• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تلك الوسائل!
    التجاني صلاح عبدالله المبارك
  •  
    حقوق المسنين (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تعوذوا بالله من أربع (خطبة)
    عبدالله بن عبده نعمان العواضي
  •  
    حكم المبيت بالمخيمات بعد طواف الوداع
    د. محمد بن علي اليحيى
  •  
    الخواطر والأفكار والخيالات وآثارها في القلب
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    طائر طار فحدثنا... بين فوضى التلقي وأصول طلب
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    محبة القرآن من علامات الإيمان
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (10)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    نبذة عن روايات ورواة صحيح البخاري
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم والذين جاؤوا من ...
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    الحج المبرور
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    مائدة التفسير: سورة المسد
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أفضل استثمار المسلم: ولد صالح يدعو له
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    السماحة في البيع والشراء وقضاء الديون
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطبة: الحج ومقام التوحيد: بين دعوة إبراهيم ومحمد ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    موقف الشيعة من آيات الثناء على عموم الصحابة
    الدكتور سعد بن فلاح بن عبدالعزيز
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع / قضايا المجتمع / في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
علامة باركود

بين حسن الظن وظن السوء ( خطبة )

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/4/2014 ميلادي - 5/6/1435 هجري

الزيارات: 70317

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بين حسن الظن وظن السوء


الخطبة الأولى

أَمَّا بَعدُ:

فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 18، 19]

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

تَرَونَ النَّاسَ مِن حَولِكُم مُختَلِفِينَ، مُتَفَاوِتِينَ في قُدُرَاتِهِم وَاستِعدَادَاتِهِم، مُتَبَايِنِينَ في مَذَاهِبِهِم وَغَايَاتِهِم، مِنهُمُ المُوَفَّقُ السَّعِيدُ، صَاحِبُ الأَهدَافِ النَّبِيلَةِ وَالأَعمَالِ الجَلِيلَةِ، يَفعَلُ الخَيرَ وَيَدُلُّ عَلَيهِ، وَيَحذَرُ الشَّرَّ وَيُحَذِّرُ مِنهُ، يُؤثِرُ عَلَى نَفسِهِ وَلَو كَانَ مُحتَاجًا، وَيُحِبُّ لِغَيرِهِ مَا يُحِبُّهُ لِذَاتِهِ، وَمِنهُمُ المَخذُولُ الشَّقِيُّ، الدَّنِيءُ في نَظرَتِهِ، الدُّونِيُّ في هِمَّتِهِ، يُقَصِّرُ في الخَيرِ وَيُخَذِّلُ عَنهُ، مِفتَاحٌ لِلشَّرِّ مِغلاقٌ لِلخَيرِ، لا يُهِمُّهُ مِن أَمرِ المُسلِمِينَ شَيءٌ. وَهَذَا الأَمرُ وَإِن كَانَ مَحضَ قَدَرٍ مِنَ اللهِ، يُوَفِّقُ مَن يَشَاءُ وَيَهدِيهِ، وَيَخذُلُ مَن يُرِيدُ وَيُضِلُّهُ وَيُردِيهِ، إِلاَّ أَنَّ استِعدَادَ العَبدِ لِقَبُولِ الحَقِّ ابتِدَاءً، يَجعَلُهُ مِن أَهلِهِ وَيُيَسِّرُهُ عَلَيهِ، وَنُزُوعَ نَفسِهِ لِلبَاطِلِ مِن أَوِّلِ وَهلَةٍ، تُركِسُهُ في رَدَغَتِهِ وَأَوحَالِهِ، قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 124، 125] وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 27] وَقَالَ تَعَالى: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنفال: 22، 23] وَقَالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [التوبة: 67] وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾[فصلت: 23] وَفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ: " أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بي، إِنْ ظَنَّ خَيرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ " رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَعِندَ ابنِ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانيِّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ: " أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بي فَلْيَظُنَّ بي مَا شَاءَ ".

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

إِنَّ حُسنَ الظَّنِّ بِاللهِ، يُوجِبُ لِصَاحِبِهِ أَن يَكُونَ مِن أَهلِ الإِحسَانِ، وَذَلِكُم أَنَّ المُحسِنَ مُوقِنٌ تَمَامَ اليَقِينِ، أَنَّهُ تَعَالى يَسمَعُ كَلامَهُ وَيَرَى مَكَانَهُ، وَيَعلَمُ عَلانِيَتَهُ وَسِرَّهُ، وَلا يَخفَى عَلَيهِ خَافِيَةٌ مِن أَمرِهِ، وَهُوَ مَعَ هَذَا لا يَشُكُّ أَنَّهُ مُلاقٍ رَبَّهُ مَوقُوفٌ بَينَ يَدَيهِ، وَأَنَّهُ مَسؤُولٌ عَن كُلِّ مَا عَمِلَ، وَأَنَّهُ تَعَالى لا يُخلِفُ وَعدَهُ وَلا يَتَخَلَّفُ وَعِيدُهُ. أَجَلْ أَيُّهَا المُسلِمُونَ إِنَّ حُسنَ ظَنِّ العَبدِ بِرَبِّهِ يَحمِلُهُ عَلَى العَمَلِ، وَكُلَّمَا حَسُنَ ظَنُّهُ حَسُنَ عَمَلُهُ، وَأَمَّا المُسِيءُ المُصِرُّ عَلَى الكَبَائِرِ وَالظُّلمِ وَالمُخَالَفَاتِ، فَإِنَّ وَحشَةَ المَعَاصِي وَالظُّلمِ وَالإِجرَامِ، تَمنَعُهُ مِن حُسنِ الظَّنِّ بِرَبِّهِ، وَكَيفَ يَكُونُ مُحسِنًا ظَنَّهُ بِرَبِّهِ وَهُوَ شَارِدٌ عَنهُ، حَالٌّ مُرتِحَلٌ في مَسَاخِطِهِ وَمَا يُغضِبُهُ، قَد هَانَ عَلَيهِ أَمرُهُ فَأَضَاعَهُ، وَهَانَ عَلَيهِ نَهيُهُ فَارتَكَبَهُ، يُعَادِي أَولِيَاءَهُ وَيُحَارِبُهُم، وَيَوَالِي أَعدَاءَهُ وَيُصَاحِبُهُم، قَالَ الحَسَنُ البَصرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: إِنَّ المُؤمِنَ أَحسَنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ فَأَحسَنَ العَمَلَ، وَإِنَّ الفَاجِرَ أَسَاءَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ فَأَسَاءَ العَمَلَ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

إِنَّ ثَمَّةَ مَقَامَاتٍ وَمَوَاقِفَ في هَذِهِ الحَيَاةِ، يَظهَرُ فِيهَا ظَنُّ المَرءِ بِرَبِّهِ، إِنْ حَسَنًا وَإِنْ سَيِّئًا، مِنهَا حَالُ الدُّعَاءِ، إِذْ يَدعُو المُؤمِنُ رَبَّهُ وَهُوَ يَرجُو أَن يُجِيبَ دُعَاءَهُ وَيُحِقِّقَ رَجَاءَهُ، وَيُجِيبَ سُؤلَهُ وَيُجزِلَ عَطَاءَهُ، مُمتَثِلاً قَولَ نَبِيِّهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: " اُدعُوا اللهَ وَأَنتُم مُوقِنُونَ بِالإِجاَبَةِ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. هَذَا المُؤمِنُ المُوقِنُ، أَمَّا سَيِّئُ الظَّنِّ بِرَبِّهِ، فَإِنَّهُ سُرعَانَ مَا يَترُكُ الدُّعَاءَ وَينقَطِعُ عَنِ اللُّجُوءِ إِلى اللهِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " لا يَزَالُ العَبدُ بِخَيرٍ مَا لم يَستَعجِلْ " قَالُوا: يِا نَبيَّ اللهِ، وَكَيفَ يَستَعجِلُ؟ قَالَ: " يَقُولُ: قَد دَعَوتُ رَبِّي فَلَم يَستَجِبْ لي " رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَمِمَّا يَظهَرُ فِيهِ الظَّنُّ الحَسَنُ وَالسَّيِّئُ، مَقَامُ التَّوبَةِ، إِذِ المُؤمِنُ مَهمَا كَثُرَت خَطَايَاهُ أَو عَظُمَت ذُنُوبُهُ، فَإِنَّهُ يُعظِمُ في رَبِّهِ الرَّجَاءَ وَيُحسِنُ بِهِ الظَّنَّ، بِأَنَّهُ تَعَالى يَقبَلُ تَوبَتَهُ بِرَحمَتِهِ، متى تَابَ تَوبَةً نَصُوحًا وَأَنَابَ، قَالَ تَعَالى: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: 104] وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53] وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَروِيهِ عَن رَبِّهِ: " يَا بنَ آدَمَ، لَو بَلَغَت ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثم استَغفَرتَني غَفَرتُ لَكَ وَلا أُبَالي " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ. وَعَن شَدَّادِ بنِ أَوسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " سَيِّدُ الِاستِغفَارِ أَن تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ، خَلَقتَني وَأَنَا عَبدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهدِكَ وَوَعدِكَ مَا استَطَعتُ، أَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ مَا صَنَعَتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنبي فَاغفِرْ لي، فَإِنَّهُ لَا يَغفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنتَ " قَالَ: " وَمَن قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بها فَمَاتَ مِن يَومِهِ قَبلَ أَن يُمسِيَ فَهُوَ مِن أَهلِ الجَنَّةِ، وَمَن قَالَهَا مِنَ اللَّيلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبلَ أَن يُصبِحَ فَهُوَ مِن أَهلِ الجَنَّةِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

 

هَكَذَا هُوَ حُسنُ الظَّنِّ بِاللهِ وَاليَقِينُ بِسِعَةِ عَفوِهِ، يُدخِلُ صَاحِبَهُ الجَنَّةَ، بِخِلافِ مَن سَاءَ بِرَبِّهِ ظَنُّهُ، وَضَعُفَ بِخَالِقِهِ يَقِينُهُ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا أُخِذَ بِسُوءِ ظَنِّهِ وَإِن حَسُنَ في الظَّاهِرِ عمَلُهُ، فَعَن جُندُبِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: قَالَ رَجُلٌ: وَاللهِ لا يَغفِرُ اللهُ لِفُلانٍ. فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَن ذَا الَّذِي يَتَأَلىَّ عَلَيَّ أَلاَّ أَغفِرَ لَهُ إِنِّي قَد غَفَرتُ لَهُ وَأَحبَطتُ عَمَلَكَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَعِندَ أَحمَدَ وَأَبي دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ قَالَ: " كَانَ رَجُلانِ في بَنِي إِسرَائِيلَ مُتَوَاخِيَانِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا مُذنِبًا وَالآخَرُ مُجتَهِدًا في العِبَادَةِ، وَكَانَ لا يَزَالُ المُجتَهِدُ يَرَى الآخَرَ عَلَى الذَّنبِ فَيَقُولُ: أَقصِرْ. فَوَجَدَهُ يَومًا عَلَى ذَنبٍ فَقَالَ لَهُ: أَقصِرْ. فَقَالَ: خَلِّنِي وَرَبِّي، أَبُعِثتَ عَلَيَّ رَقِيبًا؟! فَقَالَ: وَاللهِ لا يَغفِرُ اللهُ لَكَ، أَو لا يُدخِلُكَ اللهُ الجَنَّةَ. فَقُبِضَ رُوحُهُمَا فَاجتَمَعَا عِندَ رَبِّ العَالَمِينَ، فَقَالَ لِهَذَا المُجتَهِدِ: أَكُنتَ بي عَالِمًا، أَو كُنتَ عَلَى مَا في يَدِي قَادِرًا؟! وَقَالَ لِلمُذنِبِ: اذهَبْ فَادخُلِ الجَنَّةَ بِرَحمَتي، وَقَالَ لِلآخَرِ: اذهَبُوا بِهِ إِلى النَّارِ. وَمِمَّا يَظهَرُ فِيهِ حُسنُ الظَّنِّ وَسُوءُهُ، المُستَقبَلُ الأُخرَوِيُّ، إِذ يُوقِنَ المُؤمِنُ بِوَعدِ رَبِّهِ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَنَعِيمِهِ الَّذِي أَعَدَّهُ لِلمُتَمَسِّكِينَ بِشَرعِهِ المُستَقِيمِينَ عَلَى طَاعَتِهِ، إِيمَانًا بما تَوَاتَرَ في ذَلِكَ مِن نُصُوصٍ، كَقَولِهِ تَعَالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 40] وَقَولِهِ سُبحَانَهُ: ﴿  فَمَن يَعمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ ﴾ وَقَولِهِ سُبحَانَهُ: " وَمَن يَعمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلمًا وَلا هَضمًا " وَقَولِهِ تَعَالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ﴾ [الأنبياء: 94] وَأَمَّا الكَافِرُ وَالمُنَافِقُ وَالفَاسِقُ، فَإِنَّمَا يُؤمِنُونَ بما يَرَونَهُ عِيَانًا في دُنيَاهُم، فَإِذَا ما دُعُوا إِلى مَا جَزَاؤُهُ مُؤَخَّرٌ عِندَ رَبِّهِم قَالُوا لِكُلِّ نَذِيرٍ وَنَاصِحٍ: " أَيَعِدُكُم أَنَّكُم إِذَا مِتُّم وَكُنتُم تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُخرَجُونَ. هَيهَاتَ هَيهَاتَ لما تُوعَدُونَ. إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنيَا نَمُوتُ وَنَحيَا وَمَا نَحنُ بِمَبعُوثِينَ " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ وَأَحسِنُوا الظَّنَّ بِرَبِّكُم حَتى تَلقَوهُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَد قَالَ نَبِيُّكُم صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُم إِلاَّ وَهُوَ يُحسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ.

 

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا * سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا * وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا ﴾ [الفتح: 10 - 13]

 

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

إِنَّ مِن أَسوَأِ مَا قَد يُصَابُ بِهِ بَعضُ النَّاسِ وَخَاصَّةً في مِثلِ هَذَا الزَّمَانِ أَن يَظُنَّ أَنَّ الغَلَبَةَ لِلكُفرِ وَأَهلِهِ، وَأَنَّهُ لا فَائِدَةَ مِنَ العَمَلِ وَلا المُجَاهَدَةِ وَلا الإِحسَانِ، فَقَد قُضِيَ كُلُّ شَيءٍ، وَعُدنَا لا نَرَى إِلاَّ تَغَلُّبَ الكَافِرِينَ عَلَى المُسلِمِينَ، وَهَيمَنَةَ المُنَافِقِينَ عَلَى المُؤمِنِينَ، إِلى آخِرِ مَا هُنَالِكَ مِنَ الظُّنُونِ السَّيِّئَةِ، الَّتي تُخَالِفُ صَرِيحَ قَولِهِ تَعَالى: " وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ " وَقَد عَابَ اللهُ عَلَى المُنَافِقِينَ وَذَمَّهُم حِينَ تَرَكُوا نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَصَحبَهُ في غَزوَةِ أُحُدٍ فَقَالَ: ﴿ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾ [آل عمران: 154] وَقَالَ فِيهِم وَفي المُشرِكِينَ: ﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [الفتح: 6].

 

وَدُونَ ذَلِكَ مِن سُوءِ الظَّنِّ بِاللهِ صُوَرٌ تَظهَرُ عَلَى بَعضِ النَّاسِ في مَوَاقِفَ مُختَلِفَةٍ، فَيُسِيئُونَ لِذَلِكَ عَمَلَهُم، وَيُقَصِّرُونَ فِيمَا يَجِبُ عَلَيهِم نَحوَ رَبِّهِم أَو أُمَّتِهِم، إِمَّا بِالاعتِرَاضِ عَلَى اللهِ في قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَإِمَّا بِالإِعرَاضِ عَن فِعلِ الخَيرِ وَالبُخلِ بِالمَالِ فَلا يُنفِقُون مِنهُ في وُجُوهِ الخَيرِ؛ ظنًّا بِأَنَّ اللهَ يُخلِفُ وَعدَهُ في إِثَابَةِ المُطِيعِ وَقَبُولِ عَمَلِهِ، أَو خَوفًا من نَقصِ المَالِ بِالإِنفَاقِ وَعَدَمَ يَقِينٍ بِحُصُولِ العِوَضِ وَالإِخلافِ مِنَ اللهِ. أَلا فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ وَرَاقِبُوا قُلُوبَكُم وَلا تَغفَلُوا عَنهَا، وَعَالِجُوهَا بِالإِيمَانِ الجَازِمِ بِرَبِّكُم، وَاملَؤُوهَا بِحُسنِ الظَّنِّ بِخَالِقِكُم وَمَولاكُم، وَاحذَرُوا سُوءَ الظَّنِّ بِاللهِ بِجَمِيعِ شُعَبِهِ وَصُوَرِهِ، فَإِنَّ سُوءَ الظَّنِّ بِاللهِ مَهمَا كَمَنَ في القَلبِ حِينًا أَوِ اختَفَى، أَو حَاوَلَ صَاحِبُهُ إِخفَاءَهُ وَتَغطِيَتَهُ، فَإِنَّهُ يَظهَرُ في فَلَتَاتِ اللِّسَانِ وَعَمَلِ الجَوَارِحِ، وَخَاصَّةً عِندَ المِحَنِ وَالمَضَايِقِ وَنُزُولِ البَلاءِ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حسن الظن بالناس علامة الفطرة السليمة
  • أحسن الظن بربك ومولاك
  • حسن الظن بالله عمل ورجاء
  • تفسير: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم)
  • خطبة حسن الظن بالله
  • حسن الظن بالله (خطبة)
  • خطبة حسن الظن بالله تعالى

مختارات من الشبكة

  • ظن السوء (2) المنافقون وظن السوء(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • دسائس السوء الخفية وسوء الخاتمة (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • تضرع وقنوت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دسائس السوء الخفية وسوء الخاتمة(محاضرة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • أسباب سوء الخاتمة .. مصاحبة الأشرار وأهل السوء(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أدعية الاستفتاح: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيني وبين فتاة علاقة عاطفية وعرف أهلها ما بيننا(استشارة - الاستشارات)

 


تعليقات الزوار
1- جزاكم الله خيرا
محمد سلامة حمدنالله عبدالله - السودان 02-09-2024 06:33 AM

اجتهدتم لهدايتنا وإنارة طريقنا إلى الحق بارك الله فيما تقدموه ونطمع منكم المزيد للتفقه فى أمور الدين
وفقكم الله وسدد خطاكم.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/11/1446هـ - الساعة: 0:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب