• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

من هم الخوارج؟

تقوى راشد مطاوع

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/5/2014 ميلادي - 25/7/1435 هجري

الزيارات: 431284

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من هم الخوارج؟


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

 

أما بعد:

فيقول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].

 

هذا، والإنسان من طبيعته التقصير والنقص والسهو، فاللهم اجبر كسرنا، وتجاوز عن تقصيرنا، واجعل هذا العمل خالصًا لوجهك الكريم.

 

وإن كنتُ أعلم جيدًا أن هذا عمل أقلُّ من المتواضع، وأعلم أنني أقلُّ من أن أبحث في كتاب الله - عز وجل - عن مسألةٍ ما، أو أُخرِج حكمًا من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أقول كما قال الشافعي:

تعلَّمْ فليس المرءُ يُولَد عالِمًا
وليس أخو علمٍ كمَنْ هو جاهلُ

 

ولعل كلمةً لا تساوي في كلامِ الخلق شيئًا، يهتدي بها إلى الحقِّ رجلٌ مسلم، أو لعلها تشفع لي يوم القيامة، فالله - عز وجل - كريمٌ يَمُنُّ بفضله على مَن يشاء من عباده، وهو الذي يزِنُ العمل ويُقدِّره سبحانه وتعالى، يقول - عز وجل -: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7]، ويقول - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47]، والتشبُّه بالعلماء والصالحين فخرٌ، وإن لم أكن منهم، ولكن حب أهل الفضل فضلٌ، وأقول كما قال الإمام الشافعي - مع أن الفرق بيننا يصل إلى ما بين السماء والأرض -:

أحبُّ الصالحين ولستُ منهم
لعلِّي أن أنالَ بهم شفاعَهْ
وأكرَهُ مَن تجارتُه المعاصي
ولو كنا سواء في البضاعَهْ

 

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لزوالُ الدنيا جميعًا أهون على الله من دم يسفك بغير حق))[1].

 

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال المؤمن في فسحةٍ من دينه ما لم يُصِب دمًا حرامًا))[2].

 

وإياك ثم إياك أن تظنَّ أنك في فسحة من دينك؛ لأن يدَك لم تتلوَّث بدماء المسلمين فحسب، فكيف بك وقد فرِحتَ بنهرِ الدماء الطاهر الزَّكي، وهو يجري ويتدفَّق على الأرض، وما زلتَ تبتسمُ، بل وترضى وتُبرِّر، وما تأسَّفتَ على الدماء الزكية، وما تهدَّدت بوعيد الله عز وجل، بل رضِيتَ بالقتل، وساعدتَ القاتل ولو بالرضا عما فعل، وتخلَّيتَ عن إخوانك في محنة لم نرَ مثلها قط في زمننا المعاصر، ورضيتَ بأن تكونَ في صف أعداء الله عز وجل، وتخلَّيتَ عن أبناء دينك، وقد أمرك اللهُ تعالى بخلاف ذلك؟!

 

واعلَمْ أن الله عز وجل قال - وقوله الحق -: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [البقرة: 120]، فما سألتَ نفسك: ما بالُهم رَاضُون بي؟!

 

وأسوق إليك قول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ﴾ [التوبة: 10]، ويقول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ﴾ [النساء: 89].

 

فحكِّم عقلَك وقبلَه دينَك:

واحفَظْ لسانك أيها الإنسانُ
لا يلدغنَّك إنه ثعبانُ
كم في المقابر مِن قتيلِ لسانِه
كانت تهابُ لقاءَه الأقرانُ

 

وهأنا أبدأ كلامي بهذه الكلمةِ التي تردَّدت على لسان كثير من الناس، وهي كلمة خطيرة، لعل بعض الناس يقولها بغير علم، والله - تبارك وتعالى - يقول: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: 36].

 

هذه الكلمة هي كلمة (الخوارج)، التي أصبحنا نسمعُها من الخاصة والعامة، وكثيرٌ من الناس يُردِّدها ولا يدري معناها، ولعلها لم تكن في كلام العامة قبل اليوم، وقد أصبح الكثير يتَّهِمُ بها فئةً من الناس ليست على هواه، دون علم ولا دراية، ولا دليل يقطع أن هؤلاء القوم يتصفون بهذه الصفات المَشِينة، حتى وإن قالها أحدٌ ممن يتصفون بالعلم، وقد اختلف معه كثيرون من أهل العلم الآخرين، فهل نجري وراء كل قائل، ونسمع كلام كل ناعق دون تدبر ولا بحث، ولا دليل يدلنا على الحق؟!

 

فأين هي عقولنا إذًا؟!

ولِمَ خلقها الله لنا؟!

﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 2]، نعم فاعتبروا، وتدبروا، وابحثوا.

 

وبالطبع لا أقصد هنا أي مسألة قد أجمع فيها العلماء، أو ورَد فيها نص صريح ودليل قاطع لا يحتمل التأويل، فإجماع المسلمين قد ورد فيه ما ورد من الأحاديث وكلام أهل العلم بما لا يدع مجالاً للشك في وجوب الأخذ به، وليس هذا محل ذكره.

 

الخوارج

لنُخرِج من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كلام أهل العلم المعتبرين القدامى، ومصطلحاتهم الفقهية - تعريف الخوارج، وما هي صفتهم؟ ومَن أطلق هذا الاسم؟ وعلى مَن أطلق؟ وما هي أقوال أهل العلم فيهم؟ وهل ذُكِرت فيهم أحاديث؟ وما هي الأحاديث التي ذُكِرت فيهم؟ ولماذا سُمِّيت هذه الطائفة بهذا الاسم؟

 

لعلنا نتناول إجابات مختصرة لهذه الأسئلة الواردة، فالله المستعان، وهو الموفِّق سبحانه.

 

التعريف بكلمة الخوارج:

• الخوارج، ومفردها خارجيٌّ، نسبة لكلمة (خروج).

 

والخوارج هم الخارجون على إمام زمانهم، وأيضًا هم طائفةٌ خرجت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بعد معركة صِفِّين، بعد التحكيم الذي حصل في القصة المشهورة[3].

 

• وفي المعجم الوسيط: "فرقة من الفرق الإسلامية خرجوا على الإمام علي، وخالفوا رأيه، ويطلق على مَن خرج على الخلفاء ونحوهم"[4].

 

وقد عرَّف أهل العلم الخوارج بتعريفات عدَّة، كلها تدور حول مصطلح الخروج على علي رضي الله عنه، أو الخروج على أحد الخلفاء ونحوهم.

 

• وقد عرَّف الشهرستاني في الملل والنِّحل الخوارج بتعريف عام؛ حيث قال: "كلُّ مَن خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يُسمَّى خارجيًّا"[5].

 

• وقد عرَّفهم ابن حجر العسقلاني بقوله: "الخوارج الذين أنكروا على علي التحكيم، وتبرؤوا منه ومن عثمان وذريته، وقاتَلوهم"[6].

 

• وقال ابن حزم: "ومَن وافق الخوارج من إنكار التحكيم، وتكفير أصحاب الكبائر، والقول بالخروج على أئمة الجَوْر، وأن أصحاب الكبائر مخلَّدون في النار، وأن الإمامة جائزة في غير قريش، فهو خارجي وإن خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون، وإن خالفهم فيما ذكرنا، فليس خارجيًّا[7].

 

• وقد ذكر أهل العلم تعريفاتٍ كثيرةً جدًّا للخوارج، ليس هنا محل ذكرها[8].

 

أسماؤهم، ولماذا سُمُّوا بها؟

سُمِّيت هذه الفرقة الضالة بالخوارج؛ لخروجهم على الإمام علي رضي الله عنه بعد قصة التحكيم المشهورة[9].

 

ومن أسمائهم:

1- الحَرُورية:

لنزولهم في منطقة تُسمَّى "حَرُوراء"، بعد انفصالهم عن جيش علي رضي الله عنه أثناء عودته من صِفِّين إلى الكوفة.

 

2- الشُّراة:

لقولهم: شَرَيْنا أنفسنا في طاعة الله؛ أي: بِعْناها بالجنة.

 

3- المُحكِّمة:

لإنكارهم التحكيم والحكمينِ "في قصة التحكيم".

 

4- المارقة:

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يمرُقون من الدين كما يمرُقُ السهم من الرمية)).

 

نشأة الخوارج والأحاديث التي وردت فيهم:

يقول الدكتور علي محمد محمد الصلابي: "من أهل العلم مَن يُرجِعُ بداية نشأة الخوارج إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ويجعل أولَ الخوارج ذا الخُوَيْصرة الذي اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم"؛ اهـ[10].

 

ولتوثيقِ ما ذكر الدكتور الصلابي نجد هذه القصة قد رواها البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "بعث عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذُهَيْبة في أديم مقروظ، لم تُحصَّل من ترابها، قال فقسَمها بين أربعة نفر: بين عُيَيْنة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرابع إما علقمة، وإما عامر بن الطفيل، فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحقَّ بهذا من هؤلاء، فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: ((ألا تأمنوني وأنا أمين مَن في السماء، يأتيني خبرُ السماء صباحًا ومساءً؟!))، قال: فقام رجل غائرُ العينَيْن، مشرف الوَجْنَتين، ناشر الجبهة، كثُّ اللِّحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا رسول الله، اتَّقِ الله، قال: ((ويلك، أَوَلستُ أحقَّ أهل الأرض أن يتقي الله؟))، قال: ثم ولَّى الرجل، وقال خالد بن الوليد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال: ((لا، لعله أن يكون يُصلِّي))، فقال خالد: وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني لم أؤمر أن أُنقِّب قلوب الناس، ولا أشق بطونهم))، قال: ثم نظر إليه وهو مُقَفٍّ، فقال: ((إنه يخرج من ضئضئ هذا قومٌ يتلون كتاب الله رطبًا لا يُجاوِزُ حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية))، وأظنه قال: ((لئن أدركتُهم لأقتلنَّهم قتل ثمود))[11].

 

وفي رواية مسلم أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، اعدِلْ، فقال: ((ويلك ومَن يعدل إذا لم أعدل؟! قد خبتَ وخسرتَ إن لم أكن أعدل))، فقال عمر: يا رسول الله، ائذن لي فيه، فأضرب عنقه[12].

 

قال ابن حجر في فتح الباري:

"وهذا الرجل هو ذو الخُوَيصِرة التَّميمي، وعند أبي داود اسمه نافع، ورجَّحه السهيلي، وقيل: اسمه حُرْقُوص بن زُهَير السَّعدي"[13].

 

وفي رواية للبخاري أيضًا[14] عن أبي سعيد قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يقسم جاء عبدالله بن ذي الخُوَيْصِرة التميمي فقال: اعدِل يا رسول الله، فقال: ((ويلك، ومَن يعدل إذا لم أعدل؟))، قال عمر بن الخطاب[15]: دَعْني أضرب عنقه، قال: ((دعه، فإنه له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته وصيامه مع صلاته وصيامه، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)).

 

وعن يسير بن عمرو قال: "قلت لسهل بن حُنَيف: هل سمعتَ النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الخوارج شيئًا؟ قال: سمعتُه يقول - وأهوى بيدِه قِبَل العراق -: ((يخرج منه قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيَهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية))[16].

 

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن بعدي من أمتي - أو سيكون بعدي من أمتي - قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حَلاقيمَهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم يعودون فيه، هم شر الخلق والخَلِيقة))[17].

 

• هذا، والأحاديث الواردة في هذا الباب كثيرة، وقد أتينا بما فيه الكفاية؛ حتى يكون الكلام مختصرًا ومفيدًا، يستأنس القارئ بالأحاديث الصحيحة، ولا يمل من الإطالة.

 

• ومن هذه الأحاديث يتبيَّن لنا ضلال هذه الفِرْقة، وما هي الصفات القبيحة والمَشِينة التي اتَّصفت بها تلك الفرقة المارقة عن الإسلام.

 

• ومن صفاتهم القبيحة التي كانت ذمًّا لهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنهم حُرِموا من معرفة الحق والاهتداء إليه[18]، فقد روى مسلمٌ في صحيحِه من حديث سهل بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يتيهُ قومٌ قِبَل المشرق مُحلَّقة رؤوسهم))[19].

 

قال النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم: ((يَتِيهُ قومٌ قِبَل المشرق))؛ أي: يذهبون عن الصواب وعن طريق الحق"؛ اهـ[20].

 

ومن الصفات المذمومة التي اتصفوا بها: "قتالهم أهل الإسلام"، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري: ((يقتلون أهل الإسلام، ويَدَعُون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية))[21].

 

فيا له من ورعٍ كاذب، وإيمان زائف؛ إذ كيف يستبيحون أن يسلُّوا سيوفَهم على أهل الإسلام، بل أطهر المسلمين، وهم الصحابة، كما سنرى في الصفحات القادمة، ويتركون قتال الكفار؟!

 

• كيف بدأت الخوارج بالظهور كفِرْقة لها أيدلوجيات، وصفات، وأماكن، ومناهج محددة؟

بدأ انفصال هذه الفِرْقة عن المسلمين بعد رجوع علي رضي الله عنه من الكوفة بعد (صِفِّين)[22].

 

انفصال الخوارج عن جماعة المسلمين:

انفصلت الخوارجُ عن جماعة المسلمين أثناء عودة أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه من صفِّين إلى الكوفة[23].

 

وقد اختُلِف في العدد الذي انفصل عن جيش أمير المؤمنين رضي الله عنه، ليُكوِّن مجموعةً بعد ذلك تُدعَى الخوارج، لهم صفاتٌ ومناهجُ وفكرٌ مختلفٌ ومُناهِض لهذا الفكر الذي كانت عليه الأمة منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم ومرورًا بخلافة الراشدينِ أبي بكر وعمر، اختُلِف في عدد هؤلاء الخوارج فقيل بأنهم كانوا ثمانية آلاف، وقيل كانوا اثنَي عشر ألفًا، وقيل بأنهم أربعة آلاف[24].

 

وكان انفصالُ تلك الفِرْقة عن جماعة المسلمين قبل وصول عليٍّ رضي الله عنه بجيشه إلى الكوفة بمراحل، مما هال أصحابَ عليٍّ رضي الله عنه وأقلقهم، أما بقية الجيش، فكان تحت إمرة علي رضي الله عنه، ومما أقلق أميرَ المؤمنين وهاله من أمر الخوارج بعد رجوعه إلى الكوفة بجيشه، أنه بلغه عنهم إصرارُهم على الانفصالِ والفتنة، وتعيينهم أميرًا للصلاة، وأميرًا للقتال، وبقولهم: إن البيعة لله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا يعني إصرارَ هذه الفِرْقة على انفصالهم عن جماعة المسلمين، وقد حرَص أمير المؤمنين عليٌّ رضي الله عنه على إقناعهم وإرجاعهم إلى جماعة المسلمين؛ حتى لا تكون فتنةٌ وتفرُّقٌ.

 

مناظرة رائعة من حبر الأمة (ابن عباس) رضي الله عنهما:

ومن حرصِ أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه على عدم التفرُّق بين جماعة المسلمين، وحفاظه رضي الله عنه على الدماء، لِمَا فيها من حرمة عظيمة في الإسلام، فقد أرسل إليهم ابنَ عباس رضي الله عنهما لمناظرتِهم، وقد كان هذا الاختيارُ ينمُّ عن فطنة وذكاء أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، فعبدالله بن عباس هو مَن هو، فهو حبر الأمة، وترجمان القرآن، والقوم كانوا يستدلون بآيات الله ويتناولون القرآن، فهذا هو ترجمان القرآن يناظرهم.

 

فلننظر ماذا جرى؟

يقول ابن عباس رضي الله عنه: "فخرجت إليهم ولبست أحسنَ ما يكون من حلل اليمن، وترجَّلت ودخلت عليهم في دارٍ نصف النهار - وكان ابن عباس رجلاً جميلاً جهيرًا - فقالوا: مرحبًا بك يا بن عباس، ما هذه الحُلَّة؟

 

قال: ما تعيبون عليَّ؟ لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل، ونزلت: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾ [الأعراف: 32].

 

قالوا: فما جاء بك؟

قال: قد أتيتُكم من عند صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، من عند ابن عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم وصهرِه، وعليهم نزل القرآن، فهم أعلم بتأويله منكم، وليس فيكم منهم أحد؛ لأبلغكم ما يقولون، وأبلغهم ما تقولون.

فانحنى لي نفر منهم.

قلت: هاتوا ما نقمتُم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه.

قالوا: ثلاث.

قلت: ما هن؟

 

قالوا: أما إحداهن: فإنه حكَّم الرجال في أمر الله، وقد قال الله: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ﴾ [الأنعام: 57]، فما شأن الرجال والحكم؟

قلت: هذه واحدة.

 

وأما الثانية، فإنه قاتل ولم يَسْبِ ولم يغنَمْ، فإن كانوا كفارًا لقد حل سبيُهم، ولئن كانوا مؤمنين ما حل سبيُهم ولا قتلهم.

 

قلت: هذه اثنتان، فما الثالثة؟

قالوا: محا نفسَه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين، فهو أمير الكافرين.

 

قلت: هل عندكم شيء غير هذا؟

قالوا: حسبنا هذا.

 

قلت لهم: أرأيتُكم إن قرأتُ عليكم من كتاب الله جل ثناؤه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يرد قولَكم، أترجعون؟

قالوا: نعم.

 

قلت: أما قولكم: حكَّم الرجال في أمر الله، فإني أقرأ عليكم من كتاب الله أن قد صيَّر الله حكمَه إلى الرجال في ثُمُن رُبُع درهم، فأمر الله - تبارك وتعالى - أن يحكموا فيه، أرأيتم قول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ [المائدة: 95]، وكان من حكم الرجال، أنشدكم بالله أفحُكم الرجال في صلاح ذات البَيْن وحقن دمائهم أفضل، أو في أرنب؟

 

قالوا: بلى، بل هذا أفضل.

 

وفي المرأة وزوجها: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 35]، فأنشدكم بالله، حكم الرجال في صلاح ذات بَيْنهم وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بُضْع المرأة؟!

 

خرجت من هذه؟

قالوا: نعم.

 

قلت: وأما قولكم: قاتل ولم يسبِ ولم يغنَم، أفتسْبُون أمَّكم عائشة، تستحلُّون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم؟

 

فإن قلتم: إنا نستحلُّ منها ما نستحلُّ من غيرِها، فقد كفرتم، وإن قلتم: ليست بأمِّنا فقد كفرتم، والله - عز وجل - يقول: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب: 6]، فأنتم بين ضلالتين، فأتوا منها بمخرج، أفخرجتُ من هذه؟

قالوا: نعم.

 

وأما محا نفسَه من أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بما ترضون، إن نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية صالح المشركين، فقال لعليٍّ: ((اكتُبْ يا علي: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله))، قالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((امحُ يا علي، اللهم إنك تعلم إني رسول الله، امح يا علي، واكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله))، والله لرسولُ الله خيرٌ من علي، وقد محا نفسه، ولم يكن محوه نفسه ذلك محاه من النبوة.

 

أخرجتُ من هذه؟

قالوا: نعم.

 

فرجع منهم ألفان، وخرج سائرهم، فقاتَلوا على ضلالتهم، فقتلهم المهاجرون والأنصار"[25].

 

لمحة رائعة من مناظرة حبر الأمة:

يقول ابن عباس: "وليس فيكم منهم أحد".

 

أي: ليس في الخوارج أحدٌ من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه لمحة جميلة وقوية من ابن عباس.

 

يقول الدكتور الصلابي في كتابه أسمى المطالب:

"هذا نصٌّ صريح من ابن عباس في كون الخوارج لا يوجد فيهم أحد ٌمن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يعترض عليه أحدٌ من الخوارج، والرواية صحيحة وثابتة"[26].

 

لم يكتفِ أمير المؤمنين عليٌّ رضي الله عنه بهذه المناظرة الرائعة من ابن عباس، بل ذهب هو بنفسه رضي الله عنه، وكلَّمهم، فرجعوا ودخلوا الكوفة، ولكنهم فهِموا من هذا أن أمير المؤمنين قد رجع عن التحكيم، فلما علِم بذلك علي رضي الله عنه وأنه قد أشيع بين الناس أنه قد رجع لهم عن الكفر، خطب عليٌّ رضي الله عنه يوم الجمعة وبيَّن لهم، وحدث هرج ومرج في نواحي المسجد، وقاموا وتحدثوا بألاَّ حكم إلا لله، ورد عليهم أمير المؤمنين، ومن ثَمَّ قد أعلن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه موقفه تجاه هذه المجموعة، التي كان حريصًا رضي الله عنه على إرجاعهم إلى جماعة المسلمين، فقال لهم:

"إن لكم عندنا ثلاثة:

• لا نمنعكم صلاة في هذا المسجد.

• ولا نمنعكم نصيبكم من هذا الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا.

• ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا".

 

وبهذا يتبيَّن لنا أن أمير المؤمنين قد جعل لهم حقًّا، ومقابل ذلك جعل عليهم واجبات مع احتفاظهم بتكفيرهم الخاص، بعيدًا عن أي تصوُّر يخص العقيدة الإسلامية، وعن خروجهم عن المسلمين، وحملهم السلاح لمقاتلة المسلمين، ولعل هذا كان رحمةً منه رضي الله عنه؛ لكيلا يحملَ المسلمون سلاحهم ليقتل بعضهم بعضًا، وهذا كان ديدن أمير المؤمنين رضي الله عنه.

 

يقول الدكتور الصلابي:

"ولم يزجَّ أمير المؤمنين بالخوارج في السجون، أو يُسلِّط عليهم الجواسيس، ولم يحجر على حريَّاتِهم، ولكنه رضي الله عنه حرَص على إيضاح الحُجَّة، وإظهار الحق لهم ولغيرهم ممن قد ينخدع بآرائهم"؛ اهـ[27].

 

الانفصال الفعلي:

أيقن الخوارجُ أن أمير المؤمنين عليًّا رضي الله عنه عازم على أمره ومنفِّذه، لِأَن يبعثَ أبا موسى الأشعريَّ حكمًا أيضًا بالعهد الذي أخذه على نفسه، منفذًا لقول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ﴾ [النحل: 91].

 

فقرر الخوارج الانفصال الفعلي عن جماعة المسلمين، وتعيين أميرًا لهم، وهو "عبدالله بن واهب الراسبي"، وتأوَّلوا القرآن، وخرَجوا من بين أظهر المسلمين، وبعثوا إلى كلِّ مَن هو على شاكلتهم واعتقادهم؛ ليحثُّوهم على الخروج معهم، واجتمع الجميع بمنطقة تسمى "النهروان".

 

وقد بعث إليهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أكثر من مرَّة لإرجاعهم إلى الجماعة، خصوصًا بعد تفرُّق الحكمين[28]، فأبوا أن يرجعوا حتى يشهد عليٌّ رضي الله عنه على نفسِه بالكفر ويتوب!

 

قال الحافظ ابن كثير:

"وهذا الضربُ من الناس من أغرب أشكال بني آدم، فسبحان من نوَّع خلقه كما أراد وسبق في قدره العظيم، وما أحسن ما قال بعض السلف في الخوارج: إنهم المذكورون في قوله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾ [الكهف: 103]"[29].

 

نقض الشروط وسفك الدماء:

قد علِمنا أن أمير المؤمنين عليًّا رضي الله عنه قد أخذ على الخوارج شروطًا ثلاثة، إذا أوفوا بها لم يقاتلهم، حفاظًا على حقن دماء المسلمين، وعدم التفرقة، ولكن الخوارج ارتكبوا كل المخالفات ولم يفوا بالعهد الذي أخذه عليهم أمير المؤمنين، بل كفَّروا مَن خالفهم، واستباحوا الدماء، ونقضوا العهود، وارتكبوا المحظورات، فذبحوا عبدالله بن خبَّاب بن الأرتِّ، ابن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشقوا بطن سُرِّيته!

 

وعندئذٍ بعث أمير المؤمنين إليهم أن يسلموا القتلة لإقامة الحدِّ عليهم، فأجابوه: "كلنا قتله"، فلم يتركوا بابًا إلا باب القتال، فذهب إليهم علي رضي الله عنه بجيش قد أعده لقتال أهل الشام، وعسكر على الضفة الغربية من نهر النهروان[30].

 

واستعدَّ للقتال وأمر الجيش ألا يبدؤوا بالقتال، وأرسل رسلَه يناشدهم الله ويأمرهم أن يرجعوا، فلم يستجيبوا، بل قتلوا رسله، واجتازوا النهر، فعندئذٍ استعدَّ أمير المؤمنين للقتال، وهيَّأ جيشه، وجعل لهم راية أمان يرفعها أبو أيُّوب الأنصاري لمن جاء منهم إليها فهو آمن، وقد أمَّن مَن انصرف إلى الكوفة منهم، وقد انصرف كثيرٌ منهم ولم يبقَ إلا أقل من ألفٍ، فأبوا إلا أن يقاتلوا أمير المؤمنين ومَن معه!

 

وكانت هذه المعركة قصيرةً وحاسمة، فلم تستغرق سوى عدة ساعات من اليوم، وكانت حاسمة في نتائجها، فلم يُقتَل من جيش علي رضي الله عنه سوى القليل، قال زيد بن وهب - وكان في جيش علي رضي الله عنه -: ما أصيب من الناس يومئذٍ إلا رجلان[31].

 

وقد ذُكِر غيرُ ذلك في بعض كتب السنن، وكلها لا تتعدَّى العشرة، أو الثلاثة عشر على اختلاف الروايات[32]، وأما في صفوف الخوارج، فقتلوا جميعًا، وقيل إنهم فرَّ منهم القليل، وحسمت المعركة وانتصر أمير المؤمنين وجيشه على هذه الفئة الباغية.

 

حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وبحث علي رضي الله عنه عن ذي الثُّدَيَّة:

• قد كان أمير المؤمنين حريصًا على البحث عن "ذي الثُّدَيَّة"، هذا الذي ورد وصفُه في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه علامة هؤلاء.

 

• وبعد مدة من البحث مرَّت على أمير المؤمنين عليٍّ وأصحابه، وجد أمير المؤمنين علي جماعةً مكومة بعضُها على بعض على شَفير النهر، قال: أخرجوهم، فإذا المُخْدَج تحتهم جميعًا مما يلي الأرض، فكبَّر عليٌّ، ثم قال: صدق الله، وبلَّغ رسوله، وسجد سجود الشكر، وكبَّر الناس حين رأَوْه واستبشَروا[33].

 

• وكان هذا استبشارًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم السابق ذكره، والمشهور بحديث ذي الخُوَيْصِرة، وقد جاء فيه: ((آيتُهم رجلٌ أسود، إحدى عَضُدَيْه مثل ثَدْي المرأة، ومثل البَضْعة تَدَرْدَرُ، ويخرجون على حين فُرْقةٍ من الناس))، قال أبو سعيد: فأشهَدُ أني سمعتُ هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن عليَّ بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل، فالتُمِس فأُتِي به حتى نظروا إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي نعته[34].

 

• انتهت المعركة، ودُفِع شرُّ الخوارج، ووُئِدت الفتنة، ولم يتبع أميرُ المؤمنين الذين فرُّوا، ولم يُمثِّل بقتيل، ولم يقتل جريحًا، ولم يسب نساءهم ولم يغنَمْ أموالهم ولا ذراريَّهم.

 

وهذا يدل على أن قتال أمير المؤمنين لهم لم يكن لمجرد القتال لذاته، بل كان لردِّهم عن طريق البغاة، وإرجاعهم لجماعة المسلمين، وكان ذلك ظاهرًا جليًّا في فعل أمير المؤمنين معهم.

 

يقول ابن قدامة: "ولأن قتال البغاة إنما هو لدفعهم وردهم إلى الحق لا لكفرِهم، فلا يستباح منهم إلا ما حصل لضرورة الدفع؛ كالصائل وقاطع الطريق، وبقي حكم المال والذرية على أصل العصمة"[35].

 

ويتبيَّن لنا من قول ابن قدامة أنهم ليسوا كفارًا، بل هم فِرْقة من المسلمين بغَوْا عليهم وتفرَّقوا، وفارقوا الجماعة.

 

وقد سُئِل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: أكفَّار هم؟ قال: من الكفر فرُّوا، فقيل: منافقون؟ قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً، قيل: فما هم؟

 

قال: قوم بغَوْا علينا فقاتلناهم.

وفي رواية: قوم بغوا علينا فنُصِرنا عليهم.

وفي رواية: قوم أصابتهم فتنة فعمُوا فيها وصمُّوا[36].

 

قلت: ولعل مما أباح قتالَهم وهم من المسلمين:

• أولاً الأحاديث التي وردت فيهم صريحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحثه على قتالهم.

 

• ولأنهم فارَقوا جماعة المسلمين، وبدَّلوا دينهم بأفعالهم الشنيعة التي فعلوها، وقتال الناس بغير حق، وهذا كله داعٍ إلى قتالهم.

 

وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: سألتُ أبي عن هذه الآية: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 103، 104]: أهم الحرورية؟

 

قال: لا، هم أهل الكتاب اليهود والنصارى؛ أما اليهود، فكذَّبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، وأما النصارى، فكفَروا بالجنة، وقالوا: ليس فيها طعام ولا شراب، ولكن الحرورية ﴿ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [البقرة: 27][37].

 

قلت: ولعلنا نخلصُ مما ذكر في هذا الموضوع من أحاديث، وأقوال مأثورة عن صحابة رسول الله، وما ورد عن سلفنا الصالح والعلماء: أن هذه الفِرْقة لها صفات قد وردت في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ظهرت من أفعالهم واعتقاداتهم المخالفة لمنهج النبوة، وما كان عليه الخلفاء الراشدون، ومنها:

أولاً: إنكارهم على النبي صلى الله عليه وسلم، وردُّهم ما يفعله، وعدم الرضا بما قسم النبي صلى الله عليه وسلم.

 

وهذا كان ظاهرًا في حديث ذي الخُوَيْصِرة لَمَّا أنكر على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: اعدل يا محمد، وما كان هذا ليكون من مؤمن أبدًا رضي بالله ربًّا ومحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً.

 

ثانيًا: تأويلهم القرآن بغير علم ولا ورود نص صريح يدل على تأويلهم الخاطئ.

 

ثالثًا: تكفيرهم لصاحب الكبيرة؛ فإنهم يُكفِّرون مرتكب الكبيرة، ويحكمون بخلوده في النار، وهذا مخالف للأدلة والنصوص الصريحة الصحيحة[38].

 

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:

"وكانت البدعُ الأولى؛ مثل بدعة الخوارج، إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضتَه، لكن فهِموا منه ما لم يدل عليه، فظنُّوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب؛ إذ كان المؤمنُ هو البرَّ التقي، قالوا: فمَن لم يكن برًّا تقيًّا، فهو كافر، وهو مُخلَّد في النار"[39].

 

رابعًا: ترويعهم للمسلمين، فقد عُرِف الخوارج بالشدة والغلظة، وهذا مخالف لقوله تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29].

 

خامسًا: استحلالهم لدماء المسلمين بغير حق، وقد ظهر هذا جليًّا في قتلهم "عبدالله بن خباب بن الأرتِّ"، ابن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بغير ذنب ولا جريرة، واستحلالهم دماء غيره لمجرد عدم موافقتهم في منهجهم، أو مخالفتهم في فكرهم.

 

سادسًا: ترويعهم الناس وقتالهم حتى للنساء.

قال ابن كثير: "فجعلوا يقتلون النساء والولدان، ويبقُرونَ بطون الحبالى، ويفعلون أفعالاً لم يفعلها غيرهم"[40].

 

سابعًا: تكفيرهم لبعض كبار الصحابة؛ مثل عثمان وعلي رضي الله عنهما.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

"ثم قالوا: وعثمان وعلي ومَن والاهما ليسوا بمؤمنين؛ لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله، فكانت بدعتهم لها مقدمتان:

الأولى: أن مَن خالف القرآن بعمل أو برأيٍ أخطأ فيه، فهو كافر.

الثانية: أن عثمان وعليًّا ومَن والاهما كانوا كذلك.

 

ولهذا يجب الاحتراز من تكفير المؤمنين بالذنوب والخطايا، فإنهما أولُ بدعة ظهرت في الإسلام"؛ اهـ[41].

 

ثامنًا: قولهم: إن الإمامة جائزةٌ في غير قريش، وبهذا القول قد خالفوا أحاديث رسول الله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحدٌ إلا أكبَّه الله في النار على وجهه ما أقاموا الدين))[42]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال هذا الأمر في قريشٍ ما بقي منهم اثنان))[43].

 

تاسعاً: إنكارهم التحكيم.

وهو ما حصل بين علي ومعاوية رضي الله عنهما من تحكيم.

 

ولابن حزم كلامٌ جميل في هذا الموضوع، يُبيِّن فيه أن الحكم على جماعة بالخروج، أو ما يسمى "بالخوارج"، يجبُ أن يكون بصفات معينة تجتمع فيها الصفات التي اتصفت بها الخوارج في عهد أمير المؤمنين، وما عدا ذلك فليس لأحد أن يحكم على جماعة بالخوارج من هوى نفسه أو بغير دليل.

 

يقول ابن حزم: "ومَن وافق الخوارج من إنكار التحكيم، وتكفير أصحاب الكبائر، والقول بالخروج على أئمة الجَوْر، وأن أصحاب الكبائر مخلدون في النار، وأن الإمامة جائزة في غير قريش، فهو خارجي وإن خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون، وإن خالفهم فيما ذكرنا، فليس خارجيًّا"[44].

 

خاتمة

فهذه هي أوراق معدودة، جمعت فيها ما استطعتُ جمعَه من الآيات والأحاديث، وما ورد من أقوال العلماء عن الخوارج، تلك الفِرْقة التي خرجت عن جماعة المسلمين، واتصفت بصفات معدودة خارجة عن تعاليم الدين القويم، ومنهاج النبوة المنير، وهَدْي الحبيب صلى الله عليه وسلم، ومُخالِفة لِمَا كان عليه الرَّعيل الأول من الخلفاء الراشدين والقرون الخيرة.

 

وأختم بما بدأتُ به من قول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: 36]، فليس لآحاد الناس أن يتكلَّم في الحكم على أشخاص بعينهم بالكفر أو الخروج عن الإسلام بأي طريقة كانت، فضلاً عن أن يستحلَّ دماء المسلمين بمجرد خلافه الفكري أو السياسي الدنيوي البحت معهم، فالدماء ليست لُعبةً يتلاعب بها أصحاب الأهواء.

 

وانظر أخي فيمَن حكمتَ عليهم، فإنهم سيُحاجُّونك يومَ القيامة، وانظر إلى عليٍّ رضي الله عنه وورعه، وكيف كان جيشُه ومَن كان فيه من صحابة رسول الله بحلمهم وورعهم وفقههم، وحملهم لكتاب الله - عز وجل - وحفظهم لحدوده، فشتان بين الثرى والثريَّا.

 

واعلم أخي أنه ليس لآحاد الناس أن يرفعَ سيفه على مسلم ليزهق نفسًا بدون حق وبدون علم ولا فقه ولا حكمٍ بما أنزل الله فيه.

 

فالحذرَ الحذرَ من الخوض في أعراض المسلمين ودمائهم، واتهامهم بما ليس فيهم، فإنك إن خضتَ في عِرْضِ أخيك اليوم واستحللتَ دمه، فلا تدري ولا تعلم مَن سيخوض في عِرْضك غدًا ويستحلُّ دمك، ومَن سينالُ منك ويتَّهِمك بما ليس فيك، ساعتها - وساعتها فقط - ستذوق كأسَ المرارة الذي قد أذقتَ منه إخوانك بالأمس كذبًا وزورًا!

 

فاللهَ اللهَ في دماء المسلمين.

 

واعلم أخي أنك واقف أمام ربك مسؤول عما قلت.

 

واعلم أن:

الدهر يومانِ ذا أمن وذا خطر
والعيش عيشانِ ذا صفو وذا كدر
أمَا ترى البحرَ تعلو فوقَه الجِيَف
وتستقرُّ بأقصى قاعه الدُّرَر
وفي السماءِ نجومٌ لا عدادَ لها
وليس يكسف إلا الشمس والقمرُ

♦ ♦ ♦


هذا، وما كان من توفيق فمن الله - عز وجل - وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان، فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء.

 

تم في شهر ربيع الأول عام 1435، من هجرة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم الساعة.

 

"معذرة إلى ربي ولعلهم يرجعون"

والحمد لله وكفى

وسلام على عباده الذين اصطفى



[1] رواه البيهقي في شعب الإيمان (4960)، وفيه ضعف.

[2] رواه البخاري.

[3] وسنذكر القصة للتوضيح فيما بعد إن شاء الله.

[4] المعجم الوسيط مادة ( خ ر ج).

[5] كتاب الملل والنحل؛ للشهرستاني 1/113.

[6] فتح الباري؛ لابن حجر (1/ 459).

[7] الفصل في الملل والأهواء والنحل 2/113.

[8] لأنني أردتُ أن يكون هذا البحث مختصرًا يقرؤه العامة والخاصة، من غير ملل بكثرة التعريفات، ومَن أراد الرجوع إلى أقوال أهل العلم والكثير من التعريفات، فلينظر مثلاً:

1- قول أبي الحسن الأشعري في "مقالات الإسلاميين".

2- تعريف الشهرستاني للخوارج في "الملل والنحل".

3- كلام أبي الحسن الملطي في "التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع"، وغيرهم.

[9] وسيأتي - إن شاء الله - المراد بالتحكيم، وما هي قصة التحكيم في الصفحات القادمة.

[10] أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه 2/ 714.

[11] رواه البخاري (3610).

[12] رواه مسلم (142) (1063).

[13] فتح الباري بشرح صحيح البخاري 8/69.

[14] البخاري (6933).

[15] وهذا لا يتعارض مع الحديث الآخر الذي كان القائل فيه خالد بن الوليد؛ لاحتمال أن يكون كل منهما سأل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.

[16] رواه البخاري (6934).

[17] مسلم (158) (1067).

[18] عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام 3/1184.

[19] مسلم (160) (1068).

[20] شرح النووي على مسلم 7/175.

[21]البخاري (3344)، ومسلم (143) (1064)

[22] وهي معركة دارت بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجيشه من ناحية، وبين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما والمطالبين بدم عثمان من ناحية أخرى، ورضي الله عنهم جميعًا.

[23] وكان معاوية رضي الله عنه إذ ذاك واليًا على الشام في عهد عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما، وقد امتنع معاوية وأهل الشام عن بيعة أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه حتى يقتصَّ عليٌّ رضي الله عنه من قَتَلة عثمان، وكان معاوية رضي الله عنه يرى أن عليه أن يثأر لدم عثمان، ويطالب بدمه؛ فهو ولي دمه، والله - عز وجل - يقول: ﴿ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ [الإسراء: 33].

وكان عليٌّ رضي الله عنه له رأيٌ آخر، ليس عدم القِصاص لعثمان رضي الله عنه، ولكن تأخير ذلك.

أما أهل الشام، فقد جاءهم خبر مقتل عثمان، وقد بُعِث إليهم بقميصه وهو مضرج بالدم، ومعه أصابع نائلة زوج عثمان، والتي قُطِعت وهي تدافع عنه بيدها، وكانت الصورة التي نقلت عن قتلة عثمان بشعةً للغاية، فقد قُتِل الخليفة، وسُلِّطت السيوف على رقاب الناس، وأصابع نائلةَ مقطوعة، وبيت المال منتهك، فكان الإصرار على الأخذ بالثأر لعثمان وتسليم القتلة للقصاص، ومن غير ذلك لم تتمَّ البيعة لعلي رضي الله عنه.

وباختصارٍ شديد بعد نشوب القتال وقد دارت رحى الحرب بين الجيشين - جيش معاوية في الشام، وجيش علي في العراق - وكان ذلك في صفِّين أسفل الفرات من الشمال الشرقي من دمشق، ودارت المعركة عدة أيام - رُفِعت المصاحف، وتدخل أولو النُّهى والمبصرون بحال الأمة، وما يمكن أن يحل بها بعد قتال شرسٍ وعنيف، وكان حقن الدماء ووقف القتال ضرورةً قصوى وأمرًا ما ينبغي أن يُفعَل غيره، فكانت (قضية التحكيم) إلى كتاب الله - عز وجل - والرضا بحكمينِ، وأن يُحكِّم كل واحد منهما رجلاً من جهته، ثم يتفق هذان الحكمان على ما فيه المصلحة للمسلمين؛ فوكل معاوية رضي الله عنه الأمر إلى عمرو بن العاص، ووكل عليٌّ رضي الله عنه الأمر إلى أبي موسى الأشعري، وبالطبع لم يكن ذلك على هوى قتلةِ عثمان، الذين كانوا في جيش علي رضي الله عنه، وقد حاولوا أن تستمر المعركة بين الجيشين، وكانوا حريصين على ذلك؛ ليكونوا في منأى عن القِصاص؛ لذلك حاولوا أن يَثنوا أمير المؤمنين عن رأيه، ولكنهم فشِلوا، فما كان لهم إلا أن قالوا: "لا حكم إلا لله"، "والحكم لله"، ثم كفَّروا بها بعد ذلك أميرَ المؤمنين عليًّا رضي الله عنه ومَن معه، وخرَجوا عليهم في أثناء عودتهم من الكوفة بعد هذه المعركة.

• تنبيه هام: ما كنتُ أريد أن أخوضَ في هذا التفصيل، ولكني أردتُ ألا يكون في هذه الورقات كلماتٌ مبهمة، لا يدري القارئ ما معناها؛ مثل: الحكمين، أو قضية التحكيم، وما هي معركة صِفِّين، وقد أردت أن يكون فيها الإفادة مع الاختصار قدر المستطاع، وعدم الخوض في هذه الفتن، وأُحذِّر أخواني بشأن هذه التفصيلات، فقد دخل عليها الكثير من الأكاذيب من الشيعة الروافض، مما لا يصح نسبته للصحابة الكرام، ولا يليق بهم رضوان الله عليهم جميعًا، فالحذر الحذر.

[24] انظر: البداية والنهاية 10/490، ط/ دار هجر، وتاريخ خليفة بن خياط ص 193، وهذا العدد مهما كان، فهو يعدُّ قليلاً، باعتبار أن جُلَّ الناس في الكوفة كانوا مع أمير المؤمنين على منهاج النبوة، فلا ينظر أحد لهذا العدد باعتباره منفردًا، بل بمقارنته بمَن كانوا مع أمير المؤمنين علي رضي الله عنه؛ لتتضح ضآلة هؤلاء المنشقِّين عنه.

[25] خصائص علي بن أبي طالب؛ للنسائي، تحقيق أحمد البلوشي ص 200، نقلاً عن أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب؛ للصلابي 2/721 - 723، وقال الصلابي: إسناده حسن.

[26] أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 2/ 725.

[27] أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 215 - 216.

[28]وهما: أبو موسى الأشعري، وعمرو بن العاص رضي الله عنهما.

[29]البداية والنهاية 10/580، ط/ دار هجر.

[30] وكان ذلك في سنة 38 هـ من شهر محرم.

[31] مسلم (156) (1066).

[32] انظر: تاريخ خليفة بن خياط ص 196.

[33] مصنف ابن أبي شيبة، (39070)، وقال الصلابي في أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 2/ 736: إسناده صحيح.

[34] رواه البخاري (3610)، ومسلم (148) (1064).

[35] المغني؛ لابن قدامة 8/534.

[36] مصنف عبدالرزاق (18656)، وانظر: أسمى المطالب؛ للصلابي ص 225.

[37] صحيح البخاري (4728)، وانظر: فتح الباري 8/425.

[38] وهذه النقطة فيها كلام كثير وأدلة وأبحاث لأهل العلم وأقوال السلف، تخالف هذا المعتقد الفاسد، والكلام في هذه المسألة طويل، وليس هنا محل ذكره.

[39]مجموع الفتاوى 13/20.

[40] البداية والنهاية 12/ 75، ط/ دار هجر.

[41] مجموع الفتاوى 13/31.

[42] البخاري (3500) و(7139).

[43] البخاري (3501) (7140)، ولهم في هذا الأمر أقوال باطلة، ردَّ عليها أهل السنة بكلام كثير، فليُرجَع له في محله.

[44] الفصل في الملل والأهواء والنحل 2/113.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من هم الخوارج؟
  • فرقة الخوارج ونشأتها
  • من هم الخوارج الذين هم شرار الخلق؟
  • الآثار السيئة لهجر الخوارج للسنة النبوية
  • النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أمته من الخوارج

مختارات من الشبكة

  • التعريف بالخوارج وصفاتهم(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • إلحاد الخوارج في الآيات قديما وحديثا لخالد بن عبدالله المصلح(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • هل الخوارج كفار (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • تأويل القرآن الكريم ومذاهب الفرق فيه: الخوارج – الجهمية – المعتزلة – الباطنية – أهل الكلام – الصوفية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الخوارج (صفات أهل الغواية - وبيان العلاج وأسباب الوقاية)(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • مقاومة الصحابة رضي الله عنهم لضلال الخوارج(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • أثر تداخل الثقافات في الظواهر الدينية الإسلامية: الخوارج، المتكلمون الصوفية - نموذجا (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التحذير من كتاب: حقيقة الإيمان بين غلو الخوارج وتفريط المرجئة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقاتلة الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • مقاتلة الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 


تعليقات الزوار
1- ثناء
الشيخ محمد - المغرب 04-01-2017 03:40 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن عبارات الثناء والمدح عاجزة عن وصف ما تخطه أيديكم وتبدعه عقولكم أسأل الله الكريم أن يبارك في أعماركم ويكثر من أمثالكم .
وفقتم والسلام عليكم

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب