أسفار العهد القديم ( تعريفها - لغاتها - وكيف صارت مقدسة؟ )

أسفار العهد القديم

( تعريفها - لغاتها - وكيف صارت مقدسة؟ )

تعتبر أسفار العهد القديم هي المرجع المقدس الذي يحرص الإسرائيليون على أن يستخرجوا من نصوصه وتأويلاته ما يؤيد مطامعهم في أرض فلسطين، ومن أجل ذلك كان من اللازم التعرف على هذه الأسفار بالقدر الذي يجعلنا على بيِّنة من أمرها من حيث: مشتملاتها، وكيفية تكوينها، وتاريخها، وتراجمها.

ولسوف نرجع في هذا المجال إلى أبحاث العلماء المتخصصين في هذه الدراسات، وهم الذين أنفقوا السنوات الطويلة في بحثها ودراستها، بل وأنفقت أجيال متتابعة من أمثال أولئك العلماء قرونًا عديدة في هذا العمل الدقيق والهام، ثم قامت دوائر المعارف العالمية؛ مثل: «دائرة المعارف الأمريكية»، و«دائرة المعارف البريطانية» بجمع خلاصة تلك الأبحاث بين طياتها.

ولهذا سوف نرجع إلى هاتين الدائرتين، لنعرف منهما حقيقة أسفار العهد القديم - ونحن في عملنا هذا إنما نقصد مراجع علمية يعتبر قولها في هذه القضية فوق مستوى الشبهات.

مقدمة وتعريف:

تقول دائرة المعارف الأمريكية: «يتكون العهد القديم - حسب عقيدة البروتستانت - من 39 سفرًا بخلاف ملحق يعرف بالأبوكريفا APOCRYOHA - أي الأسفار المحذوفة، على حين تضيف الطوائف الأخرى؛ مثل: الكاثوليك والإنجيليين، والكنائس الأرثوذكسية تلك الأسفار المحذوفة وعددها 14 سفرًا - إلى أسفار العهد القديم، وبذلك يصبح مجموع أسفاره 53 سفرًا.

والشائع بين اليهود هو أن الأسفار الخمسة الأولى Pentateuch المنسوبة لموسى تكون الجزء الأول من الأسفار وتعرف بالتوراة أو الناموس، على حين تكون الكتب التاريخية الجزء الثاني وتعرف بكتب النبوات أو الأنبياء، أما الجزء الثالث فيعرف بالكتب؛ أي: إن العهد القديم يتكون من: الناموس والأنبياء والكتب»[1].

كيف صارت كتب العهد القديم أسفارًا مقدسة:

«لقد كان هناك نشاط أدبي بين الإسرئيليين منذ عهد مبكر، فسجلوا تقاليدهم القبيلة وقوانين الجماعة الإسرائيلية، هذا بجانب الأغاني الشعبية وترانيم العبادة وما ينطق به الكهنة والأنبياء من كهانة ووحي، كذلك سجل الإسرائيليون حكمة الشيوخ وأقوالهم وسلوكهم، والأحداث التاريخية الهامة، وواضح أن كل ما سجلوه لم يكن مختصًّا بالمسائل الدينية، ألا أنه بعد أن استقرت حياة الطائفة الإسرائيلية بدأت تظهر بالتدريج - وعن غير قصد - عناصر من هذه الآداب اعتبرتها الطائفة ركائز لحياتها العقائدية، وبهذا أعطيت هذه العناصر وقارًا خاصًّا تفرَّدت به وتحولت بذلك إلى كتابات مقدسة، ولا شك أن الكُتاب الأصليين لهذه الكتب لم يدر بخلدهم أن ما كتبوه وسجلوه سيكون له مثل هذه القداسة في حياة الطائفة الإسرائيلية في يوم من الأيام»[2].

متى اكتسبت أسفار العهد القديم الصبغة القانونية:

«يتكون العهد القديم من ثلاثة أجزاء هي:

1 - الناموس: وهو يتكون من أسفار: التكوين - الخروج - اللاويين العدد - التثنية..

2 - الأنبياء: وهو ينقسم إلى جزأين:

(أ) الأنبياء السابقين ويتكون من أسفار: يشوع - القضاة - صموئيل (الأول والثاني) - الملوك (الأول والثاني).

(ب) الأنبياء المتأخرين ويتكون من أسفار: أشعياء - أرمياء - حزقيال - الاثناء عشر نبيا الأصاغر (هوشع - يوئيل - عاموس - عوبديا - يونان - ميخا - ناحوم - حبقوق - صفنيا - حجي - زكريا - ملاخي).

3 - الكتب: وهي تتكون من:

(أ) المزامير - الأمثال - أيوب.

(ب) راعوث - نشيد الانشاد - الجامعة - مراثي ارمياء - أستير.

(ج) دانيال - عزرا - نحميا - أخبار الأيام (الأول والثاني).

وقد اكتسبت كل من الأجزاء الثلاثة الرئيسية للعهد القديم صبغتها القانونية على مدى قرون طويلة بيانها كالآتي:

اكتمل الناموس شرعيته حوالي عام 400 ق. م. - والأنبياء حوالي عام 200 ق.م وأما الكتب فكانت حوالي عام 90 ميلادية»[3].

هذا - واذا كانت تواريخ تلقي موسى للتوراة تتراوح بين 1290 و 1250 ق.م، كما يقدر ذلك المؤرخون، صار من الواضح أن أسفار «الناموس» التي وصلتنا قد استغرقت أكثر من ثمانية قرون، حين اكتمل بناؤها وأخذت صورتها القانونية. ولا يختلف الحال كثيرا بالنسبة «للأنبياء» «والكتب» فكليهما أستغرق قرونا عدة ليكتسب قانونيته.

اللغات واللهجات التي كتبت بها أسفار العهد القديم:

«كتبت أسفار العهد القديم باللغة العبرية عدا بعض الكلمات والتعبيرات والأسماء، كما جاء في بعض إصحاحات الأسفار الآتية: التكوين 31: 47، وأرمياء 10: 11 أو مثل بعض الإصحاحات التي كتبت بأكملها أو أجزاء منها وهي: في سفر عزرا من أوائل الاصحاح الرابع 4: 8 إلى أواخر الاصحاح السادس 6: 18، وكذلك في الاصحاح السابع 7: 12 - 26، وفي سفر دانيال من 2: 4 إلى 7: 28 - فكل هذه الإصحاحات والفقرات المشار اليها كتبت بالآرامية، لقد كانت العبرية هي لغة اسرائيل ويهوذا (المملكتين) حتى السبي البابلي، ولكن يهود ما بعد السبي بينما احتفظوا بالعبرية لغة مقدسة فانهم كانوا يتكلون الآرامية، وهي اللغة التي كانت سائدة آنذاك في غرب آسيا.

ومن المعلوم أن كلا من العبرية والآرامية تنتمي إلى عائلة واحدة أو مجموعة متجانسة من اللغات تعرف بمجموعة اللغات السامية. وتنقسم هذه المجموعة الى:

(أ) مجموعة شرقية وهي: الأشورية - البابلية، وتعرف بالأكادية.

(ب) مجموعة جنوبية غربية هي. العربية والأثيوبية.

(ج) مجموعة شمالية غربية هي: الفينيقية والموآبية والعبرية والآرامية والسوريانية.

ولذلك يعتبر العهد القديم كتابًا غير متجانس؛ إذ إنه مجموعة من الوثائق تكونت خلال فترة تزيد على الألف عام بواسطة رجال لهم تراث لغوي متعدد؛ ذلك أن اللغة العبرية التي كتبت بها أسفار العهد القديم هي في الواقع لغة خليط في أصلها وتطورها، ويعترف العهد القديم بأن يعقوب كان «أراميًّا تائهًا» (تثنية 26: 5)، وكان اختيار الآباء السابقين لزوجات يتكلمن لسانًا آخرَ (سفر التكوين 24: 10، 41: 45) له أثر كبير في تطور اللغة وتنوع لهجاتها، ولا نقرر سوى الواقع عندما نقول: إن اللغة العبرية لم تكن لغة نقية، فتلك هي النتيجة التي تقررها الدراسات اللغوية لكتب العهد القديم»[4].