• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

تأملات في آيات من القرآن الكريم .. سورة الرعد

تأملات في آيات من القرآن الكريم ( سورة الرعد )
أ. د. عباس توفيق

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/5/2014 ميلادي - 14/7/1435 هجري

الزيارات: 38846

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تأملات في آيات من القرآن الكريم
سورة الرعد



1- ﴿ المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 1].

بدأ عددٌ من سور القرآن الكريم بحروفٍ مقطعة مثل: ﴿ الم ﴾ و﴿ الر ﴾ وغيرهما، وبدأت هذه السورةُ المباركة بـ﴿ المر ﴾.

ولعلماء التفسير آراء واجتهادات في فَهمِها، ويردُّون في الوقت عينِه المرادَ الحقيقي بها إلى الله تعالى.



وإنما وقفت هنا؛ لأن الطبري رحمه الله روى من طرقٍ عن ابن عباس رضي الله عنه أن ﴿ المر ﴾؛ تعني: "أنا الله أرى"؛ (تفسير الطبري 7: 326)، وقد قال بهذا المعنى عن ابن عباس وغيره أيضًا عندما كان بصدد تفسير ﴿ الر ﴾ في بداية سورة يونس؛ (تفسير الطبري 6: 525).

وبين الافتتاحين زيادةٌ في حرف الميم في سورة الرعد، وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى كما يقال، غير أن المعنى الذي أورده الطبري واحد، وإن كان المبنى مختلفًا قليلاً، ويبدو - والله أعلم بالمراد - أنه إذا كانت ﴿ الر ﴾ تعني: أنا الله أرى، فإن الميم المضافة في ﴿ المر ﴾ لا بد أن تشير إلى زيادة لتكون مثلاً: أنا الله أعلم وأرى.

 

2- ﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾ [الرعد: 2].

الضمير في ﴿ تَرَوْنَهَا ﴾ قد يعود على السَّمَوَاتِ، وقد يعود على عَمَدٍ؛ ففي الحالة الأولى ترتبط الجملة بالسموات فتكون حالية، وعندئذٍ يُحتمل أن تكون السموات مرفوعة بغير عمد أصلاً، أو أنها تكون مرفوعة بعمد، ولكن لا يراها الناس.


ويمكن أن تكون ﴿ تَرَوْنَهَا ﴾ استئنافية، فيكون المعنى: رفعها بغير عمد أنتم ترونها.

وإذا عاد الضمير على العمد، فإنها تصير موصوفة بالجملة، ويكون المعنى: أنها مرفوعة بأعمدة غير مرئية.

وبكلا الرأيينِ قال المفسرون ونقلوا، ولكن ابن كثير مال إلى اعتبار الرفع بغير عمد؛ لأنه الأكمل في القدرة؛ (تفسير ابن كثير 4: 429).

إن الاحتمالين يَعْنيان أن السموات مرفوعة حتمًا، ولكن الرفع حاصل بالقدرة الإلهية، أو بالأعمدة غير المادية التي تُمثِّل القوانين التي تحكم نظام الكون، وكلا الاحتمالين من قدرة الله تعالى، فهو سبحانه خالق القوانين ومُودِع الأسرار فيها، ولئن شاء رفع السموات بدون سبب أو بالواسطة التي أودع هو فيها القدرة على أداء ما يريده سبحانه.

 

3- ﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الرعد: 3].

﴿ جَعَلَ فِيهَا ﴾ الأولى بمعنى وضع فيها، أو أوجد فيها.

﴿ وَجَعَلَ فِيهَا ﴾ الثانية بمعنى أنشأ وخلق، وقد تكون ﴿ جَعَلَ فِيهَا ﴾ الثانية توكيدًا لـ﴿ جَعَلَ فِيهَا ﴾ الأولى.

 

وللزوج معانٍ مختلفة؛ منها:

• كل واحد معه آخر من جنسه، ويبدو أن الطبري أخذ بهذا في تأويله، فالتفت إلى العدد حين قال: "وعنى بـ﴿ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾: من كل ذكرٍ اثنان، ومن كل أنثى اثنتان، فذلك أربعة، من الذكور اثنان ومن الإناث اثنتان في قول بعضهم"؛ (تفسير الطبري 7: 331).

• ومن معانيه: الشيء أو الشكل له نقيض؛ كالرطب واليابس، والذكر والأنثى، ويبدو أن هذا هو المعنى الذي أخذه الزمخشري، فذكر أن المراد بالزوجين هو الأسود والأبيض، والحامض والحلو، والصغير والكبير؛ (الكشاف 2: 493).

• وللزوج معنى آخر هو النوع والصنف، وهو المراد والله أعلم.

 

وتأمُّلُ الوجود يفضي إلى تبيُّن "نظامين" منفصلين؛ هما:

• الوحدانية، وهي الخاصة بالله سبحانه وتعالى، لا يشاركه في ذلك أحد.

• والثنائية التي هي صفة المخلوقين أيًّا ما كانوا.

فالذكر والأنثى نوعان مختلفان وليسا متناقضين، فلكل واحد منهما خصائصه، وتنشأ عن تلاقيهما ديمومة الكائنات الحية.

والليل والنهار وقتان مختلفان يُتمِّم بعضهما بعضًا لينتجا بحركتِهما شيئًا واحدًا هو الزمن.

والشمس والقمر جِرْمانِ لا تربط بينهما صفة ولا زمن، وترتبط بهما أجرام أخرى وظواهر كونية.

فهذه الثنائية هي في الأنواع، وهي متتامة، وإن حركة الكون مرهونة بتلاقيها لا بانفرادها أو انفصالها على أساس العدد أو النقيض.

 

4- ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الرعد: 6].

أي سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يأتيَهم بالعذاب سخريةً واستهزاءً، غير معتبرين بالتجارب الماضية.


و﴿ عَلَى ظُلْمِهِمْ ﴾ قد تعني على فعلِهم ما فعلوا من غير بيِّنة أو توجيه، وقد تعني: مع ظلمهم؛ أي: إنه سبحانه لذو مغفرة للناس على الرغم من ظلمهم، وقد أكَّد المغفرة بـ(إن واللام)، وبهما أكد شدة العقاب؛ ليتساوى الجناحان اللذان بهما يقوم الإنسان: الرجاء والخوف.

 

5- ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ [الرعد: 7].

﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ﴾ [الرعد: 27].

ذكَّر الفعلَ "أُنزِلَ" مع أن نائب الفاعل آيَةٌ مؤنث؛ لوجود فاصل بينهما، ولأن نائب الفاعل مؤنث غير حقيقي.

أراد الكافرون آيةً وكأنهم لم يروا الآيات التي جاءتهم؛ كانشقاق القمر مثلاً، أرادوا آية وقد صمُّوا آذانهم عن الاستماع إلى أعظمها وهو القرآن الكريم، فكان الرد عليهم: ﴿ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ ﴾.

وفي قوله سبحانه: ﴿ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ ورد ذكر المنذر والهادي، ونقل الطبري آراءً مختلفة تتَّفِق على أن المنذر هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتختلف في الهادي:

فمن قائلٍ: إن الهادي هو الله تعالى؛ (تفسير الطبري 7: 342).

ومن قائلٍ: إن نبيَّ القوم هاديهم، أو أن الهادي هو القائد؛ (نفسه 7: 342-343).

إن الوظيفة الأساسية للأنبياء هي الإنذار، وهي كذلك بحقِّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والإنذار يحصل بالآية وبدونها، وحصر الدور هنا بالإنذار معناه أنك يا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس عليك أن تثبِّت الإيمان في صدورهم، "ولستَ بقادرٍ عليه، ولكل قومٍ هادٍ قادرٌ على هدايتِهم بالإلجاء، وهو الله تعالى"؛ (الكشاف 2: 495).

وربما كان المراد أن لكل قوم هاديًا بآيةٍ مخصوصة، وطريقة مغايرة لآية وطرق الأنبياء الآخرين؛ فآية موسى عليه السلام كانت العصا، وآية عيسى عليه السلام كانت إحياء الموتى وشفاء الأكمه والأبرص، وأما آية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهي القرآن وما جرى على يديه من خوارق.

والهادي يكونُ بمعنى الدليل والمرشد ومَن في المقدّمة، وفي وقت النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان هو كذلك، فجمع بين أن يكون منذرًا لقومه ودليلاً ومرشدًا لطريق الخير والاستقامة.

وكلما جاء جيلٌ كان لهم دعاة على منهج المنذر، فكان أولئك الدعاة هداةً، ويُستَنبط هذا المعنى من قوله تعالى: ﴿ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾، فهي جملة اسمية ينعدم فيها الزمن، فتشمل الماضين واللاحقين، فيكون المنذر خاصًّا بالأنبياء عليهم السلام، والهادي مشتركًا بينهم وبين أتباعهم؛ إذ يكون النبي هو الهادي في حياته، وأما بعد وفاته، أو ربما في حال غيابه، فيكون السائرون على منهجه وخطاه والداعون إليه هم الهادين إلى أن يأتي النبي اللاحق، فتنتقل الراية إليه وإلى أتباعه، وهكذا.

إن الدلائل التي أرادها الكافرون لم تكن هي التي تمنحهم الهدى، فمَن كان أعمى البصيرة ما كان ليرى الآية التي تأتيه أو يعتبر بها، وإذا أذعن لها مؤقتًا، فإنه كان يريد غيرها بعدئذٍ، وهلمَّ جرًّا، والمسألة كلها هي هداية من الله تعالى، بالآية وبدونها يهدي مَن يشاء ويضل من يشاء.

 

6- ﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ ﴾ [الرعد: 12].

﴿ والسَّحَابَ ﴾ هو الغيم، سواء كان فيه ماء أم لم يكن.

و﴿ الثِّقَالَ ﴾ جمع الثقيل، والوصف به للإشارة إلى السحاب المحمل بالماء.


﴿ وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ ﴾ بمعنى يُوجِده، وبمعنى يرفعه، فأنشأ الله السحاب؛ أي رفعه، وكلا المعنيين مناسب في هذا الموضع.

وأجرى السحاب مجرى العاقل فوصفه بـ﴿ الثِّقَالَ ﴾، وهي جمع، ولم يقل الثقيلة، كما نقول نحن الأمطار الغزيرة، والعواصف الرعدية، والغيوم المتراكمة، وغيرها، فهي جميعًا وصف بالمفرد، جريًا على قاعدة معاملة جمع غير العاقل معاملة المفردة المؤنثة.

وقد يُنظر إلى ذلك في الدراسات النقدية الحديثة على أنه تشخيص؛ أي: إضفاء صفات الشخصية الإنسانية على ما ليس بإنسان، ولكن الاستعمال القرآني دقيق، ويرِدُ في مواضعَ كثيرةٍ منه وصف الجمع غير العاقل بصفة العاقل، فتكون الصفة جمعًا؛ كهذه الآية التي نحن بصددها.

وكقوله سبحانه: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾ [آل عمران: 7].

وكقوله: ﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ ﴾ [النور: 34].

وكقوله: ﴿ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾ [الزمر: 67]، وغيرها كثير.

ومَرَدُّ ذلك إلى أن هذه الأشياء تبدو لنا نحن غيرَ عاقلة، فنعاملها لُغويًّا تبعًا لذلك، ولكنها في نظر الله تعالى جنوده وعباده، يفعلون ما يأمرهم به، ويُسبِّحون بحمده، والقائم بهذه الأفعال عاقلٌ، فيُجرَى عليه ما يُجرَى على العاقل في قوانين الكلام.

ولفظ ﴿ السَّحَابَ ﴾ مفردٌ، ودلالته جمع، ولوصفه بـ﴿ الثِّقَالَ ﴾ بصيغة الجمع مغزى آخر، فلو قال مثلاً: الثقيل؛ لدلَّ على المرة الواحدة، لا على المداومة والتَّكرار اللذين يُلحظان في ﴿ الثِّقَالَ ﴾؛ إذ كلما تخفَّفت قطعة منه بإنزال المطر حلَّت محلَّه قطعة أخرى، أو ارتفع سَحَاب ممتلئ بديل.

 

7- ﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴾  [الرعد: 15].

ذكر ﴿ مَنْ ﴾ بتغليب العاقل؛ لأن الفعل الذي يتحدَّث عنه وهو السجود يصدر عن العقلاء.

وقال الطبري: فللهِ يسجدُ مَن في السموات من الملائكة الكرام ومَن في الأرض من المؤمنين به طوعًا، فأما الكافرون به، فإنهم يسجدون له كرهًا حين يكرهون على السجود؛ (تفسير الطبري 7: 366).

ظل المؤمن يسجد طوعًا وهو طائع، وظل الكافر يسجد طوعًا وهو كاره؛ (نفسه 7: 367).

ويبدو من نسق الآية الكريمة أن الطواعية والإكراه هما للشخوصِ والذوات، وكيف يسجدُ الكافر وهو لا يسجد لا طوعًا ولا كرهًا؟

إن المعنى هو أن مَن في السموات والأرض يخضع لله تعالى، شاء ذلك أم لم يشأ، وكذلك تفعل ظلالهم.

وأما السجود بمعنى وضع الجبهة على الأرض، فهو خاصٌّ بالإنسان، والله أعلم بكيفية سجود الكائنات الأخرى.

والسجود طوعًا وكرهًا قد يحمل معنى الإجبار على السجود، أو أن الأشياء مجبولة عليه، أو أن السجود يكون بمشقة.

وأما ظِلالُهُم، فهي وإن كانت معطوفة على "مَن"، فإنها غير مشمولة بالطوع والكره، وهذا أدعى لإظهار القوة الإلهية؛ لأن الكافر الذي يتكبَّر على الله تعالى، والذي لا يسجد له، يكون من الضعف بحيث يعجز عن التحكُّم في ظلِّه ومنعه من السجود، فيسجد رغم أنفه.

 

8- ﴿ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ﴾ [الرعد: 16].

السؤال عن الأعمى والبصير في بصيرتَيْهما، وليس عن الأعمى في حاسة بصره، فحاشاه سبحانه أن يبتلي عبدَه ببلاء ثم يعيِّره به.

السؤال موجَّه إلى المشركين الذين كانوا يعبدون الأصنام، وهي أحجار صنعوها بأيديهم، ووضعوها في مواضع تحكَّموا بها هم، ثم تطامنوا أمامها من دون الله.

والسؤال يستثير عقولهم ليتفكروا في حقيقة ما كانوا يفعلون، وكذلك الحال مع الأعمى الوارد ذكره في الآية 19؛ إذ جاء في مقابل مَن يعلم، والعلم لا يكون في العين: ﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الرعد: 19].

أو أن الأعمى يفتقر إلى مَن يقوده، كما أن القابع في الظلمات يحتاج إلى مَن يأخذ بيده ويدلُّه على دربه، بينما البصير - أو مَن هو في النور - مستغنٍ عن قيادة الغير؛ فالأنبياء ومَن بعدهم ممَّن هم على منهجهم هم المبصرون، وأما الكافرون ومَن في الظلمات، فسواء حالُهم، يحتاجون إلى مَن يرشدهم ويدلهم على الطريق ليخرجوا إليه وينجوا مما كانوا فيه.

 

9- ﴿ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [الرعد: 18].

الاستجابة لله تعالى تورث ﴿ الْحُسْنَى ﴾؛ أي: الجزاء الجميل حق الجمال، وعدم الاستجابة تورد الهلاك والعياذ بالله.

وبحسابات الآخرة وقياسها على الدنيا يكون المستجيبون هم أهلَ الغنى الفعلي، ويكون غير المستجيبين أهل الفقر والعِوَز والإفلاس، الذين لو كان يُقبَل منهم لافتدوا أنفسَهم بكل ما في الأرض مضاعفًا، فكأن المستجيبين امتلكوا ﴿ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ ﴾، فبذلوه في الدنيا بالاستجابة والطاعة، وأمسك به غير المستجيبين وبذلوه بعد فوات الأوان، فكان للطائفة الأولى ﴿ الْحُسْنَى ﴾، وللطائفة الثانية ﴿ سُوءُ الْحِسَابِ ﴾؛ أي: شدته والمؤاخذة بالذنوب كلها، فلا يُتجاوز عن شيء منها ولا يُغفر.

 

10- ﴿ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ ﴾ [الرعد: 26]؛ أي: فرِحوا بما بسط لهم من الرزق في الحياة الدنيا، وجاء الضمير في ﴿ فَرِحُوا ﴾ جمعًا بالالتفات إلى معنى الجمع في ﴿ مَنْ ﴾.

وورد الفعل ﴿ يَبْسُطُ ﴾ بصيغة المضارع؛ لأنه سبحانه يفعله على التجدُّد والدوام، وأما ﴿ فَرِحُوا ﴾، فوردت بصيغة الماضي؛ لأنه للذين أُوتُوا الرزق، وكأنَّ ما أوتوه قد انتهى وزال عنهم، وإن كانوا ما يزالون أحياء؛ لأنه سيزول عنهم، فما كان في اليوم حاضرًا سيصير في الغد ماضيًا، ولأن الغد آتٍ، فإن الحاضر منصرم.

وفي هذه الآية إِلْمَاحة أخرى إلى حقيقة الغنى والفقر، حينما يُلتفَت معهما إلى الآخرة، فمن بُسِط له في رزقه إنما أوتي متاعًا وهو الشيء القليل الذاهب، وعندما يُدرِك فقير الدنيا أن ما فاته إنما هو متاعٌ لا قيمة له، فإنه لا يحزن، ويتساوى الفقير والغني فيما أوتيا، وتصبح درجة إيمانهما بالله تعالى وارتباطهما به هي المصدر الفعلي لغناهما وحيازتِهما لما هو حقيق بالامتلاك والبقاء.

 

11- ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

﴿ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ ﴾، فآمنوا وردت بالماضي لاستقرار الإيمان في القلوب، ووردت ﴿ تَطْمَئِنُّ ﴾ بالمضارع للإشارة إلى تجدد حركة الاطمئنان، وهي حركة مرتبطة بدرجات الإيمان زيادةً ونقصانًا، وهي هنا للزيادة، فاطمئنان القلب بذكر الله هو زيادة في الإيمان.

 

12- ﴿ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ﴾ [الرعد: 30]؛ أي: أرسلناك إلى أمة، ﴿ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي ﴾؛ أي: إن الرحمن الذي تكفرون به هو ربي.

وذكر المفسرون أن ذكر الرحمن عائدٌ إلى أن الكافرين لم يقرُّوا به؛ "لأنهم كانوا يأنفون من وصف الله بالرحمن الرحيم، ولهذا أنِفوا يوم الحديبية أن يكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم، وقالوا: ما ندري ما الرحمن الرحيم"؛ (تفسير ابن كثير 4: 460).

ومع أن هذا ممكنٌ إلا أن للرحمن ههنا مناسبة أخرى، والله أعلم، وهي أن الآية بصدد إرسال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمته ليهديَهم إلى طريق الله، واشتملت الآية السابقة على جزاء المؤمنين، وهذا كله من رحمة الله تعالى بعباده، وقد قال في سورة الأنبياء 107 مخاطبًا نبيَّه صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، ولأن كلمة "الرحمن" تنطوي على صفات الرحمة كانت هي الأنسب في هذا الموضع وفي هذا السياق.

 

13- ﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [الرعد: 31].

جواب ﴿ لَوْ ﴾ محذوف، تقديره لكان هذا القرآن، والمعنى أن لو كان في الكتب السماوية كتابٌ تسير به الجبال، أو تُقطَّع به الأرض، أو يُكلَّم به الموتى، لكان هذا القرآن.

﴿ أَفَلَمْ يَيْئَسِ ﴾؛ أي: أفلم يعلم ويتبيَّن على رأي بعض البصريين، ولكن الكوفيين أنكروا أن تكون يئس بمعنى علم، ويترجح رأي البصريين بقراءة بعض الصحابة كعلي وابن عباس رضي الله عنهما: "أفلم يتبيَّن الذين آمنوا"، وعلاوة على ذلك، فقد روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم أنهم أوَّلوا قوله تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَيْئَسِ ﴾ بـ: "ألم يتبيَّن"، أو "ألم يعلم"؛ (تفسير الطبري 7: 388-389).

 

14- ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ ﴾ [الرعد: 35].

ذكر المفسرون أن الظل دائم؛ لأن الجنة لا شمس فيها، ولعل المراد من ديمومة الظل، والله أعلم، هو توقُّف الزمن بحسب القوانين الأرضية؛ ذلك أن حركة الظل طولاً وقصرًا دالَّة على حركة زمنية، ولكنه إذا كان دائمًا كان ذلك علامةً على أنه غير متحرِّك، ومن ثَمَّ فإن الزمن ينعدم بمفهومه الأرضي، ويبقى أصحاب الجنة على ما هم عليه من قوَّة وفتوَّة.

 

15- ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 38، 39]؛ أي إن الشرائع أتت بحسب الأزمنة والمصالح، فإذا تغيَّرت الأزمنة بعث الله تعالى رسلاً آخرين بما محاه وما أثبته من الشرائع السابقة، ولكن أصل ما كانوا يدعون إليه - وهو التوحيد - باقٍ كما هو، والله أعلم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • النظم القرآني في سورة الرعد (1)
  • النظم القرآني في سورة الرعد (3)
  • نفحات قرآنية .. في سورة الرعد
  • نسق الفواصل في سورة الرعد (1)
  • التلاؤم في جو سورة الرعد
  • التصوير البياني في سورة الرعد (1)
  • خصائص النظم في سورة الرعد وغيرها من السور
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم - سورة النحل
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم (سورة الإسراء)
  • تأملات في آيات
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم (سورة الكهف)
  • تفسير الربع الأول من سورة الرعد

مختارات من الشبكة

  • تأملات في آيات من القرآن الكريم .. سورة يوسف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم .. سورة يونس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم .. سورة التوبة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم .. سورة الأنفال(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم .. سورة الأعراف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم .. سورة الأنعام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم .. سورة النساء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم .. سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم .. سورة الفاتحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تأملات تربوية في بعض آيات القرآن الكريم: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ...(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب