• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / سيرة نبوية
علامة باركود

غزوة أحد

غزوة أحد
أحمد الشريف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/3/2014 ميلادي - 15/5/1435 هجري

الزيارات: 27224

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دراسات في السيرة النبوية (2)

الدور المدني في حياة الرسول

الصراع بين مكة والمدينة

غزوة أحد


بدتِ الجبهةُ اليثربيَّة مضطربةً قُبيل الالتحام في المعرَكة، فقد رأينا كيف أنَّ المسلمين لم يكونوا موحَّدي الكلمة في الاستعداد لمقابلة العدوِّ، والتهيؤ لخوضِ المعركة، لقدْ كانت كلمتهم موحَّدة في بدر، وكان أمرهم جميعًا، وكانوا مثالَ الطاعة والنِّظام، والحرص على تنفيذ أمْر القيادة، كما كانوا يُقدِّرون قوةَ العدو، ويُدركون تفَوقَه عليهم، ويعدُّون أنفسهم للصَّبر على الشِّدَّةِ، وتمتلئ نفوسُهم مع ذلك باليقين بالنصْر، والثِّقة بموعودِ الله تعالى في إحدى الطائفتين ستكون لهم، تجلَّى كلُّ ذلك في حماسِ المهاجرين، وفي حماس الأنصار، واستعدادهم؛ ليخوضوا البحرَ وراءَ "نبيهم"، إنْ هو استعرَض بهم البحر.

 

وها هُم أولاء الآن في يومِ أُحد تختلف كلمتُهم؛ فمنهم مَن يرى البَقاء بالمدينة والتحصُّن بها - وكان هؤلاءِ هم الكُبَراء وأصحاب الرأي، وعلى رأسِهم النبيُّ نفسه - ومِنهم مَن يرى الخروجَ ومناجزةَ العدوِّ حيث هو بظاهِر المدينة، وكان هؤلاء هُم الأكثرية وقدْ أنسَتْهم حماستهم أن يُقدِّروا قيمةَ العدو، ويَعملوا حسابًا لتفوقه في العدَد، وأن يُدركوا ما تضطرب به نفسُه مِن الحقد، والحِرص على الثأر ليومِ بدر، لقدْ نسي أكثرُ المسلمين كل هذا في غمرة حماسهم فلم يُقدِّروا دقة الموقف، ولم يصغوا لأهلِ التجربة والرأي، ولم يتفهَّموا تحذيرَ النبي نفسه حين خافَ عليهم نتيجةَ الانْدِفاع في الحماس والاستخفاف بقوَّة العدو، فقال لهم: ((إني أخافُ عليكم الهزيمةَ)).

 

ومع ذلك فقدْ وضَّح أنَّ هذا الحماس كان فورةً غمَرتِ النفوس، فلم تثبتْ على محكِّ الحوادث؛ ذلك أنهم ما كادوا يَذكُرون بأنهم كان يجب عليهم أن يردُّوا الأمر للنبي حتى تراجعوا عن موقفِهم الشديد في الخروجِ حين رأوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قد تهيَّأ ولبس عُدَّةَ الحرْب، ولم يكن الموقف يحتمل التراجعَ مِن جانب القيادة العامَّة، وإلا تعرَّضت الرُّوح المعنوية العامَّة للانهيار نتيجةً للتردُّد، والتراجُع في اتخاذ القرارات.

 

وبرغم ما حرَص عليه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِن توحيدِ الصفوف على قرارٍ واحد صدَر عن الجماعة، وبرغمِ حِرْصه على المحافظةِ على الروح المعنويَّة عالية بيْن رِجاله، وبرغم ما وعَدَهم بالنصر على العدوِّ ما صبَروا، واستجابوا لرُوح الطاعةِ والنظام، وحرَصوا على تنفيذ أوامر القيادة، برغمِ كلِّ ذلك فإنه ما كاد الجيشُ يخرج إلى ظاهرِ المدينة للقاء العدوِّ، حتى تراجع عبدالله بن أُبيِّ بن سلول بثُلُث الناس، مستجيبًا لتحريضِ حلفائه من اليهود بأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخضعْ لرأيه حين أشار بالتحصُّن بالمدينة، وأطاع الغلمانَ الذين معه، وحتى بعض المخلِصين من المؤمنين اهتزَّتْ نفوسُهم، وتسرَّب الخوف إلى قلوبهم، وهمَّت طائفتان منهم أن تتراجعَا، لولا قوةٌ مِن الإيمان عصمَتْهم من أن يتردَّوا في عار الجُبن والمذلَّة، ولقدْ أدرك الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - هذا الضعف بيْن صفوفِه، فحرَص على إمدادِ رِجاله بالصبر واليقين، والاعتِصام بالإيمان، والثِّقة في نصْر الله الذي آتاهم مِن قَبلُ حين قاتلوا في بدْر، وكانوا أقلَّ من ذلك عددًا وأضعفَ عُدَّةً، وفي تصوير الموقِف نزل قوله - تعالى -: ﴿ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 121 - 126].

 

مِن ذلك نُدرِك السرَّ في تشديد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على الرُّماة ألاَّ يبْرَحوا أماكنهم، مهما يكُن الموقف مِن نصْرٍ أو هزيمة، وتَكرار هذا التشديد مع توضيحِ الموقِف لهم؛ ليدركوا أهميةَ محافظتهم على موقفهم بالنِّسبة لموقف الجيش كله، ثم إشهاده الله عليهم؛ إثارةً لإيمانهم لِمَا يفرضه عليهم مِن طاعة تامَّة، ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - لم يدَّخرْ وسعًا في تنظيم رجاله تنظيمًا عسكريًّا بارعًا؛ ليعوِّضهم عن قلَّتِهم، فقدِ احتل مكانًا إستراتيجيًّا هامًّا، بأنْ جعَل الجبل إلى ظهرِه والعدوَّ أمامه، ولما كانتْ هناك فتحةٌ من الوادي يمكن أن يدور منها العدوُّ بخيله خلفَ المسلمين، فقد سدَّها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنْ وضَع على أكمةٍ يُسيطِر عليها هؤلاء الخمسون مِن الرُّماة، وجعَل مهمَّتهم أن يرشقوا خيلَ العدو بالنبل إنْ حاول أن يدور خلفَ الجيش، فإنَّ الخيل لا تقدم على النَّبْل.

 

ثم إنَّه عمِل على إثارة حمية رِجاله، وتنبيه رُوح البطولة فيهم، مدَّ يدَه بسيف فقال: ((مَن يأخذ هذا السيفَ بحقِّه؟))، فقام إليه رجالٌ فأمسكه عنهم، حتى قام أبو دُجانة سماك بن خرشة أخو بني ساعدة الأنصاري، فقال: وما حقُّه يا رسول الله؟ فقال: ((أن تضربَ به في العدوِّ حتى ينحني))، وكان أبو دجانة رجلاً شجاعًا له عصابةٌ حمراء، إذا اعتَصب بها علِم الناس أنه سيقاتِل، وأنه أخرج عصابةَ الموت - فأخذ السيف وأخْرج عصابتَه فاعتَصب بها، وجعَل يتبختر بيْن الصفَّين على عادته أن يختالَ عندَ الحرب، فلمَّا رآه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يتبَختَر قال: ((إنَّها لمشيةٌ يُبغِضها الله، إلاَّ في هذا الموطِن)).

 

هكذا كانتِ الجبهة اليثربيَّة، أمَّا الجبهة المكيَّة فقدْ بدَت في هذا اليوم أكثر تماسُكًا؛ وحرصًا على الثأر مِن المسلمين الذين ألحقوا بهم الهزيمةَ وألبسوهم ثيابَ الذلِّ والعار في بدر، وقدِ استعدَّتْ قريش - كما بينَّا - استعدادًا كبيرًا، فقد حشدتْ ثلاثةَ آلاف مقاتل، معهم مائتا فرس، ومِن بينهم سبعمائة دارع، كما جاءتْ ببعض النِّسوة معها؛ ليكون ذلك أشدَّ تحميسًا للرجال، ودفعًا لهم إلى الاستبسال في القتال خوفَ تعريضِ الحريم للأُسر والسبي، وكانتِ النسوة - كما الرجال - تغلي صدورهنَّ بالحِقد والحِرص على الثأر، وعلى رأسهنَّ هندُ بنتُ عُتبة زوج أبي سفيان؛ أن قُتِل لها في يوم بدر أبوها، وأخوها، وعمُّها وابنها، وقد وعدت كلَّ واحدة منهنَّ مولى لها الخير الكثير إن أدرَك لها الثأر مِن قتَلةِ الأحبة.

 

وهكذا وقفتْ في ميدان "أحد" قوَّتان غير متكافئتين في العدد، ولا في العُدة، يحرِّك القوةَ الكبرى ثأرٌ لا يهدأ منذُ بدر في النفوس الثائِرة، ويحرِّك القوةَ الصغرى عاملان: عاملُ الدفاع عن الوطن أن تُنتهك حُرمتُه، وعامل الدفاع عنِ العقيدة وعن دِين الله.

 

فأما المطالبون بالثأر فقدْ كانوا أكثرَ عددًا، وأعزَّ نفرًا، وراءهم الظعن يحركْنَهم، ويثرنْ فيهم الحميَّة، ويدفعنهم لأخْذ الثأر.

 

وأمَّا الفئة القليلة فقد بدَا بعضُ الخلَل في صفوفها، ولكن عوَّضته في أوَّل المعركة مهارةُ القيادة، ودقَّة التنظيم، وثورة الإيمان في نفوسِ بعض أبطال مِن المسلمين سمَتْ نفوسُهم حتى يروا ألاَّ تقف قوة أمام سيوفهم، وكان هذا قمينًا أن يتمَّ عليهم النصر، لولا ذلك الخلَل الذي وصل إلى بعضِ النفوس فأطمعها في الدنيا، وأغراها بطلبِ العاجلة، فذهلتْ عن أمر نبيِّها، فأفسدتْ على الفئة المؤمِنة موقفَها.

 

استعدَّ الجيشانِ كلٌّ في مواقفه، ونساء قريش يمشين خلالَ صفوفها يضربْنَ بالدفوف والطبول، وينشدن:

وَيْهَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ
وَيْهَا حُمَاةِ الْأَدْيَارِ
ضَرْبًا بِكُلِّ بَتَّارِ
إنْ تُقْبِلُوا نُعَانِقْ
وَنَفْرِشِ النَّمَارِقْ
أَوْ تُدْبِرُوا نُفارِقْ
فِرَاقَ غَيْرِ وَامِقْ

 

وخالد بن الوليد، وعِكرمة بن أبي جَهْل على الخيل في الميمنة والميسَرة، ومع قريش: رجلٌ مِن الأوس هو أبو عامر عبد عمرو بن صيفي الأوسي، وكان قد تكهَّن، وحسَد النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما آتاه الله، فانتقَل إلى مكةَ يحرِّض قريشًا على قتال محمَّد، وقد خرَج معهم إلى أُحد ومعه خمسةَ عشرَ رجلاً مِن الأوس، وكان يزعم أنَّ قومه مِن الأوس سوف ينحازون إليه إذا هو دَعاهم، فينضمُّون لقريش ويترُكون صفوفَ محمد، فلمَّا تراءى الجمعانِ خرَج فنادى: يا معشرَ الأوس، أنا أبو عامر، فأجابه الأوسُ المسلمون: لا أنعمَ الله بك عينًا يا فاسقُ! ثم نشَب القتال بينهم، وحاولتْ خيل قريش الالتفافَ بالمسلمين، فرَشَقها الرُّماة بالنبل، ورَشقها المسلمون بالحجارةِ فارتدَّتْ، هنالك صاحب حمزة بن عبدالمطلب صيحة الحرب يومَ أحد: "أمت. أمت"، واندفع إلى قلبِ جيش قريش، واندفعتْ معه صفوةٌ مِن رجالة المسلمين، فزلزلتِ الأعداء زلزالاً، وتناوش المسلمون مع حملةِ لِواء قريش مِن بني عبد الدار، فقَتلوا كلَّ مَن تقدم لحملِه منهم، حتى تتابَع منهم تسعةٌ كلُّهم يقتل، وحتى سقَط اللواء فلم يجِد مَن يحمله، عندئذٍ انكشفتْ قريش، وولَّت صفوفها منهزمةً لا تلوي على شيء، حتى أُحيط بنسائِها، وحتى سقَط الصنم - الذي احتمَلوا يتيامنون به - مِن فوق الجمَل الذي يحمله، ومِن خلال الهودج الذي يحويه، وجعل حمزة بن عبدالمطلب يهذُّ كلَّ مَن لقي بسيفة فتسيل من جسدِه رُوحُه، قتل أرطاةَ بن عبد شُرحبِيل، وقتَل سباعَ بن عبد العُزَّى، وقتَل غيرَهما ممن تعرَّض للقائه، غير مَن نالهم سيفُه مِن قبل مِن حَمَلة لواء قريش.

 

وكانتْ هند بنت عُتبة قد وعدتْ وحشيًّا الحبشيَّ مولى جبير بن مطعم خيرًا كثيرًا إنْ هو قتَل حمزة، كما وعدَه جبيرٌ مولاه بالعتق؛ لذلك كان همُّه أن يصل إلى حمزة، فرَصَده من وراء صخرةٍ حتى إذا اقترب منه دون أن يَراه رماه بحربتِه - وكان يرمي رمْيَ الحبشة بالحربة فلا يُخطئ - فأصابتْ ثنته (أسفل بطنِه تحتَ السُّرة)، فقتَلَه، ثم رجَع إلى معسكر قريش، وقدْ نال كلَّ ما مِن أجله خرَج إلى معسكر قريش، كذلك اندفَع عليٌّ وأبو دجانة فقاتلاَ قتالاً رائعًا، حتى انهزم العدوُّ ودخل المسلمون معسكره، وبدؤوا يجمعون غنائمَه.

 

وهنا نقف وقفةً نتأمل الموقف، كيف نفسِّر هذا النصر الرائعَ في صبيحة يوم أحد؟ يردُّه بعضهم إلى مهارةِ محمَّد - صلى الله عليه وسلم - في القيادة، وحُسن اختياره لمواقِع جيشه، ووضعه الرُّماة يصدُّون فرسانَ العدو عن أن يأتوا الجيشَ مِن الخلف، وهذا حقٌّ لا شكَّ فيه، ولكن مِن الحق أيضًا أن نذكُر أنَّ انتصار سبعمائة على قوة توازي خمسةَ أمثالهم، ولها من العُدَّة مِثلُ هذه النسبة، أمر أكبر مِن مهارة القيادة وحدَها؛ ذلك هو الإيمان الذي يُضاعِف من قوَّة الفرد أضعافًا كثيرةً، حتى ليجعل العشرين يَصمُدون للمائتين كما قال القرآن: ﴿ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ﴾ [الأنفال: 65].

 

ولذلك تمزَّقتْ صفوفُ ثلاثة آلاف قُرشي أمامَ هجمات سبعمائة مسلم، وتبِع المسلمون عدوَّهم يضعون السلاحَ فيه حيث شاؤوا، ويَنهبون مِن الغنيمة ما أرادوا، وما كان أكثرَها! حتى صرفَهم ذلك مِن اتِّباع عدوِّهم ابتغاءَ عرَض الدنيا، ورآهم الرماةُ يعبُّون مِن الغنيمة فسال لهذا المنظَرِ لُعابهم، وبدأ المَثل الأعلى الذي حقَّق النصر - حتى هذه اللحظة - يُزايل النفوس، فلقدْ شغب الرماةُ على أميرهم عبدالله بن جبير، حين طلَب إليهم ألاَّ يَبرحوا أماكنَهم كما أمرَهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن رأوه يُقتَل، أو رأوه يَنتصِر، وقالوا: ((لم يُرِدِ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - أن نبقَى بعدَ أن أذلَّ الله المشركين)) واختلفوا، فمِنهم مَن بقي محافظًا على أمر النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مستمسكًا به - وكانوا قلَّة لم تجاوز العشرةَ - أمَّا أكثر الرُّماة فانطلقوا يُشارِكون في النهب، وشُغلوا كما شُغِل سائر المسلمين به، إذ ذاك اهتَبل الفرصةَ خالدُ بن الوليد، فشدَّ بفرسانه على مَن بقِي مِن الرماة فأجلاهم، ولم يفطن المسلمون لفِعلته؛ لأنَّهم كانوا في شُغل بهذه الغنائم يعبُّون منها، حتى صاح ابنُ الوليد صيحةً أدركت قريش معها أنَّ خيلها دارتْ وراءَ المسلمين، وأنَّها تقاتل، وعندئذٍ عاد منهم كلُّ منهزم، فأثْخَنوا في المسلمين ضربًا وقتْلاً، حتى دارتِ الدائرة عليهم.

 

وألْقَى المسلمون ما بأيديهم، وعادوا للقِتال، ولكن هَيْهاتَ هَيهات! لقد تفرَّقت الوحدة، وتمزَّقتِ الصفوف، وابتلع البحرُ اللجيُّ مِن رجال قريش، هذه الصفوةَ مِن المسلمين التي كانتْ منذُ ساعة تقاتل بأمرِ ربِّها تُفصح عن إيمانها، وهي الآن تقاتل لتنجوَ مِن براثن الموت، وكانت تُقاتِل متراصةً متضامنة، وهي الآن تُقاتل مبعثرةً متناكرة، وكانت تُقاتل تحتَ قيادةٍ قويَّة حازمة، وهي الساعة تُقاتِل ولا قيادةَ لها، فلقد ذُهِل المسلمون حتى لم يستمعوا في انهزامِهم إلى رسولِ الله يُصيح بهم: ((أَين أين أيُّها الناس؟!))، وفي تصوير هذا الموقفِ نزل القرآن الكريم: ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [آل عمران: 152 - 153].

 

ومعنى ﴿ تَحُسُّونَهُمْ ﴾: تَقْتُلونهم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • غزوة أحد
  • غزوة أحد (1) الآيات، والكرامات، والمعجزات
  • غزوة أحد (2) الابتلاءات والمصائب
  • غزوة أحد
  • غزوة أحد: دروس وعبر (1)
  • غزوة أحد: دروس وعبر (2)
  • الشجاعة والحلم من دروس غزوة أحد
  • من مواقف الصدق والطاعة في غزوة أحد
  • غزوة بني النضير

مختارات من الشبكة

  • غزوة تبوك أو العسرة(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • غزوة حمراء الأسد والرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة وغزوة بني المصطلق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • غزوة ذات السلاسل وغزوة الخبط(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • غزوة السويق وغزوة ذي أمر(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • موسوعة المتسابقين في السيرة النبوية (7)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خاتم النبيين (21) بعض الأحداث بين أحد والخندق (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دروس غزوة أحد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصة غزوة أحد والمسائل المستنبطة منها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات ثلاث مع غزوة أحد (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • غزوة أحد (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب