تحقيق تخريج مسألة ( أن صلوا في الرحال )

تحقيق تخريج مسألة ( أن صلوا في الرحال )

للإمام الحافظ أبي محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي

قال ابن أبي حاتم في كتاب العِلل: وسألت أبي عن حديث رواه علي بن الجعد، عن أبي معاوية، عن أبي المليح بن أسامة، عن أبيه قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة[1] حنين فوافق يوم جمعة يوم مطر، فأمر بلالًا فنادى: "أن صلوا في الرحال".

سألت أبي: من أبو معاوية هذا؟.

فقال: هو سعيد بن زَرْبي.

رجال الإسناد:

• علي بن الجعد بن عُبيد الجوهري أبو الحسن البغدادي (ت230).

ثقة ثبت، من أثبت الناس في شعبة، ولكنه رمي بالتشيع. وبسبب ذلك ضعفه بعضهم.

ورد على ذلك الذهبي في السير، فقال: وقد كان طائفة من المحدثين يتنطعون في من له هفوة صغيرة تُخالف السنة، وإلا فعلي إمام كبير حجة، يُقال: مكث ستين سنة يصوم يومًا ويفطر يومًا، وبحسبك أن ابن عدي يقول في كامله: لم أر في رواياته حديثًا منكرًا إذا حدث عنه ثقة.

تهذيب الكمال20/341، السير10/459، التهذيب7/289، التقريب (4698).

• أبو معاوية: قيل هو سعيد بن زَرْبي، بفتح الزاي وسكون الراء، الخزاعي البصري، العَبَّاداني، وقيل إن كنية سعيد: أبو عبيدة. من السابعة.

وقد اختلف في كنية سعيدًا هذا.

قال ابن حجر في التهذيب:

كناه البخاري أبا معاوية في التاريخ الكبير، وكذا في الأوسط...، وكذا كناه مسلم في الكنى، وقال: صاحب عجائب، وأبو القاسم البغوي، وابن حبان، وقال: وقد قيل يكنى أبا عبيدة، وقال: كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات على قلة روايته. وقال أبو أحمد الحاكم في أبي معاوية من الكنى: منكر الحديث جدًا.

وذكره في أبي عبيدة أيضًا. وكذا ذكره النسائي في الموضوعين، وأما ابن عدي فقال: من.

قال أبو معاوية فقد أخطأ، ثم قال: حدثنا البغوي، ثنا علي بن الجعد، أنا أبو معاوية العباداني. قال البغوي: وهو عندي سعيد بن زربي، فذكر عنه أحاديث، وقال: هي أحاديث سعيد بن زربي. قال ابن عدي، أخطأ البغوي في هذا، وكيف يحكم بأنه هو، وعلي بن الجعد يقول: العباداني، وسعيد بن زربي بصري. ثم أخرج عدة أحاديث لسعيد بن زربي كُني فيها أبا عبيدة. وليس ما جزم به من خطأ البغوي في ذلك بلازم. انتهى.

قلت: وممن قال أبو معاوية أيضًا: الدارقطني في الضعفاء، وأبو حاتم في هذه المسألة، وفي الجرح والتعديل، والخطيب في الموضح.

وممن قال أبو عبيدة: الدولابي في الكنى، والعقيلي في الضعفاء.

وذكره ابن الجوزي بالكنيتين، ولم يرجح. وكذا تردد فيه الذهبي، فقال في الكنى: أبو معاوية. وذكره في الكاشف والميزان، وقال أبو عبيدة. ولم يكنه في كتبه الأخرى.

وقال ابن حجر في التهذيب: أبو معاوية، ويقال: أبو عبيدة، وهو صحيح.

وذكره في التقريب فقال: أبو عبيدة، وأبو معاوية. ولم يرجح.

قلت: وليس بعيدًا أن الرجل يكنى بالكنيتين معًا؛ لأن البغوي ساق لأبي معاوية عدة أحاديث عن أبي المليح، هي من رواية سعيد بن أبي المليح. وكذا ساق له ابن عدي عدة أحاديث من رواية أبي عبيدة، قد رواها سعيد أيضًا، إلا إن بعض ما أورده ابن عدي قد ورد في أحدها التصريح بأن أبا عبيدة هو سعيد بن زربي، وهذا مما يقوي أن كنيته أبو عبيدة ولكن يقابل هذا جزم البخاري ومسلم وأبو حاتم وغيرهم بأنه أبو معاوية، وعليه فلا أستطيع الجزم فيه بشيء، إلا أن يقال بأنه يُكنى بهما معًا، والله أعلم.

وسعيد بن زربي هذا متفق على تضعيفه. قال ابن حجر: منكر الحديث.

انظر الضعفاء للدارقطني (272)، الضعفاء للعقيلي2/106، الضعفاء لابن الجوزي1/318، كنى الدولابي2/73، الموضح لأوهام الجمع 2/135، تهذيب الكمال 10/430، المقتنى في سرد الكنى2/86، التهذيب 4/28، التقريب (2304).

• أبو المليح بن أسامة الهذلي، ثقة، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 554.

• أسامة بن عمير بن عامر الهذلي البصري، والد أبي المليح، صحابي جليل، نـزل البصرة، ولم يرو عنه إلا ولده.

انظر أسد الغابة 1/149، الاستيعاب 1/67، الإصابة 1/46.

تخريج الحديث:

أخرجه البغوي في الجعديات 2/521- وعنه ابن عدي في الكامل 3/1202-.

وابن قانع في معجم الصحابة 1/12، عن بشر بن موسى.

كلاهما عن علي بن الجعد، قال: أخبرنا أبو معاوية العَبَّاداني، عن أبي المليح، به.

وقال البغوي: هو عندي سعيد بن زربي؛ لأن هذه الأحاديث حدث بها سعيد.

وأخرجه ابن سعد في الطبقات 7/44، عن يزيد بن هارون.

والطبراني في الكبير1/189، رقم 498، من طريق مسلم بن إبراهيم.

كلاهما عن سعيد بن زربي، عن أبي المليح، به.

وتوبع سعيد بن زربي:

أخرجه أبو داود1/640، كتاب الصلاة، باب الجمعة في اليوم المطير، رقم 1057، والنسائي2/111، كتاب الإمامة، باب العذر في ترك الجماعة، رقم 854، وابن خزيمة 3/80، رقم 1658، وابن حبان 5/436، رقم 2081، و5/438، رقم2083، وأحمد5/74- ومن طريقه ابن الأثير في أسد الغابة1/67-، ورواه السراج في مسنده (ق104/ب)، والطبراني في الكبير 1/188، رقم 497- ومن طريقه الضياء في المختارة 4/191، رقم 1406-، ورواه البغوي في الجعديات 1/292، رقم 963- ومن طريقه الضياء في المختارة 4/191، رقم 1407-، ورواه أحمد 5/74، 75، والبزار 6/322، رقم 2332، 2333، 2334، والبيهقي في الكبرى 3/186، والطبراني 1/188، رقم 497، و1/189، رقم 501، وابن سعد في الطبقات 2/157. من طريق قتادة.

وأبو داود، الموضع السابق، رقم 1058- ومن طريقه عبدالبر في التمهيد[2] 13/273-، ورواه البيهقي في الكبرى 3/86، من طريق سعيد، عن صاحب له.

وأبو داود الطيالسي في مسنده (187)، رقم 1320- ومن طريقه أبو نعيم في معرفة الصحابة 2/191، رقم 778- عن عباد بن منصور.

وعبدالله بن أحمد في زوائده على المسند[3] 5/24، ابن قانع في معجم الصحابة 1/11، رقم 7، من طريق أبي بشر الحلبي.

والطبراني في الكبير1/189، رقم 501، من طريق زياد بن أبي المليح. وأبو نعيم في معرفة الصحابة2/191، رقم 779، وابن عدي في الكامل 3/1170، من طريق أبي بكر الهذلي.

وتابعهم: خالد الحذاء، وأبو قلابة، وعامر بن عبدة كما سيأتي.

كما تابعهم: شعيب بن رزيق: ذكر ذلك أبو نعيم في المعرفة 2/192.

كلهم عن أبي المليح، عن أبيه، نحوه.

قلت: ووقع في بعض الروايات أن ذلك كان في حنين، ووقع في بعضها أنه في الحديبية.

قال الضياء: وقد روي زمن الحديبية، وروي يوم حنين من أوجه، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز لهم ذلك زمن الحديبية ويوم حنين، والله أعلم.

ورواه خالد الحذاء، واختلف عليه:

1- فرواه عدد من الثقات، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي المليح، عن أبيه:

أخرجه أبو داود1/641، الموضع السابق، رقم 1059- ومن طريقه ابن عبدالبر في التمهيد13/273-، ورواه ابن خزيمة3/179، رقم 1863، والحاكم 1/293، والبيهقي في الكبرى 3/186. من طريق سفيان حبيب.

وابن أبي شيبة في المسند 2/382، رقم 899، وفي المصنف2/234- ومن طريقه ابن ماجه[4] 1/302، كتاب إقامة الصلاة، باب الجماعة في الليلة المطيرة، رقم 936، والطبراني في الكبير 1/189، رقم 500 ومن طريق الطبراني الضياء في المختارة 4/190، رقم 1405) -، ورواه ابن خزيمة 3/80، رقم 1657، أحمد5/74، من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن علية.

وابن حبان 5/435، رقم2079، وأبو موسى المديني في نـزهة الحفاظ (ص69)، من طريق خالد بن عبدالله الواسطي.

وعبد الرزاق 1/500، رقم 1924- ومن طريق أحمد 5/74، والطبراني في الكبير 1/188، رقم 496- ومن طريق الطبراني الضياء في المختارة 4/189، رقم 1404-، ورواه أحمد 5/74، والبخاري في التاريخ الكبير 2/21، من طريق سفيان الثوري.

وأبو موسى المديني في نـزه الحفاظ (ص69)، من طريق هشيم.

وتابعهم: شعبة، كما في التاريخ الكبير للبخاري 2/21.

كلهم عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي المليح، عن أبيه، نحوه.

2- ورواه عدد من الثقات، عن خالد الحذاء، عن أبي المليح، عن أبيه:

أخرجه البيهقي في الكبرى 3/71، والسراج في مسنده (ق104/ب)، من طريق عبد الوهاب بن عطاء.

وابن أبي شيبة 2/233، عن هشيم.

والسراج في مسنده (ق 104/ب)، من طريق ابن مبارك، ومن طريق سفيان.

والدارقطني في الفوائد المتنقاة، رواية ابن معروف (ق17/أ) من طريق حفص بن غياث.

وابن قانع في معجم الصحابة 1/11، رقم 7، من طريق بشر بن المفضل.

وتابعهم: يزيد بن زريع، كما في التاريخ الكبير 2/21.

كلهم عن خالد، عن أبي المليح، عن أبيه.

قلت: ولعل الوجهين محفوظان عن خالد، فجميع من رواه عنه على الوجهين أكثرهم ثقات أثبات، كما في تراجمهم في التقريب، فلعله، رواه عن أبي قلابة، ثم لقي أبا المليح فحدثه به، والله أعلم.

ورواه أبو أسامة: حماد بن أسامة، واختلف عليه:

1- فرواه الحسن بن علي العامري، عن أبي أسامة، عن الوليد بن عبدة الباهلي، عن أبي المليح، عن أبيه:

أخرجه ابن منده - كما في أسد الغابة 1/76- عن الحسن بن علي بن عفان العامري، به.

2- ورواه الحسن بن علي أيضًا، وعبدالله بن عمر بن أبان، عن أبي أسامة، عن عامر بن عبدة الباهلي، عن أبي المليح، عن أبيه:

أخرجه البيهقي في الكبرى 3/71، وابن الأعرابي في معجمه 2/682، رقم 1370- وعنه الخطابي في غريب الحديث1/72- ومن طريق الخطابي أبو بكر عتيق بن علي الهروي في الأربعين حديثًا من أربعين كتابًا (ق29/أ) -، ورواه الخطيب في تلخيص المتشابه 1/88، من طريق الحسن بن علي بن عفان.

والطبراني 1/189، رقم499- وعنه أبو نعيم في المعرفة 2/192، رقم 780-، من طريق عبدالله بن عمر بن أبان.

كلاهما عن أبي أسامة، عن عامر بن عبدة الباهلي، عن أبي المليح، عن أبيه.

وقال أبو نعيم: ووهم بعض الرواة- يعني ابن منده، كما في أسد الغابة - على أبي أسامة، فقال: الوليد بن عبدة، هو كوفي، [وإنما هو عامر بن عبدة، وقيل: عبادة][5].

قلت: لعل ما ذهب إليه أبو نعيم هو الصواب؛ حيث رواه الحسن بن علي على الوجهين فيقدم من روايتيه ما وافقه غيره عليه.

كما أن الذي يروي عن أبي المليح هو عامر البصري وليس الوليد الكوفي، وأبو المليح كما تقدم بصري. (التهذيب 5/79، 11/141)، والله أعلم.

النظر في المسألة:

مما تقدم يتضح أن سؤال ابن أبي حاتم في هذه المسألة خاص ببيان اسم أبي معاوية الوارد في إسناد هذا الحديث.

ويرى أبو حاتم في هذه المسألة، وفي الجرح أن أبا معاوية هذا اسمه سعيد بن زربي.

وقد وافقه على هذا البخاري ومسلم والدارقطني، وغيرهم، كما تقدم في ترجمته.

بينما يرى ابن عدي أن كنية سعيد أبو عبيدة، وخطأ من قال: أبو معاوية.

وتقدم ذكر الخلاف في ذلك في ترجمة أبي معاوية، وأن الذي يظهر أنه يُكنى بالكنيتين معًا لجزم بعض الأئمة الحفاظ بذلك، ولرواية أبي معاوية لأحاديث هي من رواية سعيد، وتقدم في تخريج هذا الحديث أن روي مرة عن سعيد بن زربي عن أبي المليح، ومرة عن أبي معاوية عن أبي المليح.

وعليه فلعل ما ذهب إليه أبو حاتم لا يعارض القول بأن لسعيد كنية أخرى غير أبي معاوية التي ذكرت في هذا الحديث، والله أعلم.

والحديث من رواية سعيد إسناده ضعيف؛ لضعف سعيد، لكنه قد توبع من أكثر من ثقة، كما تقدم، وعليه فإسناده صحيح، من غير رواية سعيد.

وقد اختلف على بعض الرواة دون أبي المليح، وتقدم ذكر ذلك مفصلًا وبيان الراجح منها أثناء التخريج، والله أعلم.