَردِيَّةِ، وَلا تَعنِيهِم مَصَالِحُ الأُمَّةِ في قَلِيلٍ وَلا كَثِيرٍ، فَإِنَّ عَقِيدَةَ المُجتَمَعِ الإِسلامِيِّ، تَقُومُ انطِلاقًا مِنَ المَعرِفَةِ التَّامَّةِ بِالقِوِيِّ المَتِينِ - سُبحَانَهُ - عَلَى الإِيمَانِ بِهِ وَتَسلِيمِ الأَمرِ إِلَيهِ، وَالطُّمَأنِينَةِ إلى قَدَرِهِ وَالثِّقَةِ بِوَعدِهِ ﴿ وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71] وَإِذَا كَانَ حُكمُ الجَاهِلِيَّةِ وَقَانُونُهَا الَّذِي يَسُودُ مُجتَمَعَهَا، يَقُومُ عَلَى الأَهوَاءِ الشَّخصِيَّةِ وَالمُيُولِ الذَّاتِيَّةِ، وَتَتَحَكَّمُ فِيهِ رَغَبَاتُ الأَفرادِ وَنَزَعَاتُهُم، في حَمِيَّاتٍ عُنصُرِيَّةٍ وَعَصَبِيَّاتٍ قَبَلِيَّةٍ، وَأَنَفَةٍ شَيطَانِيَّةٍ وَإِبَاءٍ إِبلِيسِيٍّ، وَقَرَارَاتٍ جَائِرةٍ ظَالِمَةٍ، تُخَالِفُ المَنطِقَ وَالعَقلَ وَالعَدلَ، ويُمنَعُ بها أَصحَابُ الحَقِّ حَقَّهُم، أَو يُحَالُ بَينَهُم وَبَينَ جِهَادِ عَدُوِّهِم، أَو يُقَيَّدُوا عَن حِفظِ أَموَالِهِم وَأَعرَاضِهِم، وَرُبَّمَا حُمِّلَ الفَردُ مِنهُم جَرِيرَةَ غَيرِهِ وَبَاءَ بِإِثمِ مَن سِوَاهُ، فَإِنَّ المِيزَانَ في الإِسلامِ هُوَ العَدلُ وَالقِسطُ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُم أَن تُؤدُّوا الأَمَانَاتِ إِلى أَهلِهَا وَإِذَا حَكَمتُم بَينَ النَّاسِ أَن تَحكُمُوا بِالعَدلِ ﴾ [النساء: 58] وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالقِسطِ وَلَا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلَى أَلَّا تَعدِلُوا اعدِلُوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى * وَأَن لَيسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾  [النجم: 38، 39] فَلا حَمِيَّةَ جَاهِلِيَّةً، وَلا عَصَبِيَّةَ قَبَلِيَّةً، وَلا تَعَاظُمَ بِالآبَاءِ وَلا عِبِّيَّةَ، وَلا عَوَاطِفَ مُنحَرِفَةً مُنفَلِتَةً، لا يَحكُمُهَا عَقلٌ رَادِعٌ وَلا يَمنَعُهَا دِينٌ وَازِعٌ، وَلَكِنْ رَابِطَةٌ إِيمَانِيَّةٌ، وَأُخُوَّةٌ إِسلامِيَّةٌ، لا فَضلَ فِيهَا لِعَرَبيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلا لأَحمَرَ عَلَى أَسوَدَ إِلاَّ بِالتَّقوَى، وَالنَّاسُ رَجُلانِ: بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللهِ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَخَلَقَ اللهُ آدَمَ مِنَ التُّرَابِ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثى وَجَعَلنَاكُم شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللهِ أَتقَاكُم إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13] وَإِذَا كَانَت أَخلاقُ المُجتَمَعِ الجَاهِلِيِّ تَسمَحُ بِالتَّبَرُّجِ وَالسُّفُورِ، وَتَقُومُ عِلاقَةُ الرَّجُلِ بِالمَرأَةِ فِيهِ عَلَى النَّظرَةِ الحَيَوَانِيَّةِ وَالمُتعَةِ الجَسَدِيَّةِ فَحَسبُ، فَقَد جَاءَ الإِسلامُ بِتَنظِيمِ العِلاقَةِ بَينَ الجِنسَينِ، وَحَرِصَ عَلَى بِنَائِهَا بِنَاءً طَاهِرًا نَقِيًّا، وَضَمِنَ لِلمَرأَةِ أَن تَكُونَ جَوهَرَةً غَالِيَةً وَدُرَّةً مَصُونَةٌ، تَرعَاهَا أَيدِي مَحَارِمِهَا وَيَحفَظُهَا بَيتُ أَهلِهَا، حَتى تُزَفَّ إِلى بَيتِهَا زَوجَةً مُعَزَّزَةً وَأُمًّا مُكَرَّمَةً. اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

إِنَّ مَا نَرَاهُ اليَومَ في العَالَمِ مِن تَنَازُعٍ بَينَ شُعُوبِهِ وَأَفرَادِهِ، وَتَعَدٍّ عَلَى الحُقُوقِ وَبَغيٍ وَظُلمٍ وَهَضمٍ، وَقَنَوَاتٍ تَبُثُّ الكُفرَ وَتَنشُرُ الإِلحَادَ، وَتَدعُو لِلتَّبَرُّجِ وَالسُّفُورِ وَالعُرِيِّ، وَكُفرٍ لِلنِّعَمِ وَإِحيَاءٍ لِلعَصَبِيَّاتِ وَتَنَافُسٍ في الدُّنيَا، إِنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَيُبِينُ عَن جَاهِلِيَّةٍ حَدِيثَةٍ، شَبِيهَةٍ بِالجَاهِلِيَّةِ الأُولى في خَصَائِصِهَا العَقَدِيَّةِ وَالقَانُونِيَّةِ، وَأَوصَافِهَا الخُلُقِيَّةِ وَالاجتِمَاعِيَّةِ، وَإِلاَّ فَمَا كُلُّ هَذِهِ الخِفَّةِ في العُقُولِ وَالسَّفَهِ في الأَحلامِ؟ وَمَا هَذَا الطَّيشُ وَالحُمقُ وَالنَّزَقُ؟ حُرُوبٌ تَتَفَجَّرُ يَمِينًا وَشِمَالاً، وَمُدُنٌ تَدَكُّ بِأَكمَلِهَا، وَمَنَازِلُ تُهدَمُ عَلَى أَهلِهَا، وَآلافٌ يُبَادُونَ أَو يُشَرَّدُونَ، وَدَمٌ يُرخَصُ وَأَنفُسٌ تُزهَقُ، وَتَفَلُّتٌ خُلُقِيٌّ وَتَحَلُّلٌ، وَاتِّبَاعُ أَهواءٍ وَإِقصَاءٌ لِحُكمِ اللهِ، وَمُعَاهَدَاتٌ غَادِرَةٌ وَقَوَانِينُ فَاجِرَةٌ، تَحمِي القَوِيَّ البَاغِيَ الأَثِيمَ، وَتَقِفُ مَعَ المُجرِمِ العُتُلِّ الزَّنِيمِ، وَتُشَرِّعُ الزِّنَا وَتُنَظِّمُ الخَنَا، وَتُؤَسِّسُ لِلفُجُورِ وَتُشَجِّعُ السُّفُورَ، وَتَتَّكِئُ عَلَى الضَّعِيفِ المُعتَدَى عَلَيهِ، وَتُحَمِّلُهُ مَا لم يَقُلْ أَو يَفعَلْ، نَعَم - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّهَا الجَاهِلِيَّةُ بِعَينِهَا، لَيسَت عَن قِلَّةِ عِلمٍ أَو غِيَابِ ثَقَافَةٍ، أَو ضَعفِ مَعرِفَةٍ أَو تَخَلُّفٍ في صِنَاعَةٍ، فَذَلِكَ جَهلٌ وَلَيسَ بِجَاهِلِيَّةٍ؛ وَلَكِنَّهَا الجَاهِلِيَّةُ الَّتي حُذِّرنَا مِنهَا، حَالَةُ ضَلالٍ وَانفِلاتٍ وَفَوضَوِيَّةٍ، تُقَابِلُ الهُدَى وَالإِيمَانَ وَالاستِقَامَةَ، وَتُضَادُّ الانضِبَاطَ وَالجِدَّ وَالمُوضُوعِيَّةَ، قَد تُوجَدُ مَعَ ازدِيَادِ العِلمِ وَانتِشَارِ المَعرِفَةِ وَتَقَدُّمِ التِّقنِيَةِ، وَقَد تَتَحَقَّقُ في إِنسَانٍ يَحمِلُ أَرقى الشَّهَادَاتِ العِلمِيَّةِ، وَبِمَعنًى آخَرَ: فَإِنَّ الجَاهِلِيَّ هُوَ المُلحِدُ الكَافِرُ، أَوِ المُذنِبُ المُجَاهِرُ، أَوِ الخَاضِعُ لِغَيرِ اللهِ المُتَّبِعُ لِهَوَاهُ، المُسرِفُ عَلَى نَفسِهِ بِالشَّهَوَاتِ وَالمَلَذَّاتِ، وَالمُجتَمَعُ الجَاهِلِيُّ، هُوَ المُجتَمَعُ الَّذِي لا يَخضَعُ لِحُكمِ اللهِ وَلا يَستَقِيمُ عَلَى شَرعِهِ، وَلا يُنَظِّمُ حَيَاتَهُ وَمُؤَسَّسَاتِهِ عَلَى مَنهَجِ اللهِ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ وَالمُسلِمَاتُ - وَاحذَرُوا مُمَارَسَاتِ الجَاهِلِيَّةِ وَتَصَرُّفَاتِهَا، وَابتَعِدُوا عَن مَوَازِينِهَا وَنَظَرَاتِهَا، فَإِنَّ أَبَا ذَرٍّ لَمَّا عَيَّرَ بِلالاً - رَضِيَ اللهُ عَنهُما - قَائلاً: يَا بنَ السَّودَاءِ، قَالَ لَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أَعَيَّرتَهُ بِأُمِّهِ؟! إِنَّكَ امرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَلَمَّا كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنصَارِ، فَقَالَ الأَنصَارِيُّ: يَا لَلأَنصَارِ! وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلمُهَاجِرِينَ! فَسَمِعَ ذَلِكَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " ما بَالُ دَعوَى الجَاهِلِيَّةِ؟!... دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ " لم يَكُنْ أَبُو ذَرٍّ - رَضِيَ اللهُ - عَنهُ كَافِرًا وَلا مُنَافِقًا وَلا فَاسِقًا، بَل كَانَ مِن أَصدَقِ الصَّحَابَةِ لَهجَةً وَإِيمَانًا، وَمَعَ هَذَا أَخبَرَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ فِعلَهُ نَوعٌ مِنَ الجَاهِلِيَّةِ، وَهَكَذَا فَإِنَّ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارَ اسمَانِ شَرِيفَانِ، سَمَّاهُمُ اللهُ بهما في كِتَابِهِ، وَلَكِنَّهُ استَنكَرَهُمَا لَمَّا انتَسَبُوا إِلَيهِمَا عَلَى سَبِيلِ الافتِرَاقِ وَالاحتِرَابِ، وتَرَكُوا التَّدَاعِيَ بِـ " المُسلِمِينَ وَالمُؤمِنِينَ وَعِبَادِ اللهِ، وَهِيَ الدَّعوَى الجَامِعَةُ المُؤَلِّفَةُ. أَلا فَاحذَرُوا المَعَاصِيَ أَيًّا كَانَت؛ فَإِنَّ كُلَّ مَعصِيَةٍ بَعدَ العِلمِ وَالهُدَى، فَهِيَ جَاهِلِيَّةٌ بِمِقدَارِ عِظَمِهَا وَفَدَاحَتِهَا، وَمَاذَا بَعدَ الحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ؟! ﴿ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَومًا بَعدَ إِذْ هَدَاهُم حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 115] اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.

 

الخطبة الثانية

اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ. اللهُ أَكبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبحَانَ اللهِ بُكرَةً وَأَصِيلاً.

 

أَمَّا بَعدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُم وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاحمَدُوهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيكُم وَاشكُرُوهُ، وَكُونُوا لَهُ عَلَى مَا يُحِبُّ يَكُنْ لَكُم عَلَى مَا تُحِبُّونَ ﴿ إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُحسِنُونَ ﴾ [النحل: 128].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

أَتَدرُونَ مَا التَّخَلُّفُ وَأَيَّ شَيءٍ تكونُ الجَاهِلِيَّةُ؟! اِسمَعُوا مَا قَالَ النَّاصِحُ الأَمِينُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - وَالَّذِي لم يَعرِفِ العَرَبُ تَقَدُّمًا وَلا عُلُوًّا وَلا عِزًّا إِلاَّ يَومَ ﴿ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ﴾ [الأعراف: 157] قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: في حَجَّةِ الوَدَاعِ وَقَد ذَكَرَ المَسِيحَ الدَّجَّالَ: " مَا بَعَثَ اللهُ مِن نَبِيٍّ إِلاَّ أَنذَرَهُ أُمَّتَهُ، أَنذَرَهُ نُوحٌ وَالنَّبِيُّونَ مِن بَعدِهِ، وَإِنَّهُ يَخرُجُ فِيكُم، فَمَا خَفِيَ عَلَيكُم مِن شَأنِهِ فَلَيسَ يَخفَى عَلَيكُم أَنَّ رَبَّكُم لَيسَ بِأَعوَرَ، وَإِنَّهُ أَعوَرُ عَينِ اليُمنَى كَأَنَّ عَينَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، أَلا إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيكُم دِمَاءَكُم وَأَموَالَكُم كَحُرمَةِ يَومِكُم هَذَا في بَلَدِكُم هَذَا، أَلا هَل بَلَّغتُ؟! قَالُوا: نَعَم.: " قَالَ: اللَّهُمَّ اشهَدْ، اللَّهُمَّ اشهَدْ، اللَّهُمَّ اشهَدْ، وَيلَكُم، اُنظُرُوا لا تَرجِعُوا بَعدِي كُفَّارًا يَضرِبُ بَعضُكُم رِقَابَ بَعضٍ " رَوَاهُ الشَّيخَانِ. أَرَأَيتُم - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - أَيَّ شَيءٍ هِيَ الجَاهِلِيَّةُ؟! إِنَّهَا تَركُ الشِّرعَةِ الرَّبَّانِيَّةِ، وَتَنَكُّبُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، وَاتِّبَاعُ الدَّجَاجِلَةِ وَالمُضِلِّينَ، وَإِرخَاصُ الدِّمَاءِ وَالأَموَالِ، وَفي الصَّحِيحَينِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا - قَالَ: قَامَ فِينَا النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَخطُبُ فَقَالَ: " إِنَّكُم مَحشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرلاً - كَمَا بَدَأنَا أَوَّلَ خَلقٍ نُعِيدُهُ - وَإِنَّ أَوَّلَ الخَلاَئِقِ يُكسَى يَومَ القَيَامَةِ إِبرَاهِيمُ، وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مَن أُمَّتِي فَيُؤخَذُ بِهِم ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُصَيحَابي!! فَيَقُولُ: إِنَّكَ لاَ تَدرِي مَا أَحدَثُوا بَعدَكَ؟! فَأَقُولُ كَمَا قَالَ العَبدُ الصَّالِحُ: " وَكُنتُ عَلَيهِم شَهِيدًا مَا دُمتُ فِيهِم فَلَمَّا تَوَفَّيتَني كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيهِم وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ. إِنْ تُعَذِّبْهُم فَإِنَّهُم عِبَادُكَ وَإِنْ تَغفِرْ لَهُم فَإِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ " قَالَ: " فَيُقَالُ: إِنَّهُم لم يَزَالُوا مُرتَدِّينَ عَلَى أَعقَابِهِم " إِنَّ ثَمَّةَ مَن يُرِيدُ أَن يُعِيدَ المُسلِمِينَ إِلى الجَاهِلِيَّةِ الأُولى بِكُفرِهَا وَإِلحَادِهَا وَضَلالِهَا، وَتَبَرُّجِهَا وَسُفُورِهَا وَعِبِّيَاتِهَا وَعَصَبِيَّاتِهَا، هُنَاكَ مَن يُرِيدُ أَن تَمِيلَ المُجتَمَعَاتُ عَنِ الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ مَيلاً عَظِيمًا، وَأَن يَعُودَ النَّاسُ كُفَّارًا يَضرِبُ بَعضُهُم رِقَابَ بَعضٍ، وَيَنهَبُ بَعضُهُم بَعضًا وَتُنتَهَكُ أَعرَاضُهُم وَتُسبَى نِسَاؤُهُم، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَتَمَسَّكُوا بِدِينِكُم وَعَقِيدَتِكُم، وَعَضُّوا بِالنَّوَاجِذِ عَلَى أُخُوَّةِ الإِسلامِ وَعِلاقَةِ الإِيمَانِ، إِنَّكُم - أَيُّهَا الشَّبَابُ - أَمَلُ الأُمَّةِ وَمُستَقبَلُ عِزِّهَا وَعِمَادُ مَجدِهَا، وَإِنَّكُنَّ - أَيَّتُهَا المُؤمِنُاتُ - مَحَاضِنُ الأَبطَالِ وَحُصُونُ الفَضِيلَةِ، وَإِنَّمَا يَدخُلُ الأَعدَاءُ عَلَى الأُمَّةِ مِن قِبَلِ الشَّبَابِ إِذَا انحَرَفُوا وَالنِّسَاءِ إِذَا فَسَدنَ، فَالحَذَرَ الحَذَرَ، فَإِنَّ الإِغرَاقَ في حُبِّ الظُّهُورِ وَإِبرَازِ الذَّوَاتِ وَالخُرُوجِ عَلَى المَألُوفِ، وَالمُبَالَغَةَ في التَّزَيُّنِ وَجَمَالِ المَظهَرِ وَالتَّقلِيدِ، هُمَا الفَخَّانِ اللَّذَانِ يَتَصَيَّدُ بِهِمَا الأَعدَاءُ الشَّبابَ وَالنِّسَاءَ، وَعِلاجُ ذَلِك أَن يَلتَزِمَ الجَمِيعُ بِالسَّيرِ عَلَى نُورِ الوَحيَينِ بِفَهمِ العُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ، وَأَن يَنقَادُوا لِنُصحِ العُقَلاءِ النَّاضِجِينَ وَيَحذَرُوا السُّفَهَاءَ النَّاعِقِينَ، فَاتَّقُوا اللهَ وَاسلُكُوا طَرِيقَ القَصدِ وَالوَسَطِ، وَجَانِبُوا الغُلُوَّ وَالشَّطَطَ وَتَعَمُّدَ الغَلَطِ، وَاحذَرُوا مَسلَكَينِ مُنحَرِفَينِ وَمَنهَجَينِ ضَالَّينِ، بُلِيَت بِهِمَا الأُمَّةُ اليَومَ، مَسلَكُ جَفَاءٍ وَتَفرِيطٍ، يُرِيدُ مَسخَ هُوِيَّتِهَا وَطَمسَ شَخصِيَّتِهَا؛ لِتُصبِحَ صُورَةً بَاهِتَةً مِن مُجَتَمَعَاتِ الكُفَّارِ، لا هَمَّ لها إِلاَّ حِيَازَةُ الدُّنيَا وَالتَّنَافُسُ عَلَيهَا، وَالعَبُّ مِن شَهَوَاتِهَا وَالتَّمَتُّعُ بِمَلَذَّاتِهَا، وَمَسلَكُ غُلُوٍّ وَإِفرَاطٍ، يُكَفِّرُ بِالزَّلَّةِ الكَبِيرَةِ، وَيُؤَاخِذُ عَلَى الجَرِيرَةِ الصَّغِيرَةِ، فَكُونُوا مِن أَهلِ الصَّبرِ وَاليَقِينِ وَ" إِيَّاكُم وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكذَبُ الحَدِيثِ " وَاعلَمُوا " أَنَّ النَّصرَ مَعَ الصَّبرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَربِ، وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا " ﴿ وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ﴾ [الحج: 40، 41].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خطبة عيد الفطر 1433هـ
  • خطبة عيد الفطر لعام 1432هـ
  • خطبة عيد الفطر 1434 هـ
  • خطبة عيد الفطر المبارك 1435هـ ( سحق الإسلام وتفتيت أرضه )
  • خطبة عيد الفطر السعيد 1435هـ ( مظاهر الفرح والتجديد تعم يوم العيد )
  • خطبة عيد الفطر 1435هـ ( قبول الأعمال الصالحة )
  • خطبة عيد الفطر لعام 1436هـ / 2015م
  • خطبة عيد الفطر عام 1436هـ (صفاء العيد)
  • خطبة عيد الفطر (1436هـ)
  • خطبة عيد الفطر لعام 1437هـ
  • الدعوة إلى الله بين الإفراط والتفريط
  • خطبة عيد الفطر لعام 1442هـ
  • خطبة الحاجة بين الإفراط والتفريط

مختارات من الشبكة

  • خطبة عيد الفطر المبارك لعام 1446 هـ(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة عيد الفطر لعام 1443 هـ (المواظبة على الأعمال الصالحة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة عيد الفطر لعام 1442 هــ(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة عيد الفطر: عيد فطر بعد عام صبر(مقالة - ملفات خاصة)
  • أفراح العيد .. خطبة عيد الفطر لعام 1432هـ(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة عيد الفطر المبارك لعام 1446هـ(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة عيد الفطر لعام 1445هـ(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة عيد الفطر المبارك لعام 1444 هجرية (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • خطبة عيد الفطر المبارك لعام 1437 هجرية (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • خطبة عيد الفطر المبارك لعام 1429 هجرية (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب