• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

إما القرض الحسن وإلا...

غادة الشافعي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/8/2009 ميلادي - 21/8/1430 هجري

الزيارات: 25427

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إما القرض الحسن وإلا...

 

في الوقت الذي استيقَظ فيه العالَم مِن غفْلته على أزمة اقتصادية طاحنة، جعلت غير المسلمين يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية، حتى كتب رئيس تحرير مجلة "تشالينس" الفرنسية، كُبرى الصحف الاقتصادية في أوروبا في مقالها الافتتاحي - في الحادي عشر من سبتمبر عام 2008م - تحت عنوان: "البابا أم القرآن؟" يقول: "أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن، بدلًا من الإنجيل؛ لنفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا؛ لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبَّقوها، ما حلَّ بنا ما حلَّ من كوارث وأزمات، وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري، لأنَّ النقود لا تلد نقودًا".

 

ومنَ المعروف أن عبارة "النقود لا تلد نقودًا" عبارة إسلامية.

 

ثمَّ وفي نفس الشهر كتب رئيس تحرير مجلة "لو جورنال دو فاينانس" الفرنسية أيضًا، يقول في مقالها الافتتاحي: "هل حان الوقت لاعتماد مبادئ الشريعة الإسلامية في وول ستريت؟"، ثم قال فيه: "إذا كان قادتُنا يسعون إلى الحد من المضارَبة المالية التي تسببتْ في الأزمة، فلا شيء أكثر من تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية"[1].

 

بل وعندما سُئل العالِم الفرنسي "موريس آلي" - الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد - عن المخرج من هذه الأزمة، قال: "لا مخرج من هذه الأزمة إلا بشرطَيْن: الأول: تعديل معدَّل الفائدة حتى تصل إلى صفر، والثاني: هو تعديل مُعَدَّل الضَّريبة حتى تصل إلى 2 %"، وهو ما يُساوي تقريبًا مقدار الزكاة في الإسلام[2].

 

أفلا نكون - نحن المسلمين - أحق باتِّباع أمر الله - عز وجل - واجتناب نواهيه؟! وماذا ننتظر لنعتز بديننا، ونعتصم بالمنْهج السماوي المُحْكم في مُواجَهة الأزمات والعثرات الدنيويَّة، والحساب الأخروي؟!

 

إنَّ القاعدة الشرعية في الفقه الإسلامي هي: إنَّ كل قرض جرَّ نفعًا فهو ربا"[3].

 

وعليها سار المسلمون منذ ما يقرب من خمسة عشر قرنًا، عملًا بكتاب ربهم وسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وهو قول فصل واضح لذَوِي القلوب الحية، والعقول المستنيرة، فما كان الله - عزَّ وجلَّ - ليتركنا حيارى في معرفةِ كبيرةٍ مهلكةٍ توعَّد الله - عز وجل - صاحبها بالعقاب الشديد.

 

ولمزيد من التفصيل نقول: إنَّ للربا قسمين: النسيئة والفضل:

أما ربا النسيئة: فهو قسمان أيضًا:

الأول: في القروض - وهو ما يهمنا في حديثنا هذا -: ويسمى بـ"ربا الجاهلية"، وهو الزِّيادة المشروطة التي يأخذها الدائن من المدين نظير التأجيل[4].

 

ومثاله: أن يعطيه عشرة دنانير مثلًا بخمسة عشر إلى أَجَل قريبٍ أو بعيد[5].

 

وكأن يكون للمَرْء على آخَر دَيْنٌ مُؤَجَّل، وقد حَلَّ أجلُه يقول: إما أن تقضيني، أو أزيد عليك، فإذا لم يقضه زاد عليه نسبة منَ المال، وانتظره مدَّة أخرى، وهكذا وحتى يتضاعَف في فترة من الزمن إلى أضعاف، وهو الذي قال تعالى في تحريمه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 130][6].

 

وهنا فائدة هامة: وهي أنَّ هذا النوع من الربا يشمل - بلا شك - فوائد البنوك، "حيث أصدر مجمع البحوث الإسلامي في القاهرة فتوى جماعية، بأن فوائد البنوك هي الربا المحرم".

 

وكذلك أصدر كلٌّ منَ المؤتَمَر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي بمكة المكرمة، ومؤتمر الفقه الإسلامي في الرياض فتاوى في ذلك، كلها تؤكِّد:

أنَّ الاقتراض منَ البنوك وإمضاء العقْد معهم على اشتراط زيادة على المال المقترض بفائدة سنوية - هو عين الربا المحرم"[7].

 

والثاني: في البيوع: وهو بَيْع الشيء الذي يَجْري فيه الربا؛ كأحد النقدين، أو البُرِّ أو الشعير أو التمْر بآخر، مما يدخله الربا نسيئة، وذلك كأن يبيع الرجل قنطارًا تمرًا بقنطار قمحًا إلى أجَلٍ مثلًا، أو يبيع عشرة دنانير ذهبًا بمائة وعشرين درهمًا فضة إلى أجَلٍ مثلًا.

 

وربا الفضل - وهو في البيوع أيضًا -: هو بيع الجنْس الواحِد مما يجري فيه الرِّبا بجنْسه متفاضلًا، وذلك كبَيْع قنطار قمح بقنطار وربع من القمْح مثلًا، أو بيع صاع تَمْر بصاع ونصف من التمْر مثلًا، أو بيع أوقية فضَّة بأوقية ودرهم من فضة مثلًا.

 

الأصناف التي يحرم فيها الربا: ولا يجري الربا إلا في الأصناف الستَّة المنصوص عليها في هذا الحديث؛ إذ يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مِثلًا بمِثل، سواءً بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيد))؛ رواه مسلم.

 

وعلى ذلك فالربا في جميع الربويات يكون من ثلاثة أوجه[8]:

الأول: أن يباع الجنس الواحد بجنسه كالذهب بالذهب، أو التمر بالتمر، متفاضلًا؛ لما روى الشيخان: أن بلالًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بتمر برني، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مِن أين هذا يا بلال؟))، قال: كان عندنا تمر رديء، فبعت صاعين بصاع، ليطعم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أوه عين الربا، لا تفعل، ولكن إن أردت أن تشتري فبع التمر ببيعٍ آخر ثم اشتر به)).

 

الثاني: أن يباع الجنْسان المختلفان كالذَّهَب والفضة، أو البر والتمر ببعضهما بعضًا؛ أحدهما حاضر وثانيهما غائب؛ وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تبيعوا منها غائبًا بناجز))، وقوله: ((بيعوا الذهب بالفضة يدًا يد))، وقوله: ((الذهب بالورق ربا، إلا هاء وهاء))؛ متفق عليه.

 

الثالث: أن يُباع الجنس بجنْسه مُتساويًا، ولكن أحدهما غائب نسيئة كأن يُباع الذهب بالذهب، أو التمر بالتمر مثلًا بمثل متساويًا، غير أن أحدهما غائب لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((البر بالبر ربا إلا هاء وهاء))؛ متفق عليه، (معنى هاء وهاء: يدًا بيد؛ أي: مناجزة).

 

تنبيه: ويحتاج ربا البيوع لتفصيل أكبر لإسقاط القاعدة على مختلف البيوع في حياتنا، ليس هنا مجاله.

 

حكم الربا:

الربا محرَّم بالكتاب والسنة، وإجماع الأمة.

 

وقد جاءت الآياتُ القرآنية الكريمة والأحاديث الشريفة مرهبة لكلِّ مَن تساومه نفسه الأَمَّارة بالسوء على التعامُل بهذه الكبيرة الموبقة في الدنيا والآخرة؛ فيقول الله - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [البقرة: 278، 279].

 

ويقول - جل وعلا -: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 275].

 

ويقول - عليه الصلاة والسلام -: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصَنات المؤمنات الغافلات))؛ صحيح.

 

بل ويقول - صلى الله عليه وسلم - موضحًا لنا فُحش التعامُل بالربا ومغبته عند الله - عز وجل -: ((درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية))؛ حديث صحيح.

 

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لعن الله آكل الربا وموكله، وشاهديه وكاتبه))؛ صحيح.

 

بل وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((الربا سبعون بابًا، أهونها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم)).

 

فهل من ناج في مجتمع تفَشَّى فيه الرِّبا؟

 

نقول - والله عز وجل أعلم -: واعلَم أنَّه في مجتمَع الربا الكل مسؤول، ولا برِئَ، إلَّا مَن رحم ربي، فأمَرَ بالمعروف، ونهى عن المنكَر، وفعل جهده، وبرئ إلى الله - عز وجل - ولا يكلِّف الله نفسًا إلا وسعها، وإلا فليس هناك عاقل - برًّا كان أو فاجرًا - يُتاح له قرْضٌ حسن، فيُصِر على دفْع فائدة.

 

لكنَّها المسؤوليَّة المشتَركة، بين المقترض الذي لم يصْبر على طلَب الحلال، وأخيه القادر الذي بخل بماله، ولم يقرضه، ثم المرابِي الذي استغل الفُرْصة، وراح يبيع دينه ودنياه بعرَض قليلٍ.

 

يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا ظهر الزنا والربا في قرية، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله)).

 

وهل ما زال منَّا مَن لا يستشعر ما حلَّ بمجتمعاتنا من انهيار اجتماعيٍّ وأخلاقي أفْسَد طعْم الحياة؟! وهل ينكر عاقِل انتشار الأمراض المستعصية، حتى وهنت الأجساد، وزاغَت العُقُول؟!

 

وهل منَّا مَن لم يقع تحت وطْأة الأعباء الماليَّة، وقلة البركة، ولو مع وجود المال؟!

 

وما الحل؟

هناك حُلُول كثيرة تفتح أبواب الحلال لكل مَن يشتهيه، ولا شك أن منها أيضًا:

القرض الحسن:

فإذا كان القرضُ الرِّبوي (السيئ) هو: كلُّ ما جرَّ نفعًا، فإنَّ القرض الحسن هو: ما كان ابتغاء وجْه الله تعالى، وطمعًا في مرْضاته وحسب، والأمرُ يتَطَلَّب منَ المسلم قوة عقيدة، ليدفع بماله مصدقًا وعد ربه بالفوز في الدُّنيا والآخرة، وضعيف العقيدة، لا يتصوَّر أن يفعلَ شيئًا بلا مقابل دنيوي رخيص.

 

حث الإسلام على القرض الحسن:

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ينزل الله تعالى في السماء الدنيا لثلث الليل الآخر، فيقول: مَن يدعوني فأستجيب له؟ أو يسألني فأعطيه؟ ثم يبسط يديه يقول: مَن يقرض غير عديم ولا ظلوم))؛ صحيح.

 

فالقرض الحسَن فيه منَ التعاوُن على البر والتقوى، وإشاعة جو الأخوَّة بين المسلمين، وإغاثة ذي الحاجة الملهوف ما جَعَل الله - عز وجل - له جزاءً عظيمًا، فيقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن نفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على مسلم في الدنيا، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستَر مسلمًا في الدُّنيا، ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))؛ صحيح.

 

وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((ما من مسلم يقرض مسلمًا قرضًا مرَّتَيْن، إلا كان كصدقتهما مرة))؛ حسن.

 

توثيق الدَّين في الإسلام:

ومع الترغيب في الإقراض، والحض عليه، فقد أَكَّد الإسلام على ضرورة إثبات الدَّين؛ لما في ذلك من تأمين للناس على أموالهم، وتشجيع لهم، حتى لا يحبسوها عمَّن يحتاجونها، وذلك كما يلي:

توثيق الدَّيْن بالكتابة:

قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ﴾ [البقرة: 282]، وفي هذه الآية أمر بكتابة الدَّيْن الذي يشمل القرض الحسن، وباقي البيوع المؤجلة، وتوثيق القرض فيها أمرٌ ظاهر، كما أنَّ العُلماء استنبَطوا منها حكم كتابة الدَّين والقائم بالكتابة وشروط الكاتب.

 

توثيق الدَّيْن بالإشهاد عليه:

قال تعالى: ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ﴾ [البقرة: 282]، وفي هذه الآية أمرٌ بالإشهاد عند المدايَنة، ومنها استنبط العُلماء أحكامًا كثيرة بالنسبة للشهادة والشاهد والمشهود عليه.

 

توثيق الدين بالرهن:

قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾ [البقرة: 283]، وثَبَت في السُّنَّة أن توثيق الدَّين بالرهن لا يختص بحالة السفر؛ لأنه كما روت عائشة - رضي الله عنها -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اشترى من يهودي طعامًا إلى أجل، ورهنه درعًا له من حديد.

 

توثيق الدَّيْن بالضمان:

والمُراد بالضَّمان: هو أن يلتزم إنسانٌ أداء دَيْن إنسانٍ آخر، إذا كان ذلك الآخر لا يؤديه، أو هو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق، فيثبت في ذمتهما جميعًا، ولصاحب الحق مُطالبة من شاء منهما، وهو طريق آخر جعله الشرع لتوثيق الدَّيْن، وهو جائز بالكتاب والسنة والإجماع؛ فأما الكتاب فبقوله تعالى: ﴿ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ﴾ [يوسف: 72]، قال ابن عباس: (الزعيم الكفيل)، وأما السنَّة: فبقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الزعيم غارم))، وبما ثبت أنَّ بعضَ الصحابة ضمن دين الميت وقضاه عنه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأما الإجماع، فقد أجمع المسلمون على جوازه، وكانوا يتعاملون به منذ صدر الإسلام.

 

وجوب رد القرض[9]:

لقد دلتِ النصوص القرآنيَّة على وُجُوب ردِّ القرْض، وذلك في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58]، والقرض أمانة عند المقترض، يجب عليه ردها إلى صاحبها، كما دلَّتْ نصوص من الحديث أيضًا على هذا الوجوب؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومَن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله))؛ صحيح، وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أيما رجل يدين دينًا، وهو مجمع ألَّا يوفيه إياه، لقي الله سارقًا))؛ حسن صحيح"[10].

 

بل ووجوب المبادرة إلى القضاء بعد الموت؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((نفس المؤمن معلقة بديْنِهِ حتى يُقضى عنه))، وعن أبي بردة بن أبي موسى - رضي الله عنهما - عن أبيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ أعظم الذنوب عند الله يلقاه بها عبده بعد الكبائر التي نهى عنها: أن يموت رجل وعليه دَين لا يدع له قضاء)).

 

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((مطل الغني ظُلْم))؛ متَّفق عليه، وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((لَيُّ الواجدِ يحل عرضه وعقوبته))؛ حسن[11]، وعن جابر - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يصلي على رجل مات وعليه دَين، فأُتي بميت فقال: ((أعليه دين؟))، قالوا: نعم، ديناران، قال: ((صلوا على صاحبكم))، فقال أبو قتادة: هما عليّ يا رسول الله، فصلَّى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن أبي قتادة - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فيهم، فذكر لهم أنَّ الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قُتلت في سبيل الله تُكفَّر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نعم، إنْ قُتِلْتَ في سبيل الله وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر))، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كيف قلت؟))، قال: أرأيت إن قُتِلْت في سبيل الله أتكفَّر عني خطاياي؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نعم، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر، إلا الدَّيْن؛ فإن جبريل قال لي ذلك)).

 

حسن القضاء[12]:

إنَّ الزيادة من المقترض إذا لم تكنْ مشروطة، فإنها تعتبر في الشرع من باب حسن القضاء، وهو جائز عند الجمهور، بل هو مستَحب؛ وذلك لما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنه ما رواه أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه -: أنه كان لرجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حق فأغلظ له، فهمَّ به أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ لصاحب الحق مقالًا))، فقال لهم: ((اشتروا له سِنًّا فأعطوه إياه))، فقالوا: إنا لا نجد إلا سِنًّا هو خير مِن سِنِّهِ، فقال: ((اشتروا له فأعطوه إياه، فإنَّ مِن خيركم - أو إن خيركم - أحسنكم قضاء)).

 

وعن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - استلف منه حين غزا حنينًا، ثلاثين أو أربعين ألفًا، فلما قدم قضاها إياه، ثم قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الوفاء والحمد"[13].

 

تنبيه هام:

ولكن ليحذر المسلمُ أن يكون بين المقرض والمقترض ما يشبه الشرْط بالزِّيادة في القضاء، كأن يكون من المتعارف عليه أن القرض يُرَد بفائِدة مثلًا؛ وذلك لِما ورد عن أبي بردة أنه قال: "قدمت المدينة فلقيت عبدالله بن سلام، فقال: انطلق معي إلى المنزل، فأسقيك في قدح شرب فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتصلي في مسجدٍ صلى فيه، فانطلقت معه، فسقاني سويقًا وأطعمني تمرًا، وصليت معه في مسجده، فقال لي: إنك في أرضٍ الربا فيها فاشٍ، وإن من أبواب الربا أن أحدكم يقرض القرض إلى أجل، فإذا بلغ أتاه به وبسلة فيها هدية، فاتَّقِ تلك السلة وما فيها"؛ صحيح[14].

 

ولقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أقرض أحدكم قرضًا فأهدي إليه أو حمله على الدابة، فلا يركبها، ولا يقبله، إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك))؛ حديث حسن.

 

حسن المطالبة[15]:

فعن ابن عمر وأم المؤمنين عائشة - رضي الله عنهم -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من طالب حقًّا فليطلبه في عفاف، وافٍ أو غير وافٍ))؛ حديث صحيح.

 

إنظار المعسر[16]:

قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 280]، وعن حذيفة - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مات رجل، فقيل له: ما كنت تقول؟ قال: كنت أبايع الناس، فأتجوَّز عن الموسر، وأخفف عن المعسر، فغفر له))؛ صحيح، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن أحب أن يظله الله في ظله، فليُنظر معسرًا، أو ليضع عنه))؛ صحيح.

 

إما القرض الحسن، وإلا...

 

أخي في الله:

اسمع قول النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((إذا ظهر الربا والزنا في قرية، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله))؛ حديث حسن، وانظر حولك لترى الربا قد ظهر وانتشر وتفشَّى، وما عادت فوائد البنوك هي الجرثومة الربوية الوحيدة في حياتنا، وإنما جمعيات تنشأ للإقراض الرِّبَوي، ومحلات تبيع الأموال، وشباب يقرضون بعضهم بالربا، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

 

واقرأ قول الله - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278، 279].

 

وتدبَّر: هل جرؤنا حقًّا على حرب الله ورسوله؟ أنطيقها؟! أيطيقها أهلنا وأبناؤنا؟! ألنا قِبَل بحرب ملك الملوك، ومالك البدن والأهل والمال، والمتصرِّف فيهم كيف يشاء؟!

 

وتذكر يوم أن جاءك قريب لك يستقرضك على استحياء شديدٍ، ففكرت مليًّا: إنَّك لو أعطيته المال (وإنك لتملكه)، ربما أحرجت من كتابته - كما أمرنا الله تعالى - وحتى إن كتبته ستحرج أن تقاضيه، وإلا أكل الناس وجهك، ومن جهة أخرى، فإنَّ مَن يأتيك اليوم يقبِّل يديك لتقرضه، ستقبِّل غدًا قدميه ليرد القرْض، إذًا؛ إن كان ابنك على كتفك، ففيم البحث عنه؟! وكان نتيجة هذا التفكير الذي ما ألقاه في قلبك إلا الشيطان، أن تعتذر لقريبك، بأنه لو كان معك مالٌ لَمَا تأخرْتَ لَحْظة، وإنما هي الظروف والمعيشة و....

 

فما كان من الرجل البائس إلا أنِ اعتذر عن إحراجك وشكرك.

 

وانصرف مخذولًا، فقمت لتغلق وراءه الباب، سعيدًا بلباقتك وحِرْصك على أموالِك، وما سألت نفسك: إلى أين ذهَب يلتمس تفريج كربته؟ وهل من حلال سيأتي بالمال أو من حرام؟ أو من ربا - والعياذ بالله؟

 

وفكِّر: أيحرِّم الله - عز وجل - الربا، ولا يجعل لصاحب الضِّيق مخرجًا شرعيًّا؟ فما يكون عساه البديل الشرعي؟ وستجد أنه لا بديل، فإمَّا القرض الحسن، وإلا الربا - والعياذ بالله - يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يقول الله: استقرضت عبدي فلم يقرضني...)) الحديث؛ صحيح.

 

فليس كل مَن يمر بضيق تجوز له الزَّكاة، وليس جميعنا بقادِرٍ على التصَدُّق والتبرُّع بكل ما يحتاجه الآخرون، ولكننا لا شك يُمكننا أن نقرضَ جزءًا من مالنا لفترةٍ محدودة، نفك بها كُربة أحد المسلمين ممن يمرون بضيق مؤقت، قد يكون تزاحم دخول المدارس، مع دخول العيد، وغلاء الأسعار، وقد يكون زواج شابٍّ مسلم اضطر لأن يعجل به لظروف سفَره، وقد يكون مرضًا مفاجئًا لم يكن في الحسبان تكاليفه، (وما أكثر الأمراض الآن!).

 

وفي القرض الحسن حِفْظٌ لكَرامة ذي الحاجة الملْهُوف، إذا كان ممن يحسبهم الناس أغنياء منَ التعَفُّف، فلا نضطره لطلَب المعونة والصدقة.

 

يا أخي:

ألست تقول: إنك لا تبتغي من البنك فائدته، وإنما هو وعاء لحِفْظ مالك وحسب؟ فلمَ لا تحفظْ أموالك عند ربك - جلَّ وعلا - وتفرج بها كرْب أخيك المسلم؟! أمَا بلغك حديثُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ ملكًا بباب من أبواب السماء، يقول: من يقرض اليوم يجزى غدًا، وملكًا بباب آخر يقول: اللهم أعْطِ منفقًا خلفًا، وعجل لممسك تلفًا))؛ إسناده صحيح؟ لِمَ لا تضع مالك، حيث تعلم أنه يردُّ إليك أحوج ما تكون إليه؟!

 

ثم هو مِن بعد تفريج كربة أخيك يرد إليك نقدًا مباركًا - إن شاء الله تعالى - مكَللًا بجزيل الثواب، من رب الأرباب، المنْعِم الوهاب.

 

وقرر أنْ تفْعل شيئًا، وأسرع فأدرك من جاءك مقترضًا، ابْحَث عنه في كلِّ مكان، أقرضه - يا أخي - من مال الله الذي أعطاك إياه، وبدلًا من وساوس الشيطان التي وضَعَها في رأسك وقت أن جاءك مقترضًا، فَكِّر أنك اليوم إن فرجت كربته، فلن يضيعك الله في كربتك، وأنك بذلك ستقوي أواصر الأخوة في الله وصلة الأرحام وحق الجوار، وفكِّر أنه ربما يحمل لك جميل صنيعك، فيسعى إلى رد المبلغ بأسرع وقت.

 

فإذا عاد إليك مالك، سعيتَ لتقرضه لآخر، ثم لآخر، بعد أن ذُقت حلاوة تفريج الكربات، وأثَر بركتها في دنياك ودينك، وجعلت من مبلغك الصغير سلاحًا في يدك يشهد لك يوم القيامة أنك ما وقفت أمام تفشي الربا مكتوف اليدَيْن.

 

ولا تنسَ أنك بذلك لا تُفَرّج كرب أخيك المسلم وحسب، بل وتدخل السرور على أهله، دون أن تضطرهم للحرام المهلك، وتقاوم الربا الذي تفشَّى وانتشر.

 

وتأمَّل في ثواب الله - عزَّ وجَلَّ - إذ يقول في كتابه الكريم: ﴿ مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ [البقرة: 245].

 

واحذر أن تفهم من ذلك أنه ليس عليك إثبات الدَّين وضمان حقك، بالعكس فكتابة الدين وإثباته أمْرٌ لنا من الله - عز وجل - ويجب أن يكون هذا واضحًا للمُقرض والمقتَرض، وأننا كما نرجو ثواب الله - عز وجل - بالإقراض، فإننا نطيعه - جل وعلا - بإثبات الدَّيْن؛ حتى لا يخشى أحدٌ على ماله فيبخل به، ويتَكَرَّر الخطأ في حياتِنا مرة أخرى، وأمْرُ الله لنا بإثبات الدَّيْن يرفع عنَّا الحرَج في ضمان حقوقنا.

 

وتحرَّى عن الرجل إن كان أهلًا للثِّقة، وأنه سينفق مبلغ القرض في حلال؟

 

واستخِر الله - جلَّ وعلا - واثبت دينك، واضمن حقك، وتوكل على الله - عز وجل.

 

يا أخي، ما عند الله يبقى، وتلك هي التجارة الرابحة، والغنم المبارَك.

 

فتدبر: كم مرةً حثَّنا الله - عز وجل - على الإنفاق في سبيله في القرآن الكريم؟ وفي سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم؟ واسأل نفسك: مَن المخاطب بهذه الآيات أنت وأنا، أم أحد آخر؟

 

اقرض مبلغًا ولو صغيرًا، اقرض وحث الناس على الإقراض، وحث المقترضين على رد الدَّين، وذكِّرهم بآيات الله - عز وجل - وبأحاديث رسوله - صلى الله عليه وسلم.

 

فلأَي الهيئات نعطي أموالنا لإقراضها نيابة عنا؟

 

يظن كثيرٌ من الناس أن غيره أقدر منه على توجيه المال إلى نواحي الخير المختلفة، فتجده يهرع بزكاته وصدقاته للصناديق العامة والجمعيات، وكأنه ألقَى بالعبْء على غيره، ونفض يديه منه، وانتهى الأمر.

 

وليس هذا هو الاختيار الأول في رأيِي، ولا البديل الأفضل، وإنما الخير كل الخير فيما أراه - والله أعلم - هو:

1- أن يظل مالي في حوزتي، فإذا ما احتجت إليه كنتُ أولى الناس به.

 

2- أن أتفقَّد أنا أحوال الناس، وأن أجعل من نفسي قبلة للمحتاجين قدر طاقتي.

 

3- ألَّا أرد سائلًا مِن أهلي أو جيراني، وإنما أُعِين ذا الحاجة الملهوف وأرده ملآن اليدَيْن، مستور الحال، مجبور الخاطر، لا أن أرسل به إلى غيري، ليعرف عنه ما قد يؤذيه أن يعلمه الناس، وقد يعطيه وقد يرده، فيكون أولى الناس بي هم أهلي أيضًا.

 

ولا يخفى على أحد ما في ذلك من إشاعة جو البر، والأخوة، والرحمة، والستر على الفقراء الذين تحسبهم أغنياء من التعفُّف.

 

4- تَكْرار استشعار الثواب والبذل في كل مرة تقرض فيها أخًا لك، وتعينه على نوائب الدهر، مما يزكي النفوس، ويرفع الدرجات - بإذن الله تعالى - على الرغم من أن المبلغ هو نفسه الذي تخرجه كل مرة ويعود إليك.

 

وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه -: لأن أقرض دينارين مرتين أحب إلي من أن أتصدق بهما؛ لأني أقرضهما فيرجعان إلي، فأتصدق بهما فيكون لي أجرهما مرتين".

 

فإذا قيل: ماذا لو أخذ أحدهم المال ولم يردَّه؟ قلنا له: وما أدراك أن يحدث نفس الأمر مع غيرك ممن تعطيه مالك ليقرضه بدلًا عنك؟ فما يمكن أن يحدث معك يُمكن أن يحدث مع غيرك ولا شك، فضلًا عن أنك أفضل الناس معرفة بحال أهلك وجيرانك وصدق حوائجهم.

 

والقرض الحسن في حياتنا اليوم يفتح أبواب الخير والبركة ومنها:

1- فك الكربات، وإدخال السرور على بيوت المسلمين من مال حلال، وليس من حرام مهلك.

 

2- إقامة العديد من المشروعات النافعة؛ فتقلُّ البطالة، ويقل الفراغ، ويقل الفساد، وتتحرَّك حركة الإنتاج والاستهلاك، وتنخفض الأسعار؛ فيأكل الناس ويلبسون ويتعلمون باليسير، ويتزوج الشباب، وتُفتح بيوتٌ جديدة للمسلمين توحِّد الله - عز وجل - ويشعر الناسُ بالتكافُل الاجتماعي، وبالامتنان لمجتمعاتهم، فيبدؤون بدَوْرهم في مُساعدة غيرهم، وتقل المعاصي، وتزداد الطاعات، وتحل البركة، ويكون ذلك - إن شاء الله تعالى - في ميزان السابقين للإقراض الحَسَن.

 

إخوتي في الله:

دعونا نبرأ إلى الله تعالى مما فعل السفهاءُ منَّا، ونعمل على إحياء سنَّة القرض الحسن، فليس كالقرض الحسن يطرد الربا من حياتنا، فليس هناك بر ولا فاجر، عاقل ولا مجنون، تُتاح له فرصة القرْض الحسَن، ثم يصر على أن يدفع عليه فائدة، فالقرض الحسن يطرد الربا بهدوء وثبات وثقة.

 

ولقد تعبنا من تحذير المرابين: أنِ اتَّقوا الله، وتعبنا من إقناع المقترضين بالربا: أن ارحموا أنفسكم، وليس كل الناس يقتنع بالحق ويعمل به، ولو كان على حساب ما يظنه – متوهمًا - مصالح دنيويَّة، فالبعضُ يرى مصلحته ودنياه هما الحق الوحيد.

 

فدعوهم إن أصرُّوا على أن يكونوا في حرب مع الله ورسوله من أجل حطام زائل، أن نكون نحن جنود الله في الأرض، حتى تبور تجارة المرابين.

 

دعونا ننشر سنة القرْض الحسَن، لنذيق الناس - طوعًا أو طمعًا - حلاوة المال الحلال، فلعلهم وقتها يعودون إلى الدين بقلوبهم وعقولهم، ولعلهم يتوبون بصدق.

 

وبقدر ما عمل أعداء الدين على نشر الربا، عن طريق البنوك الربوية منذ القرن الثاني عشر الميلادي في إيطاليا، بلا كلل ولا ملل، حتى دخلت البلاد الإسلامية في القرن التاسع عشر، وانتشرت بالصورة التي نراها اليوم[17]، دعونا نعمل على نشر سُنَّة القرض الحسن، سُنَّة نبينا وشرع إلهنا الواحد الأحد، وماذا عسانا نخسر؟!

 

إن خذلَنا مقترضٌ، فلن يخذلنا الآخرُ، وإن خسرنا المال كسبنا - إن شاء الله تعالى - رضا الله - عز وجل - واستبدلنا بحياتنا القصيرة المحدودة جنات عرضها السماوات والأرض.

 

دعونا نقُم لله بقوة ونقتدي بصحابته، لو أنهم كانوا اليوم مكاننا، أتدري ما كان عساهم يفعلون؟

 

وأخيرًا: باب التوبة ما زال مفتوحًا:

إخوتي في الله:

ما دامت أعمارنا - بفضل الله - ما زالت موصولة، وما دمنا ما زلنا ندبُّ على سطح الأرض، فما زالت لدينا فرصة للتوبة، فهيا لنعد إلى الله - جل وعلا - قبل فوات الأوان.

 

فإنْ كنتَ ممن اقترض بالرِّبا، أو شهد عليه، أو كتبه، أو أعان عليه، فتب الآن، واندَم واعزم على عدم العَوْدة إليه، تنجُ - بإذن الله تعالى.

 

وإن كنتَ ممن يأكل الربا، فتخلص من الفائدة الربوية على مالك، واندم واعزم على عدم العودة - بإذن الله تعالى.

 

هيا لنلحق بمن سبقنا إلى سفينة شرع الله - عز وجل - فننجو من طوفان الدنيا، ونصل إلى آخر مرافئنا بسلام، إلى الجنة - إن شاء الله عز وجل.



[1] فضيلة الشيخ د. علي السالوس في لقاء معه على قناة الرحمة الفضائية.

[2] فضيلة الشيخ محمد حسان في لقاء معه على قناة الرحمة الفضائية.

[3] كتاب "الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز"؛ لفضيلة د. عبدالعظيم بدوي.

[4] كتاب "الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز"؛ لفضيلة د. عبدالعظيم بدوي.

[5] كتاب "منهاج المسلم"؛ لأبي بكر جابر الجزائري.

[6] كتاب "منهاج المسلم"؛ لأبي بكر جابر الجزائري.

[7] بحث "نظرية القرض في الشريعة الإسلامية"؛ لفضيلة الشيخ محمد حسين يعقوب.

http://www.yaqob.com/site/docs/articles_view.php?a_id=74&cat_id=8

[8] كتاب "منهاج المسلم"؛ لأبي بكر جابر الجزائري.

[9] بحث "نظرية القرض في الشريعة الإسلامية"؛ لفضيلة الشيخ محمد حسين يعقوب.

http://www.yaqob.com/site/docs/articles_view.php?a_id=74&cat_id=8

[10] كتاب "الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز"؛ لفضيلة د. عبدالعظيم بدوي.

[11] كتاب "الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز"؛ لفضيلة د. عبدالعظيم بدوي.

[12] بحث "نظرية القرض في الشريعة الإسلامية"؛ لفضيلة الشيخ محمد حسين يعقوب.

http://www.yaqob.com/site/docs/articles_view.php?a_id=74&cat_id=8

[13] كتاب "الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز"؛ لفضيلة د. عبدالعظيم بدوي.

[14] كتاب "الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز"؛ لفضيلة د. عبدالعظيم بدوي.

[15] كتاب "الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز"؛ لفضيلة د. عبدالعظيم بدوي.

[16] كتاب "الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز"؛ لفضيلة د. عبدالعظيم بدوي.

[17] بحث "نظرية القرض في الشريعة الإسلامية"؛ لفضيلة الشيخ محمد حسين يعقوب.

http://www.yaqob.com/site/docs/articles_view.php?a_id=74&cat_id=8





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • القرض والدين (1/2)
  • القرض والدين (2/2)
  • ضوابط القرض في الشريعة
  • فوائد القروض.. البعض لا يحسبونها جيدًا
  • الاستدانة اليوم للضروريات أم للكماليات؟!
  • القرض وأحكامه
  • كل قرض جر نفعا فهو ربا
  • القرض الحسن
  • القرض الحسن
  • من أحكام القرض
  • القرض الحسن بوابة الرزق السريع والثواب العظيم والنماء الكبير
  • من فضل القرض الحسن: القرض الحسن كعتق رقبة

مختارات من الشبكة

  • القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل القرض الحسن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم اشتراط عقد تبرع في عقد تبرع (صيغة القروض المتبادلة)(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • ما حكم اجتماع القرض، أو الضمان مع الأجر في بطاقة الائتمان؟(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • القرض الحسن سبب للنجاة من النار (بطاقة)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • فضل القرض الحسن والأدلة الواردة حول ذلك(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • موقف الأنظمة واللوائح في المملكة العربية السعودية من القرض بالفائدة(كتاب - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • القرض (عرض تقديمي)(كتاب - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • حكم تعاطي القرض الربوي في حال الحاجة(استشارة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • اختيارات الشيخ محمد بن صالح العثيمين الفقهية في أبواب القرض والرهن والضمان والحوالة والصلح(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
3- الربا
فضيلة - تونس 07-03-2017 04:57 PM

السلام عليكم شكرا على الإفادة والله شيئ مضحك مبكي ما يحصل لعالمنا الإسلامي الذي جر جرا طبعا وبإرادة سياسية إلى مستنقع معصية الله حتى لا تصل شعوبنا إلى قمة التقدم والازدهار، الغرب واليهود يعلمون أن الدين الإسلامي ومقاصدة الإخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والعمرانية والتنموية هو الدين المخلص والمنقذ للبشرية وخاصة الشعوب الإسلامية لذلك وضعوا خطط جهنمية لتدمير كل هذه المبادئ ابتداءا عند أهل الإسلام حتى لا ينهضوا ثم تشويهه عند شعوبهم حتى لا يتعاطفوا وينخرطوا معنا في منظومة تدمر طمعهم وجشعهم اللا نهائي نحن أمة التوحيد وأمة أطهر رجل على وجه الأرض ندنس أموالنا ونعصي ربنا ونريد الازدهار والتقدم ومحاربة الفقر كيف والله ورسوله أذنوا بالحرب على أكلة الربا اللهم إني بريئة وأهلي مما يأكلون أنت تعلم أني أدعوك دائما لتطهير أموالي وأموال أهلي من الربا اللهم آمين.

2- anjah
ahmed amrani - maroc 27-02-2013 11:27 PM

orid anaja7 fi kolli 7ayati khassatan adrassya

1- شكر
mehdi - maroc 23-02-2010 01:25 AM
شكرا على هدا البحت الذي افادني كتيرا وشكرا لموقع الألوكة جزاك الله خيرا
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب