• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الحديث وعلومه
علامة باركود

المجاهدة في السنة (1)

المجاهدة في السنة (1)
فتحي حمادة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/4/2014 ميلادي - 21/6/1435 هجري

الزيارات: 15333

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المجاهدة في السنة (1)


هناك أحاديث كثيرة تتحدَّث عن المجاهدة، جمعها الإمام البخاري والإمام مسلم في كتابيهما، وإليكم بعضًا من هذه الأحاديث التي جاءت في شرح رياض الصالحين:

جاء في شرح رياض الصالحين لابن عثيمين:

1- عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ))؛ رواه البخاري.

الشرح:

قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما رواه عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ))؛ يعني: أن هذين الجنسين من النِّعم مغبون فيهما كثير من الناس؛ أي: مغلوب فيهما، وهما الصحة والفراغ، وذلك أن الإنسان إذا كان صحيحًا، كان قادرًا على ما أمره الله به أن يفعله، وكان قادرًا على ما نهاه الله عنه أن يتركه؛ لأنه صحيح البدن، منشرح الصدر، مطمئن القلب، كذلك الفراغ إذا كان عنده ما يؤويه وما يكفيه من مؤنة فهو متفرغ.

 

فإذا كان الإنسان فارغًا صحيحًا، فإنه يغبن كثيرًا في هذا؛ لأن كثيرًا من أوقاتنا تضيع بلا فائدة ونحن في صحة وعافية وفراغ، ومع ذلك تضيع علينا كثيرًا، ولكننا لا نعرف هذا الغبن في الدنيا، إنما يعرف الإنسان الغبن إذا حضره أجله، وإذا كان يوم القيامة، والدليل على ذلك قوله - تعالى -: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [المؤمنون: 99، 100]، وقال - عز وجل - في سورة المنافقون: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [المنافقون: 10]، وقال الله - عز وجل -: ﴿ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 11].

 

الواقع أن هذه الأوقات الكثيرة تذهب علينا سدًى، لا ننتفع منها، ولا ننفعُ أحدًا من عباد الله، ولا نندم على هذا إلا إذا حضر الأجل، يتمنَّى الإنسان أن يعطَى فرصة ولو دقيقة واحدة لأجل أن يُستَعتَب، ولكن لا يحصل ذلك.

 

ثم إن الإنسان قد لا تفوته هاتان النعمتان - الصحة والفراغ - بالموت، بل قد تفوته قبل أن يموت، قد يمرض ويعجز عن القيام بما أوجب الله عليه، وقد يمرض ويكون ضيق الصدر لا يشرح صدره، ويتعب، وقد ينشغل بطلب النفقة له ولعياله، حتى تفوته كثير من الطاعات.

 

ولهذا ينبغي للإنسان العاقل أن ينتهزَ فرصة الصحة والفراغ بطاعة الله - عز وجل - بقدر ما يستطيع، إن كان قارئًا للقرآن فليكثر من قراءة القرآن، وإن كان لا يعرف القراءة يُكثر من ذكر الله - عز وجل - وإذا كان لا يمكنه، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أو يبذل لإخوانه كل ما يستطيع من معونة وإحسان، فكل هذه خيرات كثيرة تذهب علينا سدًى، فالإنسان العاقل هو الذي ينتهز الفرص؛ فرصة الصحة، وفرصة الفراغ.

 

2- عن عائشة - رضي الله عنها -: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: ((أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا))؛ متفق عليه، هذا لفظ البخاري، ونحوه في الصحيحين من رواية المغيرة بن شعبة.

الشرح:

ثم ذكر المؤلف - رحمه الله تعالى - ما نقله عن عائشة - رضي الله عنها - في باب المجاهدة، وقد سبق لنا: أن من جملة المجاهدة مجاهدةَ الإنسان نفسه، وحملَه إياها على عبادة الله، والصبر على ذلك.

 

ذكر المؤلف - رحمه الله - عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت: يا رسول الله، لِم تصنع ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: ((أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا))، فعائشة - رضي الله عنها - من أعلم الناس بحال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يصنعه في السر؛ أي: في بيته، وكذلك نساؤه - رضي الله عنهن - هن أعلم الناس بما يصنعه في بيته.

 

ولهذا كان كبار الصحابة يأتون إلى نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألونَهن عمَّا كان يصنع في بيته، فكان - صلى الله عليه وسلم - يقوم من الليل؛ يعني: في الصلاة تهجدًا، وقد قال الله - تعالى - في سورة المزمل: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ ﴾ [المزمل: 20]؛ فكان يقوم - عليه الصلاة والسلام - أحيانًا أكثر الليل، وأحيانًا نصف الليل، وأحيانًا ثُلُث الليل؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - يعطي نفسه حقَّها من الراحة، مع القيام التام بعبادة ربه - صلوات الله وسلامه عليه - فكان يقوم أدنى من ثلثي الليل - يعني فوق النصف، ودون الثلثين - ونصفَه وثلثَه حسب نشاطه - عليه الصلاة والسلام - وكان يقوم حتى تتورَّم قدماه وتتفطَّر من طول القيام؛ أي يتحجَّر الدم فيها وتنشق.

 

وقد قام معه شباب من الصحابة - رضي الله عنهم - ولكنهم تعبوا؛ فابن مسعود - رضي الله عنه - يقول: صليتُ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، فقام طويلًا حتى هممتُ بأمر سوء، قالوا: بما هممت يا أبا عبدالرحمن؟ قال: هممت أن أقعد وأدعه؛ أي: يجلس؛ لعجزه عن أن يصبر كما صبر النبي - صلى الله عليه وسلم، وحذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قام معه ذات ليلة، فقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - البقرة والنساء وآل عمران، الجميع خمسة أجزاء وربع تقريبًا، ويقول حذيفة: كلما أتتْ آية رحمةٍ سأل، وكلما أتت آية تسبيح سبَّح، وكلما أتت آية وعيدٍ تعوَّذ، وهو معروف - عليه الصلاة والسلام - أنه يرتل القراءة خمسة أجزاء وربع، مع السؤال عند آيات الرحمة، والتعوذ عند آيات الوعيد، والتسبيح عند آيات التسبيح، فماذا يكون القيام؟ يكون طويلًا، وهكذا كان النبي - عليه الصلاة والسلام - يقرأ في الليل، وإذا أطال القراءةَ أطال الركوع والسجود أيضًا، فكان يطيل القراءة والركوع والسجود.

 

فإذا كان يقوم - عليه الصلاة والسلام - مثلًا في ليلة من ليالي الشتاء، وهي اثنتا عشرة ساعة، يقوم أدنى من ثلثي الليل؛ فلنَقُلْ: إنه - صلى الله عليه وسلم - يقوم سبع ساعات تقريبًا وهو يصلي - عليه الصلاة والسلام - في الليل الطويل.

 

تصوَّر ماذا يكون حاله عليه الصلاة والسلام؟ ومع هذا فقد صبر نفسه، وجاهد نفسه، وقال: ((أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا)).

 

3- عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجدَّ، وشدَّ المِئْزَر"؛ متفق عليه.

الشرح:

قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما نقله عن أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - في حال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العشر الأواخر من رمضان: إنه إذا دخل العشر شد المِئْزر، وأحيا ليله، وجدَّ في العبادة، وشمَّر عليه الصلاة والسلام.

 

وقد سبق في الحديث السابق: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم في الليل حتى تتفطر قدماه، وأنه يقوم من الليل أكثر من النصف، أو النصف، أو الثلث، أما في ليالي العشر من رمضان، فإنه يقوم الليل كله؛ أي: يُحيي ليلَه كله - عليه الصلاة والسلام - بالعبادة، لكن بالفطور بعد غروب الشمس، والعشاء، وصلاة العشاء، والأشياء التي يرى - عليه الصلاة والسلام - أنها قربى إلى الله - عز وجل، وليس معناه أن كل الليل في صلاة؛ بدليل أن صفية بنت حُيَيِّ بن أخطب كانت تأتي إليه - عليه الصلاة والسلام - فيحدِّثها بعد صلاة العشاء، ولكن كل ما كان يفعله - عليه الصلاة والسلام - في تلك الليالي، فإنه قربى إلى الله - عز وجل - إما صلاة، أو تهيؤ لصلاة، أو غير ذلك.

 

ثم ذكر المؤلف - رحمه الله - معنى قوله: "شد المِئْزر"، فمنهم مَن قال: إنه كناية عن ترك النساء؛ لأنه يكون معتكفًا، والمعتكف لا يباح له النساء، كما قال - تعالى -: ﴿ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ [البقرة: 187]، ومنهم مَن قال: بل هو كناية عن الجِدِّ والتشمير في العمل، وكلا الأمرين صحيح؛ فإن الرسول - عليه الصلاة والسلام - كان لا يأتي أهله في العشر الأواخر من رمضان؛ لأنه معتكف، وكان أيضًا يشد المِئْزر، ويجتهد، ويشمر - صلوات الله وسلامه عليه - وهذا من أنواع المجاهدة، فالإنسان يجب أن يجاهد نفسه في الأوقات الفاضلة حتى يستوعبَها في طاعة الله.

 

4- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعنْ بالله ولا تعجِزْ، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَر الله، وما شاء فعل، فإن "لو" تفتح عمل الشيطان))؛ رواه مسلم.

الشرح:

قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما نقله عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)).

 

المؤمن القوي: يعني في إيمانه، وليس المراد القوي في بدنه؛ لأن قوة البدن قد تكون ضررًا على الإنسان إذا استعمل هذه القوة في معصية الله؛ فقوة البدن ليست محمودة ولا مذمومة في ذاتها، إن كان الإنسان استعمل هذه القوة فيما ينفعه في الدنيا والآخرة صارت محمودة، وإن استعان بهذه القوة على معصية الله صارت مذمومة.

 

لكن القوة في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((المؤمن القوي))؛ تعني: قوة الإيمان؛ لأن كلمة القوي تعود إلى الوصف السابق وهو الإيمان، كما تقول: الرجل القوي؛ أي: في رجولته، كذلك المؤمن القوي يعني في إيمانه؛ لأن المؤمن القوي في إيمانه تحملُه قوةُ إيمانه على أن يقوم بما أوجب الله عليه، وعلى أن يزيد من النوافل ما شاء الله، والضعيف الإيمان يكون إيمانه ضعيفًا لا يحمله على فعل الواجبات وترك المحرمات؛ فيقصِّر كثيرًا.

 

وقوله: ((خير))؛ يعني: خير من المؤمن الضعيف، وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، ثم قال - عليه الصلاة والسلام -: ((وفي كلٍّ خير))؛ يعني: المؤمن القوي والمؤمن الضعيف، كل منهما فيه خير، وإنما قال: ((وفي كل خير))؛ لئلاَّ يتوهَّم أحد من الناس أن المؤمن الضعيف لا خير فيه، بل المؤمن الضعيف فيه خير، فهو خير من الكافر لا شك.

 

ثم قال - عليه الصلاة والسلام -: ((احرصْ على ما ينفعك))، هذه وصية من الرسول - عليه الصلاة والسلام - لأمته، وهي وصية جامعة مانعة: ((احرص على ما ينفعك))؛ يعني: اجتهد في تحصيله ومباشرته، وضد الذي ينفع الذي فيه ضرر، وما لا نفع فيه ولا ضرر.

 

وهذا حديث عظيم، ينبغي للإنسان أن يجعله نبراسًا له في عمله الديني والدنيوي؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((احرصْ على ما ينفعُك))، وهذه الكلمة كلمة جامعة عامة، ((على ما ينفعك))؛ أي: على كل شيء ينفعك، سواء في الدين أو في الدنيا، فإذا تعارضت منفعة الدين ومنفعة الدنيا فقدِّم منفعة الدين؛ لأن الدين إذا صَلَح صَلَحت الدنيا، أما الدنيا إذا صلحت مع فساد الدين فإنها تفسد.

 

وقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((واستعنْ بالله)): ما أروع هذه الكلمة بعد قوله: ((احرصْ على ما ينفعك))؛ لأن الإنسان إذا كان عاقلًا ذكيًّا، فإنه يتتبع المنافع ويأخذ بالأنفع ويجتهد، ويحرص، وربما تغرُّه نفسه حتى يعتمد على نفسه وينسى الاستعانة بالله، وهذا يقع لكثير من الناس؛ حيث يعجب بنفسه ولا يذكر الله - عز وجل - ويستعين به، فإذا رأى من نفسه قوة على الأعمال، وحرصًا على النافع وفعلًا له، أُعجِب بنفسه، ونسي الاستعانة بالله؛ ولهذا قال: ((احرص على ما ينفعك، واستعن بالله))؛ أي: لا تنسَ الاستعانة بالله، ولو على الشيء اليسير.

 

وفي الحديث: ((ليسأل أحدُكم ربَّه حاجته حتى يسأله المِلْح، وحتى يسأله شَسْع نعله إذا انقطع))؛ يعني: حتى الشيء اليسير لا تنسَ الاستعانة بالله - عز وجل - حتى ولو أردتَ أن تتوضَّأ أو تصلِّي، أو تذهب يمينًا أو شمالًا، أو تضع شيئًا، فاستحضر أنك مستعينٌ بالله - عز وجل - وأنه لولا عونُ الله ما حصل لك هذا الشيء.

 

ثم قال: ((ولا تعجز))؛ يعني: استمرَّ في العمل، ولا تعجز وتتأخر وتقول: إن المدى طويل، والشغل كثير، فما دمت صممت في أول الأمر أن هذا هو الأنفع لك واستعنت بالله وشرعت فيه، فلا تعجز.

 

وهذا الحديث في الحقيقة يحتاج إلى مجلدات يتكلم عليه فيها الإنسان؛ لأن له من الصور والمسائل ما لا يحصى؛ لأن معنى قوله: ((لا تعجِز))؛ أي: لا تترك العمل، بل ما دمتَ دخلت فيه على أنه نافع فاستمرَّ فيه؛ ولذا تجد هذا الرجل يمضي عليه الوقت ولم يحصِّل شيئًا، فقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تعجز))؛ أي: لا تكسل وتتأخر في العمل إذا شرعت فيه، بل استمر؛ لأنك إذا تركت ثم شرعت في عمل آخر، ثم تركت، ثم شرعت، ثم تركت، ما تم لك عملٌ.

 

ثم قال - عليه الصلاة والسلام -: ((فإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلتُ لكان كذا وكذا))؛ ويعني: بعد أن تحرص وتبذل الجهد، وتستعين بالله، وتستمر، ثم يخرج الأمر على خلاف ما تريد، فلا تقل: لو أني فعلتُ لكان كذا؛ لأن هذا أمر فوق إرادتك، أنت فعلت الذي تؤمر به، ولكن الله - عز وجل - غالب على أمره: ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21]، فالإنسان إذا بذل ما يستطيع مما أُمر ببذله، وأخلفت الأمور؛ فحينئذٍ يفوِّض الأمر إلى الله؛ لأنه فعل ما يَقدِر عليه، ولهذا قال: ((إن أصابك شيء))؛ يعني: بعد بذل الجهد والاستعانة بالله - عز وجل -: ((فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا)).

 

فأنت إذا بذلت الجهد، واستعنت بالله، وصار الأمر على خلاف ما تريد، لا تندم، ولا تقل: لو أني فعلت لكان كذا، إذا قلت هذا، انفتح عليك من الوساوس والندم والأحزان ما يكدر عليك الصفو؛ فقد انتهى الأمر وراح، وعليك أن تسلِّم الأمر للجبَّار - عز وجل - قل: قدَر الله وما شاء فعل.

 

ووالله، لو أننا سِرْنا على هَدْي هذا الحديث لاسترحنا كثيرًا، لكن تجد الإنسان منا أولًا: لا يحرص على ما ينفعه، بل تمضي أوقاته ليلًا ونهارًا بدون فائدة، تضيع عليه سدًى.

 

ثانيًا: إذا قدِّر أنه اجتهد في أمر ينفعه، ثم فات الأمر، ولم يكن على ما توقع، تجده يندم، ويقول: ليتني ما فعلت كذا، ولو أني فعلت كذا لكان كذا، وهذا ليس بصحيح، فأنت أدِّ ما عليك، ثم بعد هذا فوِّض الأمر لله - عز وجل.

 

5- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((حُجِبت النارُ بالشهوات وحُجِبت الجنَّة بالمكاره))؛ متفق عليه.

الشرح:

قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما نقله عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((حفَّت النار بالشهوات))، وفي لفظ: ((حُجِبت))، ((وحفَّت الجنة بالمكاره)) وفي لفظ: ((حجبت الجنة بالمكاره))؛ يعني: أحيطت بها، فالنار قد أحيطت بالشهوات، والجنة قد أحيطت بالمكاره، والشهوات: هي ما تميل إليه النفس، من غير تعقل، ولا تبصُّر، ولا مراعاة لدين، ولا مراعاة لمروءة.

 

فالزنا - والعياذ بالله - شهوة الفرج، تميل إليها النفس كثيرًا، فإذا هَتَك الإنسان هذا الحجاب، فإنه سيكون سببًا لدخوله النار، وكذلك شرب الخمر، تهواه النفس وتميل إليه؛ ولهذا جعل الشارع له عقوبة رادعة بالجلد، فإذا هتك الإنسان هذا الحجاب وشرب الخمر أدَّاه ذلك إلى النار - والعياذ بالله.

 

وكذلك حب المال، شهوة من شهوات النفس، فإذا سرق الإنسان بدافع شهوة حب جمع المال، فلرغبةِ أن يستولي على المال الذي ترغبه نفسه، فإذا سرق فقد هتك هذا الحجاب، فيصل إلى النار - والعياذ بالله.

 

ومن ذلك الغشُّ من أجل أن يزيد ثمن السلعة، هذا تهواه النفس، فيفعله الإنسان، فيهتك الحجاب الذي بينه وبين النار، فيدخل النار.

 

الاستطالة على الناس، والعلو عليهم، والترفُّع عليهم، كل إنسان يحب هذا، وتهواه النفس، فإذا فعله الإنسان فقد هتك الحجاب الذي بينه وبين النار، فيصل إلى النار - والعياذ بالله.

 

ولكن ما دواء هذه الشهوة التي تميل إليها النفس الأمارة بالسوء؟

دواؤها ما بعدها، قال: ((وحفَّت الجنة بالمكاره)) أو: ((حجبت بالمكاره))؛ يعني: أُحِيطت بما تكرهُه النفوس؛ لأن الباطل محبوب للنفس الأمَّارة بالسوء، والحق مكروهٌ لها، فإذا تجاوز الإنسان هذا المكروه، وأكره نفسَه الأمَّارة بالسوء على فعل الواجبات وعلى ترك المحرمات، فحينئذٍ يصل إلى الجنة.

 

ولهذا تجد الإنسان يستثقل الصلوات مثلًا، ولا سيما في أيام الشتاء وأيام البرد، ولا سيما إذا كان في الإنسان نوم كثير، بعد تعب وجهد، فتجد الصلاة ثقيلة عليه، ويكره أن يقوم ويترك الفراش اللين الدافئ، ولكن إن هو كسر هذا الحاجب، وقام بهذا المكروه، وصل إلى الجنة.

 

وكذلك النفس الأمَّارة بالسوء، تدعو صاحبها إلى الزنا شهوة، وتحبه النفس الأمارة بالسوء، لكن إذا عقلها صاحبها وأكرهها على تجنب هذه الشهوة، فهذا كره له، ولكن هو الذي يوصله إلى الجنة؛ لأن الجنة حُفَّت بالمكاره، وأيضًا، الجهاد في سبيل الله، مكروه إلى النفس: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، مكروه للنفس، فإذا كسر الإنسان هذا الحجاب، كان ذلك سببًا لدخول الجنة، واستمع إلى قول الله - تعالى -: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 169 - 171]، فإذا كسر الإنسانُ هذا المكروهَ، وصَل إلى الجنة.

 

كذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، شديد على النفوس، شاقٌّ عليها، وكل إنسان يتهاون فيه ويكرهه، يقول: ما علي بالناس؟ أتعب نفسي معهم، وأتعبهم معي؟! ولكنه إذا كسر هذا المكروه، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، فإن هذا سبب لدخول الجنة.. وهلم جرًّا، كل الأشياء التي أمر الله بها مكروهة للنفوس، لكن أكرِهْ نفسَك عليها حتى تدخل الجنة.

 

فاجتناب المحرَّمات مكروه إلى النفوس، وشديد عليها، لا سيما مع قوَّة الداعي، فإذا أكرهت نفسك على ترك هذه المحرَّمات، فهذا من أسباب دخول الجنة، فلو أن رجلًا شابًّا أعزب، في بلاد كفر وحرية، فيها يفعل الإنسان ما شاء، وأمامه من النساء الجميلات فتيات شابات، وهو شاب أعزب، فلا شك أنه سيعاني مشقة عظيمة في ترك الزنا؛ لأنه متيسر له، وأسبابه كثيرة، لكن إذا أكره نفسه على تركها، صار هذا سببًا لدخول الجنة.

 

واستمع إلى قول النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله))؛ أي: يوم القيامة؛ حيث تدنو الشمس الحارة العظيمة، التي نحس بحرارتها الآن، وبيننا وبينها مئات السنين، هذه الشمس تدنو يوم القيامة، حتى تكون على رؤوس الخلائق بمقدار ميل، قال بعض العلماء: الميل: المكحلة، وميل المكحلة صغير، أصغر من الإصبع، وقال بعضهم: ميل المسافة، وأيًّا كان الميل، فالشمس قريبة من الرؤوس، لكن هناك أناس يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، أسال الله أن يجعلني وإياكم ممن يظله الله.

 

((يظلهم الله))؛ يعني: يخلق لهم ما يظلهم يوم لا ظل إلا ظله، وليس في ذلك اليوم بناء، ولا شجر، ولا جبال تظلل، وليس هناك إلا ظل رب العالمين، أسال الله رب العالمين أن يظلَّني وإياكم به، هذا الظل يظل الله فيه مَن يشاء مِن عباده، ومنهم هؤلاء السبعة الذين ذكرهم الرسول - عليه الصلاة والسلام - في قوله: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلَّق بالمساجد، ورجلان تحابَّا في الله، اجتمعا عليه، وتفرَّقا عليه، ورجل دعتْه امرأة ذات منصب وجمال...))، وهذا هو الشاهد، فالمرأة ذات منصب؛ يعني شريفة، ليست دنيئة، ذات جمال، والجمال يدعو النفس إلى التطلع إلى المرأة، والاتصال بها، ((فقال: إني أخاف الله))؛ ولم يقلْ: ما في شهوة، أو حولنا أناس وأخاف منهم أن يكشفونا، بل قال: إني أخاف الله، فالرجل شاب، وفيه شهوة، وأسباب الزنا قائمة، والموانع معدومة، ولكن هناك مانع واحد، وهو خوف الله - عز وجل - فقال: إني أخاف الله، فكان هذا من الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله.

 

والمهم أن النار حُجِبت بالشهوات، والجنة حُجِبت بالمكاره، فجاهِدْ نفسَك على ما يحب الله وإن كَرِهتَ، واعلم - علمَ إنسانٍ مجرِّب - أنك إذا أكرهتَ نفسك على طاعة الله، أحببت الطاعة وألِفتها، وصرت - بعدما كنت تكرهها - تأبَى نفسُك أن تتخلف عن الطاعة إذا أردت أن تتخلف عنها.

 

ونحن نجد بعض الناس يَكرَه أن يصلي مع الجماعة، ويثقل عليه ذلك عندما يبدأ في فعله، لكن إذا به بعد فترة تكون الصلاة مع الجماعة قرَّة عينه، ولو تأمره ألاَّ يصلي لا يطيعك، فأنت عوِّد نفسك وأكرهها أول الأمر، وستَلِين لك فيما بعد وتنقاد، أسأل الله أن يعينني وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • رمضان والمجاهدة
  • أهمية المجاهدة وعلاقتها بالنصر (1)
  • أهمية المجاهدة وعلاقتها بالنصر (2)
  • المجاهدة في السنة (2)
  • خطبة عن المجاهدة

مختارات من الشبكة

  • كيف يحقق المؤمن عبودية الافتقار إلى الله تعالى؟ (10): (المجاهدة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المجاهدة في أداء أمانة التعليم للطلاب والمعلمين وأولياء الأمور زمن (كورونا)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • شرح باب المجاهدة من كتاب رياض الصالحين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المجاهدة على العمل بالعلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأم المجاهدة الصابرة نسيبة بنت كعب (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأم المجاهدة الصابرة نسيبة بنت كعب (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فلسطين المجاهدة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • صاحبة الضفيرة، المجاهدة الكبيرة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • خطبة: مجاهدة النفس في أواخر رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • مجاهدة النفس مطلب عظيم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب