• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع / قضايا المجتمع / في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
علامة باركود

الكذب جماع النفاق

الكذب جماع النفاق
الشيخ محمد كامل السيد رباح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/4/2014 ميلادي - 6/6/1435 هجري

الزيارات: 46701

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الكذب جماع النفاق


عناصر الخطبة:

♦ أصل كذبة أبريل.

♦ مفاسد وأضرار الكذب.

♦ تحذير القرآن الكريم والسنة النبوية من الكذب.

♦ أنواع الكذب.

♦ الكذب الجائز.

♦ علاج الكذب.

 

الحمد الله، الحمد لله الصادق القيل خصَّنا بأفضل شريعة وأحسن تنزيل، أحمده - سبحانه - وأشكره وعد الصادقين بأعظم المثوبة ومزيد الفضل والتبجيل، وأوعد بالعذاب الوبيل أهل الأكاذيب والأضاليل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجو بها في دار الكرامة الظل الظليل، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، خير من أرسل بأزكى خصال وأسطع دليل، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه - بدور دجى الناس وأسد الغيل - ومن تبعهم بإحسان بأكرم الشيم وأقوم السبيل، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أصل كذبة أبريل:

في كل عام تتجدد المناقشات حول شهر أبريل وما اشتهر فيه من "كذبة أبريل"، تلك التي يتذرع بها كثير من الناس للمزاح بالكذب، الأمر الذي يتسبب في كثير من الأحوال في فواجع ومشكلات جمة قد تصل إلى حالات وفاة أو خسارة أموال أو ما أشبه ذلك من المصائب، دون أدنى قدر من المسؤولية أو العقل.

 

جاء في الموسوعة الحرة "ويكيبيديا" أنه ذهبت أغلبية آراء الباحثين على أن "كذبة إبريل" تقليد أوروبي قائم على المزاح ‏يقوم فيه بعض الناس في اليوم الأول من أبريل بإطلاق الإشاعات أو الأكاذيب، ويطلق ‏على من يصدق هذه الإشاعات أو الأكاذيب اسم "ضحية كذبة إبريل".

 

وبدأت هذه العادة في فرنسا بعد تبني التقويم المعدل الذي وضعه شارل التاسع عام ‏1564م، وكانت فرنسا أول دولة تعمل بهذا التقويم، وحتى ذلك التاريخ كان الاحتفال بعيد ‏رأس السنة يبدأ في يوم 21 مارس، وينتهي في الأول من أبريل بعد أن يتبادل الناس هدايا عيد رأس السنة الجديدة، وعندما تحول عيد رأس السنة إلى الأول من يناير، ظل بعض الناس يحتفلون به في الأول من أبريل كالعادة، ومن ثَمَّ أطلق عليهم ضحايا أبريل، وأصبحت عادة المزاح مع الأصدقاء وذوي القربى في ذلك اليوم رائجة في فرنسا، ومنها انتشرت إلى البلدان ‏الأخرى، وانتشرت على نطاق واسع في إنجلترا بحلول القرن السابع عشر الميلادي.

 

ويرى آخرون أن هناك بعدًا عقديًّا لهذا الاحتفال؛ حيث هناك علاقة قوية بين الكذب في أول إبريل وبين عيد "هولي" ‏المعروف في الهند، والذي يحتفل به الهندوس في 31 مارس من كل عام، وفيه يقوم بعض ‏البسطاء بمهام كاذبة لمجرد اللهو والدعاية، ولا يكشف عن حقيقة أكاذيبهم هذه إلا مساء اليوم الأول من إبريل.

 

وهناك جانب آخر من الباحثين في أصل الكذب، يرون أن نشأته تعود إلى القرون الوسطى؛ إذ إن شهر أبريل في هذه الفترة كان وقت الشفاعة للمجانين وضعاف العقول، فيطلق سراحهم في أول الشهر، ويصلي العقلاء من أجلهم، وفي ذلك الحين نشأ العيد ‏المعروف باسم عيد جميع المجانين؛ أُسوة بالعيد المشهور باسم عيد جميع القديسين.

 

وهناك باحثون آخرون يؤكدون أن كذبة أول أبريل لم تنتشر بشكل واسع بين غالبية شعوب العالم إلا في القرن التاسع عشر، والواقع أن كل هذه الأقوال لم تكتسب الدليل الأكيد لإثبات صحتها، وسواء كانت صحيحة أم غير صحيحة، فإن المؤكد أن قاعدة الكذب كانت وما تزال، وتعتبر حادثة الإفك هي أشهر كذبة في الإسلام، وجاء ذكرها في سورة النور كاملة، وقد وردت كلمة الكذب ومشتقاتها في القرآن الكريم أكثر من 283 مرة، فالكذب هو إخبارٌ بما لا يُطابق الواقع، فيكون الكذب متعلقًا بالقول على وجه أخص بالخبر، دون سائر صِيغ الكلامِ.

 

مفاسد وأضرار الكذب:

عبادَ الله، إن من مكارمِ الأخلاقِ التي جاءتِ الشريعة بإكمالها مكرُمةَ الصدقِ، حيثُ كانتِ العربُ في جاهليتها تتفاخرُ بالصدقِ وتُعَظِّم الصادقين، وتنفِر من الكَذِب، وتهجو الكاذبين، فهذا أبو سفيان بن حرب قبل إسلامه يذهبُ في رهطٍ من قريشٍ في تجارة إلى الشامِ، فيسمعُ بهم هرقلُ ملكُ الروم، فيبعثُ إليهم ليسأَلَهم عن هذا النبيِ الجديدِ - صلى الله وسلم على نبينِا محمد - فأتوه فسألَهم فَصَدَقُوه، قال أبو سفيان وهو يومئذٍ مشركُ: ((وَاللهِ، لَوْلا الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ لَكَذَبْتُهُ)).

 

هكذا كان الكفارُ في كفرِهم وأهلُ الجاهليةِ في جاهليتِهم يترفعُون عن الكذبِ ويستحيونَ من أن ينسب إليهم.

 

قال ابن القيم - رحمه الله - الكذب متضمن لفساد العالم، ولا يمكن قيام العالم عليه لا في معاشهم ولا في معادهم، بل هو متضمن لفساد المعاش والمعاد، ومفاسد الكذب اللازمة له معلومة عند خاصة الناس وعامتهم، كيف وهو منشأ كل شر وفساد.

 

الأعضاء لسان كذوب وكم أُزيلت بالكذب من دول وممالك، وخُرِّبت به من بلاد، واسْتُلِبَت به من نعم، وتقطَّعت به من معايش، وفسدت به من مصالح، وغُرِست به من عداوات، وقُطِّعت به مودات، وافتقر به غني، وذلَّ به عزيز، وهتكت به مصونة، ورُميت به محصَّنة، وخلت به دور وقصور، وعمرت به قبور، وأزيل به أنس استجلبت به وحشة، وأفسد به بين الابن وأبيه، وغاض بين الأخ وأخيه، وأحال الصديق عدوًّا مبينًا، ورد الغني العزيز مسكينًا، وهل ملئت الجحيم إلا بأهل الكذب الكاذبين على الله وعلى رسوله، وعلى دينه وعلى أوليائه المكذبين بالحق حمية وعصبية جاهلية؟!

 

الكذب - يا عباد الله - عملٌ مرذول وصفةٌ ذميمةٌ من صفات النفاق وشُعَب الكفر، الكذب دليلٌ على ضعة النفس ونزْع الثقة وحقارة الشأن.

 

ظاهرة مستشرية، وسمة غالبة، ومرض فتَّاك، وداء عضال، وخُلُقٌ ساقطٌ بغيضٌ إلى الله، بغيض إلى رسوله، بغيض إلى الفِطر الصادقة، يأباه الشرفاء، ويمقته العقلاء، وتمجُّه أنفس النبلاء، يُهين أصحابه، ويُذل أربابه، ويزري بمروجيه؛ إنه الكذب.

 

الكذب آفة من آفات العصر، وسمة من سمات التدني، إنك حينما تتأمل الكذب وآثاره تدرك لماذا مقته الإسلام، ونهى عنه العلَّام، تدرك عظمة هذا الدين وإعجازه، وروعته وإحكامه، فتعالوا إلى لحظات صادقة، ولكن مع الكذب، وإلى دقائق غير كاذبة، ولكن مع الكذب، وسوف ترون أنه أساس كل شيء، وسبب كل بلاء، وأنه شريك أساس في جُلِّ أدواء الأخلاق، ومعظم بلاوي الزمان، وأكثر مهاوى الرَّدى، فهل صد الناس عن الدين، وشُكك في الرسالة، وكُذب الأنبياء، إلا بأسباب الكذب؟


وهل النفاق إلا معتقَدٌ أساسه الكذب، وبني على الكذب؟ وهل الرياء إلا عمل غُلِّفَ بالكذب، فيتظاهر أنه لله وهو لغير الله؟ وهل البِدَع والخرافات إلا ثمرة للكذب على الله ورسوله؟ وهل التجني على الوحي، والنيل من الصحابة، والانحراف في المعتقد، إلا بأسباب الكذب؟ وهل شوه الدين، ونُفِّر من الإسلام إلا بالكذب؟ وهل الحمَلات الضارية اليوم على المسلمين، والتخويف منهم، والاتهامات لهم إلا بأسباب الكذب؟ وهل استبيحت بلدان، وانتهكت أعراض، ونُهبت مقدسات، واحتُلَّت الأوطان، وسلبت خيرات إلا بالكذب؟

 

وهل تبث مئات الشاشات، وعشرات القنوات إلا الكذب؟ هل يُتناقَل عبر كثير من مواقع الإنترنيت إلا الكذب؟ وهل شوهت سمعة أناس، ولُطِّخَتْ كرامة فئات، إلا بالكذب؟ وهل كرِهَت الشعوب حكامَها وولاتها إلا بسبب الكذب؟ وهل يفوز مرشح بنسبة 99% إلا بالكذب؟ وهل تهوَّر أناس وانغمسوا في وُحول الإرهاب إلا بالكذب عليهم، وتقليب الحقائق لهم، وإيهامهم أنهم في جهاد مقدس؟

 

وهل نُهبت أموال المساهمين إلا بالكذب؟ وهل أصبحت كثير من البيوت تنام على جمر الفقر والقهر إلا بأسباب الكذب في الأسهم؟ وهل فسدت المودة بين المسلمين شعوبًا وأفرادًا إلا بالكذب؟ وهل حُشيت عقول أجيالنا من خلال الأفلام والمسلسلات، والمجلات والصور المتحركة إلا بالكذب؟ وهل ضاعت الثقة بين المسلمين إلا بالكذب؟ فأصبح المسلم يمسي ويصبح وهو لا يكاد يصدق أحدًا، أو يثق بأحد، حتى بأقرب الناس إليه! وهل كره الناس التجارة والشراكة والمداينة والتعاون إلا بأسباب الكذب، حينما يُغشُّون ويُحتال عليهم، وتبتز أموالهم؟ وهل مُحِقَتْ بركة المشاركة والمبايعة إلا بسبب الكذب؟

 

وهل فسدت العلاقة في كثير من البيوت وتشتت أعداد من الأقارب، وخيم الفراق والطلاق عند كثير من الناس إلا بأسباب الكذب؟ كذب المفسدين والنمَّامين والمحرضين والحاسدين، وهل تكره الزوجة زوجها، ويكره الزوج زوجته، في كثير من الأحيان، بل وينقطع حبل المودة، إلا بأسباب كذب أحدهما على الآخر؟ هل رأيتم أشد مقتًا، وأمضى مرارة من امرأة تثق بزوجها، وتصدق له، وتعطيه مشاعرها وأحاسيسها، بل وحياتها، ثم يخدعها ويكذب عليها ويبتزها؟! ورجل يصدق لامرأته، ويقضي عمره يحسن إليها، ويسعى ليسعدها، ويضع ثقته فيها، ثم تكذب عليه وتغشه وتخدعه!

 

ما الذي غرَّر بكثير من بنات المسلمين، فذهب شرفهن، ودنست سمعتهن، إلا حينما يأتي الكذاب المحتال المخادع المتظاهر بالحب، المدَّعِي للرحمةِ والشفقة، المتزين بالأحاسيس المرهفة، المكثر من الوعود، فيتلاعب بمشاعرها حتى يصل إلى مراده ثم يركلها بقدمه، ويصبح كاذبًا في كل ادعاء؟ وهل تروِّج كثير من المطبوعات والمنشورات ما لديها إلا باختلاق أكاذيب غريبة، ووقائع عجيبة؟ وهل أثرى كثير من الناس، وتضخمت أرصدتهم، إلا بالكذب، وهل؟ وهل؟ وهل؟

 

فالكفر والنفاق والرياء والفجور، والبهتان والخديعة والمكر، والظلم والخُلف والرياء والغش، والزنا والسرقة، والتحايل والغيبة والنميمة، كلها أمراض أستاذها الكذب، ولو بحثتَ وراء كُلِّ مُصِيبة، وتحتَ كُلِّ خطيئة، فستجد أنها مُتَلَطِّخة بالكَذِب، مغلَّفَة به، أو هو أساسُها وبنيانُها وعِمَادُها:

وَمَا شَيْءٌ إِذَا فَكَّرْتَ فِيْهِ
بِأَذْهَبَ لِلْمُرُوْءَةِ وَالْجَمَال
مِنَ الْكَذِبِ الّذِي لَا خَيْرَ فِيْهِ
وَأَبْعَد بِالْبَهَاءِ مِنَ الرّجَال

 

واعلَمُوا - إِخوةَ الإيمانِ - أن الكذِبَ - سواءٌ قالَهُ مازِحًا أو جادًّا - حرامٌ إنْ أرادَ أنْ يُضْحِكَ القَوْمَ أَمْ لا، فَهَذَا حَرَامٌ؛ قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - عنِ الكَذِبِ: "لا يَصْلُحُ الكَذِبُ في جِدٍّ ولا هَزْلٍ". رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ. وقالَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسلامُ -: "وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ القَوْمَ ثم يَكْذِبُ لِيُضْحِكَهُم، وَيْلٌ لَهُ وَوَيْلٌ لَهُ".

 

فكم أحقت باطلًا وأزهقت حقًّا، وأورثت ضررًا يفتك رتقًا؛ رواهُ أحمدُ في مُسنَدِهِ.

 

أخي المسلم، لقد بيَّن الله لنا في كتابِه العزيز أنّ الكذبَ أعظم سلاحٍ استطاع بِه إبليس إغواءَ أبينا آدم وأمِّنا حوَّاء، أسكنَ الله آدمَ الجنّة وزوجتَه وأباح لهما كلَّ ما فيها غيرَ شجرة واحدة عينها لهما ونهاهما عن قربانها: ﴿ وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 35]، لكنَّ عدوَّ الله استعمل الكذبَ في إغواءِ أبينا وأُمَّنا، فقال: ﴿ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 20، 21]، فكان سببًا في إخراجِ أبينا وأمِّنا من الجنّة وإهباطِهما إلى الأرض، كل هذا بِكذبِ إبليس، فجعل الكذبَ سلاحًا له في إغواء الأبوين عليهما السلام، ولكنّ الله تاب عليهما وألهَمهما التوبةَ والإنابةَ إليه، ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23]، ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 37].

 

أخي المسلم، إنّ الله جلّ وعلا بيَّن لنا أيضًا نوعًا آخر، فرعون عدو الله الذي قال لقومِه: أنا ربّكم الأعلى، ماذا قال لقومه؟ ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر: 29]. هو يقتل يظلِم الخلقَ كما قال الله: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مّنْهُمْ يُذَبّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْىِ نِسَاءهُمْ ﴾ [القصص:4]، إذًا هو يقول لقومه في ظلمِه وسفكِه الدّماء وقتلِه الأبرياءَ والأنبياء يقول لهم: ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيلَ الرشاد، فالقتل والظلمُ والعدوان في رأي فرعون هو سبيل الرشاد، الظلم وسفكُ الدماء وقتلُ الأبرياء وتدميرُ الممتلكات وظلمُ العباد يقول فرعون اللعين عنه: وما أهديكم إلا سبيلَ الرشاد.

 

انظر إلى هذا الانحراف والضلال والكذِب المحض أن سفكَ الدماء وقتل الأبرياء، وظلمَ العباد صيَّره فرعون سبيلَ الرشاد في رأيه، وهو القائلُ لقومِه عن موسى عليه السلام: ﴿ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾ [غافر: 26]، إذًا فالكذبُ استعمله فرعون لإغواءِ قومِه وحملِهم على الجرائم التي يسلكها وقومُه وإذلالِ البشر والظلم والعدوان.

 

تحذير القرآن الكريم والسنة النبوية من الكذب:

كيف وقد حذر المولى سبحانه وتعالى - من ذلك في قوله - عز وجل: ﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ [النحل: 105] وقال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ [المنافقون: 1]، وزجر عنه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في قوله: "كفى بالمرء كذبًا أن يحِّدث بكل ما سمع"؛ أخرجه مسلم في صحيحه.

 

وَمَنْ يَجْعَل الْإِفْكَ الْعَظِيْمَ شِعَارَهُ
تَجَرَّعَ كَأْسَ الْعَارِ طُوْلَ حَيَاتِه
وَنَادَى لِسَانُ الْحَقِّ ذَلِكَ مُكَذِّبُ
جَزَاهُ عَلَى دَعْوَاهُ قَطْع لُهَاتِه

 

قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الرجل لَيتكلمُ بالكلمة من رضوان الله - تعالى - ما كان يظنُّ أنْ تبلغ ما بلغت، يكتُب الله له بها رضوانه إلى يوم يَلقاه، وإنَّ الرجل لَيتكلمُ بالكلمة من سخط الله، ما كان يظن أنْ تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه؛ رواه مالك في الموطأ والترمذي، وقال: حديث صحيح.

 

ويقول - صلى الله عليه وسلم -: ((أربع مَن كُن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا قاطع فجر))، وتأملوا هذه الأربع فستجدونها جميعًا مبنية على الكذب!

 

والكذب علامةٌ على النفاق؛ فعن الحسن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثٌ من كنَّ فيه فهو منافق وإن صام وصلَّى، وزعم أنه مسلم: "مَن إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان"؛ صحيح ابن حبان 1/ 490.

 

وسُئِل النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - عن المسلم هل يكون كاذبًا؟ فقال: لا، فقد أخرج الإمام مالك في (الموطأ) عن صفوان بن سليم أنه قال: قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جبانًا؟ فقال: ((نعم))، فقيل له: أيكون المؤمن بخيلًا؟ فقال: ((نعم))، فقيل له: أيكون المؤمن كذابًا؟ فقال: لا"؛ الموطأ 2/990، وتكفَّل النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - ببيتٍ في وسط الجنة لمن ترك الكذب؛ فعن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيمٌ ببيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وببيتٍ في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيتٍ في أعلى الجنة لمن حسُنَ خُلُقُهُ))؛ سنن البيهقي الكبرى 10/249.

 

أخرج الشيخان في (صحيحيهما) من حديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدُق ويتحرَّى الصدق حتى يُكتَب عند الله صِدِّيقًا، وإياكم والكذب؛ فإن يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا)).

 

عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ"؛ (أحمد 21149).

 

ومما ورد في جزاء الكذابين في البَرزَخ قبل القيامة: ما ورد في حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه - الطويلِ، وفيه: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلَّى صلاةً أقبل علينا بوجهه، فقال: ((من رأى منكم الليلة رؤيا؟))، قال: فإن رأى أحدٌ قصَّها، فيقول: ما شاء الله، فسألنا يومًا، فقال: ((هل رأى أحد منكم رؤيا؟))، قلنا: لا، قال: ((لكني رأيت الليلة رجلين [جبريل وميكائيل في صورة رجلين]، أتَيَاني، فأخذَا بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدَّسة، فإذا رجلٌ جالسٌ، ورجلٌ قائمٌ بيده كلوبٌ من حديد، يدخل ذلك الكلوبَ في شدقه حتى يبلغ قفاه، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك ويلتئم شدقه هذا، فيعود فيصنع مثله، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: قُلْتُ: طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ، فأخبراني عما رأيت، قالا: نعَم، أما الذي رأيتَه يشق شدقه فكذَّاب، يحدث بالْكَذْبَةِ فتُحْمَل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به إلى يوم القيامة))؛ رواه البخاري (1386).

 

قال الإمام الماوردي - رحمه الله -: والكذب جماع كل شرٍّ وأصل كل ذمٍّ لسوء عواقبه وخبث نتائجه، وقال الحسن: الكذب جماع النفاق.

 

قال مالك بن دينار الصدق والكذب يعتركان في القلب حتى يخرج أحدهما صاحبه:

إِذَا مَا الْمَرْءُ أَخْطَأهُ ثَلَاثٌ
فَبِعْهُ وَلَوْ بِكَفٍّ مِنْ رَمَادِ
سَلَامَةُ صَدْرِهِ وَالصِّدْقُ مِنْهُ
وَكِتْمَانُ السَّرَائِرِ فِي الْفُؤَادِ

 

وقال آخر:

ودع الكذوب فلا يكن لك صاحبًا
إن الكذوب لبئس خلًا يُصحبُ

 

أنواع الكذب:

عباد الله: والكذب له صور شتى وأنواع كثيرة نذكر منها:

الكذب على الله ورسوله: وهذا من أشنع صور الكذب، لأنه افتراء في الدين، وتلاعب بشريعة الله، وتجرؤ عظيم على النار، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الأنعام: 93].

 

وقال تعالى: ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 144] وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ [هود: 18، 19] وقال - عليه الصلاة والسلام -: "من كذب علي متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار".

 

وروى مسلم في صحيحه حديث سمرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من حدَّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو من الكاذبين"، ومن صور الكذب أيضًا: الكذب لإضحاك الناس، وهذه مسألة خطيرة لا بد من التنبه لها - يا عباد الله - كثير من الناس - هداهم الله - يتصدرون المجالس ويقومون بإضحاك الآخرين، ولكن إضحاكهم هذا يكون على حساب دينهم ونقص إيمانهم والعياذ بالله.

 

روى الإمام أحمد في مسنده، وكذلك جاء في سنن الترمذي وأبي داود والدارمي عن بهز بن حكم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ويل لمن يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له ويل له"، ما بالكم بهذا الحديث - أيها الإخوة - يدعو عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالويل لمن يكذب ليضحك الآخرين، وما بالكم إذا كان هذا الإضحاك أكاذيب ملفقة على أشخاص معينين يؤذيهم بالحديث عنهم، هذا يكون حاله أشد، وما بالكم لو كان هؤلاء الأشخاص ممن عُرِفوا بالصلاح والتقوى، فهذا أشد من سابقه، فاتقوا الله - عباد الله - ولا يكن حديثكم إلا حقًّا.

 

ومن أنواع الكذب: الخداع والتملق بالباطل؛ إما لمجرد مرض في النفس، أو لإفساد ذات البين، أو يضاف إلى ذلك مصالح يريدها صاحب التملق والخداع.

 

هل تظنون الإسلام ترك هذا الخلق الجاهلي دون التحذير منه؟ كلاَّ، قال صلى الله عليه وسلم "إن شر الناس ذو الوجهين الذي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه"؛ متفق عليه.

 

فهذا حاله حال المنافق يزين لكل طائفة عملها، ويقبحه عند الأخرى، ويذم كل طائفة عند الأخرى، وقد يستغل جهل صاحب قرار ما ليحقق مآربه بالكذب، والتدليس الخبيث، والصيد في الماء العكر.

 

إن ذا الوجهين شر الناس؛ كما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم، ومن الناس من يكذب من أجل قرابته، أو من أجل شركائه أو أصدقائه، والله - تعالى - يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 135].

 

وإن بعض الناس يكذب على الصبيان؛ لأنهم لا يوجهون إليه النقد، ولكنه في الحقيقة أوقع نفسه في الكذب وفتح لهم باب التهاون به والتربي عليه، وعن عبدالله بن عامر أن أمه دعته فقالت: تعالَ أُعطك، فقال النبي: ((ما أردت أن تعطيه؟ قالت: تمرًا، فقال لها رسول الله: أما إنك لو لم تعطه شيئًا، لكتبت عليك كذبة))؛ رواه أبو داود والبيهقي.

 

الكذب في البيع والشراء:

عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار، قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: المُسبل، والمنَّان، والمُنفِّق سلعته بالحلف الكاذب))؛ رواه مسلم 106.

 

وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا))، أو قال: ((حتى يتفرقا - فإن صدقا وبيَّنا، بُورِك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا، مُحِقت بركة بيعهما))؛ رواه البخاري ومسلم.

 

أيها المسلمون، ومن أشد أنواع الكذب حُرمة شهادة الزور أمام المحاكم والقضاء؛ لأن هذه الشهادة تقلب الحق إلى الباطل، وتضيّع حقوق العباد، وتُشجِّع المجرمين وأصحاب النفوس المريضة على اقتراف الجرائم والاعتداء على أرواح وأموال الآخرين، ومن المعلوم بداهة أن شاهد الزور قد باء بغضب من الله ورسوله؛ لارتكابه كبيرة من الكبائر، فيقول رسولنا الأكرم في هذا المجال: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟))، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين))، وكان متكئًا فجلس، وقال: ((ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور))، فما زال يكرِّرها حتى قلنا: ليته سكت.

 

وتدخل شهادة الزور في تزييف الوثائق والمستندات في تسريب الأراضي والعقارات وتضييعها، وما يقوم به سماسرة السوء من تصرفات إجرامية خيانية، وكذلك تدخل شهادة الزور في مجال الانتخابات للمجالس النيابية والتشريعية والبلدية والنقابية وغيرها، وذلك حين يَنتخِب الشخصُ مَن لا يثق به، أو إذا كان المنتخَب غير أهل للمسؤولية.

 

أيها المسلمون، رابعًا: من أشد أنواع الكذب خطورة على الأمة وعلى الشعب إذا كان الحاكم أو المسؤول على شعبه ورعيته، ولم يعطهم حقيقة الأمور، ولم يصارحهم بما يجري في الدولة، فيكون غاشًّا لهم، ويقعون في دوَّامة الإشاعات والتأويلات، فيقول رسولنا الأكرم محمد: ((ما من عبد يسترعيه الله رَعيَّة، فيموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيته، إلا حرَّم الله عليه الجنة)).

 

وهناك عشرات الأحاديث النبوية الشريفة في هذا الباب، فيقول: ((نعم الشيء الإمارة لمن أخذها بحقِّها وحِلِّها، وبئس الشيء الإمارة لمن أخذها بغير حقّها، حتى تكون عليه حسرة يوم القيامة))، ويقول رسولنا الأكرم في حديث آخر: ((من وَلِيَ من أمر المسلمين شيئًا فأمَّر عليهم أحدًا مُحَاباة، فعليه لعنة الله، لا يقبل الله منه صَرْفًا ولا عَدْلًا حتى يدخله الله جهنم)).

 

ومن أنواعِ الكذبِ: الكذبُ في الرؤيا، قال - صلى الله عليه وسلم -: "إِن ‏مِنْ أَفْرَى الْفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ"، قال اِبْن بَطَّال: "الْفِرْيَةُ هي الْكِذْبَةُ الْعَظِيمَةُ التِي يُتَعَجَّب مِنْهَا"، ومعنى الحديثِ أن من أعظمِ أنواعِ الكذبِ على اللهِ أن يقولَ الإنسانُ: رأيتُ في منامي كذا وكذا وهو في الحقيقةِ كاذب، فالرؤيا الصالحةُ جزء من ستةٍ وأربعينَ جُزءًا من النبوةِ، وجزاءُ من يكذِب في إحدى أجزاءِ النبوةِ ما قاله رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ"؛ رواه البخاري.

 

وهذا يكونُ عقابًا وتعذيبًا له يومَ القيامةِ؛ إذ لا يستطيعُ أحد أن يعقِدَ بين شعيرتينِ كما يعقِد بين حبلين.

 

الكذب الجائز:

يجوز الكذبُ في مواضعَ ثلاثةٍ:

الأوَّل: الحرب.

والثَّاني: الإصلاح بين النَّاس.

والثَّالث: كذب الرَّجل على زوجته؛ لأجْل إرضائها، ودوام المودة بينهما، وللزَّوجة كذلك.

 

عن أمِّ كُلثوم - رضي الله عنها -: أنَّها سمعتْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ليس الكَذَّاب الذي يُصلِح بينَ النَّاس، فينْمِي خيرًا، أو يقول خيرًا))، وزاد مسلمٌ في روايةٍ له: قالت أمُّ كُلثوم: ((ولم أسمعْه يُرخِّص في شيءٍ ممَّا يقول النَّاس، إلاَّ في ثلاثٍ؛ يعني: الحربَ، والإصلاح بين النَّاس، وحديث الرَّجل امرأتَه، والمرأةِ زوجَها))؛ رواه البخاري ومسلم.

 

معاشر المسلمين: إن علاج الكذب لمن هو واقع فيه يكون بالآتي:

1- معرفة الكاذب لحرمة الكذب وشدة عقابه.

2- تعويد النفس على تحمُّل المسؤولية وقول الحق، حتى ولو على النفس فيه مشقة أو مضرة فإن الخير في الصدق.

3- المحافظة على اللسان ومحاسبته.

4- استبدال مجالس الكذب وفضول الكلام بمجالس الذكر وحلق العلماء.

5- أن يعلم الكذاب أنه متصف بصفة المنافقين، وأن يستشعر أن الكذب طريق للفجور، وأن الصدق يهدي إلى الجنة.

6- تعويد الأطفال على الصدق بالقول والفعل.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مشكلة الكذب عند الأطفال
  • تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • خطورة الكذب
  • الكذب عند الأطفال .. وعلاجه
  • آفات تفسد الأخبار .. الكذب
  • في التحذير من الكذب والخداع
  • صناعة الكذب
  • الكذاب أبعد الناس عن الهداية
  • النفاق أثر من آثار الكذب
  • تعمد الكذب من أسباب عذاب البرزخ
  • علاج الكذب
  • فويل يومئذ للمكذبين
  • من علاج الكذب: هجر الكاذبين وكثرة الذكر

مختارات من الشبكة

  • ما يباح من الكذب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الكذب عند الأطفال : دوافعه وأسبابه وكيفية علاجه(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • تعريف الكذب وأنواعه والأسماء الدالة عليه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مساوئ الكذب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • معاني الكذب في القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مشكلة الكذب والعناد لدى الأطفال(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • تفشي ظاهرة الكذب في المجتمع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الصدق المنافي للكذب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • علامات الساعة الصغرى : البخل وقطيعة الرحم(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب