• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / شبهات فكرية وعقدية
علامة باركود

الحقيقة ( الإيمان والتوحيد )

الحقيقة ( الإيمان والتوحيد )
د. عدنان علي رضا النحوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/4/2014 ميلادي - 12/6/1435 هجري

الزيارات: 13165

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحقيقة

الإيمان والتوحيد


لعل أهم قضية تجابه الداعية المؤمن هو كيف يدعو الناس إلى الإيمان بالله، كيف يجيب على الأسئلة المتناقضة الكثيرة، كيف يوضح أُسس الإيمان، كيف يوضح معنى الأُلوهية والربوبية، وييسِّر معاني التوحيد والعبودية لله الواحد الأحد، أمام الناس.

 

أكثر ما يتردد في مجالس الجدل وندوات النقاش هو كيف تثبت وجود الله سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً. وينبري للإجابة شباب مؤمنون، وعلماء، ومفكرون، ودعاة. وينشط كل فريق لتقديم البراهين، وتتعدد البراهين. فمنهم من يسوق البراهين الفلسفية ويقيمها على قواعد الفلسفة التي يعرفها نفر ويجهلها نفر، ومنهم من يسوق البراهين العلمية أو يحاول ذلك، ويقيم أيضاً حجته على علوم الفلك أو الرياضيات أو الجيولوجيا أو الفيزياء. وهذه العلوم أيضا يدركها نفر من المختصين ويجهلها الكثيرون، وربما لجأ بعضهم إلى المنطق والجدل، أو إلى التاريخ، أو إلى باب من أبواب العلوم يبحث عن الحجة هنا وهناك، تدفعه اللهفة والشوق، وتغذيه حمى الجدل.

 

وبالنظر لتاريخنا نحن المسلمين، نجد أن هذه القضية شغلت الفلاسفة وبعض أهل العلم والفكر، وانبثقت مذاهب وطوائف نتيجة الخلاف حول هذا المعنى أو ذاك مما يتعلق بالأُلوهية، ولقد كان للفلسفة اليونانية الوثنية أثر كبير في نشوء هذه الطوائف والفرق، كما كان للنزاعات السياسية أثر آخر، ثم انقسمت كل فرقة إلى فرق أُخر، حتى نما عدد الفرق إلى ما يبعث الحيرة والسأم. لا أتحدث عن المذاهب الفقهية وأئمتها ولكني أتحدث عن الفرق التي انبثقت من معالجة قاعدة من قواعد الإيمان والتوحيد، سواء أكان انطلاقها لأسباب سياسية أم لأسباب فكرية. ومن أهم هذه الفرق الشيعة، الخوارج، المعتزلة، القدرية، المرجئة، الجبرية، الصوفية، المشبهة، الأشعرية، البكرية، الزعفرانية، الظاهرية، مع ما انقسمت إليه معظم هذه الفرق إلى فروع، ومن الفروع ما انقسم إلى فروع، ويظل الانقسام ماضياً..[1].

 

ولم تقدم هذه الفرق ما يثبت القلوب على الإيمان، وما يعطي إشراقة اليقين، وبَرْدَ الطمأنينة. ولن يجد المسلم ذلك إلا في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذلك لأن الوحي الكريم جاء بالكتاب المبين لأجل هذه القضية أولاً. جاء عرضها وحياً منزلاً من عند الله للناس كافة، للأجناس كافة، فكان أوفى عرض وأيسره.

 

ولو أردنا أن نوجز جميع مشكلاتنا اليوم، وأن نجمعها كلها في قضية واحدة، لقلنا إنها اضطراب التوحيد، واختلال التصور الإيماني فالتوحيد في صفائه وصدقه هو مفتاح صلاح واقعنا، ليعيد إلى حياتنا ولاءنا الأول لله لينبثق منه كل ولاء آخر لنا في الحياة الدنيا، وليعيد إلى قلوبنا عهدنا الأول مع الله لتنبثق منه سائر عهودنا مع الناس، وليرسم منهاج الله لنا منهج حياتنا، وينشر لنا نور دربنا.

 

وللقرآن الكريم أسلوبه الربّانيّ في عرض قضية التوحيد من جميع جوانبها، ومع جميع ظلالها. وجاء هذا الأسلوب الرباني المتميز المعجز ليكون هو أسلوب العصور والأجيال كلها حتى قيام الساعة بقواعده وأسسه ونهجه. والداعية المؤمن يختار من هذا الزاد الممتد ما يناسب كل حالة يلقاها في دعوته. وما يناسب هذه الطبيعة والسجية أو تلك، على أساس من نهج يضعه المؤمن، وخطة يتبعها، حيث يقوم النهج والخُطَّة على أساسين: المنهاج الرباني، والواقع الذي يدعو فيه المؤمن. على هذين الأساسين يضع المؤمن نهجه وخُطته لتناسب الحالة التي يدعو فيها. إنها مهمة المؤمن الداعية، مهمّة الطاقة البشرية.

 

وتوحيد الله هو القضية الكبرى والحقيقة الكبرى التي يقوم عليها الكون كله، والتي تقوم عليها حياة الإنسان. والخطأ أو الظلم فيها أشد من أي خطأ آخر، وأدهى من أي ظلم آخر، والخروج عنها فسق ما بعده فسق أبداً. ذلك لأن الخروج عنها خروج عن قاعدة الكون والحياة وظلم لكل ما في الوجود، واستكبار دونه أي استكبار، وضلال في تيه مظلم حتى كأنه لا منفذ منه إلا برحمة من الله. فالمشركون الكافرون هم الفاسقون أشد الناس فسقاً، وهم الظالمون أشدُّ الناس ظلماً، وهم الضالون والمستكبرون. فمن انقضت حياته الدنيا وهو على هذا الظلم والفسق والضلال والاستكبار والغرور، من مات مُصِرّاً على هذا كله فأنّى يُغفرُ له، وقد يغفر الله لمن يشاء من عباده ما شاء من ذنوبهم ومعاصيهم وآثامهم إذا ماتوا على الإيمان:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48].

 

فهو حقٌ أن لا يغفر الله أن يُشْرَك به، حقُّ منسجم مع الحقيقة الكبرى التي تقوم عليها الحياة كلها، والتي يقوم عليها الكون كله. ولذلك كانت هذه الحقيقة هي الحقيقة الكبرى، الحقيقة الأخطر، إذ لا مغفرة بعد الموت لمن مات على الشرك، فلا بد من أن تكون هذه القضية هي القضية الأولى للإنسان في حياته الدنيا. ففي الحياة الدنيا مجال متسع للتوبة والأوبة والإصلاح، وأما إذا انقضى أجل ابن آدم فاتت عليه الفرصة إن لم يستنِدْ منها، وفاتت عليه مغفرة الله إذا مات على شرك أو كفر.

 

لهذا تبرز لنا أهمية التوحيد، ومن أجل ذلك تتحددّ مهمة الإنسان ومسؤوليته، ويتضح لنا دوره المكلف به، وهو أن يجعل هذه القضية محور حياته كلها ونشاطه، ومحور سعيه وعمله، وغاية حياته الدنيا، ومحور فكره وتصوره، وعاطفته وشعوره، ونهجه وتخطيطه.

 

هذه الحقيقة الكبرى ثابتة في حياة الإنسان. وتكاد تكون هي محور تاريخه على الأرض.

 

إن الإيمان بإله واحد لهذا الكون كله، ما ظهر منه لنا وما خفي، إن الإيمان بإله واحد لا شريك له هو الله الحي القيوم، إن هذا الإيمان وهذا التوحيد هو محور الرسالات كلها، وأساس دعوة الأنبياء والمرسلين، ومدار الكتب السماوية السابقة كما أنزلت من السماء، وهي كذلك محور منهاج الله قرآناً وسنة ولغة عربية.

 

ولا نكاد ندرس تاريخ أمة من الأمم السابقة إلا وجدنا في آثارهم إشارة إلى صورة من صور الإيمان التي كانوا عليها. فقد نجد ما يشير إلى أنهم كانوا يؤمنون بالبعث فيضعون مع الميت زاداً وزينة وأشياء أخرى يظنون أنها تنفعه حين البعث. نجد مثل ذلك في تاريخ السومريين والكلدانيين والبابليين، ونجدها في شرق الأرض وغربها، ونجدها في آثار الفراعنة كذلك. وإضافة إلى هذه الآثار نجد في أفكار الشعوب وآدابهم ما يشير من قريب أو بعيد إلى صورة من صور الإيمان، وعلى درجة من درجات الانحراف.

 

نستطيع أن نخرج من ذلك بحقيقة واضحة بيّنة، وهي أن الإنسان في جميع عصوره وأجناسه كان يتخذ " إلهاً " يعبده. فالعبادة جزء رئيسي في تاريخ الإنسان وفي فكره.

 

تتوالى الآيات الكريمة في كتاب الله تحضّ على التفكير، وتثير طاقات الإنسان كلها حتى تتجه إلى آيات الله، إلى قضية التوحيد، القضية الكبرى في حياة الإنسان، تجد ذلك ممتداً في كتاب الله.

 

وربما شعر الإنسان في مرحلة من مراحل تأمله بشيء مما يتعاظم أن يتكلم به، ويخشى أن يبوح به، فمثل هذا الشعور لا يضر إذا استعاذ بالله وأحسن اللجوء إليه، وصدق في تأمله وتدبّره، فلا يقف مشلولاً عند هذا الشعور.

 

فعن أبي هريرة قال: جاء ناسٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في نفوسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: " وقد وجدتموه؟ " قالوا: " نعم " قال: " وذاك صريح الإيمان " [رواه مسلم][2].

 

نعم! إن التفكير المطمئن، والتأمل الصادق هو صريح الإيمان، مهما اعترضته أشياء قد يجدها الإنسان في نفسه، ويتعاظم أن يتكلم بها، فيمضي تأمله وتفكيره على فطرة سليمة حتى تزول منه. وما كان ليتعاظم التكلم بها لولا صريح الإيمان وسلامة الفطرة. أما إذا فسدت الفطرة فقد فسد معها التفكير.

 

وكذلك عن علقمة بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة. قال: " تلك محض الإيمان " [رواه مسلم][3].

 

فالوسوسة التي يمكن أن نفهمها من الحديث هنا صورة من صور التفكير الذي لا يخرج بصاحبه عن الإيمان، وإلا لو خرجت به عن الإيمان ما كانت محض الإيمان.

 

إن الوسوسة التي عرضها الحديث، وما يتعاظم في النفس ذكره مما أشار إليه الحديث الشريف الآخر، إن هذا كله لا يجده الكافر المصرّ على كفره، ولا يجده من أراد الباطل واتبع الهوى وأصرّ على الضلال. وكيف يجد الكافر في نفسه شيئاً يتعاظم أن يذكره؟ إن نفسه لا يوجد فيها إلا الضلال الذي رضي به وأصَّر عليه فلا يستحي منه. فلا شيء من ذلك يتعاظم عنده التكلم به، ولا وسوسة في نفسه إن استقر في كفر وهوى، وانشل فكره، وعميت بصيرته، وجمد حسُّه، وغلظ قلبه، فمن أين له أن يستحي من فكرة ضالة، أو وسوسة، أو تساؤل؟!

 

ومن الحديثين الشريفين نجد الدفعة القوية التي يعطيها الرسول صلى الله عليه وسلم للإنسان حتى يفكّر ويتدبِّر ويتأمل، فإذا فعل ذلك دون أن يلعب به هوى، أو تفسد منه فطرة، أو يغلبه فجور، فهو في أمن وأمان يهديه الله إن شاء، وهو أعلم بخلقه، وأعلم بمن في نفسه هوى ومن نجا من الهوى، وهو عليم بذات الصدور.

 

إن الأساس الضروري للإنسان، حتى يستقيم به الدرب، ويعتدل بيده الميزان هو قراره الذاتي بينه وبين نفسه، أن يبحث عن الحق لا عن هوى ومصالح. فإذا استقرّت نفسه على هذا القرار، واطمأنّ إلى هذا التصميم، ولم يعد يلتفت إلى هوى يخفيه، وشهوات يطويها، ومصالح يسترها، إِذا صدق بعزمه وإرادته وقراره لينطلق باحثاً عن الحقَّ لا عن سواه، عندئذ يكون ما يجده في نفسه هو صريح الإيمان وعندئذ تكون الوسوسة هي محض الإيمان.

 

ولا بدَّ من أن نشير هنا إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التفكير في نقاط محددة واضحة.

 

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزال الناسُ يتساءلون حتى يقال: هذا، خَلَقَ الله الخلقَ، فمن خَلَقَ الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: " آمنتُ بالله " [صحيح مسلم][4].

 

لقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا السؤال والخوض فيه، لا صَدّاً عن التفكير والتأمل ولكن نهى عنه لأنه سؤال لا تسمح البداهة بسؤاله، ولا يرضاه العقل، ويرفضه العلم، ويتعارض مع حقائق الكون كله. ولذلك جاء أمر الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الناس، الناسَ كلهم، ممن يجد ذلك، أن يعلن رفضه لهذا التناقض، وأن يخضع لأسس البداهة وسلامة التفكير وصحة العقل، بأن يقول: آمنت بالله. ذلك لأن الخالق لا يمكن أن يكون مخلوقاً، والمخلوق لا يمكن أن يكون خالقاً. فالخالق هو الله وحده، هو الأول والآخر والظاهر والباطن.

 

ولأن الإيمان والكفر خطان متناقضان. ولكل منهما سلوك وموقف ومنهج، لا لقاء بينهما. فلا بد للإنسان من أن يحدد موقفه من كل اتجاه. ونهج الإيمان نهج يصطدم مع غرور الظالمين، وكيد المعتدين، وضلال المشركين.

 

كل قضايا الإنسان يمكن أن يجد الإنسان لها فسحة في الحياة الدنيا، ليصحح أو يقوم، ليكافح ويتابع. وإذا عجز جيل عن تحقيق هدف في الحياة الدنيا، فيمكن لجيل آخر أن يحققه. إلا الإيمان فإنه مسؤولية فردية ذاتية لا يغني فيها مولى عن مولى شيئاً، ولا جيل عن جيل، ولا أمة عن أمة.

 

فكيف يحق لعاقل أن يتجاوز هذه القضية الكبرى في الكون، فلا يدرسها ولا يتدبرها؟ كيف يحق لإنسان يحمل أدنى خصائص الإنسانية أن يمرُّ بها فلا يجدّد موقفه منها؟! إن قضية الإيمان والتوحيد معروضة: في فطرة الإنسان، في تاريخه، في السموات والأرض وما بينهما، في خلق الإنسان، في رسالة الأنبياء والمرسلين. إنها قضية معروضة في الكون عرضاً كاملاً مستوفى. فكيف يتجاهلها إنسان عاقل.

 

عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسال عنه أحداً بعدك. قال: " قل آمنت بالله ثم استقم " [أخرجه مسلم][5].

 

وإِن هذا الإيمان، بجميع جوانبه وآفاقه، هو أساس إصلاح النفوس، وتنقية القلوب، وتقويم التصورات، ومعالجة الأهواء! بدون هذا الإيمان لا يستقيم أمر..! " قل آمنت بالله ثم استقم ". لقد جعل هذا الحديث الشريف الإيمان أساس الاستقامة، وقاعدة العلم والعمل. إنه الإيمان بالله رب العالمين. وتوالت الآيات الكريمة تركز على هذه القاعدة، وتربط الإيمان والعمل والعلم على قاعدة الإيمان. ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..... ﴾.

 

إن في هذه الأمة اليوم على ضوء واقعها الحالي، والاضطراب الذي نعيش فيه، أناساً اضطرب إيمانهم ولفَّتهم الحيرة في ظلمات من فوقها ظلمات. إن في هذه الأمة أناساً فقدوا إيمانهم بربهم أو كادوا، إلى هؤلاء، وهم في حيرتهم أو شكهم، نوجه كلمات نشعر أنه لا بد من توجيهها لنأخذ بيدهم، لينتقلوا من أجواء الحيرة وظلمات الشك إلى نور اليقين.. إنهم يحتاجون في الحقيقة إلى أكثر من هذه الكلمات.. إلى شيء أكبر بكثير. ولكننا نوجه كلمات عسى أن تعين، أو ترشد، أو تنبه..!

 

إذا كان هؤلاء يبحثون عن الله لتطمئن قلوبهم بالإيمان بالله والاستسلام له، فهم فريقان: فريق جادٍّ صادق يحب الحق، ويبحث عنه ولا يصده عنه إلا الظلام الذي يحيط به، وفريق هازل لاه استقر في قلبه الكفر والضلال. والله أعلم بهؤلاء.

 

أما الجادُّون المحبون للحق، الباحثون عنه، فإليهم يمكن أن توجه الكلمات، للرشد والعون والتنبيه.

 

هؤلاء الباحثون عن الحق، إن كانوا يبحثون في طيات الفلسفة والجدل وما يسميه الناس " المنطق " فقد يجدون الحقّ وقد لا يجدونه.

 

وإذا كانوا يبحثون عنه في طيات المعادلات الرياضية، والتركيبات الكيماوية، لتقدم لهم هذه أو تلك معادلة رياضية تثبت لهم وجود الله، أو تجربة كيماوية، فقد يجدون الحق، وقد لا يجدونه.

 

إذا كانوا يبحثون عنه في كتاب سياسة، أو كتاب فكريّ، أو نتاج أدبي، أو اختراع علمي، فقد يجدونه وقد لا يجدونه.

 

وإذا كانوا يبحثون عنه في عدالة اجتماعية يرجونها أو يحلمون بها، أو نصر وطني يقدم على أطباق اللهو والجدل والضياع، فقد يهتدون، وقد لا يهتدون. والله أعلم بما يصنعون.

 

ولا شك أنَّ بين الناس قلوباً مؤمنة، ونفوساً صادقة، وعزائم مازالت مشدودة، ورؤى مازالت واضحة، ولكنها ما زالت موزعة هنا وهناك، في ميدان تحت عجاج الفتن، وقتام المحن، يطويها الغبار ويحجبها الظلام...! فغابت الأمة عن واقعها، فاجتمع جهل إلى جهل، وهوى إلى هوى، حتى اضطربت الموازين، واختلفت المذاهب، وتعدّدت المدارس، على فتنة وشقاق، وتمزق وضياع..! فسقطت ديار المسلمين داراً داراً، وجفت خضرة الجهاد، ووهنت عزائم الجلاد، فانتهكت الأعراض، وانْتُهبَت الأموال، وحُزَّت الروؤس، وسالت الدّماء على مرأى المتفيهقين ومسمع المتنعمين.

 

ولكن الغبار سوف يسقط، والضباب سوف ينقشع بإذن الله، وعلى نور مشرق من منهاج الله، ونهار ساطع من ومضات العزائم، يلتقي المؤمنون..!

 

إن الإيمان بالله وتوحيده حق، وإن الحق واضح مع كل نبضة حياة، وفي كل مظهر من مظاهر الكون.

 

إن هذا الحق بديهية، وأولى البديهيات. إنه فطرة الإنسان.

 

إنه في أنفسهم، أنفسهم هم، فليتفكروا في أنفسهم.

 

إنه في ملكوت السموات والأرض، فلينظروا في ملكوت السماوات والأرض. إنه في النجوم والكواكب. إنه في الشموس والأقمار، إنه في الرياح والهواء والأمطار، إنه في البهائم والأنعام، إنه في النبات والأشجار، إنه في المياه والأنهار، إنه في بطن الأرض وظاهرها. إنه في الجبال والوديان، إنه في السموات والأرض وما فيهن.

 

إنه في خلق الإنسان، إنه الرحم والجنين والولادة، إنه في الموت والقبر. إنه في حياة الإنسان منذ أن توضع النقطة في الرحم، في الولادة، في الطفولة، في الشباب، في الكهولة، في الشيخوخة، في الموت...!

 

إنه في علم الغيب الذي لا يمكن للإنسان مهما ارتقى علمه واسع نشاطه، أن يعرفه.

 

إنه في خبر السموات والأرض والملائكة والجن، وخلق آدم ونزوله إلى الأرض، إنه في البعث والساعة والحساب والجنة والنار.

 

إلى هؤلاء الذين يبحثون عن الحقيقة ويحبون لو اهتدوا إلى الحق، احبوا ذلك صادقين، وإننا ننصحهم وندعوهم إلى كلام الله وكتاب الله ومنهاج الله، ليعرفوا الحق ويروه، ويتبعوه، إن كتاب الله لم يخاطب نوعاً خاصاً من البشر، خاطب كلَّ الناس. خاطب الناس جميعاً لأنه من عند الله، لأنه منهاج الله. فجاء معجزاً في كل شيء، معجزاً في نبأ الغيب الذي لا يستطيع العلم أن يصل إليه، معجزاً في هذا العرض الشامل للكون حسب ما بيَّنا معجزاً في هذه الأحكام والتكاليف المتكاملة، معجزاً في عرضه للنفس الإنسانية في حالاتها المختلفة، معجزاً في العرض التاريخي والعبر والآيات التي رافقته، معجزاً في هذا التناسق والإحكام بين هذه المواضيع، معجزاً في لغته وبيانه وبلاغته، معجزاً في كل شيء. معجزاً كلَّ الإعجاز. فأي نفس ترغب بالحق، تحب الحق وتبحث عنه، يجب دعوتها إلى كتاب الله وإلى منهاج الله الذي أُنْزِلَ ميسراً للذكر.

 

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار ﴾ [آل عمران: 190-191].

 

﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88].

 

هذا هو الحق فاتبعوه إن أردتم النجاة والنصر، والعزة والتمكين، ليفتح لنا الله به أبواب الفرج وأساب القوة، وعزائم النصر.



[1] الملل والنحل للشهرستاني تحقيق عبد العزيز محمد الوكيل دار الفكر بيروت لبنان.

[2] صحيح مسلم: كتاب الإيمان (1). باب (60) حديث (132/209).

[3] صحيح مسلم: كتاب الإيمان (1). باب (60). حديث (133/211).

[4] صحيح مسلم: كتاب الإيمان (1). باب (60). حديث (134/212)

[5] مسلم: كتاب الإيمان (1)، باب 130، حديث (62/38).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • دعوة القرآن إلى الإيمان والتوحيد ونبذ الكفر والشرك
  • التفكر وزيادة الإيمان في القلب
  • فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
  • معنى التوحيد عند أهل السنة
  • احذروا نواقض التوحيد (خطبة)
  • التوحيد سر السعادة
  • مقام الحق تعبدا ووجودا
  • عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالتوحيد وغرسه وتعظيمه في النفوس
  • التوحيد عند الشعراء

مختارات من الشبكة

  • وقفة مع الباحثين عن الحقيقة(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • الحقيقة وإحياء حقيقة الصدق - باللغة الألمانية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الحقيقة وإحياء حقيقة الصدق - باللغة الإنجليزية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • معنى العلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عنه أتحدث(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الحب بين الحقيقة والزيف (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة "الذهول عن الحقيقة الكبرى"(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • شرف الانتماء بين الحقيقة والادعاء (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • نقل إجماع السلف على إثبات صفات لله تعالى على الحقيقة لا المجاز(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • صفات لله تعالى ثابتة على الحقيقة لا المجاز(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب