• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

منافع الصيام

الدكتور محمد ولد سيدي عبدالقادر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/8/2009 ميلادي - 28/8/1430 هجري

الزيارات: 32249

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

منافع الصيام

 

الصِّيام فريضةٌ عظيمة، وركنٌ من أركان الإسلام؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ: شهادةِ أن لا إله إلا الله وأنَّ محمَّدا رسولُ الله، وإقامِ الصلاة، وإيتاءِ الزكاة، وحجِّ البيت، وصومِ رمضان)).

 

وقد فرَضَه الله علينا كما فرضه على مَن قبلَنا؛ فقال – تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 183-185].

 

والصيام من العبادات التي قد تَشُقُّ على النفس؛ لما فيه من ترْك ملاذِّ النفس: من طعام وشهوة وانتصار للنفس، وقد فرضه الله بصيغة الكَتْبِ التي هي من آكد صيغ الفرض، والتي كثيرًا يُفرض بها ما فيه مشقةٌ على النفس، كالقتال والقَصَاص؛ قال - تعالى -: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، فهَوَّنه بما جعل فيه من الخيريَّة وأوكَلَ علم ذلك إليه؛ وقال – تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 178-179]، وهوَّنَ ذلك بقوله: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾، فبيَّن حكْمتَه، وما جعل فيه من حقْنِ الدماء، ولما فرض الصيامَ بصيغة الكَتْب وهوَّن أمرَه بمهونات كثيرة منها:

1- أنه كتبه على مَن قبلنا، فلسْنَا فيه بِدَعًا من الأمم فقال: ﴿ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [البقرة: 183]، والأمر إذا عَمَّ هَانَ على النفس.

 

2- أنه جعله سبيلاً لتحصيل التقوى؛ فقال: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، ومَن حصَّل التقوى حصَّل الخيرَ كلَّه؛ فالتقوى: هي وصيَّة الله للأوَّلين والآخرين؛ قال – تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131]، وهي التي لا يتقبَّل الله إلاَّ من أهلها؛ قال – تعالى -: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27].

 

ولهم أُعدَّتِ الجنة وما فيها: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ ﴾ [الطور: 17]، ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ﴾ [القمر: 54].

 

3- أنه جعله أيَّامًا معدودات؛ فقال: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 184]، وهي المفسَّرة بشهر رمضان، فهو شهرٌ واحدٌ من سنة كاملة لم يَكتبِ الله عليك غيرَه، وما كان معدودًا محصورًا يهون على النفس؛ ألاَ ترى أنَّك لو قلتَ لمن تعاقبُه سأُجنِّبُك شهرًا كان أهونَ على النفس من وعيد مطلق؛ فإن المحدَّد أهونُ على النفس من المطلق.

 

4- أنه أسقطه عن المريض حتى يبرأَ، وعن المسافر حتى يؤوب: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضَّا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 184].

 

5- أنه جعل له بدلاً على مَن شقَّ عليه مشقةً لا يترقَّب زوالَها؛ كالمريض مرضًا مُزمنًا لا يُرجى بُرْؤُه، والشيخ الهَرِم؛ فقال: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ [البقرة: 184]، على مَن يرى أنَّ الآية محكمةٌ في ذلك، وهناك مَن يرى أنها منسوخةٌ، وأن ذلك كان للتخيير قبل أن يُلزَمَ الناسُ بشهر رمضان.

 

6- أنه جعل فيه الخيريةَ المطلقة فقال: ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 184].

 

7- أنه خصَّ بفرضه شهرًا عظيمًا، شَرَّفَه من بين الشهور بهذه العبادة، واختاره بأنْ جعله ظرفًا لنزول أشرف كتاب على أشرف رسول لخير أمة؛ فقال: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].

 

وشهرٌ هذه منزلتُه حُقَّ له أنْ يُخَصَّ، وأنْ يهونَ على النفس ما خُصَّ به لعظيم مكانته.

 

8- التأكيدُ على سقوطه عن المريض حتى يبرأَ، والمسافر حتى يؤوب؛ حيثُ جاء ذلك مكرَّرًا في هذا النص على إيجازه: ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 185].

 

9- بيان أنَّ هذا التكليف، وذلك التخفيف إنما هو لإرادةِ اليُسْر لنا، وتحقيق الهداية التي بها سعادتُنا، وذكر الله الذي به اطمئنانُنا؛ فقال: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ﴾ [البقرة: 185].

 

10- أنَّه سبيلٌ لتحقيق شكر الله على ما أنعم به علينا من إنزال القرآن وإكمال الدين: ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].

 

11- أنه هوَّنه بما جَعَل فيه من المنافع الدنيويَّة والأخرويَّة.

 

فمن المنافع الأخروية للصيام:

1- تحقيقُ التقوى التي لا يَعلمْ ثوابَ أصحابها إلاَّ الله وحده، فهم الذين يَتقبَّل الله منهم؛ ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]، وهم الموعودون بالجَنَّة وما فيها من نعيم لا يعلم كُنْهَه إلاَّ الله: ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ [القلم: 34]، والتي قال الله عنها: ﴿ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الزخرف: 71]، وقال عنها رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ في الجنة ما لا عينٌ رأتْ، ولا أُذُنٌ سمعتْ، ولا خطرَ على قلبِ بشر)).

 

فمن حقَّق التقوى نال الخيرَ كلَّه في الدنيا والآخرة، والصوم من أهمِّ وسائلِ تحقيق التقوى؛ ولهذا قال – تعالى - في تعليل الأمر به: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

 

2- محوُ الذنوب والآثام؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))، ومَن غُفِرت ذنوبُه ومُحيَتْ آثامُه، عَظُم أجرُه عند ربه ودخل جنَّةَ ربِّه بلا عقابٍ؛ لمحو آثامه وغفران سيئاته.

 

3- الثوابُ الجزيل الذي لا يَعلم قدرَه إلاَّ الله - سبحانه وتعالى - ففي الحديث القدسي: ((كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلاَّ الصومَ، فإنَّه لي وأنا أَجزِي به، تَرَك طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجلي)).

 

4- دخولُ الجنة من بابٍ خاصٍّ بالصائمين لا يدخلُ منه غيرُهم؛ ففي الصحيحين من حديث سهلِ بنِ سعدٍ - رضي الله عنه - عن النَّبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((إنَّ في الجنة بابًا يُقال له: الرَّيَّان، يدخلُ منه الصائمون يومَ القيامة، لا يدخل منه أحدٌ غيرُهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحدٌ غيرُهم؛ فإذا دخلوا أُغلقَ لم يدخل منه أحد))؛ متفق عليه.

 

5- الصيام سبب للمباعدة من النار؛ ففي الصحيحين من حديث أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ -رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما مِن عبدٍ يصوم يومًا في سبيل الله إلاَّ باعد اللهُ بذلك اليوم وجهَه عن النار سبعين خريفًا))؛ متفق عليه.

 

6- وفي رمضان تُفتح أبوابُ الجنة، وتُغلَّقُ أبوابُ النار، وتُصفَّدُ الشياطين؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا جاء رمضانُ فُتِّحتْ أبوابُ الجنة، وغُلِّقتْ أبوابُ النار، وصُفِّدتِ الشياطين))؛ متفق عليه.

 

7- الفرح بلقاء الله وثواب الصوم؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((للصائم فرحتان يفرحُهما: إذا أفطر فَرِح بفطره، وإذا لَقِي ربَّه فَرِح بصومه))؛ متفق عليه.

 

ولا يَفرَحُ بصومه حينئذ إلا لفَرَحه بعظيم ما أعدَّ الله له من الجزاء العظيم.

 

وأمَّا المنافع الدنيويَّة للصيام فهي:

منافع عظيمة ذاتُ محاورَ متعددة منها: الصحيُّ، والنفسيُّ، والاجتماعيُّ، والعسكريُّ.

 

أولاً: المنافع الصحية:

للصيام فوائدٌ صحية: علاجية، ووقائية، ومن تلك الفوائد العظيمة التي أثبتَتْها الدراساتُ العلمية:

1- أن الصيام من أهمِّ سُبُل الوقاية من أمراض السُّمْنة، وأخطارها المترتبة عليها: كالسكر وضغط الدم وبعض أنواع العقم.

 

2- الصيام يَقِي الجسم من كثير من الزيادات الضارة مثل: الحَصْوة، والرواسب الكلسية، والزوائد اللحميَّة، والأكياس الدُّهنِيَّة، والأورام في بداية تكونها.

 

3- الصيامُ وقايةٌ - بإذن الله - من مرض النقرس الذي تُسبِّبُه زيادة التغذية والإكثار من اللحوم.

 

4- الصيام وقاية – بإذن الله - من تصلُّب الشرايين وانسدادها؛ لأنَّ الصومَ يُنقصُ مستوى الدُّهون في الجسم، مما يُنقص مستوى مادة الكولسترول، وهي المادة التي تترسَّب بزيادة معدلاتها؛ لتكوِّنَ انسدادَ الشرايين وتصلُّبَها، كما تُسبِّب تجلُّطَ الدم في شرايين القلب والمخ.

 

5- الصيام يقي الجسم - بإذن الله - من تَكوُّنِ حَصَيَات الكُلَى؛ إذ يرفع الصيام معدَّلَ الصوديوم في الدم؛ فيمنعُ تبلور أملاح الكالسيوم المسببة للحصى.

 

6- الصيام يقوِّي جهازَ المناعة، فيقي الجسم - بإذن الله - من أمراض كثيرة؛ ففي الصيام:

أ) يتحسَّن المؤشر الوظيفيُّ للخلايا اللمفاوية عشرة أضعاف ما كانت عليه.

ب) وفي الصيام تزدادُ نسبةُ الخلايا المسؤولة عن المناعة.

ج) وفي الصيام ترتفعُ نسبةُ الأجسام المضادَّة للأمراض في الجسم؛ فتنشطُ الرُّدودُ المناعية الدفاعية.

 

7- الصيام يُحسِّنُ مستوى الخصوبة لدى الرجال والنساء؛ فيرتفعُ معدَّلُ احتمالات الإنجاب، وقد قامتْ (جامعة الملك عبدالعزيز بِجَدَّة) بدراسة علميَّة أكَّدتْ ذلك، وأثبتَتْ أنَّ أكثرَ حالات الحمل في المملكة بعد شهر رمضان.

 

8- الصيام يُخلِّص الجسمَ، ويقيه من أمراض السُّموم المتراكمة في خلاياه، وبين أنسجته من جرَّاء تناول الأطعمة، كما يُخلِّصُه من بقايا سموم الأدوية.

 

9- الصيام يُمكِّن الجهازَ الهضميَّ من استراحة فسيولوجية؛ مما يساعده على استعادة وتحسين أدائه.

 

10- الصوم يُفتِّح الذِّهنَ ويقوِّي الإدراك.

 

11- الصيام يُحسِّن أداءَ (البنكرياس)؛ فقد ثبت علميًّا أن (البنكرياس) يتحسَّن أداؤه بمجرَّد عكس العادة الغذائية.

 

12- الصيام يُهذِّبُ الغريزةَ الجنسية: ((يا معشرَ الشبابِ، مَن استطاع منكم الباءَةَ فلْيتزَوَّجْ؛ فإنَّه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفرج، ومَن لم يستطعْ فعليه بالصوم؛ فإنَّه له وجاءٌ))، ومن ثَمَّ فإنه يُبعد الصائمَ عن الممارسات الجنسيَّة الخاطئة، وما يترتَّب عليها من أمراض جسديَّة ونفسيَّة، حتى إن عقلاءَ الغرب أصبحوا يُنادُون به؛ للحد من جحيم الشهوة الجنسية، وما جرَّتْه على مجتمعاتهم من أمراض جسديَّةٍ ونفسيَّة واجتماعية.

 

13- للصيام أثرٌ في شفاء كثير من الأمراض - بإذن الله - فهو يفيدُ في علاج الأمراض الآتية:

أ- الأمراض الناتجة عن السُّمْنَة: كمرض تصلُّب الشَّرايين، وضغطِ الدم، وبعض أمراض السكر.

ب- بعضُ أمراض الدورة الدمويَّة؛ مثل: مرض (الريتود).

ج- الصيام يُساعد على شفاء مرض المفاصل (الروماتيود).

د- الصيام يُفيد في علاج قُرحة المعِدَة، وبعض حالات السكر.

 

ثانيًا: المنافع النفسية: (الصيام والصحة النفسية):

للصيام أثرٌ عظيم على الصحة النفسيَّة؛ فهو أهمُّ عوامل الاستقرار النفسيِّ، ويتجلَّى ذلك فيما يلي:

1- أن الصيام سبيلٌ لتحقيق التقوى التي وعد الله أهلَها بالسعادة في الدارين؛ قال – تعالى -: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2-3]، والمخرج الموعود به هنا عامٌّ في كلِّ ما يُهمُّه ويُؤرِّق مضجعَه، وضَمِن له الرزقَ فقال: ﴿ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبْ ﴾، ومَن كُفِي رزقُه وهمُّه فلا تَسَلْ عن عظيم سعادِته، وهل يُقلِقُنا في الدنيا إلا همومُ الرزق والحياة ومتاعبها؟! وكلُّ ذلك ضمَّنه الله لمن حقَّق التقوى.

 

وقال – تعالى -: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4]، وهذا وعدٌ آخرُ بتيسير الأمور كلِّها، أمورِ الدنيا والآخرة، وهو وعدٌ لمن اتَّقى الله بأن يُيَسِّرَ له أمرَه كلَّه، أمرَ عبادته وعلاقته بربه؛ فيَهَبُه حلاوةَ الإيمان، ولذَّةَ العبادة، وأمورَ دنياه كلِّها، أمرَ رزقِه، وعمله، وشؤون خاصَّته وعامَّته.

 

وقال – تعالى -: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5]، وهذا وعدٌ آخرُ له أثرُه في النفس، واستقرارها وسعادتها، فكم من ذنوبٍ أقلقتْ صاحبَها وحرَمَتْه لذَّةَ الحياة وسعادتها والأُنْس فيها، وحجبَتْ عنه التوفيقَ والتسديد! فتراه مُشتَّتَ الخاطر، عكرَ المزاج، قد أقلقتْه سيئاته وأقضَّتْ مضجعَه، وهذا وعد من الله لمن اتَّقاه بأنَّه يُكفِّر عنه سيِّئاته، وليس الوعد بالتكفير فحسب، بل يُعْظِم له أجرَه، ويُبدِّلُ سيئاتِه حسنات، إنْ أحسن التوبةَ والرجوع إلى الله بصدق واتَّقى الله؛ ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70]، ومَن جعل الله له مِن كلِّ ضيق مخرجًا، ومن كلِّ همٍّ فرجًا، ويسَّر له أمرَه كلَّه، ورزَقَه من حيثُ لا يحتسب، ووفَّقه لحسن عبادته والأنس بمناجاته، فلا تَسَلْ عن سعادته وعظيم استقرار نفسِه؛ يؤكِّد ذلك ما قاله أحد العُبَّاد: "لو عَلِم الملوك ما نحن فيه - يَعنِي من السعادة - لجالدونا عليه بالسيوف".

 

2- الصيام سبيلٌ لتخليص النفس من ثوران الشهوة ووسوستِها، وما يَتْبَعُ ذلك من نظرٍ يورثُ تعلُّقًا محرَّمًا - وربما يكون ذلك التعلُّقُ بما لا مطمعَ في إدراكه، فيعود ذلك على المرء بالحسرة التي لا تُفارقُه - أو فعلٍ محرَّم يُورثُه الحسرةَ والندامة، وربما الأمراضِ التي تُورثُه الشقاءَ الدنيويَّ قبل العذاب الأخروي؛ ولهذا قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا معشرَ الشباب من استطاع منكم الباءَةَ فلْيتزوجْ؛ فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج، ومَن لم يستطعْ فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)).

 

3- الصيام يقي الجسدَ - بإذن الله - من كثير من الأمراض، ويشفي من كثير منها - كما تقدَّم في المحور الصحي - مما يعود على النفس بالراحة والسعادة الصحية، وقديمًا قيل: "العقل السليم في الجسم السليم"، وقيل: "الصحة تاجٌ على رؤوس الأصحاء، لا يراه إلا المرضى".

 

4- في الصيام حسنُ العَلاقة بالله والشُّعورُ بقربه ومعيَّته؛ فهو سبيل إلى تحقيق درجة الإحسان التي هي أعلى مراتب الإيمان؛ قال - تعالى - في الحديث القدسي: ((كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلاَّ الصومُ فإنه لي وأنا أجزي به، تَرَك طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجلي))، فالصائم يُمكِنه أن يتوارَى عن عيون الناس ويأكلَ ويشربَ ويأتيَ شهوتَه، ولكنه لا يفعلُ؛ لعلمه باطِّلاع الله عليه، وتلك مرتبةُ الإحسان التي عرَّفها النَّبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله: ((أنْ تعبدَ اللهَ كأنَّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).

 

والشعور بمعيَّة الله والأنْسُ به أعلى مقامات سعادة النفس وطمأنينتها، فلا تحزنْ لنُزول مُصابٍ؛ لعلمها بأنَّ الله مطَّلعٌ عليه، وما قدَّره إلاَّ لخير يِريدُه بها: ((عجبًا لأمر المؤمن؛ إنَّ أمرَه كلَّه له خيرٌ، وليس ذلك إلا للمؤمن، إنْ أصابتُه سرَّاءُ شَكَر فكان خيرًا له، وإن أصابتْه ضرَّاءُ صَبَر فكان خيرًا له)).

 

5- الصوم يهذِّب النفسَ ويكسر سورتَها؛ مما يعود عليها بالهدوء والسكينة، والراحة والطمأنينة؛ يقول أبو حامد الغزالي - رحمه الله -: "الصيامُ زكاةٌ للنفس، ورياضةٌ للجسم؛ فهو للإنسان وقايةٌ، وللجماعة صيانةٌ، وفي جوع الجسم صفاءُ القلب، وإنقاذُ البصيرة؛ لأن الشِّبع يُورث البلادة، ويعمي القلب، ويكثر الشجار؛ فيبلد الذهن، وقد اتَّخذته كثير من الفرق سبيلاً لتهذيب النفس، ولكنَّها ربما غالتْ في ذلك حتى ظلمتِ الجسد، وللجسد حقٌّ كما للنفس حق، ولكنَّ دينَنا دينُ الوسطيَّة، لَزِم الاعتدالَ في ذلك، وأعطى كلَّ ذي حقٍّ حقه".

 

ثالثًا: المنافع الاجتماعية (الصيام والمنافع الاجتماعية):

وللصيام فوائدُ اجتماعيَّةٌ عظيمة، تعود على الفرد والمجتمع بالمصالح الدنيوية والأخروية، ومن تلك الفوائد والآثار الاجتماعية:

1- أن الصيام سبيلٌ لإيجاد الفرد الصالح: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، وإذا وُجِد الفرد الصالح سعِدَتْ به الأمة وسَعِد هو بنفسه؛ فإنَّ تقواه تقُودُه إلى أداء الحقوق والواجبات، وتمنعُه من التعدِّي على ما ليس له؛ رُوي أنَّ عمرَ بنَ الخطاب - رضي الله عنه - تولَّى قضاءَ المدينة في عهد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ثم جاء يستعفي من القضاء بعد سنة، فقال له أبو بكر: "أردْتُ نصرتَك، وتريدُ خذلاني، أعينوني على هذا الأمر"، فقال عمرُ - رضي الله عنه -: "يا خليفةَ رسول الله، لم يتقاضَ إليَّ اثنان منذُ أن تَولَّيتُ القضاء، وإنَّ أهل المدينة عرفوا ما لهم فأتوه، وما ليس لهم فتركوه".

 

نعم، إذا عَرَف كلٌّ ما له وما عليه، ففيمَ الخصام والشجار والنفار؟! وما كَثُرت السجون وقوانينُ الردع، وعسس الدولة وشُرطها إلا حين ضَعُفَت التقوى في القلوب، وتعدَّى بعضُ الناس على ما ليس له، وترك الواجب الذي عليه.

 

2- الصيام يُحقِّق التقوى، المأمورُ صاحبُها بالإنفاق وإعانة ضعفاء المجتمع؛ فالإنفاق صفةٌ لا تتحقق التقوى بدونها؛ قال - تعالى –: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة: 1-3]، فإنفاق المرء مما رزقه الله سمةٌ رئيسة من سمات التقوى، وعلامةٌ بارزة من علاماتها، والإنفاق هنا يَعُمُّ الإنفاقَ من كلِّ ما رزقه الله من مالٍ، وعلم، وجاه، وقوة بدنية، وحرفة دنيوية.

 

3- بالصوم يعطش الغني ويجوع، فيتذكَّر البطونَ الجائعة العَطْشَى، التي لم تعرفْ للشِّبَع طعمًا، ولا للرِّيِّ سبيلاً، فتحنو نفسُه على الفقراء والجَوْعَى، فيبذلُ لهم من ماله وجهده ما يَسُدُّ حاجتَهم؛ لأنه جرَّب ذلك وذاقه على حقيقته، فلا يعرفُ قيمةَ العافية إلاَّ مَن جرَّب الابتلاء، وذاق طعم المرض والجوع، والعطش والخوف، بل لا تُعرفُ حقائقُ هذه الأمور إلاَّ بأضدادها؛ ولهذا قال الله – تعالى - لنبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 6-11]، فأمره بالإحسان إلى اليتيم بعد أن ذكَّره بيُتْمِه، ورعايةِ الله له في ذلك اليُتْم، وأمره بالإحسان إلى الفقراء بعد أن ذكَّره بما كان فيه من العَيْلَة، وما أغناه به بعد ذلك، وأمره بالتحدُّث بنعمته؛ إذ هداه للإيمان.

 

فلا يعرفُ حاجةَ اليتيم مثل مَن ذاق اليتم، وعرف ما فيه من الحاجة الجسدية والنفسية، وإن كانت الأخرى أهم؛ لذلك قال – تعالى -: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ﴾ [الضحى: 9]، والنهي عن القهر يعمُّ الأمرَ بالإحسان المادي والمعنوي، فكأنه قال له: (عرفْتَ اليُتْم وما فيه، والعَيْلَة وما فيها، وقد أنعم الله عليك وأغناك، فأحسِنْ إلى اليتيم والفقير، واجتهد في هداية الناس من الضلالة؛ لتشكر بذلك نعمة ربِّك عليك)؛ ولهذا كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - أرحمَ الناس؛ ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، وكان أجودَ الناس؛ ففي الصحيح من حديث ابنِ عبَّاس - رضي الله عنه - قال: ((كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضانَ حين يلقاه جبريلُ فيُدارِسُه القرآنَ، فلرسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجودُ بالخير من الريح المُرسَلَة)).

 

وكان أحرصَ الناس على هداية الناس؛ حتى قال الله له: ﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 3]، وقد وَرِثَ أصحابُه هذا المعنى فقال لهم - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لأنْ يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حُمْرِ النَّعَم)).

 

وكان رجلٌ ممن قبلنا قد اشتدَّ به العطشُ، فدخل بئرًا فشرِبَ منها، فلمَّا خرج إذا هو بكلب يأكلُ الثَّرى من شدة العطش، فقال: لقد نزل بهذا الكلب مثلُ ما كان بي من العطش، فدخل البئرَ فملأ خُفَّه، فعَضَّه بأسنانه حتى خرج فسَقَى الكلبَ، فَشَكَر اللهُ له ذلك، فغفر له.

 

إنَّ عطشَه القريب الذي ذاقه ذكَّره بحرارة العطش، فعطف على هذا الكلب فسقاه، وإذا كان ذلك حال المؤمن مع البهائم، فكيف بحاله مع المؤمنين من إخوانه إذا أحسَّ حاجتَهم وشدَّةَ عطشِهم وجوعِهم؟!

 

ومن هنا كان الصيامُ وسيلةً تحسيسيَّةً للأغنياء يحسُّون بها حاجةَ الفقراء، وتلك حكمةٌ من حِكَمِه الاجتماعية الظاهرة.

 

4- في رمضان تَقْوَى صلةُ المؤمن بالقرآن؛ لأنَّ هذا الشهر شهرُ القرآن؛ قال – تعالى -: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ} [البقرة: 185]، وقد جمع النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بين صيامِه وقيامه، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه)).

 

والمسلم إذا قرأ القرآنَ أو سمِعَه، وتدبَّر آياتِ الإنفاق، وما أعدَّ الله للمنفقين، تحرَّكتْ نفسُه للامتثال؛ فكم من غني سمع آيةً حرَّكتْ نفسَه لإنفاق سَعِدَ به سعادةً لا شقاءَ بعدها!

 

هذا أبو طلحة - رضي الله عنه - يسمع قول الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 92]، فتتحرَّكُ نفسُه للإنفاق فيأتي إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيقول: ((يا رسولَ الله، إنَّ أحبَّ مالي إليَّ بَيْرُحَاءُ[وهي بئر]، فاجْعلْها حيثُ أراك الله، فقال له النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بَخٍ بَخٍ، ذاك مالٌ رابحٌ، اجعلْها في قرابتك))، فتصدَّق بها أبو طلحة على ذوي الحاجة من أقربائه فكانت صدقةً، وصِلَةً، وقربة إلى الله - سبحانه وتعالى - رابحة.

 

وهذا أبو الدَّحْداح - رضي الله عنه - يسمع قولَ الله - عزَّ وجل -: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ [البقرة: 245] فيقول: يا رسول الله: أَيستَقْرِضُنا اللهُ، وهو الغني، فيقول له النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم – ((نعم، يَستقرِضُكم؛ ليرفعَ من درجاتكم))، فيقول: يا رسول الله، إنَّ لي بستانًا قد عَلِمَتْ الأنصار أنه ليس في المدينة بستانٌ مثلُه، وقد أقرضتُه لله، ويأتيه وزوجه وأولاده يلتقطون ما طاب ولَذَّ من ثمره فيقفْ على بابه وينادي زوجه:

بِينِي       مِنْهُ       بِالْوِدَادِي ♦♦♦ فَقَدْ مَضَى قَرْضًا إِلَى التَّنَادِي

 

وتجيبُه زوجُه الصالحة القانتة المؤمنة الموقنة بوعد الله:

بَشَّرَكَ الله ُبِخَيْرٍ وَفَرَحْ ♦♦♦ مِثْلُكَ أَدَّى مَا عَلَيْهِ وَنَجَحْ

 

وهذا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان أجودَ الناس على الإطلاق، وكان جودُه يزداد في رمضان؛ لأثر القرآن وآياته؛ ففي الصحيح عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: ((كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريلُ فيُدارسُه القرآن، فَلَرَسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجودُ بالخير من الريح المرسلة)).

 

5- الصيام يُهذِّب الغريزة الجنسية، ويَحُدُّ من ثورتها، فتقِلُّ حالاتُ التحرش، والنظر المؤذِي، وما يَتْبَع ذلك من أمور لا تُحمد عُقباها؛ كالخيانة، وانتهاك الأعراض، وأبناء الشوارع، وانتشار البغضاء والكراهية، مما يعود على المجتمع بآثار سيئة.

 

6- للصيام دورُه في تهذيب الأخلاق؛ فالصائم لا يَشتُمُ، ولا يَسُبُّ، ولا يَصخَب، ولا يكذب، ولا يغتاب، ولا يَنُم؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الصيامُ جُنَّة، فإذا كان يومُ صومِ أحدِكم، فلا يَرفُثْ ولا يصخب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فلْيقلْ: إني صائم))؛ متفق عليه.

 

وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن لم يَدَعْ قولَ الزور والعملَ به، فليس لله حاجةٌ في أنْ يَدَعَ طعامَه وشرابه)).

 

وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما صام مَن أفطر على لحوم الناس)) وفي إسناده ضعف، ومدة رمضان مدة كافيةٌ لاكتساب الأخلاق الحميدة، والتخلُّص من الأخلاق الرديئة، وكما يقي الصيامُ الجسمَ من بعض الأمراض، ويخلِّصُه من بعضها، يقي النفسَ والمجتمع كذلك من بعض الأمراض ويخلِّصُهما من بعضها.

 

وما تراه من لَبَاقة استقبال المضيفين في الطيران والفنادق وبعضِ المؤسسات - أثرٌ لإعدادٍ تدريبي يُعدُّ رمضانُ أفضلَ منه لكل أفراد المجتمع.

 

7- الصيام دورةٌ للتخلص من العادات الضارَّة؛ كالتدخين، والكذب، ومشاهدة الأفلام الخليعة، والعادة السرية، ونحوها من المفْطِرَات الحسية أو المعنوية، وترْكُ الإنسان ذلك نهارًا كاملاً لمدة شهرٍ كامل مُعينٌ على تعوُّد الإقلاع عنه وتركه تركًا كليًّا.

 

8- الصيام يُحقِّق درجةَ المراقبة؛ ففي الحديث القدسي: ((كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلاَّ الصومَ؛ فإنه لي وأنا أجزي به؛ يتركُ طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجلي))، نعم يراقبُ الصائم ربَّه، فلا يأتي ما يُفسِدُ صومَه، وإنْ توارَى عن أعين الناس لعلمه بأنَّ الله مُطَّلع عليه، فيُولِّد ذلك لديه الشعورَ بمراقبة الله في كلِّ أمر، فيأتي الذي هو له ويتركُ ما ليس له، ولو تحقَّقتْ درجة المراقبة في المجتمع المسلم لأُغلقتْ السجون، وسرحتْ لجان المراقبة والتفتيش؛ لأن كلَّ إنسان يشعر بمراقبة الله، فلا يخونُ مسؤولٌ مسؤوليَّتَه، ولا يقصر في واجبه؛ لعلمه باطِّلاع الله عليه، وإن استطاع أن يفلت من مراقبة الناس.

 

كان عمرُ - رضي الله عنه – يَعُسُّ [يطوف ليلاً] بالمدينة، فسمع امرأة تقول لابنتها: قومي فاخلطي اللبنَ بالماء، فقالت لها ابنتُها: إنَّ أميرَ المؤمنين عمرَ بنَ الخطاب - رضي الله عنه - نهى عن ذلك، فردَّت الأمُّ: وأين عمرُ؟ إنه لا يرانا، قومي فاخلطي اللبن بالماء، فردَّت الفتاة الصالحة يا أُمَّاه، إذا كان عمرُ لا يرانا، فإنَّ ربَّ عمرَ يرانا، وامتنعتْ من ذلك، فخَطَبها عمرُ لابنه عاصم، فكانتْ تلك الفتاةُ جَدَّةً لعمرَ بنِ عبدِالعزيز الخليفة الراشد؛ ﴿ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ﴾ [الأعراف: 58].

 

وكان عمرُ - رضي الله عنه - يَعُسُّ ذات ليلة، فسمع امرأةً تترنَّم، فاقترب منها فإذا هي تُنْشِد:

تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَاسْوَدَّ جَانِبُهْ
وَأَرَّقَنِي أَن لا ضَجِيعَ أُلاَعِبُهْ
أُلاَعِبُهُ طَوْرًا وَطَوْرًا كَأَنَّمَا
بَدَا قَمَرًا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ حَاجِبُهْ
فَوَاللهِ لَوْلاَ اللهُ لاَ رَبَّ غَيْرُهُ
لَحُرِّكَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهْ
وَلَكِنَّنِي أَخْشَى رَقِيبًا مُوَكَّلاً
بَأَنْفَاسِنَا لاَ يَفْتُرُ الدَّهْرَ كَاتِبُهْ
مَخَافَةُ رَبَّي وَالْحَيَاءُ يَصُدُّنِي
وَإِكْرَامُ بَعْلِي أَنْ تُنَالَ مَرَاكِبُهْ

 

فنظر عمر فإذا هي امرأة مغيبة، قد غاب عنها زوجُها في الجيش، فأمر ألاَّ يغيبَ الجنديُّ عن زوجته أكثر من أربعة أشهر.

 

وخرج شابٌّ بفتاة يراودُها عن نفسها، وكانت تتعلَّلُ له بمشاهدة الناس لهم، فنجح في أنْ يخرجَها إلى فضاء لا أنيسَ به، وقال لها: ها نحن في مكان لا يرانا إلا الكواكب، فردَّتْ عليه: ويْحَك! وأين مُكَوْكِبُها؟! فصاح الفتى، وأقلع وصار من عبَّاد المسلمين.

 

نعم، إنها المراقبةُ لله حين يتطاولُ الليل ويسودُّ جانبُه، ويأمنُ الإنسان رقيب الناس، وحين ينام الأمير ويغيب حرسُه، وحين يغيب البَعْلُ، وتطولُ غيبتُهُ، وحين تثورُ الشهوة، وتُتاح الفرصة، وهل اغتُصِبَت الحقوقُ، وضُيِّعت الأمانة إلاَّ حين ضَعُفَ وازعُ المراقبة في نفوس الناس؟!

 

9- الصيام سببٌ لتحقيق التقوى، ومحو الآثام والذنوب؛ قال - تعالى -: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))، وإذا تحقَّقت التقوى، وغُفرتِ الذنوب والآثام، حلَّتِ البركات، وتحقَّق الرخاء الاقتصاديُّ، والسعادة به؛ قال – تعالى -: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]، ففي الآية أنَّ المفتوح بركاتٌ، والمال ما لم يُبارَكْ فيه لا تحصُلُ به السعادة، بل قد يكون مصدرَ تعبٍ وشقاء؛ قال - تعالى - عن المنافقين: ﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 55]، فحين تُحجَبُ البركةُ عن المال والولد يكون مصدرَ عذابٍ في الدنيا، وهذا المفتوح المعبَّرُ عنه بالبركات جاء بصيغة الجمع وتعدُّد الجهات المفتوح منها؛ ﴿ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96].

 

ومن المعلوم أنَّ أقوى الاقتصاديات العالمية الاقتصادُ المتعدِّد المصادرُ، الذي كلُّ ما كسد مصدرٌ من مصادره، ارتفع الآخر أو لم يتأثر؛ ألا ترى أن النفط إذا كان مصدرًا وحيدًا لبلد ما تأثَّر اقتصادُه بهبوط أسعاره، على أنْ البركة هي الأساس في السعادة بالمال؛ ولهذا كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُكثِرُ أنْ يقول: ((اللِّهمِّ باركْ لنا فيما رزقتنا))، ويدعو بالبركة لأصحابه في أموالهم وأهليهم ليحققوا السعادة بذلك.

 

رابعًا: منافع الصيام العسكرية (الصيام والقوة العسكرية):

الصيام مدرسةٌ لإعداد الأمة إعدادًا عسكريًّا، فكأنه التجنيدُ الإجباريُّ على كلِّ أفراد الأمة، ممن يُطيقُ ذلك، رجلاً كان أو امرأة؛ ففي الصيام يتعوَّد أفرادُ الأمة على الظروف غير العاديَّة من نقص المؤن، فيتعودون الجوع والعطش في الظروف العادية؛ ليتحملوا ذلك في الظروف غير العادية، وإنك لترى الجيوش تعوِّد أفرادها على الجوع والعطش، وأكل الحشرات والزواحف وأوراق الشجر، لا عن نقص في المؤن؛ ولكنْ إعدادًا لظروفٍ ربما يتعرَّض لها الجندي في ساحات النزال ومواقع القتال.

 

والعَلاقة بين الصيام والجهاد والإعداد العسكري عَلاقةٌ وطيدةٌ؛ فقد فُرِضَا في سنة واحدة، وفُرضَا في كتاب الله بصيغة واحدة؛ قال - تعالى -: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، وقال – عزَّ وجلَّ -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾ [البقرة: 183]، وفَرَض الله شهرَ رمضانَ، وفيه كانت معاركُ الإسلام الفاصلة؛ ففيه كان يومُ بدر يومُ الفرقان، وفتحُ مكة، ومعركةُ حطين، وعينُ جالوت، وغيرُها من معارك الإسلام الفاصلة.

 

وقد وطَّد النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذه العَلاقةَ بإشارة واضحةٍ جلية عندما قال: ((خيرُ الصيام صيامُ داودَ، كان يصومُ يومًا ويُفطِرُ يومًا، ولا يَفِرُّ إذا لاقى)).

 

نعم، إن الصيام مقدمةُ الثبات في المعارك ومواقعِ النزال، ومُعتركِ الحياة وشؤونها؛ لأنه إعلانٌ لانتصار النفس على شهواتها، وذلك الانتصار على النفس هو المقدمة الكبرى للانتصار في مواقع النزال والقتال وميادين صراع الحياة وجهادها، لا ينتصر هناك من لم ينتصر هنا.

 

ومن الجوانب الإعدادية في مدرسة الصيام:

1- أن الصيام وسيلةٌ للوقاية من كثير من الأمراض، وسببٌ للشفاء من كثير منها - بإذن الله - فيُحقِّق بذلك للمسلم اللِّياقةَ البدنية، والصحةَ النفسية، والصحةَ البدنية، والتوازن النفسي من أهمِّ ما يحتاجُه المسلمُ في مَيدان جهاده في معترك الحياة وساحات الوَغَى؛ لذا فإن الدول تسعى للرفع من لياقة حُرَّاس أمْنِها والحامين لأرضها، والمسلم هو الجنديُّ الذي يحمي الديارَ، ويَذُودُ عن الدين والأوطان والقيم الرفيعة، رجلاً كان أو امرأةً، والصيام يُعِدُّه لذلك إعدادًا بدنيًّا، ونفسيًّا، وروحيًّا، لن ترى له مثيلاً في طُرُق الإعداد وسُبُلِها المختلفة.

 

وقد أشار النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى هذه العَلاقة عندما قال: ((مِن خير الناس رجلٌ مُمْسك بعِنَان فرسِه، كلمَّا سمع هَيْعَةً [هي الصَّيْحة التي يُفزَع منها] طار لها ....))، فالتعبير بـ ((طار لها)) مُوحٍ بخفَّةٍ في الجسم، ولياقة تناسب هذا اللفظ ودلالته.

 

2- وفي رمضان تَقوَى عَلاقة المسلم بالقرآن؛ ((مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))، فيتأمَّل آياتِ الجهاد بكلِّ أنواعه، وما أعدَّ الله لأهله فيسهُلُ عليه من ذلك ما صَعُب؛ لما يرجو من عظيم الأجر عند الله - سبحانه وتعالى - ويسمع من آيات القرآن ما يربط على فؤاده، ويُكسبُه الشجاعة التي لا يُهزم صاحبُها؛ فالموت مقدَّر لا محالة؛ ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [آل عمران: 185]، ولا يؤخِّره قعود في قصر مشيَّد، ولا تُعجِّلُه ساحات القتال والنزال؛ ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾ [النساء: 78]، ومَن كُتب عليه مصرعٌ صُرع فيه لا محالة؛ ﴿ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [آل عمران: 154]، فعلامَ الخوف والجبنُ والنكوص؟!

 

3- وفي رمضان تقوى درجةُ التقوى، ومنزلة المراقبة في حسِّ المؤمن؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، والصوم لا يكون إلا لله؛ لأنه من العبادات التي لا يكاد يُرَاءَى بها، ولهذا أعظم الأجر لصاحبه؛ فقال في الحديث القدسي: ((كلُّ عمل ابنِ آدم له إلا الصومَ، فإنه لي وأنا أجزي به))، ومَن قوي لديه جانب التقوى وعظُمتْ منزلة المراقبة في ضميره، كان الحارس الأمين للدين والأوطان، ولن يُؤتى المسلمون من قِبله، قد يجد غِرَّة ينجو بها، وعذرًا يتخلص به لدى كبير من الكبراء، لكنه يعلم في قرارة نفسه أنَّ الله مطَّلع عليه، فلا يرتكبُ ما يُوجب اعتذارًا، وإن فرَّ جبانًا مدعيًا أنه متحرِّفٌ لقتال أو متحيزٌ لفئة، ثَبَتَ هو كالطود، ولم يتزحزحْ إلاَّ إذا كان متحرِّفًا لقتال، أو متحيزًا إلى فئة صدقًا؛ لعلمه بأن التولي كبيرة؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [الأنفال: 16]، وهو إنما خرج ابتغاءَ مرضاة ربه، ورجاءَ ثوابه وجنته، وفرارًا من غضبه وسخطه.

 

إلى غير ذلك من الفوائد التي جعلها الله - سبحانه وتعالى - في هذه العبادة العظيمة، وغيرها من العبادات التي لم يأمر الله بها إلا لمصالحَ ينالُها المأمور بها في الدنيا والآخرة، ومن هنا يُدرك المؤمنُ قيمة الامتنان عليه بالهداية والأمر والنهي؛ فلم يؤمر إلا بما ينفعه في الدنيا والآخرة، ولم يُنْهَ إلا عما يَضرُّه في الدنيا والآخرة، علم ذلك من علمه وجهله من جهله.

 

وهكذا يكون رمضان بهذا المعنى مدرسةَ إعدادٍ للأمة في كلِّ مجالات الحياة، فاللَّهمَّ لك الحمد على أن شرَّعت لنا هذا الدين، الذي جمعتَ لنا فيه بين خيري الدنيا والآخرة، وجعلتَنا به خيرَ أمة أُخرجت للناس، والحمد لله الذي هدانا للإيمان؛ ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الحجرات: 17]، فاللِّهمِّ لك الحمد والمنَّة على ما أنعمتَ علينا به من اتباع هذا الدين، وهديتَنا للإسلام، وجعلتنا من أمة خير الأنام محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • شرح كتاب الصيام من الشرح الممتع على "زاد المستنقع" (1)
  • شرح كتاب الصيام من الشرح الممتع على "زاد المستقنع" (2)
  • شرح كتاب الصيام من الشرح الممتع على "زاد المستقنع" (3)
  • شرح كتاب الصيام من الشرح الممتع على "زاد المستقنع" (4)
  • شرح كتاب الصيام من الشرح الممتع على "زاد المستنقع" (5)
  • شهر الصيام
  • صحتك في شهر الصيام
  • الصيامُ عبادةٌ وصِحّة
  • حقيقة الصيام
  • بعض فوائد الصيام
  • شهر الصيام
  • الصيام وآثاره في الفرد والمجتمع
  • رمضان وأحكام الصيام
  • حقيقة الصيام وحكمه
  • الصوم وصحة الجهاز الهضمي
  • دعوة الصائم لا ترد
  • من أهداف الصيام
  • منافع الأحجار
  • منافع الصوم

مختارات من الشبكة

  • منافع الحج ومقاصده (3) الإصلاح والتزكية - زيادة الإيمان - تحقيق الرابطة الإسلامية (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • منافع الحج ومقاصده (2) الذكر والدعاء - التعارف والتعاون والمساواة (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • منافع الحج ومقاصده (1) الإخلاص - التقوى (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • درس وعظي: منافع الحج الدينية والدنيوية(مقالة - ملفات خاصة)
  • الدرس السابع عشر: منافع ذكر الموت(مقالة - ملفات خاصة)
  • منافع الحج والعمرة في الآخرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منافع الحج في الدنيا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المنفعة في الإسلام: حيث وجد شرع الله ودينه فثمة المنفعة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منافع العبادات وأسرارها (فوائد من مصنفات السعدي)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • السفر: منافع وآداب وأحكام(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب