• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد / الموت والقبر واليوم الآخر / في أحوال القيامة والجنة والنار
علامة باركود

الجنة نعيم ومبشر

الشيخ خالد الحمودي

المصدر: ألقيت بتاريخ: 19/8/1426هـ
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/8/2009 ميلادي - 8/9/1430 هجري

الزيارات: 23584

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الجنة نعيم ومبشر

 

معاشر المؤمنين:

أوصيكم وإيَّاي بتقوى الله، فهي وصية الله لنا ولمن كان قبلنا؛ ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].

 

أيُّها الكرام، أيُّها الفضلاء:

اسمحوا لي أنْ أنتقلَ بكم من هذا الحيِّ، ومن هذا المسجد المبارك إلى طيبة الطيبة، وبتحديد إلى مسجد الرَّسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لنعيش سويًّا هذا الموقفَ العظيم، ونعتبر ونقتدي، ولتكونَ هممنا مع الثُّرَيَّا بدل الثَّرى، يجلس النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في مَسْجِدِه مع أصحابه، كالقمر حوله النُّجوم، فتدخل عليه امرأة نحيلة مريضة سمراء تشتكي، قد أثقل المرض كاهِلَها، وهَدَّ العزمُ وهنها.

 

هي رفيقةُ الأسقام، وخليلة الآلام، جاءت هذه المرأة من بعيدٍ تدفع جسمها دفعًا، وقَدَماها تَخطَّان على الأرض حكايةَ المعاناة، وقِصَّةَ الأوجاع، جاءت تُلقي الهموم، وتحكي الحالَ وقلة الحيلة، ألقت بهمومها إلى البَرِّ الرَّحيم، وشكت حالَها إلى العَطُوف الكريم، وقفت بين يدي رسول الله، وقالت: يا رسولَ الله، إنِّي أُصْرَع، وإنِّي أتكشَّف، فادْعُ الله لي، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((إنْ شئت صبرت ولك الجنة، وإنْ شئتِ دعوتُ اللهَ أنْ يعافيك)).

 

إنَّها تعلم أنَّها تناجي خَيْرَ العالمين، تُناجي حبيبَ الله، وخليل الرحمن، الذي إذا رَفَع يديه إلى السماء رَدَّدت السماءُ – أرجاؤها - ترحيبًا وتأمينًا، لقد كان بينها وبين قضاء حاجتها بإذن ربِّها أنْ تقول: ادعُ الله لي - يا رسول الله - أنْ يَشْفِيَنِي، ولكنَّه كان خيارًا دون خيار أعظم، ومطلوبًا أسمى، تلاشت أمامه كلُّ الهموم، وتناست بذكره كل الآلام، إنَّها الجنة، إي وربِّي وكأنِّي بها تُردِّد بعدما سمعت ذلك العرض: الجنة الجنة، لا بأس، أصبر ومرحبًا بالمرض، وما أروعَ ساعاتِ الوَجَع!

 

عندها أعلنتها دون تردُّد: أصبر - يا رسول الله - ولكن ادعُ الله لي ألاّ أتكشف، ومن تلك اللحظات باتَ للمرض طَعْمٌ آخر تستلذه، وتستأنس به، ولقد كان ابن العباس - رضي الله عنهما - يقولُ لعطاء - كما عند البخاري ومسلم -: "ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قال: بلى، أين هي؟ قال: هذه المرأة السوداء".

 

أيُّها المؤمنون:

هل عرفتم هذه المرأة؟ هل عرفتموها؟ كلاَّ، ولن تعرفوها، لماذا؟ لأنَّ التاريخَ لَمْ يُسجِّل لها اسمًا، والسِّيَر لم تذكر لها ترجمةً، لقد كانت من عامَّة الناس، قد لا يعرفها أهلُ المدينة ومَن حَوْلَها، ويبدو أنَّها كانت تَمشي بين البشر، وتقرع بقدميها الثَّرى، وهي من أهل الجنة، فنعم المآلُ، ونعم المنقلبُ، ونعم المنتهى.

 

إنَّها الجنَّة - يا عبادَ الله - دار المتقين، ورغبة المخبتين، ومقصدُ الصالحين؛ قال الصادق الأمين - صلَّى الله عليه وسلَّم -: قال الله - عزَّ وجلَّ -((أعدَدْت لعبادي الصالحين - أي: في الجنة - ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر))، واقرؤوا إنْ شئتم: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17].

 

وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث المتَّفق عليه: ((إنَّ أوَّل زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثُمَّ الذين يلونهم على أشدِّ كوكب دُرِّي في السماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوَّطون، ولا يتخمطون، آنيتهم فيها الذَّهب، ورشحهم المسك - أي: عرقهم المسك - ولكل واحد منهم زوجتان يرى مُخَّ ساقيهما من وراء اللَّحم من الْحُسْنِ، لا اختلافَ بينهم ولا تَبَاغُضَ، قلوبهم على قلب رجل واحد، يُسبِّحون الله بكرة وعشيًّا))، يا ربِّ، نسألك أن تجعلنا من أهلِها برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

معاشر المؤمنين:

دعا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - النَّاسَ للخروج يومَ بدر، فجاء من بين القوم شابٌّ صغير السن، جاء فيمن جاء، أقبل يسعى فرحًا يستأذن أمَّه العَجُوز في الخروج مع الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو حارثة بن سراقة، ومَضَى حارثة مع موكب النُّور نَحْوَ بدر.

 

وبينما القوم فيها قد أرخى الليل سُدُولَه، وعاش الظَّلامُ في ربوع المكان، جاء هذا الفتى الصغير إلى قَلِيب بدر - أي: إلى بئر بدر - يريد الشرب منها، فأبصره رجلٌ من المسلمين كان يحرس البئر، فظَنَّه من عسكر المشركين، فرماه بسهم، فأرداه قتيلاً، ذهب إليه الرجل، ماذا وجد؟ وجد حارثةَ بنَ سراقة، صحابيًّا جليلاً، مُسلمًا مُؤمنًا مُجاهِدًا، تفاجأَ الرجل وفُجِعَ.

 

ذهب إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - وأخبره الخبر، فسكت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلما جاء اليومُ الثاني، بدأت المعركةُ، وكان من أحداثها ما كان، وبعد انتهاء المعركة، ونُصِرَ المسلمون، نعم انتصر المسلمون، نَصَرَ الله حِزْبَه، وأظهر جنده، وأعزَّ أولياه، قفل المؤمنون رجوعًا إلى المدينة، استقبلهم الناس ترحيبًا وتمجيدًا، وكان من بَيْنِ أولئك أم حارثة بن سراقة استوقفت أحَدَ الصَّحابة تَسْأله: أين ابني حارثة؟ أَمَا رأيته؟ أَمَا وجدته؟ أمات شهيدًا؟ فقال الرجل: إنَّه لم يَمُت شهيدًا، ولكنه قُتِلَ خَطَأً، تفاجأت المرأة، وفُجِعَت، وأقبلت إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - تسعى.

 

قالت: يا رسول الله، قد عرفت منزلة حارثة مني، فإنْ يكُن في الجنة، أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى، سترى ما أصنع، قال: ((ما قلتِ؟))، قالت: هو ما سمعتَ يا رسول الله، قال: ((وَيْحكِ يا أم حارثة، ويحك يا أم حارثة، أهبلتِ؟ أَوَجَنَّة واحدة هي؟! إنَّها جنانٌ، وإنَّ ابنكِ قد أصاب الفردوس الأعلى)).

 

هنيئًا لك يا حارثة، هنيئًا لك يا حارثة، وجمعنا الله بكَ في جنَّات النعيم يا حارثة، أتظن أنَّ زهرةَ شبابك تذبُل، وأنَّ أيام صباك تنقضي، وأنَّ نَضْرةَ وجهك تنمحي، وأنَّ حلاوة الدنيا وطيب العيش ولَذَّة الحياة تتركها؟! نعم، فلْتُتْرك، ولْتَزُل، ولْتَنْمَحِ، ولتنقضِ، إذا كان وراء ذلك جنة عرضها السموات والأرض؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ أهل الجنة يَتَرَاءَوْنَ أهل الغُرَفِ من فوقهم، كما تَتَرَاءَوْن الكوكبَ الدُّري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب؛ لتفاضل ما بينهم)).

 

قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرُهم، قال: ((بلى))، اسمع يا مَن تريدُ الجنة، اسمع يا خاطب الحور، اسمع يا مُحِبَّ الجنة، قال: ((بلى، والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله، وصدَّقوا المرسلين))، هؤلاء هم أهل الجنَّة، أهل المنازل العُليا، فهل آمَنَّا بالله حقَّ الإيمان؟ وهل اتَّبعنا سُنَّةَ سيد ولد عدنان؟ هل اتَّبعنا سنة سيد المرسلين؟ أسأل الله أن نكونَ كذلك، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ للمؤمن في الجنَّة لخيمة من لُؤلُؤة واحدة مُجوفة، طولها في السماء ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن، فلا يرى بعضهم بعضًا))، يا رب، يا أرحم الراحمين، اجعلنا من أهل الجنة، ولا تحرمنا نعيمها.

 

أيها الكرام:

بعد أنْ هاجر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى المدينة لَمْ تَعُدْ مكة موطنًا لأهلِ الحقِّ والإيمان، فراحوا يَتَسابقون فرارًا بدينهم إلى طيبة الطيبة؛ حيث الأمانُ والإيمانُ، حيثُ الهدى والهداية، ولكنَّ قريشًا كانت تُعِيقُ أولئك الفارِّين بدينهم بكل حيلة مستطاعة، وكان من بين هؤلاء الفارين الصحابي الجليل صُهَيْب الرُّومي صاحب التِّجارة، وصاحب المال الوفير.

 

أقامت عليه قريش رُقَبَاءَ يقومون عليه ليلَ نَهَارَ، لماذا؟ حتَّى لا يفلت من بين أيديهم بنفسه وماله، وفي ليلة باردة تسلَّل صهيبٌ من بينهم، ويَمَّم وجْهَهُ شَطْرَ المدينة، ولَمْ يَمْضِ غير القليل حتَّى فَطِنَ له رُقباؤه، فهبّوا من نومهم مذعورين، وامْتَطَوْا خُيُولَهم السوابق، وأطلقوا أَعِنَّتَها خلفه حتى أدركوه، فلَمَّا أحسَّ بهم، وقف على مكان عالٍ وأخرج سهامه من كنانته ووتر قوسه، وقال لهم: يا معشر قريش، لقد علمتم - والله - أنِّي من أرمى الناس، وأحكمهم إصابةً، فوالله لا تصلون إلَيَّ حتى أقتل بكل سهم معي رجلاً منكم، ثم أضربكم بسيفي ما بَقِيَ في يدي شيء منه.

 

فقال قائل منهم: والله، لا ندعك يا صهيب، لا ندعك تفوز منَّا بنفسك ومالك، لقد أتيت مكَّة صعلوكًا فقيرًا، فاغتنيت، وبلغت ما بلغت، فلما سمع صهيب ذلك، قال لهم: أرأيتم إن تركت لكم مالي، أتُخلُّون سبيلي، قالوا: نعم، فدلهَّم على موضعِ ماله في بيته بمكَّة، فخلوا سبيله، ثم عاود المسير إلى الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإلى أصحابه المؤمنين.

 

فلَمَّا بلغ صهيب قُبَاءً، رآه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مقبلاً، فهَشَّ له وبش، وقال بعد أن جاءه خَبَرُ صهيب بعد أن جاءه خَبَرٌ من السماء، قال له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((رَبِحَ البَيْعُ أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيي)).

 

إنَّ هذه الكلمة الصَّادقة، وذلك اللِّقاء الحنون، وتلك الطَّلَّة البشوش، والْمُحَيَّا الطَّلْقَ - أنست صهيبًا كلَّ أمواله، أنسته كلَّ تِجَارته، أنسته دُورَه وضيعَتَه، وَاسَتْهُ في أعماقِ قَلْبِهِ، فتلاشى معها طول السَّفر وتَعَب الطريق.

 

أيُّ تِجَارة، وأي مال إذا كان ثَمنها قَوْلَةَ حقٍّ وصدق: رَبِحَ البيعُ أبا يحيى؟! ولكنَّها معادلة صعبة، لا يُحسن فَهْمَهَا كُفَّار قريش بالأمس، ولا يحسن فهمها كفَّار الأرض اليومَ؛ ﴿ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 43]، هذه هي الجنة، وهذا بعض نعيمها، وهؤلاء هم بعض أهلها، فماذا أعْدَدْنا لها يا عباد الله؟! أسأل الله أنْ نكون وإيَّاكم مِن أهلها، اللَّهم لا تَحرمنا نعيمَ الجنة، ولا تحرمنا تلك اللَّذَّة بفضلك ومَنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

 

أقول ما تسمعون، وأستغفرُ الله الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، ثم توبوا إليه؛ إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

معاشر المؤمنين:

اسمعوا - يا عباد الله - إلى هذا الحرص العجيب، وإلى هذه التضحية بكل غالٍ ونفيس؛ من أجل أن يَحْظى المسلمُ بدارٍ بناها الله بيده في الجنَّة، نسأل الله أنْ نكون من أهلها.

 

كان غلامٌ من الأنصار يَملك بُستانًا يُجاور بستانَ رجلٍ من الصَّحابة، فأراد الغلامُ أن يبني حائطًا يفصل بستانه عن بستان صاحبه، فاعترضت له نخلة، هي في نصيب الآخر، فأتاه فقال: أعطني النَّخلة، أو بعني إيَّاه، فأبى، فأقبل الغلام على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فشكا له الحال، فأمره أنْ يأتي بصاحبه، فأقبل والنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بين أصحابه، فقال له: ((أعطه النخلة))، فقال: لا، فكَرَّر عليه ثلاثًا: ((أعطه النخلة))، قال: لا، يكرر عليه، وهو يأبى، عندها قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أعطه النخلة، ولك بها نخلة في الجنة))، قال: لا: تعجَّب الصَّحابة، أصبحوا يرقبون الموقفَ، ويُكْبِرون العرض، ويُعْظِمون الثَّمن، ويستنكرون الإحجام من الرَّجل.

 

وتَخيَّلوا ذلك المنظر؛ إذ الدهشة تعلو الوجوه، وصمتُ الاستغرابِ يَمْلأ المكانَ؛ إذ شقَّ ذلكم الصمتَ صوتُ الصحابِيٍّ الجليل أبي الدَّحداح - رضي الله عنه - وهو يقول: يا رسول الله، إنْ أنا اشتريتُ النَّخلة، ووهبتها إلى الغلام، أَلِي نَخْلة في الجنة؟ قال: ((نعم))، فقال أبو الدَّحداح: يا هذا، قد ابتعتُ النخلةَ نخلتك الوحيدة ببستاني الذي فيه ستمائة نخلة، فقبل الرجل، فذهب أبو الدحداح مسرعًا إلى بستانه يُنادي زوجته: يا أمَّ الدحداح، اخرجي وأبناؤك، فقد بِعْتُ البستانَ، قالت: لمن؟ قال: لله بنخلة في الجنة، قالت: رَبِحَ بيعُك، وبارك اللهُ لك فيما اشتريتَ، ثم أقبلت على صبيانها تُخرجُ ما في أفواهِهِم، وتنفض ما في أكمامهم، حتَّى أفضت إلى الحائط الآخر.

 

فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في صحيح مسلم: ((كم مِن عِذْقٍ معلَّق أو مُدَلًّى في الجنة لأبي الدَّحداح))، سبحان الله! ستمائة نخلة، وماء نقي، وظل وافر، وأشجار، وثمار، وأزهار بنخلة واحدة! نعم، ولِمَ لا، إنَّها نَخلة في الجنَّة؟! قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ في الجنة لشجرةً يَسيرُ الرَّاكِبُ الجواد الْمُضَمَّر السَّريع مائةَ سنة لا يقطعها)).

 

فنسألك يا ربَّنا ألا تَحرمنا ذلك النعيم المقيم، بل اسمعوا - يا عباد الله - إلى النَّعيم العظيم، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله - تبارك وتعالى - يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: ربنا لبيك وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تعطِ أحدًا من خلقك، فيقول: أفلا أعطيكم أفضلَ من ذلك، قالوا: يا رب، وأيُّ شيء أفضل من ذلك، فيقول: أُحِلُّ عليكم رِضْواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا))، يا الله، يا الله، نسألك ذلك النَّعيم المقيم.

 

عباد الله، هذه هي الجنَّة، وهذا بعضُ نعيمها، وهؤلاء هم بعضُ المبشرين بها، فكيف نحظى بذلك النَّعيم، وكيف نكون من أهلها؟

 

فأقول: الأمر سهل ويسير جدًّا، ما عليك يا عبدَالله، إلاَّ أن تعرف أوامر الله فتأتيها، وتعرف المحرمات فتجتنبها، سبحان الله! هل هذا كل شيء؟ نعم، هذا كلُّ شيء، أليس يسيرًا، ولكنَّه يَحتاج إلى مُجاهدة يَحتاج إلى أنْ تعرف أعداءك، ومن أعظمهم النفس والهوى، والدنيا والشيطان، فاحذرهم كل الحذر.

 

احرص يا عبدالله، واحرصي يا أَمَةَ الله، أن تكونوا جميعًا من المتقين؛ لأنَّ المتقين هم أهل الجنة، إذا قلنا يا عبدالله: اتَّقِ الله، فاعلم أنَّ التقوى قد حوت ألفَ أمْرٍ وألفَ نَهْيٍ، فأسأل الله - جلَّ جلاله - أنْ يجعلنا من عباده المتَّقين، وأن يَجعلنا من أهل جنات النعيم.

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آلِ محمد، سبحان ربِّك ربِّ العزة عمَّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد الله رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ذكر شيء من نعيم الجنة
  • الجنة
  • رسالة من الجنة
  • صفة الجنة وأهلها
  • رفيق النبي في الجنة
  • دار السلام
  • شجاني حبها
  • الجنة والنار
  • جحيم.. نعيم
  • واشوقاه إلى الجنة
  • صناعة النهايات
  • هل تريد دخول الجنة؟
  • غايتنا تقوى الله تعالى، والفوز بالجنة، والنجاة من النار
  • هل رأيت نعيما قط؟
  • عن الجنة
  • أعظم نعيم ( خطبة )
  • أهل الجنة
  • أهمية دراسة ألفاظ الجنة في القرآن الكريم
  • تفسير آية: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات}
  • ما معنى: سرر مرفوعة
  • نعيم لا ينفد (خطبة)
  • أعظم من كل نعيم وأكبر من كل لذة
  • فريق في الجنة وفريق في السعير

مختارات من الشبكة

  • من تمام النعيم في الجنة مرافقة الصفوة من الخلق في الجنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من نعيم الجنة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نعيم مرور الوقت في الجنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من سلسلة أحاديث رمضان حديث: أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة...(مقالة - ملفات خاصة)
  • الجنة دار الطيبين (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإيمان الذي يدخل به الجنة، وأن من تمسك بما أمر به دخل الجنة (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإيمان الذي يدخل به الجنة، وأن من تمسك بما أمر به دخل الجنة (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة، وأن من تمسك بما أمر به دخل الجنة (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لماذا يدخل أهل الجنة الجنة أبناء ثلاث وثلاثين؟(استشارة - موقع الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي)
  • نعيم الدنيا أمام شيء من نعيم الجنة(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- اللهم نسألك الجنه
لامعة في الأفق - السعودية 30-08-2009 08:53 PM
اللهم آمين نسألك يا ربَّنا ألا تَحرمنا ذلك النعيم المقيم
الله يجزاكم الخير والله احيانا اجلس اقضي الوقت حبا بالألوكة وما أن أنتهي من القراءة حتى يكون للمحاضرة وقعا عظيم على نفسي
اسأل الله ان يسعد من وضع المحاضره هنا ويحميه من آفات الدنيا  وأن يكون ممن كتب له نعيم الجنه الدائم اللهم آمين
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب